فصل: أبواب العلم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: قوت المغتذي على جامع الترمذي



.أبواب العلم:

735- [2647] «من خرج في طلب العلم، فهو في سبيل الله حتى يرجع»
قال المظهري: وجه مشابهة طلب العلم بالمجاهدة في سبيل الله أنه إحياء الدِّين، وإذلال الشيطان، وإتعاب النَّفس وكسر الهوى واللَّذة.
736- [2650] «إنَّ النَّاس لكمْ تَبَعٌ».
قال الطيبي: أي: تابعون، فوضع المصدر موضعه مبالة نحو رجل عدل، وقال المظهري: «لكم» خطابٌ للصحابة.
«وإنَّ رِجالاً يأتُونَكُمْ» عطف على: «إنَّ النَاس».
«من أقطار الأرض» أي: جوانبها.
«يتفقَّهون في الدِّين» جملة استئنافية لبيان علة الإتيان، أو حال من الضمير المرفوع في يأتونكم، وهو أقرب إلى الذوق.
«فاسْتَوْصوا بهِمْ خَيرًا» الاستيصاء قبُول الوصِيَّة.
737- [2654] «من طلب العِلم ليجاري به العُلَماء».
قال في النِّهاية: أي يجري معهم في المناظرة والجدال ليظهر علمه إلى النَّاسِ رياءً وسُمعةً.
«أَوْ لِيجَارِي بِهِ السُّفَهَاءَ» أي يحاجهم، ويجادلهم.
«أَو يصرفَ بهِ وجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ».
قال المظهري: أي يطلب العلم على نية تحصيل المال، والجاه، وصرف وجوه العوام إليه، وجعلهم إياه معقب القدم.
738- [2656] «نَضَّرَ الله امْرَأً».
قال التوربشتي: النضرة: الحسن، والرونق، يتعدَّى، ولا يتعدى، وروي بالتخفيف والتشديد، والمعنى خصَّه الله بالبهجة والسرور لما رزق بعلمه ومعرفته من القدر، والمنزلة بين النَّاس في الدنيا، ونعمه في الآخرة، حتى يرى عليه الرخاء ورفيف النعمة، وإنما خصَّ حافظ سُنَّته ومبلِّغها بهذا الدعاء؛ لأنه سعى في نضارة العِلم وتجديد السنة، فجازاه في دعائه له بما يناسب حاله في المعاملة.
«فرُبَّ حامِلِ فقهٍ إِلَى من هو أفقَهُ مِنْهُ».
قال التوربشتي: رب وضعت للتقليل، فاستعيرت في الحديث للتكثير.
739- [2658] «ثَلاث لاَ يُغَلُّ عليهنَّ قَلبُ مُسْلِمٍ» الحديث.
قال في النِّهاية: يروى يُغلُّ؛ بضم الياء من الإغلال، وهو الخيانة في كل شيء وبفتحها من الغل، وهو الحقد، والشحناء؛ أي لا يدخله حقد يزيله عن الحق، وروي: «يغل» بتخفيف اللام من الوغول في الشيء؛ والمعنى أنَّ هذه الخلال الثلاث يستصلح بها القُلوب، فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر.
«وعليْهِنَّ» في موضع الحال، تقديره لا يغل كائنًا عليهنَّ. انتهى.
وقال البيضاوي: هذه الجملة استئنافية تأكيد لما قبله، فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما حرَّض على تعلم السنن ونشرها قفاه برد ما عسى أن يعرض مانعًا وهو الغل من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّ تعلم الشرائع، ونقلها ينبغي أن يكون خالصًا لوجه الله مبرأ عن شوائب المطامع والأغراض الدنيويَّة، وما كان كذلك لا يتأثر عن الحِقد، والحسَد.
وثانيها: أنَّ أداء السنن إلى المسلمين نصيحة لهم، وهي من وظائف الأنبياء، فمن تعرض لذلك وقام به كان خليفة لمن يبلغ عنه، وكما لا يليق بالأنبياء أن يهملوا أعداءهم ولا ينصحوهم لا يحسن من حامل الأخبار وناقل السنن أن يمنحها صديقه، ويمنع عدوه.
وثالثها: أنَّ النقل ونشر الأحاديث إنما يكون غالبًا بين الجماعات، فحث على لزومها ومنع عن النأي عنها لحقد، وضغينة، تكون بينه وبين حاضر بها، ببيان ما فيها من الفائدة العظمى، وهي إحاطة دعائهم بهم من ورائهم فتحرسهم عن مكائد الشيطان وتسويله. انتهى.
