فصل: أبواب القراءات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: قوت المغتذي على جامع الترمذي



.أبواب القراءات:

821- [2927] «كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقطِّعُ قِرَاءَتَهُ، يقرأُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)} ثم يقفُ».
قال الطيبي: هذه الرواية ليست بسديدة في الألسنة، ولا بمُرضِية في اللَّهجة العربية، بل هي صيغة لا يكاد يرتضيها أهل البلاغة، وأصحاب اللِّسان فإنَّ الوقف الحسن ما اتَّفق عنده الفصل والوقف التام من أول الفاتحة عند قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}.
وكان النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفصح النَّاس لهجة وأتمهم بلاغة، وإنما كان يقف على الآية ليبين للمستمعين رؤس الآي ولو لم يكن لهذه العلة لما وقف على رب العالمين، ولا على: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} لأنَّ الوقف عليهما قطع للصَّفة عن الموصوف.
822- [2942] «بئسَ مَا لأَحَدِهِم أَنْ يَقُولَ».
قال الطيبي: ما نكرة موصوفة، وأن يقول مخصوص بالذم؛ أي: بئس شيئًا كائنًا للرَّجل، قوله: «نسيت بل هو نُسِّي» إضراب عن القول بنسبة النسيان إلى نفسه.
«واسْتَذكِرُوا القُرآن» قال الطيبي: السين للمبالغة، أي اطلبوا من أنفسكم المذاكرة به، والمحافظة على قراءته. وهو عطف من حيث المعنى على قوله: «بئسما لأحدهم أن يقول»: أي لا تقصروا في معاهدة القرآن، واستذكروه.
«لهو أشدُّ تفَصِّيًا» أي: تفلتًا، وأصل التفَصِّي من الشيء، التخلص منه تقول: تفصَّيتُ من الديون، إذا خرجت منها.
«من صُدُورِ الرِّجالِ من النَّعَمِ من عُقلِهِ» «من» الأولى متعلقة بـ: «تفصيَّا»، والثانية بـ: «أشد»، والثالثة: بـ: «تفصِّي» مقدرًا، أي: من تفصِّي النعم من عقلها، وذكر الضمير على أحد اللغتين. والعقل: جمع عقال؛ مثل كتاب، وكتب، وهو الحبل الذي يشد به ذراع البعير.
823- [2943] «أساورهُ» أي: أنازعه.
«لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ» قال في النِّهاية: يقال: لبَبْتُ الرَّجُلُ إذا جعلْتَ في عُنُقِهِ ثوبًا وجررْته به.
824- [2946] «لم يفْقَهْ» أي: لم يفهم ظاهر معاني القرآن.
825- [2948] «الحال المُرتَحِلُ».
قال في النِّهاية: هو الذي يختم القرآن بتلاوته، ثم يفتتح التِّلاوة من أوَّله، شبه بالمسافر يبلغ المنزل فيحلَّ فيه، ثم يفتتح سيره، أي يبتدِؤُهُ، وقيل: أراد بالحالِّ المرتحل الغازي الذي لا يقف عن غزوٍ إلاَّ عقبه بآخر.

.أبواب تفسير القرآن:

«فصلَّى كُلُّ رجُلٍ مِنَّا على حيَالِهِ» قال في النهاية: أي تلقاء وجهه.
827- [2979] «صِمَامًا واحدًا» قال في النِّهاية: أي في مسلك واحد، والصِّمام: ما يسد به الفُرْجة، فَسُمِّي به الفرج، ويجوز أن يكون على حذف المضاف؛ أي موضع صِمام، ويُروَى بالسِّين.
828- [2980] «حوَّلْتُ رَحْلِي البَارحَةَ».
قال في النِّهاية: كَنَّى بِرحله عن زوجَتهِ أرادَ به غِشْيانها في قُبُلهَا من جهَّة ظهرها؛ لأنَّ المجامع يعلُو المَرأةَ وَيركَبُهَا مما يلي وجهَهَا، فَحَيْثُ رَكبهَا من جهَةِ ظَهْرهَا كَنَّى عنه بتحويل رَحْلِهِ، إما أن يريد به المنزل والمأوى، وإما أن يريد به الرَّحل الذي يركَّبُ على الإبل، وهو الكور.
