فصل: تفسير الآيات (3- 5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (101- 107):

{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)}
قوله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} قال العلماء: إن هنا بمعنى إلا أي إلا الذين سبقت لهم منا الحسنى يعني السعادة والعدة الجميلة بالجنة {أولئك عنها} أي عن النار {مبعدون} قيل: الآية عامة من كل من سبقت لهم من الله السعادة، وقال أكثر المفسرين عنى بذلك كل من عبد من دون الله وهو الله طائع ولعبادة من يعبد ه كاره وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ثم تلا عليه {إنكم وما تعبد ون من دون الله حصب جنهم} الآيات الثلاث ثم قال فأقبل عبد الله بن الزبعرى السهمي فأخبره الوليد بن المغيرة بما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن الزبعرى: أما والله لو وجدته لخصمته فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الزبعرى أنت قلت إنكم وما تعبد ون من دون الله حصب جهنم؟ قال نعم قال أليست اليهود تعبد عزيراً والنصارى تعبد المسيح وبني مليح تعبد الملائكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل هم يعبد ون الشياطين فأنزل الله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} يعني عزيراً والمسيح والملائكة أولئك عنها مبعدون وأنزل في ابن الزبعرى {ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون} وزعم جماعة أن المراد من الآية الأصنام لأن الله تعالى قال إنكم وما تعبد ون من دون الله، ولو أراد به الملائكة والناس لقال إنكم ومن تعبد ون لأن من لمن يعقل وما لمن لا يعقل {لا يسمعون حسيسها} يعني صوتها وحركة تلهبها إذا نزلوا منازلهم في الجنة {وهم فيما اشتهت أنفسهم} أي من النعيم والكرامة {خالدون} أي مقيمون. قوله تعالى: {لا يحزنهم الفزع الأكبر} قال ابن عباس: يعني النفخة الأخيرة، وقيل هو حين يذبح الموت وينادى يا أهل النار خلود بلا موت وقيل هو حين يطبق على جنهم وذلك بعد أن يخرج الله منها من يريد أن يخرجه {وتتلقاهم الملائكة} أي تستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون {هذا يومكم الذي كنتم توعدون} أي في الدنيا. قوله عز وجل: {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب} قال ابن عباس: السجل الصحيفة والمعنى كطي الصحيفة على مكتوبها والطي هو الدرج الذي هو ضد النشر. وقيل: السجل اسم ملك يكتب أعمال العباد إذا رفعت إليه والمعنى نطوي السماء كما يطوي السجل والطومار الذي يكتب فيه والتقدير لا يحزنهم الفزع الأكبر في اليوم {كما بدأنا أول خلق نعيده} أي كما بدأناهم في بطون أمهاتهم عراة غرلاً كذلك نعيدهم يوم القيامة.
(ق) عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال: «أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلاً كما بدأنا أول خلق نعيده» قوله غرلاً أي قلفا.
وقوله تعالى: {وعداً علينا إنا كنا فاعلين} يعني الإعادة والبعث بعد الموت. قوله تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر} قيل: الزبور جميع الكتب المنزلة على الأنبياء والذكر هو أم الكتاب الذي عنده ومن ذلك الكتاب تنسخ جميع الكتب ومعنى من بعد الذكر أي بعد ما كتب في اللوح المحفوظ. وقال ابن عباس: الزبور التوراة والذكر الكتب المنزلة من بعد التوراة. وقيل الزبور: كتاب داود والذكر هو القرآن وبعد هنا بمعنى قبل {أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} يعني أرض الجنة يرثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم والمعنى أن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ في كتب الأنبياء: أن الجنة يرثها من كان صالحاً من عباده عاملاً بطاعته. وقال ابن عباس: أراد أن أراضي الكفار يفتحها المسلمون وهذا حكم من الله تعالى بإظهار الدين وإعزاز المسلمين، وقيل أراد الأرض المقدسة يرثها الصالحون بعد من كان فيها {إن في هذا} أي في القرآن {لبلاغاً} أي وصولاً إلى البغية يعني من اتبع القرآن وعمل بما فيه وصل إلى ما يرجو من الثواب، وقيل البلاغ الكفاية أي فيه كفاية لما فيه من الأخبار والوعد والوعيد والمواعظ البالغة فهو زاد العباد إلى الجنة وهو قوله تعالى: {لقوم عابدين} يعني مؤمنين لا يعبد ون أحداً من دون الله تعالى وقيل هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم أهل الصلوات الخمس وشهر رمضان والحج. وقال ابن عباس: عالمين وقيل: هم العالمون العاملون. قوله عز وجل: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} قيل: كان الناس أهل كفر وجاهلية وضلال وأهل الكتابين كانوا في حيرة من أمر دينهم لطول وانقطاع تواترهم ووقوع الاختلاف في كتبهم فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم حين لم يكن لطالب الحق سبيل إلى الفوز والثواب فدعاهم إلى الحق، وبين لهم سبيل الصواب وشرع لهم الأحكام وبين الحلال من الحرام قال الله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} قيل يعني المؤمنين خاصة فهو رحمة لهم. وقال ابن عباس: هو عام في حق من آمن ومن لم يؤمن، فمن آمن فهو رحمة له في الدنيا والآخرة ومن لم يؤمن فهو رحمة له في الدنيا بتأخير العذاب عنه ورفع المسخ والخسف والاستئصال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا رحمة مهداة».