«فإنَّ دعوتهم تُحِيط من ورائهم».
قال في النِّهاية: أي: تحوطهم وتكنُفُهُمْ، وتحفظهم يريد أهل السنة دون أهل البدعة، والدَّعوة المرَّة الواحدة من الدعاء.
قال الطيبي: وهذا يرشد إلى أنَّ الصواب فتح مَنْ موصولاً مفعولاً لا تحيط، وقد يجوز أن يكون تقدير الكلام: فعليه أي يلزم الجماعة فإنَّ دعوتهم تحيط من ورائهم.
740- [2663] «لاَ أُلْفِيَنَّ أَحدكُم متَّكئًا على أريكتِهِ».
قال الطيبي: ألفيت الشيء وجدته وهو كقولهم: لا أرينك هاهنا، نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفسه عن أن يراهم على هذه الحالة، والمراد نهيهم عن أن يكونوا على تلك الحالة، فإنهم إذا كانوا عليها وجدهم كذلك فهو من باب إطلاق المسبب على السبب، ومن الكناية الإيمائية، والأريكة، سرير مزين في قبة أو بيت، فإذا لم يكن فيه سرير فهو حَجَلة.
«يأتيهِ أمري» هو بمعنى الشأن وقوله: «مِمَّا أمرتُ بهِ أو نهيتُ عنهُ» بيان للأمر الذي هو الشأن لأنه أعم من الأمر، والنَّهي، وقوله: «فيقول: لا أدري» أي لا أدري غير القرآن، ولا أتبع غيره، وهو مرتب على يأتيه والجملة كما هي حال أخرى من المفعول، ويكون النَّهي منصبًا على المجموع. أي: لا ألفين أحدكم وحاله أنه متكّئ ويأتيه الأمر فيقول: لا أدري. انتهى.
741- [2664] «وإنَّ ما حرَّم رسول الله كما حرَّم الله».
قال الطيبي: يحتمل أن يكون من كلام الراوي كما ذهبوا إليه، وأن يكون من كلامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سبيل التجريد تنبيهًا به على أنَّ من اسمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حقيق بأن يستقل بأحكام سوى ما أنزله الله عليه.
742- [2669] «بلِّغُوا عنِّي ولو آية».
قال البيضاوي: قال: ولو آية، ولم يقل ولو حديث، لأنَّ الأمر بتبليغ الحديث يفهم من هذا بطريق الأولوية، فإنَّ الآيات مع انتشارها وكثرة حملتها، وتكفل الله سبحانه بحفظها، وصونها عن الضياع والتحريف إذا كانت واجبة التبليغ، فالحديث الذي لا شيء فيه مما ذكر أولى.
743- [2673] «كفلٌ» بكسر الكاف أي حظ ونصيب.
بأسنانه، استظهارًا للمحافظة.
745- [3677] «مَنْ أَحْيا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي» قال المظهري: السنة: ما شرعه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أحكام الدِّين، وهي قد تكون فرضًا؛ كزكاة الفطر، وغير فرض؛ كصلاة العيد، وصلاة الجماعة، وقراءة القرآن في غير الصلاة، وما أشبه ذلك، وإحياؤها أن يعمل بها، ويحرض النَّاس عليها، ويحثهم على إقامتها.
وقال الأشرفي: الظاهر، يقتضي من سُنَنِي بصيغة الجمع لكن الرواية بصيغة المفرد.
وقال الطيبي: هو جنس شائع في أفراده، و«أحيا» استعير للعمل بها وحث النَّاس عليها، وقوله: «قد أميتَتْ بَعْدِي» استعارة أخرى لما يقابلها من الترك، ومنع النَّاس إقامتها وهي كالترشيح للاستعارة الأولى.
«ومن ابتدع بدعة ضلالةٍ».
قال الأشرفي: يروى بالإضافة، ويجوز أن ينتصبا نعتًا، ومنعوتًا.
7466- [2680] عن أبي هريرة رِوَايةً.
قال الطيبي: نصب على التمييز، وهو كناية عن رفع الحديث إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلاَّ كان موقوفًا عليه.
«يوشك أن يضربَ النَّاسُ أكْبَاد الإِبل».
