فصل: بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ:

قَالَ: (الْقِصَاصُ وَاجِبٌ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ إذَا قُتِلَ عَمْدًا) أَمَّا الْعَمْدِيَّةُ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا حَقْنُ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَلِتَنْتَفِيَ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ وَتَتَحَقَّقَ الْمُسَاوَاةُ.
قَالَ: (وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْحُرُّ بِالْعَبْدِ) لِلْعُمُومَاتِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} وَمِنْ ضَرُورَةِ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ حُرٌّ بِعَبْدٍ، وَلِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ، وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ طَرَفُ الْحُرِّ بِطَرَفِهِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ بِالْعَبْدِ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ، وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ حَيْثُ يُقْتَلُ بِالْحُرِّ لِأَنَّهُ تَفَاوَتَ إلَى نُقْصَانٍ، وَلَنَا أَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ، وَهِيَ بِالدِّينِ أَوْ بِالدَّارِ، وَيَسْتَوِيَانِ فِيهِمَا، وَجَرَيَانُ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ وَالنَّصُّ تَخْصِيصٌ بِالذِّكْرِ فَلَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ.
قَالَ: (وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» وَلِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَقْتَ الْجِنَايَةِ وَكَذَا الْكُفْرُ مُبِيحٌ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ.
وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «قَتَلَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ» وَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ أَوْ الدَّارِ وَالْمُبِيحُ كُفْرُ الْمُحَارِبِ دُونَ الْمُسَالِمِ وَالْقَتْلُ بِمِثْلِهِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ الْحَرْبِيُّ «لِسِيَاقِهِ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ.
قَالَ: (وَلَا يُقْتَلُ بِالْمُسْتَأْمَنِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَكَذَلِكَ كُفْرُهُ بَاعِثٌ عَلَى الْحِرَابِ، لِأَنَّهُ عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ، وَفِي مَوْضِعَيْنِ فِي الدِّيَاتِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: سَأَلْت عَلِيًّا هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا، وَالْأَشْتَرُ إلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَقُلْت لَهُ: هَلْ عَهِدَ إلَيْك رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً؟ قَالَ: لَا، إلَّا مَا فِي كِتَابِي هَذَا، فَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ، فَإِذَا فِيهِ: «الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأَ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، أَلَا لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»، انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: سَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد أَيْضًا، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ»، انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي: تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ: حَدَّثَنَا الدَّارِمِيُّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «وُجِدَ فِي قَائِمَةِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأَ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ»، مُخْتَصَرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي السِّيَرِ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْبَابِ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ قَتْلُ مُسْلِمٍ إلَّا فِي إحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: زَانٍ مُحْصَنٌ فَيُرْجَمُ وَرَجُلٌ يَقْتُلُ مُسْلِمًا مُتَعَمِّدًا، أَوْ رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ فَيُحَارِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَيُقْتَلُ، أَوْ يُصْلَبَ، أَوْ يُنْفَى مِنْ الْأَرْضِ»، انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: هُوَ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، انْتَهَى.
وَفِي هَذَا اللَّفْظِ بَيَانٌ لِلْمُجْمَلِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ».
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَدْ يَأْخُذُ الْحَنَفِيَّةُ بِهَذَا فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ، وَالْحُرِّ بِالْعَبْدِ، وَلَمْ يَعْتَذِرْ عَنْهُ بِشَيْءٍ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ».
قُلْت: رُوِيَ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا.
فَالْمُسْنَدُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَطَرٍ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ مُسْلِمًا بِمُعَاهَدٍ، وَقَالَ: أَنَا أَكْرَمُ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَالصَّوَابُ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، مُرْسَلٌ، وَابْنُ الْبَيْلَمَانِيِّ ضَعِيفٌ، لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ إذَا وَصَلَ الْحَدِيثَ، فَكَيْفَ بِمَا يُرْسِلُهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثُ عَمَّارِ بْنِ مَطَرٍ هَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَصْلُهُ، وَذِكْرُ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ النَّبِيِّ، مُرْسَلٌ، وَالْآخَرُ رِوَايَةً عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ رَبِيعَةَ، وَإِنَّمَا يَرْوِيهِ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَى عَمَّارِ بْنِ مَطَرٍ الرَّهَاوِيِّ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقْلِبُ الْأَسَانِيدَ، وَيَسْرِقُ الْأَحَادِيثَ حَتَّى كَثُرَ ذَلِكَ فِي رِوَايَاتِهِ، وَسَقَطَ عَنْ حَدِّ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَرَاوِيهِ غَيْرُ ثِقَةٍ، انْتَهَى.
وَأَمَّا الْمُرْسَلُ: فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْحَضْرَمِيِّ، فَمُرْسَلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ مُعَاهَدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَدَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَقَالَ: أَنَا أَوْلَى مَنْ أَوْفَى بِذِمَّتِهِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بِهِ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَنْبَأَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبٍ كَاتِبِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بِهِ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَحَبِيبٌ هَذَا ضَعِيفٌ، وَلَا يَصِحُّ، انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْبَيْلَمَانِيِّ وَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ، وَضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ، وَإِنَّمَا اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ، انْتَهَى.
وَأَمَّا مُرْسَلُ الْحَضْرَمِيِّ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صَالِحٍ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: «قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ، قَتَلَهُ غِيلَةً، وَقَالَ: أَنَا أَوْلَى، أَوْ أَحَقُّ مَنْ أَوْفَى بِذِمَّتِهِ»، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: فِي كِتَابِهِ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذَانِ مَجْهُولَانِ، وَلَمْ أَجِدْ لَهُمَا ذِكْرًا، انْتَهَى.
وَنَقَلَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي زَمَنِ الْفَتْحِ: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»، ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ عَنْ الْوَاقِدِيِّ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ عَنْ خُرَيْنِقَ بِنْتِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، قَالَ: «قَتَلَ خِرَاشُ بْنُ أُمَيَّةَ بَعْدَمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْقَتْلِ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ قَاتِلًا مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ لَقَتَلْتُ خِرَاشًا بِالْهُذَلِيِّ» يَعْنِي لَمَّا قَتَلَ خِرَاشٌ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ: وَهَذَا الْإِسْنَادُ، وَإِنْ كَانَ وَاهِيًا، وَلَكِنَّهُ أَمْثَلُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، قَالَ: هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ الْفَتْحِ، قَالَ: وَحَدِيثُنَا مُتَّصِلٌ، وَحَدِيثُ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ مُنْقَطِعٌ، لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ نَقْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ: قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْبَيْلَمَانِيِّ رَوَى «أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ قَتَلَ كَافِرًا، كَانَ لَهُ عَهْدٌ إلَى مُدَّةٍ، وَكَانَ الْمَقْتُولُ رَسُولًا، فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ»، قَالَ: وَهَذَا خَطَأٌ فَإِنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَهْرًا، وَعَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ قَتَلَ رَجُلَيْنِ وَدَاهَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ: «قَتَلْتَ رَجُلَيْنِ لَهُمَا مِنِّي عَهْدٌ لَأَدِيَنَّهُمَا»، انْتَهَى.
الْآثَارُ: رَوَى الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ الْأَسَدِيُّ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي الْجَنُوبِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: أُتِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ: فَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَجَاءَ أَخُوهُ، فَقَالَ: قَدْ عَفَوْتُ، فَقَالَ: لَعَلَّهُمْ فَزَّعُوكَ، أَوْ هَدَّدُوكَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّ قَتْلَهُ لَا يَرُدُّ عَلَيَّ أَخِي، وَعَوِّضُونِي، قَالَ: أَنْتَ أَعْرَفُ، مَنْ كَانَ لَهُ ذِمَّتُنَا، فَدَمُهُ كَدَمِنَا، وَدِيَتُهُ كَدِيَتِنَا، انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَحُسَيْنُ بْنُ مَيْمُونٍ هُوَ الْخِنْدَفِيُّ، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، قَلَّ مَنْ رَوَى عَنْهُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ: رُبَّمَا يُخْطِئُ، قَالَ: وَنَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: وَدَمُهُ مُحَرَّمٌ كَتَحْرِيمِ دِمَائِنَا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ عَلِيٍّ «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا لَا يَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا يَقُولُ بِخِلَافِهِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ رَجُلًا مُسْلِمًا قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ، فَأَقَادَ مِنْهُ عُمَرُ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ، فَكَتَبَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُرْفَعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا، وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا، فَدُفِعَ الرَّجُلُ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: حُنَيْنٌ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ، فَقَتَلَهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَمْ يُقْتَلْ، فَلَا تَقْتُلُوهُ، فَرَأَوْا أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يُرْضِيَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: شَهِدْتُ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدِمَ إلَى أَمِيرِ الْحِيرَةِ، أَوْ قَالَ أَمِيرِ الْجَزِيرَةِ فِي رَجُلٍ مُسْلِمٍ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ: أَنْ ادْفَعْهُ إلَى وَلِيِّهِ، فَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، قَالَ: فَدَفَعَهُ إلَيْهِ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَأَنَا أَنْظُرُ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: مَرَرْتُ بِالْبَقِيعِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ عُمَرُ، فَوَجَدْتُ أَبَا لُؤْلُؤَةَ، وَالْهُرْمُزَانَ وَجُفَيْنَةَ يَتَنَاجَوْنَ، فَلَمَّا رَأَوْنِي ثَارُوا، فَسَقَطَ مِنْهُمْ خِنْجَرٌ لَهُ رَأْسَانِ وَنِصَابُهُ وَسَطُهُ فَلَمَّا قُتِلَ عُمَرُ رَآهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَإِذَا هُوَ الْخِنْجَرُ الَّذِي وَصَفَهُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَانْطَلَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ، وَمَعَهُ السَّيْفُ، فَقَتَلَ الْهُرْمُزَانَ، وَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ السَّيْفِ، قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَعَدَا عَلَى جُفَيْنَةَ، وَكَانَ مِنْ نَصَارَى الْحِيرَةِ، فَقَتَلَهُ، وَانْطَلَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ إلَى ابْنَةِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ صَغِيرَةٍ تَدَّعِي الْإِسْلَامَ فَقَتَلَهَا، وَأَرَادَ أَنْ لَا يَتْرُكَ مِنْ السَّبْيِ يَوْمَئِذٍ أَحَدًا إلَّا قَتَلَهُ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرُونَ، فَزَجَرُوهُ، وَعَظَّمُوا عَلَيْهِ مَا فَعَلَ، وَلَمْ يَزَلْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَتَلَطَّفُ بِهِ حَتَّى أَخَذَ مِنْهُ السَّيْفَ، فَلَمَّا اُسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ دَعَا الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ، وَقَالَ لَهُمْ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي فَتَقَ فِي الدِّينِ مَا فَتَقَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ، وَبَعْضُ الصَّحَابَةِ بِقَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَقَالَ جُلِّ النَّاسِ: أَبْعَدَ اللَّهُ جُفَيْنَةَ، وَالْهُرْمُزَانَ، أَتُرِيدُونَ أَنْ تُتْبِعُوا عُبَيْدَ اللَّهِ أَبَاهُ، إنَّ هَذَا الرَّأْيَ سُوءٌ، وَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ هَذَا قَدْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ لَك عَلَى النَّاسِ سُلْطَانٌ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَلَى كَلَامِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَوَدَى الرَّجُلَيْنِ، وَالْجَارِيَةَ، فَلَمَّا وَلِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَرَادَ قَتْلَهُ، فَهَرَبَ مِنْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ، فَقُتِلَ أَيَّامَ صِفِّينَ، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ أَشَارُوا عَلَى عُثْمَانَ بِقَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَقَدْ قَتَلَ الْهُرْمُزَانَ، وَجُفَيْنَةَ، وَهُمَا ذِمِّيَّانِ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا أَشَارُوا عَلَيْهِ لِقَتْلِهِ ابْنَةَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ صَغِيرَةً تَدَّعِي الْإِسْلَامَ لَا لِقَتْلِهِ الْهُرْمُزَانَ، وَجُفَيْنَةَ، قُلْنَا: قَوْلُهُمْ لَهُ: أَبْعَدَ اللَّهُ جُفَيْنَةَ، وَالْهُرْمُزَانَ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ قَتْلَهُ بِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ لِمَذْهَبِهِ بِخَبَرِ الْهُرْمُزَانِ، وَجُفَيْنَةَ، وَأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَتَلَهُمَا، فَأَشَارَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَفِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِقَتْلِهِ بِهِمَا، وَكَانَا ذِمِّيَّيْنِ، وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَتَلَ ابْنَةً صَغِيرَةً لِأَبِي لُؤْلُؤَةَ، تَدَّعِي الْإِسْلَامَ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَأَيْضًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْهُرْمُزَانَ كَانَ يَوْمَئِذٍ كَافِرًا، بَلْ كَانَ أَسْلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْبَرَنَا، وَأَسْنَدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: حَاصَرْنَا تُسْتَرَ، فَنَزَلَ الْهُرْمُزَانُ، عَلَى حُكْمِ عُمَرَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي قُدُومِهِ عَلَى عُمَرَ، وَأَمَانِهِ لَهُ، قَالَ أَنَسٌ فَأَسْلَمَ الْهُرْمُزَانُ، وَفَرَضَ لَهُ عُمَرُ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: فَرَضَ عُمَرُ لِلْهُرْمُزَانِ دِهْقَانِ الْأَهْوَازِ أَلْفَيْنِ حِينَ أَسْلَمَ، وَكَوْنُهُ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ حِينَ مَسَّهُ السَّيْفُ، كَانَ إمَّا تَعَجُّبًا، أَوْ نَفْيًا لِمَا اتَّهَمَهُ بِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: وَأَمَّا أَنَّ عَلِيًّا مِمَّنْ أَشَارَ بِقَتْلِهِ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ، لَا يَثْبُتُ، انْتَهَى.
(وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْتَأْمَنِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَيُقْتَلُ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْتَأْمَنِ) قِيَاسًا لِلْمُسَاوَاةِ وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِقِيَامِ الْمُبِيحِ (وَيُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَالْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ وَالصَّحِيحُ بِالْأَعْمَى وَالزَّمِنِ وَبِنَاقِصِ الْأَطْرَافِ وَبِالْمَجْنُونِ) لِلْعُمُومَاتِ، وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ التَّفَاوُتِ فِيمَا وَرَاءَ الْعِصْمَةِ امْتِنَاعَ الْقِصَاصِ وَظُهُورَ التَّقَاتُلِ وَالْتَفَّانِي.
قَالَ: (وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِابْنِهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: يُقَادُ إذَا ذَبَحَهُ ذَبْحًا، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْيَائِهِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُسْتَحَقَّ لَهُ إفْنَاؤُهُ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي صَفِّ الْأَعْدَاءِ مُقَاتِلًا أَوْ زَانِيًا وَهُوَ مُحْصَنٌ وَالْقِصَاصُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَقْتُولُ ثُمَّ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ، وَالْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ وَإِنْ عَلَا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ وَكَذَا الْوَالِدَةُ وَالْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ قَرُبَتْ أَمْ بَعُدَتْ لِمَا بَيَّنَّا وَيُقْتَلُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ لِعَدَمِ الْمُسْقِطِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
فَحَدِيثُ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الدِّيَاتِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مَسَانِيدِهِمْ قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي حَجَّاجٍ: صَدُوقٌ، لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، يُدَلِّسُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: كَانَ الْحَجَّاجُ يُدَلِّسُ، فَيُحَدِّثُنَا بِالْحَدِيثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، مِمَّا يُحَدِّثُهُ الْعَرْزَمِيُّ، وَالْعَرْزَمِيُّ مَتْرُوكٌ، قَالَ: وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَ قِصَّةً، وَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يُقَادُ الْأَبُ مِنْ ابْنِهِ» لَقَتَلْتُكَ، هَلُمَّ دِيَتَهُ، فَأَتَاهُ بِهَا، فَدَفَعَهَا إلَى وَرَثَتِهِ، وَتَرَكَ أَبَاهُ، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
وَالْبَيْهَقِيُّ رَوَاهُ كَذَلِكَ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَكَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عِيسَى الْقُرَشِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَتْ جَارِيَةٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَتْ: إنَّ سَيِّدِي اتَّهَمَنِي، فَأَقْعَدَنِي عَلَى النَّارِ، حَتَّى أَحْرَقَ فَرْجِي، فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: هَلْ رَأَى ذَلِكَ مِنْك؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: فَاعْتَرَفْت لَهُ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: لَا، فَقَالَ عُمَرُ: عَلَيَّ بِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَتُعَذِّبُ بِعَذَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اتَّهَمْتهَا فِي نَفْسِهَا، قَالَ: هَلْ رَأَيْتَ ذَلِكَ عَلَيْهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاعْتَرَفَتْ لَك بِهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ أَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يُقَادُ مَمْلُوكٌ مِنْ مَالِكٍ، وَلَا وَلَدٌ مِنْ وَالِدِهِ» لَأَقَدْتهَا مِنْك، ثُمَّ بَرَزَهُ، فَضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: اذْهَبِي، فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَنْتِ مَوْلَاةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، أَخْرَجَهُ فِي الْعِتْقِ وَفِي الْحُدُودِ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ عِيسَى الْقُرَشِيُّ، مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
قُلْت: أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ، وَأَعَلَّاهُ بِعُمَرَ بْنِ عِيسَى، وَأَسْنَدَا عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، إلَّا مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، انْتَهَى.
وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ: إنَّهُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
قُلْت: تَابَعَهُ قَتَادَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ فَحَدِيثُ قَتَادَةَ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِهِ، وَحَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْهُ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَسَكَتَ، وَحَدِيثُ الْعَنْبَرِيِّ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا عَنْهُ عَنْ عَمْرٍو بِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ سُرَاقَةَ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، قَالَ «حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِيدُ الْأَبَ مِنْ ابْنِهِ، وَلَا يُقِيدُ الِابْنَ مِنْ أَبِيهِ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ، وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ، وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نُقِيدُ الْأَبَ مِنْ ابْنِهِ، وَلَا نُقِيدُ الِابْنَ مِنْ أَبِيهِ»، انْتَهَى.
قَالَ: وَالْمُثَنَّى، وَابْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفَانِ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: حَدِيثُ سُرَاقَةَ فِيهِ الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ، وَفِي لَفْظِهِ اخْتِلَافٌ، فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَاهُ بِعَكْسِ لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ رِوَايَةِ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عُمَرَ، انْتَهَى.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ، فَقَالَ: حَدِيثُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَأَهْلِ الْحِجَازِ شِبْهُ لَا شَيْءَ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ ثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يُقَادُ وَالِدٌ مِنْ وَلَدِهِ»، انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَابْنُ لَهِيعَةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: لَمْ يَسْمَعْ ابْنُ لَهِيعَةَ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ شَيْئًا، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ الْيَمَانِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَمُحَمَّدٌ، وَيَعْقُوبُ لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، إلَى أَنْ قَالَ فِيهِ: عَنْ جَدِّهِ عَنْ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، فَيُنْظَرُ مُسْنَدُ أَحْمَدَ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ، وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا»، انْتَهَى.
وَيَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ ضَعِيفٌ جِدًّا.
قَالَ: (وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِعَبْدِهِ وَلَا مُدَبَّرِهِ وَلَا مُكَاتَبِهِ وَلَا بِعَبْدِ وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ لِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْقِصَاصَ وَلَا وَلَدُهُ عَلَيْهِ وَكَذَا لَا يُقْتَلُ بِعَبْدٍ مَلَكَ بَعْضَهُ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ.
قَالَ: (وَمَنْ وَرِثَ قِصَاصًا عَلَى أَبِيهِ سَقَطَ) لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ.
قَالَ: (وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ إلَّا بِالسَّيْفِ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ إنْ كَانَ فِعْلًا مَشْرُوعًا فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا تُحَزُّ رَقَبَتُهُ لِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ.
وَلَنَا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ} وَالْمُرَادُ بِهِ السِّلَاحُ، وَلِأَنَّ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ اسْتِيفَاءَ الزِّيَادَةِ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ فَيُحَزُّ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَمَا فِي كَسْرِ الْعَظْمِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ.
فَحَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْحُرِّ بْنِ مَالِكٍ عَنْ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: عَنْ أَبِي بَكْرَةَ إلَّا الْحُرَّ بْنَ مَالِكٍ، وَكَانَ لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَحْسَبُهُ أَخْطَأَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّ النَّاسَ يَرْوُونَهُ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا، انْتَهَى.
قُلْت: بَلْ تَابَعَهُ الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا فَأَخْرَجَاهُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ الْأَيْلِيِّ عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِالْوَلِيدِ، وَقَالَ: أَحَادِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى.
قُلْت: أَخْرَجَ لَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَوَثَّقَهُ، وَالْمُرْسَلُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْبَزَّارُ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْحَسَنِ، مَرْفُوعًا: «لَا قَوَدَ إلَّا بِحَدِيدَةٍ»، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ أَشْعَثَ، وَعَمْرٌو عَنْ الْحَسَنِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ النُّعْمَانِ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي عَازِبٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَلَفْظُهُ، قَالَ: «الْقَوَدُ بِالسَّيْفِ، وَلِكُلِّ خَطَأٍ أَرْشٌ»، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ مَنْ رَوَاهُ عَنْ النُّعْمَانِ إلَّا أَبَا عَازِبٍ، وَلَا عَنْ أَبِي عَازِبٍ إلَّا جَابِرًا الْجُعْفِيَّ، انْتَهَى.
وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: وَأَبُو عَازِبٍ مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو لَا أَعْلَمُ مَنْ رَوَى عَنْهُ إلَّا جَابِرًا الْجُعْفِيَّ. انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ فَقَدْ وَثَّقَهُ الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَنَاهِيكَ بِهِمَا، فَكَيْفَ يَقُولُ هَذَا، ثُمَّ يَحْكِي الِاتِّفَاقَ عَلَى ضَعْفِهِ؟ هَذَا تَنَاقُضٌ بَيِّنٌ، قَالَ: وَأَبُو عَازِبٍ اسْمُهُ مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو، وَقَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: اسْمُهُ مُسْلِمُ بْنُ أَرَاكٍ، كَمَا تَقَدَّمَ تَسْمِيَتُهُ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي حَدِيثِ الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَطُرُقُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَبِهَذَا الْإِسْنَادُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا بِلَفْظِ: «كُلُّ شَيْءٍ خَطَأٌ إلَّا السَّيْفَ»، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بِلَفْظِ: «كُلُّ شَيْءٍ خَطَأٌ إلَّا السَّيْفَ، وَالْحَدِيدَةَ»، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: قَالَ: «لَا عَمْدَ إلَّا بِالسَّيْفِ»، وَسَيَأْتِي، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ السَّمَيْدَعِ الْأَنْطَاكِيُّ ثَنَا مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ النَّصِيبِيُّ ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي مُعَاذٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ سَوَاءً، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ الْكَرِيمِ، وَضَعَّفَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي الْحُدُودِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرَقْمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ سَوَاءٌ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِسُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَأَبِي دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، قَالُوا: هُوَ مَتْرُوكٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مُعَلَّى بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا قَوَدَ فِي النَّفْسِ وَغَيْرِهَا إلَّا بِحَدِيدَةٍ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَمُعَلَّى بْنُ هِلَالٍ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَلِلشَّافِعِيِّ فِي الْمُمَاثَلَةِ بِالْقِصَاصِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ: «إنَّمَا سَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ الْعُرَنِيِّينَ لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ»، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَبِحَدِيثِ الْيَهُودِيِّ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا «أَنَّ جَارِيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ، قَتَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ، عَلَى حُلِيٍّ لَهَا، رَضَّ رَأْسَهَا بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَسَأَلُوهَا مَنْ صَنَعَ بِك هَذَا؟ فُلَانٌ؟ فُلَانٌ؟ حَتَّى ذَكَرُوا لَهَا يَهُودِيًّا، فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ، فَأَقَرَّ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ»، انْتَهَى.
ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الْإِشَارَةِ فِي الطَّلَاقِ هَكَذَا، وَفِيهِ أَنَّهُ أَقَرَّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَلَا يُعَارَضُ هَذَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ، فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا، لِأَنَّ الرَّجْمَ، وَالرَّضَّ، وَالرَّضْخَ كُلَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الضَّرْبِ بِالْحِجَارَةِ، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ فِيهِ أَيْضًا دَعْوَى النَّسْخِ، لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ تَارِيخٌ، وَلَا سَبَبَ يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ، قَالَ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ بِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ ابْتِدَاءً، لَا عَلَى طَرِيقِ الْمُكَافَأَةِ، انْتَهَى.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ: وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، وَبِقَوْلِهِ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}، انْتَهَى.
قَالَ: (وَإِذَا قُتِلَ الْمُكَاتَبُ عَمْدًا وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا الْمَوْلَى وَتَرَكَ وَفَاءً فَلَهُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا أَرَى فِي هَذَا قِصَاصًا) لِأَنَّهُ اشْتَبَهَ سَبَبُ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّهُ الْوَلَاءُ إنْ مَاتَ حُرًّا وَالْمِلْكُ إنْ مَاتَ عَبْدًا وَصَارَ كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِكَذَا، وَقَالَ الْمَوْلَى زَوَّجْتهَا مِنْك لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ كَذَا هَذَا، وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمَوْلَى بِيَقِينٍ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَالْحُكْمُ مُتَّحِدٌ وَاخْتِلَافُ السَّبَبِ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَا إلَى اخْتِلَافِ حُكْمٍ فَلَا يُبَالَى بِهِ بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ حُكْمَ مِلْكِ الْيَمِينِ يُغَايِرُ حُكْمَ النِّكَاح.
(وَلَوْ تَرَكَ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَا قِصَاصَ وَإِنْ اجْتَمَعُوا مَعَ الْمَوْلَى) لِأَنَّهُ اشْتَبَهَ مَنْ لَهُ حَقٌّ لِأَنَّهُ الْمَوْلَى إنْ مَاتَ عَبْدًا وَالْوَارِثُ إنْ مَاتَ حُرًّا إذْ ظَهَرَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي مَوْتِهِ عَلَى نَعْتِ الْحُرِّيَّةِ أَوْ الرِّقِّ بِخِلَافِ الْأُولَى لِأَنَّ الْمَوْلَى مُتَعَيِّنٌ فِيهَا.
(وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ وَجَبَ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا بِلَا رَيْبٍ لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْبَعْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِالْعَجْزِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي الْمُكَاتَبِ يَتْرُكُ وَفَاءً، هَلْ يَمُوتُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا؟.
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْمُكَاتَبِ.
(وَإِذَا قُتِلَ عَبْدُ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ حَتَّى يَجْتَمِعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ) لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَلِيهِ وَالرَّاهِنُ لَوْ تَوَلَّاهُ لَبَطَلَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ فَيُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا لِيَسْقُطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِرِضَاهُ.
قَالَ: (وَإِذَا قُتِلَ وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ فَلِأَبِيهِ أَنْ يَقْتُلَ) لِأَنَّهُ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ شُرِعَ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَيْهَا وَهُوَ تَشَفِّي الصَّدْرِ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ (وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ) لِأَنَّهُ أَنَظْرُ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ.
(وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا) لِمَا ذَكَرْنَا (وَالْوَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا مِنْ قَبِيلِهِ وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ الصُّلْحُ عَلَى النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا الْقَتْلَ، وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي النَّفْسِ بِالِاعْتِيَاضِ عَنْهُ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الِاسْتِيفَاءِ، وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصُّلْحِ الْمَالُ، وَأَنَّهُ يَجِبُ بِعَقْدِهِ كَمَا يَجِبُ بِعَقْدِ الْأَبِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّشَفِّي وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْأَبِ وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ، لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِبْطَالِ فَهُوَ أَوْلَى، وَقَالُوا: الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ الِاسْتِيفَاءَ فِي الطَّرَفِ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ فِي النَّفْسِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُتَّحِدٌ وَهُوَ التَّشَفِّي، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَمْلِكُهُ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ عَلَى مَا عُرِفَ، فَكَانَ اسْتِيفَاؤُهُ بِمَنْزِلَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَالصَّبِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْتُوهِ فِي هَذَا، وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي الصَّحِيحِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَا وَلِيَّ لَهُ يَسْتَوْفِيهِ السُّلْطَانُ وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَتِهِ فِيهِ.
قَالَ: (وَمَنْ قُتِلَ وَلَهُ أَوْلِيَاءُ صِغَارٌ وَكِبَارٌ فَلِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتُلُوا الْقَاتِلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يُدْرِكَ الصِّغَارُ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْبَعْضِ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ، وَفِي اسْتِيفَائِهِمْ الْكُلَّ إبْطَالُ حَقِّ الصِّغَارِ فَيُؤَخَّرُ إلَى إدْرَاكِهِمْ كَمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْكَبِيرَيْنِ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ، وَلَهُ أَنَّهُ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّأُ لِثُبُوتِهِ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْقَرَابَةُ، وَاحْتِمَالُ الْعَفْوِ مِنْ الصَّغِيرِ مُنْقَطِعٌ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَمَلًا كَمَا فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ بِخِلَافِ الْكَبِيرَيْنِ، لِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ ثَابِتٌ وَمَسْأَلَةُ الْمَوْلَيَيْنِ مَمْنُوعَةٌ.
قَالَ: (وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِمَرٍّ فَقَتَلَهُ فَإِنْ أَصَابَهُ بِالْحَدِيدِ قُتِلَ بِهِ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِالْعُودِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ) قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَهَذَا إذَا أَصَابَهُ بِحَدِّ الْحَدِيدِ لِوُجُودِ الْجُرْحِ فَكَمُلَ السَّبَبُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِظَهْرِ الْحَدِيدِ فَعِنْدَهُمَا يَجِبُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةٍ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْتِبَارًا مِنْهُ لِلْآلَةِ وَهُوَ الْحَدِيدُ، وَعَنْهُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا جُرِحَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَى هَذَا الضَّرْبُ بِسَنَجَاتِ الْمِيزَانِ، وَأَمَّا إذَا ضَرَبَهُ بِالْعُودِ فَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ لِوُجُودِ قَتْلِ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ وَامْتِنَاعِ الْقِصَاصِ حَتَّى لَا يُهْدَرَ الدَّمُ، ثُمَّ قِيلَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَصَا الْكَبِيرَةِ فَيَكُونُ قَتْلًا بِالْمُثَقَّلِ، وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ، وَقِيلَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ السَّوْطِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُوَالَاةِ، لَهُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ فِي الضَّرَبَاتِ إلَى أَنْ مَاتَ دَلِيلُ الْعَمْدِيَّةِ فَيَتَحَقَّقُ الْمُوجِبُ.
وَلَنَا مَا رَوَيْنَا {أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ} وَيُرْوَى شِبْهِ الْعَمْدِ الْحَدِيثَ، وَلِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ عَدَمِ الْعَمْدِيَّةِ، لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّأْدِيبِ أَوْ لَعَلَّهُ اعْتَرَاهُ الْقَصْدُ فِي خِلَالِ الضَّرَبَاتِ فَيَعْرَى أَوَّلُ الْفِعْلِ عَنْهُ وَعَسَاهُ أَصَابَ الْمَقْتَلَ وَالشُّبْهَةُ دَارِئَةٌ لِلْقَوَدِ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ» وَيُرْوَى شِبْهِ الْعَمْدِ.
قُلْت: تَقَدَّمَ.
قَالَ: (وَمَنْ غَرَّقَ صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا فِي الْبَحْرِ فَلَا قِصَاصَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَهُمَا يُسْتَوْفَى حَزًّا وَعِنْدَهُ يُغَرَّقُ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، لَهُمْ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ» وَلِأَنَّ الْآلَةَ قَاتِلَةٌ فَاسْتِعْمَالُهَا أَمَارَةُ الْعَمْدِيَّةِ وَلَا مِرَاءَ فِي الْعِصْمَةِ.
وَلَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا» وَفِيهِ «وَفِي كُلِّ خَطَأٍ أَرْشٌ» وَلِأَنَّ الْآلَةَ غَيْرُ مُعَدَّةٍ لِلْقَتْلِ وَلَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ لِتَعَذُّرِ اسْتِعْمَالِهِ فَتَمَكَّنَتْ شُبْهَةُ عَدَمِ الْعَمْدِيَّةِ، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يُنْبِئُ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ وَمِنْهُ يُقَالُ: اقْتَصَّ أَثَرَهُ وَمِنْهُ الْمِقَصَّةُ لِلْجَلَمَيْنِ وَلَا تَمَاثُلَ بَيْنَ الْجَرْحِ وَالدَّقِّ لِقُصُورِ الثَّانِي عَنْ تَخْرِيبِ الظَّاهِرِ، وَكَذَا لَا يَتَمَاثَلَانِ فِي حِكْمَةِ الزَّجْرِ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالسِّلَاحِ غَالِبٌ وَبِالْمُثَقَّلِ نَادِرٌ، وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ وَقَدْ أَوْمَتْ إلَيْهِ إضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ فِيهِ وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْكَفَّارَةِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ».
