فصل: أبواب الطهارة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: قوت المغتذي على جامع الترمذي



.أبواب الطهارة:

1- [1] «لا تقبل». في رواية النسائي وغيره: «لا يقبل الله».
«صلاة بغير طُهور». قال ابن العربي: قرأته بفتح الطاء وهو بضمها عبارة عن الفعل، وبفتحها عبارة عن الماء.
وقال في النهاية: الطُّهور بالضم التطهير، وبالفتح: الماء الذي يُتطهر به.
وقال سيبويه: الطَّهور بالفتح يقع على الماء والمصدر معًا، فعلى هذا يجوز أن يكون الحديث بفتح الطاء وضمها، والمراد بها التطهير. انتهى.
وضبطه ابن سيد الناس: بضم الطاء لا غير.
وقال ابن العربي: قبول الله للعمل هو رضاه به وثوابه عليه.
وقال ابن دقيق العيد: قد استدل جماعة من المتقدمين بانتفاء القبول على انتفاء الصحة، كما فعلوا في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يقبل الله صلاة حائض إلاَّ بخمار»، أي من بلغت سن المحيض.
والمقصود بهذا الحديث الاستدلال على اشتراط الطهارة في صحة الصلاة، ولا يتم ذلك إلاَّ بأن يكون انتفاء القبول دليلاً على انتفاء الصحة، وقد ورد في مواضع انتفاءُ القَبولِ مع ثبوت الصحة كالعبد إذا أبق لا تقبل له صلاة، وكما ورد فيمن أتى عرَّافًا، وفي شارب الخمر.
فإن أُريد تقرير الدليل على انتفاء الصحة من انتفاء القبول فلابد من تفسير معنى القبول، وقد فُسِّر بأنه تَرتُّبُ الغرض المطلوب من الشيء على الشيء، يقال: قَبِل فلانٌ عذر فلانٍ، إذا رَتَّب على عذره الغرضَ المطلوب منه، وهو محو الجناية والذنب. فإذا ثبت ذلك فيقال، مثلاً في هذا المكان: الغرض من الصلاة وقوعها مُجْزِيَةً بمطابقتها للأمر، فإذا ْحصل هذا الغرض ثبت القبول على ما ذكر من التفسير وثبتت الصحة، وإذا انتفى القبول انتفت الصحة.
وربما قيل من جهة بعض المتأخرين: إن القبول كون العبادة صحيحة بحيث يترتب عليها الثواب والدرجات. والإجزاء كونها مطابقة للأمر، والمعنيان إذا تغايرا وكان أحدهما أخص من الآخر، لم يلزم من نفي الأخص نفيُ الأعم، والقبول على هذا التفسير أخص من الصحة فإن كل مقبول صحيح، وليس كل صحيح مقبولاً، وهذا أن يقع في تلك الأحاديث التي نفى فيها القبول مع بقاء الصحة، فإنه يضر في الاستدلال بنفي القبول على نفي الصحة حينئذ، ويحتاج في تلك الأحاديث التي نفى عنها القبول مع بقاء الصحة إلى تأويل أو تخريج جواب، على أنه يرد على من فسَّر القبول بكون العبادة مثابًا عليها أو مرضية أو ما أشبه ذلك- إذا كانت مقصودة بذلك- أن لا يلزم من نفي القبول نفيُ الصحة، أن يقال: القواعد الشرعية تقتضي أن العبادة إذا أُتي بها مطابقة للأمر، كانت سببًا للثواب والدرجات والإجزاء، والظواهر في ذلك لا تحصى. انتهى.
«ولا صدقة من غلول». ضبطه النووي، ثم ابن سيد الناس بضم الغين المعجمة.
قال ابن العربي: الغلول: الخيانة خفية، فالصدقة من مال حرامٍ في عدم القبول واستحقاق العقاب كالصلاة بغير طُهور في ذلك.
وقال القرطبي في شرح مسلم: الغلول هنا الخيانة مطلقًا والمال الحرام.
