فصل: قوله‏:‏ ‏(‏في كف الرحمن‏)‏ هكذا ساقه المؤلف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


قوله‏:‏ ‏(‏ولمسلم عن ابن عمر مرفوعا‏:‏ ‏(‏يطوي الله السموات‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ سبق معنى هذا الحديث، وأن المراد بالطي الطي الحقيقي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم يقول‏:‏ أنا الملك‏)‏‏.‏ يقول ذلك ثناء على نفسه - سبحانه وتعالى وتنبيها على عظمته الكاملة وعلى ملكه الكامل، وهو السلطان، فهو مالك ذو سلطان، وهذه الجملة كلا جزأيها معرفة، وإذا كان المبتدأ والخبر كلاهما معرفة، فإن ذلك من طرق الحصر، أي‏:‏ أنا الذي لي الملكية المطلقة والسلطان التام لا ينازعني فيهما أحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أين الجبارون‏؟‏‏)‏‏.‏ الاستفهام للتحدي، فيقول‏:‏ أين الملوك الذين كانوا في الدنيا لهم السلطة والتجبر والتكبر على عباد الله‏؟‏ وفي ذلك الوقت يحشرون أمثال الذر يطأهم الناس بأقدامهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يطوي الأرضين السبع‏)‏‏.‏ أشار الله في القرآن إلى أن الأرضين سبع، ولم يرد العدد صريحا في القرآن، قال تعالى‏:‏ ‏{‏الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 12‏]‏، والمماثلة هنا لا تصح إلا في العدد، لأن الكيفية تتعذر المماثلة فيها، وأما السنة، فقد صرحت بعدة أحاديث بأنه سبع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم يأخذهن بشماله‏)‏‏.‏ كلمة‏(‏شمال‏)‏ اختلف فيها الرواة، فمنهم من أثبتها، ومنهم من أسقطها، وقد حكموا على من أثبتها بالشذوذ، لأنه خالف ثقتين في روايتها عن بن عمر‏.‏‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ إن ناقلها ثقة، ولكنه قالها من تصرف‏.‏

وأصل هذه التخطئة هو ما ثبت في ‏(‏صحيح مسلم‏)‏‏:‏ أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين‏)‏ ‏[‏مسلم‏:‏ كتاب الإمارة باب فضيلة الإمام العدل‏.‏

‏]‏ ، وهذا يقتضي أنه ليس هناك يد يمين ويد شمال‏.‏

ولكن إذا كانت لفظة ‏(‏شمال‏)‏ محفوظة، فهي عندي لا تنافي‏(‏كلتا يديه يمين‏)‏ لأن المعنى أن اليد الأخرى ليست كيد الشمال بالنسبة للمخلوق ناقصة عن اليد اليمنى، فقال‏:‏ ‏(‏كلتا يديه يمين‏)‏ أي ليست فيه نقص، ويؤيد هذا في قوله في حديث آدم‏:‏ ‏(‏اخترت يمين ربي وكلتا يديه يمين مباركة‏)‏ ‏[‏الترمذي‏:‏ كتاب التفسير باب ألمر بالكتابة والشهود‏.‏‏]‏ فلما كان الوهم يذهب إلى أن إثبات الشمال، يعني‏:‏ النقص في هذه اليد دون الأخرى،

قال‏:‏ ‏(‏كلتا يديه يمين‏)‏، ويؤيده أيضا قوله‏:‏ ‏(‏المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن‏)‏، فإن المقصود بيان فضل مرتبتهم، وانهم على يمين الرحمن - سبحانه -‏.‏

وعلى كل، فإن يديه - سبحانه - اثنتان بلا شك، وكل واحدة غير الأخرى، وإذا وصفنا اليد الأخرى بالشمال، فليس المراد أنها أقل قوة من اليد اليمنى، بل كلتا يديه يمين‏.‏

