فصل: باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

عن جابر؛ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يسأل بوجه الله إلا الجنة‏)‏‏.‏ رواه أبو داوود ‏[‏أبو داوود‏:‏ كتاب الزكاة / باب كراهية المسالة بوجه الله‏]‏

مناسبة هذا الباب للتوحيد

أن فيه تعظيم وجه الله - عز وجل - بحيث لا يسأل به إلا الجنة‏.‏

* * *

قوله‏:‏ ‏(‏لا يسأل بوجه الله إلا الجنة‏)‏‏.‏ اختلف في المراد بذلك على قولين‏:‏

القول الأول‏:‏ أن المراد‏:‏ لا تسألوا أحدا من المخلوقين بوجه الله، فإذا أردت أن تسأل أحدا من المخلوقين، فلا تسأله بوجه الله، لأنه لا يسأل بوجه الله إلا الجنة، والخلق لا يقدرون على إعطاء الجنة، فإذا لا يسألون بوجه الله مطلقا، ويظهر أن المؤلف يرى هذا الرأي في شرح الحديث، ولذلك ذكره بعد ‏(‏باب لا يرد من سأل بالله‏)‏‏.‏

القول الثاني‏:‏ أنك إذا سألت الله، فإن سألت الجنة وما يستلزم دخولها، فلا حرج أن تسأل بوجه الله، وإن سالت شيئا من أمور الدنيا، فلا تسأله بوجه الله، لأن وجه الله أعظم من أن يسال به لشيء من أمور الدنيا‏.‏

فأمور الآخرة تسأل بوجه الله، كقولك مثلا‏:‏ أسألك بوجهك أن تنجيني من النار، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ استعاذ بوجه الله لما نزل قوله تعالى‏:‏ ‏(‏قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم‏)‏، قال‏:‏ أعوذ بوجهك، ‏(‏أو من تحت أرجلكم‏)‏، قال‏:‏ أعوذ بوجهك، ‏(‏أو يلبسكم شيءعا ويذيق بعضكم بأس بعض‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏65‏]‏ قال‏:‏ هذه أهون أو أيسر‏)‏‏[‏ البخاري‏:‏ كتاب التفسير / باب ‏(‏قل هو القادر‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏‏]‏‏.‏

ولو قيل‏:‏ إنه يشمل المعنيين جميعا، لكان له وجه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏بوجه الله‏)‏‏.‏ فيه إثبات الوجه لله - عز وجل - وهو ثابت بالقرآن والسنة وإجماع السلف، فالقرآن في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كل شيء هالك إلا وجهه‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 88‏]‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏22‏]‏ والآيات كثيرة‏.‏

والسنة كما في الحديث السابق‏:‏ ‏(‏أعوذ بوجهك‏)‏‏.‏

واختلف في هذا الوجه الذي أضافه الله إلى نفسه‏:‏ هل هو وجه حقيقي، أو أنه وجه يعبر به عن الشيء الذي يراد به وجهه وليس هو الوجه الحقيقي، أو أنه يعبر به عن الجهة، أو أنه يعبر به عن الثواب‏؟‏

فيه خلاف، لكن هدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، فقالوا‏:‏ إنه وجه حقيقي، لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 27‏]‏، ولما أراد الله غير ذاته، قال‏:‏ ‏{‏تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏78‏]‏ ف‏(‏ذي‏)‏ صفة لرب وليست صفة لاسم، و‏(‏ذو‏)‏ صفة لوجه وليست صفة لرب، فإذا كان الوجه موصوفا بالجلال والإكرام، فلا يمكن أن يراد به الثواب أو الجهة أو الذات وحدها، لأن الوجه غير الذات‏.‏

وقال أهل التعطيل‏:‏ أن الوجه عبارة عن الذات أو الجهة أو الثواب، قالوا‏:‏ ولو أثبتنا لله وجها للزم أن يكون جسما، والأجسام متماثلة،ويلزم من ذلك لإثبات المثل لله - عز وجل - والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏ليس كمثله شيء‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏، وإثبات المثل تكذيب للقرآن، وأنتم يا أهل السنة تقولون‏:‏ إن من اعتقد أن لله مثيلا فيما يختص به فهو كافر، فنقول لهم‏:‏