829- [2981] «لا ترجع إليك أبدًا آخر ما عليك... فقالَ سَمْعًا لربِّي وطاعةً».
830- [2982] «فأمَلتُ عَليَّ» بالتشديد.
831- [2988] «إنَّ للشَّيطانِ لَمَّةً بَابنِ آدمَ، وللملَكِ لَمَّةً» قال في النِّهاية: اللَّمة الهمَّة، والخطرة تقع في القلب، أراد إلمام الملك أو الشيطان به، والقُرْب منه، فما كان من خطرات الخير فهو من الملك، وما كان من خطرات الشَّرِّ فهو من الشَّيطان.
832- [3007] «تحت جحفته» هي الترس.
833- [3010] «فكلَّمهُ كِفَاحًا»
أي: مواجهة ليس بينهما حجاب، ولا رسول.
83- [3011] «أنَّ أرواحهم في طيرٍ خُضْرٍ، تسرَحُ فِي الجنَّةِ حيثُ شَاءَت».
قال الشيخ كمال الدين الزملكاني في كتابه المسمَّى تحقيق الأولى من أهل الرفيق الأعلى: في هذا الحديث دليلان على مسألتين من مسائل أصول الدِّين.
إحداهما: أنَّ الجنَّة والنَّار مخلوقتان موجودتان في وقتنا هذا، وهو مذهب أهل السنة، وأكثر المسلمين، وقال به من المعتزلة: الجُبائي وأبو الحسين البصري، وآيات القرآن شاهدة بذلك كثيرة جدًا، والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة صحيحة.
وقد أجمعت الأمة في الصَّدر الأول على ذلك، والمخالف فيه محجوج بالإجماع قبل ظهور الخلاف، فلا عبرة بخلافه لتقدم الإجماع.
والثانية: في الروح ومفارقتها البدن وبقائها بعده وتنعُّمها في البرزخ. قال القاضي عياض: في هذا الحديث أرواح الشهداء.
وفي حديث كعب بن مالك: «إنَّما نسمة المؤمن».
قال والنَّسمة تطلق على ذات الإنسان جسمًا وروحًا وتطلق على الروح مفردة، وهو المراد هنا؛ لأنها في الحديث الآخر مفسَّر: بالروح، ولأنَّ الجسم يفنى ويأكله التراب، ولقوله في الحديث: «حتَّى يرجعه الله إلى جسده يوم القيامة» وعلى هذا فالحياة المذكورة في الآية محمولة على ما حصل للروح، إذ روح غير الشهيد ممن يؤخر للحساب لا يدخل الجنة عند مفارقتها للبدن فقد ورد: «أرواح المؤمنين على أفنية قُبُورهم».
وورد عرض مقعد المؤمن عليه من الجنَّة بكرة وعشيًّا، وفي بعض ألفاظ هذا الحديث: «أنَّ أرواح المؤمنين».
قال القاضي عياض: فيحمل على المؤمنين الذين يدخلون الجنَّة بغير عذاب، فهم يدخلونها الآن، وقد قيل أنَّ هذا المُنعَّم، والمعذَّب من الأرواح جزء من الجسد تبقى فيه الروح، فهو الذي يتألم ويعذَّب ويلتذ وينعَّم، وهو الذي يقول: {رب ارجعُون} وهو الذي يسرح في الجنة.
فيمكن أن يكون هو الذي يجعل طائرًا أو في جوف طائر. فإن قيل فإذا كان الشَّهيد حيًّا فهل هي تحدث له عقب موته، وما الفرق بين حياته وبين حياة من يعذَّب في قبره ويُنعَّم؟ قلتُ: قد قدمنا الجواب عن هذا في أثناء الكلام، وذكرنا أنَّ الحياة راجعة إلى الروح وكونها مختصَّة بهذا النَّعيم أو إلى بعض أجزاء البدن وفيه الروح وغير روح الشهيد، ممن يوقف للحساب لا يحصُل لها ذلك ويبين امتياز حياة الشهيد عن حياة غيره.