2- [2] «إذا توضَّأ العبد المسلم أو المؤمن». قال الباجي في شرح الموطأ: الظاهر أن اللفظ شكٌّ من الراوي.
«فغسل وجهه خرجت كل خطيئة نظر إليها بعينيه». قال ابن العربي: يعني غفرت؛ لأن الخطايا هي أفعال وأعراض لا تبقى، فكيف توصف بدخول أو بخروج؟ ولكن الباري لما أوقف المغفرة على الطهارة الكاملة في العضو، ضرب لذلك مثلاً بالخروج، ولأن الطهارة حكمٌ ثابتُ استقرَّ له الدخول.
وأقول: بل الظاهر حمله على الحقيقة، وذلك أن الخطايا تؤثر في الباطن والظاهر، والطهارة تزيله، وشاهد ذلك ما أخرجه المصنف والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن العبد إذا أذنب ذنباً نُكتت في قلبه نكتةٌ سوداءُ، فإن تابَ ونَزعَ واستغفر صُقِل قَلْبه، وإن عاد زادت حتى تعلو قلبه، وذلك الران، الذي ذكره الله في القرآن {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)}».
وأخرج أحمد، وابن خزيمة عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الحجر الأسود ياقوتة بيضاء من الجنة وكان أشد بياضًا من الثلج، وإنما سودته خطايا المشركين» فإذا أثرت الخطايا في الحجر، ففي جسد فاعلها أولى. فإما أن يُقدَّرَ خرج من وجهه أثر كل خطيئة، أي: السَّوادُ الذي أحدثته. وإما أن يقال: أن الخطيئة نفسها تتعلق بالبدن، على أنها جسمٌ لا عَرضٌ، بناء على إثبات عالم المثال، ولهذا صحَّ عَرْضُ الأعراضِ على آدم- عليه السلام- ثم على الملائكة {فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ}. وإلاَّ فكيف يُتصور عَرْضُ الأعراض لو لم يكن لها صورة تتشخص بها؟ وقد حققت ذلك في تأليف مستقل، وأشرت إليه في الحاشية التي علقتها على تفسير البيضاوي.
ومن شواهده في الخطايا ما أخرجه البيهقي في سننه عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إن العبد إذا قام يصلي أُتِيَ بذنوبه فجعلت على رأسه وعاتقيه، كلما ركع وسجد تساقطت عنه». وأخرج البزار والطبراني عن سلمان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المسلم يصلي وخطاياه مرفوعة على رأسه كلما سجد تحاتت عنه».
«مع الماء أو مع آخر قطر الماء». قال الباجي: هذا شكٌّ من الراوي.
«فإذا غسل يديه». قال الباجي: كذا رووا هذا الحديث رواة الموطأ مقتصرين على غسل الوجه واليدين، إلاَّ ابن وهب فإنه زاد فيه ذكرَ مسحِ الرأس وغسلِ الرجلين.
قلتُ: ورواه الطبراني من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- وزاد فيه ذكر المضمضة والاستنشاق، وكذا رواه أحمد من حديث أبي أُمامة وزاد ذكر «مسح الرأس والأذنين».
«حتى يخرج نقيًّا من الذنوب». قال ابن العربي: الخطايا المحكوم بمغفرتها هي الصغائر دون الكبار؛ لحديث: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفَّارة لما بينهنّ إذا ما اجتنبت الكبائر».
فإذا كانت الصلاة مقترنة بالوضوء لا تكفر الكبائر، فانفراد الوضوء بالتقصير عن ذلك أحرى. قال: وهذا التكفير إنما هو الذنوب المتعلقة بحقوق الله سبحانه وتعالى، فأما المتعلقة بحقوق الآدميين فإنما يقع النظر فيها بالمقاصَّة مع الحسنات والسيئات. قال: ولو وقعت الطهارة باطنًا بتطهير القلب عن أوضار المعاصي، وظاهرًا باستعمال الماء على الجوارح بشرط الشرع، واقترنت به صلاةٌ جُرِّد فيها القلب عن علائق الدنيا، وطُردت الخواطر، واجتمع الفكر على أجزاء العبادة، كما انعقد عليه إحرامُها، واستمرت الحال كذلك حتى خرج بالتسليم عنها، فإن الكبائر تغفر، وجملة المعاصي- والحالة هذه- تُكفَّر، وكذلك كان وضوء السلف.
