فصل: بَابٌ فِي الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابٌ فِي الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ:

(وَيَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ بِرِضَاهَا وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا وَلِيٌّ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ (فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) رَحِمَهُ اللَّهُ (أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِوَلِيٍّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا).
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ أَصْلًا، لِأَنَّ النِّكَاحَ يُرَادُ لِمَقَاصِدِهِ وَالتَّفْوِيضُ إلَيْهِنَّ مُخِلٌّ بِهَا، إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: يَرْتَفِعُ الْخَلَلُ بِإِجَازَةِ الْوَلِيِّ، وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ لِكَوْنِهَا عَاقِلَةً مُمَيِّزَةً وَلِهَذَا كَانَ لَهَا التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ وَلَهَا اخْتِيَارُ الْأَزْوَاجِ وَإِنَّمَا يُطَالَبُ الْوَلِيُّ بِالتَّزْوِيجِ كَيْ لَا تُنْسَبَ إلَى الْوَقَاحَةِ ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكُفْءِ وَغَيْرِ الْكُفْءِ وَلَكِنْ لِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ، لِأَنَّهُ كَمْ مِنْ وَاقِعٍ لَا يُرْفَعُ، وَيُرْوَى رُجُوعُ مُحَمَّدٍ إلَى قَوْلِهِمَا.
الشرح:
بَابُ فِي الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: أَحَادِيثُ الْأَصْحَابِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ، وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا»، انْتَهَى.
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ شَارَكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلِيِّ، ثُمَّ قَدَّمَهَا بِقَوْلِهِ: أَحَقُّ، وَقَدْ صَحَّ الْعَقْدُ مِنْهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ مِنْهَا، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهَا حَقًّا، وَجَعَلَهَا أَحَقَّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ إلَّا الْمُبَاشَرَةُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إنَّ أَبِي أَنْكَحَنِي رَجُلًا، وَأَنَا كَارِهَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِيهَا: لَا نِكَاحَ لَك، اذْهَبِي، فَانْكِحِي مَنْ شِئْت»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَالْجَوَابُ: إنَّ الْمَوْجُودَ فِي الصَّحِيحِ إنَّ أَبَاهَا أَنْكَحَهَا، وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ حَدِيثِ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: انْكِحِي مَنْ شِئْت، فَرَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ مُرْسَلًا.
هَذَا، وَالْمُرْسَلُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَلَوْ قُلْنَا: إنَّهُ حُجَّةٌ فَالْمُرَادُ تَخْيِيرُ الْأَكْفَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اخْتِلَافٌ، رَوَاهُ إسْرَائِيلُ، وَشَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَزَيْدُ بْنُ حُبَابٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، وَرَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي مُرْسَلًا، وَأَسْنَدَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَلَا يَصِحُّ وَرِوَايَةُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ»، عِنْدِي أَصَحُّ، لِأَنَّ سَمَاعَهُمْ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَإِنْ كَانَ شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ أَحْفَظَ، وَأَثْبَتَ مِنْ جَمِيعِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ، فَإِنَّ رِوَايَةَ هَؤُلَاءِ عِنْدِي أَشْبَهُ وَأَصَحُّ، لِأَنَّ شُعْبَةَ، وَالثَّوْرِيَّ سَمِعَا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ثَنَا أَبُو دَاوُد ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْت سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَسْأَلُ أَبَا إِسْحَاقَ أَسَمِعْت أَبَا بُرْدَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ»؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ سَمَاعَ شُعْبَةَ، وَالثَّوْرِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَإِسْرَائِيلُ هُوَ ثَبْتٌ فِي أَبِي إِسْحَاقَ، انْتَهَى كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ.
وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ»، انْتَهَى.
قَالَ الْحَاكِمُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَكُنْ لِلشَّيْخَيْنِ إخْلَاءُ الصَّحِيحَيْنِ مِنْهُ، فَإِنَّ النُّعْمَانَ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، وَقَدْ وَصَلَهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ جَمِيعًا، وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الثِّقَاتِ عَنْ الثَّوْرِيِّ.
وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ جَدِّهِ، فَوَصَلُوهُ، فَأَمَّا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الثِّقَةُ الْحُجَّةُ فِي حَدِيثِ جَدِّهِ أَبِي إِسْحَاقَ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي وَصْلِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ الْقَاسِمِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، وَأَبِي غَسَّانَ مَالِكِ بْنِ إسْمَاعِيلَ، وَأَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ الْوَهْبِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ، وَطَلْقِ بْنِ غَنَّامٍ، كُلُّهُمْ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِهِ سَنَدًا، قَالَ: وَهَذِهِ الْأَسَانِيدُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ، وَقَدْ وَصَلَهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَيْضًا جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ مَنْ ذَكَرْنَاهُمْ، مِنْهُمْ: الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَرَقَبَةُ بْنُ مَصْقَلَةَ، وَمُطَرِّفُ بْنُ طَرِيفٍ الْحَارِثِيُّ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلَالِيُّ، وَزَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَغَيْرُهُمْ، قَالَ: وَقَدْ وَصَلَهُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ جَمَاعَةٌ غَيْرُ أَبِي إِسْحَاقَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ بِهِ مُسْنَدًا.
وَعَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عُثْمَانَ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِهِ مُسْنَدًا، قَالَ: وَلَسْت أَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي عَدَالَةِ يُونُسِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي وَقَعَ عَلَى أَبِيهِ مِنْ جِهَةِ أَصْحَابِهِ لَا مِنْ جِهَةِ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، وَالْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَكْثَرُهَا صَحِيحَةٌ، وَقَدْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ فِي تَرْجَمَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَلَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَقُلْت لَهُ: إنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى حَدَّثَنَا بِهِ عَنْك، قَالَ: فَأَثْنَى عَلَى سُلَيْمَانَ خَيْرًا وَقَالَ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ وَهِمَ عَلَيَّ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا حَدِيثٌ جَلِيلٌ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ فِي إبْطَالِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ الْكِبَارُ مِنْ النَّاسِ، مِنْهُمْ: يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَلَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ثُمَّ لَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: ثُمَّ لَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْهُ، فَأَنْكَرَهُ، فَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ مِنْ أَجْلِ هَذَا، وَذُكِرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَذْكُرْ هَذَا عَنْ الزُّهْرِيِّ إلَّا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَضَعَّفَ يَحْيَى رِوَايَةَ إسْمَاعِيلَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، انْتَهَى.
وَحِكَايَةُ ابْنِ جُرَيْجٍ هَذِهِ أَسْنَدَهَا الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ أَيْضًا، فَقَالَ: وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهُ ابْنَ شِهَابٍ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِذَلِكَ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: وَقَدْ أَوْهَمَ هَذَا الْخَبَرَ مَنْ لَمْ يُحْكِمْ صِنَاعَةَ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ بِحِكَايَةٍ حَكَاهَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ لَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْخَبَرِ، لِأَنَّ الضَّابِطَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدْ يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ يَنْسَاهُ، فَإِذَا سُئِلَ عَنْهُ لَمْ يَعْرِفْهُ، فَلَا يَكُونُ نِسْيَانُهُ دَالًّا عَلَى بُطْلَانِ الْخَبَرِ، وَهَذَا الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ الْبَشَرِ صَلَّى فَسَهَا، فَقِيلَ لَهُ: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيت؟ فَقَالَ: كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، فَلَمَّا جَازَ عَلَى مَنْ اصْطَفَاهُ اللَّهُ لِرِسَالَتِهِ فِي أَعَمِّ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ حِينَ نَسِيَ، فَلَمَّا سَأَلُوهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ نِسْيَانُهُ دَالًّا عَلَى بُطْلَانِ الْحُكْمِ الَّذِي نَسِيَهُ، كَانَ جَوَازُ النِّسْيَانِ عَلَى مَنْ دُونَهُ مِنْ أُمَّتِهِ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا بِمَعْصُومِينَ أَوْلَى، انْتَهَى.
قَالَ الْحَاكِمُ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: وَقَدْ صَحَّتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَثْبَاتِ بِسَمَاعِ الرُّوَاةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، فَلَا تُعَلَّلُ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ.
وَقَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَقَدْ يَنْسَى الثِّقَةُ الْحَافِظُ الْحَدِيثَ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَ بِهِ، وَقَدْ اتَّفَقَ ذَلِكَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ ثَنَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: وَذَكَرَ عِنْدَهُ حِكَايَةَ ابْنِ عُلَيَّةَ فِي حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ»، فَقَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ لَهُ كُتُبٌ مُدَوَّنَةٌ، وَلَيْسَ هَذَا فِيهَا يَعْنِي حِكَايَةَ ابْنِ عُلَيَّةَ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَقَدْ أَعَلَّ بَعْضُ مَنْ يُسَوِّي الْأَخْبَارَ عَلَى مَذْهَبِهِ هَذَا الْحَدِيثَ بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ عَنْهُ فَأَنْكَرَهُ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُمَا ضَعَّفَا رِوَايَةَ ابْنِ عُلَيَّةَ هَذِهِ، قَالَ: فَهَذَانِ إمَامَانِ قَدْ وَهَّنَا هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَعَ وُجُوبِ قَبُولِ خَبَرِ الصَّادِقِ، وَإِنْ نَسِيَ مَنْ أَخْبَرَ عَنْهُ.
الثَّانِي: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رُوِيَ عَنْهَا مَا يُخَالِفُهُ، فَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَمِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ؟ فَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: إنَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا كُنْت لِأَرُدَّ أَمْرًا قَضَيْته، فَاسْتَقَرَّتْ حَفْصَةُ عِنْدَ الْمُنْذِرِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، كَمَا تَرَاهُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَنَحْنُ نَحْمِلُ قَوْلَهُ: زَوَّجَتْ أَيْ مَهَّدَتْ أَسْبَابَ التَّزْوِيجِ وَأُضِيفَ النِّكَاحُ إلَيْهَا لِاخْتِيَارِهَا ذَلِكَ، وَإِذْنِهَا فِيهِ، ثُمَّ أَشَارَتْ عَلَى مَنْ وَلِيَ أَمْرَهَا عِنْدَ غَيْبَةِ أَبِيهَا حَتَّى عَقْدِ النِّكَاحِ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ مَا أَخْبَرْنَا، وَأُسْنِدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: كُنْت عِنْدَ عَائِشَةَ يُخْطَبُ إلَيْهَا الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِهَا، فَتَشْهَدُ، فَإِذَا بَقِيَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، قَالَتْ لِبَعْضِ أَهْلِهَا: زَوِّجْ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ، وَفِي لَفْظٍ: فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا يَنْكِحْنَ، قَالَ: إذَا كَانَ مَذْهَبُهَا مَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: زَوَّجَتْ، مَا ذَكَرْنَاهُ، فَلَا يُخَالِفُ مَا رَوَتْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: وَالْعَجَبُ مِنْ هَذَا الْمُحْتَجِّ بِحِكَايَةِ ابْنِ عُلَيَّةَ فِي رَدِّ هَذِهِ السُّنَّةِ، وَهُوَ يَحْتَجُّ بِرِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَهُوَ يَرُدُّهَا هَاهُنَا عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِمِثْلِهِ، وَيَحْتَجُّ أَيْضًا بِرِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَيَرُدُّهَا هَاهُنَا عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِمِثْلِهِ، فَيَقْبَلُ رِوَايَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً إذَا وَافَقَتْ مَذْهَبَهُ، وَلَا يَقْبَلُ رِوَايَتَهُمَا مُجْتَمِعَةً، إذَا خَالَفَتْ مَذْهَبَهُ، وَمَعَهُمَا رِوَايَةُ ثِقَةٍ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَاحْتَجَّ أَيْضًا لِمَذْهَبِهِ بِتَزْوِيجِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أُمَّهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَغِيرٌ، قَالَ: وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَائِزًا بِغَيْرِ وَلِيٍّ لَأَوْجَبَتْ الْعَقْدَ بِنَفْسِهَا، وَلَمْ تَأْمُرْ غَيْرَهَا، فَلَمَّا أَمَرَتْ بِهِ غَيْرَهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهَا عَلَى مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ، وَقَوْلُ مَنْ زَعَمَ: إنَّهُ زَوَّجَهَا بِالْبُنُوَّةِ يُقَابَلُ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: بَلْ زَوَّجَهَا بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ بَنِي أَعْمَامِهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْهُ، وَذَلِكَ، لِأَنَّهُ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَأُمُّ سَلَمَةَ هِيَ هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، فَتَزَوُّجُهُ بِهَا كَانَ بِوَلِيٍّ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ نِكَاحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى وَلِيٍّ، وَتَزْوِيجُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَإِنْكَارُ الزُّهْرِيِّ الْحَدِيثَ لَا يَطْعَنُ فِي رِوَايَتِهِ، لِأَنَّ الثِّقَةَ قَدْ يَرْوِي وَيَنْسَى، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يُحَدِّثُ نَاسًا، ثُمَّ يَقُولُ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِي وَلَا أَعْرِفُهُ، وَرُوِيَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ حَدِيثٌ فَأَنْكَرَهُ، فَقَالَ لَهُ رَبِيعَةُ: أَنْتَ حَدَّثْتنِي بِهِ عَنْ أَبِيك، فَكَانَ سُهَيْلُ يَقُولُ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ عَنِّي، وَقَدْ جَمَعَ الدَّارَقُطْنِيُّ جُزْءًا فِيمَنْ حَدَّثَ وَنَسِيَ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الزُّهْرِيَّ نَسِيَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَقُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِهِ عَنْهُ، فَحَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْهُ.
«لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»، وَالْحَجَّاجُ ضَعِيفٌ، رَوَاهَا ابْنُ مَاجَهْ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ ثَنَا أَبِي عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ سَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ، وَنُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَكِيمٍ، وَقَالُوا فِيهِ: وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، وَأَبُوهُ ضَعِيفَانِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْخَصِيبِ عَنْ هِشَامٍ بِهِ مَرْفُوعًا: «لَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنْ أَرْبَعَةٍ: الْوَلِيِّ، وَالزَّوْجِ، وَالشَّاهِدَيْنِ»، وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا، وَأَبُو الْخَصِيبِ اسْمُهُ: نَافِعُ بْنُ مَيْسَرَةَ، وَهُوَ مَجْهُولٌ انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ زَوَّجَ أُخْتًا لَهُ، فَطَلَّقَهَا الرَّجُلُ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَخْطُبُهَا، فَقَالَ: زَوَّجْتُك كَرِيمَتِي فَطَلَّقْتهَا، ثُمَّ أَنْشَأْت تَخْطُبُهَا؟ فَأَبَى أَنْ يُزَوِّجَهُ، وَهَوِيَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
{وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»، وَالْحَجَّاجُ ضَعِيفٌ، وَفِي سَمَاعِهِ مِنْ عِكْرِمَةَ نَظَرٌ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَلَكِنْ رُوِيَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْهُ، لَكِنَّ الطَّبَرَانِيَّ رَوَاهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ بِهِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا.