قال الطيبي: يوشك أي يقرب و«أن يضرب النَّاس» في موضع الرفع اسم ليوشك، والمسند والمسند إليه أغنيا عن الخبر، وضرب أكباد الإبل كناية عن السير السريع لأنَّ من أراد ذلك يركب الإبل، ويضرب على أكبادها بالرِجل؛ وقال غيره: كأنه عبارة عن قال الطيبي: الضمير المجرور في: «به» عائد إلى من، والبا للتعدية؛ أي يوفقه أن يسلك طريق الجنة، ويجوز أن يرجع الضمير إلى العلم، والباء سببية، ويكون سَلك بمعنى سهَّل والعائد إلى: «من» محذوف، والمعنى سهَّل الله له بسبب العِلم طريقًا من طرق الجنَّة، فعلى الأول «سلك» من السلوك فعدي بالياء، وعلى الثَّاني: من السلك، والمفعول محذوف كقوله تعالى: {يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)}، قيل: عذابًا مفعول ثاني وعلى التقديرين نسب سلك إلى الله تعالى على طريق المشاكلة.
قوله: «إنَّ الملائكة» جملة معطوفة على الجملة الشرطية، وكذا الجمل بعده المصدرة بأن.
«لتضع أجْنِحَتَهَا» يحتمل أن يكون حقيقة، وإن لم يشاهد، أي تكف أجنحتها عن الطيران وتنزل لسماع العِلم كقوله: في حديث الذكر: «إلاَّ نزلت عليهم السكينة وحفت بهم الملائكة»، وأن يكون مجازًا، عن التواضع كقوله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ}.
وقيل: معناه؛ المعونة وتيسير السعي في طلب العلم.
«رِضى لِطالبِ العِلمِ» مفعول له، وليس فاعلاً لفاعل المعلل فيقدر مضاف؛ أي إرادة رضى.
«وفضل العَالم على العابد، كَفضلِ القَمرِ على سَائرِ الكَوْكَبِ»
قال البيضاوي: العبادة كمال ونور ملازم ذات العابد لا يتخطاه فشابه نور الكواكب، والعِلم كمال يوجب للعالم في نفسه شرفًا وفضلاً ويتعدى منه إلى غيره فيستضيء بنوره ويكمل بواسطته لكنه كمال ليس للعالم من ذاته بل نور يتلقاه عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلذلك شبَّه بالقمر.
قال الطيبي: ولا تظنن أنَّ العالم المفضل عارٍ عن العمل، ولا العابد عن العِلم، بل إن علم ذاك غالب على عمله، وعمل هذا غالب على علمه، ولذلك جعل العلماء ورثة الأنبياء الذين فازوا بالحسنيين، العلم والعَمل وحازوا الفضيلتين، الكمال، والتكميل، وهذه طريقة العارفين بالله وسبيل السائرين إلى الله.
749- [2684] «خِصلتان لا تجتمعان في منافق حسنُ سمت، ولا فقه في الدِّين».
قال الطيبي: ليس المراد أنَّ واحدة منهما قد تحصل في المنافق دون الأخرى بل هو تحريض للمؤمن على اتصافه بهما معًا، والاجتناب عن ضدهما فإنَّ المنافق يكون عاريًا منهما وهو من باب التغليظ ونحوه، قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} وليس من المشركين من يزكي لكنه حث للمؤمنين على الأداء، وتخويف من المنع حيث جعله من أوصاف المشركين، وحسن عطف، «ولا فقه» على: «حسن سمت» وهو مثبت لأنه في سياق النفي. انتهى.
وفي الفائق للزمخشري: حسن السمت أخذ النهج ولزوم المحجة، ثم قيل لكل طريقة ينتهجها الإنسان في تحري الخير، والتَّزَيِّي بزيِّ الصالحين.
وفي النِّهاية: السمت؛ حسن الهيئة والمنظر في الدِّين، وليس من الحسن والجمال، وقيل هو من السمت: الطريق، يقال الزم هذا السمت، وفلان حسن السمت أي: حسن القصد.
وقال التوربشتي: حقيقة الفقه في الدِّين ما وقع في القلب ثم ظهر على اللِّسان، فأفاد العلم، وأورث الخشية، والتقوى، فأما ما يتدارس ليتعزز به فإنه بمعزل عن الرتبة العظمى، لأنَّ الفقه تعلق بلسانه، دون قلبه.