3- [3] «مفتاح الصَّلاة الطُّهور». قال الرافعي: هو بضم الطاء فيما قيَّده بعضهم، ويجوز الفتح؛ لأن الفعل إنما يتأتى بالآلة.
قال ابن العربي: هذا مجاز ما يفتحها مِنْ غَلْقِها، وذلك أن الحدث مانع منها، فهو كالقُفل موضوع على المُحْدِث حتى إذا توضأ انحل الغَلْق، وهذه استعارة بديعية لا يقدر عليها إلاَّ النُّبُوَّة، وكذلك قوله: مفتاح الجنة الصلاة؛ لأن أبواب الجنة مغلقة تفتحها الطاعات، وركن الطاعات الصلاة.
«وتحريمها التكبير» قال ابن العربي: هو مصدر حَرَّمَ يُحَرِّمُ، ويَشْكُل استعماله هنا، لأن التكبير جزء من أجزائها، فكيف يُحَرِّمها؟ فقيل: مراده إحرامها، يقال: أحرم إذا دخل في البلد الحرام أو الشهر الحرام، ولما كانت الصلاة تُحرِّم أشياء قيل لأول ذلك وهو التكبير: تحريم.
وقال ابن الأثير في النهاية: كأن المصلي بالتكبير والصلاة صار ممنوعًا من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها، فقيل للتكبير: تحريم؛ لمنعه المصلي من ذلك، ولهذا سميت: تكبيرة الإحرام، أي: الإحرام بالصلاة. ولما صار المصلي بالتسليم يَحِلُّ له ما حَرُمَ عليه فيها بالتكبير من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها، كما يَحِل للمحرم بالحج عند الفراغ منه ما كان حرامًا عليه قبلُ.
«وتحليلها التسليم». قال الرافعي: وقد روى محمد بن أسلم في مسنده هذا الحديث بلفظ: «وإحرامها التكبير وإحلالها التسليم». هذا الحديث أصح شيءٍ في هذا الباب.
وقال البزار: لا نعلمه عن علي إلاَّ من هذا الوجه.
وقال أبو نعيم: تفرد به ابن عقيل عن ابن الحنفية.
وقال العقيلي: في إسناده لين، وهو أصلح من حديث جابر.
وقال ابن العربي: حديث جابر أصحُّ شيءٍ في هذا الباب.
قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الشرح: كذا قال، وقد عكس ذلك العقيليُّ، وهو أقعد منه في هذا الفن.
4- [5] «كان إذا دخل الخلاء». بفتح الخاء ممدود: المكان الذي ليس به أحد.
قال النووي: وقوله: «إذا دخل» معناه إذا أراد الدخول، وكذا جاء مُصرَّحًا بها في رواية البخاري، قال: كان إذا أراد أن يدخل قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخُبث والخبائث».
قال الخطابي في كتاب إصلاح الألفاظ التي صحفها الرواة: أصحاب الحديث يروونه الخُبْثُ ساكن الباء وكذلك رواه أبو عبيد في كتابه وفسَّره، فقال: أما الخُبْثُ فإنه يعني به الشر، وأما الخبائث فإنها الشياطين. قال الخطابي: إنما هو الخُبُث بضم الباء جمع خبيث، وأما الخبائث فهو جمع خبيثة، استعاذ بالله من مردة الجن ذكورهم وإناثهم.
