فصل: مناسبة الآية للباب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


باب من سب الدهر

السبّ‏:‏ الشتم، والتقبيح، والذم، وما أشبه ذلك‏.‏

الدَّهر‏:‏ هو الزمان والوقت‏.‏

وسب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام‏:‏

الأول‏:‏ أن يقصد الخبر المحض دون اللّوم، فهذا جائز، مثل أن يقول‏:‏ تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده، وما أشبه ذلك؛ لأن الأعمال بالنيات، ومثل هذا اللفظ صالح لمجرد الخبر، ومنه قول لوط عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏{‏هذا يوم عصيب‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 77‏]‏‏.‏

الثاني‏:‏ أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل، كأن يعتقد بسبِّه الدهر أن الدهر هو الذي يُقلِّب الأمور إلى الخير والشر؛ فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقاً؛ لأنه نسب الحوادث إلى غير الله، وكل من اعتقد أن مع الله خالقاً؛ فهو كافر، كما أن من اعتقد أن مع الله إلهاً يستحق أن يُعبَد؛ فإنه كافر‏.‏

الثالث‏:‏ أن يسب الدهر لا لاعتقاد أنه هو الفاعل، بل يعتقد أن الله هو الفاعل، لكن يسبه لأنه محل لهذا الأمر المكروه عنده؛ فهذا محرم، ولا يصل إلى درجة الشرك، وهو من السَّفه في العقل والضلال في الدين؛ لأن حقيقة سبِّه تعود إلى الله - سبحانه ـ لأن الله تعالى هو الذي يصرف الدهر ويكون فيه ما أراد من خير أو شر، فليس الدهر فاعلاً، وليس هذا السبب يُكفِّر؛ لأنه لم يسب الله تعالى مباشرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقد آذى الله‏)‏‏.‏ لا يلزم من الأذية الضرر؛ فالإنسان يتأذى بسماع القبيح أو مشاهدته، ولكنه لا يتضرر بذلك، ويتأذى بالرائحة الكريهة كالبصل والثوم ولا يتضرر بذلك، ولهذا أثبت الله الأذية في القرآن، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 57‏]‏، وفي الحديث القدسي‏:‏ ‏(‏يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار‏)‏ ‏[‏يأتي ‏(‏ص 826‏)‏‏.‏

‏]‏، ونفى عن نفسه أن يضره شيء، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إنهم لن يضروا الله شيئا‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 176‏]‏، وفي الحديث القدسي‏:‏ ‏(‏يا عبادي‏!‏ إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني‏)‏ ‏[‏مسلم‏:‏ كتاب البر والصلة / باب تحريم الظلم‏.‏‏]‏ رواه مسلم‏.‏

وقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ‏}‏ ‏[‏الجاثـية‏:‏24‏]‏

* * *

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا‏}‏‏.‏ المراد بذلك المشركون الموافقون للدُّهرية -بضم الدال على الصحيح عند النسبة؛ لأنه مما تغيّر فيه الحركة- والمعنى وما الحياة والوجود إلا هذا؛ فليس هناك آخرة، بل يموت بعض ويحيا آخرون، هذا يموت فيدفن وهذا يولد فيحيا، ويقولون‏:‏ إنها أرحام تدفع وأرض تبلع ولا شيء سوى هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏وما يهلكنا إلا الدهر‏}‏‏.‏ أي‏:‏ ليس هلاكنا بأمر الله وقدره، بل بطول السنين لمن طالت مدته، والأمراض والهموم والغموم لمن قصرت مدته؛ فالمهلك لهم هو الدهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما لهم بذلك من علم‏)‏‏.‏ ‏(‏ما‏)‏‏:‏ نافية، و‏(‏علم‏)‏‏:‏ مبتدأ خبره مقدم ‏(‏لهم‏)‏، وأكد بـ‏(‏من‏)‏؛ فيكون للعموم‏:‏ أي ما لهم علم لا قليل ولا كثير، بل العلم واليقين بخلاف قولهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن هم إلا يظنون‏)‏‏.‏ ‏(‏إن‏)‏‏:‏ هنا نافية لوقوع ‏(‏إلا‏)‏ بعدها؛ أي‏:‏ ما هم إلا يظنون‏.‏