والواجب علينا أن نقول‏:‏ إن ثبت عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنحن نؤمن بها، ولا منافاة بينها وبين قوله‏:‏ ‏(‏كلتا يديه يمين‏)‏ كما سبق، وإن لم تثبت، فلن نقول بها‏.‏

وروي عن ابن عباس؛ قال‏:‏ ‏(‏ما السموات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم‏)‏ ‏[‏ ابن جرير ‏(‏24/25‏)‏

‏]‏

***

قوله‏:‏ ‏(‏في كف الرحمن‏)‏ هكذا ساقه المؤلف

والذي في ابن جرير‏(‏في يد الله‏)‏، ففيما ساقه المؤلف لإثبات الكف لله تعالى، إن كان السياق محفوظا وإلا ففيه إثبات اليد‏.‏ أما الكف فقد ثبت في أحاديث أخرى صحيحة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏إلا كخردلة‏)‏‏.‏ هي حبة نبات صغيرة جدا، يضرب بها المثل في الصغر والقلة، وهذا يدل على عظمته - سبحانه - وأنه - سبحانه - لا يحيط به شيء، والأمر أعظم من هذا التمثيل التقريبي، لأنه تعالى لا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الأفهام‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ حدثني يونس، اخبرنا ابن وهب‏:‏ قال‏:‏ قال ابن زيد‏:‏ حدثني أبي؛ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس‏.‏‏)‏

قال‏:‏ وقال أبو ذر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض‏)‏ ‏[‏ ابن جرير الطبري في التفسير ‏(‏5794‏)‏ والبيهقي في الأسماء والصفات ‏(‏510‏)‏ وقال أبن حجر‏:‏ ‏(‏صححه ابن حبان وله شاهد عن مجاهد أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح‏)‏ الفتح ‏(‏13/ 410‏)‏‏.‏

‏]‏

***

قوله‏:‏ ‏(‏قال بن جرير‏)‏‏.‏ هو المفسر المشهور رحمه الله، وله تفسير أثرى يعتمد فيه على الآثار، لكن آفته أنه لم يمحص هذه الآثار، وأتى بالصحيح والضعيف وما دون الضعيف موكولا إلى القاري، وربما كان يريد أن يرجح إليه مرة ثانية ويمحصه، ولكنه لم يتيسر ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما السموات السبع في الكرسي إلا كدارهم سبعة ألقيت في ترس‏)‏‏.‏ الكرسي‏:‏ موضع قدمي الله تعالى، هكذا قال بن عباس رضى الله عنهما، والدراهم‏:‏ جمع درهم، وهو النقد من الفضة، والترس‏:‏ شيء من جلد أو خشب يحمل عند القتال يتقي به السيف والرمح ونحوهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما الكرسي في العرش‏)‏‏.‏ أي‏:‏ بالنسبة إليه، والعرش هو المخلوق العظيم الذي استوى عليه الرحمن، ولا يقدر قدره إلا الله - عز وجل - والمراد بالحلقة حلقة الدرع، وهي صغيرة وليست بشيء بالنسبة إلى فلاة الأرض‏.‏

وهذا الحديث يدل على عظمته عز وجل، فيكون مناسبا لتفسير الآية التي جعلها المؤلف ترجمة للباب‏.‏

وعن ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء وسماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمس مئة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفي عليه شيء من أعمالكم‏)‏‏.‏ أخرجه ابن مهدي

* * *

قوله‏:‏ ‏(‏وعن ابن مسعود‏)‏‏.‏ هذا الحديث موقوف على ابن مسعود، لكنه من الأشياء التي لا مجال للرأي فيها، فيكون له حكم الرفع، لأن ابن مسعود رضى الله عنه لم يعرف بالأخذ عن الإسرائيلات‏.‏

قوله ‏(‏بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام‏)‏‏.‏ وعلى هذا تكون المسافة بين السماء الدنيا والماء أربعة آلاف سنة، وفي حديث آخر‏:‏ ‏(‏إن كثف كل سماء خمسمائة عام‏)‏‏)‏، وعلى هذا يكون بين السماء الدنيا والماء سبعة آلاف وخمسمائة، وإن صح الحديث، فمعناه أن علو الله 0 عز وجل - بعيد جدا‏.‏

