فصل: فصلٌ فِي أَحْكَامِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ فِي أَحْكَامِهِ:

(وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَفِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ مَلَكَ الْمَبِيعَ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَمْلِكُهُ إنْ قَبَضَهُ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فَلَا يَنَالُ بِهِ نِعْمَةَ الْمِلْكِ، وَلِأَنَّ النَّهْيَ نَسْخٌ لِلْمَشْرُوعِيَّةِ لِلتَّضَادِّ وَلِهَذَا لَا يُفِيدُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ بِالْمَيْتَةِ أَوْ بَاعَ الْخَمْرَ بِالدَّرَاهِمِ.
وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ فَوَجَبَ الْقَبُولُ بِانْعِقَادِهِ، وَلَا خَفَاءَ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ.
وَرُكْنُهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَفِيهِ الْكَلَامُ، وَالنَّهْيُ يُقَرِّرُ الْمَشْرُوعِيَّةَ عِنْدَنَا لِاقْتِضَائِهِ التَّصَوُّرَ فَنَفْسُ الْبَيْعِ مَشْرُوعٌ وَبِهِ تُنَالُ نِعْمَةُ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا الْمَحْظُورُ مَا يُجَاوِرُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ، وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَقْرِيرِ الْفَسَادِ الْمُجَاوِرِ، إذْ هُوَ وَاجِبُ الرَّفْعِ بِالِاسْتِرْدَادِ فَبِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ أَوْلَى وَلِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ ضَعُفَ لِمَكَانِ اقْتِرَانِهِ بِالْقَبِيحِ فَيُشْتَرَطُ اعْتِضَادُهُ بِالْقَبْضِ فِي إفَادَةِ الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ، وَالْمَيْتَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ وَلَوْ كَانَ الْخَمْرُ مُثَمَّنًا فَقَدْ خَرَّجْنَاهُ وَشَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ فِي الْخَمْرِ الْوَاجِبِ هُوَ الْقِيمَةُ وَهِيَ تَصْلُحُ ثَمَنًا لَا مُثَمَّنًا ثُمَّ شُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَهُوَ الظَّاهِرُ إلَّا أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ دَلَالَةً كَمَا إذَا قَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ اسْتِحْسَانًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَسْلِيطٌ مِنْهُ عَلَى الْقَبْضِ فَإِذَا قَبَضَهُ بِحَضْرَتِهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلَمْ يَنْهَهُ كَانَ بِحُكْمِ التَّسْلِيطِ السَّابِقِ، فَكَذَا الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا، وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ لِيَتَحَقَّقَ رُكْنُ الْبَيْعِ، وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، فَيَخْرُجُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْحُرِّ وَالرِّيحِ وَالْبَيْعِ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ، وَقَوْلُهُ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ، فَأَمَّا فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَلْزَمُهُ الْمِثْلُ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ بِالْقَبْضِ فَشَابَهَ الْغَصْبَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمِثْلَ صُورَةً وَمَعْنًى أَعْدَلُ مِنْ الْمِثْلِ مَعْنًى.
قَالَ: (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ) رَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَهَذَا قَبْلَ الْقَبْضِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْدِ حُكْمَهُ فَيَكُونُ الْفَسْخُ امْتِنَاعًا مِنْهُ وَكَذَا بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لِقُوَّتِهِ وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ بِشَرْطٍ زَائِدٍ فَلِمَنْ لَهُ الشَّرْطُ ذَلِكَ دُونَ مَنْ عَلَيْهِ لِقُوَّةِ الْعَقْدِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُرَاضَاةُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الشَّرْطُ.
قَالَ: (فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ بَيْعُهُ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَمَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَسَقَطَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِالثَّانِي وَنَقْضُ الْأَوَّلِ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ، وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ وَالثَّانِي مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ، وَلِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْعَبْدِ وَيَسْتَوِيَانِ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَمَا حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ الشَّفِيعِ.