قال الغزالي: الذي يشهد له طرق الاعتبار وتنطق به الآيات والأخبار أنَّ الموت معناه تغيُّر حال فقط، وأنَّ الروح باقية بعد مفارقة الجسد، إمَّا منعَّمة، وإمَّا معذَّبة، ومعنى مفارقتها للجسد انقطاع تصرُّفها فيه.
قال: وحقيقة الإنسان نفسه وروحه، وهي باقية، نعم تغير حاله من وجهين:
أحدهما: أنه سلب منه أعضاؤه وأهله، وولده، وجميع أمواله، فلا فرق بين سلب هذه من الإنسان، أو سلب الإنسان منها، فالمؤلم هو الفراق، فمعنى الموت سلب الإنسان عن أمواله بإزعاجه إلى عالم آخر لا يناسب هذا العالم، فيعظم تحسُّره على ما كان يأنس إليه من ذلك، ومن كان لا يفرح إلاَّ بذكر الله تعالى ولا يأنس إلاَّ به فإنه يعظَّم نعيمه وتتم سعادته؛ لأنه خُلِّي بينه وبين محبوبه، وقطعت عنه العلائق والشواغل.
والثاني: أنه ينكشف له ما لم يكن مكشوفًا، فمنه حسناته وسيِّئاته، وعندها يتحسَّر على ما فرط، ثم عند الدفن قد تُردُّ روحه إلى الجسد لنوع من العذاب وقد يعفي عنه. نعم، ولا يمكن كشف الغطاء عن كُنه حقيقة الموت، إذ لا يعرف الموت من لا يعرف الحياة، ومعرفة الحياة بمعرفة حقيقة الروح في نفسها وإدراك ماهية ذاتها، ولم يؤذن لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتكلم فيها ولا أن يزيد على أن يقول: {الروح من أمر ربي} ولكن بالموت ينتقل إما إلى سعادة وإما إلى شقاوة، وكل ما سوى الله تعالى ذكره، والأنس به فلابد من فراقه عند الموت لا محالة.
قال عبد الله بن عمرو: إنما مثل المؤمن حين مفارقته روحه مثل رجل كان في سجن فأخرج منه.
وهذا الذي ذكره حال من تجافي عن الدنيا ولم يكن أنسه إلاَّ بذكر الله تعالى وكانت شواغل الدنيا تحجُبه عن محبُوبه، وفي الموت خلاصهُ من جميع المؤذيات وانفراده بمحبُوبه من غير عائق وما أجدر ذلك بأن يكون منتهى النَّعيم واللذات، وأكمل اللذات للشهداء الذين قتلوا في سبيل الله؛ لأئَهم ما أقدموا على القتال إلاَّ قاطعين التفاتهم عن علائق الدنيا، مشتاقين إلى الله تعالى، راضين بالقتل فِي طلب مرضاته، فإن نظر إلى الدنيا فقد باعها طوعًا بالآخرة، والبائع لا يلتفت قلبُه إلى المبيع، وإن نظر إلى الآخرة فقد اشتراها، وتشوق إليها، فما أعظم فرحُه بما اشتراه إذا رآه، وما أقلَّ التفاته إلى ما باعه، إذا فارقه، وتجرُّد القلب لحبِّ الله تعالى قد يتَّفق في بعض الأحوال ولكن لا يدركه الموت عليه، فيتغير، والقتال سبب للموت فكان سببًا لإدراكه على مثل هذا الحال، فلهذا عظم النَّعيم، إذ معنى النَّعيم أن ينال الإنسان ما يريده، قال الله تعالى: {مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} فكان هذا أجمع عبارة لمعاني لذَّات الجنَّة، وأعظم العذاب أن يمنع الإنسان عن مراده كما قال تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} فكان هذا أجمع عبارة لعقوبات أهل جهنَّم، وهذا النَّعيم يدركه الشَّهيد كما انقطع نفسه من غير تأخير، وهذا أمر انكشف لأرباب القُلوب، وإن أردت عليه شهادة من جهة السَّمع، فجميع أحاديث الشُّهداء تُدل عليه.
