فصل: الفصل الثاني: في التنازع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب اللباب في بيان ما تضمنته أبواب الكتاب من الأركان والشروط والموانع والأسباب



.الفصل الثاني: في التنازع:

وإذا ادعى رجل على رجل الغصب، فإن كان المدعى عليه معروفًا بالخير والصلاح عوقب المدعي، ولم يحلف المدعى عليه، وإن كان مما يشبه ذلك وليس بمعروف به حلف ولم يعاقب، فإن نكل حلف المدعي واستحق، وإن كان معروفًا بالتعدي والغصب حلف وضرب وسجن، فإن تمادى على الجحود ترك، وفي اعترافه بعد التهديد ثلاثة: عدم اللزوم مطلقًا؛ لأنه مكره، وقيل: إن عين المدعى فيه أخذ باعترافه وإلا فلا يؤخذ به.
وقال سحنون: يؤخذ باعترافه، ولم يفرق ولا يعرف هذا إلا من ابتلى به، يريد أن إكراهه كان جائرًا، حكاه في المتيطية ابن يونس إذا كان المدعى عليه ممن يليق به ذلك هدد وسجن، فإن لم يخرج شيئًا أطلق، وفائدة ذلك لعله يخرج عين ما غصب إن كان يعرف بعينه، وأما ما لا يعرف بعينه فلا فائدة في تهديده، إذ لو أخرج شيئًا لم يعرف بعينه ولم يؤخذ منه حتى يقر آمنًا مطمئنًا وإذا قامت عليه بينة أنه انتهب صرة، فقال: كان فيها كذا، فالقول قوله مع يمينه، قاله مالك.
وقال عنه ابن القاسم: إذا طرح الصرة في متلف ولم يدر كم فيها أو لم يطرحها واختلفا في قدرها، إن القول قول المنتهب مع يمينه.
قال مطرف وابن كنانة وأشهب: أن القول في هذا وشبهه قول المنتهب منه إن ادعى ما يشبه أن يملكه، يريدون ويحلف.
خاتمة:
نذكر مسائل من التعدي: وإذا أتلف المتعدي شيئًا ضمنه، وإن أفسده فسادًا كثيرًا خير ربه في التضمين وأخذ الأرش.
وقال أشهب: ليس له إلا التضمين أو أخذ متاعه دون أرش أو أفسده فسادًا يسيرًا وفات الغرض المقصود منه كقطع ذنب بغلة القاضي وطيلسان ذي الهيئة، وهو كالكثير وإلا فالأرش.
تنبيه:
إذا كان الفساد في الثوب يسيرًا فلابد من رفوه، وحينئذ يعطى الأرش وما كان كثيرًا فلا يرفيه؛ لأنه قد يغرم في رفوه أكثر من قيمته، ابن يونس، ولو قاله قائل في اليسير لم أعبه.

.كتاب المساقاة:

.حقيقتها:

إعطاء الحائط لمن يعمل فيه بجزء معلوم من ثمرته.

.حكمها:

الجواز ابتداء واللزوم إذا وقعت.

.حكمة مشروعيتها:

دفع الحاجة.

.أركانها:

أربعة: الصيغة، والعاقد، والمعقود عليه، والمعقود به.

.الأول: الصيغة:

قال ابن رشد: هي أصل في نفسها، فلا تنعقد إلا بلفظ المساقاة على مذهب ابن القاسم، ولا تجوز إلى أجل مجهول.

.الثاني: العاقد:

ويتناول المالك والعامل ويشترط في المالك أن يكون أهلاً للتصرف ويساقي الوصي عن محجوره، والسيد عن عبده، والمأذون بعقدها لنفسه، ويساقي المريض وإن حابى، فمحاباته في الثلث، ولغرماء المفلس رد مساقاته وما عقده قبل الفلس ماض.

