فصل: فصلٌ: (مَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ يَدُهُ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ: (مَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ يَدُهُ):

قَالَ: (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ يَدُهُ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً فَبَرَأَتْ يَدُهُ ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا فَبَرَأَتْ ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجِرَاحَاتِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ تَتْمِيمًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الْقَتْلَ فِي الْأَعَمِّ يَقَعُ بِضَرَبَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ، وَفِي اعْتِبَارِ كُلِّ ضَرْبَةٍ بِنَفْسِهَا بَعْضُ الْحَرَجِ، إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ الْجَمْعُ فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ فِي الْأَوَّلَيْنِ لِاخْتِلَافِ حُكْمِ الْفِعْلَيْنِ وَفِي الْآخَرَيْنِ لِتَخَلُّلِ الْبُرْءِ وَهُوَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَخَلَّلْ وَقَدْ تَجَانَسَا بِأَنْ كَانَا خَطَأَيْنِ يُجْمَعُ بِالْإِجْمَاعِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ وَاكْتُفِيَ بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ.
(وَإِنْ كَانَ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ يَدُهُ فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَالَ: اقْطَعُوهُ ثُمَّ اُقْتُلُوهُ وَإِنْ شَاءَ قَالَ اُقْتُلُوهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: يُقْتَلُ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ لِأَنَّ الْجَمْعَ مُمْكِنٌ لِتَجَانُسِ الْفِعْلَيْنِ، وَعَدَمِ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ مُتَعَذِّرٌ إمَّا لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ، لِأَنَّ الْمُوجَبَ الْقَوَدُ وَهُوَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعُ بِالْقَطْعِ، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ أَوْ لِأَنَّ الْحَزَّ يَقْطَعُ إضَافَةَ السِّرَايَةِ إلَى الْقَطْعِ حَتَّى لَوْ صَدَرَ مِنْ شَخْصَيْنِ يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى الْحَازِّ فَصَارَ كَتَخَلُّلِ الْبُرْءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ وَسَرَى لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا خَطَأَيْنِ لِأَنَّ الْمُوجَبَ الدِّيَةُ وَهِيَ بَدَلُ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ، وَلِأَنَّ أَرْشَ الْيَدِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِالْحَزِّ الْقَاطِعِ لِلسِّرَايَةِ فَيَجْتَمِعُ ضَمَانُ الْكُلِّ وَضَمَانُ الْجُزْءِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَجْتَمِعَانِ.
أَمَّا الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ قِصَاصًا فَيَجْتَمِعَانِ.
قَالَ: (وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا مِائَةَ سَوْطٍ فَبَرَأَ مِنْ تِسْعِينَ وَمَاتَ مِنْ عَشَرَةٍ فَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهُ لَمَّا بَرَأَ مِنْهَا لَا تَبْقَى مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّ الْأَرْشِ، وَإِنْ بَقِيَتْ مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّ التَّعْزِيرِ فَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِلْعَشَرَةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ جِرَاحَةٍ انْدَمَلَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَصْلٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مِثْلِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ تَجِبُ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ (وَإِنْ ضَرَبَ رَجُلًا مِائَةَ سَوْطٍ وَجَرَحَتْهُ وَبَقِيَ لَهُ أَثَرٌ تَجِبُ حُكُومَةُ الْعَدْلِ) لِبَقَاءِ الْأَثَرِ، وَالْأَرْشُ إنَّمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْأَثَرِ فِي النَّفْسِ.
