فصل: باب ما جاء في ال ( لو)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


باب ما جاء في ال ‏(‏ لو‏)‏

قوله‏:‏ في ‏(‏اللو‏)‏‏.‏

دخلت ‏(‏أل‏)‏ على ‏(‏لو‏)‏ وهي لا تدخل إلا على الأسماء، قال ابن مالك‏:‏

بالجر والتنوين والندا وأل ** ومسند للاسم تمييز حصل

لأن المقصود بها اللفظ، أي‏:‏ باب ما جاء في هذا اللفظ‏.‏

والمؤلف رحمه الله جعل الترجمة مفتوحة ولم يجزم بشيء، لأن ‏(‏لو‏)‏ تستعمل على عدة أوجه‏:‏

الوجه الأول‏:‏ أن تستعمل في الاعتراض على الشرع، وهذا محرم، قال تعالى‏:‏ ‏{‏لو أطاعونا ما قتلوا‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏168‏]‏ في غزوة أحد حينما تخلف أثناء الطريق عبد الله بن أبي في نحو ثلث الجيش، فلما استشهد من المسلمين سبعون رجلا اعترض المنافقون على تشريع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقالوا‏:‏ لو أطاعونا ورجعوا كما رجعنا ما قتلوا، فرأينا خير من شرع محمد، وهذا محرم يصل إلى الكفر‏.‏

الثاني‏:‏ أن تستعمل في الاعتراض على القدر، وهذا محرم أيضا، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزي لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏156‏]‏ أي‏:‏ لو أنهم بقوا ما قتلوا، فهم يعترضون على قدر الله‏.‏

الثالث‏:‏ أن تستعمل للندم والتحسر، وهذا محرم أيضا، لأن كل شيء يفتح الندم عليك فإنه منهي عنه، لأن الندم يكسب النفس حزنا وانقباضا، والله يريد من أن نكون في انشراح وانبساط، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل‏:‏ لو أني فعلت كذا لكان كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان‏)‏ ‏[‏يأتي ‏(‏ص 952‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏

مثال ذلك‏:‏ رجل حرص أن يشتري شيئا يظن أن فيه ربحا فخسر، فقال‏:‏ لو أني ما اشتريته ما حصل لي من خسارة، فهذا ندم وتحسر، ويقع كثيرا، وقد نهي عنه‏.‏

الرابع‏:‏ أن تستعمل في الاحتجاج بالقدر على المعصية، كقول المشركين‏:‏‏{‏لو شاء الله ما أشركنا‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 148‏]‏ وقولهم‏:‏‏{‏لو شاء الرحمن ما عبدناهم‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 20‏]‏ وهذا باطل‏.‏

الخامس‏:‏ أن تستعمل في التمني، وحكمه حسب المتمني‏:‏ إن كان خيرا فخير، وإن كان شرا فشر، وفي الحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قصة النفر الأربعة قال أحدهم‏:‏ ‏(‏لو أن لي مالا لعمات بعمل فلان‏)‏ فهذ تمني خيرا، وقال الثاني‏:‏ ‏(‏لو أن لى مالا لعملت بعمل فلان‏)‏، فهذا تمني شرا‏.‏ فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الأول‏:‏ ‏(‏فهو بنيته، فأجرهما سواء‏)‏، وقال في الثاني‏:‏ ‏(‏فهو بنيته فوزرهما سواء‏)‏ ‏[‏الإمام أحمد ‏(‏4/230،231‏)‏‏]‏‏.‏

السادس‏:‏ أن تستعمل في الخبر المحض‏.‏

وهذا جائز، مثل‏:‏ لو حضرت الدرس لاستفدت، ومنه قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى و لأحللت معكم‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب التمني / باب قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لو استقبلت من أمري ما استدبرت‏)‏، ومسلم‏:‏ كتاب الحج / باب بيان وجوه الإحرام‏.‏‏]‏، فأخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه لو علم أن هذا الأمر سيكون من الصحابة ما ساق الهدى ولأحل، قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شيء مَا قُتِلْنَا هَاهنا‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ من الآية154‏]‏‏.‏

