فصل: باب لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب لم تحرم ما أحل الله لك‏)‏ كذا للأكثر وسقط من رواية النسفي لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ ووقع بدله ‏"‏ قوله تعالى‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ سَمِعَ الرَّبِيعَ بْنَ نَافِعٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ إِذَا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثني الحسن بن الصباح‏)‏ هو البزار آخره راء مهملة وهو واسطي نزل بغداد، وثقه الجمهور ولينه النسائي قليلا‏.‏

وأخرج عنه البخاري في الإيمان والصلاة وغيرهما فلم يكثر‏.‏

وأخرج البخاري عن الحسن بن الصباح الزعفراني، لكن إذا وقع هكذا يكون نسب لجده فهو الحسن بن محمد بن الصباح وهو المروي عنه في الحديث الثاني من هذا الباب، وفي الرواة من شيوخ البخاري ومن في طبقتهم محمد بن الصباح الدولابي أخرج عنه البخاري في الصلاة والبيوع وغيرهما، وليس هو أخا للحسن بن الصباح ومحمد بن الصباح الجرجرائي أخرج عنه أبو داود وابن ماجه، وهو غير الدولابي، وعبد الله بن الصباح العطار أخرج عنه البخاري في البيوع وغيره وليس أحد من هؤلاء أخا للآخر‏.‏

قوله ‏(‏سمع الربيع بن نافع‏)‏ أي أنه سمع ولفظ ‏"‏ أنه ‏"‏ يحذف خطا وينطق به، وقل من نبه عليه كما وقع التنبيه على لفظ ‏"‏ قال‏"‏‏.‏

والربيع بن نافع هو أبو توبة بفتح المثناة وسكون الواو بعدها موحدة مشهور بكنيته أكثر من اسمه، حلبي نزل طرسوس، أخرج عنه الستة إلا الترمذي بواسطة إلا أبا داود فأخرج عنه الكثير بغير واسطة وأخرج عنه بواسطة أيضا‏.‏

وأدركه البخاري ولكن لم أر له عنه في هذا الكتاب شيئا بغير واسطة‏.‏

وأخرج عنه بواسطة إلا الموضع المتقدم في المزارعة فإنه قال فيه ‏"‏ قال الربيع بن نافع ‏"‏ ولم يقل ‏"‏ حدثنا ‏"‏ فما أدري لقيه أو لم يلقه، وليس له عنده إلا هذان الموضعان‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا معاوية‏)‏ هو ابن سلام بتشديد اللام وشيخه يحيى ومن فوقه ثلاثة من التابعين في نسق‏.‏

قوله ‏(‏إذا حرم امرأته ليس بشيء‏)‏ كذا للكشمهيني وللأكثر ‏"‏ ليست ‏"‏ أي الكلمة وهي قوله أنت علي حرام أو محرمة أو نحو ذلك‏.‏

قوله ‏(‏وقال‏)‏ أي ابن عباس مستدلا على ما ذهب إليه بقوله تعالى ‏(‏لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة‏)‏ يشير بذلك إلى قصة التحريم، وقد وقع بسط ذلك في تفسير سورة التحريم، وذكرت في ‏"‏ باب موعظة الرجل ابنته ‏"‏ في كتاب النكاح في شرح الحديث المطول في ذلك من رواية ابن عباس عن عمر بيان الاختلاف هل المراد تحريم العسل أو تحريم ماريه وأنه قيل في السبب غير ذلك، واستوعبت ما يتعلق بوجه الجمع بين تلك الأقوال بحمد الله تعالى‏.‏

وقد أخرج النسائي بسند صحيح عن أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها، فأنزل الله تعالى هذه الآية‏:‏ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ‏"‏ وهذا أصح طرق هذا السبب، وله شاهد مرسل أخرجه الطبري بسند صحيح عن زيد بن أسلم التابعي الشهير قال ‏"‏ أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم إبراهيم ولده في بيت بعض نسائه، فقالت‏:‏ يا رسول الله في بيتي وعلى فراشي، فجعلها عليه حراما، فقالت‏:‏ يا رسول الله كيف تحرم عليك الحلال‏!‏ فحلف لها بالله لا يصيبها، فنزلت يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ‏"‏ قال زيد بن أسلم‏:‏ فقول الرجل لامرأته أنت علي حرام لغو، وإنما تلزمه كفارة يمين إن حلف‏.‏

وقوله ‏"‏ليس بشيء ‏"‏ يحتمل أن يريد بالنفي التطليق، ويحتمل أن يريد به ما هو أعم من ذلك والأول أقرب، ويؤيده ما تقدم في التفسير من طريق هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد موضعها ‏"‏ في الحرام يكفر ‏"‏ وأخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن المبارك الصوري عن معاوية بن سلام بإسناد حديث الباب بلفظ ‏"‏ إذا حرم الرجل امرأته فإنما هي يمين يكفرها ‏"‏ فعرف أن المراد بقوله ‏"‏ ليس بشيء ‏"‏ أي ليس بطلاق‏.‏

وأخرج النسائي وابن مردويه من طريق سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ‏"‏ أن رجلا جاءه فقال‏:‏ إني جعلت امرأتي علي حراما، قال‏:‏ كذبت ما هي بحرام، ثم تلا ‏(‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك‏)‏ ثم قال له ‏"‏ عليك رقبة‏"‏، ا هـ وكأنه أشار عليه بالرقبة لأنه عرف أنه موسر، فأراد أن يكفر بالأغلظ من كفارة اليمين لا أنه تعين عليه عتق الرقبة، ويدل عليه ما تقدم عنه من التصريح بكفارة اليمين‏.‏

ثم ذكر المصنف حديث عائشة في قصة شرب النبي صلى الله عليه وسلم العسل عند بعض نسائه فأورده من وجهين‏:‏ أحدهما من طريق عبيد بن عمير عن عائشة وفيه أن شرب العسل كان عند زينب بنت جحش، والثاني من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وفيه أن شرب العسل كان عند حفصة بنت عمر، فهذا ما في الصحيحين‏.‏

وأخرج ابن مردويه من طريق ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن شرب العسل كان عند سودة، وأن عائشة وحفصة هما اللتان تواطأتا على وفق ما في رواية عبيد بن عمير وإن اختلفا في صاحبة العسل‏.‏

وطريق الجمع بين هذا الاختلاف الحمل على التعدد فلا يمتنع تعدد السبب للأمر الواحد، فإن جنح إلى الترجيح فرواية عبيد بن عمير أثبت لموافقة ابن عباس لها على أن المتظاهرتين حفصة وعائشة على ما تقدم في التفسير وفي الطلاق من جزم عمر بذلك، فلو كانت حفصة صاحبة العسل لم تقرن في التظاهر بعائشة، لكن يمكن تعدد القصة في شرب العسل وتحريمه واختصاص النزول بالقصة التي فيها أن عائشة وحفصة هما المتظاهرتان، ويمكن أن تكون القصة التي وقع فيها شرب العسل عند حفصة كانت سابقة‏.‏

