فصل: سورة الْمَلَائِكَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب قَوْلُهُ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ باب قوله‏:‏ إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد‏)‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّفَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ يَا صَبَاحَاهْ فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ قَالُوا مَا لَكَ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ يُصَبِّحُكُمْ أَوْ يُمَسِّيكُمْ أَمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي قَالُوا بَلَى قَالَ فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ تَبًّا لَكَ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ

الشرح‏:‏

ذكر فيه طرفا من حديث ابن عباس في نزول قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأنذر عشيرتك الأقربين‏)‏ وقد تقدم شرحه مستوفى في سورة الشعراء‏.‏

*3*سورة الْمَلَائِكَةِ

قَالَ مُجَاهِدٌ الْقِطْمِيرُ لِفَافَةُ النَّوَاةِ مُثْقَلَةٌ مُثَقَّلَةٌ وَقَالَ غَيْرُهُ الْحَرُورُ بِالنَّهَارِ مَعَ الشَّمْسِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْحَرُورُ بِاللَّيْلِ وَالسَّمُومُ بِالنَّهَارِ وَغَرَابِيبُ أَشَدُّ سَوَادٍ الْغِرْبِيبُ الشَّدِيدُ السَّوَادِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة الملائكة وياسين - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ كذا لأبي ذر، وسقط لغيره لفظ سورة وياسين والبسملة، والأولى سقوط لفظ يس لأنه مكرر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏القطمير لفافة النواة‏)‏ كذا لأبي ذر ولغيره وقاله مجاهد، وقد وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله، وروى سعيد بن منصور من طريق عكرمة عن ابن عباس‏:‏ القطمير القشر الذي يكون على النواة‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ القطمير الفوقة التي فيها النواة‏.‏

قال الشاعر‏:‏ ‏"‏ وأنت لن تغني عني فوقا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مثقلة مثقلة‏)‏ سقط هذا لأبي ذر، وهو قول مجاهد قال‏:‏ وإن تدع مثقلة أي مثقلة بذنوبها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره‏:‏ الحرور بالنهار مع الشمس‏)‏ ثبت هذا هنا للنسفي وحده، وهو قول رؤبة كما تقدم في بدء الخلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏.‏

الحرور بالليل والسموم بالنهار‏)‏ سقط هذا لأبي ذر هنا، وتقدم في كتاب بدء الخلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقاله ابن عباس‏:‏ ‏(‏وغرابيب سود‏)‏ أشد سوادا الغربيب‏)‏ زاد غير أبي ذر‏:‏ الشديد السواد‏.‏

وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ‏:‏ قال الغربيب الأسود الشديد السواد‏.‏

*3*سورة يس

وَقَالَ مُجَاهِدٌ فَعَزَّزْنَا شَدَّدْنَا يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ كَانَ حَسْرَةً عَلَيْهِمْ اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِالرُّسُلِ أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ لَا يَسْتُرُ ضَوْءُ أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الْآخَرِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُمَا ذَلِكَ سَابِقُ النَّهَارِ يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَيْنِ نَسْلَخُ نُخْرِجُ أَحَدَهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَيَجْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ مِثْلِهِ مِنْ الْأَنْعَامِ فَكِهُونَ مُعْجَبُونَ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ عِنْدَ الْحِسَابِ وَيُذْكَرُ عَنْ عِكْرِمَةَ الْمَشْحُونِ الْمُوقَرُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ طَائِرُكُمْ مَصَائِبُكُمْ يَنْسِلُونَ يَخْرُجُونَ مَرْقَدِنَا مَخْرَجِنَا أَحْصَيْنَاهُ حَفِظْنَاهُ مَكَانَتُهُمْ وَمَكَانُهُمْ وَاحِدٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة يس‏)‏ سقط هذا لأبي ذر هنا والصواب إثباته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ فعززنا شددنا‏)‏ سقط هذا لأبي ذر، وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا حسرة على العباد، وكان حسرة عليهم استهزاؤهم بالرسل‏)‏ وصله الفريابي كذلك، وقد أخرج سعيد بن منصور عن سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه قرأ ‏"‏ يا حسرة العباد ‏"‏ بالإضافة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن تدرك القمر إلخ، وقوله سابق النهار إلخ، وقوله نسلخ نخرج إلخ‏)‏ سقط كله لأبي ذر، وقد تقدم في بدء الخلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من مثله من الأنعام‏)‏ وصله الفريابي أيضا من طريق مجاهد، وعن ابن عباس قال‏:‏ المراد بالمثل هنا السفن، ورجح لقوله بعد‏:‏ ‏(‏وإن نشأ نغرقهم‏)‏ إذ الغرق لا يكون في الأنعام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكهون معجبون‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ فاكهون ‏"‏ وهي القراءة المشهورة، والأولى رويت عن يعقوب الحضرمي، وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد‏:‏ فاكهون معجبون‏.‏

قال أبو عبيدة‏:‏ من قرأها فاكهون جعله كثير الفاكهة، قال الحطيئة‏:‏ ودعوتني وزعمت أنك لابن في الصيف تامر أي عندك لبن كثير وتمر كثير، وأما فكهون فهي قراءة أبي جعفر وشيبة وهي بوزن فرحون، ومعناه مأخوذ من الفاكهة وهي التلذذ والتنعم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جند محضرون عند الحساب‏)‏ سقط هذا لأبي ذر، وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن عكرمة المشحون الموقر‏)‏ سقط هذا لأبي ذر، وقد تقدم في أحاديث الأنبياء، وجاء مثله عن ابن عباس، وصله الطبري من طريق سعيد بن جبير عنه بإسناد حسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة يس - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ كذا لأبي ذر هنا، وسقط لغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ طائركم عند الله مصائبكم‏)‏ وتقدم في أحاديث الأنبياء وللطبري من وجه آخر عن ابن عباس قال‏:‏ طائركم أعمالكم‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ طائركم أي حظكم من الخير والشر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ينسلون يخرجون‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مرقدنا مخرجنا‏.‏

وقوله‏:‏ أحصيناه حفظناه‏.‏

وقوله‏:‏ مكانتهم ومكانهم واحد‏)‏ سقط هذا كله لأبي ذر وسيأتي تفسير ‏"‏ أحصيناه ‏"‏ في كتاب التوحيد‏.‏

وروى الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم‏)‏ يقول‏:‏ لأهلكناهم في مساكنهم‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏لمسخناهم على مكانتهم‏)‏ ‏:‏ المكان والمكانة واحد‏.‏

*3*باب وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم‏)‏ ذكر فيه حديث أبي ذر ‏"‏ كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال‏:‏ يا أبا ذر أين تغرب الشمس‏؟‏ قال‏:‏ الله ورسوله أعلم، قال‏:‏ فإنها تذهب تسجد تحت العرش، فذلك قوله‏:‏ ‏(‏والشمس تجري لمستقر لها‏)‏ إلى آخر الآية ‏"‏ هكذا أورده مختصرا وأخرجه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ تذهب حتى تنتهي تحت لعرش عند ربها ‏"‏ وزاد ‏"‏ ثم تستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها وتستشفع وتطلب، فإذا كان ذلك قيل اطلعي من مكانك، فذلك قوله‏:‏ ‏(‏والشمس تجري لمستقر لها‏)‏ وقد ذكر نحو هذه الزيادة من غير طريق أبي نعيم كما سأنبه عليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا قَالَ مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ

الشرح‏:‏

قوله في الرواية الثانية ‏(‏سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى ‏(‏والشمس تجري لمستقر لها‏)‏ قال‏:‏ مستقرها تحت العرش‏)‏ كذا رواه وكيع عن الأعمش مختصرا، وهو بالمعنى، فإن في الرواية الأولى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي استفهمه ‏"‏ أتدري أين تغرب الشمس‏؟‏ فقال‏:‏ الله ورسوله أعلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش‏)‏ في رواية أبي معاوية عن الأعمش كما سيأتي في التوحيد فإنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها، وكأنها قد قيل لها اطلعي من حيث جئت فتطلع من مغربها‏.‏

ثم قرأ ‏"‏ وذلك مستقر لها‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وهي قراءة عبد الله‏.‏

وروى عبد الرزاق من طريق وهب عن جابر عن عبد الله بن عمرو في هذه الآية قال‏:‏ مستقرها أن تطلع فيردها ذنوب بني آدم، فإذا غربت سلمت وسجدت واستأذنت فلا يؤذن لها، فتقول‏:‏ إن السير بعد، وإني إن لا يؤذن لي لا أبلغ، فتحبس ما شاء الله‏.‏

ثم يقال‏:‏ اطلعي من حيث غربت، قال فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفسا إيمانها‏.‏

وأما قوله ‏"‏ تحت العرش ‏"‏ فقيل هو حين محاذاتها‏.‏

ولا يخالف هذا قوله‏:‏ ‏(‏وجدها تغرب في عين حمئة‏)‏ فإن المراد بها نهاية مدرك البصر إليها حال الغروب، وسجودها تحت العرش إنما هو بعد الغروب‏.‏

وفي الحديث رد على من زعم أن المراد بمستقرها غاية ما تنتهي إليه في الارتفاع، وذلك أطول يوم في السنة، وقيل إلى منتهى أمرها عند انتهاء الدنيا‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر تحته استقرارا لا نحيط به نحن، ويحتمل أن يكون المعنى أو علم ما سألت عنه من مستقرها تحت العرش في كتاب كتب فيه ابتداء أمور العالم ونهايتها فيقطع دوران الشمس وتستقر عند ذلك ويبطل فعلها، وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق عن دورانها في سيرها‏.‏

قلت‏:‏ وظاهر الحديث أن المراد بالاستقرار وقوعه في كل يوم وليلة عند سجودها ومقابل الاستقرار المسير الدائم المعبر عنه بالجري‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*سورة الصَّافَّاتِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ يُرْمَوْنَ وَاصِبٌ دَائِمٌ لَازِبٌ لَازِمٌ تَأْتُونَنَا عَنْ الْيَمِينِ يَعْنِي الْحَقَّ الْكُفَّارُ تَقُولُهُ لِلشَّيْطَانِ غَوْلٌ وَجَعُ بَطْنٍ يُنْزَفُونَ لَا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ قَرِينٌ شَيْطَانٌ يُهْرَعُونَ كَهَيْئَةِ الْهَرْوَلَةِ يَزِفُّونَ النَّسَلَانُ فِي الْمَشْيِ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ وَأُمَّهَاتُهُمْ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سَتُحْضَرُ لِلْحِسَابِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَنَحْنُ الصَّافُّونَ الْمَلَائِكَةُ صِرَاطِ الْجَحِيمِ سَوَاءِ الْجَحِيمِ وَوَسَطِ الْجَحِيمِ لَشَوْبًا يُخْلَطُ طَعَامُهُمْ وَيُسَاطُ بِالْحَمِيمِ مَدْحُورًا مَطْرُودًا بَيْضٌ مَكْنُونٌ اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ يُذْكَرُ بِخَيْرٍ وَيُقَالُ يَسْتَسْخِرُونَ يَسْخَرُونَ بَعْلًا رَبًّا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة الصافات - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد ويقذفون بالغيب من مكان بعيد من كل مكان، ويقذفون من كل جانب‏.‏

دحورا يرمون‏.‏

واصب دائم‏.‏

لازب لازم‏)‏ سقط هذا كله لأبي ذر، وقد تقدم بعضه في بدء الخلق‏.‏

وروى الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏ويقذفون بالغيب من مكان‏)‏ يقولون هو ساحر هو كاهن هو شاعر وفي قوله‏:‏ ‏(‏إنا خلقناهم من طين لازب‏)‏ قال‏:‏ لازم‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏ولهم عذاب واصب أي دائم وفي قوله‏:‏ ‏(‏من طين لازب‏)‏ هي بمعنى اللازم قال النابغة ‏"‏ ولا يحسبون الشر ضربة لازب ‏"‏ أي لازم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تأتوننا عن اليمين، يعني الحق، الكفار تقوله للشياطين‏)‏ ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ يعني الجن ‏"‏ بجيم ثم نون، ونسبه عياض للأكثر‏.‏

وقد وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ ‏"‏ إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين، قال الكفار تقوله للشياطين ‏"‏ ولم يذكر الزيادة، فدل على أنه شرح من المصنف‏.‏

ولكل من الروايتين وجه، فمن قال ‏"‏ يعني الجن ‏"‏ أراد بيان المقول له وهم الشياطين، ومن قال ‏"‏ الحق ‏"‏ بالمهملة والقاف أراد تفسير لفظ اليمين أي كنتم تأتوننا من جهة الحق فتلبسوه علينا، ويؤيده تفسير قتادة قال‏:‏ يقول الإنس للجن‏:‏ كنتم تأتوننا عن اليمين، أي من طريق الجنة تصدوننا عنها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غول وجع بطن، ينزفون لا تذهب عقولهم، قرين شيطان‏)‏ سقط هذا لأبي ذر، وقد وصله الفريابي عن مجاهد كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يهرعون كهيئة الهرولة‏)‏ وصله الفريابي عن مجاهد كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يزفون النسلان في المشي‏)‏ سقط هذا لأبي ذر، وقد وصله عبد بن حميد من طريق شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏فأقبلوا إليه يزفون‏)‏ قال‏:‏ الوزيف النسلان انتهى - والنسلان بفتحتين الإسراع مع تقارب الخطأ، وهو دون السعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبين الجنة نسبا إلخ‏)‏ سقط هذا لأبي ذر، وقد تقدم في بدء الخلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ لنحن الصافون الملائكة‏)‏ وصله الطبري، وقد تقدم في بدء الخلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صراط الجحيم سواء الجحيم ووسط الجحيم، لشوبا يخلط طعامهم ويساط بالحميم، مدحورا مطرودا‏)‏ سقط هذا كله لأبي ذر وقد تقدم في بدء الخلق، قال بعض الشراح‏:‏ أراد أن يفسر ‏"‏ دحورا ‏"‏ التي في الصافات ففسر مدحورا التي في سورة الإسراء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بيض مكنون اللؤلؤ المكنون‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله كأنهن بيض مكنون أي مصون، وكل شيء صنته فهو مكنون، وكل شيء أضمرته في نفسك فقد أكننته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتركنا عليه في الآخرين يذكر بخير‏)‏ ثبت هذا للنسفي وحده، وقد تقدم في بدء الخلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الأسباب السماء‏)‏ سقط هذا لغير أبي ذر، وثبت للنسفي بلفظ ‏"‏ ويقال ‏"‏ وقد وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏، يقال يستسخرون يسخرون‏)‏ ثبت هذا أيضا للنسفي وأبي ذر فقط‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ يستسخرون ويسخرون سواء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعلا ربا‏)‏ ثبت هذا للنسفي وحده، وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس أنه أبصر رجلا يسوق بقرة فقال‏:‏ من بعل هذا‏؟‏ قال فدعاه فقال‏:‏ من أنت‏؟‏ فقال من أهل اليمين، قال‏:‏ هي لغة ‏(‏أتدعون بعلا‏)‏ أي ربا، وصله إبراهيم الحربي في ‏"‏ غريب الحديث ‏"‏ من هذا الوجه مختصرا إلخ، ولمح المصنف بهذا القدر من قصة إلياس، وقد ذكرت خبره في أحاديث الأنبياء عند ذكر إدريس‏.‏