الظن هنا بمعنى الوهم؛ فليس ظناً مبنياً على دليل يجعل الشيء مظنوناً، بل هو مجرد وهم لا حقيقة له؛ فلا حجة لهم إطلاقاً، وفي هذا دليل على أن الظن يستعمل بمعنى الوهم، وأيضاً يستعمل بمعنى العلم واليقين؛ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 46‏]‏‏.‏

والرد على قولهم بما يلي‏:‏

أولاً‏:‏ قولهم‏:‏ ‏{‏وما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا‏}‏‏.‏

وهذا يرده المنقول والمعقول‏.‏

أما المنقول؛ فالكتاب والسنة تدل على ثبوت الآخرة ووجوب الإيمان باليوم الآخر، وأن للعباد حياة أخرى سوى هذه الحياة الدنيا، والكتب السماوية الأخرى تقرر ذلك وتؤكده‏.‏

وأما المعقول، فإن الله فرض على الناس الإسلام والدعوة إليه والجهاد لإعلاء كلمة الله، مع ما في ذلك من استباحة الدماء والأموال والنساء والذرية، فمن غير المعقول أن يكون الناس بعد ذلك تُراباً لا بعث ولا حياة ولا ثواب ولا عقاب، وحكمة الله تأبى هذا، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 85‏]‏؛ أي‏:‏ الذي أنزل عليك القرآن وفرض العمل به والدعوة إليه لابد أن يردك إلى معاد تجازى فيه ويجازى فيه كل من بلغته الدعوة‏.‏

ثانياً‏:‏ قولهم‏:‏ ‏{‏وما يهلكنا إلا الدهر‏}‏؛ أي‏:‏ إلا بمرور الزمن‏.‏

وهذا يرده المنقول والمحسوس‏:‏فأما المنقول؛ فالكتاب والسنة تدل على أن الإحياء والإماتة بيد الله -عز وجل-؛ كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏هو يُحيي ويُميت وإليه تُرجَعون‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 56‏]‏، وقال عن عيسى عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏{‏وأحيي الموتى بإذن الله‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 49‏]‏‏.‏

وأما المحسوس؛ فإننا نعلم من يبقى سنين طويلة على قيد الحياة؛ كنوح عليه السلام وغيره ولم يهلكه الدهر، ونشاهد أطفالاً يموتون في الشهر الأول من ولادتهم، وشباباً يموتون في قوة شبابهم؛ فليس الدهر هو الذي يميتهم‏.‏

مناسبة الآية للباب

أن في الآية نسب الحوادث إلى الدهر، ومن نسبها إلى الدهر؛ فسوف يَسُبُّ الدهر إذا وقع فيه ما يكرهه‏.‏

وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏قال الله تعالى‏:‏ يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار‏)‏ ‏[‏البخاري كتاب التوحيد / باب قوله تعالي‏:‏ ‏(‏يريدون أن يبدلوا كلام الله‏)‏ تفسير سورة الجاثية ومسلم‏:‏ كتاب الألفاظ / باب النهي عن سب الدهر‏.‏

‏]‏

* * *

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الصحيح‏)‏ عن أبي هريرة‏.‏‏.‏‏.‏ إلى آخره‏)‏‏.‏ هذا الحديث يُسمى الحديث القدسي أو الإلهي أو الرباني، وهو كل ما يرويه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ربه -عز وجل- وسبق الكلام عليه في باب فضل التوحيد وما يكفر الذنوب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الله تعالى‏)‏‏.‏ تعالى من العلو، وجاءت بهذه الصيغة للدلالة على ترَفُّعِه ـ جل وعلا ـ عن كل نقص وسفل؛ لأنها تحمل معنى التَّرَفُّع والتَّنَزُّه عما يقوله المعتدون علواً كبيراً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏يؤذيني ابن آدم‏)‏‏.‏ أي‏:‏ يلحق بي الأذى؛ فالأذية لله ثابتة ويجب علينا إثباتها؛ لأن الله أثبتها لنفسها، فلسنا أعلم من الله بالله، ولكنها ليست كأذية المخلوق؛ بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏ وقدم النفي في هذه الآية على الإثبات، لأجل أن يرد الإثبات على قلب خال من توهم المماثلة، ويكون الإثبات حينئذ على الوجه اللائق به تعالى، وأنه لا يماثل في صفاته كما لا يماثل في ذاته، وكل ما وصف الله به نفسه؛ فليس فيه احتمال للتمثيل؛ إذ لو كان احتمال التمثيل جائزاً في كلامه سبحانه وكلام رسوله فيما وصف به نفسه؛ لكان احتمال الكفر جائزاً في كلامه سبحانه وكلام رسوله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابن آدم‏)‏‏.‏ شامل للذكور والإناث، وآدم هو أبو البشر، خلقه الله تعالى من طين وسواه ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة وعلَّمَه الأسماء كلها‏.‏