.الثالث: المعقود عليه:

وهو العمل الذي يصلح الثمار والرجوع فيه إلى العرف.
وما تنشأ عنه الثمار يشترط فيه ثلاثة شروط:
الأول: أن يكون مما لا يخلف، فلا يجوز في الموز والقصب والبقل بخلاف النخل والشجر، وفي جواز مساقاة الريحان وقصب السكر قولان بناء على أنه كالبقل المخلف أم لا، وعلى الجواز فيجوز في الجزة الأولى دون الثانية، وقيل: القياس الجواز فيهما.
الثاني: أن تكون الأصول خلية عن الثمرة، أو تكون فيها ثمرة لم يبد صلاحها، فلا يجوز في الثمار بعد الزهو ولا في الباذنجان والمقاثي بعد بدو صلاحها، وإن بدا صلاح بعضها وفي الحائط ثمار كثيرة مختلفة يحل بعضها دون بعض، وكان الذي أزهى أقل ما في الحائط جاز.
الثالث: يختص بالزرع والمقاثي وما عدا الرسوم وهو أن يعمر به عليه على الأشهر وأن يخرج من الأرض.
وقال ابن نافع: تجوز مساقاته وإن لم يعمره.
وقال ابن العطار: يجوز في الياسمين والورد، وإن لم يعمر بخلاف المقاثي والزرع وإذا كان في الحائط بياض أكثر من الثلث بقي لربه، ولا يجوز أن يدخل في المساقاة ولا أن يلغى للعامل، وإن كان أقل منه وبقي على السكت، فقال مالك: هو ملغي للعامل، وقيل: هو لربه، وإذا اشترطه أحدهما لنفسه جاز، لكنه إن اشترطه ربه لم يجز أن يشترط سقيه على العامل ولو أدخلاه في المساقاة وهو مع الأصول الثلث فأدنى جاز.
تنبيه:
ما كان في الحائط من غلمان أو دواب لرب الحائط يوم العقد، فذلك للعامل شرطه أو لا ونفقتهم على العامل، ومن مات منهم أخلفه رب الحائط وما أدخله العامل فمات فخلفه عليه وما رث من حبل أو دلو أو غير ذلك مما كان في الحائط، وقيل: خلفه على العامل، وقيل: على رب المال.
تنبيه:
لا يجوز أن يشترط رب الحائط على العامل ما يبقى بعد زوال الثمرة الزمن الكثير مما تعظم مؤنته كحفر بئر وإنشاء غرس وبناء كثير بخلاف ما كان يسيرًا كتحصين جدر وكنس عين وشبه ذلك، وأجازه ابن القاسم أن يشترط عليه عصر الزيتون ليسارته، وإن لم يشترطه فهو بينهما.

.الرابع: المعقود به:

جزء معلوم من الثمرة، ولا بأس أن يساقيه حائطًا فيه أنواع مختلفة بجزء واحد، ولا يجوز أن يساقيه أربعة أعوام عامين على النصف وعامين على الربع في عقد واحد، ويجوز في عقدتين.

.اللواحق:

تشتمل على أربعة فصول:

.الأول: في التنازع:

وإذا اختلفا في المعقود به، فالقول قول العامل فيما يشبه، قاله ابن القاسم، وإذا اختلفا في الصحة والفساد فالقول قول من ادعى الصحة، قاله ابن القاسم، يريد إذا عمل فهو مدعى عليه، وإن لم يعمل تحالفا وتفاسخا على القول بلزوم المساقاة بالعقد، قاله ابن يونس، وإذا قال العامل: لم تدفع لي من مساقاتي شيئًا، فإن كان جذ الثمرة فلا شيء له على قياس قول مالك في العتبية في رب الحائط يساقي الرجل عامًا أو أكثر، فيقول بعد فراغه: لم تدفع لي شيئًا، قال: إن كان جذ فلا شيء له ويحلف العامل كان بقرب الجذاذ أو بعيدًا منه.

.الثاني: في الإقالة وجناية العامل وحكم الزكاة:

ولا تجوز الإقالة على شيء يدفعه رب المال للعامل أو العكس، شرع في العمل أو لم يشرع، ولو تشاركا من غير شيء جاز، وإذا ألفى العامل سارقًا لم يكن له أن يخرجه لأجل ذلك، وليتحفظ منه، وكذلك المكتري يجد سارقًا، والعامل شريكًا بذلك الجزء ويملك بالظهور قولاً واحدًا فيخرجان الزكاة ثم يقتسمان.

