فصل: مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بلله

مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد

أن الاقتناع بالله من تعظيم الله، لأن الحالف أكد ما حلف عليه بالتعظيم باليمين وهو تعظيم المحلوف به، فيكون من تعظيم المحلوف به أن يصدق ذلك الحالف، وعلى هذا يكون عدم الاقتناع بالحلف بالله فيه شيء من نقص تعظيم الله، وهذا ينافي كمال التوحيد، والاقتناع بالحلف بالله لا يخلو من أمرين‏:‏

الأول‏:‏ أن يكون ذلك من الناحية الشرعية، فإنه يجب الرضا بالحلف بالله فيما إذا توجهت اليمين على المدعى عليه فحلف،فيجب الرضا بهذا اليمين بمقتضى الحكم الشرعي‏.‏

الثاني‏:‏ أن يكون ذلك من الناحية الحسية، فإن كان الحالف موضع صدق وثقة، فإنك ترضى بيمينه، وإن كان غير ذلك، فلك أن ترفض الرضا بيمينه، ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لحويصة ومحيصة‏:‏ ‏(‏تبرئكم يهود بخمسين يمينا‏.‏ فقالوا‏:‏ كيف نرضى يا رسول الله بأيمان اليهود‏؟‏‏)‏‏.‏‏[‏البخاري‏:‏ كتاب الأدب / باب إكرام الكبير، ومسلم‏:‏ كتاب القسامة، باب القسامة‏.‏

‏]‏ فأقرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذلك‏.‏

****

عن ابن عمر أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏لا تحلفوا بآبائكم، من حلف بالله فليصدق، ومن حلف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله‏)‏ رواه ابن ماجة بسند حسن ‏[‏ابن ماجة‏:‏ كتاب الكفارات / باب من حلف له بالله فليرض وقال البويصري في مصباح الزجاجة ‏(‏2/143‏)‏ هذا اسناد صحيح رجاله ثقات‏)‏ وقال ابن حجر في الفتح ‏(‏11/535‏)‏ سند صحيح‏.‏‏]‏‏.‏

قولـه في الحديث‏:‏ ‏(‏لا تحلفوا‏)‏‏.‏‏(‏لا‏)‏‏:‏ ناهية، ولهذا جزم الفعل بعدها بحذف النون، و ‏(‏آباؤكم‏)‏‏:‏ جمع أب، ويشمل الأب والجد، وإن علا فلا يجوز الحلف بهم، لأنه شرك، وقد سبق بيانه‏.‏

قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏من حلف بالله، فليصدق، ومن حلف له بالله، فليرض‏)‏ هنا أمران‏:‏

الأمر الأول‏:‏ للحالف، فقد أُمر أن يكون صادقا، والصدق‏:‏ هو الإخبار بما يطابق الواقع، وضده الكذب، وهو‏:‏ الإخبار بما يخالف الواقع، فقوله‏:‏ ‏(‏من حلف بالله، فليصدق‏)‏، أي‏:‏ فليكن صادقا في يمينه، وهل يشترط أن يكون مطابقا للواقع أو يكفي الظن‏؟‏

الجواب‏:‏ يكفي الظن، فله أن يحلف على ما يغلب على ظنه، كقول الرجل للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني‏.‏ فأقره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

الثاني‏:‏ للمحلوف له،فقد أمر أن يرضى بيمين الحالف له‏.‏

فإذا قرنت هذين الأمرين بعضهما ببعض، فإن الأمر الثاني ينزل على إذا كان الحالف صادقا، لأن الحديث جمع أمرين‏:‏ أمرا موجها للحالف، وأمرا موجها للمحلوف له، فإن كان الحالف صادقا، وجب على المحلوف له الرضا‏.‏

