فصل: مناسبة الباب للتوحيد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


* مناسبة الباب للتوحيد

أن من جملة أقسم ‏(‏لو‏)‏ الاعتراض على القدر، ومن اعترض على القدر، فإنه لم يرض بالله ربا، ومن لم يرض بالله ربا، ومن لم يرض بالله ربا، فإنه لم يحقق توحيد الربوبية‏.‏

والواجب أن ترضى بالله ربا، ولا يمكن أن تستريح إلا إذا رضيت بالله ربا تمام الرضا، وكأن لك أجنحة تميل بها حيث مال القدر، ولهذا قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏عجبت لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن‏:‏ إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خير له‏)‏ ‏[‏مسلم‏:‏ كتاب الزهد / باب المؤمن أمره كله خير‏.‏ ‏]‏، ومهما كان، فالأمر سيكون على ما كان، فلو خرجت مثلا في سفر ثم أصبت في حادث، فلا تقل‏:‏ لو أني ما خرجت في السفر ما أصبت، لأن هذا مقدر لا بد منه‏.‏

وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجزن، وإن أصابك شيء، فلا تقل‏:‏ لو أني فعلت كذا، لكان كذا وكذا، لكن قل‏:‏ قدر الله وما شاء الله فعل، فإن ‏(‏لو‏)‏ تفتح عمل الشيطان‏)‏ ‏[‏مسلم كتاب القدر / باب في الأمر بالقوة وترك العجز‏]‏

***

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الصحيح‏)‏ أي‏:‏ ‏(‏صحيح مسلم‏)‏، وانظر ما سبق في‏:‏ باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله ‏(‏146‏)‏‏.‏

والمؤلف رحمه الله حذف منه جملة، وأتى بما هو مناسب للباب، والمحذوف قوله‏:‏ ‏(‏المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير‏)

قوله‏:‏ ‏(‏القوي‏)‏‏.‏ أي‏:‏ في إيمانه وما يقتضيه إيمانه، ففي إيمانه، يعني‏:‏ ما يحل في قلبه من اليقين الصادق الذي لا يعتريه شك، وفيما يقتضيه، يعني‏:‏ العمل الصالح من الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحزم في العبادات وما أشبه ذلك‏.‏

وهل يدخل في ذلك قوة البدن‏؟‏

الجواب‏:‏ لا يدخل في ذلك قوة البدن إلا إذا كان في قوة بدنه ما يزيد إيمانه أو يزيد ما يقتضيه، لأن ‏(‏القوي‏)‏ وصف عائد على موصوف وهو المؤمن، فالمراد‏:‏ القوي في إيمانه أو ما يقتضيه، ولا شك أن قوة البدن نعمة، إن استعملت في الخير فخير، وإن استعملت في الشر فشر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خير وأحب إلى الله‏)‏‏.‏ خير في تأثيره وآثاره فهو ينفع ويقتدي به وأحب إلى الله باعتبار الثواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن المؤمن الضعيف‏)‏‏.‏ وذلك في الإيمان أو فيما يقتضيه لا في قوة البدن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي كل خير‏)‏‏.‏ أي‏:‏ في كل من القوي والضعيف خير، وهذا النوع من التذييل يسمى عند البلاغيين بالاحتراس حتى لا يظن أنه لا خير في الضعيف‏.‏

فإن قيل‏:‏ إن الخيرية معلومة في قوله ‏(‏خير واحب‏)‏، لأن الأصل في اسم التفضيل اتفاق المفضل والمفضل عليه في أصل الوصف‏؟‏

فالجواب‏:‏ أنه قد يخرج عن الأصل، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أصحاب الجنة يومئذ خير مستقر‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 24‏]‏ مع أن أهل النار لا خير في مستقرهم ‏.‏

كذلك الإنسان إذا سمع هذه الجملة‏:‏ ‏(‏خير وأحب‏)‏ صار في نفسه انتقاص للمؤمن المفضل عليه، فإذا قيل‏:‏ ‏(‏وفي كل خير‏)‏ رفع من شانه، ونظيره قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 10‏]‏‏.‏

قوله‏:(‏احرص على ما ينفعك‏).‏ الحرص‏:‏ بذلك الجهد لنيل ما ينفع من أمر الدين أو الدنيا‏.‏