.الثالث: في الموت والفلس والعجز:

ولا تنفسخ المساقاة بموت أحدهما ويتنزل الوارث منزلة مورثه، فإن كان وارث العامل غير مأمون قيل له: ائت بمأمون، ولا ينفسخ أيضًا لفلس رب الحائط ويباع الحائط ويبقى العامل فيه على حاله، وإذا عجز العامل قيل له: ائت بمأمون، فإن عجز عن ذلك فلا شيء له ولا عليه، وإن عجز بعد طيب الثمرة استأجر من يعمل، فإن لم يستطع إلا أن يبيع نصيبه ويستأجر به فعل، وإن كان فيه فضل كان له، وإن نقص كان في ذمته.

.الرابع: في المساقاة الفاسدة:

وإذا عثر عليها قبل العمل فسخت، وإن عثر عليها في أثنائه فسخ ما كان الواجب فيه وجوب المثل، ويكون له أجرة المثل إلى حين العثور عليه، وما كان الواجب فيه مساقاة المثل لم يفسخ، ويكون فيه مساقاة المثل، وإن عثر على ذلك بعد الفراغ فأربعة: أجرة المثل وهو الذي يأتي على قول عبد العزيز بن أبي سلمة في القراض الفاسد. ومساقاة المثل وهو الذي يأتي على قول أصبغ في الذي يساقي الرجل على أن يحمل أحدهما نصيب صاحبه إلى منزله البعيد. والثالث: مساقاة المثل ما لم تكن أكثر من الجزء المشترط. والرابع: التفرقة، ففي بعض الصور تكون له أجرة المثل، وفي بعضها مساقاة المثل، وهو قول ابن القاسم، وهو استحسان وليس بقياس، والذي وجد له ما فيه مساقاة المثل أربع مسائل هنا، وفي المدونة إذا ساقاه وفي الحائط تمر قد طاب وإذا اشترط العامل على رب المال ويعمل معه وثنتان في العتبية اجتماع المساقاة مع البنيان والمساقاة سنة على الثلث وسنة على الثلثين.

.كتاب القراض:

.حقيقته:

هو في اللغة: مأخوذ من القرض، وهو ما يفعله الرجل ليجازى عليه من خير أو شر. وشرعًا: أخذ مال برسم التجر بجزء من ربحه.

.حكمه:

الجواز إجماعًا، ويلزمه بالشغل لا بالعقد.
قال مالك: لرب المال رده ما لم يعمل به عامل أو يسافر به، وكذلك يلزم العامل ألا يكون له صرف المال حتى ينقض.
قال ابن المواز: ولو اشترى مثال الزاد والصفرة لسفره ورضي رب المال بأخذ ذلك بما اشتراه فله ذلك، ولو سافر بالمال لم يكن له ذلك، ولو ضمن نفقة رجوعه. ابن القاسم ولو اشترى سلعًا لم يكن له جبره على بيعها ليرد المال ولينظر السلطان في ذلك، فما يرجى له سوق أبقاه، وما ليس لتأخيره فائدة بيع واقتسما ربحه.

.حكمة مشروعيته:

الرفق بالعبيد في طلب تنمية أموالهم التي بها معايشهم، ولذلك استثنى من الإجارة المجهولة.

.أركانه:

ثلاثة: العاقد، والمعقود عليه، والمعقود به.

.الأول: العاقد:

ويتناول رب المال والعامل وهما كالوكيل والموكل، وكره مالك مقارضة من لا يفرق بين الحلال والحرام، وكره للمسلم أن يعمل للذمي ابن المواز ويفسخ ما لم يعمل، فإن عمل ترك حتى ينض فيفسخ.
قال: وإذا قرض المسلم النصراني فسخته ورددت للمسلم رأس ماله.