«فضل العالم على العابدِ، كَفَضْلي علَى أدْنَاكُمْ».
قال الشيخ كمال الدِّين الزملكاني في كتابه المسمى تحقيق الأولى من أهل الرفيق الأعلى: اعلم أنَّ التفضيل تارةً يكون بين الصفتين وتارةً يكون بين المتصفين، ثم التفضيل بين المتصفين قد يراد به الأكثر منهما ثوابًا، وقد يراد به الأقرب إلى الله تعالى وفي كلام كثير من العلماء الإشارة إلى أنَّ الفضيلة تكون بكثرة الثواب، وهذا يحتاج إلى تفصيل لأنه إن أريد بكثرة الثواب ما يعطيه الله تعالى للعبد في الآخرة من درجات الجنة، ولذاتها، ومآبها ومآكلها، ومشاربها ومساكنها ومناكحها وملكها ونعيمها الجسماني فللمنع في ذلك مجال، وإن أريد به ما يعطيه الله تعالى للعبد من مقامات القرب، ولذة النظر إليه، وسماع كلامه، ولذات المعارف الإلهية التي تحصل عند كشف الغطاء وما ناسب ذلك فهو القول الآخر، وهو الأقرب إلى أن يقال أنَّ الثوابين متلازمان فمن كان أرفع في أحدهما فهو أرفع في الآخرة وفي ذلك نظر للمتأمل، ثم الفضيلة تارةً تكون باعتبار ذاتي وتارةً تكون باعتبار عرضي فالذي بالاعتبار الذاتي كتفضيل أحد الجنسين على الآخر في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} والذي بالاعتبار العرضي فما يمكن اكتسابه كقوله تعالى: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ}.
وقد يطلق المفضل على كل عطية لا تلزم المعطى، ثم إنَّ الصفة التي يستحق بها التفضيل قد يكون فضِيلة بالنسبة إلى ما دونها كما يكون في التفاضل بين الحيوانات في كثرة الحمل أو في حسن المشي، أو في قوة العَدو فإنما تظهر فضيلة أحدهما على الآخر بالنسبة إلى اعتبار حال الآخر، وقد تكون فضيلة في نفسها كالعِلم فإنه شريف مطلوب لذاته، وهو فضيلة بالنسبة إلى ما دونه أيضًا.
ومن وجه آخر، وهو أنَّ الفضيلة قد تراد لذاتها وقد يراد لما يتوصَّل بها إليه كالعلم، والعبادة، فإنَّ العلم في ذاته مطلوب متلذذ به مفتخر به وتراد العبادة لما توصل إليه من السَّعادة الأخروية، ويشاركها في ذلك العِلم فيظهر بهذا أنَّ التفضيل بين أمرين قد يكون باعتبار ذاتيهما وقد يكون باعتبار ما يوصلان إليه، وقد أطلق بعضهم أنَّ الفضل في الأعمال الصَّالحة باعتبار كثرة الثواب، وعندي أنَّ ذلك ليس على إطلاقه بل إن كانت ذات هذا الوصف، أو العَمل أشرف، وأعلى فهو أفضل، وقد يخص الله تعالى بعض الأعمال من الوعد بما لا يخص به الآخر ترغيبًا فيه إمَّا لنفرة النَّفس عنه أو لمشقته عليها فيرغب فيه بمزيد الثواب، أو لأنَّ غيره مما يكتفي فيه بداعي النَّفس والثواب عليه فضل، فالإنصاف أنَّ المفاضلة تارةً تكون بكثرة الثواب، وتارةً تكون بحسب ثمرتهما، وتارةً تكون بحسَب الوصفين بالنظر إليهما، وتارةً تكون بحسب متعلقاتها وقد تكون بأمر عرضي، هذا إذا كان الكلام في وصفين لذات، وأما المفاضلة بين الذاتين فقد يكون لأمر يرجع إلى الجنسين، وهذا أمر لا يدخل تحت الاكتساب، كفضل الإنسان على الحمار، وقد يكون لأمر يرجع إلى الشخصين، وهذا النوع من التفضيل عند التحقيق يرجع إلى التفضيل بالأوصاف.
قال ابن حزم: التفضيل قسمان لا ثالث لهما فضل اختصاص من الله تعالى بلا عمل، وفضل مجازاة بعمل فأما فضل الاختصاص دُون العمل فيشترك فيه جميع المخلوقين من الحيوان الناطق، وغير الناطق، والجمادات، والأعراض كفضل الملائكة، وفضل الأنبياء، وفضل إبراهيم بن رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الأطفال، وناقة صالح، وذبيح إبراهيم وفضل مكة، والمدينة، والمساجد على البقاع، والحجر الأسود على الحجارة، وشهر رمضان ويوم الجمعة، وليلة القدر، وأما فضل المجازات فلا يكون إلاَّ للحي الناطق، وهم الملائكة والإنس، والجن فقط، والأقسام المستحق بها التفضيل في هذا القسم، وهو المستحق بعمل، سبعة: ماهيَّة العمل وكميته وفي العرض فيه، وكيفيته والكمّ، والزمان، والمكان، والإضافة، فالماهيَّة أن يكون أحدهما يوفي فروضه، والآخر لا يوافيها، يكثر النوافل، أو نوافل أحدهما أفضل من نوافل الآخر، والكمية أن يخلص أحدهما في العمل ويشوبه الآخر ببعض المقاصد الدنيوية، والكيفية أن يوفي أحدهما جميع حقوق العَمل ورتبه، والآخر يأتي به ولكن ينقص من رتبه، والكم أن يستويا في الفرض ويتفاوتا في النوافل، والزمان كصدر الإسلام، أو وقت الحاجة، والمكان كالصَّلاة في المسجد الحرام، أو المدينة، والإضافة كعمل نبي، أو عمل مع نبي؛ فهذا تلخيص ما ذكره في جهات الفضل، ثم قال: ونتيجة الفضل بهذه الوجوه، شيئان:
أحدهما: تعظيم الفاضل على المفضُول، فهذا يشترك فيه ما كان فضله بغير عمل بل باختصاص، وما كان فضله بعمل.
والثاني: علو الدَّرجة في الجنَّة إذ لا يجوز الحكم للمفضول بعلو الدرجة في الجنة على الفاضل، وإلاَّ لبطل الفضل، وهذا القِسم من التفضيل يختص به الفاضل بفضل عمله، دون من حكم بفضله لاختصاص هذا خلاصة ما ذكره.
واعلم أنَّ فضيلة العَمل على العمل، والوصف على الوصف.
والشخص على الشخص من الأمور التوقيفيَّة التي لا يسع الإنسان الكلام فيها من قبل نفسه، ولا ينبغي أحد أن يحكم بتفضيل شخص، ولا نوع على نوع إلاَّ بتوقيف ممن له التفضيل، أو بدليل يستند إلى كتاب الله تعالى، أو سنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو إجماع الأمة، فإذا قام دليل شرعي على تفضيل مقام على مقام، أو نوع على نوع، علمنا بمقتضى الدليل الشرعي، وأما غير ذلك فلا سبيل إليه لأنه لاَ استقلال للعقل في الأحكام الشرعية لاسيما في فضائل الأعمال فإنها ترجع في الحقيقة إلى مقادير الثواب والعقاب، أو إلى تفاوُت درجات القرب الإلهي ولا مجال للعقل في ذلك، وقد يعرض لبعض العَاملين أن يعطى نوعًا من الأجر في الآخرة لا يحصل لغيره، ويكون ما فعلَهُ غيره أفضل من فعلهُ، كما ورد أنَّ الصائمين يدخلون الجنَّة من باب الريان لا يدخل منه غيرهم كرامة لهم مع أنَّ في العبادات ما هو أفضل من الصيام، وقد يكون الأجر على العمل بحسب فضله على غيره ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وقد وردت في أعمال خاصَّة، وعُود بأُجور لم يرد مثلها على غيرها بل قد ورد تخصِيص بعض الأعمال المفضُولة بنوع من الأجر لم يحصُل على العمل الفاضِل، مثاله: ما روى أبو موسى الأشعري أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «ثلاثة لهم أجران رجُلٌ من أهل الكتاب آمن بنبيه، وآمن بمحمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والعبد المملوك إذا أدى حق الله تعالى، وحق مواليه، ورجل كانت لهُ أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلَّمها فأحسن تعليمها ثم أعقتها، وتزوجها فله أجران» وكان في الصحابة جماعَة آمنوا بأنبيائهم، وآمنوا بمحمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أنَّ غيرهم من الصحابة أفضل منهم، واختص هؤلاء بأنَّ لهم أجرين، وبأن يؤتوا أجرهم مرتين، وكذلك العبد المملوك، والمتزوج عتيقته وكما ورد في أجر الشهيد من الحياة بعد الموت وكذلك كثير من الخصائص، وهذه الخصوصيات لم تحصل لغيرهم، فثبت أنَّ الدرجات تتفاوت تارةً بحسب تفاوت الأعمال وتارةً بحسب رتب الأعمال، وتارةً بحسب خُصُوصِيَّة عمل خاص، أو وقت خاص، فإذا حاولنا الكلام في تفضيل مرتبة على مرتبة أو عمل على عمل فلابد من ملاحظة ذلك فيما لم يكن فيه نصّ بتفضيل فيحتاج إلى الاجتهاد في جِهات الترجيح.