وكل حديث يشتمل على التعبير عن منتهى نعيمهم بعبارة أخرى وهذا الذي ذكره الغزالي مع ما قدَّمناه يوضح لك ما بين حال الشَّهيد وحياته، وبين حال سائر الموتى. وقال أبو الحكم بن برَّجان: حياة الشُّهداء عند ربهم كاملة، بالإضافة إلى حياتهم في الدُّنيا مخلصة من خبث الأجساد الدنيويَّة وظلماتها، مطهَّرة من أرجاسها، سالمة من الأضداد، متَّصلة بالحياة الأخرويَّة اتِّصالاً صحيحًا، لكنها إنما تتم بوجودها في أجسادها يوم بعثها، ويكمَّل الكمال الذي أُهِلَّت له بدخولها في دار الحيوان، في جوار الحي الذي لا يموت فهذا الكلام من هذا الرَّجل يدل على أنه أراد أنَّ حياة الشَّهيد في البرزخ أكمل من حياته في الدُّنيا، ويكون عند رد رُوحه إلى جسده أكمل، قال: وينبغي أن يكون معنى قوله: «في حواصل خضر» أنَّ الشَّهيد يطير في دار البرزخ لا أنه على صورة طائر؛ بل على صُورته التي كان عليها في الدُّنيا وأحسن، تطير فيما هنالك، وذكر الحواصل إعلامًا بأنهم أحياء، وأنَّ أرواحهم حاصلة في حقائق أجسادهم الدنيوية، وهو أظهر من أن يكون في صُورة طائر لما جاء أنَّ الله خلق الإنسان في أحسن تقويم ولو كانوا على صُورة طائر لكان ضربًا من المسخ ولخرج عن طريق الإكرام. انتهى كلامه.
وهذا الذي ذكره من رجوع رُوحه إلى غير الجسد وإلى صُورة مثل صُورته لم أقف عليه لغيره، وإنما قاله على سبيل البحث، وهو بحث حسن لو ساعد عليه النقل عن العُلماء، وفي حديث جعفر بن أبي طالب: «أنَّ الله عوَّضه عن يدَيهِ جناحين من ياقوت يطير بهما في الجنَّة وإنه مرَّ به في نفر من الملائكة يبشرون أهل بيته بالمطر» فيحتمل أنه مرَّ به في صورته ويحتمل أنه مرَّ به في صورة طائر لقوله: يطير مع الملائكة، ويحتمل أنه إنما جُعل في صُورة طائر فرَّق بين حياة البرزخ وحياة البعث، وإن كان الشَّهيد حيًّا في الحالتين، ورأيت في كتاب الجهاد لابن المبارك حديثًا عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إذا استشهد الشَّهيد أخرج الله له جسدًا كأحسن جسد، ثم أمر بروحه فأدخل فيه فينظر إلى جسده الذي خرج منهُ كيف يصنع به، وينظر إلى من حوله ممن يتحزَّن عليه، فيظن أنهم يسمعونه أو يرونهُ».
فإن صحَّ هذا الحديث أو كان مما تقوم به الحجة فهوَ ظاهر في ما ذكرنا، والله أعلم. انتهى كلام الزملكاني.
835- [3020] «واليمين الغموسُ» هي الكاذبة الفاجرة كالتي يقتطع بها الحالف مال غيره، سُمِّيت غموسًا؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم، وفي النَّار، وفعُول للمبالغة. «يمين صبرٍ» هي التي لزم بها، وحبس عليها، وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم، ويقال لها مصبُورة، وإن كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور؛ لأنه إنما صبر من أجلها، أي حبس، فوصفت بالصبر، وأضيفت إليه مجازًا.
837- [3036] «ضَجْنَانَ» بفتح الضَّاد المعجمة وسكون الجيم ونونين بينهما ألف، موضع أو جبل بين مكة والمدينة.
«ضَافِطةٌ» بضاد معجمة وفاء، وطاء مهملة جمع ضافط، وهو الذي يجلب الميرَة والمتاع إلى المدن.