ويؤيد هذا الحمل أنه لم يقع في طريق هشام بن عروة التي فيها أن شرب العسل كان عند حفصة تعرض للآية ولا لذكر سبب النزول، والراجح أيضا أن صاحبة العسل زينب لا سودة لأن طريق عبيد بن عمير أثبت من طريق ابن أبي مليكة بكثير، ولا جائز أن تتحد بطريق هشام بن عروة لأن فيها أن سودة كانت ممن وافق عائشة على قولها ‏"‏ أجد ريح مغافير ‏"‏ ويرجحه أيضا ما مضى في كتاب الهبة عن عائشة ‏"‏ إن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن حزبين‏:‏ أنا وسودة وحفصة وصفية في حزب، وزينب بنت جحش وأم سلمة والباقيات في حزب ‏"‏ فهذا يرجح أن زينب هي صاحبة العسل ولهذا غارت عائشة منها لكونا من غير حزبها والله أعلم، وهذا أولى من جزم الداودي بأن تسمية التي شربت العسل حفصة غلط وإنما هي صفية بنت حيي أو زينب بنت جحش، وممن جنح إلى الترجيح عياض، ومنه تلقف القرطبي، وكذا نقله النووي عن عياض وأقره فقال عياض‏:‏ رواية عبيد بن عمير أولى لموافقتها ظاهر كتاب الله، لأن فيه ‏(‏وإن تظاهرا عليه‏)‏ فهما ثنتان لا أكثر، ولحديث ابن عباس عن عمر، قال فكأن الأسماء انقلبت على راوي الرواية الأخرى، وتعقب الكرماني مقالة عياض فأجاد فقال‏:‏ متى جوزنا هذا ارتفع الوثوق بأكثر الروايات‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ الرواية التي فيها أن المتظاهرات عائشة وسودة وصفية ليست بصحيحة لأنها مخالفة للتلاوة لمجيئها بلفظ خطاب الاثنين ولو كانت كذلك لجاءت بخطاب جماعة المؤنث‏.‏

ثم نقل عن الأصيلي وغيره أن رواية عبيد بن عمير أصح وأولى، وما المانع أن تكون قصة حفصة سابقة، فلما قيل له ما قيل ترك الشرب من غير تصريح بتحريم ولم ينزل في ذلك شيء، ثم لما شرب في بيت زينب تظاهرت عائشة وحفصة على ذلك القول فحرم حينئذ العسل فنزلت الآية‏.‏

قال‏:‏ وأما ذكر سودة مع الجزم بالتثنية فيمن تظاهر منهن فباعتبار أنها كانت كالتابعة لعائشة ولهذا وهبت يومها لها، فإن كان ذلك قبل الهبة فلا اعتراض بدخوله عليها، وإن كان بعده فلا يمتنع هبتها يومها لعائشة أن يتردد إلى سودة‏.‏

قلت‏:‏ لا حاجة إلى الاعتذار عن ذلك، فإن ذكر سودة إنما جاء في قصة شرب العسل عند حفصة ولا تثنية فيه ولا نزول على ما تقدم من الجمع الذي ذكره، وأما قصة العسل عند زينب بنت جحش فقد صرح فيه بأن عائشة قالت ‏"‏ تواطأت أنا وحفصة ‏"‏ فهو مطابق لما جزم به عمر من أن المتظاهرتين عائشة وحفصة وموافق لظاهر الآية والله أعلم‏.‏

ووجدت لقصة شرب العسل عند حفصة شاهدا في تفسير ابن مردويه من طريق يزيد بن رومان عن ابن عباس ورواته لا بأس بهم، وقد أشرت إلى غالب ألفاظه، ووقع تفسير السدي أن شرب العسل كان عند أم سلمة أخرجه الطبري وغيره وهو مرجوح لإرساله وشذوذه، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْتَقُلْ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَا بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ فَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ إِلَى إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ لِقَوْلِهِ بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا حجاج‏)‏ هو ابن محمد المصيصي‏.‏

قوله ‏(‏زعم عطاء‏)‏ هو ابن أبي رباح، وأهل الحجاز يطلقون الزعم على مطلق القول‏.‏

ووقع في رواية هشام ابن يوسف عن ابن جريج عن عطاء وقد مضى في التفسير‏.‏

قوله ‏(‏إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا‏)‏ في رواية هشام ‏"‏ يشرب عسلا عند زينب ثم يمكث عندها ‏"‏ ولا مغايرة بينهما لأن الواو لا ترتب‏.‏

قوله ‏(‏فتواصيت‏)‏ كذا هنا بالصاد من المواصاة‏.‏

وفي رواية هشام ‏"‏ فتواطيت ‏"‏ بالطاء من المواطأة، وأصله تواطأت بالهمزة فسهلت الهمزة فصارت ياء، وثبت كذلك في رواية أبي ذر‏.‏

قوله ‏(‏أن أيتنا دخل‏)‏ في رواية أحمد عن حجاج بن محمد ‏"‏ أن أيتنا ما دخل ‏"‏ بزيادة ما وهي زائدة‏.‏

قوله ‏(‏إني لأجد ريح مغافير، أكلت مغافير‏)‏ في رواية هشام بتقديم أكلت مغافير وتأخير إني أجد‏.‏

وأكلت استفهام محذوف الأداة، والمغافير بالغين المعجمة والفاء وبإثبات التحتانية بعد الفاء في جميع نسخ البخاري، ووقع في بعض النسخ عن مسلم في بعض المواضع من الحديث بحذفها، قال عياض والصواب إثباتها لأنها عوض من الواو التي في المفرد وإنما حذفت في ضرورة الشعر ا هـ، ومراده أن المغافير جمع مغفور بضم أوله ويقال بثاء مثلثة بدل الفاء حكاه أبو حنيفة الدينوري في النبات، قال ابن قتيبة‏:‏ ليس في الكلام مفعول بضم أوله إلا مغفور ومغزول بالغين المعجمة من أسماء الكمأة ومنخور بالخاء المعجمة من أسماء الأنف ومغلوق بالغين المعجمة واحد المغاليق، قال‏:‏ والمغفور صمغ حلو له رائحة كريهة، وذكر البخاري أن المغفور شبيه بالصمغ يكون في الرمث يكسر الراء وسكون الميم بعدها مثلثة وهو من الشجر التي ترعاها الإبل وهو من الحمض، وفي الصمغ المذكور حلاوة، يقال أغفر الرمث إذا ظهر ذلك فيه‏.‏

وذكر أبو زيد الأنصاري أن المغفور يكون أيضا في العشر بضم المهملة وفتح المعجمة، وفي الثمام والسلم والطلح‏.‏

واختلف في ميم مغفور فقيل زائدة وهو قول الفراء وعند الجمهور أنها من أصل الكلمة، ويقال له أيضا مغفار بكسر أوله ومغفر بضم أوله وبفتحه وبكسره عن الكسائي والفاء مفتوحة في الجميع‏.‏

وقال عياض‏:‏ زعم المهلب أن رائحة المغافير والعرفط حسنة وهو خلاف ما يقتضيه الحديث وخلاف ما قاله أهل اللغة ا هـ، ولعل المهلب قال ‏"‏ خبيثة ‏"‏ بمعجمة ثم موحدة ثم تحتانية ثم مثلثة فتصحفت أو استند إلى ما نقل عن الخليل وقد نسبه ابن بطال إلى العين أن العرفط شجر العضاه والعضاه كل شجر له شوك وإذا استيك به كانت له رائحة حسنة تشبه رائحة طيب النبيذ ا هـ، وعلى هذا فيكون ريح عيدان العرفط طيبا وريح الصمغ الذي يسيل منه غير طيبة ولا منافاة في ذلك ولا تصحيف، وقد حكى القرطبي في ‏"‏ المفهم ‏"‏ أن رائحة ورق العرفط طيبة فإذا رعته الإبل خبثت رائحته، وهذا طريق آخر في الجمع حسن جدا‏.‏

قوله ‏(‏فدخل على إحداهما‏)‏ لم أقف على تعيينها، وأظنها حفصة‏.‏

قوله ‏(‏فقال لا بأس شربت عسلا‏)‏ كذا وقع هنا في رواية أبي ذر عن شيوخه، ووقع للباقين ‏"‏ لا بل شربت عسلا ‏"‏ وكذا وقع كتاب الأيمان والنذور للجميع حيث ساقة المصنف من هذا الوجه إسنادا ومتنا، كذا أخرجه أحمد عن حجاج ومسلم وأصحاب السنن والمستخرجات من طريق حجاج، فظهر أن لفظة ‏"‏ بأس ‏"‏ هنا مغيرة من لفظه ‏"‏ بل ‏"‏ وفي رواية هشام ‏"‏ فقال لا ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏ولن أعود له‏)‏ زاد في رواية هشام ‏"‏ وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا ‏"‏ وبهذه الزيادة تظهر مناسبة قوله في رواية حجاج بن محمد فنزلت ‏"‏ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ‏"‏ قال عياض حذفت هذه الزيادة من رواية حجاج بن محمد فصار النظم مشكلا، فزال الإشكال برواية هشام بن يوسف‏.‏