.تفسير الآيات (108- 112):

{قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111) قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)}
{قل إنما يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون} يعني منقادون لما يوحى إلي من إخلاص الإلهية والتوحيد لله والمراد بهذا الاستفهام الأمر أي أسلموا {فإن تولوا} أي أعرضوا ولم يسلموا {فقل آذنتكم} أعلمتكم بالحرب وأن لا صلح بيننا {على سواء} أي إنذاراً بيناً نستوي في علمه لا أستبد أنا به دونكم لتتأهبوا لما يراد بكم والمعنى آذنتكم على وجه نستوي نحن وأنتم في العلم به وقيل معناه لتستووا في الإيمان به وأعلمتكم بما هو الواجب عليكم من التوحيد وغيره {وإن أدري} أي وما أعلم {أقريب أم بعيد ما توعدون} يعني يوم القيامة لا يعلمه إلا الله {إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون} أي لا يغيب عن علمه شيء منكم في علانيتكم وسركم {وإن أدري لعله فتنة لكم} أي لعل تأخير العذاب عنكم اختبار لكم ليرى كيف صنيعكم وهو أعلم بكم {ومتاع إلى حين} أي تتمتعون إلى انقضاء آجالكم {قال رب احكم} أي افصل بيني وبين من كذبني {بالحق} أي بالعذاب كأنه استعجل العذاب لقومه فعذبوا يوم بدر. وقيل: معناه افصل بيني وبينهم بما يظهر الحق من الجميع وهو أن تنصرني عليهم والله يحكم بالحق طلب ولم يطلب ومعنى الطلب ظهور الرغبة من الطالب {وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون} أي من الشرك والكفر والكذب والأباطيل، كأنه سبحانه وتعالى قال قل داعياً إلى رب احكم بالحق، وقل متوعداً للكفار وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.

.سورة الحج:

.تفسير الآيات (1- 2):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)}
قوله عز وجل: {يا أيها الناس اتقوا ربكم} يعني احذروا عقابة واعملوا بطاعته {إن زلزلة الساعة شيء عظيم} الزلزلة شدة الحركة على الحال الهائلة ووصفها بالعظم ولا شيء أعظم مما عظمه الله تعالى. قيل: هي من أشراط الساعة قبل قيامها. وقال ابن عباس: زلزلة الساعة قيامها فتكون معها {يوم ترونها} أي الساعة وقيل الزلزلة {تذهل} قال ابن عباس تشغل وقيل تنسي {كل مرضعة عما أرضعت} أي كل امرأة معها ولد ترضعه {وتضع كل ذات حمل حملها} أي تسقط من هول ذلك اليوم كل حامل حملها قال الحسن: تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام وتضع الحامل ما في بطنها بغير تمام. فعلى هذا القول تكون الزلزلة في الدنيا لأن بعد البعث لا يكون حبل ومن قال تكون الزلزلة في القيامة قال هذا على وجه تعظيم الأمر وتهويله على حقيقته كما تقول أصابنا أمر يشيب فيه الوليد تريد به شدته {وترى الناس سكارى} على التشبيه {وما هم بسكارى} على التحقيق ولكن ما رهقهم من خوف عذاب الله هو الذي أذهب عقولهم وأزال تمييزهم وقيل سكارى من الخوف وما هم بسكارى من الشراب {ولكن عذاب شديد}.
(ق) عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقول الله سبحانه وتعالى يوم القيامة يا آدم فيقول لبيك وسعديك».
زاد في رواية «والخير في يديك فينادى بصوت إن الله تعالى يأمرك أن تخرج من ذريتك بعث النار قال رب وما بعث النار قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون فحينئذٍ تضع الحوامل، ويشيب الوليد وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم» زاد في رواية قالوا يا رسول الله أينا ذلك الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود وفي رواية كالرقمة في ذراع الحمار وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة. فكبّرنا ثم قال: ثلث أهل الجنة فكبّرنا ثم قال شطر أهل الجنة فكبّرنا» لفظ البخاري. وفي حديث عمران بن حصين وغيره أن هاتين الآيتين نزلتا في غزوة بني المصطلق ليلاً فنادى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فحثوا المطى حتى كانوا حول رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقرأ عليهم فلم ير أكثر باكياً من تلك الليلة، فلما أصبحوا لم يحطوا السروج عن الدواب ولم يضربوا الخيام ولم يطبخوا والناس من بين باكٍ وجالس متفكر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي يوم ذلك قالوا: الله ورسوله أعلم قال: ذلك يوم يقول الله لآدم قم فابعث من ذريتك بعث النار» وذكر نحو حديث أبي سعيد وزاد فيه ثم قال: «يدخل من أمتي سبعون ألفاً الجنة بغير حساب فقال عمر: سبعون ألفاً؟ قال: نعم قال ومع كل واحد سبعون ألفاً».

