فصل: كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ:

(قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُسَاقَاةُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَرِ بَاطِلَةٌ، وَقَالَا: جَائِزَةٌ إذَا ذَكَرَ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَسَمَّى جُزْءًا مِنْ الثَّمَرِ مُشَاعًا) وَالْمُسَاقَاةُ هِيَ الْمُعَامَلَةُ فِي الْأَشْجَارِ وَالْكَلَامُ فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي الْمُزَارَعَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمُعَامَلَةُ جَائِزَةٌ، وَلَا يَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ إلَّا تَبَعًا لِلْمُعَامَلَةِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا الْمُضَارَبَةُ، وَالْمُعَامَلَةُ أَشْبَهُ بِهَا لِأَنَّ فِيهِ شَرِكَةً فِي الزِّيَادَةِ دُونَ الْأَصْلِ، وَفِي الْمُزَارَعَةِ لَوْ شَرَطَا الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ دُونَ الْبَذْرِ بِأَنْ شَرَطَا رَفْعَهُ مِنْ رَأْسِ الْخَارِجِ تَفْسُدُ، فَجَعَلْنَا الْمُعَامَلَةَ أَصْلًا وَجَوَّزْنَا الْمُزَارَعَةَ تَبَعًا لَهَا كَالشِّرْبِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَالْمَنْقُولِ فِي وَقْفِ الْعَقَارِ، وَشَرْطُ الْمُدَّةِ قِيَاسٌ فِيهَا لِأَنَّهَا إجَارَةٌ مَعْنًى كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ يَجُوزُ وَيَقَعُ عَلَى أَوَّلِ ثَمَرٍ يَخْرُجُ، لِأَنَّ الثَّمَرَ لِإِدْرَاكِهَا وَقْتٌ مَعْلُومٌ وَقَلَّمَا يَتَفَاوَتُ وَيَدْخُلُ فِيهَا مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ وَإِدْرَاكُ الْبَذْرِ فِي أُصُولِ الرُّطَبَةِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ إدْرَاكِ الثِّمَارِ، لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ، بِخِلَافِ الزَّرْعِ، لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ يَخْتَلِفُ كَثِيرًا خَرِيفًا وَصَيْفًا وَرَبِيعًا، وَالِانْتِهَاءُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ فَتَدْخُلُهُ الْجَهَالَةُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ غَرْسًا قَدْ عَلِقَ وَلَمْ يَبْلُغْ الثَّمَرَ مُعَامَلَةً حَيْثُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ، لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِقُوَّةِ الْأَرَاضِيِ وَضَعْفِهَا تَفَاوُتًا فَاحِشًا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ نَخِيلًا أَوْ أُصُولَ رُطَبَةٍ عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ أَوْ أَطْلَقَ فِي الرُّطَبَةِ تَفْسُدُ الْمُعَامَلَةُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِذَلِكَ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ، لِأَنَّهَا تَنْمُو مَا تُرِكَتْ فِي الْأَرْضِ فَجُهِلَتْ الْمُدَّةُ.
قَالَ: (وَيُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْجُزْءِ مُشَاعًا) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمُزَارَعَةِ إذْ شَرْطُ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ.
قَالَ: (فَإِنْ سَمَّيَا فِي الْمُعَامَلَةِ وَقْتًا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ الثَّمَرُ فِيهَا فَسَدَتْ الْمُعَامَلَةُ) لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ.
قَالَ: (وَلَوْ سَمَّيَا مُدَّةً قَدْ يَبْلُغُ الثَّمَرُ فِيهَا وَقَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهَا جَازَتْ)، لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ بِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ.
قَالَ: (ثُمَّ لَوْ خَرَجَ فِي الْوَقْتِ الْمُسَمَّى فَهُوَ عَلَى الشَّرِكَةِ) لِصِحَّةِ الْعَقْدِ.
قَالَ: (وَإِنَّ تَأَخَّرَ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ) لِفَسَادِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فِي الْمُدَّةِ الْمُسَمَّاةِ فَصَارَ كَمَا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ أَصْلًا، لِأَنَّ الذَّهَابَ بِآفَةٍ فَلَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ الْمُدَّةِ فَبَقِيَ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَلَا شَيْءَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ.
قَالَ: (وَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَالْكَرْمِ وَالرِّطَابِ وَأُصُولِ الْبَاذِنْجَانِ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَدِيدِ: لَا تَجُوزُ إلَّا فِي الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ لِأَنَّ جَوَازُهَا بِالْأَثَرِ وَقَدْ خَصَّهُمَا وَهُوَ حَدِيثُ خَيْبَرَ.
وَلَنَا أَنَّ الْجَوَازَ لِلْحَاجَةِ وَقَدْ عَمَّتْ، وَأَثَرُ خَيْبَرَ لَا يَخُصُّهُمَا لِأَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي الْأَشْجَارِ وَالرِّطَابِ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ فَالْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ أَنْ تَكُونَ مَعْلُولَةً سِيَّمَا عَلَى أَصْلِهِ.
الشرح:
كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ:
حَدِيثُ: مُعَامَلَةِ أَهْلِ خَيْبَرَ تَقَدَّمَ.
قَالَ: (وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ أَنْ يُخْرِجَ الْعَامِلَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ)، لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ.
قَالَ: (وَكَذَا لَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَتْرُكَ الْعَمَلَ بِغَيْرِ عُذْرٍ) بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.
قَالَ: (فَإِنْ دَفَعَ نَخْلًا فِيهِ تَمْرُ مُسَاقَاةٍ وَالتَّمْرُ يَزِيدُ بِالْعَمَلِ جَازَ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ انْتَهَتْ لَمْ يَجُزْ) وَكَذَا عَلَى هَذَا إذَا دَفَعَ الزَّرْعَ، وَهُوَ بَقْلٌ جَازَ وَلَوْ اسْتَحْصَدَ وَأَدْرَكَ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ وَلَا أَثَرَ لِلْعَمَلِ بَعْدَ التَّنَاهِي وَالْإِدْرَاكِ، فَلَوْ جَوَّزْنَاهُ لَكَانَ اسْتِحْقَاقًا بِغَيْرِ عَمَلٍ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى الْعَمَلِ.
قَالَ: (وَإِذَا فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ)، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَصَارَ كَالْمُزَارَعَةِ إذَا فَسَدَتْ.
قَالَ: (وَتَبْطُلُ الْمُسَاقَاةُ بِالْمَوْتِ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيهَا، فَإِنْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ، وَالْخَارِجُ بُسْرٌ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يَقُومُ قَبْلَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الثَّمَرُ وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَرَثَةُ رَبِّ الْأَرْضِ اسْتِحْسَانًا فَيَبْقَى الْعَقْدُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْآخَرِ.
