فصل: ومناسبة الباب لكتاب التوحيد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


ولهما عن عائشة رضى الله عنها، أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏أشدُّ الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله‏.‏

قوله ‏(‏أشد‏)‏‏.‏ كلمة اشد اسم تفضيل بمعنى أعظم وأقوى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الناس‏)‏ للعموم، والمراد الذين يعذبون‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏عذابا‏)‏‏.‏ تمييز مبين للمراد بالأشد، لأن التمييز كما قال ابن مالك‏:‏

اسم بمعنى من بين نكرة ** ينصب تمييزا بما قد فسره

والعذاب يطلق على العقاب ويطلق على ما يؤلم ويؤذي وإن لم يكن عقابا، فمن الأول قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أدخلوا آل فرعون أشد العذاب‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏46‏]‏ أي‏:‏ العقوبة والنكال، لأنه يدخل النار والعياذ بالله، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 98‏]‏ ومن الثاني قول النبي عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏السفر قطعة من العذاب‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب العمرة/ باب السفر قطعة من العذاب، ومسلم‏:‏ كتاب الإمارة / باب السفر قطعة من العذاب‏.‏

‏]‏ ، وقوله ‏(‏الميت يعذب بالنياحة عليه‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب الجنائز / باب ما يكره من النياحة على الميت، ومسلم‏:‏ كتاب الجنائز / باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه‏.‏‏]‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم القيامة‏)‏ ‏,‏ هو اليوم الذي يبعث فيه الناس، وسبق وجه تسميته بذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أشد‏)‏ مبتدأ، والذين يضاهئون خبره، ومعنى يضاهئون، أي‏:‏ يشابهون‏.‏

‏(‏بخلق الله‏)‏، أي‏:‏ بمخلوقات الله - سبحانه وتعالى -‏.‏

والذين يضاهئون بخلق الله هم المصورون، فهم يضاهئون بخلق الله سواء كانت هذه المضاهاة جسمية أو وصفية، فالجسمية أن يصنع صورة بجسمها، والوصفية أن يصنع صورة ملونة، لأن التلوين والتخطيط باليد وصف للخلق، وإن كان الإنسان ما خلق الورقة ولا صنعها لكن وضع فيها هذا التلوين الذي يكون وصفا لخلق الله - عز وجل -‏.‏

هذا الحديث يدل على أن المصورين يعذبون، وأنهم أشد الناس عذابا، وأن الحكمة من ذلك مضاهاتهم خلق الله - عز وجل - وليست الحكمة كما يدعيه كثير من الناس أنهم يصنعونها لتعبد من دون الله، فذلك شيء آخر، فمن صنع شيئا ليعبد من دون الله، فإنه حتى ولو لم يصور كما لو أتى بخشبة وقال اعبدوها، فقد دخل في التحريم، لقوله تعالى ‏{‏ولا تعاونوا على الإثم والعدوان‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏2‏]‏، لأنه أعان على الإثم والعدوان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يضاهئون‏)‏‏.‏ هل الفعل يشعر بالنية بمعنى أنه لابد أن يقصد المضاهاة، أو نقول‏:‏ المضاهاة حاصلة سواء كانت بنية أو بغير نية‏؟‏

الجواب الثاني‏:‏ لأن المضاهاة حصلت سواء نوي أم لم ينو لأن العلة هي المشابهة، وليست العلة قصد المشابهة، فلو جاء رجل وقال‏:‏ أنا لا أريد أن أضاهي خلق الله، أنا أصور هذا للذكرى مثلا وما أشبه ذلك، نقول‏:‏ هذا حرام، لأنه متى حصلت المشابهة ثبت الحكم، لأن الحكم يدور مع علته كما قلنا فيمن لبس لباسا خاصا بالكفار‏:‏ إنه يحرم عليه هذا اللباس، ولو قال‏:‏ إنه لم يقصد المشابهة، نقول‏:‏ لكن حصل التشبه، فالحكم المقرون بعلة لا يشترط فيه القصد، فمتى وجدت العلة ثبت الحكم‏.‏

يستفاد من الحديث‏:‏

1 - تحريم التصوير، وأنه من كبائر، لثبوت الوعيد عليه، وأن الحكمة من تحريمه المضاهاة بخلق الله - عز وجل -‏.‏