وأفعال العباد بحسب السبر والتقسيم لا تخلو من أربع حالات‏:‏

1‏.‏ 1‏.‏ نافعة، وهذه مأمور بها‏.‏

2‏.‏ 2‏.‏ ضارة وهذه محذر منها‏.‏

3‏.‏ 3‏.‏ فيها نفع وضرر‏.‏

4‏.‏ 4‏.‏ لا نفع فيها ولا ضرر، وهذه لا يتعلق بها أمر ولا نهي، لكن الغالب أن لا تقع إلا وسيلة إلى ما فيه أمر أو نهي، فتأخذ حكم الغاية، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد‏.‏

فالأمر لا يخلو من نفع أو ضرر، إما لذاته أو لغيره، فحديثنا العام قد لا يكون فيه نفع ولا ضرر، لكن قد يتكلم الإنسان ويتحدث لأجل إدخال السرور على غيره فيكون نفعا، ولا يمكن أن تجد شيئا من الأمور والحوادث ليس فيه نفع ولا ضرر، إما ذاتي، أو عارض إنما ذكرناه لأجل تمام السبر والتقسيم‏.‏

والعاقل يشح بوقته أن يصرفه فيما لا نفع فيه و لا ضرر، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خير أو ليصمت‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب الأدب / باب إكرام الضيف/ ومسلم‏:‏ كتاب الإيمان / باب الحث على إكرام الجار‏.‏‏]‏‏.‏

واتصال هذه الجملة بما قبلها ظاهر جدا، لأن من القوة الحرص على ما ينفع‏.‏

و ‏(‏ما‏)‏‏:‏ اسم موصول بفعل ‏(‏ينفع‏)‏، والاسم الموصول يحول بصلته إلى اسم فاعل، كأنه قال‏:‏ احرص على النافع، وإنما قلت ذلك لأجل أن أقول‏:‏ إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمرنا بالحرص على النافع، ومعناه أن نقدم الأنفع على النافع، لأن الأنفع مشتمل على أصل النفع وعلى الزيادة، وهذه الزيادة لا بد أن نحرص عليها، لأن الحكم إذا علق بوصف كان تأكد ذلك الحكم بحسب ما يشتمل عليه تأكد ذلك الوصف، فإذا قلت‏:‏ أنا أكره الفاسقين كان كل من كان أشد في الفسق إليك أكره، فنقدم الأنفع على النافع لوجهين‏:‏

1‏.‏ 1‏.‏ أنه مشتمل على النفع وزيادة‏.‏

2‏.‏ 2‏.‏ أن الحكم إذا علق بوصف كان تأكد ذلك الحكم بحسب تأكد ذلك الوصف وقوته‏.‏

يؤخذ من الحديث وجود الابتعاد عن الضار، لأن الابتعاد عنه انتفاع وسلامة لقوله‏:‏ ‏(‏احرص على ما ينفعك‏)‏

قوله‏:‏ ‏(‏واستعن بالله‏)‏‏.‏ الواو تقتضي الجمع فتكون الاستعانة مقرونة بالحرص، والحرص سابق على الفعل، فلابد أن تكون الاستعانة مقارنة للفعل من أوله‏.‏

والاستعانة‏:‏ طلب العون بلسان المقال، كقولك‏:‏ ‏(‏اللهم أعني، أو‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله‏)‏ عند شروعك بالفعل‏.‏

أو بلسان الحال، وهي ان تشعر بقلبك أنك محتاج إلى ربك - عز وجل - أن يعينك على هذا الفعل، وأنه إن وكلك إلى نفسك وكلك إلى ضعف وعجز وعورة‏.‏

أو طلب العون بهما جميعا، والغالب أن من استعان بلسان المقال، فقد استعان بلسان الحال‏.‏

لو احتاج الإنسان إلى الاستعانة بالمخلوق كحمل صندوق مثلا، فهذا جائز، ولكن لا تشعر أنها كمعونة بعض أعضائك لبعض، كما لو عجزت عن حمل شيء بيد واحدة، فإنك تستعين على حمله باليد الأخرى، وعلى هذا، فالاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه كالاستعانة ببعض أعضائك، فلا تنافي قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏استعن بالله‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تعجزن‏)‏‏.‏ فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، و‏(‏لا‏)‏ الناهية، والمعنى‏:‏ لا تفعل فعل العاجز من التكاسل وعدم الحزم والعزيمة، وليس المعنى‏:‏ لا يصيبك عجز، لأن العجز عن الشيء غير التعاجز، فالعجز بغير اختيار الإنسان، ولا طاقة له به، فلا يتوجه عليه نهي، ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏صل قائما، فإن لم تستطع، فقاعدا، فإن لم تستطع، فعلى جنب‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب تقصير الصلاة / باب إذا لم يطق قاعدا صلي على جنب‏.‏‏]‏‏.‏