واستدل القرطبي وغيره بقوله ‏"‏ حلفت ‏"‏ على أن الكفارة التي أشير إليها في قوله تعالى ‏(‏قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم‏)‏ هي عن اليمين التي أشار إليها بقوله ‏"‏ حلفت ‏"‏ فتكون الكفارة لأجل اليمين لا لمجرد التحريم، وهو استدلال قوي لمن يقول إن التحريم لغو لا كفارة فيه بمجرده، وحمل بعضهم قوله ‏"‏ حلفت ‏"‏ على التحريم ولا يخفى بعده، والله أعلم قوله ‏(‏إن تتوبا إلى الله‏)‏ أي تلا من أول السورة إلى هذا الموضع ‏(‏فقال لعائشة وحفصة‏)‏ أي الخطاب لهما، ووقع في رواية غير أبي ذر ‏"‏ فنزلت ‏"‏ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك - إلى قوله - إن تتوبا إلى الله ‏"‏ وهذا أوضح من رواية أبي ذر‏.‏

قوله ‏(‏وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا، لقوله بل شربت عسلا‏)‏ هذا القدر بقية الحديث، كنت أظنه من ترجمة البخاري على ظاهر ما سأذكره عن رواية النسفي حتى وجدته مذكورا في آخر الحديث عند مسلم وكأن المعنى‏:‏ وأما المراد بقوله تعالى ‏(‏وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا‏)‏ فهو لأجل قوله ‏"‏ بل شربت عسلا‏"‏، والنكتة فيه أن هذه الآية داخلة في الآيات الماضية لأنها قبل قوله ‏(‏إن تتوبا إلى الله‏)‏ واتفقت الروايات عن البخاري على هذا إلا النسفي فوقع عنده بعد قوله ‏"‏ فنزلت‏:‏ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ‏"‏ ما صورته‏:‏ قوله تعالى ‏(‏إن تتوبا إلى الله‏)‏ لعائشة وحفصة ‏(‏وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا‏)‏ لقوله ‏"‏ بل شربت عسلا ‏"‏ فجعل بقية الحديث ترجمة للحديث الذي يليه، والصواب ما وقع عند الجماعة لموافقة مسلم وغيره على أن ذلك من بقية حديث ابن عمير‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْعَسَلَ وَالْحَلْوَاءَ وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ فَاحْتَبَسَ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَحْتَبِسُ فَغِرْتُ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لِي أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةً مِنْ عَسَلٍ فَسَقَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ شَرْبَةً فَقُلْتُ أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ إِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ فَإِذَا دَنَا مِنْكِ فَقُولِي أَكَلْتَ مَغَافِيرَ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ لَا فَقُولِي لَهُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ فَقُولِي لَهُ جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ وَسَأَقُولُ ذَلِكِ وَقُولِي أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ ذَاكِ قَالَتْ تَقُولُ سَوْدَةُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَأَرَدْتُ أَنْ أُبَادِيَهُ بِمَا أَمَرْتِنِي بِهِ فَرَقًا مِنْكِ فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا قَالَتْ لَهُ سَوْدَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ قَالَ لَا قَالَتْ فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ قَالَ سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ فَقَالَتْ جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ فَلَمَّا دَارَ إِلَيَّ قُلْتُ لَهُ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَمَّا دَارَ إِلَى صَفِيَّةَ قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا دَارَ إِلَى حَفْصَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَسْقِيكَ مِنْهُ قَالَ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ قَالَتْ تَقُولُ سَوْدَةُ وَاللَّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ قُلْتُ لَهَا اسْكُتِي

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العسل والحلوى‏)‏ قد أفرد هذا القدر من هذا الحديث كما سيأتي في الأطعمة وفي الأشربة وفي غيرهما من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة، وهو عنده بتقديم الحلوى على العسل، ولتقديم كل منهما على الآخر جهة من جهات التقديم، فتقديم العسل لشرفه ولأنه أصل من أصول الحلوى ولأنه مفرد والحلوى مركبة، وتقديم الحلوى لشمولها وتنوعها لأنها تتخذ من العسل ومن غيره، وليس ذلك من عطف العام على الخاص كما زعم بعضهم وإنما العام الذي يدخل الجميع فيه، الحلو بضم أوله وليس بعد الواو شيء، ووقعت الحلواء في أكثر الروايات عن أبي أسامة بالمد وفي بعضها بالقصر وهي رواية علي بن مسهر، وذكرت عائشة هذا القدر في أول الحديث تمهيدا لما سيذكره من قصة العسل، وسأذكر ما يتعلق بالحلوى والعسل مبسوطا في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله ‏(‏وكان إذا انصرف من العصر‏)‏ كذا للأكثر، وخالفهم حماد بن سلمة عن هشام بن عروة فقال ‏"‏ الفجر ‏"‏ أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن أبي النغمان عن حماد، ويساعده رواية يزيد بن رومان عن ابن عباس ففيها ‏"‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح جلس في مصلاه وجلس الناس حوله حتى تطلع الشمس، ثم يدخل على نسائه امرأة امرأة يسلم عليهن ويدعو لهن، فإذا كان يوم إحداهن كان عندها ‏"‏ الحديث أخرجه ابن مردويه، ويمكن الجمع بأن الذي كان يقع في أول النهار سلاما ودعاء محضا، والذي في آخره معه جلوس واستئناس ومحادثة، لكن المحفوظ في حديث عائشة ذكر العصر ورواية حماد بن سلمة شاذة‏.‏

قوله ‏(‏دخل على نسائه‏)‏ في رواية أبي أسامة أجاز إلى نسائه أي مشى، ويجيء بمعنى قطع المسافة ومنه فأكون أنا وأمتي أول من يجيز أي أول من يقطع مسافة الصراط‏.‏

قوله ‏(‏فيدنو منهن‏)‏ أي فيقبل ويباشر من غير جماع كما في الرواية الأخرى‏.‏

قوله ‏(‏فاحتبس‏)‏ أي أقام، زاد أبو أسامة ‏"‏ عندها‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فسألت عن ذلك‏)‏ ووقع في حديث ابن عباس بيان ذلك ولفظه ‏"‏ فأنكرت عائشة احتباسه عند حفصة فقالت لجويرية حبشيه عندها يقال لها خضراء‏:‏ إذا دخل على حفصة فادخلي عليها فانظري ما يصنع‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل‏)‏ لم أقف على اسم هذه المرأة ووقع في حديث ابن عباس ‏"‏ أنها أهديت لحفصة عكة فيها عسل من الطائف‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فقلت لسودة بنت زمعة أنه سيدنو منك‏)‏ في رواية أبي أسامة ‏"‏ فذكرت ذلك لسودة وقلت لها‏:‏ إنه إذا دخل عليك سيدنو منك ‏"‏ وفي رواية حماد بن سلمة ‏"‏ إذا دخل على إحداكن فلتأخذ بأنفها، فإذا قال‏:‏ ما شأنك‏؟‏ فقولي‏:‏ ريح المغافير ‏"‏ وقد تقدم شرح المغافير قبل‏.‏