وَقَالَ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إلَّا أَنَّهُ مَحْفُوظٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ إلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَمِيلِ بْنِ الْحَسَنِ الْجَهْضَمِيِّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ الْعُقَيْلِيُّ ثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُزَوِّجْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ الْجَرْمِيِّ ثَنَا مَخْلَدٍ بْنُ الْحُسَيْنِ ثَنَا هِشَامٌ بِهِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَجَمِيلٌ، وَمُسْلِمٌ هَذَانِ لَا يُعْرَفَانِ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: أَمَّا جَمِيلٌ فَهُوَ ابْنُ الْحَسَنِ الْأَزْدِيُّ الْعَتَكِيُّ الْأَهْوَازِيُّ مَشْهُورٌ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ أَبِي دَاوُد، وَخَلَفٌ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُهُ، وَمُسْلِمٌ الْجَرْمِيِّ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هُوَ مِنْ الثِّقَاتِ، رَوَى عَنْ مَخْلَدٍ بْنِ حُسَيْنٍ، وَرَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ أَيْضًا هَذَا الْحَدِيثَ.
وَقَالَ: سَأَلْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ رِوَايَةِ مَخْلَدٍ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، فَقَالَ: ثِقَةٌ.
قُلْت: تَذَكَّرْت لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، كَانَ عِنْدَنَا شَيْخٌ يَرْفَعُهُ عَنْ مَخْلَدٍ، وَرَوَاهُ بَحْرُ بْنُ نَضْرٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَشْبَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَحَادِيثَ وَاهِيَةً ضَعِيفَةً، أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ الرِّيبُونِيُّ ثَنَا عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الرَّقِّيِّ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ بَكْرِ بْنِ بَكَّارَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحْرِزٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحْرِزٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَهُمَا مَعْلُولَانِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحْرِزٍ، وَفِي الْأَوَّلِ أَيْضًا بَكْرُ بْنُ بَكَّارَ، وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ثَابِتِ بْنِ زُهَيْرٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَالَهُ ابْنُ عَدِيٍّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبِي عَلِيٍّ الْكِنْدِيِّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْجَرَّاحِ الْحَسَّانِيُّ ثَنَا أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ: قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ إلَّا أَحْمَدُ هَذَا، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ صُبْحِ بْنِ عِمْرَانَ التَّمِيمِيِّ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ الْأَصْبَغِ بْنِ ثُمَامَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيٍّ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»، وَضَعَّفَهُ مَعْمَرُ بْنُ صُبَيْحٍ، قَالَ: وَقَدْ اضْطَرَبَ فِيهِ، فَمَرَّةً رَوَاهُ هَكَذَا، وَمَرَّةً رَوَاهُ عَنْ مُقَاتِلٍ عَنْ قَبِيصَةَ عَنْ مُعَاذٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَيْفٍ الْبَصْرِيِّ ثَنَا هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُجَاشِعِيُّ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَقَالَ: إسْمَاعِيلُ هَذَا يَسْرِقُ الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ أَبِي دَاوُد، وَأَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى الْعَرْزَمِيِّ، فَرُوِيَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَمَرَّةً كَمَا أَخْبَرْنَا، فَأُسْنِدَ عَنْ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَمَرَّةً كَمَا أَخْبَرْنَا، فَأُسْنِدَ عَنْهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَهَذِهِ الِاخْتِلَافَاتُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهَا غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ النَّصِيبِيُّ ثَنَا حَمْزَةُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهَا، وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»، انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ رَاهْوَيْهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: تَفَرَّدَ بِهِ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَفِي لَفْظِهِ التَّفْرِيقُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ فِي إبْطَالِ النِّكَاحِ، دُونَ لَفْظِ التَّفْرِيقِ، انْتَهَى.
(وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إجْبَارُ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ عَلَى النِّكَاحِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لَهُ الِاعْتِبَارُ بِالصَّغِيرَةِ وَهَذَا، لِأَنَّهَا جَاهِلَةٌ بِأَمْرِ النِّكَاحِ لِعَدَمِ التَّجْرِبَةِ وَلِهَذَا يَقْبِضُ الْأَبُ صَدَاقَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا.
وَلَنَا أَنَّهَا حُرَّةٌ مُخَاطَبَةٌ فَلَا يَكُونُ لِلْغَيْرِ عَلَيْهَا وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ وَالْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ لِقُصُورِ عَقْلِهَا وَقَدْ كَمُلَ بِالْبُلُوغِ بِدَلِيلِ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ فَصَارَ كَالْغُلَامِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْأَبُ قَبْضَ الصَّدَاقِ بِرِضَاهَا دَلَالَةً، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ مَعَ نَهْيِهَا.
الشرح:
أَحَادِيثُ إجْبَارِ الْبِكْرِ الْبَالِغِ:
قَالَ أَصْحَابُنَا: لَيْسَ لِلْوَلِيِّ إجْبَارُ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ عَلَى النِّكَاحِ، وَخَالَفَهُمْ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ.
لِأَصْحَابِنَا حَدِيثٌ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ حُسَيْنٍ ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، انْتَهَى.
وَحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْمُخَرَّجُ لَهُمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: أَخْطَأَ فِيهِ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَلَى أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَيُّوبَ مَوْصُولًا وَزَيْدٌ مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثِ حُسَيْنٍ، فَقَالَ: هُوَ خَطَأٌ، إنَّمَا هُوَ كَمَا رَوَى الثِّقَاتُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَقُلْت لَهُ: الْوَهَمُ مِمَّنْ؟ فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ حُسَيْنٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ غَيْرُهُ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ: قَدْ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ أَيْضًا، كَمَا رَوَاهُ حُسَيْنٌ، فَبَرِئَتْ عُهْدَتُهُ، وَزَالَتْ تَبِعَتُهُ، ثُمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: رَوَاهُ أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْد هَكَذَا عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَيُّوبَ مَوْصُولًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَيُّوبَ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، قَالَ: وَلَيْسَتْ هَذِهِ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِذَامِ الَّتِي زَوَّجَهَا أَبُوهَا، وَهِيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْهُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ نِكَاحَهُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فَإِنَّ تِلْكَ ثَيِّبٌ، وَهَذِهِ بِكْرٌ، وَهُمَا ثِنْتَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمَا ثِنْتَانِ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ نِكَاحَ بِكْرٍ، وَثَيِّبٍ أَنْكَحَهُمَا أَبُوهُمَا وَهُمَا كَارِهَتَانِ»، انْتَهَى.
قُلْت: أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدِيثَ خَنْسَاءَ، وَفِيهِ أَنَّهَا كَانَتْ بِكْرًا، رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَنْسَاءَ، قَالَتْ: «أَنْكَحَنِي أَبِي وَأَنَا كَارِهَةٌ، وَأَنَا بِكْرٌ، فَشَكَوْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَا تُنْكِحْهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ»، انْتَهَى.
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: وَقَعَ فِي كِتَابِ النَّسَائِيّ أَنَّهَا كَانَتْ بِكْرًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا كَانَتْ ثَيِّبًا، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَتَزَوَّجَتْ خَنْسَاءُ بِمَنْ هَوِيَتْهُ، وَهُوَ أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، صَرَّحَ بِهِ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ، فَوَلَدَتْ لَهُ السَّائِبَ بْنَ أَبِي لُبَابَةَ، فَأَمَّا الْجَارِيَةُ الْبِكْرُ فَهِيَ غَيْرُ الْخَنْسَاءِ، رَوَى حَدِيثَهَا ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ، وَعَائِشَةُ، عِنْدَ أَبِي دَاوُد، مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِيُطَيِّبَ قَلْبَهَا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ، وَهِيَ بِكْرٌ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهَا، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا وَهَمٌ مِنْ شُعَيْبٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ: لَمْ يَسْمَعْهُ الْأَوْزَاعِيُّ مِنْ عَطَاءٍ، وَالْحَدِيثُ فِي الْأَصْلِ مُرْسَلٌ لَفْظًا، إنَّمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلٌ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ بِكْرًا، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِكَاحَهَا»، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَزِعُ النِّسَاءَ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ ثَيِّبًا وَأَبْكَارًا بَعْدَ أَنْ يُزَوِّجَهُنَّ الْآبَاءُ إذَا كَرِهْنَ ذَلِكَ» انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مِنْ نَافِعٍ، إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: بَاطِلٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: سُئِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: يَرْوِيهِ صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ، وَبَيَّنَ فِيهِ أَنَّ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ سَمِعَهُ مِنْ نَافِعٍ، وَأَتَى بِهِ بِطُولِهِ عَلَى الصَّوَابِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ عَنْ عُمَرَ.
وَمَنْ قَالَ فِيهِ: عُمَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ فَقَدْ وَهِمَ، وَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْر عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ، وَالصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ نَافِعٍ، وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَيَانُ أَنَّ التَّزْوِيجَ كَانَ مِنْ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ أَخِي عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ لِأَبِيهِ، وَهُوَ عَمُّهَا، وَهُوَ أَصَحُّ مِمَّنْ قَالَ: زَوَّجَهَا أَبُوهَا، لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهَا عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَهُوَ خَالُ ابْنِ عُمَرَ انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ الذِّمَارِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامٍ صَاحِبِ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ نِكَاحَ بِكْرٍ وَثَيِّبٍ أَنْكَحَهُمَا أَبُوهُمَا، وَهُمَا كَارِهَتَانِ، فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِكَاحَهُمَا»، انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هَذَا، هُوَ ابْنُ جُوتِيٍّ الطَّبَرِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ عَنْ الذِّمَارِيِّ، فَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ مُسْلِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ الذِّمَارِيِّ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهِمَ فِيهِ الذِّمَارِيُّ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَالصَّوَابُ عَنْ يَحْيَى عَنْ الْمُهَاجِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَهُوَ فِي جَامِعِ الثَّوْرِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مُرْسَلًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ غَيْرُ الثَّوْرِيِّ عَنْ هِشَامٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «جَاءَتْ فَتَاةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي مِنْ خَسِيسَتِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهَا، فَقَالَتْ: إنِّي قَدْ أَجَزْت مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْت أَنْ تُعَلِّمَ النِّسَاءَ أَنْ لَيْسَ إلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ».
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، ابْنُ بُرَيْدَةَ، لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ، وَإِنْ صَحَّ، فَإِنَّمَا جَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهَا لِوَضْعِهَا فِي غَيْرِ كُفْءٍ، انْتَهَى.
