فصل: باب من أطاع الله العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحيل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


باب من أطاع الله العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحيل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا

قوله ‏(‏من أطاع العلماء‏)‏‏.‏ ‏(‏من‏)‏ يحتمل أن تكون شرطية، بدليل قوله‏:‏ ‏(‏فقد اتخذهم‏)‏، لأنه جواب الشرط، ويحتمل أن تكون موصولة، أي‏:‏ ‏(‏باب الذي أطاع العلماء‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقد اتخذهم‏)‏‏.‏ خبر مبتدأ، وقرنت بالفاء، لأن الاسم الموصول كالشرط في العموم،وعلى الأول تقرأ ‏(‏باب‏)‏ بالتنوين، وعلى الثاني بدون تنوين، والأول أحسن‏.‏

والمراد بالعلماء‏:‏ العلماء بشرع الله، والأمراء‏:‏ أولو الأمر المنفذون له، وهذا الصنفان هم المذكوران في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏59‏]‏ ، فجعل الله طاعته مستقلة، وطاعة رسوله مستقلة، وطاعة أولي الأمر تابعة، ولهذا لم يكرر الفعل ‏(‏أطيعوا‏)‏ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق‏.‏

وأولو الأمر هم أولو الشأن، وهم العلماء، لأنه يستند إليهم في أمر الشرع والعلم به، والأمراء، لأنه يستند إليهم في تنفيذ الشرع وإمضائه، وإذا استقام العلماء والأمراء استقامت الأمور، وبفسادهم تفسد الأمور، لأن العلماء أهل الإرشاد والدلالة، والأمراء أهل الإلزام والتنفيذ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في تحريم ما أحل الله‏)‏‏.‏ أي‏:‏ في جعله حراما، أي‏:‏ عقيدة أو عملا‏.‏

‏(‏أو تحليل ما حرم الله‏)‏‏.‏ أي‏:‏ في جعله حلالا عقيدة أو عملا، فتحريم ما احل الله لا ينقص درجة في الإثم عن تحليل ما حرم الله، وكثير من ذوي الغيرة من الناس تجدهم يميلون إلى تحريم ما أحل الله أكثر من تحليل الحرام، بعكس المتهاونين، وكلاهما خطأ، ومع ذلك، فإن تحليل الحرام فيما الأصل فيه الحل أهون من تحريم الحلال، لأن تحليل الحرام إذا لم يتبين تحريمه فهو مبني على الأصل وهو الحل، ورحمة الله - سبحانه - سبقت غضبه، فلا يمكن أن نحرم إلا ما تبين تحريمه، ولأنه أضيق وأشد، والأصل أن تبقى الأمور على الحل والسعة حتى يتبين التحريم‏.‏

أما في العبادات فيشدد، لأن الأصل المنع والتحريم حتى يبينه الشرع كما قيل‏:‏

والأصل في الأشياء حل ** وامنع عبادة إلا بإذن الشارع

قوله‏:‏ ‏(‏أربابا‏)‏‏.‏ جمع رب، وهو المتصرف المالك‏.‏

والتصرف نوعان‏:‏ تصرف قدري، وتصرف شرعي‏.‏

فمن أطاع العلماء في مخافة أمر الله ورسوله، فقد اتخذهم أربابا من دون الله باعتبار التصرف الشرعي، لأنه اعتبرهم مشرعين واعتبر تشريعهم شرعا يعمل به، وبالعكس الأمراء‏.‏

وقال ابن عباس‏:‏ ‏(‏يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء،

****

قول ابن عباس‏:‏ ‏{‏حجارة من السماء‏}‏‏.‏ أي‏:‏ من فوق تنزل عليكم عقوبة لكم، ونزول الحجارة من السماء ليس بالأمر المستحيل، بل هو ممكن، قال تعالى في أصحاب الفيل‏:‏ ‏{‏وأرسل عليهم طيرا أبابيل *ترميهم بحجارة من سجيل‏}‏ ‏[‏الفيل‏:‏ 4،3‏]‏ وقال تعالى في قوم لوط‏:‏ ‏{‏إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏24‏]‏‏.‏

والحاصب‏:‏ الحجارة تحصبهم من السماء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أقول‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتقولون قال أبو بكر وعمر‏؟‏‏!‏‏)‏ أبو بكر وعمر أفضل هذه الأمة وأقربها إلى الصواب، قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا‏)‏‏.‏ رواه مسلم ‏[‏الإمام أحمد في المسند‏)‏ بنحوه، والخطيب في ‏(‏الفقيه والمتفقه ‏(‏1/145‏)‏‏]‏، وروي عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر‏)‏ ‏[‏الإمام أحمد في ‏(‏المسند‏)‏‏(‏5/382‏)‏، والترمذي‏:‏كتاب المناقب/ باب في مناقب أبي بكر وعمر/ وابن ماجة في ‏(‏المقدمة‏)‏‏(‏1/37‏)‏‏.‏‏]‏، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ‏)‏ ‏[‏الإمام احمد في ‏(‏المسند‏)‏ ‏(‏4/126‏)‏، وأبو داود‏:‏ كتاب السنة/باب في لزوم السنة، وابن ماجة في ‏(‏المقدمة‏)‏ ‏(‏1/15‏)‏، وصححه شيءخ الإسلام ابن تميمة في ‏(‏الفتاوى‏)‏ ‏(‏28/ 493‏)‏، والحاكم ووافقه الذهبي‏(‏1-150‏)‏، وابن رجب في ‏(‏جامع العلوم‏)‏ ‏(‏ص 246‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ ولم يعرف عن أبي بكر أنه خالف نصا في رأيه، فإذا كان قول أبي بكر وعمر إذا عارض الإنسان بقولهما قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه يوشك أن تنزل عليه حجارة من السماء، فما بالك بمن يعارض قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمن هو دون أبي بكر وعمر‏؟‏ والفرق بين ذلك كما بين السماء والأرض، فيكون هذا أقرب للعقوبة‏.‏

وقال أحمد بن حنبل‏:‏ ‏(‏عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي شفيلن، والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةُ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابُ أَلِيمُ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ من الآية63‏]‏ أتدري ما الفتنة‏؟‏ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك‏)‏

وفي الأثر التحذير عن التقليد الأعمى والتعصب المذهبي الذي ليس مبنيا على أساس سليم‏.‏

وبعض الناس يرتكب خطأ فاحشا إذا قيل له‏:‏ قال رسول الله صلى الله عيه وسلم، قال‏:‏ لكن في الكتاب الفلاني كذا وكذا، فعليه أن يتقي الله الذي قال في كتابه‏:‏ ‏[‏ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين‏]‏ ‏[‏القصص‏:‏65‏]‏، ولم يقل ماذا أجبتم فلانا وفلانا، أما صاحب الكتاب، فإنه علم أنه يحب الخير ويريد الحق، فإنه يدعى له بالمغفرة والرحمة إذا أخطأ، ولا يقال‏:‏ إنه معصوم، يعارض بقوله قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

****