واعلم أنه من المؤسف أنه يوجد فكرة مضلة كافرة، وهي أن الآدميين نشؤوا من قرد لا من طين، ثم تطور الأمر بهم حتى صاروا على هذا الوصف، ويمكن على مر السنين أن يتطوروا حتى يصيروا ملائكة، وهذا القول لا شك أنه كفر وتكذيب صريح للقرآن؛ فيجب علينا أن ننكره إنكاراً بالغاً، وأن لا نقره في كتب المدارس، فمن زعم هذه الفكرة يُقال له‏:‏ بل أنت قرد في صورة إنسان، ومثلك كما قال الشاعر‏:‏

إذا ما ذكرنا آدماً وفعاله ** وتزويجه بنتيه بابنيه في الخنا

علمنا بأن الخلق من نسل فاجر ** وأن جميع الناس من عنصر الزنا

وأجابه بعض العلماء بجواب؛ فقال‏:‏ أنت الآن أقررت أنك ولد زنا، وإقرارك على نفسك مقبول وعلى غيرك غير مقبول، ومثلك كما قال الشاعر‏:‏

كذلك إقرار الفتى لازم له ** وفي غيره لغوُ كما جاء شرعُنا

ولكن أنا في الحقيقة يؤلمني أن يوجد هذا بين أيدي شبابنا؛ فبعض الناس أخذوا به على أنه أمر محتمل، والواقع أنه لا يحتمل سوى البطلان والكذب والدس على المسلمين بالتشكيك بما أخبرهم الله به عن خلق آدم وبنيه‏.‏

وأيضاً مما يحذر عنه كلمة ‏(‏فكر إسلامي‏)‏؛ إذ معنى هذا أننا جعلنا الإسلام عبارة عن أفكار قابلة للأخذ والرد، وهذا خطر عظيم أدخله علينا أعداء الإسلام من حيث لا نشعر، والإسلام شرع من عند الله وليس فكراً لمخلوق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يسب الدهر‏)‏‏.‏ الجملة تعليل للأذية أو تفسير لها؛ أي‏:‏ بكونه يسب الدهر؛ أي‏:‏ يشتمه ويُقَبِّحُه ويلومه وربما يلعنه -والعياذ بالله- يؤذي الله، والدهر‏:‏ هو الزمن والوقت، وقد سبق بيان أقسام سب الدهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنا الدهر‏)‏‏.‏ أي‏:‏ مُدبِّر الدهر ومُصَرِّفه، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وتلك الأيام نداولها بين الناس‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 140‏]‏، ولقوله في الحديث‏:‏ ‏(‏أقلب الليل والنهار‏)‏، والليل والنهار هما الدهر‏.‏

ولا يقال بأن الله هو الدهر نفسه، ومن قال ذلك؛ فقد جعل الله مخلوقاً، والمقلِّب بكسر اللام مقلَّباً بفتح اللام‏.‏

فإن قيل‏:‏ أليس المجاز ممنوعاً في كلام الله وكلام رسوله وفي اللغة‏؟‏

أُجيب‏:‏ إن الكلمة حقيقة في معناها الذي دل عليه السياق والقرائن، وهنا في الكلام المحذوف تقديره‏:‏ وأنا مُقلب الدهر؛ لأنه فسره بقوله‏:‏ ‏(‏أقلب الليل والنهار‏)‏، والليل والنهار هما الدهر، ولأن العقل لا يمكن أن يجعل الخالق الفاعل هو المخلوق المفعول، المقلب هو المقلب، وبهذا عرف خطأ من قال‏:‏ إن الدهر من أسماء الله، كابن حزم رحمه الله؛ فإنه قال‏:‏ ‏(‏إن الدهر من أسماء الله‏)‏، وهذا غفلة عن مدلول هذا الحديث، وغفلة عن الأصل في أسماء الله، فأما مدلول الحديث؛ فإن السابين للدهر لم يريدوا سب الله، وإنما أرادوا سبَّ الزمن؛ فالدهر هو الزمن في مرادهم، وأما الأصل في أسماء الله؛ أن تكون حسنى؛ أي‏:‏ بالغة في الحسن أكمله، فلابد أن تشتمل على وصف ومعنى هو أحسن ما يكون من الأوصــاف والمعـــاني في دلالة هذه الكلمة، ولهذا لا تجد في أسماء الله تعالى اسماً جامداً أبداً؛ لأن الاسم الجامد ليس فيه معنى أحسن أو غير أحسن، لكن أسماء الله كلها حسنى؛ فيلزم من ذلك أن تكون دالة على معان، والدهر اسم من أسماء الزمن ليس فيه معنى إلا أنه اسم زمن، وعلى هذا؛ فينتفي أن يكون اسماً لله تعالى لوجهين‏:‏

