فصل: بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ:

قَالَ: (وَمَنْ رَمَى مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ وَقَعَ بِهِ السَّهْمُ فَعَلَى الرَّامِي الدِّيَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ بِالِارْتِدَادِ أَسْقَطَ تَقَوُّمَ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ مُبْرِئًا لِلرَّامِي عَنْ مُوجِبِهِ، كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَلَهُ أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الرَّمْيُ، إذْ لَا فِعْلَ مِنْهُ بَعْدَهُ، فَتُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ وَالْمَرْمِيُّ إلَيْهِ فِيهَا مُتَقَوِّمٌ، وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ فِي حَقِّ الْحِلِّ حَتَّى لَا يَحْرُمُ بِرِدَّةِ الرَّامِي بَعْدَ الرَّمْيِ وَكَذَا فِي حَقِّ التَّكْفِيرِ حَتَّى جَازَ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَالْفِعْلُ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَالْقَوَدُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ.
(وَلَوْ رَمَى إلَيْهِ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَأَسْلَمَ ثُمَّ وَقَعَ بِهِ السَّهْمُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَكَذَا إذَا رَمَى حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ) لِأَنَّ الرَّمْيَ مَا انْعَقَدَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ لِعَدَمِ تَقَوُّمِ الْمَحَلِّ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا لِصَيْرُورَتِهِ مُتَقَوِّمًا بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ: (وَإِنْ رَمَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ وَقَعَ السَّهْمُ بِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: عَلَيْهِ فَضْلُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَرْمِيًّا إلَى غَيْرِ مَرْمِيٍّ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لَهُ أَنَّ الْعِتْقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ، وَإِذَا انْقَطَعَتْ بَقِيَ مُجَرَّدُ الرَّمْيِ، وَهُوَ جِنَايَةٌ يُنْتَقَصُ بِهَا قِيمَةُ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا قَبْلَ الرَّمْيِ فَيَجِبُ ذَلِكَ.
وَلَهُمَا أَنَّهُ صُيِّرَ قَاتِلًا مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ، لِأَنَّ فِعْلَهُ الرَّمْيُ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ، بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَالْجُرْحِ لِأَنَّهُ إتْلَافُ بَعْضِ الْمَحَلِّ وَأَنَّهُ يُوجِبُ الضَّمَانَ لِلْمَوْلَى وَبَعْدَ السِّرَايَةِ لَوْ وَجَبَ شَيْءٌ لَوَجَبَ لِلْعَبْدِ فَتَصِيرُ النِّهَايَةُ مُخَالِفَةً لِلْبِدَايَةِ.
أَمَّا الرَّمْيُ قَبْلَ الْإِصَابَةِ لَيْسَ بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَحَلِّ وَإِنَّمَا قَلَّتْ الرَّغَبَاتُ فِيهِ فَلَا يَجِبُ بِهِ ضَمَانٌ فَلَا تَتَخَالَفُ النِّهَايَةُ وَالْبِدَايَةُ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى، وَزُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُنَا فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ نَظَرًا إلَى حَالَةِ الْإِصَابَةِ، فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا حَقَّقْنَاهُ.
قَالَ: (وَمَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ فَرَمَاهُ رَجُلٌ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ ثُمَّ وَقَعَ بِهِ الْحَجَرُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّامِي) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ، وَهُوَ مُبَاحُ الدَّمِ فِيهَا.
(وَإِذَا رَمَى الْمَجُوسِيُّ صَيْدًا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ وَقَعَتْ الرَّمْيَةُ بِالصَّيْدِ لَمْ يُؤْكَلْ، وَإِنْ رَمَاهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ ثُمَّ تَمَجَّسَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ أُكِلَ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالُ الرَّمْيِ فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، إذْ الرَّمْيُ هُوَ الذَّكَاةُ فَتُعْتَبَرُ الْأَهْلِيَّةُ وَانْسِلَابُهَا عِنْدَهُ.