2- وجوب احترام جانب الربوبية، وأن لا يطمع أحد في أن يخلق كخلق الله- عز وجل- لقوله‏:‏ ‏(‏يضاهئون بخلق الله‏)‏، ومن أجل هذا حرم الكبر، لأن فيه منازعة للرب - سبحانه وتعالى - وحرم التعاظم على الخلق، لأن فيه منازعة للرب سبحانه وتعالى - وكذلك هذا الذي يصنع ما يصنع فيضاهي خلق الله فيه منازعة لله عز وجل - في ربوبيته في أفعاله ومخلوقاته ومصنوعاته، فيستفاد من هذا الحديث وجوب احترام جانب الربوبية‏.‏

قوله‏:‏‏(‏أشد الناس عذابا‏)‏‏.‏ فيه إشكال، لأن فيهم من هو اشد من المصورين ذنبا، كالمشركين والكفار، فيلزم أن يكونوا أشد عذابا، وقد أجيب عن ذلك بوجوه‏:‏

الأول‏:‏ أن الحديث على تقدير ‏(‏من‏)‏ أي‏:‏ من أشد الناس عذابا بدليل أن جاء ما يؤيده بلفظ‏:‏ ‏(‏إن أشد الناس عذابا‏)‏‏.‏

الثاني‏:‏ أن الأشدية لا تعني أن غيرهم لا يشاركهم بل يشاركهم غيرهم، قال تعالى‏:‏ ‏{‏أدخلوا آل فرعون أشد العذاب‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 46‏]‏، لكن يشكل على هذا أن المصور فاعل كبير فقط، فكيف يسوى مع من هو خارج عن الإسلام ومستكبر‏؟‏

الثالث‏:‏ أن الأشدية نسبية، يعني أن الذين يصنعون الأشياء ويبدعونها أشدهم عذابا الذين يضاهئون بخلق الله، وهذا أقرب‏.‏

الرابع‏:‏ أن هذا باب الوعيد الذي يطلق لتنفير النفوس عنه، ولم أر من قال بهذا، ولو قيل بهذا، لسلمنا من هذه الإيرادات، وعلى كل حال ليس لنا أن نقول إلا كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله‏)‏‏.‏

ولهما عن ابن عباس‏:‏ سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏(‏كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم‏.‏ ‏[‏مسلم كتاب اللباس / باب تحريم صور الحيوان‏.‏

‏]‏

* * *

قوله‏:‏ ‏(‏ولهما‏)‏‏.‏ أي‏:‏ للبخاري ومسلم‏.‏

قوله ‏(‏كل مصور في النار‏)‏‏.‏ ‏(‏كل‏)‏‏:‏ من أعظم ألفاظ العموم، وأصلها من الإكليل، وهو ما يحيط بالشيء، ومنه الكلالة في الميراث للحواشيء التي تحيط بالإنسان‏.‏

فيشمل من صور الإنسان أو الحيوان أو الأشجار أو البحار، لكن قوله‏:‏ ‏(‏يجعل له بكل صورة صورها نفس‏)‏‏.‏ الحديث في ‏(‏مسلم‏)‏ وليس في ‏(‏الصحيحين‏)‏، لكنه بلفظ ‏(‏يجعل‏)‏ بالبناء للفاعل، وهذا تكون ‏(‏نفس‏)‏ بالنصب، وتمامه‏:‏ ‏(‏فتعذبه في جهنم‏)‏‏.‏

ولهما عنه مرفوعا‏:‏‏(‏من صور صورة في الدنيا، كلف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ‏)‏‏.‏‏(‏1‏)‏

قوله‏:‏ ‏(‏يعذب بها‏)‏‏.‏ كيفية التعذيب ستأتي في الحديث الذي بعده أنه يكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏كل مصور في النار‏)‏‏.‏ أي‏:‏ كائن في النار‏.‏

وهذه الكينونة عند المعتزلة والخوارج كينونة خلود، لأن فاعل الكبيرة عندهم مخلد في النار، وعند المرجئة، أن المراد بالمصور الكافر، لأن المؤمن عندهم لا يدخل النار أبدا، وعند أهل السنة والجماعة أنه مستحق لدخول النار وقد يدخلها وقد لا يدخلها، وإن دخلها لم يخلد فيها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليس بنافخ‏)‏‏.‏ أي‏:‏ كلف بأمر لا يتمكن منه زيادة في تعذيبه، وعذب بهذا بما كان في الدنيا يراه راحة له، إما باكتساب، أو إرضاء صاحب،أو إيداع صنعة‏.‏