*3*باب وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ وإن يونس لمن المرسلين‏)‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى

الشرح‏:‏

ذكر فيه حديث ابن مسعود ‏"‏ لا ينبغي لأحد أن يكون خيرا من يونس بن متى‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ

الشرح‏:‏

وحديث أبي هريرة ‏"‏ من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب ‏"‏ وقد تقدم شرحه في أحاديث الأنبياء ولله الحمد

*3*سُورَةُ ‏"‏ص‏"‏

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة ‏"‏ص‏"‏ - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت البسملة فقط للنسفي، واقتصر الباقون على ‏"‏ص‏"‏، وحكمها حكم الحروف المقطعة أوائل السور، وقد قرأها عيسى بن عمر بكسر الدال فقيل الدرج وقيل بل هي عند فعل أمر من المصاداة وهي المعارضة، كأنه قيل عارض القرآن بعملك، والأول هو المشهور‏.‏

وسيأتي مزيد بيان في أسماء السورة في أول غافر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْعَوَّامِ قَالَ سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ السَّجْدَةِ فِي ‏"‏ص‏"‏ قَالَ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهْ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْجُدُ فِيهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا شعبة عن العوام‏)‏ هو ابن حوشب، كذا قال أكثر أصحاب شعبة‏.‏

وقال أمية بن خالد عنه ‏"‏ عن منصور وعمرو بن مرة وأبي حصين ثلاثتهم عن مجاهد ‏"‏ فكأن لشعبة فيه مشايخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن مجاهد‏)‏ كذا قال أكثر أصحاب العوام بن حوشب‏.‏

وقال أبو سعيد الأشج ‏"‏ عن أبي خالد الأحمر وحفص بن غياث عن العوام عن سعيد بن جبير ‏"‏ بدل مجاهد، أخرجه ابن خزيمة‏.‏

فلعل للعوام فيه شيخين‏.‏

وقد تقدم في تفسير الأنعام من طريق سليمان الأحول عن مجاهد أنه سأل ابن عباس‏:‏ أفي ‏"‏ص‏"‏ سجدة‏؟‏ قال نعم، ثم تلا ‏(‏ووهبنا له إسحاق ويعقوب - إلى قوله - فبهداهم اقتده‏)‏ قال هو منهم، فالحديث محفوظ لمجاهد، فرواية أبي سعيد الأشج شاذة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ عَنْ الْعَوَّامِ قَالَ سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ سَجْدَةٍ فِي ‏"‏ص‏"‏ فَقَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ أَيْنَ سَجَدْتَ فَقَالَ أَوَ مَا تَقْرَأُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهْ فَكَانَ دَاوُدُ مِمَّنْ أُمِرَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فَسَجَدَهَا دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَام فَسَجَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُجَابٌ عَجِيبٌ الْقِطُّ الصَّحِيفَةُ هُوَ هَا هُنَا صَحِيفَةُ الْحِسَابِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي عِزَّةٍ مُعَازِّينَ الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ مِلَّةُ قُرَيْشٍ الْاخْتِلَاقُ الْكَذِبُ الْأَسْبَابُ طُرُقُ السَّمَاءِ فِي أَبْوَابِهَا قَوْلُهُ جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ يَعْنِي قُرَيْشًا أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ الْقُرُونُ الْمَاضِيَةُ فَوَاقٍ رُجُوعٍ قِطَّنَا عَذَابَنَا اتَّخَذْنَاهُمْ سُخْرِيًّا أَحَطْنَا بِهِمْ أَتْرَابٌ أَمْثَالٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْأَيْدُ الْقُوَّةُ فِي الْعِبَادَةِ الْأَبْصَارُ الْبَصَرُ فِي أَمْرِ اللَّهِ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي مِنْ ذِكْرِ طَفِقَ مَسْحًا يَمْسَحُ أَعْرَافَ الْخَيْلِ وَعَرَاقِيبَهَا الْأَصْفَادِ الْوَثَاقِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا محمد بن عبد الله‏)‏ قال الكلاباذي وابن طاهر‏:‏ هو الذهلي نسب إلى جده‏.‏

وقال غيرهما‏:‏ يحتمل أن يكون محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي فإنه من هذه الطبقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسجدها داود فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ سقط ‏"‏ فسجدها داود ‏"‏ من رواية غير أبي ذر؛ وهذا أصرح في الرفع من رواية شعبة وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بالسجود في ‏"‏ص‏"‏ في كتاب سجود التلاوة مستوفي، واستدل بهذا على أن شرع من قبلنا شرع لنا وهي مسألة مشهورة في الأصول وقد تعرضنا لها في مكان آخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عجاب عجيب‏)‏ هو قول أبي عبيدة قال‏:‏ والعرب تحول فعيلا إلى فعال بالضم وهو مثل طويل وطوال، قال الشاعر ‏"‏ تعدو به سلهبة سراعة ‏"‏ أي سريعة، وقرأ عيسى بن عمر ونقلت عن علي عجاب بالتشديد وهو مثل كبار في قوله‏:‏ ‏(‏مكروا مكرا كبارا‏)‏ وهو أبلغ من كبار بالتخفيف وكبار المخفف أبلغ من كبير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏القط الصحيفة هو هاهنا صحيفة الحسنات‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ الحساب ‏"‏ وكذا في رواية النسفي، وذكر بعض الشراح بالعكس، قال أبو عبيدة‏:‏ القط الكتاب والجمع قطوط وقططة كقرد وقرود وقردة، وأصله من قط الشيء أي قطعه والمعنى قطعة مما وعدتنا به، ويطلق على الصحيفة قط لأنها قطعة تقطع، ‏.‏

وكذلك الصك، ويقال للجائزة أيضا قط لأنها قطعة من العطية، وأكثر استعماله في الكتاب، وسيأتي له تفسير آخر قريبا‏.‏

وعند عبد بن حميد من طريق عطاء أن قائل ذلك هو النضر بن الحارث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد في عزة‏)‏ أي ‏(‏معازين‏)‏ وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد به، وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله ‏"‏ في عزة ‏"‏ قال في حمية، ونقل عن الكسائي في رواية أنه قرأ ‏"‏ في غرة ‏"‏ بالمعجمة والراء، وهي قراءة الجحدري وأبي جعفر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الملة الآخرة ملة قريش‏.‏

الاختلاق الكذب‏)‏ وصله الفريابي أيضا عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة‏)‏ قال‏:‏ ملة قريش ‏(‏إن هذا إلا اختلاق‏)‏ كذب وأخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏الملة الآخرة‏)‏ قال النصرانية‏.‏