.الثاني: المعقود عليه:

هو العمل في المال، ويشترط في المال أن يكون نقدًا معينًا معلومًا مسلمًا للعامل، فلا يجوز القراض بالعروض ولا بالدين.
قال مالك: إذا كان له عليه دين فقال: اعمل به قراضًا لم يجز، ولو أحضره إلا أن يقبضه منه ثم يعيده إليه. ابن القاسم والوديعة مثله، إلا من خاف أن يكون أنفقها فيصير دينًا وإن وقع القراض بالدين فليس له إلا رأس ماله والربح للعامل والوضيعة عليه، ولا يجوز بالمجهول الوزن، ولا يجوز أن يكون المال بيد ربه، وإن شرط أن يراجع في التصرف أو يراجع وكيله فسد؛ لأنه تضييق في التجارة، ولا يجوز لرب المال أن يشترط على العامل عمل يده؛ لأنه غير تجارة، فإن نزل كان أجيرًا، ولا يجوز له أن يعين له نوعًا من البز لأجل وجوده، ولا يجوز له أن يشترط عليه أن يجلس بالمال في حانوت معين، ولا يعمل في غيره أو لا يشتري إلا من فلان ولا يتجر إلا في سلعة كذا، وليس وجودها بمأمون، وأن لا يشتري إلا البز، إلا أن يكون موجودًا في الشتاء والصيف فيجوز، ثم لا يعدوه إلى غيره.
قال ابن القاسم: ولا يجوز أن يبيع البز بعرض سواه فيصير مبتاعًا لغير البز.
قال مالك: ولا يجوز أن يعطيه المال على أن يخرج به إلى بلد ليشتري به متاعًا ولا خير فيه.
قال: فيعطيه المال ويقوده كما يقاد البعير، وإنما كره ذلك لأنه حجر عليه أن لا يشتري حتى يبلغ ذلك الموضع، وقد قال ابن القاسم في رواية أصبغ فيمن قارض رجلاً على أن يخرج إلى بلد بعيد مثل برقة وإفريقية ليشتري طعامًا أو غيره أنه لا بأس به.

.الثالث: المعقود به:

ويشترط أن يكون معلومًا بالجزئية كالنصف والربع أو غير ذلك من الأجزاء.

.اللواحق:

تنحصر في أربعة فصول:

.الأول: ما يفسد القراض وحكمه بعد وقوعه:

قال ابن المواز: قال مالك وأصحابه: لا يجوز أن يكون مع القراض سلف، ولا بيع، ولا كراء، ولا شرط قضاء حاجة، ولا كتاب صحيفة، ولا يشترط أحدهما لنفسه شيئًا خالصًا، فإن نزل فالعامل أجيره إلا أن يسقط الشرط قبل العمل، ولو شرط على العامل أن يخرج مثل المال من عنده ليعمل به مع ماله وله ثلاثة أرباع الربح لم يجز، قاله مالك، ولو شرط العامل أن يعمل معه رب المال لم يجز، ويجوز أن يشترط عليه أن يعينه بعبده أو بدابته في المال خاصة، ولا خير أن يعمل ولده صنعة ليبصره بالتجارة، ولو شرط أن لا يبيع إلا بالدين فباع بالنقد فله أجر مثله.
قال ابن المواز: وقال غيره: هو متعد كمن قارض رجلاً على أن لا يشتري إلا سلع كذا، وهي غير موجودة، فهو قراض غير جائز، فإن اشترى غيرها فهو متعد، وله فيما ربح قراض مثله، وإن خسر ضمن، ولا أجر له، ثم إذا وقع القراض فاسدًا وفات بالعمل فأربعة:
قراض المثل مطلقًا، رواه ابن الماجشون، وقاله أشهب، وإجارة المثل مطلقًا، قاله عبد العزيز، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة، وقيل: الأقل من قراض المثل والمسمى، والرابع أنه يرد إلى قراض المثل في بعض الصور، وإلى أجرة المثل في بعضها، رواه ابن حبيب، وبه قال ابن القاسم، وابن نافع، وابن عبد الحكم، وأصبغ، والموجود لابن القاسم إحدى عشر مسألة حكم فيها بقراض المثل. القراض بالضمان، وإلى أجل، والمبهم، وإذا قال: اعمل ولك شرك. وإذا اختلفا وأتيا ما لا يشبه وحلفا. وإذا اشترطا غيرها، والقراض بالعرض وإذا أمره بشراء عبد ثم يبيعه ويتجر بثمنه، وأن يقتضي دينًا على زيد ثم يتجر به، وأن يعطيه دنانير يصرفها ثم يتجر بصرفها. والقراض الفاسد إن عثر عليه قبل العمل أو بعده فسخ كان مما يرد العامل فيه على قراض المثل أو إلى أجرة المثل، لكن ما يرد فيه إلى أجرة المثل ترد السلع إلى ربها ويعطى أجرة مثله، سواء كان فيها ربح أو لم يكن؛ لأنها متعلقة بالذمة على المشهور.
وقال ابن حبيب: بل بالربح وما يرد العامل فيه إلى قراض المثل يفسخ أيضًا لكن تبقى السلع بيد العامل ولا يتمادى على العمل بعد النضوض وقراض المثل ليس في الذمة بل في الربح، فإن لم يكن فلا شيء له.