قُلْت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ وَفِي الْمَعْرِفَة: أَنْبَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ إجَازَةً ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ مَنْصُورٍ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيِّ ثَنَا بِشْرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ يَزِيدَ بْن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ عَرَّضَ عَرَّضْنَا لَهُ، وَمَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ، وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاه»، انْتَهَى.
قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: فِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَنْ يُجْهَلُ حَالُهُ، كَبِشْرٍ، وَغَيْرِهِ. انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ، قَتِيلُ السَّوْطِ، وَالْعَصَا، وَفِيهِ وَفِي كُلِّ خَطَأٍ أَرْشٌ».
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَبِمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا، وَالدَّارَقُطْنِيّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا عَنْ حَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي عَازِبٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ شَيْءٍ خَطَأٌ إلَّا السَّيْفَ، وَلِكُلِّ خَطَأٍ أَرْشٌ»، انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَأَعَلَّهُ بِأَبِي عَازِبٍ، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَةٍ فِيهَا ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِلطَّبَرَانِيِّ: «كُلُّ شَيْءٍ خَطَأٌ إلَّا السَّيْفَ، وَالْحَدِيدَةَ».
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ:
حَدِيثُ: «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ، قَتِيلُ السَّوْطِ، وَالْعَصَا، وَفِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ»، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِجَمِيعِ طُرُقِهِ قَالَ: (وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا عَمْدًا فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ) لِوُجُودِ السَّبَبِ وَعَدَمِ مَا يُبْطِلُ حُكْمَهُ فِي الظَّاهِرِ فَأُضِيفَ إلَيْهِ.
قَالَ: (وَإِذَا الْتَقَى الصَّفَّانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فَقَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ظَنَّ أَنَّهُ مُشْرِكٌ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) لِأَنَّ هَذَا أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَإِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَالْخَطَأُ بِنَوْعَيْهِ لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَكَذَا الدِّيَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ نَصُّ الْكِتَابِ، وَلَمَّا اخْتَلَفَتْ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَمَانِ أَبِي حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالدِّيَةِ. قَالُوا: إنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ إذَا كَانُوا مُخْتَلِطِينَ فَإِنْ كَانَ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ لَا تَجِبُ لِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ بِتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ.
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ».
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ أَنَّهُ «لَمَّا اخْتَلَفَتْ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَمَانِ أَبِي حُذَيْفَةَ، قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّيَةِ».
قُلْت: رُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ عُرْوَةَ.
وَعَنْ الزُّهْرِيِّ، وَمُسْنَدًا عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الْوَاقِدِيِّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: قَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: لَمَّا انْصَرَفَ الرُّمَاةُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ، وَفِي آخِرِهِ: «وَكَانَ الْيَمَانِ حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ، وَرِفَاعَةُ بْنُ وَقْشٍ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ قَدْ رُفِعَا فِي الْآطَامِ مَعَ النِّسَاءِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: مَا نَسْتَبْقِي مِنْ أَنْفُسِنَا، وَمَا الَّذِي بَقِيَ مِنْ أَجَلِنَا، فَلَوْ لَحِقْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُنَا الشَّهَادَةَ، فَفَعَلَا، فَأَمَّا رِفَاعَةُ، فَقَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ، وَأَمَّا الْيَمَانُ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ، وَحُذَيْفَةُ يَقُولُ: أَبِي أَبِي، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ، حَتَّى قَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِيَتِهِ أَنْ تُخْرَجَ، فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ بِدَمِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَزَادَهُ ذَلِكَ خَيْرًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، وَيُقَالُ: إنَّ الَّذِي أَصَابَهُ يَوْمَئِذٍ عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، مُخْتَصَرٌ، فَمُرْسَلُ عُرْوَةَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا مُطَرِّفٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: «كَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ شَيْخًا كَبِيرًا، فَرُفِعَ فِي الْآطَامِ مَعَ النِّسَاءِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَخَرَجَ يَتَعَرَّضُ لِلشَّهَادَةِ، فَجَاءَ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَابْتَدَرَهُ الْمُسْلِمُونَ، فَرَشَقُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ، وَحُذَيْفَةُ يَقُولُ: أَبِي أَبِي، فَلَا يَسْمَعُونَهُ مِنْ شُغُلِ الْحَرْبِ، حَتَّى قَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، قَالَ: وَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَتْ حُذَيْفَةَ عِنْدَهُ خَيْرًا»، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، فَقَالَ فِيهِ: وَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَدِيَهُ، فَتَصَدَّقَ بِهِ حُذَيْفَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ حُذَيْفَةَ أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ ثَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: «لَمَّا اخْتَلَطَ النَّاسُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَجَالُوا تِلْكَ الْجَوْلَةَ، اخْتَلَفَتْ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حُسَيْلٍ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ، فَضَرَبُوهُ بِسُيُوفِهِمْ، وَابْنُهُ حُذَيْفَةُ يَقُولُ: أَبِي أَبِي، فَلَمْ يَفْهَمُوا حَتَّى قَتَلُوهُ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِيَتِهِ أَنْ تُخْرَجَ، فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَزَادَهُ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا».
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَيُقَالُ: إنَّ الَّذِي أَصَابَهُ يَوْمَئِذٍ عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، انْتَهَى.