وأما ما ورد النَّص بكونه أفضل من شيء آخر من غير معَارض فلا يعدل عن المنصوص عليه ولا حكم سِوى شريعة الله المأخوذة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأما العلم فهو فضل في ذاته وشرف للذات المتصفة به كيف ما كان، وهو خير من الجهل على كل حال، لكن هذا الفضل، والشرف الذي يشير إليه عقليٌ، وأما فضل العِلم من جهة الشرع فإنما كان لكونه قربة إلى الله تعالى ومقتضيًا لثوابه، وموجبًا لخشيته، ومؤديًا إلى معرفته أو الفهم عنه أو فهم كلامه، أو هداية ضال، أو إرشاد مسترشد، وكل واحد من هذه الأمور فضله بحسب متعلقه، وما ترتب عليه من الخير في الدنيا والآخرة.
وعلم لا يؤدي إلى مقصود شرعي فليس هو العِلم النافع الذي به يستحق العالم التفضيل الشرعي، والعلوم تنقسم إلى محمودة، ومذمومة.
والمحمود هاهنا ينقسم إلى فرض عين، وفرض كفاية، وإلى مندوب، وإلى ما يختلف في هذه الرتب بحسب الأشخاص، أو الأزمان، أو الأمكنة، وعلى الجملة فكل علم أدى إلى مقصود شرعي من غير معارض معتبر فهو في قسم العِلم المحمود ومنها فاضل، ومنها مفضول، ومنها ما لا يوصف المتصف به بفضل شرعي كعلم العروض مثلاً، ومنها ما يكون مذمومًا شرعًا كعلم السحر، والطلسمات، وأحكام النجوم وما جرى مجرى ذلك، ومنها ما لا يدخل فيه مدح ولا ذم إلاَّ بحسب ما يستعمل فيه، أو يقصد به كعِلم الهندسة، وما شاكله، وجميع العُلُوم الشرعيَّة يجري فيها كلام يناسب ما ذكرناه في تفاضل العبادات، فإنَّ الفاضل منها قد يكون مفضولاً باعتبار، والمفضول قد يصير فاضلاً باعتبار، وقد ينتقل العلم بحسن قصد متعلمه واستعماله له في مقصوده شرعي من درجة الإباحة إلى درجة الندب كعِلم الحساب، وتسييرات الشمس، والقمر إذا تعلمه ليتوصَّل من هذا إلى قسمة المواريث، ومن هذا إلى معرفة أوقات العبادات، وكذلك قد يصير فرض الكفاية من العلوم فرض عين، وهذا ظاهر، وأما إدراك فضل علم على علم بالنظر إلى ذاته لا بالنظر إلى حال متعلمه، ولا قصده، ولا ما عرض من كونه في وقت معيَّن أو زمنٍ مُعَيَّن، بل من حيث كونه علمًا فالحق فيه أنَّ شرف العلم بشرف معلومه، فكلما كان متعلق العِلم أشرف كان العلم أشرف، فعلى هذا الأشرف من العِلم الموصل إلى معرفة الله تعالى، ومعرفة صِفاته، والغوص في معاني كلامه، والفهم عنه، وتحقيق توحيده، وتنزيهه، إما بالأدلة، وذلك شأن علماء أصول الدِّين القائمين بحقه، أو بالمعارف الإلهية، وذلك شأن العارفين بالله تعالى، ويحتاج إدراك هذا العلم إلى المبالغة في تزكية النفس، وتطهير القلب، والتنزه عن أوضار الذنوب، ورذائل الأخلاق.