وهذا ظاهر لي‏:‏ وبعضهم قال‏:‏ إنه من باب التمني، كأنه قال‏:‏ ليتني استقبلت من أمري ما استدبرت حتى لا أسوق الهدى‏.‏

لكن الظاهر‏:‏ أنه لما رأى من أصحابه، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يتمنى شيئا قدر الله خلافه‏.‏

وقد ذكر المؤلف في هذا البيت آيتين‏:‏

* الآية الأولى قوله تعالى‏:‏ ‏(‏يقولون‏)‏‏.‏ الضمير للمنافقين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما قتلنا‏)‏‏.‏ أي‏:‏ ما قتل بعضنا، لأنهم لم يقتلوا كلهم، ولأن المقتول لا يقول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو كان لنا من الأمر‏)‏‏.‏ ‏(‏لو‏)‏‏:‏ شرطية، وفعل الشرط‏:‏ ‏(‏كان‏)‏، وجوابه‏:‏ ‏(‏ما قتلنا‏)‏ ولم يقترن الجواب باللام، لأن الأفصح إذا كان الجواب منفيا عدم الاقتران، فقولك‏:‏ لو جاء زيد ما جاء عمرو أفصح من قولك‏:‏ لو جاء زيد لما جاء عمرو، وقد ورد قليلا اقترانها مع النفي، كقول الشاعر‏:‏

لو نعطي الخيار لما افترقنا ** ولكن لا خيار مع الليالي

قوله‏:‏ ‏(‏ها هنا‏)‏‏.‏ أي‏:‏ في أُحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم‏}‏‏.‏ هذا رد عليهم، فلا يمكن أن يتخلفوا عما أراد الله بهم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ من الآية168‏]‏

وقولهم‏:‏ ‏{‏لو كان لنا من الأمر شيء‏}‏‏.‏ هذا من الاعتراض على الشرع، لأنهم عتبوا على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين خرج بدون موافقتهم، ويمكن أن يكون اعتراضا على القدر أيضا، أي‏:‏ لو كان لنا من حسن التدبير والرأي شيء ما خرجنا فنقتل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقعدوا‏)‏‏.‏ الواو إما أن تكون عاطفة والجملة معطوفة على ‏(‏قالوا‏)‏، ويكون وصف هؤلاء بأمرين‏:‏

- بالاعتراض على القدر بقولهم‏:‏ ‏{‏لو أطاعونا ما قتلوا‏}‏‏.‏

- وبالجبن عن تنفيذ الشرع ‏(‏الجهاد‏)‏ بقولهم‏:‏ ‏(‏وقعدوا‏)‏، أو تكون الواو للحال والجملة حالية على تقدير ‏(‏قد‏)‏، أي‏:‏ والحال أنهم قد قعدوا، ففيه توبيخ لهم حيث قالوا مع قعودهم، ولو كان فيهم خير لخرجوا مع الناس، لكن فيهم الاعتراض على المؤمنين وعلى قضاء الله وقدره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لإخوانهم‏)‏‏.‏ قيل‏:‏ في النسب لا في الدين، وقيل في الدين ظاهرا، لأن المنافقين يتظاهرون بالإسلام، ولو قيل لهم‏:‏ إنه شامل للأمرين، لكان صحيحا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو أطاعونا ما قتلوا‏)‏‏.‏ هذا غير صحيح، ولهذا رد الله عليهم بقوله‏:‏ ‏{‏قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين‏}‏، وإن كنتم قاعدين، فلا تستطيعون أيضا أن تدرؤوا عن أنفسكم الموت‏.‏

فهذه الآية والتي قبلها تدل على أن الإنسان محكوم بقدر الله كما أنه يجب أن يكون محكوما بشرع الله‏.‏