«منَ الدَّرمَكِ» هو الدقيق الحوَّارى.
«اخْتَرَطَ سَيْفَهُ» أي: سلَّه من غمده، وهو افتعل من الخرط.
838- [3047] «حتَّى تأطِرُوهم أطرًا» بالطاء، والراء المهملتين، أي: تعطفوهم، وتثنوهم.
قالى في النِّهاية: ومن غريب ما يحكي فيه عن نِفْطويه، قال: إنه بالظاء المعجمة من باب ظأر، ومنه الظَّئر المُرضِعَة، وجعل الكلمة مقلُوبة فقدم الهمزة على الظاء.
839- [3058] «قال: لا، بل أجرُ خمسين منكُمْ».
قال الطيبي: فِيه تأويلان:
أحدهما: أن يكون أجر كل واحد منهم على تقدير أنه غير مبتلى ولم يضاعف أجره.
والثاني: أن يراد أجر خمسين منهم ممن لم يبتلوا ببلائه.
وقال الشيخ كمال الدِّين الزملكاني: فإن قيل كيف يجمع بين هذا الحديث، وبين قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»؟ قلنا: هذا لا يمنع تفضيل الأوَّلين على هؤلاء؛ لأنَّ غاية ما في هذا أنَّ هؤلاء الأخيرين يعملون على مشقة شديدة، إذ القابض على دينه كالقابض على الجمر، فيضاعف ثواب العامل منهم على عمله لقلة من يعمل ذلك العمل، ولا يلزم من ذلك أفضليته على من تقدَّم، بل يكُون ذلك العمل الخاص الذي عمله هذا المتأخر مضاعف الثواب لقلة الأعوان عليه، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّكم تجدون على الخير أعوانًا ولا تجدُون على الشر أعوانًا».
ويمتاز المتقدم بأمور لا يجدها المتأخر توازي هذه المضاعفة في هذه الأعمال الخاصَّة وتفضلها بأضعاف كثيرة، كيف وقد قال النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حق الأوَّلين: «لو أنفق أحدكم مثل أُحْد ذهب ما بلغَ مُدَّ أحدهم، ولا نصيفه» فصحَّ أنَّ خير القرون قرن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرُؤيتهم له.
وصلاتهم خلفه، وغزوهم بين يديه وغير ذلك. انتهى.
وقال الشيخ عز الدِّين ابن عبد السلام في أماليه: حمل هذا الحديث على الإطلاق خطأ، بل هو مبنيٌّ على قاعدتين:
إحداهما: أنَّ الأعمال تشرف بثمراتها.
الثانية: أنَّ الغريب في أول الإسلام هو كالغريب في آخره، وبالعكس لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بدأ الإسلام غريب وسيعُود كما بدأ، فطوبى للغرباء».
«من أمَّتي» أي المتفردين بالتقوى دُون أهل زمانه، إذا تقرر ذلك فنقول: الإنفاق في أول الإسلام أفضل لقوله عليه السلام لخالد: «لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» أي: مد الحنطة، وسبب ذلك أنَّ تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام وإعلاء كلمة الله ما لا تثمره غيرها وكذلك الجهاد بالنفوس لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين وقلَّة أنصارهم، فكان جهادهم أفضل؛ لأنَّ بذل النَّفس مع النصرة، ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام. «أفضل الجهاد كلمة حق عند سُلطان جائر» لأنه أَيِسَ من حياته، وأما النَّهي عن المنكر بين ظُهور المسلمين وإظهار شعائر الإسلام فإنَّ ذلك شاق على المتأخرين لعدم المعين وكثرة النكير، فهم كالمنكر على الملك الجائر، ولذلك علل عليه الصلاة والسلام بكون القابض على دينه كالقابض على الجمر والقابض على الجمر لا يستطيع دوام ذلك لمزيد المشقة فكذلك المتأخر في دينه، وأما المتقدمون فليسوا كذلك لكثرة المعين، وعدم المنكر فعلى هذا يُنزَّل الحديث. انتهى.