قَالَ: (وَلَوْ الْتَزَمَ الْعَامِلُ الضَّرَرَ يَتَخَيَّرُ وَرَثَةُ الْآخَرِ بَيْنَ أَنْ يَقْسِمُوا الْبُسْرَ عَلَى الشَّرْطِ وَبَيْنَ أَنْ يُعْطُوهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مِنْ الْبُسْرِ وَبَيْنَ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَى الْبُسْرِ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَرْجِعُوا بِذَلِكَ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرِ)، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِمْ وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي الْمُزَارَعَةِ.
قَالَ: (وَلَوْ مَاتَ الْعَامِلُ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ وَإِنْ كَرِهَ رَبُّ الْأَرْضِ)، لِأَنَّ فِيهِ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.
قَالَ: (فَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَصْرِمُوهُ بُسْرًا كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بَيْنَ الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثَةِ) الَّتِي بَيَّنَّاهَا.
قَالَ: (وَإِنْ مَاتَا جَمِيعًا فَالْخِيَارُ لِوَرَثَةِ الْعَامِلِ) لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ، وَهَذَا خِلَافُهُ فِي حَقِّ مَالِيٍّ وَهُوَ تَرْكُ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ لَا أَنْ يَكُونَ وَارِثُهُ فِي الْخِيَارِ.
قَالَ: (فَإِنْ أَبِي وَرَثَةُ الْعَامِلِ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ كَانَ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ لِوَرَثَةِ رَبِّ الْأَرْضِ) عَلَى مَا وَصَفْنَا.
قَالَ: (وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُعَامَلَةِ وَالْخَارِجُ بُسْرٌ أَخْضَرُ، فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ وَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا إلَى أَنْ يُدْرِكَ لَكِنْ بِغَيْرِ أَجْرٍ)، لِأَنَّ الشَّجَرَ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ فِي هَذَا، لِأَنَّ الْأَرْضَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ كُلَّهُ عَلَى الْعَامِلِ هَا هُنَا، وَفِي الْمُزَارَعَةِ فِي هَذَا عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ عَلَى الْعَامِلِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعَمَلَ وَهَا هُنَا لَا أَجْرَ فَجَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْعَمَلَ كَمَا يَسْتَحِقُّ قَبْلَ انْتِهَائِهَا.
قَالَ: (وَتُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْإِجَارَاتِ، وَقَدْ بَيَّنَّا وُجُوهَ الْعُذْرِ فِيهَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ سَارِقًا يُخَافُ عَلَيْهِ سَرِقَةُ السَّعَفِ وَالثَّمَرِ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ، لِأَنَّهُ يُلْزِمُ صَاحِبَ الْأَرْضِ ضَرَرًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَتَفْسَخُ بِهِ، وَمِنْهَا مَرَضُ الْعَامِلِ إذَا كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ الْعَمَلِ، لِأَنَّ فِي إلْزَامِهِ اسْتِئْجَارَ الْأُجَرَاءِ زِيَادَةَ ضَرَرٍ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ فَيَجْعَلُ ذَلِكَ عُذْرًا، وَلَوْ أَرَادَ الْعَامِلُ تَرْكَ ذَلِكَ الْعَمَلِ هَلْ يَكُونُ عُذْرًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: وَتَأْوِيلُ إحْدَاهُمَا أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَمَلَ بِيَدِهِ فَيَكُونَ عُذْرًا مِنْ جِهَتِهِ.
قَالَ: (وَمَنْ دَفَعَ أَرْضًا بَيْضَاءَ إلَى رَجُلٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً يَغْرِسُ فِيهَا شَجَرًا عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْغَارِسِ نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ) لِاشْتِرَاطِ الشَّرِكَةِ فِيمَا كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ الشَّرِكَةِ لَا بِعَمَلِهِ.
قَالَ: (وَجَمِيعُ الثَّمَرِ وَالْغَرْسِ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَلِلْغَارِسِ قِيمَةُ غَرْسِهِ وَأَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ)، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ إذْ هُوَ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ وَهُوَ نِصْفُ الْبُسْتَانِ فَيَفْسُدُ وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْغِرَاسِ لِاتِّصَالِهَا بِالْأَرْضِ فَيَجِبُ قِيمَتُهَا وَأَجْرُ مِثْلِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي قِيمَةِ الْغِرَاسِ لِتَقَوُّمِهَا بِنَفْسِهَا وَفِي تَخْرِيجِهَا طَرِيقٌ آخَرُ بَيَّنَّاهُ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى، وَهَذَا أَصَحُّهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.كِتَابُ الذَّبَائِحِ:

قَالَ: (الذَّكَاةُ شَرْطُ حِلِّ الذَّبِيحَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} وَلِأَنَّ بِهَا يَتَمَيَّزُ الدَّمُ النَّجَسُ مِنْ اللَّحْمِ الطَّاهِرِ، وَكَمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحِلُّ يَثْبُتُ بِهِ الطَّهَارَةُ فِي الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهَا تُنَبِّئُ عَنْهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يَبَسُهَا» اخْتِيَارِيَّةٌ كَالْجَرْحِ فِيمَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ، وَاضْطِرَارِيَّةٌ، وَهِيَ الْجَرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ الْبَدَنِ وَالثَّانِي كَالْبَدَلِ عَنْ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَوَّلِ، وَهَذَا آيَةُ الْبَدَلِيَّةِ، وَهَذَا، لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَعْمَلُ فِي إخْرَاجِ الدَّمِ، وَالثَّانِي أَقْصَرُ فِيهِ فَاكْتَفَى بِهِ حَتَّى عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَوَّلِ، إذْ التَّكْلِيفُ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَمِنْ شَرْطِهِ: أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ صَاحِبَ مِلَّةِ التَّوْحِيدِ إمَّا اعْتِقَادًا كَالْمُسْلِمِ أَوْ دَعْوَى كَالْكِتَابِيِّ، وَأَنْ يَكُونَ حَلَالًا خَارِجُ الْحَرَمِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الشرح:
كِتَابُ الذَّبَائِحِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يَبَسُهَا»، تَقَدَّمَ فِي الْأَنْجَاسِ.