فإن قيل‏:‏ يرد على هذا ما ذكره المعاصرون اليوم من أن بيننا وبين بعض النجوم والمجرات مسافات عظيمة‏؟‏

يقال في الجواب‏:‏ إنه إذا صحت الأحاديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنا نضرب بما عارضها عرض الحيط، لكن إذا قدر أننا رأينا الشيء بأعيننا، وأدركنا بأبصارنا وحواسنا، ففي هذه الحال يجب أن نسلك أحد الأمرين‏:‏

الأول‏:‏ محاولة الجمع بين النص والواقع إن أمكن الجمع بينهما بأي طريق من طرق الجمع‏.‏

الثاني‏:‏ إن لم يمكن الجمع تبين ضعف الحديث، لأنه لا يمكن للأحاديث الصحيحة أن تخالف شيئا حسيا واقعا أبدا، كما قال شيءخ الإسلام في كتابه ‏(‏العقل والنقل‏)‏‏:‏ ‏(‏لا يمكن للدليلين القطعيين أن يتعارضا أبدا، لأن تعارضهما يقتضي إما رفع النقيضين أو جمع النقيضين، وهذا مستحيل، فإن ظن التعارض بينهما، فإما أن لا يكون تعارض ويكون الخطأ من الفهم، وأما أن يكون أحدهما ظنيا والآخر قطعيا‏)‏‏.‏

فإذا جاء الأمر الواقع الذي لا إشكال فيه مخالفا لظاهر شيء من الكتاب أو السنة، فإن ظاهر الكتاب يؤول حتى يكون مطابقا للواقع، مثال ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏61‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وجعل القمر فيهن نورا‏}‏ ‏[‏نوح‏:‏ 16‏]‏، أي في السموات‏.‏

والآية الثانية أشد إشكالا من الآية الأولى، لأن الآية الأولى يمكن أن نقول‏:‏ المراد بالسماء العلو، ولكن الآية الثانية هي المشكلة جدا، والمعلوم بالحس المشاهد أن القمر ليس في السماء نفسها، بل هو في فلك بين السماء والأرض‏.‏

والجواب أن يقال‏:‏ إن كان القرآن يدل على أن القمر مرصع في السماء كما يرصع المسمار في الخشبة دلاله قطعية، فإن قولهم‏:‏ إننا وصلنا القمر ليس صحيحا، بل وصلوا جرما في الجو ظنوه القمر‏.‏

لكن القرآن ليس صريحا في ذلك، وليست دلالته قطعية في أن القمر مرصع في السماء، فآية الفرقان قال الله فيها‏:‏ ‏{‏تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيه سراجا وقمرا منير‏}‏، فيمكن أن يكون المراد بالسماء العلو، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والسحاب المسخر بين السماء والأرض‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 164‏]‏، وهذا التأويل للآية قريب‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏(‏وجعل القمر فيهن نورا‏)‏، فيمكن فيه التأويل أيضا بأن يقال‏:‏ المراد لقوله‏:‏ ‏(‏فيهن‏)‏‏:‏ في جهتين، وجهة السموات العلو، وحينئذ يمكن الجمع بين الآيات والواقع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والله فوق العرش‏)‏‏.‏ هذا نص صريح بإثبات علو الله تعالى علوا ذاتيا وعلو الله ينقسم إلى قسمين‏:‏

أ - علو الصفة، وهذا لا ينكره أحد ينتسب للإسلام، والمراد به كمال صفات الله، كما قال تعالى‏:‏‏{‏للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏60‏]‏

ب - علو الذات، وهذا أنكره بعض المنتسبين للإسلام فيقولون‏:‏ كل العلو الوارد المضاف إلى الله المراد به علو الصفة، فيقولون في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏والله فوق العرش‏)‏، أي‏:‏ في القوة والسيطرة والسلطان وليس فوقه بذاته‏.‏