قَالَ: (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَعَفَا الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ عَنْ الْقَطْعِ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الْقَاطِعِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَإِنْ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ ثُمَّ إنْ كَانَ خَطَأً فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا: إذَا عَفَا عَنْ الْقَطْعِ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ أَيْضًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا عَفَا عَنْ الشَّجَّةِ، ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ، لَهُمَا أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَطْعِ عَفْوٌ عَنْ مُوجَبِهِ وَمُوجَبُهُ الْقَطْعُ لَوْ اقْتَصَّ أَوْ الْقَتْلُ إذَا سَرَى، فَكَانَ الْعَفْوُ عَنْهُ عَفْوًا عَنْ أَحَدِ مُوجَبَيْهِ أَيِّهِمَا كَانَ، وَلِأَنَّ اسْمَ الْقَطْعِ يَتَنَاوَلُ السَّارِيَ وَالْمُقْتَصِرَ فَيَكُونُ الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ عَفْوًا عَنْ نَوْعَيْهِ، وَصَارَ كَمَا إذَا عَفَا عَنْ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْجِنَايَةَ السَّارِيَةَ وَالْمُقْتَصِرَةَ كَذَا هَذَا، وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ قَتْلُ نَفْسٍ مَعْصُومَةٍ مُتَقَوِّمَةٍ وَالْعَفْوُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ بِصَرِيحِهِ، لِأَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَهُوَ غَيْرُ الْقَتْلِ وَبِالسِّرَايَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاقِعَ قَتْلٌ وَحَقُّهُ فِيهِ وَنَحْنُ نُوجِبُ ضَمَانَهُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجَبُ لِلْعَمْدِ، إلَّا أَنَّ فِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الدِّيَةُ، لِأَنَّ صُورَةَ الْعَفْوِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقَوَدِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّارِيَ نَوْعٌ مِنْ الْقَطْعِ، وَأَنَّ السِّرَايَةَ صِفَةٌ لَهُ بَلْ السَّارِي قَتْلٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَكَذَا لَا مُوجَبَ لَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ قَطْعًا فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَفْوُ بِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ، وَبِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الشَّجَّةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْعَفْوِ عَنْ السِّرَايَةِ وَالْقَتْلِ وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً فَقَدْ أَجْرَاهُ مُجْرَى الْعَمْدِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ وِفَاقًا وَخِلَافًا آذَنَ بِذَلِكَ إطْلَاقُهُ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ خَطَأً فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّ مُوجَبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ لِمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِإِعَارَةِ أَرْضِهِ، أَمَّا الْخَطَأُ فَمُوجَبُهُ الْمَالُ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ.
قَالَ: (وَإِذَا قَطَعَتْ الْمَرْأَةُ يَدَ رَجُلٍ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَعَلَى عَاقِلَتِهَا الدِّيَةُ إنْ كَانَ خَطَأً وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِي مَالِهَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَفْوًا عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُ فَالتَّزَوُّجُ عَلَى الْيَدِ لَا يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهُ ثُمَّ الْقَطْعُ إذَا كَانَ عَمْدًا يَكُونُ هَذَا تَزَوُّجًا عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ، فَلَا يَصْلُحُ مَهْرًا لَا سِيَّمَا عَلَى تَقْدِيرِ السُّقُوطِ، فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَعَلَيْهَا الدِّيَةُ فِي مَالِهَا لِأَنَّ التَّزَوُّجَ وَإِنْ كَانَ يَتَضَمَّنُ الْعَفْوُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ عَنْ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَتْلُ النَّفْسِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَفْوُ، فَتَجِبُ الدِّيَةُ وَتَجِبُ فِي مَالِهَا لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَإِذَا وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَعَلَيْهَا الدِّيَةُ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ إنْ كَانَا عَلَى السَّوَاءِ، وَإِنْ كَانَ فِي الدِّيَةِ فَضْلٌ تَرُدُّهُ عَلَى الْوَرَثَةِ.
وَإِنْ كَانَ فِي الْمَهْرِ فَضْلٌ تَرُدُّهُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً يَكُونُ هَذَا تَزَوُّجًا عَلَى أَرْشِ الْيَدِ، وَإِذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا أَرْشَ لِلْيَدِ وَأَنَّ الْمُسَمَّى مَعْدُومٌ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا فِي الْيَدِ وَلَا شَيْءَ فِيهَا، وَلَا يَتَقَاصَّانِ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَإِ وَالْمَهْرُ لَهَا.
قَالَ: (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ وَالْقَطْعُ عَمْدٌ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) لِأَنَّ هَذَا تَزَوُّجٌ عَلَى الْقِصَاصِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْقِصَاصَ مَهْرًا فَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ بِجِهَةِ الْمَهْرِ فَيَسْقُطُ أَصْلًا كَمَا إذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ بِشَرْطِ أَنْ يَصِيرَ مَالًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ أَصْلًا.
(وَإِنْ كَانَ خَطَأً يُرْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَهُمْ ثُلُثُ مَا تَرَكَ وَصِيَّةً) لِأَنَّ هَذَا تَزَوُّجٌ عَلَى الدِّيَةِ وَهِيَ تَصْلُحُ مَهْرًا لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، لِأَنَّهُ مَرِيضٌ مَرَضَ الْمَوْتِ وَالتَّزَوُّجُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، وَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ مُحَابَاةٌ فَيَكُونُ وَصِيَّةً فَيُرْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ، لِأَنَّهُمْ يَتَحَمَّلُونَ عَنْهَا فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِمْ بِمُوجَبِ جِنَايَتِهَا وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ وَصِيَّةٌ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَصِيَّةِ لِمَا أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِقَتَلَةٍ فَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ تَسْقُطُ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ يَسْقُطُ ثُلُثُهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: كَذَلِكَ الْجَوَابُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَلَى الْيَدِ عَفْوٌ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُمَا فَاتَّفَقَ جَوَابُهُمَا فِي الْفَصْلَيْنِ.