(وَلَوْ رَمَى الْمُحْرِمُ صَيْدًا ثُمَّ حَلَّ فَوَقَعَتْ الرَّمْيَةُ بِالصَّيْدِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَإِنْ رَمَى حَلَالٌ صَيْدًا ثُمَّ أَحْرَمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِالتَّعَدِّي، وَهُوَ رَمْيُهُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ، وَفِي الْأَوَّلِ هُوَ مُحْرِمٌ وَقْتَ الرَّمْيِ، وَفِي الثَّانِي حَلَالٌ فَلِهَذَا افْتَرَقَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.كِتَابُ الدِّيَاتِ:

قَالَ: (وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَكَفَّارَةٌ عَلَى الْعَاقِلِ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ أَوَّلَ الْجِنَايَاتِ.
قَالَ: (وَكَفَّارَتُهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} الْآيَةَ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} بِهَذَا النَّصِّ (وَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْإِطْعَامُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ، وَالْمَقَادِيرُ تُعْرَفُ بِالتَّوْقِيفِ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَذْكُورَ كُلَّ الْوَاجِبِ بِحَرْفِ الْفَاءِ أَوْ لِكَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا عُرِفَ (وَيُجْزِئُهُ رَضِيعٌ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ) لِأَنَّهُ مُسَلَّمٌ بِهِ وَالظَّاهِرُ بِسَلَامَةِ أَطْرَافِهِ (وَلَا يُجْزِئُ مَا فِي الْبَطْنِ) لِأَنَّهُ لَمْ تُعْرَفْ حَيَاتُهُ وَلَا سَلَامَتُهُ.
قَالَ: (وَهُوَ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَإِ) لِمَا تَلَوْنَاهُ (وَدِيَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً).
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَثْلَاثًا ثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً كُلُّهَا خَلِفَاتٌ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا وَفِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا».
وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَلِأَنَّ دِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ أَغْلَظُ وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا، وَلَهُمَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَمَا رَوَيَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بِالتَّغْلِيظِ أَرْبَاعًا كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ كَالْمَرْفُوعِ فَيُعَارَضُ بِهِ.
قَالَ: (وَلَا يَثْبُتُ التَّغْلِيظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً) لِأَنَّ التَّوْقِيفَ فِيهِ، فَإِنْ قُضِيَ بِالدِّيَةِ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ لَمْ تَتَغَلَّظْ لِمَا قُلْنَا.
الشرح:
كِتَابُ الدِّيَاتِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ، قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا، وَفِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ: أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْجِنَايَاتِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا إنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ، مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ: مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا»، انْتَهَى.
وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ.
قَوْلُهُ: وَهَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ بِالتَّغْلِيظِ أَرْبَاعًا.
قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، قَالَا: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فِي شِبْهِ الْعَمْدِ، خَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتُ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتُ مَخَاضٍ، انْتَهَى.
وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ.
وَأَمَّا اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ: فَمِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي الْمُغَلَّظَةِ أَرْبَعُونَ جَذَعَةً خَلِفَةً، وَثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ بَنَاتُ لَبُونٍ، وَفِي الْخَطَإِ ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ بَنَاتُ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنُو لَبُونٍ ذُكُورٌ، وَعِشْرُونَ بَنَاتُ مَخَاضٍ، انْتَهَى.
وَأَبُو عِيَاضٍ ثِقَةٌ، احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَضَى عُمَرُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً، وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً، مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلِ عَامِهَا، كُلُّهَا خَلِفَةٌ، انْتَهَى.
إلَّا أَنَّ مُجَاهِدًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: فِي شِبْهِ الْعَمْدِ أَثْلَاثٌ: ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ ثَنِيَّةً، إلَى بَازِلِ عَامِهَا، كُلُّهَا خَلِفَةٌ، انْتَهَى.
وَعَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ فِيهِ مَقَالٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ عَلِيٌّ نَحْوَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ أَبُو مُوسَى، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، يَقُولَانِ: فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً، مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلِ عَامِهَا، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مُغِيرَةَ بِهِ سَوَاءً.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ: «وَإِنَّ فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ»، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ.
قَالَ: (وَقَتْلُ الْخَطَإِ تَجِبُ بِهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْقَاتِلِ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ.