قُلْت: هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَتْ فَتَاةٌ، الْحَدِيثَ، سَوَاءٌ، وَيُنْظَرُ مُسْنَدُ أَحْمَدَ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَجُمْهُورُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ زَوَّجَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَقَوْلهَا: زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ، يَكُونُ ابْنَ عَمِّهَا.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا».
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ قَسَّمَ النِّسَاءَ قِسْمَيْنِ: ثَيِّبًا، وَأَبْكَارًا، ثُمَّ خَصَّ الثَّيِّبَ بِأَنَّهَا أَحَقُّ مِنْ وَلِيِّهَا، مَعَ أَنَّهَا هِيَ وَالْبِكْرُ اجْتَمَعَا فِي ذِهْنِهِ، فَلَوْ أَنَّهَا كَالثَّيِّبِ فِي تَرَجُّحِ حَقِّهَا عَلَى حَقِّ الْوَلِيِّ، لَمْ يَكُنْ لِإِفْرَادِ الثَّيِّبِ بِهَذَا مَعْنًى، وَصَارَ هَذَا كَقَوْلِهِ: فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ، فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا بِلَفْظِ: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا»، وَالْأَيِّمُ: هِيَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا، بِكْرًا كَانَتْ، أَوْ ثَيِّبًا، قُلْنَا: الْمُرَادُ بِالْأَيِّمِ أَيْضًا الثَّيِّبُ، لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْبِكْرَ، عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الثَّيِّبَ، إذْ لَيْسَ قِسْمٌ ثَالِثٌ.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: لَا دَلَالَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ لَيْسَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا، إلَّا مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ، وَالْحَنَفِيَّةُ لَا يَقُولُونَ بِهِ، ثُمَّ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِهِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ لَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى إجْبَارِ كُلِّ بِكْرٍ، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ لَا عُمُومَ لَهُ، فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ هِيَ دُونَ الْبُلُوغِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ قَدْ خَالَفَهُ مَنْطُوقُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ، وَالِاسْتِئْذَانُ مُنَافٍ لِلْإِجْبَارِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّفْرِيقُ فِي الْحَدِيثِ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ، لِأَنَّ الثَّيِّبَ تُخْطَبُ إلَى نَفْسِهَا، فَتَأْمُرُ الْوَلِيَّ بِتَزْوِيجِهَا، وَالْبِكْرُ تُخْطَبُ إلَى وَلِيِّهَا، فَيَسْتَأْذِنُهَا، وَلِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فِي كَوْنِ الثَّيِّبِ إذْنُهَا الْكَلَامُ، وَالْبِكْرُ إذْنُهَا الصُّمَاتُ، لِأَنَّ الْبِكْرَ لَمَّا كَانَتْ تَسْتَحِي أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي أَمْرِ نِكَاحِهَا، لَمْ تُخْطَبْ إلَى نَفْسِهَا، وَالثَّيِّبُ تُخْطَبُ إلَى نَفْسِهَا، لِزَوَالِ حَيَاءِ الْبِكْرِ عَنْهَا، فَتَتَكَلَّمُ بِالنِّكَاحِ، وَتَأْمُرُ وَلِيَّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا، فَلَمْ يَقَعْ التَّفْرِيقُ فِي الْحَدِيثِ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ لِأَجْلِ الْإِجْبَارِ، وَعَدَمِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ:
قَالَ أَصْحَابُنَا: يَمْلِكُ الْوَلِيُّ إجْبَارَ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ عَلَى النِّكَاحِ، وَخَالَفَهُمْ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، لَهُمَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمُ مَرْفُوعًا: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَحَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَحَدِيثُ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، وَكَانَتْ ثَيِّبًا، فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِكَاحَهُ، انْتَهَى.
انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْهُ صَالِحٌ مِنْ نَافِعٍ، إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْهُ، اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَسَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ صَالِحٍ، وَكَأَنَّ مَعْمَرًا أَخْطَأَ فِيهِ، قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ مَعْمَرًا أَخْطَأَ فِيهِ، قَالَ النَّسَائِيُّ: لَعَلَّ صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ: ذِكْرُ الْخَبَرِ الْمُدْحِضِ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، ثُمَّ ذَكَرَهُ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ عَنْ نَافِعٍ، وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، قَالَ صَالِحٌ: إنَّمَا سَمِعْته مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ. انْتَهَى.
قَالَ: (وَإِذَا اسْتَأْذَنَهَا الْوَلِيُّ فَسَكَتَتْ أَوْ ضَحِكَتْ فَهُوَ إذْنٌ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ رَضِيَتْ»، وَلِأَنَّ جَنَبَةَ الرِّضَا فِيهِ رَاجِحَةٌ، لِأَنَّهَا تَسْتَحِي عَنْ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ لَا عَنْ الرَّدِّ، وَالضَّحِكُ أَدَلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ السُّكُوتِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَكَتْ، لِأَنَّهُ دَلِيلُ السَّخَطِ وَالْكَرَاهَةِ، وَقِيلَ إذَا ضَحِكَتْ كَالْمُسْتَهْزِئَةِ بِمَا سَمِعَتْ لَا يَكُونُ رِضًا، وَإِذَا بَكَتْ بِلَا صَوْتٍ لَمْ يَكُنْ رَدًّا.