قَالَ: (وَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ فَاقْتُصَّ لَهُ مِنْ الْيَدِ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ قَتْلَ عَمْدٍ وَحَقُّ الْمُقْتَصِّ لَهُ الْقَوَدُ وَاسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْقَوَدِ كَمَنْ لَهُ الْقَوَدُ إذَا اسْتَوْفَى طَرَفَ مَنْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَى الْقَطْعِ فَقَدْ أَبْرَأْهُ عَمَّا وَرَاءَهُ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الْقَطْعِ ظَنَّا مِنْهُ أَنَّ حَقَّهُ فِيهِ وَبَعْدَ السِّرَايَةِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي الْقَوَدِ فَلَمْ يَكُنْ مُبْرِئًا عَنْهُ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ.
قَالَ: (وَمَنْ قُتِلَ وَلِيُّهُ عَمْدًا فَقَطَعَ يَدَ قَاتِلِهِ ثُمَّ عَفَا وَقَدْ قُضِيَ لَهُ بِالْقِصَاصِ أَوْ لَمْ يُقْضَ فَعَلَى قَاطِعِ الْيَدِ دِيَةُ الْيَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ فَلَا يَضْمَنُهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ إتْلَافَ النَّفْسِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَعْفُ لَا يَضْمَنُهُ، وَكَذَا إذَا سَرَى وَمَا بَرَأَ أَوْ مَا عَفَا وَمَا سَرَى، أَوْ قَطَعَ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ أَوْ بَعْدَهُ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ قِصَاصٌ فِي الطَّرَفِ، فَقَطَعَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ عَفَا لَا يَضْمَنُ الْأَصَابِعَ، وَلَهُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَتْلِ وَهَذَا قَطْعٌ وَإِبَانَةٌ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُتْلِفَهُ تَبَعًا وَإِذَا سَقَطَ وَجَبَ الْمَالُ، وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ فِي الْحَالِ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ قَتْلًا بِالسِّرَايَةِ فَيَكُونُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ، وَمِلْكُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ ضَرُورِيٌّ لَا يَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ أَوْ الْعَفْوِ أَوْ الِاعْتِيَاضِ لِمَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَظْهَرْ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَى لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْفُ وَمَا سَرَى.
قُلْنَا: إنَّمَا يَتَبَيَّنُ كَوْنُهُ قَطْعًا بِغَيْرِ حَقٍّ بِالْبُرْءِ حَتَّى لَوْ قَطَعَ وَمَا عَفَا وَبَرَأَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَإِذَا قَطَعَ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ، وَلَوْ حَزَّ بَعْدَ الْبُرْءِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَالْأَصَابِعُ وَإِنْ كَانَتْ تَابِعَةً قِيَامًا بِالْكَفِّ فَالْكَفُّ تَابِعَةٌ لَهَا غَرَضًا بِخِلَافِ الطَّرَفِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
قَالَ: (وَمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ إذَا اسْتَوْفَاهُ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ يَضْمَنُ دِيَةَ النَّفْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا لَا يَضْمَنُ) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَهُوَ الْقَطْعُ وَلَا يُمْكِنُ التَّقْيِيدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ سَدِّ بَابِ الْقِصَاصِ إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ السِّرَايَةِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَصَارَ كَالْإِمَامِ وَالْبَزَّاغِ وَالْحَجَّامِ وَالْمَأْمُورِ بِقَطْعِ الْيَدِ، وَلَهُ أَنَّهُ قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ، لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَطْعِ وَهَذَا وَقَعَ قَتْلًا، وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ ظُلْمًا كَانَ قَتْلًا وَلِأَنَّهُ جُرْحٌ أَفْضَى إلَى فَوَاتِ الْحَيَاةِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ وَهُوَ مُسَمَّى الْقَتْلِ إلَّا أَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ فَوَجَبَ الْمَالُ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ، لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِيهَا بِالْفِعْلِ إمَّا تَقْلِيدًا كَالْإِمَامِ أَوْ عَقْدًا كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْهَا وَالْوَاجِبَاتُ لَا تَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ كَالرَّمْيِ إلَى الْحَرْبِيِّ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا الْتِزَامَ وَلَا وُجُوبَ إذْ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَى الْعَفْوِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ فَأَشْبَهَ الِاصْطِيَادَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ:

قَالَ: (وَمَنْ قُتِلَ وَلَهُ ابْنَانِ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ فَأَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَتْلِ، ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْبَيِّنَةَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يُعِيدُ.