قَالَ: (وَذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ حَلَالٌ) لِمَا تَلَوْنَا، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} وَيَحِلُّ إذَا كَانَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَالذَّبِيحَةَ وَيَضْبِطُ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ امْرَأَةً، أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَضْبِطُ وَلَا يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ، فَالذَّبِيحَةُ لَا تَحِلُّ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ شَرْطٌ بِالنَّصِّ، وَذَلِكَ بِالْقَصْدِ، وَصِحَّةُ الْقَصْدِ بِمَا ذَكَرْنَا، وَالْأَقْلَفُ وَالْمَخْتُونُ سَوَاءٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِيِّ يَنْتَظِمُ الْكِتَابِيَّ وَالذِّمِّيَّ وَالْحَرْبِيَّ وَالْعَرَبِيَّ وَالتَّغْلِبِيَّ، لِأَنَّ الشَّرْطَ قِيَامُ الْمِلَّةِ عَلَى مَا مَرَّ.
قَالَ: (وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرِ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» وَلِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي التَّوْحِيدَ فَانْعَدَمَتْ الْمِلَّةُ اعْتِقَادًا وَدَعْوَى.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ، غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ، وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ».
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ، فَمَنْ أَسْلَمَ قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ، وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَمَعَ إرْسَالِهِ فَفِيهِ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ وَهُوَ ابْنُ الرَّبِيعِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَهُوَ مِمَّنْ سَاءَ حِفْظُهُ بِالْقَضَاءِ، كَشَرِيكٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، انْتَهَى.
وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَكَمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى مَجُوسٍ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَبَوْا عَرَضَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ، بِأَنْ لَا تُنْكَحَ نِسَاؤُهُمْ، وَلَا تُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُمْ»، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَالْوَاقِدِيُّ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ.
قَالَ: (وَالْمُرْتَدِّ)، لِأَنَّهُ لَا مِلَّةَ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْكِتَابِيِّ إذَا تَحَوَّلَ إلَى غَيْرِ دِينِهِ، لِأَنَّهُ يُقَرُّ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فَيُعْتَبَرُ مَا هُوَ عَلَيْهِ عِنْدَ الذَّبْحِ لَا مَا قَبْلَهُ.
قَالَ: (وَالْوَثَنِيِّ)، لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ الْمِلَّةَ.
قَالَ: (وَالْمُحْرِمِ) يَعْنِي مِنْ الصَّيْدِ (وَكَذَا لَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ فِي الْحَرَمِ مِنْ الصَّيْدِ) وَالْإِطْلَاقُ فِي الْمُحْرِمِ يَنْتَظِمُ الْحِلَّ وَالْحَرَمَ وَالذَّبْحُ فِي الْحَرَمِ يَسْتَوِي فِيهِ الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ وَهَذَا، لِأَنَّ الذَّكَاةَ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ وَهَذَا الصَّنِيعُ مُحَرَّمٌ فَلَمْ تَكُنْ ذَكَاةً بِخِلَافِ مَا إذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ غَيْرَ الصَّيْدِ أَوْ ذَبَحَ فِي الْحَرَمِ غَيْرَ الصَّيْدِ صَحَّ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ إذْ الْحَرَمُ لَا يُؤَمِّنُ الشَّاةَ وَكَذَا لَا يُحَرِّمُ ذَبْحَهُ عَلَى الْمُحْرِمِ.
قَالَ: (وَإِنْ تَرَكَ الذَّابِحُ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا فَالذَّبِيحَةُ مَيْتَةٌ لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا أَكَلَ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَكَلَ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُؤْكَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْمُسْلِمُ وَالْكِتَابِيُّ فِي تَرْكِ التَّسْمِيَةِ سَوَاءٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ إرْسَالِ الْبَازِي وَالْكَلْبِ وَعِنْدَ الرَّمْيِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي حُرْمَةِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا، فَمِنْ مَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَمِنْ مَذْهَبِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ يَحِلُّ، بِخِلَافِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْمَشَايِخُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ: إنَّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا لَا يَسَعُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ لَا يَنْفُذُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ، لَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ» وَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَوْ كَانَتْ شَرْطًا لِلْحِلِّ لَمَا سَقَطَتْ بِعُذْرِ النِّسْيَانِ كَالطَّهَارَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا فَالْمِلَّةُ أُقِيمَتْ مَقَامَهَا كَمَا فِي النَّاسِي.
وَلَنَا الْكِتَابُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} الْآيَةَ نَهْيٌ وَهُوَ لِلتَّحْرِيمِ، وَالْإِجْمَاعُ وَهُوَ مَا بَيَّنَّا، وَالسُّنَّةُ وَهُوَ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ فِي آخِرِهِ: «فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبِ غَيْرِك» عَلَّلَ الْحُرْمَةَ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ وَمَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْتَجُّ بِظَاهِرِ مَا ذَكَرْنَا، إذْ لَا فَصْلَ فِيهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَثِيرُ النِّسْيَانِ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ وَالسَّمْعُ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى ظَاهِرِهِ، إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ لَجَرَتْ الْمَحَاجَّةُ وَظَهَرَ الِانْقِيَادُ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَالْإِقَامَةُ فِي حَقِّ النَّاسِي، وَهُوَ مَعْذُورٌ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا فِي حَقِّ الْعَامِدِ وَلَا عُذْرَ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ النِّسْيَانِ، ثُمَّ التَّسْمِيَةُ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَهِيَ عَلَى الْمَذْبُوحِ وَفِي الصَّيْدِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ، وَهِيَ عَلَى الْآلَةِ لِأَنَّ الْمَقْدُورَ لَهُ فِي الْأَوَّلِ: الذَّبْحُ وَفِي الثَّانِي: الرَّمْيُ وَالْإِرْسَالُ دُونَ الْإِصَابَةِ، فَتُشْتَرَطُ عِنْدَ فِعْلٍ يُقْدَرُ عَلَيْهِ، حَتَّى إذَا أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى، فَذَبَحَ غَيْرَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ وَسَمَّى وَأَصَابَ غَيْرَهُ حَلَّ وَكَذَا فِي الْإِرْسَالِ، وَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى ثُمَّ رَمَى بِالشَّفْرَةِ وَذَبَحَ بِالْأُخْرَى أُكِلَ وَلَوْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ ثُمَّ رَمَى بِغَيْرِهِ صَيْدًا لَا يُؤْكَلْ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا، فَمَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلِيٍّ أَنَّهُ يَحِلُّ.