.الثاني: في حكم النفقة والكسوة:

وليس للعامل في الحضر نفقة، فإذا سافر بإذن رب المال أو بمقتضى الإطلاق على القول المعمول به، فله في المال النفقة ذاهبًا وراجعًا بالمعروف، وله أن يكتسى في بعيد السفر دون قريبه، إلا أن يقيم إقامة يحتاج فيها إلى الكسوة، وذلك كله في المال الكثير، أما القليل فلا نفقة له فيه ولا كسوة ولا نفقة لحاج ولا لغاز في مال القراض في ذهاب ولا رجوع، فإن أقام بعد الحج للمال خاصة أنفق من حينئذ وللعامل النفقة، وإن لم يشتري شيئًا ويرد ما بقي وهي ملغاة من الربح، فإن لم يكن فمن رأس المال ولو أنفق من مال نفسه رجع ما أنفق في مال القراض، فإن تلف لم يرجع على ربه بشيء.

.الفصل الثالث: في الموت والإقرار والتلف والخسارة التامة والتجارة بما بقي:

وإذا مات العامل بعد أن عمل، فإن كان في ورثته مأمون أو أتوا بمأمون أتموا عمل مورثهم، وإلا سلموا ذلك، ولا شيء لهم، فإن كان محجورًا ورأى وصيه أن الاستئجار مصلحة استأجر له، وإلا ترك، وإذا أقر المريض بقراض بعينه أو بوديعة وعليه دين ببينة فلرب القراض والوديعة أخذ قراضه ووديعته دون غرمائه، وإن لم يعين ذلك وجب القصاص. ابن حبيب. وهذا في المريض، أما المفلس فصاحبها أولى، وإلا فلا يحاص بها كما لا يصدق في الدين، وفيه اختلاف.
قال: وهكذا فسره لي أصبغ، وإذا أتلف المال فلا ضمان على العامل لأنه أمين، وفي إلزامه اليمين إذا طلبها رب المال الخلاف الجاري في أيمان التهم، ولو تلف بعضه وعمل بما بقي خير بما ربح فيه أصل المال، وما بقي بعد كمال رأس المال فهو بينهما على ما شرطاه وكذلك حكم الخسارة.

.الفصل الرابع: في التنازع:

وإذا قال رب المال: هو سلف، وقال العامل: هو قراض أو وديعة، فالقول قول رب المال مع يمينه، ولو قال رب المال: قراض، وقال العامل: سلف أو وديعة صدق العامل، ولو قال رب المال: بضعته معه بغير قراض، وقال العامل: قراض، فالقول قول رب المال، ولو قال: وديعة، وقال العامل: قراض، وقد ضاع المال، فإن ادعى ضياعه قبل أن يحرك فمصيبته من ربه، وإن حركه فالقول قول ربه أنه لم يأذن له ويضمنه له، وإذا تنازعا في الرد وقبضه بغير بينة، فالقول قول العامل، وإن قبضه ببينة لم يقبل قوله إلا ببينة، وقيل: يقبل إلا أن اليمين متوجهة في دعوى الرد لا محالة إن طلبها رب المال.

