فصل: باب جحد شيئا من الأسماء والصفات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


باب جحد شيئا من الأسماء والصفات

الجحد‏:‏ الإنكار، والإنكار نوعان‏:‏

الأول‏:‏ إنكار تكذيب، وهذا كفر بلا شك، فلو أن أحدا أنكر اسما من أسماء الله أو صفة من صفاته الثابتة في الكتاب والسنة، مثل أن يقول‏:‏ ليس لله يد، أو أن الله لم يستو على عرشه، أو ليس له عين، فهو كافر بإجماع المسلمين، لأن تكذيب خبر الله ورسوله كفر مخرج عن الملة بالإجماع‏.‏

الثاني‏:‏ إنكار تأويل، وهو أن لا ينكرها ولكن يتأولها إلى معنى يخالف ظاهرها، وهذا نوعان‏:‏

1‏.‏ أن يكون للتأويل مسوغ في اللغة العربية، فهذا لا يوجب الكفر‏.‏

2‏.‏أن لا يكون له مسوغ في اللغة العربية، فهذا حكمه الكفر لأنه إذا لم يكن له مسوغ صار في الحقيقة تكذيب، مثل أن يقول‏:‏ المراد بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏تجري بأعيننا‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏ 14‏]‏ تجري بأراضينا، فهذا كافر لأنه نفاها نفيا مطلقا، فهو مكذب‏.‏

ولو قال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏بل يداه مبسوطتان‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏64‏]‏ المراد بيديه‏:‏ السموات والأرض، فهو كفر أيضا لأنه مصوغ في اللغة العربية، ولا هو مقتضى الحقيقة الشرعية، فهو منكر ومكذب، لكن إن قال‏:‏المراد باليد النعمة أو القوة، فلا يكفر لأن اليد في اللغة تطلق بمعنى النعمة، قال الشاعر‏:‏

وكم لظلام الليل عندك من يد ** حدث أنّ المانويّة تكذب

فقوله‏:‏ من يد، أي‏:‏ من نعمة، لأن المانوية يقولون‏:‏ إن الظلمة لا تخلق الخير، وإنما تخلق الشر‏.‏

قوله‏:‏‏(‏من الأسماء‏)‏ جمع اسم، واختلف في اشتقاقه، فقيل‏:‏ من السمو، وهو الارتفاع، ووجه هذا أن المسمى يرتفع باسمه ويتبين ويظهر‏.‏

وقيل‏:‏ من السمة وهى العلامة، ووجهه‏:‏ أنه علامة على مسماه، والراجح أن مشتق من كليهما

والمراد بالأسماء هنا أسماء الله - عز وجل - والفرق بين الاسم والصفة أن الاسم ما تسمى به الله والصفة ما اتصف بها‏.‏

* البحث في أسماء الله‏:‏

المبحث الأول‏:‏

أن أسماء الله أعلام وأوصاف، وليست أعلاما محضة، فهي من حيث دلالتها على الصفة التي يتضمنها هذا الاسم أوصاف، بخلاف أسمائنا، فالإنسان يسمي ابنه محمدا وعليا دون أن يلحظ معنى الصفة، فقد يكون اسم عليه هو من أوضع الناس، أو عبد الله وهو من أكفر الناس، بخلاف أسماء الله، لأنها متضمنة للمعاني، فالله هو العلي لعلو ذاته وصفاته، والعزيز يدل على العزة، والحكيم يدل على الحكمة، وهكذا‏.‏

ودلالة الاسم على الصفة تنقسم إلى ثلاثة أقسام‏:‏

الأول‏:‏ دلالة مطابقة، وهي دلالته على جميع معناه المحيط به‏.‏

الثاني‏:‏ دلالة تضمن، وهي دلالته على جزء معناه‏.‏

الثالث‏:‏ دلالة التزام، وهي دلالته على أمر خارج لازم‏.‏

مثال ذلك‏:‏ الخالق يدل على ذات الله وحده، وعلى صفة الخلق وحدها دلالة تضمن، ويدل على ذات الله وعلى صفة الخلق فيه دلالة مطابقة، ويدل على العلم والقدرة دلالة التزام‏.‏

كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 12‏]‏ فعلمنا القدرة من كونه خالق السموات والأرض، وعلمنا العلم من ذلك أيضا، لأن الخلق لابد فيه من علم، فمن لا يعلم لا يخلق، وكيف يخلق شيئا لا يعلمه‏؟‏‏!‏

المبحث الثاني‏:‏

أن أسماء الله مترادفة متباينة، المترادف‏:‏ ما أختلف لفظه واتفق معناه، والمتباين‏:‏ ما اختلف لفظه ومعناه، فأسماء الله مترادفة باعتبار دلالتها على ذات الله - عز وجل - لأنها تدل على مسمى واحد، فالسميع، البصير، العزيز، الحكيم، كلها تدل على شيء واحد هو الله، ومتباينة باعتبار معانيها، لأن معنى الحكيم غير معنى السميع وغير معنى البصير وهكذا‏.‏

المبحث الثالث‏:‏

أسماء الله ليست محصورة بعدد معين، والدليل على ذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث ابن مسعود الحديث الصحيح المشهور‏:‏ ‏(‏اللهم‏!‏ إني عبدك، ابن عبدك،ابن أمتك‏.‏‏.‏‏.‏- إلى أن قال‏:‏ أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك،أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ‏[‏الإمام احمد في ‏(‏المسند‏)‏ ‏(‏1/391، 452‏)‏ وابن حيان ‏(‏2372‏)‏، والطبراني في ‏(‏الكبير‏)‏ ‏(‏10352‏)‏، والحاكم ‏(‏1/ 509‏)‏، والهيثمي ‏(‏10/ 136‏)‏، وقال‏:‏ ‏(‏رجال أحمد وأبي يعلي رجال الصحيح‏)‏ وصححه ابن القيم في ‏(‏شفاء العليل‏)‏ ‏(‏277‏)‏، واحمد شاكر في ‏(‏المسند‏)‏ ‏(‏3712‏)‏‏.‏‏]‏، وما استأثر الله به في علم الغيب لا يمكن أن يعلم به، وما ليس بمعلوم فليس بمحصور‏.‏

أما قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب الدعوات / باب لله مائة اسم غير واحد، ومسلم‏:‏ كتاب الذكر والدعاء / باب في أسماء الله تعالى‏.‏‏]‏، فليس معناه أنه ليس له إلا هذه الأسماء، لكن معناه أن من أحصى من أسمائه هذه التسعة والتسعين فإنه يدخل الجنة، فنقول‏:‏ ‏(‏من أحصاها‏)‏ تكميل للجملة الأولى، وليست استئنافية منفصلة، ونظير هذا قول القائل‏:‏ عندي مئة فرس أعددتها للجهاد في سبيل الله، فليس معناه أنه ليس عنده إلا هذه المئة بل معناه أن هذه المئة معدة لهذا الشيء‏.‏

المبحث الرابع‏:‏

الاسم من أسماء الله دل على الذات وعلى المعنى كما سبق، فيجب علينا أن نؤمن به اسما من الأسماء، ونؤمن بما تدل عليه الصفة من الثر والحكم إن كان متعديا، فمثلا‏:‏ السميع نؤمن بأن من أسمائه تعالى السميع، وأنه دال على صفة السمع، وأن لهذا السمع حكما وأثرا وهو أنه يسمع به، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏ 1‏]‏ أما إن كان الاسم غير متعد، كالعظيم، والحي، والجليل، فثبت الاسم والصفة، ولا حكم يتعدى إليه‏.‏

المبحث الخامس‏:‏

هل أسماء الله تعالى غيره، أو أسماء الله هي الله‏؟‏

إن أريد بالاسم اللفظ الدال على المسمى، فهي غير الله - عز وجل - وإن أريد بالاسم مدلول ذلك اللفظ، فهي المسمى‏.‏

فمثلا‏:‏ الذي خلق السموات والأرض هو الله، فالاسم هنا هو المسمى، فليست ‏(‏اللام - والهاء‏)‏ هي التي خلقت السموات والأرض، وإذا قيل‏:‏ اكتب باسم الله‏.‏ فكتبت بسم الله، فالمراد به هو الاسم دون المسمى، وإذا قيل‏:‏ اضرب زيدا، فضربت زيدا المكتوب في الورقة لم تكن ممتثلا، لأن المقصود المسمى، وإذا قيل‏:‏ اكتب زيد قائم‏.‏ فالمراد الذي هو غير المسمى‏.‏