قوله ‏(‏سقتني حفصة شربة عسل‏)‏ في رواية حماد بن سلمة ‏"‏ إنما هي عسيلة سقتنيها حفصة‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏جرست‏)‏ بفتح الجيم والراء بعدها مهملة أي رعت نحل هذا العسل الذي شربته الشجر المعروف بالعرفط، وأصل الجرس الصوت الخفي، ومنه في حديث صفة الجنة ‏"‏ يسمع جرس الطير ‏"‏ ولا يقال جرس بمعنى رعي إلا للنحل‏.‏

وقال الخليل جرست النحل العسل تجرسه جرسا إذا لحسته‏.‏

وفي رواية حماد بن سلمة ‏"‏ جرست نحلها العرفط إذا ‏"‏ والضمير للعسيلة على ما وقع في روايته‏.‏

قوله ‏(‏العرفط‏)‏ بضم المهملة والفاء بينهما راء ساكنة وآخره طاء مهملة هو الشجر الذي صمغه المغافير، قال ابن قتيبة‏:‏ هو نبات مر له ورقة عريضة تفرش بالأرض وله شوكة وثمرة بيضاء كالقطن مثل زر القميص، وهو خبيث الرائحة‏.‏

قلت‏:‏ وقد تقدم في حكاية عياض عن المهلب ما يتعلق برائحة العرفط والبحث معه فيه قبل‏.‏

قوله ‏(‏وقولي أنت يا صفية‏)‏ أي بنت حيي أم المؤمنين‏.‏

وفي رواية أبي أسامة ‏"‏ وقوليه أنت يا صفية ‏"‏ أي قولي، الكلام الذي علمته لسودة، زاد أبو أسامة في روايته ‏"‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح ‏"‏ أي الغير الطيب‏.‏

وفي رواية يزيد بن رومان عن ابن عباس ‏"‏ وكان أشد شيء عليه أن يوجد منه ريح سيئ ‏"‏ وفي رواية حماد بن سلمة ‏"‏ وكان يكره أن يوجد منه ريح كريهة لأنه يأتيه الملك ‏"‏ وفي رواية ابن أبي مليكة عن ابن عباس ‏"‏ وكان يعجبه أن يوجد منه الريح الطيب‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏قالت تقول سودة‏:‏ فوالله ما هو إلا أن قام على الباب فأردت أن أبادئه بالذي أمرتني به فرقا منك‏)‏ أي خوفا‏.‏

وفي رواية أبي أسامة ‏"‏ فلما دخل على سودة قالت تقول سودة‏:‏ والله لقد كدت أن أبادره بالذي قلت لي ‏"‏ وضبط ‏"‏ أبادئه ‏"‏ في أكثر الروايات بالموحدة من المبادأة وهي بالهمزة، وفي بعضها بالنون بغير همزة من المناداة، وأما أبادره في رواية أبي أسامة فمن المبادرة، ووقع فيها عند الكشميهني والأصيلي وأبي الوقت كالأول بالهمزة بدل الراء‏.‏

وفي رواية ابن عساكر بالنون‏.‏

قوله ‏(‏فلما دار إلى قلت نحو ذلك، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك‏)‏ كذا في هذه الرواية بلفظ نحو عند إسناد القول لعائشة وبلفظ مثل عند إسناده لصفية، ولعل السر فيه أت عائشة لما كانت المبتكرة لذلك عبرت عنه بأي لفظ حسن ببالها حينئذ فلهذا قالت نحو ولم تقل مثل، وأما صفية فإنها مأمورة بقول شيء فليس لها فيه تصرف، إذ لو تصرفت فيه لخشيت من غضب الآمرة لها، فلهذا عبرت عنه بلفظ مثل، هذا الذي ظهر لي في الفرق أو لا، ثم راجعت سياق أبي أسامة فوجدته عبر بالمثل في الموضعين، فغلب على الظن أن تغيير ذلك من تصرف الرواة والله أعلم‏.‏

قوله ‏(‏فلما دار إلى حفصة‏)‏ أي في اليوم الثاني‏.‏

قوله ‏(‏لا حاجة لي فيه‏)‏ كأنه اجتنبه لما وقع عنده من توارد النسوة الثلاث على أنه نشأت من شربه له ريح منكرة فتركه حسما للمادة‏.‏

قوله ‏(‏تقول سودة‏)‏ زاد ابن أبي أسامة في روايته ‏"‏ سبحان الله‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏والله لقد حرمناه‏)‏ بتخفيف الراء أي منعناه‏.‏

قوله ‏(‏قلت لها اسكتي‏)‏ كأنها خشيت أن يفشو ذلك فيظهر ما دبرته من كيدها لحفصة‏.‏

وفي الحديث من الفوائد ما جبل عليه النساء من الغيرة، وأن الغيراء تعذر فيما يقع منها من الاحتيال فيما يدفع عنها ترفع ضرتها عليها بأي وجه كان، وترجم عليه المصنف في كتاب ترك الحيل ‏"‏ ما يكره من احتيال المرأة من الزوج والضرائر ‏"‏ وفيه الأخذ بالحزم في الأمور وترك ما يشتبه الأمر فيه من المباح خشية من الوقوع في المحذور‏.‏

وفيه ما يشهد بعلو مرتبة عائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى كانت ضرتها تهابها وتطيعها في كل شيء تأمرها به حتى في مثل هذا الأمر مع الزوج الذي هو أرفع الناس قدرا‏.‏

وفيه إشارة إلى ورع سودة لما ظهر منها من التندم على ما فعلت لأنها وافقت أولا على دفع ترفع حفصة عليهن بمزيد الجلوس عندها بسبب العسل، ورأت أن التوصل إلى بلوغ المراد من ذلك لحسم مادة شرب العسل الذي هو سبب الإقامة، لكن أنكرت بعد ذلك أنه يترتب عليه منع النبي صلى الله عليه وسلم من أمر كان يشتهيه وهو شرب العسل مع ما تقدم من اعتراف عائشة الآمرة لها بذلك في صدر الحديث، فأخذت سودة تتعجب مما وقع منهن في ذلك، ولم تجسر على التصريح بالإنكار، ولا راجعت عائشة بعد ذلك لما قالت لها ‏"‏ اسكتي ‏"‏ بل أطاعتها وسكتت لما تقدم من اعتذارها في أنها كانت تهابها وإنما كانت تهابها لما تعلم من مزيد حب النبي صلى الله عليه وسلم لها أكثر منهن، فخشيت إذا خالفتها أن تغضبها، وإذا أغضبتها لا تأمن أن تغير عليها خاطر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تحتمل ذلك، فهذا معنى خوفها منها‏.‏

وفيه أن عماد القسم الليل، وأن النهار يجوز الاجتماع فيه بالجميع لكن بشرط أن لا تقع المجامعة إلا مع التي هو في نوبتها كما تقدم تقريره‏.‏

وفيه استعمال الكنايات فيما يستحيا من ذكره لقوله في الحديث ‏"‏ فيدنو منهن ‏"‏ والمراد فيقبل ونحو ذلك، ويحقق ذلك قول عائشة لسودة ‏"‏ إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك، فقولي له إني أجد كذا ‏"‏ وهذا إنما يتحقق بقرب الفم من الأنف، ولا سيما إذا لم تكن الرائحة طافحة، بل المقام يقتضي أن الرائحة لم تكن طافحة لأنها لو كانت طافحة لكانت بحيث يدركها النبي صلى الله عليه وسلم ولأنكر عليها عدم وجودها منه، فلما أقر على ذلك دل على ما قررناه أنها لو قدر وجودها لكانت خفية وإذا كانت خفية لم تدرك بمجرد المجالسة والمحادثة من غير قرب الفم من الأنف، والله أعلم‏.‏