وقال ابن العربي: الخُبُث بضم الخاء والباء يعني من ذكور الجن وإناثها، وبإسكان الباء يعني من المكروه ومن أهله. والخُبْثُ من كل مكروه: فإن كان من قول فهو سبّ، وإن كان من اعتقاد فيكون كفرًا بحال واعتقاد سوء بأخرى، وإن كان من طعام فهو حرام. قال: وغلَّط الخطَّابي من رواه بإسكان الباء وهو الغالط، وقد بيَّنا معناه. قال: وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معصومًا من الشيطان، حتى من الموكل به بشرط استعاذته منه، كما غفر له بشرط استغفاره. قال: وكان يخص الاستعاذة في هذا الموضع لوجهين:
أحدهما: أنه خلاء وللشيطان- بعادة الله وقَدَرِه- في الخلاء تسلط ليس له في الملإ. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب».
الثاني: أنه موضع قذِر يُنَزَّه ذكر الله- عز وجل- عن الجريان فيه على اللسان، فيغتنم الشيطان عدم ذكر الله، فإنَّ ذِكْرَه يَطْرُده، فلجأ إلى الاستعاذة قبل ذلك ليعقدها عصمة بينه وبين الشيطان حتى يخرج، وليُعَلِّمَ أمته. انتهى.
وقال النووي: لا يصح إنكارُ الخطابي جوازَ الإسكان فإنه جائز على سبيل التخفيف بلا خلاف ككُتْبٍ، ورُسْلٍ، وعُنْقٍ، وأُذْنٍ، ولعلَّ الخطابي أراد الإنكار على من يقول: أصله الإسكان، وقد صرَّح جماعة من أهل المعرفة بأن الباء هنا ساكنة، منهم: أبو عُبيد إمامُ هذا الفن والعمدة فيه. واختلفوا في معناه، فقيل: هو الشر، وقيل: الخبُث الشياطين، والخبائث المعاصي، والضم والإسكان وجهان مشهوران في رواية هذا الحديث. ونقل القاضي عياض: أن أكثر روايات الشيوخ الإسكان. انتهى.
5- [7] «عن عائشة قالت: كان نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك». قال ابن العربي: هو مصدرٌ كسبحانك، منصوب بإضمار فعل تقديره أَطلبُ غُفْرانك. قال: وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطلب المغفرة من ربه قبل أن يُعْلمه أنه قد غَفرَ له، وكان يسألها بعد ذلك لأنه غُفِر له بشرط استغفاره، ورُفِع إلى شَرَفِ المنزلة بشرط أن يجتهد في الأعمال الصالحة، والكلُّ له حاصل بفضل الله، وفي وجه طلب المغفرة هنا محملان: الأول: أنه سأل المغفرة من تركه ذكر الله في تلك الحالة، فإن قيل: إنما تركها بأمر ربه، فكيف يسأل المغفرة عن فعل كان بأمر الله تعالى؟ فالجواب: أن الترك وإن كان بأمر الله، إلاَّ أنه من قبل نفسه وهو الاحتياج إلى خلاء.
والثاني: وهو أشهر وأخص أنه سأل المغفرة في العجز عن شكر النعمة في تيسير الغذاء، وإبقاء منفعته وإخراج فضلته على سهولة، فحق أن يعتقد هذا المقدار نعمة فإنه مدى الشكر، فيؤدى قضاء حقها بالمغفرة. انتهى.
قال ابن سيد الناس: ويحتمل وجهًا ثالثًا: أن يكون هذا خرج منه مخرج التشريع والتعليم لأمته في حالتي الدخول والخروج، فَحَقُّ من خرج سالمًا مُعَاذًا ممَّا استعاذ منه من الخبث والخبائث، أن يؤدي شكر نعمة الله عليه في إعاذته وإجابة سؤاله، وأن يستغفر الله تعالى، خوفًا أن لا يؤدي شكر تلك النعمة. وهو قريب من تحميد العاطس على سلامته مما قد كان يَخْشَى منه حالة العطاس.
هذا حديث غريب حسن. قال النووي في شرح المهذب: هو حديث حسن صحيح. وجاء في الذي يقال عقب الخروج من الخلاء أحاديث كثيرة، ليس فيها شيءٌ ثابتٌ إلاَّ حديثُ عائشة المذكور. قال: وهذا مراد الترمذي بقوله: ولا يعرف في هذا الباب إلاَّ حديثٌ عائشة.