البحث في صفات الله‏:‏

المبحث الأول‏:‏

تنقسم صفات الله إلى ثلاثة أقسام‏:‏

الأول‏:‏ ذاتية ويقال معنوية‏.‏

الثاني‏:‏ فعلية‏.‏

الثالث‏:‏ خبريه‏.‏

فالصفات الذاتية‏:‏ هي الملازمة لذات الله، والتي لم يزل ولا يزال متصفا بها مثل‏:‏ السمع والبصر وهي معنوية، لأن هذه الصفات معان‏.‏

والفعلية‏:‏ هي التي تتعلق بمشيءئته إن شاء فعلها وإن لم يشأ لم يفعلها، مثل‏:‏ النزول إلى سماء الدنيا، والاستواء على العرش، والكلام من حيث آحاده، والخلق من حيث آحاده، لا من حيث الأصل، فأصل الكلام صفة ذاتية وكذلك الخلق‏.‏

والخبرية‏:‏هي أبعاض وأجزاء بالنسبة لنا، أما بالنسبة إلى الله، فلا يقال هكذا، بل يقال‏:‏ صفات خبرية ثبت بها الخبر من الكتاب والسنة، وهي ليست معنى ولا فعلا مثل‏:‏ الوجه، والعين، والساق، واليد‏.‏

المبحث الثاني‏:‏

الصفات أوسع من الأسماء، لأن كل اسم متضمن لصفة، وليس كل صفة تكون اسما، وهناك صفات كثيرة تطلق على الله وليست من أسمائه، فيوصف الله بالكلام والإرادة، ولا يسمى بالمتكلم أو المريد‏.‏

المبحث الثالث‏:‏

إن كل ما وصف الله به نفسه، فهو حق على حقيقته، لكنه ينزه عن التمثيل والتكييف، أما التمثيل، فلقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وانتم لا تعلمون‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 74‏]‏ والتعبير بنفي التمثيل أحسن من التعبير بنفي التشبيه، لوجوه ثلاثة‏:‏

أحدهما‏:‏ أن التمثيل هو الذي جاء به القرآن وهو منفي مطلقا، بخلاف التشبيه، فلم يأت القرآن بنفيه‏.‏

الثاني‏:‏ أن نفي التشبيه على الإطلاق لا يصح، لأن كل موجودين فلا بد أن يكون بينهما قدر مشترك يشتبهان فيه ويتميز كل واحد بما يختص به، ف‏:‏ ‏(‏الحياة‏)‏ مثلا وصف ثابت في الخالق والمخلوق، فبينهما قدر مشترك، لكن حياة الخالق تليق به وحياة المخلوق به‏.‏

الثالث‏:‏ إن الناس اختلفوا في مسمى التشبيه، حتى جعل بعضهم إثبات الصفات التي أثبتها الله لنفسه تشبيها، فإذا قيل من غير تشبيه، فهم هذا البعض من هذا القول نفي الصفات التي الله لنفسه‏.‏

وأما التكييف، فلا يجوز أن نكيف صفات الله، فمن كيف صفة من الصفات، فهو كاذب عاص، كاذب لأنه قال بما لا علم عنده فيه، عاص لأنه واقع فيما نهى الله عنه وحرمه في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تقل ما ليس لك به علم‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 36‏]‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأن تقولوا على الله ما تعلمون‏}‏ بعد قوله ‏{‏قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 33‏]‏ ولأنه لا يمكن إدراك الكيفية، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علم‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 110‏]‏ وقوله‏:‏‏{‏لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 103‏]‏

وسواء كان التكييف بالسان تعبيرا أو بالجنان تقديرا أو بالبيان تحريرا، ولهذا قال مالك رحمه الله حين سئل عن كيفية الاستواء‏:‏ ‏(‏الكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة‏)‏ وليس معنى هذا أن لا نعتقد أن لها كيفية، بل لها كيفية،ولكنها ليست معلومة لنا، لأن ما ليس له كيفية ليس بموجود، فالاستواء والنزول واليد والوجه والعين لها كيفية، لكننا لا نعلمها، ففرق بين أن نثبت كيفية معينة ولو تقديرا وبين أن نؤمن بأن لها كيفية غير معلومة، وهذا هو الواجب، فنقول‏:‏ لها كيفية، لكن غير معلومة‏.‏

قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وهم يكفرون بالرحمن‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 30‏]‏ الآية‏.‏

فإن قيل‏:‏ كيف يتصور أن نعتقد للشيء و كيفية نحن لا نعلمها‏؟‏

أجيب‏:‏ إنه متصور، فالواحد منا يعتقد أن لهذا القصر كيفية من داخله، ولكن لا يعلم هذه الكيفية إلا إذا شاهدها، أو شاهد نظيرها، أو أخبره شخص صادق عنها‏.‏

***

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهم يكفرون بالرحمن‏}‏ الآية

‏(‏وهم‏)‏‏.‏ أي‏:‏ كفر قريش‏.‏

‏(‏يكفرون بالرحمن‏)‏‏.‏ المراد‏:‏ أنهم يكفرون بهذا الاسم لا بالمسمى، فهم يقرون به، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 25‏]‏، وفي حديث سهيل بن عمر‏:‏ ‏(‏لما أراد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يكتب الصلح في غزوة الحديبية قال للكاتب‏:‏ ‏[‏اكتب بسم الله الرحمن الرحيم‏]‏، قال سهيل‏:‏ أما الرحمن، والله ما أدرى ما هي ولكن اكتب باسمك اللهم ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب الشروط / باب الشروط في الجهاد‏.‏‏]‏، وهذا من الأمثلة التي يراد بها الاسم دون المسمى‏.‏

وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏110‏]‏، أي‏:‏ بأي اسم من أسمائه تدعونه، فإن له الأسماء الحسنى، فكل أسمائه حسنى، فادعوا بما شئتم من الأسماء، ويراد بهذه الآية الإنكار على قريش‏.‏

وفي الآية دليل على أن من أنكر اسما من أسمائه تعالى فإنه يكفر، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهم يكفرون بالرحمن‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏30‏]‏، ولأنه مكذب لله ولرسوله، وهذا كفر، وهذا وجه استشهاد المؤلف بهذه الآية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا إله إلا هو‏)‏‏.‏ خبر ‏(‏لا‏)‏ النافية للجنس محذوف، والتقدير‏:‏ لا إله إلا هو، وأما الإله الباطل، فكثير، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏30‏]‏‏.‏

قوله ‏{‏عليه توكلت‏}‏‏.‏ أي‏:‏ عليه وحده، لأن تقديم المعمول يدل على الحصر، فإذا قلت مثلا‏:‏ ‏(‏ضربت زيدا‏)‏، فإنه يدل على أنك ضربته، ولكن لا يدل على أنك لم تضرب غيره، وإذا قلت‏:‏ ‏(‏زيدا ضربت‏)‏ دلت على أنك ضربت زيدا ولم تضرب غيره، وسبق معنى التوكل وأحكامه‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏وإليه متاب‏}‏‏.‏ أي‏:‏ إلى الله‏.‏ و‏(‏متاب‏)‏ أصلها متابي، فحذفت الياء تخفيفا، والمتاب بمعنى التوبة، فهي مصدر ميمي، أي‏:‏ وإليه توبتي‏.‏

والتوبة‏:‏ هي الرجوع إلى الله تعالى من المعصية إلى الطاعة، ولها شروط خمسة‏:‏

1‏.‏ الإخلاص لله تعالى بأن لا يحمل الإنسان على التوبة مراعاة أحد أو محاباته أو شيء من الدنيا‏.‏

2‏.‏ أن تكون في وقت قبول التوبة، وذلك قبل طلوع الشمس من مغاربها، وقبل حضور الموت‏.‏

3‏.‏ الندم على ما مضى من فعله،وذلك بأن يشعر بالتحسر على ما سبق ويتمنى أنه لم يكن‏.‏

4‏.‏ الإقلاع عن الذنب، وعلى هذا، فإذا كانت التوبة من مظالم الخلق فلا بد من رد المظالم إلى أهلها أو استحلالهم منها‏.‏