ولا شك أن هذا تحريف في النصوص وتعطيل الصفات‏.‏

والذين أنكروا علو الله بذاته انقسموا إلى قسمين‏:‏

أ - من قال‏:‏ إن الله بذاته في كل مكان، وهذا لاشك ضلال مقتض للكفر‏.‏

ب - من قال‏:‏ إنه لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا متصل بالخلق ولا منفصل عن الخلق، وهذا إنكار محض لوجود الله والعياذ بالله، ولهذا قال بعض العلماء‏:‏ لو قيل لنا صفوا العدم، ما وجدنا أبلغ من هذا الوصف‏.‏

ففروا من شيء دلت عليه النصوص والعقول والفطر إلى شيء تنكره النصوص والعقول والفطر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يحفى عليه شيء من أعمالكم‏)‏‏.‏ يشمل أعمال القلوب وأعمال الجوارح المرئي منه والمسموع، وذلك لعموم علم وسعته، وإنما أتى بذلك بعد ذكر علوه ليبين أن علوه لا يمنع علمه بأعمالنا، وهو إشارة واضحة إلى علو ذاته تبارك وتعالى‏.‏

وعن العباس بن عند المطلب رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏‏(‏هل تدرون كم بين السماء والأرض‏؟‏ قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ قال‏:‏ بينهما مسيرة خمسمائة عام ومن كل سماء إلى سماء مسيرة

* * *

قوله‏:‏ ‏(‏العباس‏)‏‏.‏ يقال العباس، وعباس، و‏(‏أل‏)‏ هنا لا تفيد التعريف، لأن عباس معرفة لكونه علما، لكنها للمح الأصل، كما يقال‏:‏ الفضل لفضله، والعباس لعبوسه على الأعداء، قال ابن مالك‏:‏

وبعض الأعلام عليه دخلا ** للمح ما قد كان عنده نُقلا

وقوله‏:‏ ‏(‏هل تدرون‏)‏‏.‏ ‏(‏هل‏)‏‏:‏ استفهامية يراد بها أمران‏:‏

أ - التشويق لما سيذكر‏.‏

ب - التنبيه إلى ما سيلقيه عليهم، وهذا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هل أتاك حديث الغاشية‏}‏ ‏[‏الغاشية‏:‏ 1‏]‏، هذا تنبيه وتشويق إلى شيء من آيات الله الكونية‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم‏}‏ ‏[‏الصف‏:‏ 10‏]‏، هذا تنبيه و تشويق على شيء من آيات الله الشرعية وهو الإيمان والعمل الصالح‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏103‏]‏ تنبيه وتحذير‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏6‏]‏ تنبيه وتحذير‏.‏

واختلاف هذه المعاني بحسب القرائن والسياق، وإلا فالأصل في الاستفهام أنه طلب العلم بالشيء‏.‏

خمسمائة سنة، وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة، وبين السماء السابعة

قوله‏:‏ ‏(‏كم‏)‏‏.‏ استفهامية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏)‏‏.‏ جاء بالعطف بالواو، لأن علم الرسول من علم الله، فهو الذي يعلمه بما لا يدركه البشر‏.‏

وكذلك في المسائل الشرعية يقال‏:‏ الله ورسوله أعلم، لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلم الخلق بشرع الله، وما قاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الشرع فهو كقول الله وليس هذا كقوله‏:‏ ‏(‏ما شاء الله وشئت‏)‏ ‏[‏تقدم ‏(‏45‏)‏‏.‏

‏]‏ ، لأن هذا في باب القدر والمشيءئة، ولا يمكن أن يجعل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشاركا في ذلك، بل يقال‏:‏ ما شاء الله، ثم يعطف بـ ‏(‏ثم‏)‏ والضابط في ذلك أن الأمور الشرعية يصح فيها العطف بالواو، وأما الكونية، فلا‏.‏