*3*باب لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ

وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ جَعَلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ بَعْدَ النِّكَاحِ وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَشُرَيْحٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَعَامِرِ بْنِ سَعْدٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَمْرِو بْنِ هَرِمٍ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب لا طلاق قبل نكاح، وقول الله تعالى‏:‏ يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من فبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا‏)‏ سقط من رواية أبي ذر ‏"‏ لا طلاق قبل نكاح ‏"‏ وثبت عنده ‏"‏ باب يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ‏"‏ فساق من الآية إلى قوله ‏"‏ من عدة ‏"‏ وحذف الباقي وقال‏:‏ الآية‏.‏

واقتصر النسفي على قوله ‏"‏ باب يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات الآية ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ احتجاج البخاري بهذه الآية على عدم الوقوع لا دلالة فيه‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ ليس فيها دليل لأنها إخبار عن صورة وقع فيها الطلاق بعد النكاح، ولا حصر هناك، وليس في السياق ما يقتضيه‏.‏

قلت‏:‏ المحتج بالآية لذلك قبل البخاري ترجمان القرآن عبد الله بن عباس كما سأذكره‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن عباس جعل الله الطلاق بعد النكاح‏)‏ هذا التعليق طرف من أثر أخرجه أحمد فيما رواه عنه حرب من مسائله من طريق قتادة عن عكرمة عنه وقال‏:‏ سنده جيد‏.‏

وأخرج الحاكم من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ ما قالها ابن مسعود وإن يكن قالها فزلة من عالم في الرجل يقول إذا تزوجت فلانة فهي طالق، قال الله تعالى ‏(‏يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن‏)‏ ولم يقل إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن؛ وروى ابن خزيمة والبيهقي من طريقه من وجه آخر عن سعيد بن جبير ‏"‏ سئل ابن عباس عن الرجل يقول‏:‏ إذا تزوجت فلانة فهي طالق، قال‏:‏ ليس بشيء، إنما الطلاق لما ملك‏.‏

قالوا فابن مسعود قال إذا وقت وقتا فهو كما قال، قال‏:‏ يرحم الله أبا عبد الرحمن لو كان كما قال لقال الله إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن ‏"‏ وروى عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير ‏"‏ عن ابن عباس قال سأله مروان عن نسيب له وقت امرأة إن أتزوجها فهي طالق، فقال ابن عباس‏:‏ لا طلاق حتى تنكح، ولا عتق حتى تملك ‏"‏ وأخرج ابن أبي حاتم من طريق آدم مولى خالد عن سعيد بن جبير ‏"‏ عن ابن عباس فيمن قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق‏:‏ ليس بشيء، من أجل أن الله يقول يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات الآية ‏"‏ وأخرجه ابن أبي شيبة من هذا الوجه بنحوه، ورويناه مرفوعا في ‏"‏ فوائد أبي إسحاق بن أبي ثابت ‏"‏ بسنده إلى أبي أمية أيوب بن سليمان قال‏:‏ حججت سنة ثلاث عشرة ومائة فدخلت على عطاء فسئل عن رجل عرضت عليه امرأة ليتزوجها فقال‏:‏ هي يوم أتزوجها طالق البتة قال لا طلاق فيما لا يملك عقدته يؤثر ذلك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده من لا يعرف‏.‏

قوله ‏(‏وروى في ذلك عن علي وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن وعبيد الله ابن عبد الله بن عتبة وأبان بن عثمان وعلي بن حسين وشريح وسعيد بن جبير والقاسم وسالم وطاوس والحسن وعكرمة وعطاء وعامر بن سعد وجابر بن زيد ونافع بن جبير ومحمد بن كعب وسليمان بن يسار ومجاهد والقاسم بن عبد الرحمن وعمرو بن هرم والشعبي أنها لا تطلق‏)‏ قلت‏:‏ اقتصر البخاري في هذا الباب على الآثار التي ساقها فيه ولم يذكر فيه خبرا مرفوعا صريحا، رمزا منه إلى ما سأبينه في ضمنها من ذلك، فأما الأثر عن علي في ذلك فرواه عبد الرزاق من طريق الحسن البصري قال ‏"‏ سأل رجل عليا قال‏:‏ قلت إن تزوجت فلانة فهي طالق، فقال علي‏:‏ ليس بشيء ‏"‏ ورجاله ثقات إلا أن الحسن لم يسمع من على‏.‏

وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن الحسن عن علي، ومن طريق النزال بن سبرة عن علي، وقد روى مرفوعا أيضا أخرجه البيهقي وأبو داود من طريق سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش أنه سمع خاله عبد الله بن أبي أحمد بن جحش يقول ‏"‏ قال علي بن أبي طالب‏:‏ حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طلاق إلا من بعد نكاح، ولا يتم بعد احتلام ‏"‏ الحديث لفظ البيهقي، ورواية أبي داود مختصرة‏.‏

وأخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر عن علي مطولا، وأخرجه ابن ماجه مختصرا وفي سنده ضعف، وأما سعيد بن المسيب فرواه عبد الرزاق عن ابن جريج ‏"‏ أخبرني عبد الكريم الجزري أنه سأل سعيد بن المسيب سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح عن طلاق الرجل ما لم ينكح، فكلهم قال‏:‏ لا طلاق قبل أن ينكح إن سماها وان لم يسمها ‏"‏ وإسناده صحيح‏.‏

وروى سعيد بن منصور من طريق داود بن أبي هند ‏"‏ عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ لا طلاق قبل نكاح ‏"‏ وسنده صحيح أيضا، ويأتي له طريق أخرى مع مجاهد‏.‏

وقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا محمد بن خالد قال ‏"‏ جاء رجل إلى سعيد بن المسيب فقال‏:‏ ما تقول في رجال قال إن تزوجت فلانة فهي طالق، فقال له سعيد‏:‏ كم أصدقها‏؟‏ قال له الرجل، لم يتزوجها بعد فكيف يصدقها‏؟‏ فقال له سعيد‏:‏ فكيف يطلق من لم يتزوج ‏"‏‏؟‏ وأما عروة بن الزبير فقال سعيد بن منصور حدثنا حماد بن زيد ‏"‏ عن هشام بن عروة أن أباه كان يقول‏:‏ كل طلاق أو عتق قبل الملك فهو باطل ‏"‏ وهذا سند صحيح‏.‏

وأما أبو بكر بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله فجاء في أثر واحد مجموعا عن سعيد بن المسيب والثلاثة المذكورين بعده وزيادة أبي سلمة بن عبد الرحمن، فرواه يعقوب بن سفيان والبيهقي من طريقه من رواية يزيد بن الهاد ‏"‏ عن المنذر بن علي بن أبي الحكم أن ابن أخيه خطب بنت عمه فتشاجروا في بعض الأمر‏.‏

فقال الفتى‏:‏ هي طالق إن نكحتها حتى آكل الغضيض، قال‏:‏ والغضيض طلع النخل الذكر، ثم ندموا على ما كان من الأمر، فقال المنذر‏:‏ أنا آتيكم بالبيان من ذلك فانطلق إلى سعيد بن المسيب فذكر له فقال ابن المسيب‏:‏ ليس عليه شيء، طلق ما لم يملك‏.‏

قال ثم إني سألت عروة بن الزبير فقال مثل ذلك‏.‏

ثم سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن فقال مثل ذلك‏.‏

ثم سألت أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال مثل ذلك‏.‏

ثم سألت عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود فقال مثل ذلك‏.‏

ثم سألت عمر بن عبد العزيز فقال‏:‏ هل سألت أحدا‏؟‏ قلت نعم، فسماهم، قال‏:‏ ثم رجعت إلى القوم فأخبرتهم ‏"‏ وقد روى عن عروة مرفوعا فذكر الترمذي في ‏"‏ العلل ‏"‏ أنه سأل البخاري‏:‏ أي حديث في الباب أصح‏؟‏ فقال‏:‏ حديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده، وحديث هشام بن سعد عن الزهري عن عروة عن عائشة‏.‏