* * *

ولمسلم عن أبي الهياج، قال‏:‏ قال لي علي‏.‏ ‏(‏ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ أن لا تدع صورة، إلا طمستها، ولا قبرا مشرفا، إلا سويته‏)‏ ‏[‏مسلم‏:‏ كتاب الجنائز / باب الأمر بتسوية القبر‏.‏

‏]‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي الهياج‏)‏‏.‏ هو من التابعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال لي علي‏)‏‏.‏ هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا أبعثك‏)‏‏.‏ البعث‏:‏ الإرسال بأمر مهم، كالدعوة إلى الله، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد بعثنا في كل أمة رسولا‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏36‏]‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على ما بعثني‏)‏‏.‏ يحتمل أن تكون ‏(‏على‏)‏ على ظاهرها للاستعلاء، لأن المبعوث يمشيء على ما بعث عليه، كأنه طريق له، وهذا هو الأولى، لأن ما وافق ظاهر اللفظ من المعاني فهو أولى بالاعتبار، ويحتمل أن ‏(‏على‏)‏ بمعنى الباء، أي‏:‏ بما بعثني عليه‏.‏

وقد بعث النبي صلى الله عيه وسلم عليا إلى اليمن بعد قسمة غنائم حنين، وقدم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في مكة في حجة الوداع ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب المغازي / باب بعث على بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن، ومسلم‏:‏ كتاب الحج / باب بيان وجوه الإحرام‏.‏‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏أن لا تدع‏)‏‏.‏ ‏(‏أن‏)‏‏:‏ مصدرية، ‏(‏لا‏)‏ نافية، ‏(‏تدع‏)‏‏:‏ منصوب بأن المصدرية وهي بدل بعض من كل من ‏(‏ما‏)‏ في قوله ‏(‏على ما بعثني‏)‏ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث علي بن أبي طالب بأكثر من ذلك، لكن هذا مما بعثه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صورة‏)‏‏.‏ نكرة في سياق النفي فتعمم‏.‏

وجمهور أهل العلم‏:‏ أن المحرم هو صور الحيوان فقط، لما ورد في السنن من حديث جبريل أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ‏(‏فمر برأس التمثال يقطع، فيصير كهيئة الشجرة ‏[‏الإمام أحمد في ‏(‏المسند‏)‏ ‏(‏2/ 305‏)‏‏.‏

‏]‏‏)‏ وسبق بيان ذلك قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا طمستها‏)‏‏.‏ إن كانت ملونة فطمسها بوضع لون آخر يزيل معالمها، وإن كانت تمثالا فإنه يقطع رأسه، كما في حديث جبريل السابق، وإن كانت محفورة فيحفر على وجهه حتى لا تتبين معالمه، فالطمس يختلف، وظاهر الحديث سواء كانت تعبد من دون الله أم لا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا قبرا مشرفا‏)‏‏:‏ عاليا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا سويته‏)‏‏.‏ له معنيان‏:‏

الأول‏:‏ أي سويته بما حوله من القبور‏.‏

الثاني‏:‏ جعلته حسنا على ما تقتضيه الشريعة، قال تعالى‏:‏ ‏{‏الذي خلق فسوى‏}‏ ‏[‏الأعلى‏:‏2‏]‏ أي‏:‏ سوى خلقه أحسن ما يكون، وهذا أحسن، والمعنيان متقاربان‏.‏

والإشراف له وجوه‏:‏

الأول‏:‏ أن يكون مشرفا بكبر الأعلام التي توضع عليه، وتسمى عند الناس ‏(‏نصائل‏)‏ أو ‏(‏نصائب‏)‏، ونصائب أصح لغة من نصائل‏.‏

الثاني‏:‏ أن يبنى عليه، هذا من كبائر الذنوب، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏لعن المتخذين عليه المساجد والسرج‏)‏ ‏[‏تقدم تخريجه ‏(‏ص 424‏)‏‏.‏