ومن هنا نعرف خطأ وجهل من يكتب على بعض الأعمال‏:‏ ‏{‏وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله‏؟‏‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 105‏]‏ بعد موت الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتعذر رؤيته، فالله يرى، ولكن رسوله لا يرى، فلا تجوز كتابته لأن كذب عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏خمسمائة سنة‏)‏‏.‏ اليوم الثانية في خمسمائة مكسورة والألف لا ينطق بها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبين السماء السابعة والعرش بحرا بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض‏)‏ وذلك خمسمائة سنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والله تعالى فوق ذلك‏)‏‏.‏ هذا دليل على العلو العظيم لله عز وجل - وأنه- سبحانه - فوق كل شيء ولا يحيط به شيء من مخلوقاته، لا السموات ولا غيرها، وعليه، فأنه - سبحانه - لا يوصف بأنه في جهة تحيط به، لأن ما فوق السموات والعرش عدم، ليس هناك شيء حتى يقال‏:‏ لأن الله أحاط به شيء من مخلوقاته‏.‏

ولهذا جاء في بعض كتب أهل الكلام يقولون‏:‏ لا يجوز أن يوصف الله بأنه في جهة مطلقا، وينكرون العلو ظنا منهم في إثبات الجهة يستلزم الحصر‏.‏

وليس كذلك، لأننا نعلم أن ما فوق العرش عدم لا مخلوقات فيه، ما ثم إلا الله، ولا يحيط به شيء من مخلوقاته أبدا‏.‏

فالجهة إثباتها لله فيه تفصيل، أما إطلاق لفظها نفيا وإثباتا فلا نقول به، لأنه لم يرد أن الله في جهة، ولا أنه ليس في جهة، لكن نفصل، فنقول‏:‏ إن الله في جهة العلو، لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال للجارية‏:‏ ‏(‏أين الله‏؟‏‏)‏ وأين يستفهم بها عن المكان، فقالت في السماء‏.‏

فأثبت ذلك، وأقرها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال‏:‏ ‏(‏أعتقها، فإنها مؤمنة‏)‏ ‏[‏مسلم‏:‏ كتاب المساجد / باب تحريم الكلام في الصلاة‏.‏

‏]‏‏.‏

وأهل التحريف يقولون‏:‏ ‏(‏أين‏)‏ بمعنى ‏(‏من‏)‏، أي‏:‏ من الله‏؟‏ قالت في السماء، أي‏:‏ هو من في السماء، وينكرون العلو‏.‏

وقد رد عليهم ابن القيم رحمه الله في كتبه ومنها ‏(‏النونية‏)‏، وقال لهم‏:‏ اللغة العربية لا تأتي فيها ‏(‏أين‏)‏ بمعنى ‏(‏من‏)‏، وفرق بين ‏(‏أين‏)‏ و‏(‏من‏)‏‏.‏

فالجهة لله ليست جهة سفل، وذلك لوجوب العلو له فطرة وعقلا وسمعا، وليست جهة علو تحيط به، لأنه تعالى وسع كرسيه السموات والأرض، وهو موضع قدميه، فكيف يحيط به تعال شيء من مخلوقاته‏؟‏‏!‏