.تفسير الآيات (3- 5):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)}
قوله عزّ وجلّ: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم} نزلت في النضر بن الحارث كان كثير الجدل وكان يقول للملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين وكان ينكر البعث وإحياء من صار تراباً {ويتبع} يعني في جداله في الله بغير علم {كل شيطان مريد} يعني المتمرد والمستمر في الشر وفيه جهان أحدهما: أنهم شياطين الإنس وهم رؤساء الكفر الذين يدعون من دونهم إلى الكفر والثاني أنه إبليس وجنوده {كتب عليه} يعني قضى على الشيطان {أنه من تولاه} يعني اتبعه {فإنه} يعني الشيطان {يضله} يعني يضل من تولاه عن طريق الجنة {ويهديه إلى عذاب السعير} وفي الآية زجر عن اتباعه والمعنى كتب عليه أنه من يقبل منه فهو في ضلال ثم ألزم الحجة منكري البعث فقال {يا آيها الناس إن كنتم في ريب} يعني شك {من البعث} يعني بعد الموت {فإنّا خلقناكم من تراب} يعني أباكم آدم الذي هو أصل النسل {ثم من نطفة} يعني ذريته من المني وأصلها الماء القليل {ثم من علقة} يعني من دم جامد غليظ وذلك أنّ النطفة تصير دماً غليظاً {ثم من مضغة} وهو لحمة قليلة قدر ما يمضغ {مخلقة وغير مخلقة}.
قال ابن عباس: أي تامة الخلق وغير تامة الخلق وقيل مصورة وغير مصورة وهو السقط. وقيل: المخلقة الولد الذي تأتي به المرأة لوقته وغير المخلقة السقط فكأنه سبحانه وتعالى قسم المضغة إلى قسمين أحدهما تام الصورة والحواس والتخطيط، والقسم الثاني هو الناقص عن هذه الأحوال كلها. وروي عن علقمة عن ابن مسعود موقوفاً عليه قال: إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه وقال: أي رب مخلقة أو غير مخلقة فإن قال غير مخلقة قذفها في الرحم دماً ولم تكن نسمة وإن قال مخلقة قال الملك: إي رب أذكر أم أثنى شقي أم سعيد ما الأجل ما العمل ما الرزق بأي أرض يموت؟ فيقال له: اذهب إلى أم الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك فيذهب فيجدها في أم الكتاب فينسخها فلا يزال معه حتى يأتي على آخر صفته والذي أخرجاه في الصحيحين عنه قال حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكاً يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح فوَ الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل عمل أهل الجنة ما يكون بينه وبينها إلاّ ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه بعمل أهل الجنة فيدخلها» وقوله تعالى: {لنبين لكم} أي كمال قدرتنا وحكمتنا في تصريف خلقكم ولتستدلوا بقدرته في ابتداء الخلق على قدرته على الإعادة وقيل: لنبين لكم ما تأتون وما تذرون وما تحتاجون إليه في العبادة وقيل لنبين لكم أنّ تغير المضغة إلى الخلقة هو اختيار الفاعل المختار فإنّ القادر على هذه الأشياء كيف يكون عاجزاً عن الإعادة {ونقر في الأرحام ما نشاء} أي لا تسقطه ولا تمجه {إلى أجل مسمّى} أي وقت خروجه من الرحم تام الخلق {ثم نخرجكم} أي وقت الولادة من بطون أمهاتكم {طفلاً} أي صغاراً وإنّما وحد الطفل لأن الغرض الدلالة على الجنس {ثم لتبلغوا أشدكم} أي كمال القوة والعقل والتمييز {ومنكم من يتوفى} أي قبل بلوغ الكبر {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} أي الهرم والخوف {لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً} أي يبلغ من السن ما يتغير به عقله فلا يعقل شيئاً فصير كما كان في أول طفوليته ضعيف البنية سخيف العقل قليل الفهم ثم ذكر دليلاً آخر على البعث فقال تعالى: {وترى الأرض هامدة} أي يابسة لا نبات فيها {فإذا أنزلنا عليها الماء} يعني المطر {اهتزت} أي تحركت بالنبات {وربت} أي ارتفعت وذلك أنّ الأرض ترتفع بالنبات {وأنبتت} هو مجاز لأن الله تعالى هو المنبت وأضيف إلى الأرض توسعاً {من كل زوج بهيج} أي من كل صنف حسن نضير والبهيج هو المبهج وهو الشيء المشرق الجميل ثم إنّ الله تعالى لمّا ذكر هذين الدليلين رتب عليهما ما هو المطلوب.