فإذا اجتمع الحرص وعدم التكاسل،اجتمع في هذا صدق النية بالحرص والعزيمة بعد التكاسل‏.‏

لأن بعض الناس يحرص على ما ينفعه ويشرع فيه، ثم يتعاجز ويتكاسل ويدعه، وهذا خلاف ما أمر به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فما دمت عرفت أن هذا نافع، فلا تدعه، لأنك إذا عجزت نفسك خسرت العمل الذي عملت ثم عودت نفسك التكاسل والتدني من حال النشاط والقوة إلى حال العجز والكسل، وكم من إنسان بدأ العمل - لا سيما النافع - ثم أتاه الشيطان فثبطه‏؟‏

لكن إذا ظهر في أثناء العمل أنه ضار، فيجب الرجوع عنه، لأن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل‏.‏

وذكر في ترجمة الكسائي انه بدأ في طلب علم النحو ثم صعب عليه، فوجد نملة تحمل طعاما تريد أن تصعد به حائطا، كلما صعدت قليلا سقطت، وهكذا حتى صعدت، فأخذت درسا من ذلك، فكابد حتى صار إماما في النحو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن أصابك شيء فلا تقل‏:‏ لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا‏)‏‏.‏

هذه هي المرتبة الرابعة مما ذكر في هذا الحديث العظيم إذا حصل خلاف المقصود‏.‏

فالمرتبة الأولى‏:‏ الحرص على ما ينفع‏.‏

والمرتبة الثانية‏:‏ الاستعانة بالله‏.‏

والمرتبة الثالثة‏:‏ المضي في الأمر والاستمرار فيه وعدم التعاجز‏.‏

وهذه المراتب إليك‏.‏

المرتبة الرابعة‏:‏ إذا حصل خلاف المقصود، فهذه ليست إليك، وإنما هي بقدر الله، ولهذا قال‏:‏ ‏(‏وإن أصابك‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏، ففوض الأمر لله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن أصابك شيء‏)‏‏.‏ أي‏:‏ مما لا تحبه ولا تريده ومما يعوقك عن الوصول إلى مرامك فيما شرعت فيه من نفع‏.‏

فمن خالفه القدر ولم يأت على مطلوبه لا يخلو من حالين‏:‏

الأول‏:‏ أن يقول‏:‏ لو لم أفعل ما حصل كذا‏.‏

الثاني‏:‏ أن يقول‏:‏ لو فعلت كذا لأمر لم يفعله لكان كذا‏.‏

مثال الأول قول القائل‏:‏ لو لم أسافر ما فاتني الربح‏.‏

ومثال الثاني أن يقول‏:‏ لو سافرت لربحت‏.‏

وذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الثاني دون الأول، لأن الإنسان عامل فاعل، فهو يقول‏:‏ لو أني فعلت الفعل الفلاني دون هذا الفعل لحصلت مطلوبي، بخلاف الإنسان الذي لم يفعل وكان موقفه سلبيا من الأعمال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كذا‏)‏‏.‏ كناية عن مبهم، وهي مفعول لفعلت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لكان كذا‏)‏ فاعل كان، والجملة جواب لو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قدر الله‏)‏‏.‏ خبر لمبتدأ محذوف، أي هذا قدر الله‏.‏

وقدر بمعنى مقدور، لأن الله يطلق على التقدير الذي هو فعل الله،ويطلق على المقدور الذي وقع بتقدير الله، وهو المراد هنا، لأن القائل يتحدث عن شيء وقع عليه، فقدر الله أي مقدوره، ولا مقدر إلا بتقدير، لأن المفعول نتيجة الفعل‏.‏