فهو في جهة علو لا تحيط به، و لا يمكن أن يقال‏:‏ إن شيئا يحيط به، لأننا نقول‏:‏ إن ما فوق العرش عدم ليس ثم إلا الله - سبحانه - ولهذا قال‏:‏ ‏(‏والله تعالى فوق ذلك‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم‏)‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏أعمال‏)‏ إن قرنت بالأقوال صار المراد بها‏:‏ أعمال الجوارح، والأقوال للسان، وإن أفردت شملت أعمال الجوارح وأقوال اللسان وأعمال القلوب، وهي هنا مفردة، فتشمل كل ما يتعلق باللسان والقلب والجوارح، بل أبلغ من ذلك أنه لا يخفي عليه شيئا من أعمال بني آدم في المستقبل، فهو يعلم ما ‏]‏يكون فضلا عما كان، قال تعالى‏:‏ ‏{‏يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم‏}‏ ‏[‏طه‏:‏110‏]‏، أي‏:‏ ما يستقبلونه وما مضى عليهم، ولما قال فرعون لموسى‏:‏ ‏{‏فما بال القرون الأولى‏}‏، أي‏:‏ ما ِشأنها‏؟‏ ‏{‏علمها عند ربي في كتاب‏}‏، أي‏:‏ محفوظة، ‏(‏لا يضل ربي‏)‏‏:‏ لا يجهل، ‏{‏ولا ينسى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 52،51‏]‏‏:‏ لا يذهل عما مضى - سبحانه وتعالى‏.‏

والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صدر هذا الأمر بهل الدالة على التشويق والتنبيه من أجل أن يثبت عقيدة عظيمة، وهو أنه تعالى فوق كل شيء بذاته، وأنه محيط بكل شيء علما، لقوله‏:‏ ‏(‏وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم‏)‏، فإذا علمنا ذلك، أوجب لنا تعظيمه والحذر من مخالفته، لأنه فوقنا، فهو عال علينا، وأمره محيط بنا‏.‏

وفي الحديث صفتان لله‏:‏ ثبوتية، وهي العلو المستفاد من قوله‏:‏ ‏(‏والله فوق ذلك‏)‏‏.‏

وسلبية المستفادة من قوله‏:‏ ‏(‏ليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم‏)‏، ولا يوجد في صفات الله - عز وجل - صفة سلبية محضة، بل صفاته السلبية التي هي النفي متضمنة لثبوت ضدها على وجه الكمال، فينفى عنه الخفاء لكمال علمه، وينفى عنه اللغوب لكمال قوته، وينفى عنه العجز لكمال قدرته، وما أشبه ذلك‏.‏

فإذا نفى الله عن نفسه شيئا من الصفات، فالمراد انتفاء تلك الصفة عنه لكمال ضدها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لا تأخذه سنة ولا نوم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏255‏]‏ السنة‏:‏ النعاس، والنوم‏:‏ الإغفاء العميق، وذلك لكمال حياته وقيوميته، إذ لو كان ناقص الحياة لاحتاج إلى النوم، ولو نام ما كان قيوما على خلقه، لأنه حين ينام لا يكون هناك من يقوم عليهم، ولهذا كان أهل الجنة لا ينامون لكامل حياتهم، ولأن النوم في الجنة يذهب عليهم وقتا بلا فرح ولا سرور ولا لذة، لأن السرور فيها دائم، ولأن النوم هو الوفاة الصغرى، والجنة لا موت فيها‏.‏

وليس في صفات الله نفي محض، لأن النفي المحض عدم لا ثناء فيه ولا كمال، بل هو لا شيء، ولأن النفي أحيانا يرد لكون المحل غير قابل له، مثل قولك‏:‏ الجدار لا يظلم‏.‏

وقد يكون نفي الذم ذما، كما في قول‏:‏

قبيلة لا يغدرون بذمة ** ولا يظلمون الناس حبة خردل

فنفي الغدر عنهم والظلم ليس مدحا، بل ذم ينبي عن عجزهم وضعفهم‏.‏

وقال آخر‏:‏

لكن قومي وإن كانوا ذوي عــدد ** ليسوا من الشر في شيء وإن هانا

يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ** ومن إساءة أهل السوء إحسانا

كأن ربك لم يخـلق لخـشيءته ** سواهم من جميع الناس إنسانا

فليت لي بهمو قوما إذا ركــبوا ** شنوا لا غارة ركبانا وفرسانا

فنفي أن يكون يد في الشر، بين أن ذلك لعجزهم عن الانتصار لأنفسهم، وتمنى أن يكون له قوم خير منهم وأقوى‏.‏

* * *