5‏.‏ العزم على عدم العودة، والتوبة التي لا تكون إلا لله هي توبة العبادة، كما في الآية السابقة، وأما التوبة التي بمعنى الرجوع، فإنها تكون له ولغيره، ومنها قول عائشة حين جاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فوجد نمرقة فيها صور، فوقف بالباب ولم يدخل، وقالت‏:‏ ‏(‏أتوب إلى الله ورسوله، ماذا أذنبت‏؟‏‏)‏ فليس المراد بالتوبة هنا توبة العبادة لأن توبة العبادة لا تكون للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا لغيره من الخلق بل لله وحده، ولكن هذه توبة رجوع، ومن ذلك أيضا حين يضرب الإنسان ابنه لسوء أدبه، يقول الابن‏:‏ أتوب‏.‏

وفي صحيح البخاري‏:‏ قال علي‏:‏ ‏(‏حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله‏)‏‏.‏

****

قوله في أثر علي رضى الله عنه‏:‏‏(‏حدثوا الناس‏)‏‏.‏ أي‏:‏ كلموهم بالمواعظ وغير المواعظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بما يعرفون‏)‏‏.‏ أي‏:‏ بما يمكن أن يعرفوه وتبلغه عقولهم حتى لا يفتنوا، ولهذا جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال‏:‏ ‏(‏إنك لن تحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب العلم / باب من خص بالعلم قوما دون قوم‏]‏ ولهذا كان من الحكمة في الدعوة ألا تباغت الناس بما لا يمكنهم إدراكه، بل تدعوهم رويدا رويدا حتى تستقر عقولهم، وليس معنى ‏(‏بما يعرفون‏)‏، أي‏:‏ بما يعرفون من قبل، لأن الذي يعرفونه من قبل يكون التحديث به من تحصيل الحاصل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتريدون أن يكذب الله ورسوله‏؟‏‏!‏‏)‏‏.‏ الاستفهام للإنكار، أي‏:‏ أتريدون إذا حدثتم الناس بما لا يعرفون أن يكذب الله ورسوله، لأنك إذا قلت‏:‏ قال الله وقال رسوله كذا وكذا، قالوا‏:‏ هذا كذب إذا كذبت إذا كانت عقولهم لا تبلغه، وهم لا يكذبون الله ورسوله، ولكن يكذبونك بحديث تنسبه إلى الله ورسوله، فيكونون مكذبين لله ورسوله، لا مباشرة ولكن بواسطة الناقل‏.‏

فإن قيل‏:‏ هل ندع الحديث بما لا تبلغه عقول الناس وإن كانوا محتاجين لذلك‏؟‏

أجيب‏:‏ لا ندعه، ولكن نحدثهم بطريقة تبلغه عقولهم، وذلك بأن ننقلهم رويدا رويدا حتى يتقبلوا هذا الحديث ويطمئنوا إليه، ولا ندع ما لا تبلغه عقولهم ونقول‏:‏ هذا شيء مستنكر لا نتكلم به‏.‏

ومثل ذلك العمل بالسنة التي لا يعتادها الناس ويستنكرونها، فإننا نعمل بها ولكن بعد أن نخبرهم بها، حتى تقبلها نفوسهم ويطمئنوا إليها‏.‏

ويستفاد من هذا الأثر أهمية الحكمة في الدعوة إلى الله - عز وجل - وأنه يجب على الداعية أن ينظر في عقول المدعوين وينزل كل إنسان منزلته‏.‏

مناسبة هذا الأثر لباب الصفات

مناسبة ظاهرة، لأن بعض الصفات لا تحتملها أفهام العامة فيمكن إذا حدثتهم بها كان لذلك أثر سيي عليهم، كحديث النزول إلى السماء الدنيا مع ثبوت العلو، فلو حدثت العامي بأنه نفسه ينزل إلى السماء الدنيا مع علوه على عرشه، فقد يفهم أنه إذا نزل، صارت السموات فوقه وصار العرش خاليا منه، وحينئذ لابد في هذا من حديث تبلغه عقولهم فتبين لهم أن الله - عز وجل - ينزل نزولا لا يماثل نزول المخلوقين مع علوه على عرشه، وأنه لكمال فضله ورحمته يقول‏:‏ ‏(‏من يدعوني فاستجيب له‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏‏[‏ البخاري‏:‏ كتاب التهجد /باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، ومسلم‏:‏ صلاة المسافرين / باب الترغيب في الدعاء‏.‏‏]‏ الحديث ‏.‏