الشرح:
فصلٌ فِي أَحْكَامِ الْبَيْعِ:
قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى الْحَصَادِ، وَالدِّيَاسِ، وَالْقِطَافِ، وَقُدُومِ الْحَاجِّ، لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ، وَلَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ يَسِيرَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ، لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِيهَا.
قُلْت: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَبِيعُوا إلَى الْعَطَاءِ، وَلَا إلَى الْأَنْدَرِ، وَلَا إلَى الدِّيَاسِ، انْتَهَى.
قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَقَبَضَهُ وَأَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فَتَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ وَبِالْإِعْتَاقِ قَدْ هَلَكَ فَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ وَبِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ انْقَطَعَ الِاسْتِرْدَادُ عَلَى مَا مَرَّ، وَالْكِتَابَةُ وَالرَّهْنُ نَظِيرُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُمَا لَازِمَانِ إلَّا أَنَّهُ يَعُودُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَفَكِّ الرَّهْنِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَرَفْعُ الْفَسَادِ عُذْرٌ وَلِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَكُونُ الرَّدُّ امْتِنَاعًا.
قَالَ: (وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَرُدَّ الثَّمَنَ) لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُقَابَلٌ بِهِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِهِ كَالرَّهْنِ (وَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ) لِأَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا عَلَى وَرَثَتِهِ وَغُرَمَائِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَالرَّاهِنِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الثَّمَنِ قَائِمَةً يَأْخُذُهَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً أَخَذَ مِثْلَهَا لِمَا بَيَّنَّا.
قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ دَارًا بَيْعًا فَاسِدًا فَبَنَاهَا الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَوَاهُ يَعْقُوبُ عَنْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ (وَقَالَا: يُنْقَضُ الْبِنَاءُ وَتُرَدُّ الدَّارُ) وَالْغَرْسُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ.
لَهُمَا أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَضْعَفُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى يَحْتَاجَ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ وَيَبْطُلَ بِالتَّأْخِيرِ بِخِلَافِ حَقِّ الْبَائِعِ، ثُمَّ أَضْعَفُ الْحَقَّيْنِ لَا يَبْطُلُ بِالْبِنَاءِ فَأَقْوَاهُمَا أَوْلَى.
وَلَهُ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الدَّوَامُ وَقَدْ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَالْبَيْعِ، بِخِلَافِ حَقِّ الشَّفِيعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّسْلِيطُ، وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِهِبَةِ الْمُشْتَرِي وَبَيْعِهِ، فَكَذَا بِبِنَائِهِ.
وَشَكَّ يَعْقُوبُ فِي حِفْظِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ فَإِنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ بِالْبِنَاءِ وَثُبُوتِهِ عَلَى الِاخْتِلَافِ.
قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا وَتَقَابَضَا فَبَاعَهَا وَرَبِحَ فِيهَا تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ وَيَطِيبُ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَارِيَةَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهَا فَيَتَمَكَّنُ الْخُبْثُ فِي الرِّبْحِ، وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَا يُعَيَّنَانِ فِي الْعُقُودِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْعَقْدُ الثَّانِي بِعَيْنِهَا فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْخُبْثُ فَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ وَهَذَا فِي الْخُبْثِ الَّذِي سَبَبُهُ فَسَادُ الْمِلْكِ.
أَمَّا الْخُبْثُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمُحَمَّدٍ يَشْمَلُ النَّوْعَيْنِ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ حَقِيقَةً وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ أَوْ تَقْدِيرُ الثَّمَنِ، وَعِنْدَ فَسَادِ الْمِلْكِ تَنْقَلِبُ الْحَقِيقَةُ شُبْهَةً وَالشُّبْهَةُ تَنْزِلُ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، وَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ النَّازِلِ عَنْهَا.