وعن السدي نحوه‏.‏

وكذا قال عبد الرزاق عن معمر عن الكلبي، قال وقال قتادة‏:‏ دينهم الذي هم عليه قوله‏:‏ ‏(‏جند ما هنالك مهزوم، يعني قريشا‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ قوله ‏"‏ لغير أبي ذر، وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏جند ما هنالك مهزوم‏)‏ قال قريش، وقوله جند خبر مبتدأ محذوف أي هم، وما مزيدة أو صفة لجند وهنالك مشار به إلى مكان المراجعة، ومهزوم صفة لجند أي سيهزمون بذلك المكان، وهو من الإخبار بالغيب لأنهم هزموا بعد ذلك بمكة، لكن يعكر على هذا ما أخرجه الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال‏:‏ وعده الله وهو بمكة أنه سيهزم جند المشركين، فجاء تأويلها ببدر، فعلى هذا فهنالك ظرف للمراجعة فقط ومكان الهزيمة لم يذكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الأسباب طرق السماء في أبوابها‏)‏ وصله الفريابي من طريق بلفظ ‏"‏ طرق السماء أبوابها ‏"‏ وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة‏:‏ الأسباب هي أبواب السماء‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ العرب تقول للرجل إذا كان ذا دين ارتقى فلان في الأسباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أولئك الأحزاب‏:‏ القرون الماضية‏)‏ وصله الفريابي عن مجاهد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فواق رجوع‏)‏ وصله الفريابي من طريق مجاهد مثله‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة‏:‏ ليس لها مثنوية وهي بمعنى قول مجاهد‏.‏

وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي ما لها من فواق يقول ليس لهم إفاقة ولا رجوع إلى الدنيا‏.‏

وقال أبو عبيدة من فتحها أي الفاء قال ما لها من راحة، ومن ضمها جعلها من فواقي ناقة وهو ما بين الحلبتين، والذي قرأ بضم الفاء حمزة والكسائي والباقون بفتحها‏.‏

وقال قوم‏:‏ المعنى بالفتح وبالضم واحد مثل قصاص الشعر يقال بضم القاف وبفتحها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قطنا عذابنا‏)‏ وصله الفريابي من طريق مجاهد أيضا، ولا منافاة بينه وبين ما تقدم فإنه محمول على أن المراد بقولهم قطنا أي نصيبنا من العذاب‏.‏

وقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله ‏"‏ قطنا ‏"‏ قال نصيبنا من العذاب وهو شبيه قولهم ‏(‏وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك‏)‏ الآية، وقول الآخرين ‏(‏ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين‏)‏ وقد أخرج الطبري من طريق إسماعيل بن أبي خالد قال قوله قطنا أي رزقنا، ومن طريق سعيد بن جبير قال نصيبنا من الجنة، ومن طريق السدي نحوه‏.‏

ثم قال وأولي الأقوال بالصواب أنهم سألوا تعجيل كتبهم بنصيبهم من الخير أو الشر الذي وعد الله عباده في الآخرة أن يعجل لهم ذلك في الدنيا استهزاء منهم وعنادا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الصافنات صفن الفرس إلخ‏)‏ وقوله الجياد السراع وقوله جسدا شيطانا وقوله رخاء الرخاء الطيب وقوله حيث أصاب حيث شاء وقوله فامتن أعط وقوله بغير حساب بغير حرج ثبت هذا كله للنسفي هنا وسقط للباقين وقد تقدم جميعه في ترجمة سليمان بن داود عليهما السلام من أحاديث الأنبياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اتخذناهم سخريا أحطنا بهم‏)‏ قال الدمياطي في حواشيه لعله أحطناهم، وتلقاه عن عياض فإنه قال أحطنا بهم كذا وقع ولعله أحطناهم وحذف مع ذلك القول الذي هذا تفسيره وهو أم زاغت عنهم الأبصار انتهى وقد أخرجه ابن أبي حاتم من طريق مجاهد بلفظ أخطأناهم أم هم في النار لا نعلم مكانهم‏.‏

وقال ابن عطية المعنى ليسوا معنا أم هم معنا لكن أبصارنا تميل عنهم‏.‏

وقال أبو عبيدة من قرأها اتخذناهم أي بهمزة قطع جعلها استفهاما وجعل أم جوابا ومن لم يستفهم فتحها على القطع، ومعنى أم معنى بل ومثله أم أنا خير من هذا الذي هو مهين انتهى والذي قرأها بهمزة وصل أبو عمرو وحمزة والكسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتراب أمثال‏)‏ وصله الفريابي كذلك قال أبو عبيدة الأتراب جمع ترب وهو بكسر أوله من يولد في زمن واحد‏.‏

وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال أتراب مستويان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس الأيد القوة في العباد‏)‏ وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله داود ذا الأيد قال القوة، ومن طريق مجاهد قال القوة في الطاعة وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ذا الأيد ذا القوة في العبادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الأبصار البصر في أمر الله‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله أولي الأيدي والأبصار قال أولي القوة في العبادة والفقه في الدين‏.‏

ومن طريق منصور عن مجاهد قال الأبصار العقول‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ الأبصار وردت في هذه السورة عقب الأيدي لا عقب الأيد لكن في قراءة ابن مسعود أولي الأيد والأبصار من غير ياء فلعل البخاري فسره على هذه القراءة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حب الخير عن ذكر ربي إلى آخره‏)‏ سقط هذا لأبي ذر وقد تقدم في ترجمة سليمان بن داود من أحاديث الأنبياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الأصفاد الوثاق‏)‏ سقط هذا أيضا لأبي ذر وقد تقدم في ترجمة سليمان أيضا

*3*باب قَوْلِهِ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب‏)‏ تقدم شرحه في ترجمة سليمان عليه السلام من أحاديث الأنبياء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا رَوْحٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي قَالَ رَوْحٌ فَرَدَّهُ خَاسِئًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏تفلت على البارحة أو كلمة نحوها‏)‏ يحتمل أن يكون الشك في لفظ التفلت أو في لفظ البارحة وقد تقدم ذلك في أوائل كتاب الصلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذكرت قول أخي سليمان‏)‏ تقدم الكلام عليه في ترجمة سليمان من أحاديث الأنبياء‏.‏

وأما ما أخرج الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال في قوله لا ينبغي لأحد من بعدي لا أسلبه كما سلبته أول مرة، وظاهر حديث الباب يرد عليه وكأن سبب تأويل قتادة هذا هكذا طعن بعض الملاحدة على سليمان ونسبته في هذا إلى الحرص على الاستبداد بنعمة الدنيا وخفي عليه أن ذلك كان بإذن له من الله وأن تلك كانت معجزته كما اختص كل نبي بمعجزة دون غيره والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال روح فرده خاسئا‏)‏ روح هو ابن عبادة أحد رواته وكأن المراد أن هذه الزيادة وقعت في روايته دون رواية رفيقه، وقد ذكرت ما في ذلك من البحث في أوائل كتاب الصلاة وذكرت ما يتعلق برؤية الجن في ترجمة سليمان عليه السلام من أحاديث الأنبياء

*3*باب قَوْلُهُ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله وما أنا من المتكلفين‏)‏ ذكر فيه حديث ابن مسعود في قصة الدخان وقد تقدم قريبا في تفسير سورة الروم ويأتي في تفسير الدخان وتقدم ما يتعلق منه بالاستسقاء في بابه