(وَإِنْ كَانَ خَطَأً لَمْ يُعِدْهَا بِالْإِجْمَاعِ) وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ يَكُونُ لِأَبِيهِمَا عَلَى آخَرَ، لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْقِصَاصَ طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْوِرَاثَةِ كَالدَّيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ نَفْسٍ فَيَكُونُ الْمِلْكُ فِيهِ لِمَنْ لَهُ الْمِلْكُ فِي الْمُعَوَّضِ كَمَا فِي الدِّيَةِ وَلِهَذَا لَوْ انْقَلَبَ مَالًا يَكُونُ لِلْمَيِّتِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِعَفْوِهِ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ، فَيَنْتَصِبُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ، وَلَهُ أَنَّ الْقِصَاصَ طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْخِلَافَةِ دُونَ الْوِرَاثَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مِلْكَ الْقِصَاصِ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَالدِّيَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فِي الْأَمْوَالِ كَمَا إذَا نَصَبَ شَبَكَةً فَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ، وَإِذَا كَانَ طَرِيقُهُ الْإِثْبَاتَ ابْتِدَاءً لَا يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فَيُعِيدَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ حُضُورِهِ.
(فَإِنْ كَانَ أَقَامَ الْقَاتِلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا فَالشَّاهِدُ خَصْمٌ وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ) لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ سُقُوطَ حَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ إلَى مَالٍ وَلَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ فَيَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ (وَكَذَلِكَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ قَتَلَ عَمْدًا وَأَحَدُ الرَّجُلَيْنِ غَائِبٌ فَهُوَ عَلَى هَذَا) لِمَا بَيَّنَّاهُ.
قَالَ: (فَإِنْ كَانَ الْأَوْلِيَاءُ ثَلَاثَةً فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ قَدْ عَفَا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ، وَهُوَ عَفْوٌ عَنْهُمَا) لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ بِشَهَادَتِهِمَا إلَى أَنْفُسِهِمَا مَغْنَمًا وَهُوَ انْقِلَابُ الْقَوَدِ مَالًا (فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ فَالدِّيَةُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا) مَعْنَاهُ إذَا صَدَّقَهُمَا وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا صَدَّقَهُمَا، فَقَدْ أَقَرَّ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ لَهُمَا فَصَحَّ إقْرَارُهُ، إلَّا أَنَّهُ يَدَّعِي سُقُوطَ حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُنْكِرُ فَلَا يُصَدَّقُ وَيَغْرَمُ نَصِيبَهُ.
(وَإِنَّ كَذَّبَهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) وَمَعْنَاهُ إذَا كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ أَيْضًا وَهَذَا لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ فَقُبِلَ وَادَّعَيَا انْقِلَابَ نَصِيبِهِمَا مَالًا فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَيَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَالًا لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا الْعَفْوَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُنْكِرُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَفْوِ مِنْهُمَا فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَوَدِ مُضَافٌ إلَيْهِمَا وَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ غَرِمَ الْقَاتِلُ ثُلُثَ الدِّيَةِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِذَلِكَ.
قَالَ: (وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ ضَرَبَهُ فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ إذَا كَانَ عَمْدًا) لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالشَّهَادَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَفِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى قَتْلِ الْعَمْدِ تَتَحَقَّقُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، لِأَنَّ الْمَوْتَ بِسَبَبِ الضَّرْبِ إنَّمَا يُعْرَفُ إذَا صَارَ بِالضَّرْبِ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ، وَتَأْوِيلُهُ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِشَيْءٍ جَارِحٍ.
قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَتْلِ فِي الْأَيَّامِ أَوْ فِي الْبَلَدِ أَوْ فِي الَّذِي كَانَ بِهِ الْقَتْلُ فَهُوَ بَاطِلٌ) لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُعَادُ وَلَا يُكَرَّرُ وَالْقَتْلُ فِي زَمَانٍ أَوْ فِي مَكَان غَيْرُ الْقَتْلِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان آخَرَ، وَالْقَتْلُ بِالْعَصَا غَيْرُ الْقَتْلِ بِالسِّلَاحِ لِأَنَّ الثَّانِيَ عَمْدٌ وَالْأَوَّلَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَيَخْتَلِفُ أَحْكَامُهُمَا فَكَانَ عَلَى كُلِّ قَتْلٍ شَهَادَةُ فَرْدٍ.
(وَكَذَا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ بِعَصًا وَقَالَ الْآخَرُ لَا أَدْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُغَايِرُ الْمُقَيَّدَ.
قَالَ: (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ وَقَالَا لَا نَدْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَجُهِلَ الْمَشْهُودُ بِهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ، فَيَجِبُ أَقَلُّ مُوجَبَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ، وَلِأَنَّهُ يُحْمَلُ إجْمَالُهُمْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى إجْمَالِهِمْ بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ سَتْرًا عَلَيْهِ وَأَوَّلُوا كَذِبَهُمْ فِي نَفْيِ الْعِلْمِ بِظَاهِرِ مَا وَرَدَ بِإِطْلَاقِهِ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَثْبُتُ الِاخْتِلَافُ بِالشَّكِّ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفِعْلِ الْعَمْدُ فَلَا يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ.
الشرح:
قَوْلُهُ: لِظَاهِرِ مَا وَرَدَ بِإِطْلَاقِهِ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ.
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
أَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَبِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ الطِّبِّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى،: قَالَ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ، الْحَالِقَةُ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. انْتَهَى.
وَزَادَ فِيهِ: «لَا أَقُولُ: الْحَالِقَةُ الَّتِي تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْخَمْسِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ السَّادِسِ وَالسَّبْعِينَ عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِهِ، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ، قَالَ، فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ مَوْقُوفًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: فَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ رَاشِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ»، انْتَهَى.
إلَّا أَنَّ الطَّبَرَانِيَّ، قَالَ، عِوَضَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ: عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَبَلِيِّ عَنْ ابْنِ عَمْرٍو بِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَرَادَةَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَبَّ إلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ، هِيَ الْحَالِقَةُ، حَالِقَةُ الدِّينِ، لَا حَالِقَةُ الشَّعْرِ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؟ صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ»، انْتَهَى.
وَضَعَّفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَرَادَةَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمَا، وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ. انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْأَصْبَهَانِيُّ ثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ فَارِسٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْبُخَارِيِّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَجَّاجٍ ثَنَا يُونُسُ بْنُ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَصَلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَخُلُقٍ حَسَنٍ»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ ثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ الْحَرَّانِيِّ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّرَائِفِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ: كَانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجِمٍ فِي قَتْلِهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا.
وَفِي آخِرِهَا، قَالَ: ثُمَّ إنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْصَى، فَكَانَتْ وَصِيَّتُهُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَوْصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى، وَدِينِ الْحَقِّ، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، {إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ}، وَبِذَلِكَ أُمِرْت، وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أُوصِيكُمَا يَا حَسَنُ وَيَا حُسَيْنُ، وَجَمِيعَ أَهْلِي وَوَلَدِي، وَمَنْ يَبْلُغُهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ رَبِّكُمْ، {وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا، وَلَا تَفَرَّقُوا}، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إنَّ صَلَاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ أَعْظَمُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ»، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
قَالَ: (وَإِذَا أَقَرَّ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا فَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُمَا، وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا وَشَهِدَ آخَرُونَ عَلَى آخَرَ بِقَتْلِهِ وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا بَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِقْرَارَ وَالشَّهَادَةَ يَتَنَاوَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجُودَ كُلِّ الْقَتْلِ وَوُجُوبَ الْقِصَاصِ، وَقَدْ حَصَلَ التَّكْذِيبُ فِي الْأُولَى مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ غَيْرَ أَنَّ تَكْذِيبَ الْمُقَرِّ لَهُ الْمُقِرَّ فِي بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يُبْطِلُ إقْرَارَهُ فِي الْبَاقِي، وَتَكْذِيبَ الْمَشْهُودِ لَهُ الشَّاهِدَ فِي بَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ أَصْلًا لِأَنَّ التَّكْذِيبَ تَفْسِيقٌ وَفِسْقُ الشَّاهِدِ يَمْنَعُ الْقَبُولَ، أَمَّا فِسْقُ الْمُقِرِّ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.