والمعني إن هذا الذي وقع قدر الله وليس إلىّ، أما الذي إلىّ فقد بذلت ما أراه نافعا كما أمرت، وهذا فيه التسليم التام لقضاء الله - عز وجل - وان الإنسان إذا فعل ما أمر به على الوجه الشرعي، فإنه لا يلام على شيء، ويفوض الأمر إلى الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما شاء الله فعل‏)‏‏.‏ جملة مصدرة بـ‏(‏ما‏)‏ الشرطية، ‏(‏وشاء‏)‏‏:‏ فعل الشرط، وجوابه‏:‏ ‏(‏فعل‏)‏، أي‏:‏ ما شاء الله أن يفعله فعله، لأن الله لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، قال تعالى‏:‏ ‏{‏والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏41‏]‏، وقد سبق ذكر قاعدة، وهي ان كل فعل لله معلق بالمشيءئة، فإنه مقرون بالحكمة، وليس شيء من فعله معلقا بالمشيءئة المجردة، لأن الله لا يشرع ولا يفعل إلا الحكمة، وبهذا التقرير نفهم أن المشيءئة يلزم منها وقوع المشاء، ولهذا كان المسلمون يقولون‏:‏ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن‏.‏

وأما الإرادة ووقوع المراد ففيه تفصيل‏:‏

فالإرادة الشرعية لا يلزم منها وقوع المراد، وهي التي بمعنى المحبة، قال تعالى‏:‏ ‏{‏والله يريد أن يتوب عليكم‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏27‏]‏ بمعني يجب، ولو كانت بمعنى يشاء لتاب الله علي جميع الناس‏.‏

والإرادة الكونية يلزم منها وقوع المراد، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏253‏]‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن لو تفتح عمل الشيطان‏)‏‏.‏ ‏(‏لو‏)‏‏:‏ اسم إن قصد لفظها، أي؛ فإن هذا اللفظ يفتح عمل الشيطان‏.‏

وعمله‏:‏ ما يلقيه في قلب الإنسان من الحسرة والندم والحزن، فإن الشيطان يحب ذلك، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏10‏]‏، حتى في المنام يريه أحلاما مخيفة ليعكر عليه صفوه ويشوش فكره، فحينئذ لا يتفرغ للعبادة على ما ينبغي، ولهذا نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الصلاة تشوش الفكر،فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏لا صلاة بحضرة طعام، ولا يدافعه الأخبثان‏)‏ ‏[‏مسلم‏:‏ كتاب المساجد / باب كراهة الصلاة بحضرة العام‏.‏

‏]‏، إذا رضى الإنسان بالله ربا، وقال‏:‏ هذا قضاء الله وقدره، وانه لا بد أن يقع، اطمأنت نفسه وانشرح صدره‏.‏

* ويستفاد من الحديث‏:‏

1‏.‏ إثبات محبة الله - عز وجل - لقوله‏:‏ ‏(‏خير وأحب‏)‏

2‏.‏ اختلاف الناس في قوة الإيمان وضعفه، لقوله‏:‏ ‏(‏المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف‏)

3‏.‏ زيادة الإيمان ونقصانه، لأن القوة زيادة والضعف نقص، وهذا هو القول الصحيح الذي عليه عامة أهل السنة‏.‏

وقال بعض أهل السنة‏:‏ يزيد ولا ينقص، لأن النقص لم يرد في القرآن، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ويزداد الذين آمنوا إيمانا‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏31‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ويزداد الذين آمنوا إيمانا مع إيمانهم‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 4‏]‏‏.‏

والراجح القول الأول، لأنه من لازم ثبوت الزيادة ثبوت النقص عن الزائد، وعلى هذا يكون القرآن دالا على ثبوت نقص الإيمان بطريق اللزوم، كما أن السنة جاءت به صريحة في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب الحيض / باب ترك الحائض للصوم، ومسلم‏:‏ كتاب الإيمان / باب نقصان الإيمان‏.‏‏]‏، يعني‏:‏ النساء‏.‏

والإيمان يزيد بالكمية والكيفية، فزيادة الأعمال الظاهرة زيادة كمية، وزيادة الأعمال الباطنة كاليقين زيادة كيفية، ولهذا قال إبراهيم عليه السلام‏:‏ ‏(‏رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي‏)‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 260‏]‏‏.‏

والإنسان إذا أخبره ثقة بخبر، ثم جاء آخر فأخبره نفس الخبر، زاد يقينه، ولهذا قال أهل العلم‏:‏ إن المتواتر يفيد العلم اليقيني، وهذا دليل على تفاوت القلوب بالتصديق، وأما الأعمال، فظاهر، فمن صلى أربع ركعات أزيد ممن صلى ركعتين‏.‏