*3*سورة الزُّمَرِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ يُجَرُّ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَبْسٍ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ مَثَلٌ لِآلِهَتِهِمْ الْبَاطِلِ وَالْإِلَهِ الْحَقِّ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بِالْأَوْثَانِ خَوَّلْنَا أَعْطَيْنَا وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ الْقُرْآنُ وَصَدَّقَ بِهِ الْمُؤْمِنُ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتَنِي عَمِلْتُ بِمَا فِيهِ وَقَالَ غَيْرُهُ مُتَشَاكِسُونَ الرَّجُلُ الشَّكِسُ الْعَسِرُ لَا يَرْضَى بِالْإِنْصَافِ وَرَجُلًا سِلْمًا وَيُقَالُ سَالِمًا صَالِحًا اشْمَأَزَّتْ نَفَرَتْ بِمَفَازَتِهِمْ مِنْ الْفَوْزِ حَافِّينَ أَطَافُوا بِهِ مُطِيفِينَ بِحِفَافَيْهِ بِجَوَانِبِهِ مُتَشَابِهًا لَيْسَ مِنْ الْاشْتِبَاهِ وَلَكِنْ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي التَّصْدِيقِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة الزمر- بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت البسملة لغير أبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد يتقي بوجهه يجر على وجهه في النار، وهو قوله أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة‏)‏ وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ ‏"‏ قال ويقول هي مثل قوله أفمن يلقى إلخ ‏"‏ ومراده بالمثلية أن في كل منهما محذوما، وعند الأكثر ‏"‏ يجر ‏"‏ بالجيم وهو الذي في تفسير للفريابي وغيره، وللأصيلي وحده ‏"‏ يخر ‏"‏ بالخاء المنقوطة من فوق‏.‏

وقال عبد الرزاق أنبأنا ابن عيينة عن بشر بن تميم قال‏:‏ نزلت في أبي جهل وعمار بن ياسر، أفمن يلقى في النار أبو جهل خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة عمار‏.‏

وذكر الطبري أنه روي عن ابن عباس بإسناد ضعيف قال ينطلق به إلى النار مكتوفا ثم يرمى به فيها، فأول ما يمس وجهه النار وذكر أهل العربية أن ‏"‏ من ‏"‏ في قوله‏:‏ ‏(‏أفمن‏)‏ موصولة في محل رفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره أهو كمن أمن العذاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذي عوج لبس‏)‏ وصله الفريابي والطبري‏.‏

أي ليس فيه لبس، وهو تفسير باللازم لأن الذي فيه لبس يستلزم العوج في المعنى‏.‏

وأخرج ابن مردويه من وجهين ضعيفين عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏غير ذي عوج‏)‏ قال‏.‏

ليس بمخلوق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خولنا أعطينا‏)‏ وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ ‏(‏وإذا خولناه‏)‏ قال‏:‏ أعطيناه‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ كل مال أعطيته فقد خولته‏.‏

قال أبو النجم ‏"‏ كوم الدري من خول المخول ‏"‏ وقال زهير ‏"‏ هنالك إن يستخولوا المال يخولوا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والذي جاء بالصدق القرآن وصدق به المؤمن يجيء به يوم القيامة‏)‏ زاد النسفي ‏"‏ يقول هذا الذي أعطيتني عملت بما فيه ‏"‏ قال عبد الرزاق عن ابن عيينة عن منصور، قلت لمجاهد يا أبا الحجاج ‏(‏والذي جاء بالصدق وصدق به‏)‏ قال‏:‏ هم الذين يأتون بالقرآن فيقول هذا الذي أعطيتمونا قد عملنا بما فيه‏.‏

ووصله ابن المبارك في ‏"‏ الزهد ‏"‏ عن مسعر عن منصور عن مجاهد في قوله عز وجل ‏(‏والذي جاء بالصدق وصدق به‏)‏ قال‏:‏ هم الذين يجيئون بالقرآن قد اتبعوه، أو قال‏:‏ اتبعوا ما فيه‏.‏

وأما قتادة فقال‏:‏ الذي جاء بالصدق النبي‏.‏

والذي صدق به المؤمنون‏.‏

أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه‏.‏

وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‏:‏ الذي جاء بالصدق لا إله إلا الله، وصدق به أي صدق بالرسول‏.‏

ومن طريق السدي‏:‏ الذي جاء بالصدق جبريل، والصدق القرآن، والذي صدق به محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

ومن طريق أسيد بن صفوان عن علي‏:‏ الذي جاء بالصدق محمد، والذي صدق به أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه‏.‏

وهذا أخص من الذي قبله‏.‏

وعن أبي العالية‏:‏ الذي جاء بالصدق محمد، وصدق به أبو بكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورجلا سلما لرجل صالحا‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ خالصا‏"‏، وسقطت للنسفي هذه اللفظة‏.‏

زاد غير أبي ذر ‏"‏ مثلا لآلهتم الباطل والآله الحق ‏"‏ وقد وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد ولفظه في قوله ‏"‏ رجلا سالما لرجل ‏"‏ قال‏:‏ مثل آلهة الباطل ومثل إله الحق، وسيأتي تفسير آخر قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويخوفونك بالذين من دونه‏:‏ بالأوثان‏)‏ سقط هذا لأبي ذر، وقد وصله الفريابي أيضا عن مجاهد‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر قال لي رجل ‏"‏ قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لتكفن عن شتم آلهتنا أو لنأمرنها فلتخبلنك، فنزلت‏:‏ ويخوفونك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره متشاكسون‏:‏ الرجل الشكس العسر لا يرضى بالإنصاف‏.‏

ورجلا سلما ويقال سالما‏:‏ صالحا‏)‏ سقط ‏"‏ وقال غيره ‏"‏ لأبي ذر فصار كأنه من بقايا كلام مجاهد‏.‏

وللنسفي ‏"‏ وقال ‏"‏ بغير ذكر الفاعل، والصواب ما عند الأكثر، وهو كلام عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال‏:‏ الشكس العسر لا يرضى بالإنصاف، أخرجه الطبري‏.‏

وعن أبي عبيدة قال في قوله تعالى ‏(‏ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون‏)‏ هو من الرجل الشكس ‏(‏ورجلا سالما‏)‏ الرجل سالم وسلم واحد وهو من الصلح‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قرأ ابن كثير وأبو عمرو ‏"‏ سالما ‏"‏ والباقون ‏"‏ سلما ‏"‏ بفتح أوله وفي الشواذ بكسره، وهما مصدران وصف بهما على سبيل المبالغة أو على أنه واقع موقع اسم الفاعل وهو أولى ليوافق الرواية الأخرى، وعليه قول أبي عبيدة المذكور أنهما واحد أي بمعنى وقوله الشكس بكسر الكاف ويجوز إسكانها هو السيء الخلق، وقيل من كسر الكاف فتح أوله ومن سكنها كسر وهما بمعنى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اشمأزت نفرت‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون‏)‏ ‏:‏ تقول العرب اشمأز قلبي عن فلان أي نفر، وروى الطبري من طريق السدي قال‏:‏ اشمأزت أي نفرت، ومن طريق مجاهد قال‏:‏ انقبضت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بمفازتهم من الفوز‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم‏)‏ أي بنجاتهم وهو من الفوز، وروى الطبري من طريق السدي قال ‏(‏وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم‏)‏ أي بفضائلهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حافين أطافوا به مطيفين بحفافيه‏)‏ بكسر المهملة وفاءين الأولى خفيفة‏.‏

وفي رواية المستملي بجانبيه‏.‏

وفي رواية كريمة والأصيلي بجوانبه، وللنسفي بحافته بجوانبه، والصواب رواية الأكثر، وهو كلام أبي عبيدة في قوله ‏(‏وترى الملائكة حافين من حول العرش‏)‏ طافوا به بحفافيه، ورواية المستملي بالمعنى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏متشابها ليس من الاشتباه ولكن يشبه بعضه بعضا في التصديق‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله ‏"‏ متشابها ‏"‏ قال‏:‏ يصدق بعضه بعضا‏.‏