قُلْت: ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ أَنَّ قَصَّابًا ذَبَحَ شَاةً، وَنَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا، فَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ غُلَامًا لَهُ أَنْ يَقُومَ عِنْدَهُ، فَإِذَا جَاءَ إنْسَانٌ يَشْتَرِي، يَقُولُ لَهُ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لَكَ: إنَّ هَذِهِ شَاةٌ، لَمْ تُذَكَّ، فَلَا تَشْتَرِ مِنْهَا شَيْئًا، وَذُكِرَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَطَاوُسٍ، وَقَالُوا: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا نُسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ عَلَيْهِ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَقَالُوا: إنَّمَا هِيَ عَلَى الْمِلَّةِ، انْتَهَى.
وَفِي الْمُوَطَّإِ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ الَّذِي يَنْسَى أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى ذَبِيحَتِهِ، فَقَالَ: يُسَمِّي اللَّهَ وَيَأْكُلُ، وَلَا بَأْسَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ».
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَفِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثُ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْلِمُ يَكْفِيهِ اسْمُهُ، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ حِينَ يَذْبَحُ فَلْيُسَمِّ، وَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، ثُمَّ لْيَأْكُلْ»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: لَيْسَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِيهِ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، وَكَانَ صَدُوقًا صَالِحًا، لَكِنَّهُ كَانَ شَدِيدَ الْغَفْلَةِ. انْتَهَى.
وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ لَكِنَّهُ أَخْطَأَ فِي رَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَغَيْرُهُ، فَزَادَا فِي إسْنَادِهِ أَبَا الشَّعْثَاءِ، وَوَقَفَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: مَعْقِلٌ هَذَا مَجْهُولٌ، وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، فَقَالَ: بَلْ هُوَ مَشْهُورٌ، وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَزَرِيُّ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ فِيهِ، فَمَرَّةً وَثَّقَهُ، وَمَرَّةً ضَعَّفَهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الضُّعَفَاءِ فَقَالَ: مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَزَرِيُّ يَرْوِي عَنْ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ، قَالَ يَحْيَى: ضَعِيفٌ، لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ الْجَزَرِيُّ هُوَ ابْنُ أَبِي فَرْوَةَ الرَّهَاوِيُّ، قَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، هَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْحَجِّ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ حَدَّثَنَا عَيْنٌ يَعْنِي عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إنَّ فِي الْمُسْلِمِ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ ذَبَحَ وَنَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ، فَلْيَأْكُلْ، وَإِنْ ذَبَحَ الْمَجُوسِيُّ، وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ، فَلَا تَأْكُلْ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مَرْوَانَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرَّجُلُ مِنَّا يَذْبَحُ وَيَنْسَى أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ، قَالَ: اسْمُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»، وَفِي لَفْظٍ: «عَلَى فَمِ كُلِّ مُسْلِمٍ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَمَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ ضَعِيفٌ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ أَيْضًا بِهِ، وَقَالَ: هُوَ مَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ الْغِفَارِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَيْسَ بِمَرْوَانَ بْنِ سَالِمٍ الْمَكِّيِّ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَوَافَقَهُمَا، وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابِعُهُ الثِّقَاتُ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الصَّلْتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَفِيهِ مَعَ الْإِرْسَالِ أَنَّ الصَّلْتَ السَّدُوسِيَّ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، وَلَا يُعْرَفُ بِغَيْرِ هَذَا، وَلَا رَوَى عَنْهُ غَيْرُ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، انْتَهَى.
وَلَمْ يُعِلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ إلَّا بِالْإِرْسَالِ، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِلْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ قَوْمًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ، لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا، فَقَالَ: سَمُّوا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَكُلُوا»، قَالَتْ: وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ، انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: «فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبِ غَيْرِك».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي، وَأُسَمِّي، فَقَالَ: إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك، وَسَمَّيْت، فَأَخَذَ، فَقَتَلَ، فَكُلْ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ.
قُلْت: إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ، لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَهُ، فَقَالَ: لَا تَأْكُلْ فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ»
، انْتَهَى.
وَسَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ.
قَالَ: (وَيُكْرَهُ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا غَيْرَهُ وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الذَّبْحِ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ) وَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إحْدَاهُمَا: أَنْ يُذْكَرَ مَوْصُولًا لَا مَعْطُوفًا فَيُكْرَهُ وَلَا تَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ.
وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا قَالَ وَنَظِيرُهُ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تُوجَدْ، فَلَمْ يَكُنْ الذَّبْحُ وَاقِعًا لَهُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِوُجُودِ الْقِرَانِ صُورَةً فَيَتَصَوَّرُ بِصُورَةِ الْمُحَرَّمِ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يُذْكَرَ مَوْصُولًا عَلَى وَجْهِ الْعَطْفِ وَالشَّرِكَةِ بِأَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ فُلَانٍ أَوْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ وَفُلَانٍ أَوْ بِسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بِكَسْرِ الدَّالِ فَتَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ، لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ.
وَالثَّالِثَةُ: أَنْ يَقُولَ مَفْصُولًا عَنْهُ صُورَةً وَمَعْنًى بِأَنْ يَقُولَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَقَبْلَ أَنْ يُضْجِعَ الذَّبِيحَةَ أَوْ بَعْدَهُ، وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الذَّبْحِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ هَذِهِ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِمَّنْ شَهِدَ لَك بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِيَ بِالْبَلَاغِ» وَالشَّرْطُ هُوَ الذِّكْرُ الْخَالِصُ الْمُجَرَّدُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: جَرِّدُوا التَّسْمِيَةَ حَتَّى لَوْ قَالَ عِنْدَ الذَّبْحِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَا يَحِلُّ، لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَسُؤَالٌ، وَلَوْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ يُرِيدُ التَّسْمِيَةَ حَلَّ، وَلَوْ عَطَسَ عِنْدَ الذَّبْحِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَحِلُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ الْحَمْدَ عَلَى نِعَمِهِ دُونَ التَّسْمِيَةِ وَمَا تَدَاوَلَتْهُ الْأَلْسُنُ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الذَّبْحِ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ هَذِهِ، عَنْ أُمَّتِي مِمَّنْ شَهِدَ لَك بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَلِيَ بِالْبَلَاغِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الضَّحَايَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ، ثُمَّ قَالَ: اسْتَحِدِّيهَا بِحَجَرٍ، فَفَعَلَتْ، فَأَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ، فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ»، انْتَهَى.
وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِالْوَاوِ، وَقَالَ: «فَأَضْجَعَهُ وَذَبَحَهُ، وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ»، وَلَيْسَ فِيهِ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا ضَحَّى اشْتَرَى كَبْشَيْنِ، أَمْلَحَيْنِ، أَقْرَنَيْنِ، فَإِذَا خَطَبَ وَصَلَّى، ذَبَحَ أَحَدَ الْكَبْشَيْنِ بِنَفْسِهِ بِالْمُدْيَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعًا، مَنْ شَهِدَ لَك بِالتَّوْحِيدِ، وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ، ثُمَّ أُتِيَ بِالْآخَرِ، فَذَبَحَهُ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ يُطْعِمُهُمَا الْمَسَاكِينَ، وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا، فَمَكَثْنَا سِنِينَ قَدْ كَفَانَا اللَّهُ الْغُرْمَ، وَالْمُؤْنَةَ، لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يُضَحِّي»، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: جَرِّدُوا التَّسْمِيَةَ.
قُلْت: غَرِيبٌ.
قَوْلُهُ: وَمَا تَدَاوَلَتْهُ الْأَلْسُنُ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَهُوَ قَوْلُهُ، بِسْمِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}.
قُلْت: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الذَّبَائِحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}، قَالَ: قِيَامًا عَلَى ثَلَاثَةِ قَوَائِمَ مَعْقُولَةٍ، يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك، انْتَهَى.
وقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
وَعِنْدَهُ فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَخْرَجَهُ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} قَالَ: إذَا أَرَدْت أَنْ تَنْحَرَ الْبَدَنَةَ، فَأَقِمْهَا، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، مِنْك وَلَك، ثُمَّ سَمِّ، ثُمَّ انْحَرْهَا، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ أَيْضًا، وَلَقَدْ حَجَّرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى نَفْسِهِ، فَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ فِي الضَّحَايَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، يَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ، وَيُسَمِّي، وَيُكَبِّرُ، وَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا»، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ، وَالْبُخَارِيِّ: وَيَقُولُ: «بِسْمِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ» انْتَهَى.
إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الِاسْتِدْلَالَ بِالْقُرْآنِ مُفَسَّرًا بِقَوْلِ صَحَابِيٍّ، فَيَكُونُ حَسَنًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (وَالذَّبْحُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ وَسَطِهِ وَأَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الذَّكَاةُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ» وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَجْرَى وَالْعُرُوقِ فَيَحْصُلُ بِالْفِعْلِ فِيهِ إنْهَارُ الدَّمِ عَلَى أَبْلَغِ الْوُجُوهِ فَكَانَ حُكْمُ الْكُلِّ سَوَاءً.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الذَّكَاةُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ».
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَّامٍ الْعَطَّارِ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلُ الْخُزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدَيْلُ بْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ، يَصِيحُ فِي فِجَاجِ مِنًى: أَلَا إنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ»، انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: هَذَا إسْنَادٌ ضَعِيفٌ بِمُرَّةَ، وَسَعِيدُ بْنُ سَلَّامٍ أَجْمَعَ الْأَئِمَّةُ عَلَى تَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَكَذَّبَهُ ابْنُ نُمَيْرٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: يُذْكَرُ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يُحَدِّثُ بِالْأَبَاطِيلِ، مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ عَبَّدَ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلَى عُمَرَ: «الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ»، انْتَهَى.
قَالَ: (وَالْعُرُوقُ الَّتِي تُقْطَعُ فِي الذَّكَاةِ أَرْبَعَةٌ: الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْوَدَجَانِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» وَهِيَ اسْمُ جَمْعٍ، وَأَقَلُّهُ الثَّلَاثُ فَيَتَنَاوَلُ الْمَرِيءَ وَالْوَدَجَيْنِ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَطْعُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إلَّا بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ فَيَثْبُتُ قَطْعُ الْحُلْقُومِ بِاقْتِضَائِهِ وَبِظَاهِرِ مَا ذَكَرْنَا يَحْتَجُّ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ الْأَكْثَرُ مِنْهَا بَلْ يُشْتَرَطُ قَطْعُ جَمِيعُهَا (وَعِنْدَنَا إنْ قَطَعَهَا حَلَّ الْأَكْلُ وَإِنْ قَطَعَ أَكْثَرَهَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ).
وَقَالَا: لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ.
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الِاخْتِلَافَ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحْدَهُ.
وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إنْ قَطَعَ نِصْفَ الْحُلْقُومِ وَنِصْفَ الْأَوْدَاجِ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ قَطَعَ أَكْثَرَ الْأَوْدَاجِ وَالْحُلْقُومَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أُكِلَ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا قَطَعَ الثَّلَاثَ أَيَّ ثَلَاثٍ كَانَ يَحِلُّ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ كُلِّ فَرْدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْهَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لِانْفِصَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَلِوُرُودِ الْأَمْرِ بِفَرْيِهِ فَيُعْتَبَرُ أَكْثَرُ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا.
وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ إنْهَارُ الدَّمِ فَيَنُوبُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْرَى الدَّمِ.
أَمَّا الْحُلْقُومُ فَيُخَالِفُ الْمَرِيءَ فَإِنَّهُ مَجْرَى الْعَلَفِ وَالْمَاءِ، وَالْمَرِيءُ مَجْرَى النَّفَسِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِهِمَا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَأَيَّ ثَلَاثٍ قَطَعَهَا فَقَدْ قَطَعَ الْأَكْثَرَ مِنْهَا وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِهَا وَهُوَ إنْهَارُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَالتَّوْحِيَةِ فِي إخْرَاجِ الرُّوحِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْيَا بَعْدَ قَطْعِ مَجْرَى النَّفْسِ أَوْ الطَّعَامِ وَيَخْرُجُ الدَّمُ بِقَطْعِ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ فَيُكْتَفَى بِهِ تَحَرُّزًا عَنْ زِيَادَةِ التَّعْذِيبِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ النِّصْفَ، لِأَنَّ الْأَكْثَرَ بَاقٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ شَيْئًا احْتِيَاطًا لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت».
قُلْت: غَرِيبٌ، لَمْ يُحْسِنْ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، إذْ اسْتَشْهَدَ لَهُ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت أَحَدَنَا يُصِيبُ صَيْدًا، وَلَيْسَ مَعَهُ سِكِّينٌ، أَيُذْبَحُ بِالْمَرْوَةِ، وَشِقَّةِ الْعَصَا؟ فَقَالَ: أَمْرِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت، وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ»، انْتَهَى.