قلت‏:‏ إن البشر بن السري وغيره قالوا عن هشام بن سعد عن الزهري عن عروة مرسلا، قال‏:‏ فإن حماد بن خالد رواه عن هشام بن سعد فوصله‏.‏

قلت‏:‏ أخرجه ابن أبي شيبة عن حماد بن خالد كذلك، وخالفهم علي بن الحسين بن واقد فرواه عن هشام بن سعد عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة مرفوعا أخرجه ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، لكن هشام بن سعد أخرجا له في المتابعات ففيه ضعف، وقد ذكر ابن عدي هذا الحديث في مناكيره، وله طريق أخرى عن عروة عن عائشة أخرجه الدار قطني من طريق معمر بن بكار السعدي عن إبراهيم بن سعد عن الزهري فذكره بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا سفيان على نجران ‏"‏ فذكر قصة وفي آخره ‏"‏ فكان فيها عهد إلى أبي سفيان أوصاه بتقوى الله وقال‏:‏ لا يطلقن رجل ما لم ينكح، ولا يعتق ما لم يملك، ولا نذر في معصية الله ‏"‏ ومعمر ليس بالحافظ‏.‏

وأخرجه الدار قطني أيضا من رواية الوليد بن سلمة الأردني عن يونس عن الزهري‏.‏

والوليد واه، ولما أورد الترمذي في الجامع حديث عمرو بن شعيب قال‏:‏ ليس بصحيح‏.‏

وفي الباب عن علي ومعاذ وجابر وابن عباس وعائشة‏.‏

وقد ذكرت أثناء الكلام على تخريج أقوال من علق عنهم البخاري في هذا الباب روايات هؤلاء المرفوعة‏.‏

وفات الترمذي أنه ورد من حديث المسور بن مخرمة وعائشة كما تقدم، ومن حديث عبد الله بن عمر؛ ومن حديث أبي ثعلبة الخشني، فحديث ابن عمر يأتي ذكره في أثر سعيد بن جبير، وحديث أبي ثعلبة أخرجه الدار قطني بسند شامي فيه بقية بن الوليد وقد عنعنه وأظن فيه إرسالا أيضا، وأما أبان ابن عثمان فلم أقف إلى الآن على الإسناد إليه بذلك، وأما علي بن الحسن فرويناه في ‏"‏ الغيلانيات ‏"‏ من طريق شعبة عن الحكم هو ابن عتيبة ‏"‏ سمعت علي بن الحسن يقول‏:‏ لا طلاق إلا بعد نكاح ‏"‏ وكذا أخرجه ابن أبي شيبة عن غندر عن شعبة، وروينا في ‏"‏ فوائد عبد الله بن أيوب المخرمي ‏"‏ من طريق أبي إسحاق السبيعي عن علي ابن الحسين مثله وكلا السندين صحيح، وله طريق أخرى عنه تأتي مع سعيد بن جبير، ورواه سعيد بن منصور عن حماد بن شعيب عن حبيب بن أبي ثابت قال ‏"‏ جاء رجل إلى علي بن الحسين فقال‏:‏ إني قلت يوم أتزوج فلانة فهي طلاق، فقرأ هذه الآية ‏(‏يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن‏)‏ قال علي بن الحسين‏:‏ لا أرى الطلاق إلا بعد نكاح‏"‏‏.‏

وأما شريح فرواه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة من طريق سعيد بن جبير عنه قال ‏"‏ لا طلاق قبل نكاح ‏"‏ وسنده صحيح ولفظ ابن أبي شيبة عن رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق ثلاثا‏"‏‏.‏

وأما سعيد بن جبير فرواه أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن نمير عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير ‏"‏ في الرجل يقول يوم أتزوج فلانة فهي طلاق، قال‏:‏ ليس بشيء، إنما الطلاق بعد النكاح ‏"‏ وسنده صحيح‏.‏

وله طريق أخرى تأتي مع مجاهد‏.‏

وقال سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن سليمان بن أبي المغيرة ‏"‏ سألت سعيد بن جبير وعلي بن حسين عن الطلاق قبل النكاح فلم يرياه شيئا ‏"‏ وقد روى مرفوعا أخرجه الدار قطني من طريق أبي هاشم الرماني عن سعيد بن جبير ‏"‏ عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق، فقال‏:‏ طلق ما لا يملك ‏"‏ وفي سنده أبو خالد الواسطي، وهو واه‏.‏

ولحديث ابن عمر طريق أخرى أخرجها ابن عدي من رواية عاصم بن هلال ‏"‏ عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رفعه لا طلاق إلا بعد نكاح ‏"‏ قال ابن عدي قال ابن صاعد لما حدث به‏:‏ لا أعلم له علة‏.‏

قلت‏:‏ استنكروه على ابن صاعد ولا ذنب له فيه وإنما علته ضعف حفظ عاصم‏.‏

وأما القاسم وهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق وسالم وهو ابن عبد الله بن عمر فرواه أبو عبيد في كتاب النكاح له عن هشيم ويزيد بن هارون كلاهما عن يحيى بن سعيد قال ‏"‏ كان القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز لا يرون الطلاق قبل النكاح ‏"‏ وهذا إسناد صحيح أيضا‏.‏

وأخرجه ابن أبي شيبة من وجه آخر عن سالم والقاسم وقوعه في المعينة‏.‏

وقال ابن أبي شيبة حدثنا حفص هو ابن غياث عن حنظلة قال ‏"‏ سئل القاسم وسالم عن رجل قال‏:‏ يوم أتزوج فلانة فهي طالق، قالا‏:‏ هي كما قال ‏"‏ وعن أبي أسامة ‏"‏ عن عمر بن حمزة أنه سأل سالما والقاسم وأبا بكر بن عبد الرحمن وأبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعبد الله بن عبد الرحمن عن رجل قال‏:‏ يوم أتزوج فلانة فهي طالق البتة، فقال كلهم‏:‏ لا يتزوجها ‏"‏ وهو محمول على الكراهة دون التحريم، لما أخرجه إسماعيل القاضي في ‏"‏ أحكام القرآن ‏"‏ من طريق جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد أن القاسم سئل عن ذلك فكرهه، فهذا طريق التوفيق بين ما نقل عنه من ذلك‏.‏

وأما طاوس فأخرجه عبد الرزاق عن معمر قال ‏"‏ كتب الوليد بن يزيد إلى أمراء الأمصار أن يكتبوا إليه بالطلاق قبل النكاح وكان قد ابتلى بذلك، فكتب إلى عامله باليمن فدعا ابن طاوس وإسماعيل بن شروس وسماك بن الفضل فأخبرهم ابن طاوس عن أبيه وإسماعيل بن شروس عن عطاء وسماك بن الفضل عن وهب بن منبه أنهم قالوا‏:‏ لا طلاق قبل النكاح‏.‏