وروى الطبري من طريق السدي في قوله‏:‏ ‏(‏كتابا متشابها‏)‏ قال‏:‏ يشبه بعضه بعضا، ويدل بعضه على بعض‏.‏

ومن طريق سعيد بن جبير نحوه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏مثاني‏)‏ يجوز أن يكون بيانا لقوله متشابها لأن القصص المتكررة تكون متشابهة، والمثاني جمع مثنى بمعنى مكرر، لما أعيد فيه من قصص وغيرها

*3*باب قَوْلُهُ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

الشرح‏:‏

قوله باب قوله‏:‏ ‏(‏يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله‏)‏ الآية‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عباس ‏"‏ أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ يَعْلَى إِنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً فَنَزَلَ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَنَزَلَتْ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن ابن جريج أخبرهم، قال يعلى‏)‏ أي‏:‏ قال قال يعلى - و ‏"‏ قال ‏"‏ تسقط خطأ وتثبت لفظا، ويعلى هذا هو ابن مسلم كما وقع عند مسلم من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج في هذا الحديث بعينه بلفظ ‏"‏ أخبرني مسلم بن يعلى صلى الله عليه وسلم 0 وأخرجه أبو داود والنسائي من رواية حجاج هذا لكن وقع عندهما ‏"‏ عن يعلى ‏"‏ غير منسوب كما وقع عند البخاري‏.‏

وزعم بعض الشراح أنه وقع عند أبي داود فيه ‏"‏ يعلى بن حكيم ‏"‏ ولم أر ذلك في شيء من نسخه، وليس في البخاري من رواية يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس سوى حديث واحد وهو من رواية غير ابن جريج عن يعلى والله أعلم‏.‏

ويعلى بن مسلم بصري الأصل سكن مكة مشهور بالرواية عن سعيد بن جبير وبرواية ابن جبير عنه، وقد روى يعلى بن حكيم أيضا عن سعيد بن جبير وروى عنه ابن جريج، ولكن ليس هو المراد هنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة‏)‏ في رواية الطبراني من وجه آخر عن ابن عباس أن السائل عن ذلك هو وحشي بن حرب قاتل حمزة وأنه لما قال ذلك نزلت ‏(‏إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا‏)‏ الآية فقال‏:‏ هذا شرط شديد، فنزلت ‏(‏قل يا عبادي‏)‏ الآية‏.‏

وروى ابن إسحاق في ‏"‏ السيرة ‏"‏ قال‏:‏ حدثني نافع عن ابن عمر عن عمر قال ‏"‏ اتعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص أن نهاجر إلى المدينة ‏"‏ فذكر الحديث في قصتهم ورجوع رفيقه فنزلت ‏(‏قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم‏)‏ الآية قال فكتبت بها إلى هشام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونزل قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم‏)‏ في رواية الطبراني ‏"‏ فقال الناس يا رسول الله إنا أصبنا ما أصاب وحشي، فقال هي للمسلمين عامة ‏"‏ وروى أحمد والطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من حديث ثوبان قال ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ما أحب أن لي بهذه الآية الدنيا وما فيها ‏(‏يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم‏)‏ الآية‏.‏

فقال رجل‏:‏ ومن أشرك‏؟‏ فسكت ساعة ثم قال‏:‏ ومن أشرك ثلاث مرات ‏"‏ واستدل بعموم هذه الآية على غفران جميع الذنوب كبيرها وصغيرها سواء تعلقت بحق الآدميين أم لا، والمشهور عند أهل السنة أن الذنوب كلها تغفر بالتوبة، وأنها تغفر لمن شاء الله ولو مات على غير توبة، لكن حقوق الآدميين إذا تاب صاحبها من العود إلى شيء من ذلك تنفعه التوبة من العود، وأما خصوص ما وقع منه فلا بد له من رده لصاحبه أو محاللته منه‏.‏

نعم في سعة فضل الله ما يمكن أن يعرض صاحب الحق عن حقه ولا يعذب العاصي بذلك، ويرشد إليه عموم قوله تعالى ‏(‏إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‏)‏ والله أعلم

*3*باب قَوْلِهِ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله تعالى‏:‏ وما قدروا الله حق قدره‏)‏ ذكر فيه حديث عبد الله وهو ابن مسعود ‏(‏قال جاء حبر‏)‏ بفتح المهملة وبكسرها أيضا، ولم أقف على اسمه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ حَبْرٌ مِنْ الْأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ وَسَائِرَ الْخَلَائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع الحديث‏)‏ يأتي شرحه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى، قال ابن التين‏:‏ تكلف الخطابي في تأويل الإصبع وبالغ حتى جعل ضحكه صلى الله عليه وسلم تعجبا وإنكارا لما قال الحبر، ورد ما وقع في الرواية الأخرى ‏"‏ فضحك صلى الله عليه وسلم تعجبا وتصديقا ‏"‏ بأنه على قدر ما فهم الراوي‏.‏

قال النووي‏:‏ وظاهر السياق أنه ضحك تصديقا له بدليل قراءته الآية التي تدل على صدق ما قال الحبر، والأولى في هذه الأشياء الكف عن التأويل مع اعتقاد التنزيه، فإن كل ما يستلزم النقص من ظاهرها غير مراد‏.‏

وقال ابن فورك‏:‏ يحتمل أن يكون المراد بالإصبع إصبع بعض المخلوقات، وما ورد في بعض طرقه‏:‏ ‏"‏ أصابع الرحمن ‏"‏ يدل على القدرة والملك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى بدت نواجذه‏)‏ أي أنيابه، وليس ذلك منافيا للحديث الآخر أن ضحكه كان تبسما كما سيأتي في تفسير الأحقاف

*3*باب قَوْلِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطوقات بيمينه‏)‏ لما وقع ذكر الأرض مفردا حسن تأكيده، بقوله ‏"‏ جميعا ‏"‏ إشارة إلى أن المراد جميع الأراضي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ يقبض الله الأرض ويطوي السموات بيمينه ثم يقول‏:‏ أنا الملك، أين ملوك الأرض ‏"‏‏؟‏ وسيأتي شرحه أيضا مستوفي في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى

*3*باب قَوْلُهُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله‏)‏ اختلف في تعيين من استثنى الله، وقد لمحت بشيء من ذلك في ترجمة موسى من أحاديث الأنبياء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بَعْدَ النَّفْخَةِ الْآخِرَةِ فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى مُتَعَلِّقٌ بِالْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَكَذَلِكَ كَانَ أَمْ بَعْدَ النَّفْخَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني الحسن‏)‏ كذا في جميع الروايات غير منسوب، فجزم أبو حاتم سهل بن النسري الحافظ فيما نقله الكلاباذي بأنه الحسن بن شجاع البلخي الحافظ، وهو أصغر من البخاري لكن مات قبله وهو معدوم من الحفاظ، ووقع في ‏"‏ المصافحة للبرقاني ‏"‏ أن البخاري قال في هذا الحديث ‏"‏ حدثنا الحسين ‏"‏ بضم أوله مصغر، ونقل عن الحاكم أنه الحسين بن محمد القباني فالله أعلم‏.‏