قَالَ: (وَكَذَا إذَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَقَضَاهُ إيَّاهُ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ رَبِحَ الْمُدَّعِي فِي الدَّرَاهِمِ يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ) لِأَنَّ الْخُبْثَ لِفَسَادِ الْمِلْكِ هَاهُنَا، لِأَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ بِالتَّسْمِيَةِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بِالتَّصَادُقِ وَبَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ فَلَا يَعْمَلُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ.

.فصلٌ فِيمَا يُكْرَهُ:

قَالَ: «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّجْشِ» وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ وَلَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ لِيُرَغِّبَ غَيْرَهُ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا تَنَاجَشُوا».
قَالَ: (وَعَنْ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يَسْتَامُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إيحَاشًا وَإِضْرَارًا، وَهَذَا إذَا تَرَاضَى الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى مَبْلَغِ ثَمَنٍ فِي الْمُسَاوَمَةِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَرْكَنْ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فَهُوَ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ وَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مَحْمَلُ النَّهْيِ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا.
قَالَ: (وَعَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ) وَهَذَا إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ فَلَا بَأْسَ بِهِ إلَّا إذَا لَبَسَ السِّعْرُ عَلَى الْوَارِدِينَ فَحِينَئِذٍ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ وَالضَّرَرِ.
الشرح:
فصلٌ فِيمَا يُكْرَهُ:
الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا تَنَاجَشُوا».
قُلْت: أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ لِلْبَيْعِ، وَلَا يَبِعْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا، وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَسْتَامُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ».
قُلْت: أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ»، وَفِي لَفْظٍ: «لَا يَبِعْ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَأَنْ تَسْأَل الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا، وَعَنْ النَّجْشِ، وَالتَّصْرِيَةِ، وَأَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ»، انْتَهَى.
قَالَ: (وَعَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي) فَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يَبِيعُ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي» وَهَذَا إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلْدَةِ فِي قَحْطٍ وَعَوَزٍ، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ طَمَعًا فِي الثَّمَنِ الْغَالِي لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِمْ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَبِيعُ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي».
قُلْت: أَخْرَجَاهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ»، زَادَ مُسْلِمٌ: «وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ»، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ»، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ دَعُوا النَّاسَ، يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَتَلَقَّى الرُّكْبَانُ، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، قَالَ: فَقُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا»، انْتَهَى.
قَالَ: (وَالْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} ثُمَّ فِيهِ إخْلَالٌ بِوَاجِبِ السَّعْيِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَذَانَ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.
قَالَ: (وَكُلُّ ذَلِكَ يُكْرَهُ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ) لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي مَعْنًى خَارِجٍ زَائِدٍ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَلَا فِي شَرَائِطِ الصِّحَّةِ.
قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ) وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ صَحَّ: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ» وَلِأَنَّهُ بَيْعُ الْفُقَرَاءِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَيْهِ (نَوْعٌ مِنْهُ).
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ صَحَّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ».
قُلْت: رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ: فَأَبُو دَاوُد فِي الزَّكَاةِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي التِّجَارَاتِ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَفِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا فِي بَيْتِك شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ يُلْبَسُ بَعْضُهُ، وَيُبْسَطُ بَعْضُهُ، وَقَعْبٌ يُشْرَبُ فِيهِ الْمَاءُ، قَالَ: آتِنِي بِهِمَا، فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إيَّاهُ، وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ: اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إلَى أَهْلِك، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا، فَأْتِنِي بِهِ، فَأَتَاهُ بِهِ، فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَاحْتُطِبَ، وَبِعْ، وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فَجَاءَ، وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَاشْتَرِي بِبَعْضِهَا ثَوْبًا، وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةَ نُكْتَةً فِي وَجْهِك يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِثَلَاثَةٍ، لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شُمَيْطِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ بِهِ، مُخْتَصَرًا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ حِلْسًا وَقَدَحًا فِيمَنْ يَزِيدُ»، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ بِهِ، مُخْتَصَرًا قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَفِيِّ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: الْأَخْضَرُ بْنُ عَجْلَانَ: ثِقَةٌ، وَأَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ بِهِ، وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ بِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ بِهِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ حِلْسًا، وَقَدَحًا، فِيمَنْ يَزِيدُ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَهَذَا اللَّفْظُ يُعْطِي أَنَّ أَنَسًا لَمْ يُشَاهِدْ الْقِصَّةَ، وَلَا سَمِعَ مَا فِيهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ تِلْكَ الرِّوَايَةَ مُرْسَلَةٌ أَوْ لَا، قَالَ: وَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِأَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ، فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ أَحَدًا نَقَلَ عَدَالَتَهُ، فَهُوَ مَجْهُولُ الْحَالِ، وَإِنَّمَا حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ عَلَى عَادَتِهِ فِي قَبُولِ الْمَشَاهِيرِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ لَيْسُوا مِنْ مَشَاهِيرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ شُمَيْطٍ، وَعَمُّهُمَا الْأَخْضَرُ بْنُ عَجْلَانَ، وَالْأَخْضَرُ، وَابْنُ أَخِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ ثِقَتَانِ، وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَلَا يُعْرَفُ حَالُهُ، انْتَهَى.