قَالَ: (وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً) وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا أَخَذْنَا نَحْنُ وَالشَّافِعِيُّ بِهِ لِرِوَايَتِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي قَتِيلٍ قُتِلَ خَطَأً أَخْمَاسًا» عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ، وَلِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ أَخَفُّ فَكَانَ أَلْيَقَ بِحَالَةِ الْخَطَإِ لِأَنَّ الْخَاطِئَ مَعْذُورٌ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْضِي بِعِشْرِينَ ابْنَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنِ مَخَاضٍ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي قَتِيلِ الْخَطَإِ بِالدِّيَةِ أَخْمَاسًا: عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ خِشْفِ بْنِ مَالِكٍ الطَّائِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي دِيَةِ الْخَطَإِ عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي مَخَاضٍ ذُكِرَ»، انْتَهَى.
بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ: قَضَى، كَلَفْظِ الْمُصَنِّفِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْقُوفًا، انْتَهَى.
قُلْتُ: هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْخَطَإِ أَخْمَاسٌ، فَذَكَرَهُ.
وَبِسَنَدِ السُّنَنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا، وَأَطَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ الْكَلَامَ عَلَيْهِ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ عَنْهُ الَّذِي لَا مَطْعَنَ فِيهِ، وَلَا تَأْوِيلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: «دِيَةُ الْخَطَإِ أَخْمَاسٌ: عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ»، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ بَنِي مَخَاضٍ، ثُمَّ أَسْنَدَهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ، فَذَكَرَهُ.
وَهَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَقَدْ رَوَى نَحْوَهُ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ أَسْنَدَهُ كَذَلِكَ، قَالَ: وَأَبُو عُبَيْدَةَ أَعْلَمُ بِحَدِيثِ أَبِيهِ، وَبِمَذْهَبِهِ، وَبِفُتْيَاهُ مِنْ خِشْفِ بْنِ مَالِكٍ، وَنُظَرَائِهِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ أَتْقَى لِرَبِّهِ، وَأَشَحُّ عَلَى دِينِهِ مِنْ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا، وَيُفْتِيَ بِخِلَافِهِ، أَلَا تَرَاهُ كَيْفَ فَرِحَ الْفَرَحَ الشَّدِيدَ حِينَ وَافَقَتْ فُتْيَاهُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِ خِلَافُ ذَلِكَ؟ وَمِمَّا يَشْهَدُ لِرِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ مَا رَوَاهُ وَكِيعٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، وَغَيْرُهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: دِيَةُ الْخَطَإِ أَخْمَاسٌ، فَذَكَرَهُ نَحْوُ أَبِي عُبَيْدَةَ، ثُمَّ أَسْنَدَهُ كَذَلِكَ، قَالَ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا إرْسَالٌ يَعْنِي بَيْنَ إبْرَاهِيمَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَلَكِنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَبِرَأْيِهِ، وَبِفُتْيَاهُ، قَدْ أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ أَخْوَالِهِ: عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَيْ يَزِيدَ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ الْقَائِلُ: إذَا قُلْتُ لَكُمْ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَهُوَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَإِذَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ سَمَّيْته لَكُمْ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ الْمَرْفُوعَ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ بَنِي الْمَخَاضِ لَا نَعْلَمُهُ رَوَاهُ عَنْهُ إلَّا خِشْفَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ إلَّا زَيْدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ حَرْمَلٍ الْجُشَمِيُّ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لَا يَحْتَجُّونَ بِخَبَرٍ يَنْفَرِدُ بِرِوَايَتِهِ رَجُلٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْعَمَلُ عِنْدَهُمْ بِالْخَبَرِ إذَا كَانَ رَاوِيهِ عَدْلًا مَشْهُورًا، أَوْ رَجُلًا قَدْ ارْتَفَعَ عَنْهُ اسْمُ الْجَهَالَةِ، فَصَارَ حِينَئِذٍ مَعْرُوفًا، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَانْفَرَدَ بِخَبَرٍ، وَجَبَ التَّوَقُّفُ عَنْ خَبَرِهِ ذَلِكَ، حَتَّى يُوَافِقَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ خَبَرَ خِشْفِ بْنِ مَالِكٍ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ إلَّا حَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ، وَهُوَ رَجُلٌ مَشْهُورٌ بِالتَّدْلِيسِ، وَبِأَنَّهُ يُحَدِّثُ عَمَّنْ لَمْ يَلْقَهُ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، قَالَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ: كُنْتُ يَوْمًا عِنْدَ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، فَقَالَ لِي: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ الزُّهْرِيِّ شَيْئًا، وَلَا مِنْ إبْرَاهِيمَ، وَلَا مِنْ الشَّعْبِيِّ، وَلَا مِنْ فُلَانٍ، وَلَا مِنْ فُلَانٍ حَتَّى عَدَّ سَبْعَةَ عَشَرَ، أَوْ بِضْعَةَ عَشَرَ، كُلُّهُمْ قَدْ رَوَى عَنْهُ الْحَجَّاجُ، ثُمَّ زَعَمَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُمْ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ، وَأَيْضًا فَقَدْ تَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ، بَعْدَ أَنْ جَالَسُوهُ وَخَبَرُوهُ، وَكَفَاكَ بِهِمْ عِلْمًا بِالرِّجَالِ وَنُبْلًا.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الثِّقَاتِ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ الْحَجَّاجِ عَلَى اللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، وَخَالَفَهُمَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، وَهُوَ ثِقَةٌ، فَرَوَاهُ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ خِشْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَطَإِ أَخْمَاسًا: عِشْرُونَ جِذَاعًا، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي مَخَاضٍ ذُكُورًا»، فَجَعَلَ مَكَانَ الْحِقَاقِ بَنِي لَبُونٍ، ثُمَّ أَسْنَدَهُ كَذَلِكَ، قَالَ: وَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: بَنِي لَبُونٍ، ثُمَّ أَسْنَدَهُ كَذَلِكَ، قَالَ: وَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، فَقَالَ: «خُمُسًا جِذَاعًا، خُمُسًا حِقَاقًا، وَخُمُسًا بَنَاتِ لَبُونٍ، وَخُمُسًا بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَخُمُسًا بَنِي لَبُونٍ ذُكُورًا»، فَجَعَلَ مَكَانَ بَنِي الْمَخَاضِ بَنِي اللَّبُونِ، مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ أَسْنَدَهُ كَذَلِكَ، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، وَعَمْرُو بْنُ هَاشِمٍ أَبُو مَالِكٍ الْجَنْبِيُّ، وَأَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ كُلُّهُمْ عَنْ الْحَجَّاجِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: «دِيَةُ الْخَطَإِ أَخْمَاسٌ»، لَمْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ أَخْرَجَ رِوَايَاتِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الصَّحِيحَ، لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، وَهُمْ ثِقَاتٌ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْحَجَّاجُ رُبَّمَا كَانَ يُفَسِّرُ الْأَخْمَاسَ بِرَأْيِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَدِيثِ، فَيَتَوَهَّمُ السَّامِعُ أَنَّهُ مِنْ الْحَدِيثِ، وَيُقَوِّيهِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ حَفِظَ عَنْهُ: عِشْرِينَ بَنِي لَبُونٍ، مَكَانَ الْحِقَاقِ، وَعَبْدُ الْوَاحِدِ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ حَفِظَا عَنْهُ: عِشْرِينَ حِقَّةً، مَكَانَ بَنِي لَبُونٍ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ فِي دِيَةِ الْخَطَإِ أَقَاوِيلُ مُخْتَلِفَةٌ، لَا نَعْلَمُ رُوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ ذِكْرُ بَنِي مَخَاضٍ، إلَّا فِي حَدِيثِ خِشْفِ بْنِ مَالِكٍ هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى.
وَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ كَلَامَ الدَّارَقُطْنِيِّ هَذَا، ثُمَّ قَالَ: وَيُعَارِضُ قَوْلَ الدَّارَقُطْنِيِّ هَذَا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، فَكَيْفَ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ ذِكْرِ هَذَا، ثُمَّ إنَّمَا حَكَى عَنْهُ فَتْوَاهُ، وَخِشْفٌ رُوِيَ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَتَى كَانَ الْإِنْسَانُ ثِقَةً، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ، وَكَيْفَ يُقَالُ عَنْ الثِّقَةِ مَجْهُولٌ؟ وَاشْتِرَاطُ الْمُحَدِّثِينَ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ اثْنَانِ لَا وَجْهَ لَهُ. انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَكَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ هَذَا لَا يَخْلُو مِنْ مَيْلٍ، وَخِشْفٌ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ حِبَّانَ ذَكَرَهُ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: لَيْسَ بِذَاكَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَجْهُولٌ، وَزَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ هُوَ الْجُشَمِيُّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، وَأَخْرَجَا لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. انْتَهَى.
وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّهُ يَقْضِي بِعِشْرِينَ ابْنَ لَبُونٍ، مَكَانَ ابْنِ مَخَاضٍ، وَمَالِكٌ مَعَ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدُ مَعَنَا، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: دِيَةُ الْخَطَإِ خَمْسَةُ أَخْمَاسٍ، عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ ذُكُورٌ، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ ثُمَّ ضَعَّفَ حَدِيثَ خِشْفٍ بِمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: إنَّمَا صَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهَا، وَالسُّنَّةُ وَرَدَتْ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ مُطْلَقَةً.
فَوَجَدْنَا قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ أَقَلَّ مَا قِيلَ، لِأَنَّ بَنِي الْمَخَاضِ أَقَلُّ مِنْ بَنِي اللَّبُونِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فِي الَّذِي «وَدَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ»، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَبَنُو الْمَخَاضِ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الصَّدَقَاتِ، وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَبَرَّعَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ حُكْمًا، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا، وَغَيْرُهُمْ، إنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ أَنْ مَلَكُوهَا، ثُمَّ دَفَعُوهَا تَبَرُّعًا إلَى أَهْلِ الْقَتِيلِ، انْتَهَى.
وَالْحَدِيثُ لَهُ طُرُقٌ أُخْرَى ضَعِيفَةٌ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْخَطَإِ أَخْمَاسٌ: عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي مَخَاضٍ، قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ.
وَعَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو مِجْلَزٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَكُلُّهَا مُنْقَطِعَةٌ أَبُو إِسْحَاقَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلْقَمَةَ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، وَإِبْرَاهِيمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مُنْقَطِعٌ بِلَا شَكٍّ، انْتَهَى.
قَالَ: (وَمِنْ الْعَيْنِ أَلْفُ دِينَارٍ وَمِنْ الْوَرِقِ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: مِنْ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِهِ».
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالدِّيَةِ فِي قَتِيلٍ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ»، وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ قَضَى مِنْ دَرَاهِمَ كَانَ وَزْنُهَا وَزْنَ سِتَّةٍ، وَقَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ.
قَالَ: (وَلَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: مِنْهَا وَمِنْ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفَا شَاةٍ، وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ) لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَكَذَا جَعَلَ عَلَى أَهْلِ كُلِّ مَالٍ مِنْهَا، وَلَهُ أَنَّ التَّقْدِيرَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ بِشَيْءٍ مَعْلُومِ الْمَالِيَّةِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مَجْهُولَةُ الْمَالِيَّةِ، وَلِهَذَا لَا يُقَدَّرُ بِهَا ضَمَانٌ.
وَالتَّقْدِيرُ بِالْإِبِلِ عُرِفَ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ وَعَدِمْنَاهَا فِي غَيْرِهَا، وَذُكِرَ فِي الْمَعَاقِلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مِائَتَيْ حُلَّةٍ أَوْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ لَا يَجُوزُ وَهَذَا آيَةُ التَّقْدِيرِ بِذَلِكَ، ثُمَّ قِيلَ: هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُمَا خَاصَّةً.
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَضَى فِي الدِّيَةِ مِنْ الْوَرِقِ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا».
قُلْت: أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَدِيٍّ قُتِلَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا»، انْتَهَى.
قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عَبَّاسٍ. انْتَهَى.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَذْكُرُ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ ابْنَ عَبَّاسٍ غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ الْمَكِّيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، سَمِعْنَاهُ مَرَّةً يَقُولُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فِي الدِّيَةِ»، انْتَهَى.