والعامي يكفيه أن يتصور مطلق المعنى، وأن المراد بذلك بيان فضل الله - عز وجل - في هذه الساعة من الليل‏.‏

وروي عبد الرازق عن معمر، عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أنه رأي رجلا انتفض لما سمع حديثا عن النبي صلى الله عيله وسلم في الصفات،

***

قوله في أثر ابن عباس‏:‏ ‏(‏انتفض‏)‏‏.‏ أي‏:‏ اهتز جسمه، والرجل مبهم والصفة التي حُدث بها لم تُبين، وبيان ذلك ليس مهما، وهذا الرجل انتفض استنكار لهذه الصفة لا تعظيما لله، وهذا أمر عظيم صعب، لأن الواجب على المرء إذا صح عند شيء عن الله ورسوله أن يقر به ويصدق ليكون طريقه طريق الراسخين في العلم حتى وإن لم يسمعه من قبل أو يتصوره‏.‏

الصفات استنكارا لذلك، فقلت‏:‏ ما فرق هؤلاء‏؟‏ يجدون رقة عند محكمه ويهلكون عند متشابهه‏؟‏‏!‏‏)‏ انتهى ‏[‏عبد الرزاق في المصنف ‏(‏20895‏)‏ وابن ابي عاصم في كتاب السنة ‏(‏485‏)‏‏]‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما فرق‏)‏‏.‏ فيها‏:‏ ثلاث روايات‏:‏

1‏.‏ ‏(‏فَرَقُ‏)‏، بفتح الراء وضم القاف‏.‏

2‏.‏ ‏(‏فرَّقَ‏)‏، بفتح الراء مشددة، وفتح القاف‏.‏

3‏.‏ ‏(‏فَرَقَ‏)‏، بفتح الراء مخففة، وفتح القاف‏.‏

فعلى رواية ‏(‏فَرَقُ‏)‏ تكون ‏(‏ما‏)‏ استفهامية مبتدأ، و‏(‏فرق‏)‏ خبر المبتدأ، أي‏:‏ ما خوف هؤلاء من إثبات الصفة تليت عليهم وبلغتهم،لماذا لا يثبتونها لله - عز وجل - كما أثبتها الله لنفسه وأثبتها لرسوله‏؟‏ وهذا ينصب تماما على أهل التعطيل والتخريف الذين ينكرون الصفات، فما الذي يخوفهم من إثباتها والله تعالى قد أثبتها لنفسه‏؟‏

وعلى رواية ‏(‏فرّق‏)‏ أو‏(‏فَرَقَ‏)‏ تكون فعلا ماضيا بمعنى ما فرقهم، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقرآنا فرقناه‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 106‏]‏، أي‏:‏ فرقناه‏:‏ و‏(‏ما‏)‏ يحتمل أن تكون نافية، والمعنى‏:‏ ما فرق هؤلاء بين الحق والباطل، فجعلوا هذا من المتشابه وأنكروه ولم يحملوه على المحكم، ويحتمل أن تكون استفهامية والمعنى‏:‏ أي شيء فرقهم فجعلهم يؤمنون بالمحكم ويهلكون عند المتشابه‏؟‏

قوله‏:‏ ‏(‏يجدون رقة عند محكمه‏)‏‏.‏ الرقة‏:‏ اللين والقبول، و‏(‏محكمه‏)‏، أي‏:‏ محكم القرآن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويهلكون عند متشابهه‏)‏‏.‏ أي‏:‏ متشابه القرآن‏.‏

والمحكم الذي اتضح معناه وتبين، والمتشابه هو الذي يخفي معناه، فلا يعلمه الناس، وهذا إذا جمع بين المحكم والمتشابه، وأما إذا ذكر المحكم مفردا دون المتشابه، فمعناه المتقن الذي ليس فيه خلل‏:‏ لا كذب في أخباره، ولا جور في أحكامه، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏115‏]‏ وقد ذكر الله الإحكام في القرآن دون المتشابه، وذلك مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كتاب أُحكمت آياته‏}‏ ‏[‏هود‏:‏1‏]‏‏.‏

وإذا ذكر المتشابه دون المحكم صار المعنى أنه يشبه بعضه بعضا في جودته وكماله، ويصدق بعضه بعضا ولا يتناقض، قال تعالى‏:‏ ‏{‏الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏23‏]‏ والتشابه نوعان‏:‏ تشابه نسبي، وتشابه مطلق‏.‏