وإسماعيل بن الخليل شيخه من أوساط شيوخ البخاري، وقد نزل البخاري في هذا الإسناد درجتين لأنه يروى عن واحد عن زكريا بن أبي زائدة وهنا بينهما ثلاثة أنفس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الرحيم‏)‏ هو ابن سليمان، وعامر هو الشعبي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني من أول من يرفع رأسه‏)‏ تقدم شرحه مستوفي في ترجمة موسى من أحاديث الأنبياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أم بعد النفخة‏)‏ نقل ابن التين عن الداودي أن هذه اللفظة وهم، واستند إلى أن موسى ميت مقبور فيبعث بعد النفخة فكيف يكون مستثنى‏؟‏ وقد تقدم بيان وجه الرد عليه في هذا بما يغني عن إعادته، ولله الحمد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ قَالُوا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا قَالَ أَبَيْتُ قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ أَبَيْتُ قَالَ أَرْبَعُونَ شَهْرًا قَالَ أَبَيْتُ وَيَبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْإِنْسَانِ إِلَّا عَجْبَ ذَنَبِهِ فِيهِ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما بين النفختين‏)‏ تقدم في أحاديث الأنبياء الرد على من زعم أنها أربع نفخات، وحديث الباب يؤيد الصواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعون يوما‏)‏ لم أقف على اسم السائل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبيت‏)‏ بموحدة أي امتنعت عن القول بتعيين ذلك لأنه ليس عندي في ذلك توقيف، ولابن مردويه من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش في هذا الحديث فقال ‏"‏ أعييت ‏"‏ من الإعياء وهو التعب، وكأنه أشار إلى ثرة من يسأله عن تبيين ذلك فلا يجيبه، وزعم بعض الشراح أنه وقع عند مسلم أربعين سنة ولا وجود لذلك، نعم أخرج ابن مردويه من طريق سعيد بن الصلت عن الأعمش في هذا الإسناد ‏"‏ أربعون سنة ‏"‏ وهو شاذ‏.‏

ومن وجه ضعيف عن ابن عباس قال ‏"‏ ما بين النفخة والنفخة أربعون سنة ‏"‏ ذكره في أواخر سورة ‏"‏ص‏"‏، وكأن أبا هريرة لم يسمعها إلا مجملة فلهذا قال لمن عينها له ‏"‏ أبيت‏"‏‏.‏

وقد أخرج ابن مردويه من طريق زيد بن أسلم عن أبي هريرة قال ‏"‏ بين النفختين أربعون‏.‏

قالوا‏:‏ أربعون ماذا‏؟‏ قال‏:‏ هكذا سمعت ‏"‏ وقال ابن التين‏:‏ ويحتمل أيضا أن يكون علم ذلك لكن سكت ليخبرهم في وقت، أو اشتغل عن الإعلام حينئذ‏.‏

ووقع في ‏"‏ جامع ابن وهب ‏"‏ أربعين جمعة، وسنده منقطع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه، فيه يركب الخلق‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا ‏"‏ الحديث‏.‏

وأفرد هذا القدر من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب، منه خلق ومنه يركب ‏"‏ وله من طريق همام عن أبي هريرة قال ‏"‏ إن في الإنسان عظما لا تأكله الأرض أبدا، فيه يركب يوم القيامة‏.‏

قالوا‏:‏ أي عظم هو‏؟‏ قال‏:‏ عجب الذنب ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد عند الحاكم وأبي يعلى ‏"‏ قيل يا رسول الله ما عجب الذنب‏؟‏ قال‏:‏ مثل حبة خردل ‏"‏ والعجب بفتح المهملة وسكون الجيم بعدها موحدة ويقال له ‏"‏ عجم ‏"‏ بالميم أيضا عوض الباء‏.‏

وهو عظم لطيف في أصل الصلب، وهو رأس العصعص، وهو مكان رأس الذنب من ذوات الأربع‏.‏

وفي حديث أبي سعيد الخدري عند ابن أبي الدنيا وأبي داود والحاكم مرفوعا ‏"‏ إنه مثل حبة الخردل ‏"‏ قال ابن الجوزي قال ابن عقيل‏:‏ لله في هذا سر لا يعلمه إلا الله، لأن من يظهر الوجود من العدم لا يحتاج إلى شيء يبنى عليه‏.‏

ويحتمل أن يكون ذلك جعل علامة للملائكة على إحياء كل إنسان بجوهره، ولا يحصل العلم للملائكة بذلك إلا بإبقاء عظم كل شخص ليعلم أنه إنما أراد بذلك إعادة الأرواح إلى تلك الأعيان التي هي جزء منها، ولولا إبقاء شيء منها لجوزت الملائكة أن الإعادة إلى أمثال الأجساد لا إلى نفس الأجساد‏.‏

وقوله في الحديث ‏"‏ ويبلى كل شيء من الإنسان ‏"‏ يحتمل أن يريد به يفتى أي تعدم أجزاؤه بالكلية، ويحتمل أن يراد به يستحيل فتزول صورته المعهودة فيصير على صفة جسم التراب، ثم يعاد إذا ركبت إلى ما عهد‏.‏

وزعم بعض الشراح أن المراد أنه لا يبلى أي يطول بقاؤه، لا أنه لا يفنى أصلا‏.‏

والحكمة فيه أنه قاعدة بدء الإنسان وأسه الذي ينبني عليه فهو أصلب من الجميع كقاعدة الجدار، وإذا كان أصلب كان أدوم بقاء، وهذا مردود لأنه خلاف الظاهر بغير دليل‏.‏

وقال العلماء‏:‏ هذا عام يخص منه الأنبياء، لأن الأرض لا تأكل أجسادهم‏.‏

وألحق ابن عبد البر بهم الشهداء والقرطبي المؤذن المحتسب‏.‏

قال عياض فتأويل الخبر وهو كل ابن آدم يأكله التراب أي كل ابن آدم مما يأكله التراب وإن كان التراب لا يأكل أجسادا كثيرة كالأنبياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا عجب ذنبه‏)‏ أخذ بظاهره الجمهور فقالوا‏:‏ لا يبلى عجب الذنب ولا يأكله التراب، وخالف المزني فقال ‏"‏ إلا ‏"‏ هنا بمعنى الواو، أي وعجب الذنب أيضا يبلى‏.‏

وقد أثبت هذا المعنى الفراء والأخفش فقالوا‏:‏ ترد ‏"‏ إلا ‏"‏ بمعنى الواو‏.‏

ويرد ما انفرد به المزني التصريح بأن الأرض لا تأكله أبدا كما ذكرته من رواية همام، وقوله في رواية الأعرج ‏"‏ منه خلق ‏"‏ يقتضي أنه أول كل شيء يخلق من الآدمي، ولا يعارضه حديث سلمان ‏"‏ أن أول ما خلق من آدم رأسه ‏"‏ لأنه يجمع بينهما بأن هذا في حق آدم وذاك في حق بنيه، أو المراد بقول سلمان نفخ الروح في آدم لا خلق جسده