فإن قيل‏:‏ إن كان صادقا فإننا نصدقه وإن لم يحلف‏؟‏

أجيب‏:‏ أن اليمين تزيده توكيدا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن لم يرض، فليس من الله‏)‏ أي‏:‏ من لم يرض بالحلف بالله إذا حلف له، فليس من الله، وهذا تبرؤ منه يدل على أن عدم الرضا من كبائر الذنوب، ولكن لابد من ملاحظة ما سبق، وقد أشرنا أن في حديث القسامة دليلا على أنه إذا كان الحالف غير ثقة، فلك أن ترفض الرضا به، لأنه غير ثقة، فلو أن أحدا حلف لك، وقال‏:‏ والله، إن هذه الحقيبة من خشب‏.‏ وهي من جلد، فيجوز أن لا ترضى به لأنك قاطع بكذبه، والشرع لا يأمر بشيء يخالف الحس والواقع، بل يأمر إلا بشيء يستحسنه العقل ويشهد له بالصحة والحسن، وإن كان العقل لا يدرك أحيانا مدى حسن هذا الشيء الذي أمر به الشرع، ولكن ليعلم علم اليقين أن الشرع لا يأمر إلا بما هو حسن، لأن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 50‏]‏ فإذا اشتبه عليك حسن شيء من أحكام الشرع، فاتهم نفسك بالقصور أو بالتقصير، أما أن تتهم الشرع، فهذا لا يمكن، وما صح عن الله ورسوله، فهو حق وهو من أحسن الأحكام‏.‏

****

فيه مسائل‏:‏

الأولى‏:‏ النهي عن الحلف بالآباء‏.‏ الثانية‏:‏ الأمر للمحلوف له بالله أن يرضى‏.‏ الثالثة‏:‏ وعيد من لم يرض‏.‏

فيه مسائل‏:‏

الأولى‏:‏ النهي عن الحلف بالآباء‏.‏ لقوله‏:‏ ‏(‏لا تحلفوا بآبائكم‏)‏، والنهي للتحريم‏.‏

الثانية‏:‏ الأمر للمحلوف له بالله أن يرضى‏.‏ لقوله‏:‏ ‏(‏من حلف له بالله، فليرض‏)‏، وسبق التفصيل في ذلك‏.‏

الثالثة‏:‏ وعيد من لم يرض‏.‏ لقوله‏:‏ ‏(‏ومن لم يرض، فليس من الله‏)‏‏.‏

الرابعة‏:‏ ولم يذكرها المؤلف -‏:‏ أمر الحالف أن يصدق لأن الصدق واجب في غير اليمين، فكيف باليمين‏؟‏

وقد سبق أن من حلف على يمين كاذبة أنه آثم، وقال بعض العلماء‏:‏ أنها اليمين الغموس‏.‏

وأما بالنسبة للمحلوف له، فهل يلزمه أن يصدق أم لا‏؟‏

المسألة لا تخلو من أحوال خمس‏:‏

الأولى‏:‏ أن يعلم كذبه، فلا أحد يقول‏:‏ إنه يلزم تصديقه‏.‏

الثانية‏:‏ أن يترجح كذبه، فكذلك لا يلزم تصديق‏.‏

الثالثة‏:‏ أن يتساوى الأمران، فهذا يجب تصديقه‏.‏

الرابعة‏:‏ أن يترجح صدقه، فجب أن يصدق‏.‏

الخامسة‏:‏ أن يعلم صدقه، فيجب أن يصدق‏.‏

وهذا في الأمور الحسية، أما الأمور الشرعية في باب التحاكم، فيجب أن يرضى باليمين ويلتزم بمقتضاها، لأن هذا من باب الرضا بالحكم الشرعي، وهو واجب‏.‏

مناسبة الباب لكتاب التوحيد

أن قول‏:‏ ‏(‏ما شاء الله وشئت‏)‏ من الشرك الأكبر أو الأصغر، لأنه إن اعتقد أن المعطوف مساو لله، فهو شرك أكبر، وإن اعتقد أنه دونه لكن أشرك به في اللفظ، فهو أصغر، وقد ذكر بعض أهل العلم‏:‏ أن من جملة ضوابط الشرك الصغر أن ما كان وسيلة للأكبر فهو أصغر‏.‏