قَالَ: (وَمَنْ مَلَكَ مَمْلُوكَيْنِ صَغِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَبِيرًا) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
«وَوَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ صَغِيرَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ الْغُلَامَانِ؟ فَقَالَ بِعْت أَحَدَهُمَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَدْرِكْ أَدْرِكْ» وَيُرْوَى اُرْدُدْ اُرْدُدْ وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالْكَبِيرِ وَالْكَبِيرَ يَتَعَاهَدُهُ، فَكَانَ فِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا قَطْعُ الِاسْتِئْنَاسِ وَالْمَنْعُ مِنْ التَّعَاهُدِ، وَفِيهِ تَرْكُ الْمَرْحَمَةِ عَلَى الصِّغَارِ وَقَدْ أُوعِدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْمَنْعُ مَعْلُولٌ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِيهِ مَحْرَمٌ غَيْرُ قَرِيبٍ وَلَا قَرِيبٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَانِ حَتَّى جَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِهِ لِمَا ذَكَرْنَا حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُ الصَّغِيرَيْنِ لَهُ وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ التَّفْرِيقُ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ لَا بَأْسَ بِهِ كَدَفْعِ أَحَدِهِمَا بِالْجِنَايَةِ وَبَيْعِهِ بِالدَّيْنِ وَرَدِّهِ بِالْعَيْبِ، لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِهِ لَا الْإِضْرَارُ بِهِ.
قَالَ: (فَإِنْ فَرَّقَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَ الْعَقْدُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادَةِ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهَا، وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِمَا رَوَيْنَا فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْإِدْرَاكِ وَالرَّدِّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ وَإِنَّمَا الْكَرَاهَةُ لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ فَشَابَهُ كَرَاهَةَ الِاسْتِيَامِ.
(وَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَقَدْ صَحَّ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَرَّقَ بَيْنَ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ وَكَانَتَا أَمَتَيْنِ أُخْتَيْنِ»، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبُيُوعِ وَفِي السِّيَرِ عَنْ حُيَيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، لِأَنَّ حُيَيِّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يُخَرَّجْ لَهُ فِي الصَّحِيحِ شَيْءٌ، بَلْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَحَادِيثُهُ مَنَاكِيرُ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، قَالَ: وَلِأَجْلِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ لَمْ يُصَحِّحْهُ التِّرْمِذِيُّ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِقِصَّةٍ فِيهِ، وَلَفْظُهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، قَالَ: كُنَّا فِي الْبَحْرِ، وَعَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الْفَزَارِيّ، وَمَعَنَا أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ، فَمَرَّ بِصَاحِبِ الْمَقَاسِمِ، وَقَدْ أَقَامَ السَّبْيَ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَبْكِي، فَقَالَ، مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ قَالُوا: فَرَّقُوا: بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا، فَانْطَلَقَ أَبُو أَيُّوبَ، فَأَتَى بِوَلَدِهَا حَتَّى وَضَعَهُ فِي يَدِهَا، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ، مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت؟ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ فَرَّقَ»، الْحَدِيثَ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي آخِرِ الْبَابِ الْخَامِسِ وَالسَّبْعِينَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ ثَنَا أَبُو عُتْبَةَ ثَنَا بَقِيَّةُ ثَنَا خَالِدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: فِيهِ انْقِطَاعٌ، لِأَنَّ الْعَلَاءَ بْنَ كَثِيرٍ الإسكندراني لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي أَيُّوبَ، وَأَبُو عُتْبَةَ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِمْصِيُّ، مَحِلُّهُ الصِّدْقُ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَقَدْ زَالَ مَا يُخْشَى مِنْ تَدْلِيسِ بَقِيَّةَ، إذْ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ، وَخَالِدُ بْنُ حُمَيْدٍ الإسكندراني وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْعَلَاءُ الإسكندراني أَيْضًا صَدُوقٌ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ فِي السُّنَنِ أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنَادَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْبَلَوِيِّ عَنْ حُرَيْثِ بْنِ سُلَيْمٍ الْعُذْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنْ فَرَّقَ فِي السَّبْيِ بَيْنَ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ، فَقَالَ: مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحِبَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، انْتَهَى.
وَالْوَاقِدِيُّ فِيهِ مَقَالٌ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ فِي كِتَابِ السِّيَرِ عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ أَبَا أَسَدٍ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ مِنْ الْبَحْرَيْنِ، فَنَظَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ تَبْكِي، فَقَالَ: مَا شَأْنُك؟ قَالَتْ: بَاعَ ابْنِي، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَبِي أَسَدٍ: أَبِعْت ابْنَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فِيمَنْ؟ قَالَ: فِي بَنِي عَبْسٍ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ارْكَبْ أَنْتَ بِنَفْسِك، فَأْتِ بِهِ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ طُلَيْقِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَلْعُونٌ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا»، انْتَهَى.
وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ عَنْ طَلِيقِ بْنِ عِمْرَانَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: «لَعَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، وَبَيْنَ الْأَخِ وَأَخِيهِ»، وَفِي لَفْظٍ: «نَهَى أَنْ يُفَرَّقَ»، الْحَدِيثَ.
وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ اخْتِلَافًا عَلَى طَلِيقٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ عَنْ طَلِيقٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ عَنْ طَلِيقٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيه عَنْ طَلِيقٍ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى طَلِيقٍ، فَرَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ عَنْ طَلِيقٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى، وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ التَّيْمِيِّ عَنْ طَلِيقٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَغَيْرُ ابْنِ عَيَّاشٍ يَرْوِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ التَّيْمِيِّ انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ طَلِيقًا لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، وَهُوَ خُزَاعِيٌّ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَادِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍة: عَنْ عَلِيٍّ «أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ جَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا، فَنَهَاهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ ذَلِكَ وَرَدَّ الْبَيْعَ»، انْتَهَى.
وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد بِأَنَّ مَيْمُونَ بْنِ شَبِيبٍ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ وَفِي الْجِهَاد، وَقَالَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَبَ لِعَلِيٍّ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ صَغِيرَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ الْغُلَامَانِ؟ فَقَالَ: بِعْت أَحَدَهُمَا، فَقَالَ لَهُ: أَدْرِكْ أَدْرِكْ». قَالَ: وَيُرْوَى «اُرْدُدْ اُرْدُدْ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ عَنْ عَلِيٍّ: «قَالَ: وَهَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَبِعْت أَحَدَهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَلِيُّ مَا فَعَلَ غُلَامُك؟ فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: رُدَّهُ رُدَّهُ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى.
قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ: مَيْمُونُ بْنُ أَبِي شَبِيبٍ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا، فَإِنَّهُ قُتِلَ بِالْجَمَاجِمِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَأَمَرَنِي بِبَيْعِ أَخَوَيْنِ، فَبِعْتُهُمَا، وَفَرَّقْتُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: أَدْرِكْهُمَا، فَارْتَجِعْهُمَا، وَبِعْهُمَا جَمِيعًا، وَلَا تُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا»، انْتَهَى.
قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَرِوَايَةُ شُعْبَةَ لَا عَيْبَ بِهَا، وَهِيَ أَوْلَى مَا اُعْتُمِدَ فِي هَذَا الْبَابِ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: عَنْ عَلِيٍّ «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَبِيعَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَبِعْتُهُمَا، فَفَرَّقْتُهُمَا، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَدْرِكْهُمَا، فَارْتَجِعْهُمَا، وَلَا تَبِعْهُمَا إلَّا جَمِيعًا»، انْتَهَى.
قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: هَذَا إسْنَادٌ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ، إلَّا أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ الْحَكَمِ شَيْئًا، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَغَيْرُهُمْ، انْتَهَى.
قُلْت: رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ، وَبَيْنَهُمَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ ثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ صَاحِبِ لَهُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ.
قَوْلُهُ: وَفِيهِ تَرْكٌ لِلرَّحْمَةِ عَلَى الصِّغَارِ، وَقَدْ أَوْعَدَ عَلَيْهِ.
قُلْت: فِي الْبَابِ حَدِيثٌ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا»، رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ضُمَيْرَةَ.
فَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَبِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ ابْنِ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَلَمْ يَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَب، وَسَمَّى ابْنَ عَامِرٍ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ.
وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبِرِّ وَالصِّلَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ.
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ، وَقَالَ فِيهِ: عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَقَالَ: إنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَكِلَاهُمَا فِيهِ مَقَالٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ زَرْبِيٍّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، قَالَ: وَزَرْبِيٌّ لَهُ مَنَاكِيرُ عَنْ أَنَسٍ، وَغَيْرِهِ، انْتَهَى.
قُلْت: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو يَاسِرٍ عَمَّارٌ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَطِيَّةَ ثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عَبَّادٍ ثَنَا عَبْدُ الْحَكَمِ ثَنَا أَنَسٌ، فَذَكَرَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: فَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي الْمُشْكِلِ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ الْخَيْرِ الزِّيَادِيُّ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَمِنْ جِهَةِ الطَّحَاوِيِّ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَمَالِكُ بْنُ الْخَيْرِ الزِّيَادِيُّ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ: مِنْهُمْ ابْنُ وَهْبٍ، وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، وَزَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ، وَهُوَ مِمَّنْ لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ بِلَفْظِ: «لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي».
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ: فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ نَحْوَ الْأَوَّلِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي مُعْجَمِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِي صَخْرٍ عَنْ ابْنِ قُسَيْطٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي آخِرِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمَّارُ ثَنَا سَهْلُ بْنُ تَمَّامِ بْنِ بَزِيعٍ ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ حَدِيثِ أَنَسٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ وَاثِلَةَ: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّوْفَلِيُّ الْمَدِينِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ثَنَا مِسْعَرُ بْنُ عِيسَى ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَطَاءِ بْنِ سَلِيلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ وَاثِلَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَلَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا».
وَأَمَّا حَدِيثُ ضُمَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ أَيُّوبَ الْأَهْوَازِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَلَمْ يَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا، وَلَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنًا حَتَّى يُحِبَّ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: رُوِيَ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَرَّقَ بَيْنَ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ».
قُلْت: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ثَنَا بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «أَهْدَى الْمُقَوْقَسُ الْقِبْطِيُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَارِيَتَيْنِ، وَبَغْلَةً كَانَ يَرْكَبُهَا، فَأَمَّا إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ فَتَسَرَّاهَا، فَوَلَدَتْ لَهُ إبْرَاهِيمَ، وَهِيَ مَارِيَةُ، أُمُّ إبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَوَهَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ، وَهِيَ أُمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ»، انْتَهَى.