*3*سُورَةُ الْمُؤْمِنِ

قَالَ الْبُخَارِيُّ وَيُقَالُ حم مَجَازُهَا مَجَازُ أَوَائِلِ السُّوَرِ وَيُقَالُ بَلْ هُوَ اسْمٌ لِقَوْلِ شُرَيْحِ بْنِ أَبِي أَوْفَى الْعَبْسِيِّ يُذَكِّرُنِي حاميم وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ فَهَلَّا تَلَا حاميم قَبْلَ التَّقَدُّمِ الطَّوْلِ التَّفَضُّلُ دَاخِرِينَ خَاضِعِينَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ إِلَى النَّجَاةِ الْإِيمَانُ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ يَعْنِي الْوَثَنَ يُسْجَرُونَ تُوقَدُ بِهِمْ النَّارُ تَمْرَحُونَ تَبْطَرُونَ وَكَانَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ يُذَكِّرُ النَّارَ فَقَالَ رَجُلٌ لِمَ تُقَنِّطْ النَّاسَ قَالَ وَأَنَا أَقْدِرُ أَنْ أُقَنِّطَ النَّاسَ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَيَقُولُ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ وَلَكِنَّكُمْ تُحِبُّونَ أَنْ تُبَشَّرُوا بِالْجَنَّةِ عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِكُمْ وَإِنَّمَا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَمُنْذِرًا بِالنَّارِ مَنْ عَصَاهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة المؤمن‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت البسملة لغير أبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ حم مجازها مجاز أوائل السور‏)‏ ويقال بل هو اسم، لقول شريح بن أبي أوفى العبسي‏:‏ يذكرني حاميم والرمح شاجر فهلا تلا حاميم قبل التقدم ووقع في رواية أبي ذر‏:‏ وقال البخاري ‏"‏ ويقال إلخ ‏"‏ وهذا الكلام لأبي عبيدة في ‏"‏ مجاز القرآن ‏"‏ ولفظه‏:‏ حم مجازها مجاز أوائل السور‏.‏

وقال بعضهم بل هو اسم، وهو يطلق المجاز ويريد به التأويل أي تأويل حم تأويل أوائل السور، أي أن الكل في الحكم واحد، فمهما قيل مثلا في ألم يقال مثله في حم‏.‏

وقد اختلف في هذه الحروف المقطعة التي في أوائل السور على أكثر من ثلاثين قولا ليس هذا موضع بسطها‏.‏

وأخرج الطبري من طريق الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال‏:‏ الم، وحم، والمص، وص‏:‏ فواتح افتتح بها‏.‏

وروى ابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد قال‏:‏ فواتح السور كلها ق وص وطسم وغيرها هجاء مقطوع‏.‏

والإسناد الأول أصح‏.‏

وأما قوله ‏"‏ ويقال بل هو اسم ‏"‏ فوصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال‏:‏ حم اسم من أسماء القرآن‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ لعله يريد على قراءة عيسى بن عمر بفتح الحاء والميم الثانية من ميم، ويحتمل أن يكون عيسى فتح لالتقاء الساكنين‏.‏

قلت‏:‏ والشاهد الذي أنشد يوافق قراءة عيسى‏.‏

وقال الطبري‏:‏ الصواب من القراءة عندنا في جميع حروف فواتح السور السكون لأنها حروف هجاء لا أسماء مسميات‏.‏

وروى ابن مردويه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال ‏"‏ص‏"‏ وأشباهها قسم، أقسم الله بها، وهو من أسماء الله‏.‏

وشريح بن أبي أوفى الذي نسب إليه البيت المذكور وقع في رواية القابسي شريح ابن أبي أوفى وهو خطأ‏.‏

ولفظ أبي عبيدة ‏"‏ وقال بعضهم بل هو اسم، واحتجوا بقول شريح بن أبي أوفى العبسي ‏"‏ فذكر البيت‏.‏

وروى هذه القصة عمر بن شبه في ‏"‏ كتاب الجمل ‏"‏ له من طريق داود بن أبي هند قال‏:‏ كان على محمد بن طلحة بن عبيد الله يوم الجمل عمامة سوداء، فقال علي‏:‏ لا تقتلوا صاحب العمامة السوداء، فإنما أخرجه بره بأبيه، فلقيه شرخ بن أبي أوفى فأهوى له بالرمح فتلاحم فقتله‏.‏

وحكى أيضا عن ابن إسحاق أن الشعر المذكور للأشتر النخعي‏.‏

وقال وهو الذي قتل محمد بن طلحة‏.‏

وذكر أبو مخنف أنه لمدلج بن كعب السعدي ويقال كعب بن مدلج، وذكر الزبير بن بكار أن الأكثر على أن الذي قتله عصام بن مقشعر، قال المرزباني‏:‏ هو الثبت‏.‏

وأنشد له البيت المذكور وأوله‏:‏ وأشعث قوام بآيات ربه قليل الأذى فيما ترى العين مسلم هتكت له بالرمح جيب قميصه فخر صريعا لليدين وللفم على غير شيء غير أن ليس تابعا عليا، ومن لا يتبع الحق يندم يذكرني حم البيت‏.‏

ويقال إن الشعر لشداد بن معاوية العبسي، ويقال اسمه حديد من بني أسد بن خزيمة حكاه الزبير، وقيل عبد الله بن معكبر، وذكر الحسن بن المظفر النيسابوري في‏.‏

‏"‏ كتاب مأدبة الأدباء ‏"‏ قال‏:‏ كان شعار أصحاب علي يوم الجمل حم، وكان شريح بن أبي أوفى مع علي، فلما طعن شريح محمدا قال حم، فأنشد ‏"‏ شريح الشعر‏.‏

قال‏:‏ وقيل بل قال محمد لما طعنه شريح ‏(‏أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله‏)‏ فهذا معنى قوله ‏"‏ يذكرني حم ‏"‏ أي بتلاوة الآية المذكورة لأنها من حم‏.‏

‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ حم جمع على حواميم قال أبو عبيدة على غير قياس‏.‏

وقال الفراء ليس هذا الجمع من كلام العرب‏.‏

ويقال كأن مراد محمد بن طلحة بقوله أذكرك حم أي قوله تعالى في حم عسق ‏(‏قل لا أسألكم عليه أجرا‏)‏ الآية، كأنه يذكره بقرابته ليكون ذلك دافعا له عن قتله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الطول التفضل‏)‏ هو قول أبي عبيدة وزاد تقول العرب للرجل إنه لذو طول على قومه أي ذو فضل عليهم، وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏ذي الطول‏)‏ قال‏:‏ ذي السعة والغنى، ومن طريق عكرمة قال‏:‏ ذي المنن، ومن طريق قتادة قال‏:‏ ذي النعماء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏داخرين خاضعين‏)‏ هو قول أبي عبيدة، وروى الطبري من طريق السدي في قوله‏:‏ ‏(‏سيدخلون جهنم داخرين‏)‏ أي صاغرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد إلى النجاة إلى الإيمان‏)‏ وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس له دعوة يعني الوثن‏)‏ وصله الفريابي أيضا عن مجاهد بلفظ الأوثان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يسجرون توقد بهم النار‏)‏ وصله الفريابي أيضا عن مجاهد بهذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تمرحون تبطرون‏)‏ وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ يبطرون ويأشرون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان العلاء بن زياد يذكر النار‏)‏ هو بتشديد الكاف أي يذكر الناس النار أي يخوفهم بها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال رجل‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم‏)‏ بكسر اللام للاستفهام ‏(‏تقنط‏)‏ بتشديد النون، وأراد بذكر هذه الآية الإشارة إلى الآية الأخرى ‏(‏قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا‏)‏ فنهاهم عن القنوط من رحمته مع قوله‏:‏ ‏(‏إن المسرفين هم أصحاب النار‏)‏ استدعاء منهم الرجوع عن الإسراف والمبادرة إلى التوبة قبل الموت‏.‏

وأبو العلاء هذا هو العلاء بن زياد البصري تابعي زاهد قليل الحديث، وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع، ومات قديما سنة أربع وتسعين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ

الشرح‏:‏

حديث عروة بن الزبير ‏"‏ قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أخبرني بأشد ما صنعه المشركون ‏"‏ وقد تقدم شرحه في أوائل السيرة النبوية‏.‏