قَالَ: (وَإِنْ فَعَلَ هَذَا غَيْرُ الْوَلِيِّ) يَعْنِي اسْتَأْمَرَ غَيْرُ الْوَلِيِّ (أَوْ وَلِيُّ غَيْرِهِ أَوْلَى مِنْهُ لَمْ يَكُنْ رِضًا حَتَّى تَتَكَلَّمَ بِهِ)، لِأَنَّ هَذَا السُّكُوتَ لِقِلَّةِ الِالْتِفَافِ إلَى كَلَامِهِ: فَلَمْ يَقَعْ دَلَالَةً عَلَى الرِّضَا وَلَوْ وَقَعَ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَالِاكْتِفَاءُ بِمِثْلِهِ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْأَوْلِيَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْمِرُ رَسُولُ الْوَلِيِّ، لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِئْمَارِ تَسْمِيَةُ الزَّوْجِ عَلَى وَجْهٍ تَقَعُ بِهِ الْمَعْرِفَةُ لِتَظْهَرَ رَغْبَتُهَا فِيهِ مِنْ رَغْبَتِهَا عَنْهُ (وَلَا تُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ، هُوَ الصَّحِيحُ)، لِأَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ بِدُونِهِ.
(وَلَوْ زَوَّجَهَا فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَسَكَتَتْ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا)، لِأَنَّ وَجْهَ الدَّلَالَةِ فِي السُّكُوتِ لَا يَخْتَلِفُ، ثُمَّ الْمُخْبِرُ إنْ كَانَ فُضُولِيًّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ كَانَ رَسُولًا لَا يُشْتَرَطُ إجْمَاعًا وَلَهُ نَظَائِرُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ رَضِيَتْ».
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ»، انْتَهَى.
وأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ، قَالَتْ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَإِنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْمَرُ، فَتَسْتَحِي، فَتَسْكُتُ، قَالَ: سُكُوتُهَا إذْنُهَا»، انْتَهَى.
وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ فِي الْإِكْرَاهِ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: قَالَتْ: «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَارِيَةِ يُنْكِحُهَا أَهْلُهَا أَتُسْتَأْمَرُ أَمْ لَا؟ قَالَ: نَعَمْ تُسْتَأْمَرُ. قُلْت: فَإِنَّهَا تَسْتَحِي، قَالَ: ذَلِكَ إذْنُهَا، إذَا هِيَ سَكَتَتْ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ خَلَا الْبُخَارِيَّ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَإِذْنُهَا سُكُوت»، انْتَهَى.
(وَلَوْ اسْتَأْذَنَ الثَّيِّبَ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهَا بِالْقَوْلِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ» وَلِأَنَّ النُّطْقَ لَا يُعَدُّ عَيْبًا مِنْهَا وَقَلَّ الْحَيَاءُ بِالْمُمَارَسَةِ فَلَا مَانِعَ مِنْ النُّطْقِ فِي حَقِّهَا.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ».
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ قَرِيبًا.
(وَإِذَا زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ حَيْضَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ تَعْنِيسٍ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْأَبْكَارِ)، لِأَنَّهَا بِكْرٌ حَقِيقَةً، لِأَنَّ مُصِيبَهَا أَوَّلُ مُصِيبٍ لَهَا، وَمِنْهُ الْبَاكُورَةُ وَالْبُكْرَةُ وَلِأَنَّهَا تَسْتَحِي لِعَدَمِ الْمُمَارَسَةِ.
(وَلَوْ زَالَتْ) بَكَارَتُهَا (بِزِنًى فَهِيَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ: لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا، لِأَنَّهَا ثَيِّبٌ حَقِيقَةً، لِأَنَّ مُصِيبَهَا عَائِدٌ إلَيْهَا، وَمِنْهُ الْمَثُوبَةُ وَالْمَثَابَةُ وَالتَّثْوِيبُ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ النَّاسَ عَرَفُوهَا بِكْرًا فَيُعَيِّبُونَهَا بِالنُّطْقِ فَتَمْتَنِعُ عَنْهُ فَيُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا كَيْ لَا تَتَعَطَّلَ عَلَيْهَا مَصَالِحُهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ، لِأَنَّ الشَّرْعَ أَظْهَرَهُ حَيْثُ عَلَّقَ بِهِ أَحْكَامًا، أَمَّا الزِّنَا فَقَدْ نُدِبَ إلَى سَتْرِهِ حَتَّى لَوْ اشْتَهَرَ حَالُهَا لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا.
(وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ بَلَغَك النِّكَاحُ فَسَكَتَتْ وَقَالَتْ رَدَدْت فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا).
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ، لِأَنَّ السُّكُوتَ أَصْلٌ وَالرَّدُّ عَارِضٌ فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ.
وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهُ يَدَّعِي لُزُومَ الْعَقْدِ، وَتَمْلِكُ الْبُضْعَ وَالْمَرْأَةُ تَدْفَعُهُ، فَكَانَتْ مُنْكِرَةً كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ، لِأَنَّ اللُّزُومَ قَدْ ظَهَرَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ (وَإِنْ أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى سُكُوتِهَا ثَبَتَ النِّكَاحُ)، لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْلَافِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ وَسَتَأْتِيك إنْ شَاءَ اللَّهُ.