فَإِنَّ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الِاسْتِدْلَال عَلَى قَطْعِ الْعُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ، أَوْ الثَّلَاثَةِ، قَالَ: لِأَنَّ الْأَوْدَاجَ جَمْعٌ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ، وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ عَلَى إرَاقَةِ الدَّمِ بِغَيْرِ السِّكِّينِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الذَّبْحِ بِاللِّيطَةِ، فَقَالَ: كُلُّ مَا أَفْرَى الْأَوْدَاجَ، إلَّا سِنًّا أَوْ ظُفُرًا»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ مَا أَفْرَى الْأَوْدَاجَ مَا لَمْ يَكُنْ قَرْضَ سِنٍّ، أَوْ جَزَّ ظُفُرٍ»، وَفِيهِ قِصَّةٌ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ الذَّبْحُ بِالظُّفُرِ وَالسِّنِّ وَالْقَرْنِ إذَا كَانَ مَنْزُوعًا حَتَّى لَا يَكُونَ بِأَكْلِهِ بَأْسٌ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ هَذَا الذَّبْحُ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمَذْبُوحُ مَيْتَةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «كُلُّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ مَا خَلَا الظُّفُرَ وَالسِّنَّ فَإِنَّهُمَا مُدَى الْحَبَشَةِ» وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، فَلَا يَكُونُ ذَكَاةً كَمَا إذَا ذَبَحَ بِغَيْرِ الْمَنْزُوعِ، وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت».
وَيُرْوَى «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمَنْزُوعِ فَإِنَّ الْحَبَشَةَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ آلَةٌ جَارِحَةٌ فَيَحْصُلُ بِهِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ إخْرَاجُ الدَّمِ وَصَارَ كَالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَنْزُوعِ، لِأَنَّهُ يَقْتُلُ بِالثِّقَلِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمُنْخَنِقَةِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ، لِأَنَّ فِيهِ اسْتِعْمَالَ جُزْءِ الْآدَمِيِّ وَلِأَنَّ فِيهِ إعْسَارًا عَلَى الْحَيَوَانِ، وَقَدْ أُمِرْنَا فِيهِ بِالْإِحْسَانِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «كُلُّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ، مَا خَلَا الظُّفُرَ، وَالسِّنَّ، فَإِنَّهَا مُدَى الْحَبَشَةِ».
قُلْت: هُوَ مُلَفَّقٌ مِنْ حَدِيثَيْنِ، فَرَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَكُونُ فِي الْمَغَازِي فَلَا تَكُونُ مَعَنَا مُدًى، فَقَالَ: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلُوا، مَا لَمْ يَكُنْ سِنًّا أَوْ ظُفُرًا، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ»، انْتَهَى.
أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا، وَمُطَوَّلًا.
الثَّانِي: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الذَّبْحِ بِاللِّيطَةِ، فَقَالَ: كُلُّ مَا أَفْرَى الْأَوْدَاجَ إلَّا سِنًّا أَوْ ظُفُرًا»، انْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي السَّابِعِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ مِنْ جِهَةِ مُسْلِمٍ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: كُنَّا، الْحَدِيثَ، قَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ أَخُو سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: وَالشَّكُّ فِيهِ فِي شَيْئَيْنِ: فِي اتِّصَالِهِ، وَفِي قَوْلِهِ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، هَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَا؟
فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ وَالِدِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: «أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مُدًى، أَفَنَذْبَحُ بِالْمَرْوَةِ، وَشِقَّةِ الْعَصَا؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلُوهُ، مَا لَمْ يَكُنْ سِنًّا، أَوْ ظُفُرًا»، قَالَ رَافِعٌ: وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ، قَالَ: فَهَذَا كَمَا تَرَى، فِيهِ زِيَادَةُ رِفَاعَةَ بَيْنَ عَبَايَةَ وَجَدِّهِ رَافِعٍ، وَفِيهِ إثْبَاتُ قَوْلِهِ: أَمَّا السِّنُّ مِنْ كَلَامِ رَافِعٍ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ، وَأَخِيهِ عَنْ أَبِيهِمَا ذِكْرٌ لِسَمَاعِ عَبَايَةَ مِنْ جَدِّهِ رَافِعٍ، إنَّمَا جَاءَا بِهِ مُعَنْعَنًا، فَبَيَّنَ أَبُو الْأَحْوَصِ أَنَّ بَيْنَهُمَا وَاحِدًا.
وَإِنْ كَانَ التِّرْمِذِيُّ قَدْ قَالَ: إنَّ عَبَايَةَ سَمِعَ مِنْ جَدِّهِ رَافِعٍ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَكُنْ أَيْضًا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ أَنَّ قَوْلَهُ: أُمًّا السِّنُّ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصًّا، فَبَيَّنَهُ أَبُو الْأَحْوَصِ مِنْ قَوْلِ رَافِعٍ، لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ، قَالَ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: أَخْطَأَ أَبُو الْأَحْوَصِ، إلَّا كَانَ الْآخَرُ أَنْ يَقُولَ: أَخْطَأَ مَنْ خَالَفَهُ، لِأَنَّهُ ثِقَةٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت»، وَيُرْوَى: «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ مُرَيِّ بْنِ قَطَرِيٍّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت أَحَدَنَا أَصَابَ صَيْدًا، وَلَيْسَ مَعَهُ سِكِّينٌ، أَنَذْبَحُ بِالْمَرْوَةِ، وَشِقَّةِ الْعَصَا؟ فَقَالَ: أَمْرِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت، وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ»، انْتَهَى.
وفِي لَفْظِ النَّسَائِيّ: «أَنْهِرْ»، وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَيُرْوَى: أَمْرِرْ، قَالَ: وَالصَّوَابُ أَمْرِ سَاكِنَ الْمِيمِ، خَفِيفَ الرَّاءِ أَيْ أَسِلْهُ، انْتَهَى.
قُلْت: وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأَنْفُ: أَمِرْ الدَّمَ بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ أَسِلْهُ، يُقَالُ: دَمٌ مَائِرٌ: أَيْ سَائِلٌ، قَالَ هَكَذَا رَوَاهُ النَّقَّاشُ، وَفَسَّرَهُ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِسُكُونِ الْمِيمِ جَعَلَهُ مِنْ مَرَيْت الضَّرْعَ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالْمَعْنَى، انْتَهَى.
وَجَمَعَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثَةِ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ عِنْدَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى أَهْرِقْ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ الذَّبْحُ بِاللِّيطَةِ وَالْمَرْوَةِ، وَكُلِّ شَيْءٍ أَنْهَرَ الدَّمَ إلَّا السِّنَّ الْقَائِمَ وَالظُّفُرَ الْقَائِمَ) فَإِنَّ الْمَذْبُوحَ بِهِمَا مَيْتَةٌ لِمَا بَيَّنَّا، وَنَصَّ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى أَنَّهَا مَيْتَةٌ، لِأَنَّهُ وَجَدَ فِيهِ نَصًّا، وَمَا لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصًّا يُحْتَاطُ فِي ذَلِكَ فَيَقُولُ فِي الْحِلِّ لَا بَأْسَ بِهِ وَفِي الْحُرْمَةِ يَقُولُ يُكْرَهُ، أَوْ لَمْ يُؤْكَلْ.
قَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحِدَّ الذَّابِحُ شَفْرَتَهُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» وَيُكْرَهُ أَنْ يُضْجِعَهَا ثُمَّ يُحِدَّ الشَّفْرَةَ.
لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ: «رَأَى رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً وَهُوَ يُحِدُّ شَفْرَتَهُ فَقَالَ: لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ هَلَّا حَدَدْتهَا قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا».
الشرح:
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ شَرَاحِيلَ بْنِ آدَةَ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ»، انْتَهَى.
أَخْرَجُوهُ فِي الذَّبَائِحِ إلَّا التِّرْمِذِيَّ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي الْقِصَاصِ.
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً، وَهُوَ يُحِدُّ شَفْرَتَهُ، فَقَالَ: لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ، هَلَّا حَدَدْتهَا قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الضَّحَايَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَهَا، وَهُوَ يُحِدُّ شَفْرَتَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ هَلَّا حَدَدْت شَفْرَتَك قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا»، انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَأَعَادَهُ فِي الذَّبَائِحِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ بِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْحَجِّ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً»، الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ قُرَّةَ بْنِ حَيْوِيلَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُحَدَّ الشِّفَارُ، وَأَنْ تُوَارَى عَنْ الْبَهَائِمِ، وَقَالَ: إذَا ذَبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجَهِّزْ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِابْنِ لَهِيعَةَ، وَمِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيُّ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ فِي هَذَا عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلٌ، وَاَلَّذِي أَسْنَدَهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. انْتَهَى.
وَفِي الْمُوَطَّإِ مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا أَحَدَّ شَفْرَةً، وَقَدْ أَخَذَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا، فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ: أَتُعَذِّبُ الرُّوحَ هَلَّا فَعَلْت هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْخُذَهَا؟، انْتَهَى.
قَالَ: (وَمَنْ بَلَغَ بِالسِّكِّينِ النُّخَاعَ أَوْ قَطَعَ الرَّأْسَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: قَطَعَ مَكَانَ بَلَغَ، وَالنُّخَاعُ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ.
أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَنَّهُ نَهَى أَنْ تُنْخَعَ الشَّاةُ إذَا ذُبِحَتْ»، وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ يَمُدَّ رَأْسَهُ حَتَّى يَظْهَرَ مَذْبَحُهُ، وَقِيلَ أَنْ يَكْسِرَ عُنُقَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَهَذَا، لِأَنَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَفِي قَطْعِ الرَّأْسِ زِيَادَةُ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَا فِيهِ زِيَادَةُ إيلَامٍ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الذَّكَاةِ مَكْرُوهٌ.
وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُرَّ مَا يُرِيدَ ذَبْحَهُ بِرِجْلِهِ إلَى الْمَذْبَحِ وَأَنْ تُنْخَعَ الشَّاهُ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ، يَعْنِي تَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَبَعْدَهُ لَا أَلَمَ فَلَا يُكْرَهُ النَّخْعُ وَالسَّلْخُ إلَّا أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى زَائِدٍ وَهُوَ زِيَادَةُ الْأَلَمِ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ فَلِهَذَا قَالَ: تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «نَهَى أَنْ تُنْخَعَ الشَّاةُ إذَا ذُبِحَتْ»، وَفَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَبْلُغَ بِالسِّكِّينِ النُّخَاعَ.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَبِمَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الذَّبِيحَةِ أَنْ تُفَرَّسَ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِشَهْرٍ، وَقَالَ: إنَّهُ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَلَا نَتَدَيَّنُ بِهِ، انْتَهَى.
قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ: الْفَرَسُ أَنْ يَذْبَحَ الشَّاةَ فَتُنْخَعَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ تَقَدَّمَ فِي النَّفَقَاتِ.
قَالَ: (وَإِنْ ذَبَحَ الشَّاةَ مِنْ قَفَاهَا فَبَقِيَتْ حَيَّةً حَتَّى قَطَعَ الْعُرُوقَ حَلَّ) لِتَحَقُّقِ الْمَوْتِ بِمَا هُوَ ذَكَاةٌ وَيُكْرَهُ، لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْأَلَمِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا جَرَحَهَا ثُمَّ قَطَعَ الْأَوْدَاجَ (وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ لَمْ تُؤْكَلْ) لِوُجُودِ الْمَوْتِ بِمَا لَيْسَ بِذَكَاةٍ فِيهَا.
قَالَ: (وَمَا اسْتَأْنَسَ مِنْ الصَّيْدِ فَذَكَاتُهُ الذَّبْحُ وَمَا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ فَذَكَاتُهُ الْعَقْرُ وَالْجَرْحُ) لِأَنَّ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ عَلَى مَا مَرَّ، وَالْعَجْزُ مُتَحَقَّقٌ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ.
(وَكَذَا مَا تَرَدَّى مِنْ النَّعَمِ فِي بِئْرٍ وَوَقَعَ الْعَجْزُ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ) لِمَا بَيَّنَّا وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فِي الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ، وَنَحْنُ نَقُولُ الْمُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الْعَجْزِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ فَيُصَارُ إلَى الْبَدَلِ، كَيْفَ وَأَنَّا لَا نُسَلِّمُ النُّدْرَةَ بَلْ هُوَ غَالِبٌ وَفِي الْكِتَابِ أُطْلِقَ فِيمَا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الشَّاةَ إذَا نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ، فَذَكَاتُهَا الْعَقْرُ وَإِنْ نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَا تَحِلُّ بِالْعَقْرِ، لِأَنَّهَا لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا فِي الْمِصْرِ فَلَا عَجْزَ وَالْمِصْرُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فِي الْبَقَرِ وَالْبَعِيرِ، لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِمَا، وَإِنَّ نَدَّا فِي الْمِصْرِ فَيَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ، وَالصِّيَالُ كَالنَّدِّ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُرِيدُ الذَّكَاةَ حَلَّ أَكْلُهُ.
قَالَ: (وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ فَإِنْ ذَبَحَهَا جَازَ وَيُكْرَهُ وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ فَإِنْ نَحْرَهُمَا جَازَ وَيُكْرَهُ) أَمَّا الِاسْتِحْبَابُ فَلِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ الْمُتَوَارَثَةِ، وَلِاجْتِمَاعِ الْعُرُوقِ فِيهَا فِي الْمَنْحَرِ وَفِيهِمَا فِي الْمَذْبَحِ، وَالْكَرَاهَةُ لِمُخَالِفَةِ السُّنَّةِ، وَهِيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ فَلَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ وَالْحِلَّ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنَّهُ لَا يَحِلُّ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ، وَذَلِكَ لِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ الْمُتَوَارَثَةِ، وَيُكْرَهُ الْعَكْسُ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ.
قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ.
قَالَ: (وَمَنْ نَحَرَ نَاقَةً أَوْ ذَبَحَ بَقَرَةً فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا تَمَّ خَلْقُهُ أُكِلَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ الْأُمِّ» وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا حَتَّى يُفْصَلَ بِالْمِقْرَاضِ، وَيَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَتَنَفَّسَ بِتَنَفُّسِهَا وَكَذَا حُكْمًا حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ الْوَارِدِ عَلَى الْأُمِّ وَيُعْتَقَ بِإِعْتَاقِهَا، وَإِذَا كَانَ جُزْءًا مِنْهَا فَالْجَرْحُ فِي الْأُمِّ ذَكَاةٌ لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ ذَكَاتِهِ كَمَا فِي الصَّيْدِ وَلَهُ أَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْحَيَاةِ حَتَّى تُتَصَوَّرَ حَيَاتُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَعِنْدَ ذَلِكَ يُفْرَدُ بِالذَّكَاةِ وَلِهَذَا يُفْرَدُ بِإِيجَابِ الْغُرَّةِ وَيُعْتَقُ بِإِعْتَاقِ مُضَافٍ إلَيْهِ، وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ وَبِهِ وَهُوَ حَيَوَانٌ دَمَوِيٌّ، وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الذَّكَاةِ وَهُوَ الْمَيْزُ بَيْنَ الدَّمِ وَاللَّحْمِ لَا يَتَحَصَّلُ بِجَرْحِ الْأُمِّ، إذْ هُوَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِخُرُوجِ الدَّمِ عَنْهُ فَلَا يُجْعَلُ تَبَعًا فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ الْجَرْحِ فِي الصَّيْدِ، لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِخُرُوجِهِ نَاقِصًا فَيُقَامُ مَقَامَ الْكَامِلِ فِيهِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَحَرِّيًا لِجَوَازِهِ كَيْ لَا يَفْسُدَ بِاسْتِثْنَائِهِ، وَيُعْتَقُ بِإِعْتَاقِهَا كَيْ لَا يَنْفَصِلَ مِنْ الْحُرَّةِ وَلَدٌ رَقِيقٌ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ.
فَحَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهَذَا لَفْظُهُ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد، قَالَ: «قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَنْحَرُ النَّاقَةَ، وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ، أَوْ الشَّاةَ، فِي بَطْنِهَا الْجَنِينُ، أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُ؟ فَقَالَ: كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ، فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ أَبِي الْوَدَّاكِ بِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَزَادَ: «أَشْعَرَ، أَوْ لَمْ يُشْعِرْ».
وَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَيُونُسُ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَقَدْ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الْقَدَّاحِ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ»، انْتَهَى.
وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الْقَدَّاحِ فِيهِ مَقَالٌ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى ثَنَا حَمَّادُ بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَقَالَ: إسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: لَا يُحْتَجُّ بِإِسْنَادِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَعِلَّتُهُ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِسَنْدَلٍ، فَإِنَّهُ مَتْرُوكٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَلَيْسَ فِيهِ غَيْرُ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالسَّمَاعِ، فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيُّ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ، وَرَوَى لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ عِصَامِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مُبَارَكِ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ بِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَعِصَامٌ رَجُلٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: مُبَارَكُ بْنُ مُجَاهِدٍ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ: فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا قَالَ الْحَاكِمُ: رُبَّمَا تَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي أَيُّوبَ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا الْبَابَ قَضَى فِيهِ الْعَجَبَ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يُخَرِّجَاهُ فِي الصَّحِيحِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْهُ، قَالَ: أَرَاهُ رَفَعَهُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، إلَّا أَنَّ شَيْخَ شَيْخِهِ أَحْمَدَ بْنَ الْحَجَّاجِ بْنِ الصَّلْتِ قَالَ: شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِهِ: هُوَ آفَةٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مُوسَى بْنِ عُثْمَانَ الْكِنْدِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُوسَى هَذَا قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هُوَ مَجْهُولٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ أَبُو رَبِيعَةَ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَتَرَكَهُ يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنُ بْنُ مَهْدِيٍّ، رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا، فَذَكَرَهُ، قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: إذَا أَشْعَرَ الْجَنِينُ فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ، هَكَذَا قَالَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرُهُ مِنْ الثِّقَاتِ، وَلَيْسَ هَذَا هُوَ إسْمَاعِيلَ بْنَ مُسْلِمٍ الْبَصْرِيَّ الْعَبْدِيَّ، صَاحِبَ الْمُتَوَكِّلِ، ذَاكَ ثِقَةٌ. انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ: فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ بِشْرِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي أُمَامَةَ، قَالَا: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ»، انْتَهَى.
قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ وُجُوهٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي أَيُّوبَ، وَغَيْرِهِمَا، وَأَعْلَى مَنْ رَوَاهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانُ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَلَيَّنَ بِشْرَ بْنَ عُمَارَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي حَدِيثُهُ إلَى الِاسْتِقَامَةِ أَقْرَبُ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْهُ، وَالْحَارِثُ مَعْرُوفٌ، وَفِيهِ أَيْضًا مُوسَى بْنُ عُثْمَانَ الْكِنْدِيُّ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: مَجْهُولٌ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يُحْتَجُّ بِأَسَانِيدِهِ كُلِّهَا، وَأَقَرَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بَعْضُهُمْ لِغَرَضٍ لَهُ: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةَ أُمِّهِ»، بِنَصْبِ ذَكَاةٍ الثَّانِيَةِ، لَتُوجِبَ ابْتِدَاءَ الذَّكَاةِ فِيهِ إذَا خَرَجَ، وَلَا يَكْتَفِي بِذَكَاةِ أُمِّهِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالرَّفْعِ، كَمَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ، وَأَبْطَلَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ، لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِإِبَاحَتِهِ مِنْ غَيْرِ إحْدَاثِ ذَكَاةٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْجَنِينَ لَا يُؤْكَلُ إلَّا بِاسْتِئْنَافِ الذَّكَاةِ فِيهِ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا أَحْسَبُ أَصْحَابَهُ وَافَقُوهُ عَلَيْهِ، انْتَهَى.