قَالَ الْبَزَّارُ: هَذَا حَدِيثٌ وَهِمَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، فَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ لَيْسَ عِنْدَهُ عَنْ بَشِيرِ بْنِ مُهَاجِرٍ، وَلَكِنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ مُهَاجِرٍ حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، وَدَلَّهُمْ بْنُ دَهْثَمٍ، انْتَهَى.
قُلْت: هَكَذَا رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ ثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ بِسَنَدٍ آخَرَ مُرْسَلٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى الْمُقَوْقَسِ صَاحِبِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة بِكِتَابٍ، فَقَبَّلَ الْكِتَابَ، وَأَكْرَمَ حَاطِبًا، وَأَحْسَنَ نُزُلَهُ، وَسَرَّحَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْدَى لَهُ مَعَ حَاطِبٍ كِسْوَةً، وَبَغْلَةً مَسْرُوجَةً، وَخَادِمَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أُمُّ إبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا الْأُخْرَى: فَوَهَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَهْمِ بْنِ قَيْسٍ الْعَبْدِيِّ»، وَهِيَ أُمُّ زَكَرِيَّا بْنِ جَهْمٍ الَّذِي كَانَ خَلِيفَةَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى مِصْرَ، انْتَهَى.
وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ أَنَّ الْأُخْرَى أَهْدَاهَا لِحَسَّانَ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَدِيثٍ آخَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَقِيبَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بِشْرٍ أَحْمَدْ بْنِ مُحَمَّدٍ الدُّولَابِيِّ ثَنَا أَبُو الْحَارِثِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْفِهْرِيُّ ثَنَا هَارُونُ بْنُ يَحْيَى الْحَاطِبِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُقَوْقَسِ مَلِكِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة، فَجِئْته بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَنِي فِي مَنْزِلِهِ، وَأَقَمْت عِنْدَهُ، ثُمَّ بَعَثَ إلَيَّ، وَقَدْ جَمَعَ بَطَارِقَتَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَهَذِهِ هَدَايَا أَبْعَثُ بِهَا مَعَك إلَى مُحَمَّدٍ، قَالَ: فَأَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ جَوَارٍ مِنْهُنَّ أُمُّ إبْرَاهِيمَ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَاحِدَةٌ وَهَبَهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَبِي جُهَيْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ، وَوَاحِدَةٌ وَهَبَهَا لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ»، مُخْتَصَرٌ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي الْجِهَادِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَغَزَوْنَا فَزَارَةَ، إلَى أَنْ قَالَ: فَجِئْت بِهِمْ إلَى أَبِي بَكْرٍ، وَفِيهِمْ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعَرَبِ، فَنَفَلَنِي أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا، فَقَدِمْت الْمَدِينَةَ، فَقَالَ لِي عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا سَلَمَةَ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ. قُلْت: هِيَ لَك، فَفَدَى بِهَا أُسَارَى بِمَكَّةَ»، مُخْتَصَرٌ.
وَالْحَدِيثُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ: التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْكِبَارِ، وَبِهِ بَوَّبَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد بَابَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُدْرِكَاتِ، وَفِيهِ التَّنْفِيلُ، وَالْفِدَاءُ بِالْأُسَارَى، وَبِهِ بَوَّبَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَسَّانَ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَمِعْت مَكْحُولًا يَقُولُ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ يَقُولُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَى مَتَى؟ قَالَ: حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلَامُ، وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ»، انْتَهَى.
قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَهَذَا خَطَأٌ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْضُوعًا، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحْمَدُ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَسَّانَ هُوَ الْوَاقِعِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، رَمَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ بِالْكَذِبِ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ سَعِيدٍ غَيْرُهُ، انْتَهَى.
وَقَالَ شَيْخُنَا شَمْسُ الدِّينْ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُسْتَدْرَكِ: بَلْ هُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَسَّانَ كَذَّابٌ، انْتَهَى.