قَالَ: وَمُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ. انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَكِّيُّ الْخَيَّاطُ أُمِّيًّا مُغَفَّلًا، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ: رُبَّمَا وَهِمَ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: صَالِحٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ هَذَا هُوَ الطَّائِفِيُّ: أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، وَمُسْلِمٌ فِي الِاسْتِشْهَادِ وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ مَرَّةً: إذَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ يُخْطِئُ، وَإِذَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: الصَّوَابُ مُرْسَلٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ الْمُرْسَلُ أَصَحُّ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ: قَالَ أَبِي: الْمُرْسَلُ أَصَحُّ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ قَضَى مِنْ دَرَاهِمَ كَانَ وَزْنُهَا سِتَّةً، وَهِيَ كَانَتْ كَذَلِكَ.
قُلْت: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ فَرَضَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ فِي الدِّيَةِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَمِنْ الْوَرِقِ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْهَيْثَمِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: فَرَضَ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: صَدَقُوا، وَلَكِنَّهُ فَرَضَهَا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَزْنَ سِتَّةٍ، فَذَلِكَ عَشَرَةُ آلَافٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَخْبَرَنِي الثَّوْرِيُّ عَنْ مُغِيرَةَ الضَّبِّيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَتْ الدِّيَةُ: الْإِبِلُ، كُلُّ بَعِيرٍ مِائَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَزْنَ سِتَّةٍ، فَذَلِكَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، قَالَ: وَقِيلَ لِشَرِيكٍ: إنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَانَقَ رَجُلًا مِنْ الْعَدُوِّ فَضَرَبَهُ، فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا، فَسَلَتَ وَجْهَهُ، حَتَّى وَقَعَ ذَلِكَ عَلَى حَاجِبِيهِ، وَأَنْفِهِ، وَلِحْيَتِهِ، وَصَدْرِهِ، فَقَضَى فِيهِ عُثْمَانُ بِالدِّيَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ يَوْمَئِذٍ وَزْنَ سِتَّةٍ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ عُمُرَ مُنْقَطِعَةٌ، وَكَذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ، وَرَوَى عَنْ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ فِي بَابِ الصَّدَقَةِ قَالَ: حَدَّثْتُ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «زَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ عَلَى أَرْبَعِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا، وَزْنَ سِتَّةٍ»، انْتَهَى.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانَتْ الدَّرَاهِمُ أَوَّلًا الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنَ سِتَّةِ مَثَاقِيلَ، ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ إلَى يَوْمِنَا، وَبَسَطَ الْكَلَامَ، وَقَدْ لَخَّصْنَاهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِضَّةِ وَفِي التَّجْرِيدِ لِلْقُدُورِيِّ: لَا خِلَافَ أَنَّ الدِّيَةَ أَلْفُ دِينَارٍ، وَكُلُّ دِينَارٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَلِهَذَا جُعِلَ نِصَابُ الذَّهَبِ عِشْرِينَ دِينَارًا، وَنِصَابُ الْوَرِقِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالدِّيَةِ فِي الْقَتِيلِ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ».
قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْهَيْثَمِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ، قَالَ: وَضَعَ عُمَرُ الدِّيَاتِ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ مُسِنَّةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَةَ حُلَّةٍ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُبَيْدَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ فِي الدِّيَةِ مِنْ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِمِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَوْمَئِذٍ النِّصْفُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى اُسْتُخْلِفَ عُمَرُ، فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: أَلَا إنَّ الْإِبِلَ قَدْ غَلَتْ، قَالَ: فَفَرَضَهَا عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ، قَالَ: وَتَرَكَ دِيَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ مِنْ الدِّيَةِ»، انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ فِي الْأَثَرِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ فِي كِتَابٍ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ شَاوَرَ السَّلَفَ حِينَ جَنَّدَ الْأَجْنَادَ، فَكَتَبَ أَنَّ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ، أَوْ قِيمَةَ ذَلِكَ، انْتَهَى.