إذا تقرر هذا فشرف العالم وفضله بشرف العِلم وفضله، فكلما كان العِلم أشرف، وأفضل كان العالم به من حيث اتصافه به أشرف وأفضل من المتصف بما دونه من حيث اتصافه به، نعم قد يعرض للمتصف بالعِلم المفضول حالة يكون فيه أفضل من المتَّصف بالعِلم الذي هو أعلى رُتبة منه كما يعرض للعلم المفضول به حالة يكون فيها أفضل من العِلم الفاضِل فيكون التفضيل في هذا المقام بحسب العَوارض فإذا انتفت العَوارض، أو قطع النظر عنها رجع الأمر إلى تفضيل العِلم على الاخر من حيث هو هو، فلذلك لا نقطع القول بإطلاق تفضيل العالم في الجملة فإنه قد لا يكون عالمًا بعلم يقتضي التفضيل بل العالم بالعلم الذي يقتضي التفضيل، كالعالم بعلم الشريعة الذي هو وراثة النبوة وعلم الحلال والحرام الذي يهتدي به إلى طريق الآخرة إذا لم يكن قائمًا بحق علمه عاملاً به، أو فسدت نيته في علمه، أو استعمله في غير وجهه لا يحكم له بالفضل، وإن كان علمه فاضلاً في نفسه شريفًا عَلِيَّ الدَّرجة لكن هو كالبضاعة النفيسة في الوِعاء الخبيث.
وإذا فسد العالم لم يكن فساده مقصورًا على نفسه بل هُو فاسدٌ، مفسِدٌ، وهو فتنة على النَّاس وضرر عليهم إن كان في محل الاقتداء به لاسيما إذا استعمل ما علمه الله تعالى أو ما أعطاه من الجدل، والحجاج، والتفقه في استنباط الباطل، أو المراء في الدِّين، وتدقيق الحيل في بلوغ المقاصد والتقدم عند الأكابر بإنالتهم أغراضهم وتشبيه الباطل بالحق، وتلبيسه على النَّاس، أو المغالبة في المناظرة، وكيف يقال في هذا العالم أنه أفضل من صدِّيق، أو شهيد، أو أحد من المؤمنين المطيعين، كلا بل هو أشبه بإبليس حين غرَّ آدم، وحواء، بقوله: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)} والأحاديث، والآثار في تمييز علماء الآخرة من علماء السوء كثيرة، والذي استقرَّ من ذلك أنَّ العلم النَّافع في الآخرة من الفضائل العظيمة.
وليس كل عالم به مستحقًا للتفضيل، والعالم المستحق للتفضيل المطلق هو الذي يعلم العِلم النَّافع شرعًا في الدُّنيا والآخرة وقام بحق علمه من عمل، أو نفع، أو هداية، أو غير ذلك من حقوق العِلم النافع فذلك هو العَالم المفضل بعلمه. انتهى كلام الزملكاني رحمه الله.
750- [2686] «لن يشْبَع المُؤمِن من خيرٍ يسمعهُ حتَّى يكون مُنْتَهاه الجنَّةُ».
قال الطيبي: شبه استلذاذه بالمسمُوع باستلذاذه بالمطعُوم؛ لأنه أرغب وأشهى، وأكثر إتعابًا لتحصيله، و«حتى» للتدرج في استماع الخير، والترقي في استلذاذه، والعمل به إلى أن يوصله الجنَّة، ويبلغه إليها لأنَّ سماع الخير سبب العمل، والعمل سبب دخول الجنَّة ظاهرًا، ولما كان قوله: «لن يشبعَ» فعلاً مضارعًا يكون فيه دلالة على الاستمرار تعلق حتى به.
751- [2687] «الكلمة الحكمة ضالة المؤمن» أي مطلوبه، قال في النِّهاية: أي لا يزال يتطلبها كما يتطلب الرَّجل ضالته.
«فحيث وَجَدَهَا فهو أحق بها» قال التوربشتي: أي بالعمل بها، واتباعها والمعنى؛ إنَّ كلمة الحكمة ربما تكلم بها من ليس لها أهل ثم وقعت إلى أهلها فهو أحق بها من غيره كما أنَّ صاحب الضالة لا ينظر إلى خساسة من وجدها عنده، كذلك المؤمن لا ينظر إلى خساسة من تفوه بالكلمة الحكمة بل يأخذها منه أخذ صاحب الضالة إياها ممن هي عنده والمراد بالكلمة الجملة المفيدة، والحكمة التي أحكمت مبانيها بالعلم والعقل، ويدل على معنى فيه دقة.