وَأَمَّا مُرْسَلُ الزُّهْرِيِّ: فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ فِي بَابِ الْمَغَازِي حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ ثَنَا جَدِّي ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، فَذَكَرَ قِصَّةَ أُحُدٍ بِطُولِهَا، وَقَالَ فِي آخِرِهَا: ثُمَّ سَمَّى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ مَنْ قُتِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَذَكَرَ فِيهِمْ الْيَمَانِ أَبَا حُذَيْفَةَ، وَاسْمُهُ حُسَيْلُ بْنُ جُبَيْرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي عَبْسٍ، أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ، زَعَمُوا فِي الْمَعْرَكَةِ، لَا يَدْرُونَ مَنْ أَصَابَهُ، فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ بِدَمِهِ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ، قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: «أَخْطَأَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ فَرَشَقُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ، يَحْسِبُونَهُ مِنْ الْعَدُوِّ، وَإِنَّ حُذَيْفَةَ لَيَقُولُ: أَبِي أَبِي، فَلَمْ يَفْقَهُوا قَوْلَهُ، حَتَّى فَرَغُوا مِنْهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، قَالَ: وَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَتْ حُذَيْفَةَ عِنْدَهُ خَيْرًا»، مُخْتَصَرًا.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي أَوَاخِرِ الْقِصَاصِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «أَحَاطَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ أُحُدٍ بِالْيَمَانِ أَبِي حُذَيْفَةَ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ بِأَسْيَافِهِمْ وَحُذَيْفَةُ يَقُولُ: أَبِي أَبِي، فَلَمْ يَفْهَمُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَادَهُ عِنْدَهُ خَيْرًا، وَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ: فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْفَضَائِلِ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِيهِمَا كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: «لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أُحُدٍ رَفَعَ حُسَيْلَ بْنَ جَابِرٍ، وَهُوَ الْيَمَانُ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وَثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فِي الْآطَامِ مَعَ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَهُمَا شَيْخَانِ كَبِيرَانِ: لَا أَبَا لَك مَا تَنْتَظِرُ، فَوَاَللَّهِ إنْ بَقِيَ لِوَاحِدٍ مِنَّا مِنْ عُمُرِهِ إلَّا ظَمَأُ حِمَارٍ، أَفَلَا نَلْحَقُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُنَا مِنْهُ الشَّهَادَةَ، فَأَخَذَا أَسْيَافَهُمَا، ثُمَّ خَرَجَا حَتَّى دَخَلَا فِي النَّاسِ، وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِمَا، فَأَمَّا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ، وَأَمَّا الْيَمَانُ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلُوهُ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَبِي أَبِي، قَالُوا: وَاَللَّهِ إنْ عَرَفْنَاهُ، وَصَدَقُوا، قَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدِيَهُ، فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَزَادَهُ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ كَذَلِكَ، وَزَادَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِيهِ، قَالَ: وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، انْتَهَى.
قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي الْبُخَارِيِّ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الدِّيَةِ، أَخْرَجَهُ فِي الدِّيَاتِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «صَرَخَ إبْلِيسُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي النَّاسِ: يَا عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ، حَتَّى قَتَلُوا الْيَمَانَ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَبِي أَبِي، فَقَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ، قَالَ: وَكَانَ انْهَزَمَ مِنْهُمْ قَوْمٌ حَتَّى لَحِقُوا بِالطَّائِفِ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ».
قُلْت: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ «أَنَّ رَجُلًا دَعَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ إلَى وَلِيمَةٍ، فَلَمَّا جَاءَ لِيَدْخُلَ سَمِعَ لَهْوًا، فَلَمْ يَدْخُلْ، فَقَالَ لَهُ: لِمَ رَجَعْتَ؟ قَالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ، فَهُوَ مِنْهُمْ، وَمِنْ رَضِيَ عَمَلَ قَوْمٍ كَانَ شَرِيكَ مَنْ عَمِلَ بِهِ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ فِي كِتَابِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ «أَنَّ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ، فَلَمَّا حَضَرَ إذَا هُوَ بِصَوْتٍ، فَرَجَعَ فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَدْخُلُ، قَالَ: إنِّي أَسْمَعُ صَوْتًا، وَمَنْ كَثَّرَ سَوَادًا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ، وَمَنْ رَضِيَ عَمَلًا كَانَ شَرِيكَ مَنْ عَمِلَهُ»، انْتَهَى.
وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي اللِّبَاسِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي مُنِيبٍ الْجُرَشِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»، انْتَهَى.
وَابْنُ ثَوْبَانَ ضَعِيفٌ.
وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ ثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءً، وَقَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ فَوَقَفَهُ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَقَالَ: لَمْ يُتَابَعْ صَدَقَةُ عَلَى رِوَايَتِهِ هَذِهِ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ مُرْسَلًا، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بْنِ مَحْمُودٍ فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ قُتَيْبَةَ ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَصْبَهَانِيُّ ثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ»، وَفِي آخِرِهِ: «وَمَنْ شُبِّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»، انْتَهَى.
وَهُوَ فِي أَحَادِيثِ الْكَشَّافِ.
قَالَ: (وَمَنْ شَجَّ نَفْسَهُ وَشَجَّهُ رَجُلٌ وَعَقَرَهُ أَسَدٌ وَأَصَابَتْهُ حَيَّةٌ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ ثُلُثُ الدِّيَةِ) لِأَنَّ فِعْلَ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِكَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفِعْلُهُ بِنَفْسِهِ هَدَرٌ فِي الدُّنْيَا مُعْتَبَرٌ فِي الْآخِرَةِ حَتَّى يَأْثَمُ عَلَيْهِ، وَفِي النَّوَادِرِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ ذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا كَتَبْنَاهُ فِي كِتَابِ التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ فَلَمْ يَكُنْ هَدَرًا مُطْلَقًا وَكَانَ جِنْسًا آخَرَ، وَفِعْلُ الْأَجْنَبِيِّ مُعْتَبَرٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَصَارَتْ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ فَكَأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ فَيَكُونُ التَّالِفُ بِفِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.