فصل: باب قوله تعالى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


باب قوله تعالى

{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية 165‏]‏ قوله‏:‏ باب قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن الناس يتخذ من دون الله أندادا‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏‏.‏ جعل المؤلف رحمه الله تعالى الآية هي الترجمة، ويمكن أن يعنى بهذه الترجمة باب المحبة‏.‏

وأصل الأعمال كلها هو المحبة، فالإنسان لا يعمل ألا لما يحب، إما لجلب منفعة، أو لدفع مضرة، فإذا عمل شيئا، فلأنه يحبه إما لذاته كالطعام، أو لغيره كالدواء‏.‏

وعبادة الله مبنية على المحبة، بل هي حقيقة العبادة، إذ لو تعبدت بدون محبة صارت عبادتك قشرا لا روح فيها، فإذا كان الإنسان في قلبه محبة الله وللوصول إلى جنته، فسوف يسلك الطريق الموصل إلى ذلك‏.‏ ولهذا لما أحب المشركون آلهتهم توصلت بهم هذه المحبة إلى أن عبدوها من دون الله أو مع الله‏.‏

والمحبة تنقسم إلى قسمين‏:‏

القسم الأول‏:‏ محبة عبادة، وهي التي توجب التذلل والتعظيم، وأن يقوم بقلب الإنسان من إجلال المحبوب وتعظيمه ما يقتضي أن يمتثل أمره ويجتنب نهيه، وهذه خاصة بالله، فمن أحب مع الله غيره محبة عبادة، فهو مشرك شركا أكبر، ويعبر العلماء عنها بالمحبة الخاصة‏.‏

القسم الثاني‏:‏ محبة ليست بعبادة في ذاتها، وهذه أنواع‏:‏

النوع الأول‏:‏ المحبة لله وفي الله، وذلك بأن يكون الجالب لها محبة الله، أي‏:‏ كون الشيء محبوبا لله تعالى من أشخاص، كالأنبياء، والرسل، والصديقين، والشهداء، والصالحين‏.‏

أو أعمال، كالصلاة، والزكاة، وأعمال الخير، أو غير ذلك‏.‏

وهذا النوع تابع للقسم الأول الذي هو محبة الله‏.‏

النوع الثاني‏:‏ محبة إشفاق ورحمة، وذلك كمحبة الولد، والصغار، والضعفاء، والمرضى‏.‏

النوع الثالث‏:‏ محبة إجلال وتعظيم لا عبادة، كمحبة الإنسان لوالده، ولمعلمه، ولكبير من أهل الخير‏.‏

النوع الرابع‏:‏ محبة طبيعية، كمحبة الطعام، والشراب، والملبس، والمركب، والمسكن‏.‏

وأشرف هذه الأنواع النوع الأول، والبقية من قسم المباح، إلا إذا اقترن بها ما يقتضي التعبد صارت عبادة، فالإنسان يحب والده محبة إجلال وتعظيم، وإذا اقترن بها أن يتعبد لله بهذا الحب من أجل أن يقوم ببر والده صارت عبادة، وكذلك يحب ولده محبة شفقة، وإذا اقترن بها ما يقتضي أن يقوم بأمر الله بإصلاح هذا الولد صارت عبادة‏.‏

وكذلك المحبة الطبيعية، كالأكل والشرب والملبس والمسكن إذا قصد بها الاستعانة على عبادة صارت عبادة، ولهذا ‏(‏ولهذا حبب للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ النساء والطيب‏)‏‏.‏

من هذه الدنيا، فحبب إليه النساء، لأن ذلك مقتضى الطبيعية ولما يترتب عليه من المصالح العظيمة، وحبب إليه الطيب، لأنه ينشط النفس ويريحها ويشرح الصدر، ولأن الطيبات للطيبين، والله طيب لا يقبل إلا طيبا‏.‏

فهذه الأشياء إذا اتخذها الإنسان بقصد العبادة صارت عبادة، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امري ما نوى‏)‏، وقال العلماء‏:‏ إن ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، وقالوا‏:‏ الوسائل لها أحكام المقاصد، وهذا أمر متفق عليه‏.‏

****

وقد ذكر المؤلف رحمه الله في هذا الباب آيتين‏:‏

الأولى التي ترجم بها وهي قوله ‏(‏ومن الناس‏)‏

‏(‏من‏)‏ تبعيضية، وهي و مجرورها خبر مقدم، و ‏(‏من يتخذ‏)‏ مبتدأ مؤخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أندادا‏)‏ جمع ند، وهو الشبيه والنظير‏.‏

قوله‏:‏‏(‏يحبونهم كحب الله‏)‏‏.‏ أي‏:‏ في كيفيته ونوعه، فالنوع أن يحب غير الله محبة عبادة‏.‏

والكيفية‏:‏ أن يحبه كمحبة الله أو أشد، حتى أن بعضهم يعظم محبوبه ويغار له أكثر مما يعظم الله ويغار له، فلو قيل‏:‏ احلف بالله، لحلف، وهو كاذب ولم يبال، ولو قيل‏:‏ احلف بالند، لم يحلف، وهو كاذب، وهذا شرك أكبر‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏كحب الله‏)‏ للمفسرين فيها قولان‏:‏

الأول‏:‏ أنها على ظاهرها، وأنها مضافة إلى مفعولها، أي‏:‏ يحبونهم كحبهم لله، والمعنى يحبون هذه الأنداد كمحبة الله، فيجعلونه شركاء لله في المحبة، لكن الذين آمنوا أشد حبا لله من هؤلاء لله، وهذا هو الصواب‏.‏

الثاني‏:‏ أن المعنى كحب الله الصادر من المؤمنين‏.‏

أي‏:‏ كحب المؤمنين لله، فيحبون هذه الأنداد كما يحب المؤمنون الله - عز وجل - وهذا وإن احتمله اللفظ، لكن السياق يأباه، لأنه لو كان المعنى ذلك، لكان مناقضا لقوله تعالى فيما بعد ‏{‏والذين آمنوا أشد حبا لله‏}‏‏.‏ وكانت محبة المؤمنين لله أشد، لأنها محبة خالصة ليس فيها شرك فمحبة المؤمنين اشد من حب هؤلاء لله‏.‏

فإن قيل‏:‏قد ينقدح في ذهن الإنسان أن المؤمنين يحبون هذه الأنداد نظرا لقوله‏:‏‏(‏أشد حبا لله‏)‏ فما الجواب‏؟‏

أُجيب‏:‏ أن اللغة العربية يجري فيها التفضيل بين شيءئين وأحدهما خال منه تماما، ومنه قوله تعالى ‏{‏أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرُ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏24‏]‏‏.‏ مع أن مستقر أهل النار ليس فيه خير، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏الله خير أما يشركون‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏59‏]‏، والطرف الآخر ليس فيه شيء من هذه الموازنة، ولكنها من باب مخاطبة الخصم بحسب اعتقاده‏.‏