‏]‏‏.‏

الثالث‏:‏ أن تشرف بالتلوين، وذلك بأن توضع على أعلامها ألوان مزخرفة‏.‏

الرابع‏:‏ أن يرفع تراب القبر عما حوله ليكون ظاهرا‏.‏

فكل شيء مشرف، ظاهر على غيره متميز عن غيره يجب أن يسوى بغيره، لئلا يؤدي ذلك إلى الغلو في القبور والشرك‏.‏

ومناسبة ذكر القبر المشرف مع الصور

أن كلا منهما قد يتخذ وسيلة إلى الشرك، فإن أصل الشرك في قوم نوح أنهم صوروا رجال صالحين، فلما طال عليهم الأمد عبدوها، وكذلك القبور المشرفة قد يزداد فيها الغلو حتى تجعل أوثانا تعبد دون الله، وهذا ما وقع في بعض البلاد الإسلامية، وقد أطال الشارح رحمه الله في هذا الباب في البناء على القبور، وذلك لأن فتنتها في البلاد الإسلامية قديمة وباقية، ما عدا بلادنا ولله الحمد، فإنها سالمة من ذلك، نسأل الله أن يديم عليها، وأن يحمي بلاد المسلمين من شرها‏.‏

عقوبة المصور ما يلي‏:‏

1- 1- أنه أشد الناس عذابا أو من أشدهم عذابا يوم القيامة‏.‏

2- 2- أن الله يجعل له في كل صورة نفسا يعذب بها في نار جهنم‏.‏

3- 3- أنه يكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ‏.‏

4- 4- أنه في النار‏.‏

5- 5- أنه ملعون، كما في الحديث أبي جحيفة في ‏(‏البخاري‏)‏ وغيره‏.‏

فائدتان‏:‏

الأولى‏:‏ ‏(‏كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ‏)‏ يقتضي أن المراد التصوير تصوير الجسم كاملا، وعلى هذا، فلو صور الرأس وحده بلا جسم أو الجسم وحده بلا رأس، فالظاهر الجواز، ويؤيده ما سبق في الحديث‏:‏ ‏(‏مر براس التمثال فليقطع‏)‏، ولم يقل‏:‏ فليكسر، لكن تصوير الرأس وحده عندي فيه تردد، أما بقية الجسم بلا رأس، فهو كالشجرة لا تردد فيه عندي‏.‏

الثانية‏:‏ تؤخذ من حديث على رضى الله عنه، وهو قوله‏:‏ ‏(‏أن لا تدع صورة إلا طمستها‏)‏ أنه لا يجوز اقتناء الصور، وهذا محل لا تفصيل، فإن اقتناء الصور على أقسام‏:‏

القسم الأول‏:‏ أن يقتنيها لتعظيم المصور، لكونه ذا سلطان أو جاه أو علم أو عبادة أو أُبوّة أو نحو ذلك، فهذا حرام بلا شك، ولا تدخل الملائكة بيتا فيه هذه الصورة، لأن تعظيم ذوي السلطة باقتناء صورهم ثلم في جانب الألوهية‏.‏

القسم الثاني‏:‏ اقتناء الصور للتمتع بالنظر إليها أو التلذذ بها، فهذا حرام أيضا، لما فيه من الفتنة المؤدية إلى سفاسف الأخلاق‏.‏

القسم الثالث‏:‏ أن يقتنيها للذكرى حنانا وتلطفا،‏:‏الذين يصورون صغار أولادهم لتذكرهم حال الكبر، فهذا أيضا حرام للحوق الوعيد به في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏إن الملائكة لا تدخل بيتا في صورة ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب اللباس/ باب من كره القعود على الصور/ ومسلم‏:‏ كتاب اللباس / تحريم تصوير الحيوان‏.‏‏]‏‏)‏‏.‏

القسم الرابع‏:‏ أن يقتني الصور لا رغبة فيها إطلاقا، ولكنها تأتي تبعا لغيرها، كالتي تكون في المجلات والصحف لا يقصدها المقتني، وإنما يقصد ما في هذه المجلات والصحف من الأخبار والبحوث العلمية ونحو ذلك، والظاهر أن هذا لا باس به، لأن الصور فيها غير مقصودة، لكن إن أمكن طمسها بلا حرج ولا مشقة، فهي أولى‏.‏

