فصل: باب النهي عن سب الريح

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


باب النهي عن سب الريح

المؤلف رحمه الله أطلق النهي ولم يفصح‏:‏ هل المراد به التحريم أو الكراهة، وسيتبين إن شاء الله من الحديث‏.‏

قوله ‏(‏الريح‏)‏‏.‏ الهواء الذي يصرفه الله - عز وجل - وجمعه رياح‏.‏

وأصولها أربعة‏:‏ الشمال، والجنوب، والشرق، والغرب، وما بينهما يسمى النكباء، لأنها ناكبة عن الاستقامة في الشمال، أو الجنوب، أو الشرق، أو الغرب‏.‏

وتصريفها من آيات الله - عز و جل - فأحيانا تكون شديدة تقلع الأشجار وتهدم البيوت وتدفن الزروع ويحصل معها فيضانات عظيمة، وأحيانا تكون هادئة، وأحيانا تكون باردة، وأحيانا حارة، وأحيانا عالية، وأحيانا نازلة، كل هذا بقضاء الله وقدره، ولو أن الخلق اجتمعوا كلهم على أن يصرفوا الريح عن جهتها التي جعلها الله عليها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، ولو اجتمعت جميع المكائن العالمية النفاثة لتوجد هذه الريح الشديدة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، ولكن الله - عز وجل - بقدرته يصرفها كيف يشاء وعلى ما يريد، فهل يحق للمسلم أن يسب هذه الريح‏؟‏

الجواب‏:‏ لا، لأن هذه الريح مسخرة مدبرة، وكما أن الشمس أحيانا تضر بإحراقها بعض الأشجار، ومع ذلك لا يجوز لأحد أن يسبها، فكذلك الريح، ولهذا قال‏:‏ ‏(‏لا تسبوا الريح‏)‏‏.‏

***

قوله‏:‏ ‏(‏لا تسبوا الريح‏)‏‏.‏ ‏(‏لا‏)‏‏:‏ ناهية، والفعل مجزوم بحذف النون، والواو فاعل، والريح مفعول به‏.‏

والسب‏:‏ الشتم، والعيب، والقدح، واللعن، وما أشبه ذلك، وإنما نهى عن سبها، لأن سب المخلوق سب لخالقه، فلو وجدت قصرا مبنيا وفيه عيب، فسببته، فهذا السب ينصب على من بناه، وكذلك سب الريح، لأنها مدبرة مسخرة على ما تقتضيه حكمة الله - عز وجل -‏.‏

ولكن إذا كانت الريح مزعجة، فقد أرشد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى ما يقال حينئذ في قوله‏:‏ ‏(‏ولكن قولوا‏:‏ اللهم إنا نسألك‏.‏‏.‏‏.‏إلخ‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وخير منها‏)‏‏.‏ أي‏:‏ ما تحمله، لأنها قد تحمل خيرا، كتلقيح الثمار، وقد تحمل رائحة طيبة الشم، وقد تحمل شرا، كإزالة لقاح الثمار، وأمراض تضر بالإنسان والبهائم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وخير ما أمرت به‏)‏‏.‏ مثل إثارة السحاب وسوقه إلى حيث شاء الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونعوذ بك‏)‏‏.‏ أي‏:‏ نعتصم ونلجأ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن شر هذه الريح‏)‏ أي‏:‏ شرها بنفسها كقلع الأشجار، ودفن الزروع وهدم البيوت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن شر ما فيها‏)‏‏.‏ أي‏:‏ ما تحمله من الأشياء الضارة، كالأنتان، والقاذورات، والأوبئة وغيرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وشر ما أُمرت به‏)‏‏.‏ كالهلاك والتدمير، وقال تعالى في ريح عاد‏:‏ ‏(‏تدمر كل شيء بأمر ربها‏)‏ ‏(‏الأحقاف‏:‏25‏)‏ وتيبس الأرض من الأمطار، ودفن الزروع، وطمس الآثار والطرق، فقد تؤمر بشر لحكمة بالغة نعجز عن إدراكها‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏ما أمرت به‏)‏‏.‏ هذا الأمر حقيقي، أي‏:‏ يأمرها الله أن تهب ويأمرها أن تتوقف، وكل شيء من المخلوقات فيه إدراك بالنسبة إلى أمر الله، قال تعالى للأرض والسماء‏:‏ ‏{‏ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 11‏]‏، وقال للقلم‏:‏ ‏(‏اكتب‏.‏ قال‏:‏ ربي وماذا أكتب‏؟‏ قال اكتب ما هو كائن إلى قيام الساعة‏)‏ ‏[‏يأتي تخريجه ‏(‏ص1006‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏

* * *

فيه مسائل‏:‏

الأولى‏:‏ النهي عن سب الريح الثانية‏:‏ الإرشاد إلى الكلام النافع إذا رأى الإنسان ما يكره‏.‏ الثالثة‏:‏ الإرشاد إلى أنها مأمورة‏.‏ الرابعة‏:‏ أنها قد تؤمر بخير وقد تؤمر بشر‏.‏

فيه مسائل‏:‏

* الأولى‏:‏ النهي عن سب الريح‏.‏ وهذا النهي للتحريم، لأن سبها سب لمن خلقها وأرسلها‏.‏

* الثانية‏:‏ الإرشاد إلى الكلام النافع إذا رأى الإنسان ما يكره‏.‏ أي‏:‏ منها، وهو أن يقول‏:‏ ‏(‏اللهم إني أسألك من خيرها‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث، مع فعل السباب الحسية ايضا، كالاتقاء من شرها بالجدران أو الجبال ونحوها‏.‏

* الثالثة‏:‏ الإرشاد إلى أنها مأمورة‏.‏ لقوله‏:‏ ‏(‏ما أمرت به‏)‏‏.‏

* الرابعة‏:‏ أنها قد تؤمر بخير وقد تؤمر بشر‏.‏ لقوله‏:‏ خير ما أُمرت به، وشر ما أُمرت به‏)‏

والحاصل‏:‏ أنه يجب على الإنسان أن لا يعترض على قضاء الله وقدره، وأن لا يسبه، وأن يكون مستسلما لأمره الكوني كما يجب أن يكون مستسلما لأمره الشرعي، لأن هذه المخلوقات لا تملك أن تفعل شيئا إلا بأمر الله - سبحانه وتعالى -‏.‏

* * *