4- أن المؤمن وإن ضعف إيمانه فيه خير؛ لقوله‏:‏ ‏(‏وفي كل خير‏)‏‏.‏

5 - أن الشريعة جاءت بتكميل المصالح وتحقيقها، لقوله‏:‏ ‏(‏احرص على ما ينفعك‏)‏، فإذا امتثل المؤمن أمر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو عبادة وإن كان ذلك النافع أمرا دنيويا‏.‏

6 - أنه لا ينبغي للعاقل أن يمضي جهده فيما لا ينفع، لقوله‏:‏ ‏(‏احرص على ما ينفعك‏)‏‏.‏

7- أنه ينبغي للإنسان الصبر والمصابرة، لقوله‏:‏ ‏(‏و لا تعجزن‏)‏

8- أن ما لا قدرة للإنسان فيه فله أن يحتج عليه بالقدر، لقوله‏:‏ ‏(‏ولكن قل‏:‏ قدر الله وما شاء الله فعل‏)‏، وأما الذي يمكنك، فليس لك أن تحتج بالقدر‏.‏

وأما محاجة آدم وموسى حيث لام موسى أدم عليهما السلام؛ وقال له‏:‏ ‏(‏لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة‏؟‏ فقال‏:‏ أتلومني على شيء قد كتبه الله على‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب القدر / باب تحاج آدم وموسى، ومسلم‏:‏ كتاب القدر / باب حجاج آدم وموسى‏.‏‏]‏ فهذا احتجاج بالقدر‏.‏

فالقدرية الذين ينكرون القدر يكذبون هذا الحديث، لأن من عادة أهل البدع أن ما خالف بدعتهم إن أمكن تكذيبه فكذبوه، وإلا حرفوه، ولكن هذا الحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما‏.‏

وقال شيءخ الإسلام ابن تميمة‏:‏ إن هذا من باب الاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعائب، فموسى لم يحتج على آدم بالمعصية التي هي سبب الخروج، بل احتج بالخروج نفسه‏.‏

معناه أن فعلك صار سببا لخروجنا، وإلا فإن موسى عليه الصلاة والسلام ابعد من أن يلوم أباه على ذنب تاب منه واجتباه ربه وهداه، وهذا ينطبق على الحديث‏.‏

وذهب ابن القيم رحمه الله إلى وجه آخر في تخريج هذا الحديث، وهو أن آدم احتج بالقدر بعد أن مضى وتاب من فعله، وليس كحال الذين يحتجون على أن يبقوا في المعصية ويستمروا عليها، فالمشركون لما قالوا‏:‏ ‏{‏لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏148‏]‏ كذبهم الله، لأنهم لا يحتجون على شيء مضى ويقولون‏:‏ تبنا إلى الله، ولكن يحتجون على شيء مضى ويقولون‏:‏ تبنا إلى الله، ولكن يحتجون على البقاء في الشرك‏.‏

9 - أن للشيطان تأثيرا على بني آدم، لقوله‏:‏ ‏(‏فإن لو تفتح عمل الشيطان‏)‏، وهذا

لاشك فيه، ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏(‏إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم‏)‏ ‏[‏البحاري‏:‏ كتاب الاعتكاف / باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه، مسلم‏:‏ كتاب السلام / باب أنه يستحب لمن رؤى خاليا بامرأة‏.‏‏]‏‏.‏

فقال بعض أهل العلم‏:‏ إن هذا يعني الوساوس التي يلقيها في القلب فتجري في العروق‏.‏

وظاهر الحديث‏:‏ أن الشيطان نفسه يجري من ابن آدم مجرى الدم، وهذا ليس ببعيد على قدرة الله - عز وجل - كما أن الروح تجري مجرى الدم، وهي جسم، إذا قبضت تكفن وتحنط وتصعد بها الملائكة إلى السماء‏.‏

ومن نعمة الله أن للشيءطان ما يضاده، وهي لمة الملك، فإن الشيطان في قلب ابن آدم لمة وللملك لمة، ومن وفق غلبت عنده لمة الملك لمة الشيطان، فهما دائما يتصارعان نفس مطمئنة ونفس أمارة بالسوء، وأما النفس اللوامة فهي وصف للنفسين جميعا‏.‏

10 - حسن تعليم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين قرن النهي عن قول ‏(‏لو‏)‏ بيان علته، لتتبين حكمة الشريعة، ويزداد المؤمن إيمانا وامتثالا‏.‏

* * *