قال سماك من عنده‏:‏ إنما النكاح عقدة تعقد والطلاق يحلها، فكيف يحل عقدة قبل أن تعقد ‏"‏ وأخرجه سعيد بن منصور من طريق خصيف وابن أبي شيبة من طريق الليث بن أبي سليم كلاهما عن عطاء وطاوس جميعا، وقد روى مرفوعا، قال عبد الرزاق عن الثوري عن ابن المنكدر عمن سمع طاوسا يحدث ‏"‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ لا طلاق لمن لم ينكح ‏"‏ وكذا أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري، وهذا مرسل وفيه راو لم يسم، وقيل فيه عن طاوس عن ابن عباس أخرجه الدار قطني وابن عدي بسندين ضعيفين عن طاوس، وأخرجه الحاكم والبيهقي من طريق ابن جريج ‏"‏ عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن معاذ بن جبل قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك ‏"‏ ورجاله ثقات إلا أنه منقطع بين طاوس ومعاذ، وقد اختلف فيه على عمرو بن شعيب فرواه عامر الأحول ومطر الوراق وعبد الرحمن بن الحارث وحسين المعلم كلهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والأربعة ثقات وأحاديثهم في السنن، ومن ثم صححه من يقوى حديث عمرو بن شعيب وهو قوي لكن فيه علة الاختلاف، وقد أختلف عليه فيه اختلافا أخر فأخرج سعيد بن منصور من وجه آخر ‏"‏ عن عمرو ابن شعيب أنه سئل عن ذلك فقال‏:‏ كان أبي عرض على امرأة يزوجنيها، فأبيت أن أتزوجها وقلت‏:‏ هي طالق البتة يوم أتزوجها، ثم ندمت، فقدمت المدينة فسألت سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير فقالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا طلاق إلا بعد نكاح ‏"‏ وهذا يشعر بأن من قال فيه عن أبيه عن جده سلك الجادة، وإلا فلو كان عنده عن أبيه عن جده لما احتاج أن يرحل فيه إلى المدينة ويكتفي فيه بحديث مرسل، وقد تقدم أن الترمذي حكى عن البخاري أن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أصح شيء في الباب، وكذلك نقل ما هنا عن الإمام أحمد فالله أعلم‏.‏

وأما الحسن فقال عبد الرزاق ‏"‏ عن معمر عن الحسن وقتادة قالا‏:‏ لا طلاق قبل النكاح، ولا عتق قبل الملك ‏"‏ وعن هشام عن الحسن مثله‏.‏

وأخرج ابن منصور عن هشيم عن منصور ويونس ‏"‏ عن الحسن أنه كان يقول‏:‏ لا طلاق إلا بعد الملك ‏"‏ وقال ابن أبي شيبة حدثنا خلف بن خليفة ‏"‏ سألت منصورا عمن قال يوم أتزوجها فهي طالق فقال‏:‏ كان الحسن لا يراه طلاقا ‏"‏ وأما عكرمة فرواه أبو بكر الأثرم عن الفضل بن دكين عن سويد بن نجيح قال ‏"‏ سألت عكرمة مولى ابن عباس قلت‏:‏ رجل قالوا له تزوج فلانة قال هي يوم أتزوجها طالق كذا وكذا، قال‏:‏ إنما الطلاق بعد النكاح ‏"‏ وأما عطاء فتقدم مع طاوس ويأتي له طريق مع مجاهد، وجاء من طريقه مرفوعا أخرجه الطبراني في ‏"‏ ‏"‏ الأوسط ‏"‏ عن موسى بن هارون حدثنا محمد بن المنهال حدثنا أبو بكر الحنفي عن ابن أبي ذئب عن عطاء ‏"‏ عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لا طلاق إلا بعد النكاح، ولا عتق إلا بعد ملك ‏"‏ قال الطبراني‏:‏ لم يروه عن ابن أبي ذئب إلا أبو بكر الحنفي ووكيع ولا رواه عن أبي بكر الحنفي إلا محمد بن المنهال ا هـ‏.‏

وأخرجه أبو يعلى عن محمد بن المنهال أيضا وصرح فيه بتحديث عطاء من ابن أبي ذئب، ولذلك قال أيوب بن سويد عن ابن أبي ذئب ‏"‏ حدثنا عطاء ‏"‏ لكن أيوب بن سويد ضعيف‏.‏

وكذا أخرجه الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ من طريق محمد بن سنان القزاز عن أبي بكر الحنفي وصرح فيه بتحديث عطاء لابن أبي ذئب وتحديث جابر لعطاء وفي كل من ذلك نظر، والمحفوظ فيه العنعنة، فقد أخرجه الطيالسي في مسنده عن ابن أبي ذئب عمن سمع عطاء، وكذلك رويناه في ‏"‏ الغيلانيات ‏"‏ من طريق حسين بن محمد المروزي عن ابن أبي ذئب، وكذلك أخرجه أبو قرة في السنن عن ابن أبي ذئب، ورواية وكيع التي أشار إليها الطبراني أخرجها ابن أبي شيبة عنه عن ابن أبي ذئب عن عطاء وعن محمد بن المنكدر ‏"‏ عن جابر قال‏:‏ لا طلاق قبل نكاح ‏"‏ ولرواية محمد بن المنكدر عن جابر طريق أخرى أخرجها البيهقي من طريق صدقة بن عبد الله قال ‏"‏ جئت محمد بن المنكدر وأنا مغضب فقلت‏:‏ أنت أحللت للوليد بن يزيد أم سلمة‏؟‏ قال‏:‏ ما أنا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ حدثني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ لا طلاق لمن لا ينكح، ولا عتق لمن لا يملك ‏"‏ وأما عامر بن سعد فهو البجلي الكوفي من كبار التابعين، وجزم الكرماني في شرحه بأنه ابن سعد بن أبي وقاص وفيه نظر، وأما جابر بن زيد وهو أبو الشعثاء البصري فأخرجه سعيد بن منصور من طريقه وفي سنده رجل لم يسم، وأما نافع بن جبير أي ابن مطعم ومحمد بن كعب أي القرظي‏:‏ فأخرجه ابن أبي شيبة عن جعفر بن عون عن أسامة بن زيد عنهما قالا لا طلاق إلا بعد نكاح، وأما سليمان بن يسار فأخرجه سعيد بن منصور عن عتاب بن بشير عن خصيف عن سليمان بن يسار أنه حلف في امرأة إن أتزوجها فهي طالق فتزوجها، فأخبر بذلك عمر بن عبد العزيز وهو أمير على المدينة، فأرسل إليه‏:‏ بلغني أنك حلفت في كذا؛ قال نعم، قال‏:‏ أفلا تخلي سبيلها‏؟‏ قال‏:‏ لا، فتركه عمر ولم يفرق بينهما‏.‏

وأما مجاهد فرواه ابن أبي شيبه من طريق الحسن بن الرماح سألت سعيد بن المسيب ومجاهدا وعطاء عن رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق، فكلهم قال ليس بشيء، زاد سعيد‏:‏ أيكون سيل قبل مطر‏؟‏ وقد روي عن مجاهد خلافه أخرجه أبو عبيد عن طريق خصيف أن أمير مكة قال لامرأته كل امرأة أتزوجها فهي طالق، قال خصيف فذكرت ذلك لمجاهد وقلت له إن سعيد بن جبير قال‏:‏ ليس بشيء، طلق ما لم يملك‏.‏

قال‏:‏ فكره ذلك مجاهد وعابه‏.‏

وأما القاسم بن عبد الرحمن وهو ابن عبد الله بن مسعود فرواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن معروف بن واصل قال سألت القاسم بن عبد الرحمن فقال‏:‏ لا طلاق إلا بعد نكاح‏.‏

وأما عمرو بن هرم وهو الأزدي من أتباع التابعين فلم أقف على مقالته موصولة، إلا أن في كلام بعض الشراح أن أبا عبيد أخرجه من طريقه‏.‏

وأما الشعبي فرواه وكيع في مصنفه عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال‏:‏ إن قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق فليس بشيء، وإذا وقت لزمه، وكذلك أخرجه عبد الرزاق عن الثوري عن زكريا بن أبي زائدة وإسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال‏:‏ إذا عمم فليس بشيء‏.‏

وممن رأى وقوعه في المعينة دون التعميم - غير من تقدم - إبراهيم النخعي أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن منصور عنه قال‏:‏ إذا وقت وقع، وبإسناده إذا قال ‏"‏ كل ‏"‏ فليس بشيء، ومن طريق حماد بن أبي سليمان مثل قول إبراهيم، وأخرجه من طريق الأسود بن يزيد عن ابن مسعود، وإلى ذلك أشار ابن عباس كما تقدم‏.‏