والفرق بينهما‏:‏ أن المطلق يخفي على كل أحد، ونسبي يخفي على أحد دون أحد، وبناء على هذا التقسيم ينبني الوقف في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 7‏]‏، فعلى الوقوف على ‏(‏إلا الله‏)‏ يكون المراد بالمتشابه المطلق، وعلى الوصل ‏{‏إلا الله والراسخون في العلم‏}‏ يكون المراد بالمتشابه المتشابه النسبي، وللسلف قولان‏:‏

القول الأول‏:‏ الوقف على ‏(‏إلا الله‏)‏، وعليه أكثر السلف، وعلى هذا، فالمراد بالمتشابه المتشابه المطلق الذي لا يعلمه إلا الله، وذلك مثل كيفية وحقائق صفات الله، وحقائق ما أخبر الله به من نعيم الجنة وعذاب النار، وقال الله تعالى في نعيم الجنة‏:‏ ‏{‏فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قُرة أعين‏}‏ ‏[‏السجدة‏:‏17‏]‏، أي‏:‏ لا تعلم حقائق ذلك، ولذلك قال بن عباس‏:‏ ‏(‏ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء‏)‏‏[‏ ابن حزم في ‏(‏الفصل‏)‏ ‏(‏2 /108‏)‏ - وقال‏:‏ ‏(‏هذا سند في غاية الصحة‏)‏ - و قال المنذري في ‏(‏الترغيب‏)‏ ‏(‏4/560‏)‏‏:‏ ‏(‏رواه البيهقي موقوفا بإسناد جيد‏)‏‏]‏‏.‏

والقول الثاني‏:‏ الوصل، فيقرأ‏:‏ ‏(‏إلا الله والراسخون في العلم‏)‏، وعلى هذا فالمراد بالمتشابه المتشابه النسبي، وهذا يعلمه الراسخون في العلم ويكون عند غيرهم متشابها، ولهذا يروى عن ابن عباس، أنه قال‏:‏ ‏(‏أنا من الراسخين في العلم الذي يعلمون تأويله‏)‏‏[‏ انظر قوله في‏:‏ ‏(‏تفسير الطبري‏)‏ ‏(‏3/183‏)‏‏]‏ ولم يقل هذا مدحا لنفسه أو ثناء عليها، ولكن ليعلم الناس أنه ليس في كتاب الله شيء لا يعرف معناه، فالقرآن معانيه بينه، ولكن بعض القرآن يشتبه على ناس دون آخرين حتى العلماء الراسخون في العلم يختلفون في معنى القرآن،وهذا يدل على أنه خفي على بعضهم، والصواب بلا شك مع أحدهم إذا كان اختلافهم اختلاف تضاد لا تنوع، أما إذا كانت الآية تحتمل المعنيين جميعا بلا منافاة ولا مرجح لأحدهما، فإنها تحمل عليها جميعا‏.‏

وبعض أهل العلم يظنون أن في القرآن ما لا يمكن الوصول إلى معناه، فيكون من المتشابه المطلق، ويحملون آيات الصفات على ذلك، وهذا من الخطأ العظيم، إذ ليس من المعقول أن يقول تعالى‏:‏ ‏{‏كتاب أنزلناه مبارك ليدبروا آياته‏}‏ ‏[‏ص‏:‏29‏]‏ ثم تستثنى الصفات وهي أعظم وأشرف موضوعا وأكثر من آيات الأحكام، ولو قلنا بهذا القول، لكان مقتضاه أن أشرف ما في القرآن موضوعا خفيا، ويكون معنى قوله تعالى ‏{‏ليدبروا آياته‏}‏، أي‏:‏ آيات الأحكام فقط، وهذا غير معقول، بل جميع القرآن يفهم معناه، إذ لا يمكن أن تكون هذه الأمة من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى آخرها لا تفهم معنى القرآن، وعلى رأيهم يكون الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر وعمر وجميع الصحابة يقرؤون آيات الصفات وهم لا يفهمون معناها، بل هي عندهم بمنزلة الحروف الهجائية أ، ب، ت‏.‏‏.‏‏.‏ والصواب أنه ليس في القرآن شيء متشابه على جميع الناس من حيث المعنى، ولكن الخطأ في الفهم‏.‏