(وَيَجُوزُ نِكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إذَا زَوَّجَهُمَا الْوَلِيُّ بِكْرًا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ أَوْ ثَيِّبًا وَالْوَلِيُّ هُوَ الْعَصَبَةُ) وَمَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُخَالِفُنَا فِي غَيْرِ الْأَبِ، وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَفِي الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ أَيْضًا.
وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى الْحُرَّةِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ هُنَا لِانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ إلَّا أَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ ثَبَتَتْ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالْجَدُّ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ.
قُلْنَا لَا بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَضَمَّنُ الْمَصَالِحَ، وَلَا تَتَوَفَّرُ إلَّا بَيْنَ الْمُتَكَافِئَيْنِ عَادَةً وَلَا يَتَّفِقُ الْكُفْءُ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَأَثْبَتْنَا الْوِلَايَةَ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ إحْرَازًا لِلْكُفْءِ.
وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ النَّظَرَ لَا يَتِمُّ بِالتَّفْوِيضِ إلَى غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِقُصُورِ شَفَقَتِهِ وَبُعْدِ قَرَابَتِهِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ مَعَ أَنَّهُ أَدْنَى رُتْبَةً فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَ التَّصَرُّفَ فِي النَّفْسِ وَأَنَّهُ أَعْلَى أَوْلَى.
وَلَنَا أَنَّ الْقَرَابَةَ دَاعِيَةٌ إلَى النَّظَرِ كَمَا فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ وَمَا فِيهِ مِنْ الْقُصُورِ أَظْهَرْنَاهُ فِي سَلْبِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُ الْخَلَلِ فَلَا تُفِيدُ الْوِلَايَةُ إلَّا مُلْزَمَةً وَمَعَ الْقُصُورِ لَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ، وَجْهُ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الثِّيَابَةَ سَبَبٌ لِحُدُوثِ الرَّأْيِ لِوُجُودِ الْمُمَارَسَةِ فَأَدَرْنَا الْحُكْمَ عَلَيْهَا تَيْسِيرًا.
وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ وَوُفُورِ الشَّفَقَةِ، وَلَا مُمَارَسَةَ تُحْدِثُ الرَّأْيَ بِدُونِ الشَّهْوَةِ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى الصِّغَرِ، ثُمَّ الَّذِي يُؤَيِّدُ كَلَامَنَا فِيمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «النِّكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَالتَّرْتِيبُ فِي الْعَصَبَاتِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ كَالتَّرْتِيبِ فِي الْإِرْثِ وَالْأَبْعَدُ مَحْجُوبٌ بِالْأَقْرَبِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «النِّكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ»، «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ».
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ».
قُلْت: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، وَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، انْتَهَى.
وَفِيهِ كَلَامٌ تَقَدَّمَ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَكُلُّهَا مَعْلُولَةٌ.
(فَإِذَا غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً جَازَ لِمَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ أَنْ يُزَوِّجَ).
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ قَائِمَةٌ، لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ حَقًّا لَهُ صِيَانَةً لِلْقَرَابَةِ فَلَا تَبْطُلُ بِغَيْبَتِهِ، وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ جَازَ وَلَا وِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ مَعَ وِلَايَتِهِ.
وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ التَّفْوِيضُ إلَى مَنْ لَا يُنْتَفَعُ بِرَأْيِهِ فَفَوَّضْنَاهُ إلَى الْأَبْعَدِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى السُّلْطَانِ كَمَا إذَا مَاتَ الْأَقْرَبُ.
وَلَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ فِيهِ مَنْعٌ وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ نَقُولُ لِلْأَبْعَدِ بُعْدُ الْقَرَابَةِ وَقُرْبُ التَّدْبِيرِ وَلِلْأَقْرَبِ عَكْسُهُ فَنُزِّلَا مَنْزِلَةَ وَلِيَّيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ، فَأَيُّهُمَا عَقَدَ نَفَذَ وَلَا يُرَدُّ (وَالْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لَا تَصِلُ إلَيْهَا الْقَوَافِلُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ.
وَقِيلَ: أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ، لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِأَقْصَاهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقِيلَ إذَا كَانَ بِحَالٍ يَفُوتُ الْكُفْءَ الْخَاطِبُ بِاسْتِطْلَاعِ رَأْيِهِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ، لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِي إبْقَاءِ وِلَايَتِهِ حِينَئِذٍ (وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الْمَجْنُونَةِ أَبُوهَا وَابْنُهَا فَالْوَلِيُّ فِي إنْكَاحِهَا ابْنُهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَبُوهَا)، لِأَنَّهُ أَوْفَرُ شَفَقَةً مِنْ الِابْنِ، وَلَهُمَا أَنَّ الِابْنَ هُوَ الْمُقَدَّمُ فِي الْعُصُوبَةِ، وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِزِيَادَةِ الشَّفَقَةِ كَأَبِي الْأُمِّ مَعَ بَعْضِ الْعَصَبَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.