فابن مسعود أقدم من أفتى بالوقوع، وتبعه من أخذ بمذهبه كالنخعي ثم حماد، وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة عن القاسم أنه قال هي طالق، واحتج بأن عمر سئل عمن قال يوم أتزوج فهي علي كظهر أمي، قال‏:‏ لا يتزوجها حتى يكفر فلا يصح عنه، فإنه من رواية عبد الله بن عمر العمري عن القاسم والعمري ضعيف والقاسم لم يدرك عمر، وكأن البخاري تبع أحمد في تكثير النقل عن التابعين، فقد ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل في ‏"‏ العلل ‏"‏ أن سفيان بن وكيع حدثه قال‏:‏ احفظ عن أحمد منذ أربعين سنة أنه سئل عن الطلاق قبل النكاح فقال‏:‏ يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن علي وابن عباس وعلي بن حسين وابن المسيب ونيف وعشرين من التابعين أنهم لم يروا به بأسا، قال عبد الله فسألت أبي عن ذلك فقال‏:‏ أنا قلته‏.‏

قلت‏:‏ وقد تجوز البخاري في نسبة جميع من ذكر عنهم إلى القول بعدم الوقوع مطلقا، مع أن بعضهم يفصل وبعضهم يختلف عليه، ولعل ذلك هو النكتة في تصديره النقل عنهم بصيغة التمريض، وهذه المسألة من الخلافيات الشهيرة، وللعلماء فيها مذاهب‏:‏ الوقوع مطلقا، وعدم الوقوع مطلقا، والتفصيل بين ما إذا عين أو عمم، ومنهم من توقف‏:‏ فقال بعدم الوقوع الجمهور كما تقدم وهو قول الشافعي وابن مهدي وأحمد وإسحاق وداود وأتباعهم وجمهور أصحاب الحديث‏.‏

وقال بالوقوع مطلقا أبو حنيفة وأصحابه‏.‏

وقال بالتفصيل ربيعة والثوري والليث والأوزاعي وابن أبي ليلى ومن قبلهم ممن تقدم ذكره وهو ابن مسعود وأتباعه ومالك في المشهور عنه، وعنه عدم الوقوع مطلقا ولو عين، وعن ابن القاسم مثله، وعنه أنه توقف، كذا عن الثوري وأبي عبيد‏.‏

وقال جمهور المالكية بالتفصيل، فإن سمى امرأة أو طائفة أو قبيلة أو مكانا أو زمانا يمكن أن يعيش إليه لزمه الطلاق والعتق، وجاء عن عطاء مذهب آخر مفصل بين أن يشرط ذلك في عقد نكاح امرأته أو لا، فإن شرطه لم يصح تزويج من عينها وإلا صح أخرجه ابن أبي شيبة، وتأول الزهري ومن تبعه قوله ‏"‏ لا طلاق قبل نكاح ‏"‏ أنه محمول على من لم يتزوج أصلا، فإذا قيل له مثلا تزوج فلانة فقال هي طالق البتة لم يقع بذلك شيء وهو الذي ورد فيه الحديث وأما إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق فإن الطلاق إنما يقع حين تزوجها، وما ادعاه من التأويل ترده الآثار الصريحة عن سعيد بن المسيب وغيره من مشايخ الزهري في أنهم أرادوا عدم وقوع الطلاق عمن قال إن تزوجت فهي طالق سواء خصص أم عمم أنه لا يقع، ولشهرة الاختلاف كره أحمد مطلقا وقال إن تزوج لا آمره أن يفارق، وكذا قال إسحاق في المعينة‏.‏

قال البيهقي بعد أن أخرج كثيرا من الأخبار، ثم من الآثار الواردة في عدم الوقوع‏:‏ هذه الآثار تدل على أن معظم الصحابة والتابعين فهموا من الأخبار أن الطلاق أو العتاق الذي علق قبل النكاح والملك لا يعمل بعد وقوعهما، وأن تأويل المخالف في حمله عدم الوقوع على ما إذا وقع قبل الملك، والوقوع فيما إذا وقع بعده، ليس بشيء‏.‏

لأن كل أحد يعلم بعدم الوقوع قبل وجود عقد النكاح أو الملك فلا يبقى في الإخبار فائدة، بخلاف ما إذا حملناه على ظاهره فإن فيه فائدة وهو الإعلام بعدم الوقوع ولو بعد وجود العقد، فهذا يرجح ما ذهبنا إليه من حمل الأخبار على ظاهرها والله أعلم‏.‏

وأشار البيهقي بذلك إلى ما تقدم عن الزهري وإلى ما ذكره مالك في الموطأ أن قوما بالمدينة كانوا يقولون إذا حلف الرجل بطلاق امرأة قبل أن ينكحها ثم حنث لزم إذا نكحها، حكاه ابن بطال قال‏:‏ وتأولوا حديث ‏"‏ لا طلاق قبل نكاح ‏"‏ على من يقول امرأة فلان طالق، وعورض من ألزم بذلك بالاتفاق على أن من قال لامرأة‏:‏ إذا قدم فلان فأذني لوليك أن يزوجنيك، فقالت‏:‏ إذا قدم فلان فقد أذنت لوليي في ذلك، أن فلانا إذا قدم لم ينعقد التزويج حتى تنشئ عقدا جديدا‏.‏

وعلى أن من باع سلعة لا يملكها ثم دخلت في ملكه لم يلزم ذلك البيع‏.‏

ولو قال لامرأته‏:‏ إن طلقتك فقد راجعتك فطلقها لا تكون مرتجعة، فكذلك الطلاق، ومما احتج به من أوقع الطلاق قوله تعالى ‏(‏يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود‏)‏ قال‏:‏ والتعليق عقد التزمه بقوله وربطه بنيته وعلقه بشرطه، فإن وجد الشرط نفذ واحتج آخر بقوله تعالى ‏(‏يوفون بالنذر‏)‏ وآخر بمشروعية الوصية، وكل ذلك لا حجة فيه لأن الطلاق ليس من العقود، والنذر يتقرب به إلى الله بخلاف الطلاق فإنه أبغض الحلال إلى الله، ومن ثم فرق أحمد بين تعليق العتق وتعليق الطلاق فأوقعه في العتق دون الطلاق، ويؤيده أن من قال‏:‏ لله علي عتق لزمه، ولو قال‏:‏ لله علي طلاق كان لغوا‏.‏

والوصية إنما تنفذ بعد الموت‏.‏

ولو علق الحي الطلاق بما بعد الموت لم ينفذ‏.‏

واحتج بعضهم بصحة تعليق الطلاق؛ وأن من قال لامرأته‏:‏ إن دخلت الدار فأنت طالق، فدخلت طلقت‏.‏

والجواب أن الطلاق حق ملك الزوج، فله أن ينجزه ويؤجله وأن يعلقه بشرط وأن يجعله بيد غيره كما يتصرف المالك في ملكه، فإذا لم يكن زوجا فأي شيء ملك حتى يتصرف‏؟‏ وقال ابن العربي من المالكية‏:‏ الأصل في الطلاق أن يكون في المنكوحة المقيدة بقيد النكاح، وهو الذي يقتضيه مطلق اللفظ، لكن الورع يقتضي التوقف عن المرأة التي يقال فيها ذلك وإن كان الأصل تجويزه وإلغاء التعليق، قال‏:‏ ونظر مالك ومن قال بقوله في مسالة الفرق بين المعينة وغيرها أنه إذا عم سد على نفسه باب النكاح الذي ندب الله إليه فعارض عنده المشروع فسقط، قال‏:‏ وهذا على أصل مختلف فيه وهو تخصيص الأدلة بالمصالح، وإلا فلو كان هذا لازما في الخصوص للزم في العموم والله أعلم‏.‏