أولا‏:‏ ما تعنون بالجسم الذي فررتم منه، أتعنون به المُركّب من عظام وأعصاب ولحم ودم بحيث يفتقر كل جزء منه إلى الآخر‏؟‏ إن أردتم ذلك، فنحن نوافقكم أن الله ليس على هذا الوجه ولا يمكن أن يكون كذلك، وإن أردتم بالجسم الذات الحقيقية المتصفة بصفات الكمال، فلا محذور في ذلك، والله تعالى وصف نفسه بأنه أحد صمد، قال تعالى‏:‏ ‏{‏قل هو الله أحد* الله الصمد‏}‏ ‏[‏الإخلاص‏:‏ 1-2‏]‏، قال ابن عباس رضى الله عنهما‏:‏ الصمد‏:‏ الذي لا جوف له ‏[‏ابن جرير ‏(‏30/ 742‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏

ثانيا‏:‏ قولكم‏:‏ إن الأجسام متماثلة قضية من أكذب القضايا، فهل جسم الدب مثل جسم النملة‏؟‏ فبينهما تباين عظيم في الحجم والرقة واللين وغير ذلك‏.‏

فإذا بطلت هذه الحجة بطلت النتيجة وهي استلزام مماثلة الله لخلقه‏.‏

ونحن نشاهد البشر لا يتفقون في الوجوه، فلا تجد اثنين متماثلين من كل وجه ولو كانا توأمين، بل قالوا‏:‏ إن عروق الرجل واليد غير متماثلة من شخص إلى آخر‏.‏

ويلاحظ أن التعبير بنفي المماثلة أول من التعبير بنفي المشابهة، لأنه اللفظ الذي جاء به القرآن، ولأنه ما من شيءئين موجودين إلا ويتشابهان من وجه ويفترقان من وجه آخر، فنفى مطلق المشابهة لا يصح، وقد تقدم‏.‏

وأما حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏إن لله خلق آدم على صورته‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب الاستئذان / باب بدء السلام، ومسلم كتاب البر / باب النهي عن ضرب الوجه‏.‏‏]‏، ووجه الله لا يماثل أوجه المخلوقين، فيجاب عنه‏:‏

بأنه لا يراد به صورة تماثل صورة الرب - عز وجل - بإجماع المسلمين والعقلاء، لأن الله - عز وجل - وسع كرسيه السموات والأرض، والسموات والأرضون كلها بالنسبة للكرسي - موضع القدمين - كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة، فما ظنك برب العالمين‏؟‏ فلا أحد يحيط به وصفا و لا تخيلا، من هذا وصفه لا يمكن أن يكون على صورة آدم ستون ذراعا، وإنما يراد به أحد معنيين‏:‏

الأول‏:‏ أن الله خلق آدم على صورة اختارها وجعلها أحسن صورة في الوجه، وعلى هذا، فلا ينبغي أن يقبح أو يضرب لأنه لما أضافه إلى نفسه اقتضى من الإكرام ما لا ينبغي معه أن يقبح أو أن يضرب‏.‏

الثاني‏:‏ أن الله خلق آدم على صورة الله - عز وجل - ولا يلزم من ذلك المماثلة بدليل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أضوأ كوكب في السماء‏)‏ ‏[‏البخاري كتاب بدء الحلق / باب ما جاء في صفة الجنة، ومسلم‏:‏ كتاب الجنة ونعيمها / باب أول زمرة تدخل الجنة‏.‏‏]‏، ولا يلزم أن يكون على صورة نفس القمر، لأن القمر أكبر من أهل الجنة، وأهل الجنة يدخلونها طول أحدهم ستون ذراعا، وعرضه سبعة أذرع كما في بعض الأحاديث‏.‏

وقال بعض أهل العلم‏:‏ على صورته، أي‏:‏ صورة آدم، أي‏:‏ أن الله خلق آدم أول مرة على هذه الصورة، وليس كبنية يتدرج في الإنشاء نطفة ثم علقة ثم مضغة‏.‏

لكن الإمام أحمد رحمه الله أنكر هذا التأويل، وقال‏:‏ هذا تأويل الجهمية، ولأنه يفقد الحديث معناه، وأيضا يعارضه اللفظ الآخر المفسر للضمير وهو بلفظ‏:‏ ‏(‏على صورة الرحمن‏)‏‏.‏

* * *

* فيه مسائل‏:‏

* · الأولى‏:‏ النهي عن أن يسأل بوجه الله غاية المطالب‏.‏

تؤخذ من حديث الباب، وهذا الحديث ضعفه بعض أهل العلم، لكن على تقدير صحته، فإن من الأدب أن لا تسال بوجه الله إلا ما كان من أمر الآخرة‏:‏ الفوز بالجنة، أو النجاة من النار‏.‏

* · الثانية‏:‏ إثبات صفة الوجه‏.‏ وقد سبق الكلام عليه‏.‏

* * *