القسم الخامس‏:‏ أن يقتني الصور على وجه تكون فيه مهانة ملقاة في الزبل، أو مفترشة، أو موطوءة، فهذا لا بأس به عند جمهور العلماء، وهل يلحق بذلك لباس ما فيه صورة لأن في ذلك امتهانا للصورة ولا سيما إن كانت الملابس داخلية‏؟‏

الجواب‏:‏ نقول‏:‏ لا يلحق بذلك، بل لبس ما فيه صور محرم على الصغار والكبار، ولا يلحق بالمفروش ونحوه، لظهور الفرق بينهما، وقد صرح الفقهاء رحمهم الله بتحريم لباس ما فيه صورة، سواء كان قميصا أو سروالا أم عمامة أم غيرها‏.‏

وقد ظهر أخيرا ما يسمى بالحفائظ، وهي خرقة تلف على الفرجين للأطفال والحائض لئلا يتسرب النجس إلى الجسم أو الملابس، فهل تلحق بما يبس ويمتهن‏؟‏

هي إلى الثاني أقرب، لكن لما كان امتهانا خفيا وليس كالمفترش والموطوء صار استحباب التحرز منها أولى‏.‏

القسم السادس‏:‏ أن يلجأ إلى اقتنائها إلجاء، كالصور التي تكون في بطاقة إثبات الشخصية والشهادات والدراهم فلا إثم فيه لعدم إمكان التحرز منه، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏ما جعل عليكم في الدين من حرج‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏78‏]‏‏.‏

* * *

فيه مسائل‏:‏

* الأولى‏:‏ التغليظ الشديد على المصورين‏.‏ تؤخذ من قوله‏:‏ ‏(‏أشد الناس عذابا‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏‏.‏

* الثانية‏:‏ التنبيه على العلة، وهي ترك الأدب مع الله، تؤخذ من قوله‏:‏ ‏(‏ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي‏)‏‏.‏فمن ذهب يخلق كخلق الله، فهو مسيء للأدب مع الله - عز وجل - لمحاولته أن يخلق مثل خلق الله تعالى، كما أن من ضاده في شرعه فقد أساء الأدب معه‏.‏

* الثالثة‏:‏ التنبيه على قدرته وعجزهم، لقوله‏:‏ ‏(‏فليخلقوا ذرة أو شعيرة‏)‏‏.‏ لأن الله خلق أكبر من ذلك وهم عجزوا من خلق الذرة أو الشعيرة‏.‏

* الرابعة‏:‏ التصريح بأنهم أشد الناس عذابا‏.‏ لقوله‏:‏ ‏(‏أشد الناس عذابا‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

* الخامسة‏:‏ أن يخلق بعدد كل صورة نفسا يعذب بها المصور في جهنم‏.‏ لقوله‏:‏ ‏(‏يجعل له بكل صورة يصورها نفس يعذب بها في جهنم‏)‏‏.‏

* السادسة‏:‏ أن يكلف أن ينفخ فيه الروح‏.‏ لقوله‏:‏ ‏(‏كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ‏)‏، وهذا نوع من التعذيب من اشق العقوبات‏.‏

* السابعة‏:‏ الأمر بطمسها إذا وجدت‏.‏ لقوله‏:‏ ‏(‏لا تدع صورة إلا طمستها‏)‏‏.‏

تؤخذ من الحديث السابق أيضا‏:‏ الجمع بين فتنة التماثيل وفتنة القبور‏.‏لقوله‏:‏ ‏(‏أن لا تدع صورة ألا طمستها، ولا قبرا مشرفا إلا سويته‏)‏، لأن في كل منهما وسيلة إلى الشرك‏.‏

ويؤخذ أيضا‏:‏ إثبات العذاب يوم القيامة، وأن الجزاء من جنس العمل، لأنه يجعل له بكل صورة صورها نفس فتعذبه في جهنم‏.‏

ويؤخذ منه‏:‏ وقوع تكليف في الآخرة بما لا يطاق على وجه العقوبة‏.‏

* * *

الحلف‏:‏ هو اليمين أو القسم، وهو تأكيد الشيء بذكر معظم بصيغة مخصوصة بأحد حروف القسم، وهي الباء، والواو، والتاء‏.‏

* ومناسبة الباب لكتاب التوحيد

أن كثرة الحلف بالله يدل على أنه ليس في قلب الحالف من تعظيم الله ما يقتضي هيبة الحلف بالله، وتعظيم الله تعالى من تمام التوحيد‏.‏