الأول‏:‏ أن سياق الحديث يأباه غاية الإباء‏.‏

الثاني‏:‏ أن أسماء الله حسنى، والدهر اسم جامد لا يحمل معنى إلا أنه اسم للأوقات‏.‏

فلا يحكم المعنى الذي يوصف بأنه أحسن، وحينئذ فليس من أسماء الله تعالى، بل إنه الزمن، ولكن مقلب الزمن هو الله، ولهذا قال‏:‏ ‏(‏أقلب الليل والنهار‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أقلب الليل والنهار‏)‏‏.‏ أي‏:‏ ذواتهما وما يحدث فيهما؛ فالليل والنهار يُقَلَّبان من طول إلى قصر إلى تساوٍ، والحوادث تتقلب فيه في الساعة وفي اليوم وفي الأسبوع وفي الشهر وفي السنة، قال تعالى‏:‏ ‏{‏قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 26‏]‏، وهذا أمر ظاهر، وهذا التقليب له حكمة قد تظهر لنا وقد لا تظهر؛ لأن حكمة الله أعظم من أن تحيط بها عقولنا، ومجرد ظهور سلطان الله -عز وجل- وتمام قدرته هو من حكمة الله لأجل أن يخشى الإنسان صاحب هذا السلطان والقدرة، فيتضرع ويلجأ إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي رواية‏:‏ لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر‏)‏‏.‏ وفائدة هذه الرواية أن فيها التصريح في النهي عن سب الدهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن الله هو الدهر‏)‏‏.‏ وفي نسخة‏:‏ ‏(‏فإن الدهر هو الله‏)‏، والصواب‏:‏ ‏(‏فإن الله هو الدهر‏)‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏فإن الله هو الدهر‏)‏؛ أي‏:‏ فإن الله هو مدبر الدهر ومصرفه، وهذا تعليل للنهي، ومن بلاغة كلام الله ورسوله قرن الحكم بالعلة لبيان الحكمة وزيادة الطمأنينة، ولأجل أن تتعدى العلة إلى غيرها فيما إذا كان المُعَلِّل حكماً؛ فهذه ثلاث فوائد في قَرن العلة بالحكم‏.‏

* * *

فيه مسائل‏:‏

الأولى‏:‏ النهي عن سب الدهر‏.‏ لقوله‏:‏ ‏(‏لا تسبوا الدهر‏)‏‏.‏

الثانية‏:‏ تسميته أذى لله‏.‏ تؤخذ من قوله‏:‏ ‏(‏يؤذيني ابن آدم‏)‏‏.‏

الثالثة‏:‏ التأمل في قوله‏:‏ فإن الله هو الدهر‏.‏ فإذا تأملنا فيه وجدنا أن معناه أن الله مُقَلِّب الدهر ومُصَرِّفه وليس معناه أن الله هو الدهر، وقد سبق بيان ذلك‏.‏

الرابعة‏:‏ أنه قد يكون ساباً ولو لم يقصده بقلبه‏.‏ تؤخذ من قوله‏:‏ ‏(‏يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر‏)‏، ولم يذكر قصداً ولو عَبَّر الشيءخ بقوله‏:‏ أنه قد يكون مؤذياً لله وإن لم يقصده؛ لكان أوضح وأصح، لأن الله صرح بقوله‏:‏ ‏(‏يسب الدهر‏)‏، والفعل لا يضاف إلا لمن قصده‏.‏

وقد فات على الشيءخ رحمه الله بعض المسائل، منها‏:‏ تفسير آية الجاثية، وقد سبق ذلك‏.‏