فقد يقصر الفهم عن إدراك المعني أو يفهمه على معنى خطأ، وأما بالنسبة للحقائق، فما أخبر الله به من أمر الغيب، فمتشابه على جميع الناس‏.‏

ولما سمعت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الرحمن، انكروا ذلك، فأنزل الله فيهم ‏{‏وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ من الآية30‏]‏ ‏[‏ابن جرير الطبري في التفسير ‏(‏20397‏)‏‏.‏‏]‏

****

قوله‏:‏ ‏(‏ولما سمعت قريش رسول الله يذكر الرحمن‏)‏‏.‏ أصل ذلك أن سهيل بن عمرو أحد الذين أرسلتهم قريش لمفاوضة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صلح الحديبية وأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يكتب ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏، فقال ‏(‏أما الرحمن، فلا والله ما أدري ما هي، وقالوا‏:‏ إننا لا نعرف رحمانا إلا رحمن اليمامة، فأنكروا الاسم دون المسمى، فأنزل الله‏:‏ ‏(‏وهم يكفرون بالرحمن‏)‏، أي‏:‏ بهذا الاسم من أسماء الله‏.‏

وفي الآية دليل على أن من أنكر اسما من أسماء الله الثابتة في الكتاب أو السنة، فهو كافر لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهم يكفرون بالرحمن‏}‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏ولما سمعت قريش‏)‏‏.‏ الظاهر - والله أعلم - أنه من باب العام الذي أريد به الخاص، وليس كل قريش تنكر ذلك، بل طائفة منهم، ولكن إذا أقرت الأمة الطائفة على ذلك ولم تنكر، صح أن ينسب لهم جميعا، بل إن الله نسب إلى اليهود في زمن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما فعله أسلافهم في زمن موسى عليه السلام، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية 63‏]‏، وهذا لم يكن في عهد المخاطبين‏.‏

****

قوله فيه مسائل‏:‏

الأولى‏:‏ عدم الإيمان بجحد شيء من الأسماء والصفات‏.‏ عدم بمعنى انتفاء، أي‏:‏ انتفاء الإيمان بسبب جحد شيء من السماء والصفات، وسبق التفصيل في ذلك‏.‏

الثانية‏:‏ تفسير آية الرعد‏.‏ وهي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهم يكفرون بالرحمن‏}‏ وسبق تفسيرها‏.‏

الثالثة‏:‏ ترك التحديث بما لا يفهم السامع‏.‏ وهذا ليس على إطلاقه، وقد سبق التفصيل عند شرح الأثر‏.‏

الرابعة‏:‏ ذكر العلة أنه يفضي إلى تكذيب الله ورسوله ولو لم يتعمد المنكر‏.‏ وهي أن الذي لا يبلغ عقله ما حدث به يفضي به التحديث إلى تكذيب الله ورسوله، فيكذب ويقول‏:‏ هذا غير ممكن، وهذا يوجد من بعض الناس في أشياء كثيرة مما أخبر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مما يكون يوم القيامة، كما أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إن الأرض يوم القيامة تكون خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ أحدكم خبزته‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب الرقاق / باب يقبض الله الأرض يوم القيامة، ومسلم كتاب صفات المنافقين / باب منزلة أهل الجنة‏.‏‏]‏ وما أشبه ذلك، وكما أن الصراط أحد من السيف وأدق من الشعرة وغير هذه الأمور، لو حدثنا بها إنسانا عاميا لأوشك أن ينكر، لكن يجب أن تبين له بالتدريج حتى يتمكن من عقلها مثل ما نعلم الصبي شيئا فشيئا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولو لم يتعمد المنكر‏)‏ أي‏:‏ ولو لم يقصد المنكر تكذيب الله ورسوله، ولمن كذب نسبة هذا الشيء إلى الله ورسوله، وهذا يعود بالتالي إلى رد خبر الله ورسوله‏.‏

الخامسة‏:‏ كلام ابن عباس لمن استنكر شيئا من ذلك وأنه أهلكه‏.‏ وذلك قوله‏:‏ ‏(‏ما فرق هؤلاء‏؟‏ يجدون رقة - أي لينا - عند محكمه فيقبلونه، ويهلكون عند متشابهه فينكرونه‏؟‏‏)‏