.كتاب الإجارة:

.حقيقتها:

تمليك منفعة عين معلومة زمنًا معلومًا بعوض معلوم.

.حكمها:

الجواز ابتداء واللزوم بنفس العقد ما لم يقترن بها ما يفسدها كالسلف مثل أن يدفع غزلاً لحائك ينسج له به ثوبًا بعشرة على أن يسلفه رطلاً من غزل وذلك غير جائز؛ لأن سلف وإجارة.

.حكمة مشروعيتها:

التعاون ودفع الحاجات، وقد نبه الله تعالى على ذلك بقوله: {ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا} [الزخرف: 32].

.أركانها:

ثلاثة: الصيغة، والعاقد ويتناول المستأجِر والمستأجَر، والمعقود عليه ويتناول المنفعة والأجرة.

.الأول: الصيغة:

وهي لفظ أو ما يقوم مقامه يدل على تمليك المنفعة بعوض، وقد خص تمليك منفعة الآدمي باسم الإجارة ومنافع المتملكات باسم الكراء والموثقون المتقدمون يستفتحون عقود الأراضي والجنات بلفظ ثقيل ومعنى الجميع واحد.

.الثاني: العاقد:

وقد قدمنا أنه يتناول المستأجِر والمستأجَر وهما كالبائع والمشتري وكل واحد منهما إما أن يتولى العقد بنفسه أو يعقده عليه غيره، ثم عقد الغير إما بوكالة أو تولية أو بغير وكالة، فإن تولاه بنفسه وهو طائع رشيد لزم، وإن كان محجورًا وكان العقد على منفعة مالية نظر فيه وصية وإن كان على منفعة بدنية وهو بالغ فظاهر المذهب أن له أن يؤاجر نفسه بغير إذن الوصي لأن الأفعال البدنية لا تدخل تحت الحجر ألا ترى أن المحجورة إذا رضيت بضرر زوجها وأراد أبوها أن يقوم بذلك فإنه لا يكون له قيام نعم أنه إن رضي بدون أجرة المثل فينبغي أن يكون للوصي في ذلك مقال، وأما الصغير والعبد فلا يجوز فعلهما إلا بإذن الوصي والسيد، قاله ابن القاسم، فإن عملا فعليه الأكثر مما عملا له وأجرة المثل.
وقال مطرف وابن الماجشون: لا بأس للرجل أن يستأجر الغلام الذي لم يبلغ الحلم والجارية التي لم تحض من أنفسهما ويدفع الأجرة إليهما ويبرأ ما لم يكن لشيء له بال وما كان في إجارتهما من محاباة فعلى المستأجر إتمامه، وإن عقد عليه بوكالة لزم كالبيع، وإن عقد بغير وكالة وقف على رضاه، وإن عقد بتوليه جاز إذا كان النظر، فإذا أجر الأب ولده من نفسه أو من غيره ومثله لا يؤاجر فسخت الإجارة وأنفق الأب عليه إن كان غنيًا والابن فقيرًا وله أن يؤاجره فيما لا مضرة فيه على الابن، فإن كان الأب مقلا أو يريد تعليم ولده جاز وينفق عليه من أجرته، فإن فضل للابن شيء حسبه له ولا يأكل منه لشهر أو لعدم خشية أن لا يتم الأمد الصبي أو بمرض فلا يجد ما يأكل.
وقال ابن لبابة: لا بأس أن يأكل منه بالمعروف، وإذا كان اليتيم من ثنتى عشرة سنة أو أربع عشرة وهو يستطيع الخدمة ويجد من يستأجره بنفقته فيأبى وله أصل لطيف فيريد بيعه وأكله، فإنه يؤاجر فيما يطيقه، وإن زعم أنفه ويحبس عليه أصله.