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: الدِّيَةُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا عَلَى أَهْلِ الدَّرَاهِمِ، وَعَلَى أَهْلِ الدَّنَانِيرِ أَلْفُ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَا شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ، انْتَهَى.
وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: ذَكَرَ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الطَّعَامِ شَيْئًا لَمْ يَحْفَظْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ»، انْتَهَى.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إِسْحَاقَ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ عَنْ عَطَاءٍ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: مُرْسَلٌ، وَفِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ.
قَوْلُهُ: وَالتَّقْدِيرُ بِالْإِبِلِ عُرِفَ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ: قُلْت: تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ.
قَالَ: (وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ) وَقَدْ وَرَدَ هَذَا اللَّفْظُ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَا دُونَ الثُّلُثِ لَا يَتَنَصَّفُ وَإِمَامُهُ فِيهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ لِعُمُومِهِ وَلِأَنَّ حَالَهَا أَنْقَصُ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ وَمَنْفَعَتَهَا أَقَلُّ، وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ النُّقْصَانِ بِالتَّنْصِيفِ فِي النَّفْسِ، فَكَذَا فِي أَطْرَافِهَا وَأَجْزَائِهَا اعْتِبَارًا بِهَا وَبِالثُّلُثِ وَمَا فَوْقَهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: «وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ»، رُوِيَ هَذَا اللَّفْظُ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ، وَمَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْت: أَمَّا الْمَوْقُوفُ، فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: عَقْلُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عَقْلِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ، وَفِيمَا دُونَهَا، انْتَهَى.
وَقِيلَ: إنَّهُ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُحَدِّثْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، مَعَ أَنَّهُ أَدْرَكَ جَمَاعَةً مِنْهُمْ، وَأَمَّا الْمَرْفُوعُ، فَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ».
قَالَ: وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَكْحُولٍ، وَعَطَاءٍ، قَالُوا: «أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، فَقَوَّمَ عُمَرُ تِلْكَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَلْفَ دِينَارٍ، وَاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَإِذَا كَانَ الَّذِي أَصَابَهَا مِنْ الْأَعْرَابِ، فَدِيَتُهَا خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
قَوْلُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ مَا دُونَ الثُّلُثِ، لَا يَنْتَصِفُ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: جِرَاحَاتُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ سَوَاءٌ، إلَى الثُّلُثِ، فَمَا زَادَ، فَعَلَى النِّصْفِ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ الْمُسَيِّبِ، كَمْ فِي إصْبَعِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: عَشْرٌ، قَالَ: كَمْ فِي اثْنَتَيْنِ؟ قَالَ: عِشْرُونَ، قَالَ: كَمْ فِي ثَلَاثٍ؟ قَالَ: ثَلَاثُونَ، قَالَ: كَمْ فِي أَرْبَعٍ؟ قَالَ: عِشْرُونَ، قَالَ رَبِيعَةُ: حِينَ عَظُمَ جَرْحُهَا، وَاشْتَدَّتْ مُصِيبَتُهَا نَقَصَ عَقْلُهَا؟ قَالَ: أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ قَالَ رَبِيعَةُ: عَالِمٌ مُتَثَبِّتٌ، أَوْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ.
قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي إنَّهَا السُّنَّةُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُنَّا نَقُولُ بِهِ، ثُمَّ وَقَفْتُ عَنْهُ، وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ الْخِيَرَةَ، لِأَنَّا نَجِدُ مَنْ يَقُولُ السُّنَّةَ، ثُمَّ لَا نَجِدُ نَفَاذًا بِهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقِيَاسُ أَوْلَى بِنَا فِيهَا، انْتَهَى.
وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ: رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ الرَّمْلِيُّ عَنْ ضَمْرَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَالَ: عَقْلُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ، حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهَا»، انْتَهَى.
وأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي أَوَائِلِ الْحُدُودِ مِنْ سُنَنِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَابْنُ جُرَيْجٍ حِجَازِيٌّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ، انْتَهَى.
قَالَ: (وَدِيَةُ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيُّ سَوَاءٌ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ مَالُك رَحِمَهُ اللَّهُ: دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «عَقْلُ الْكَافِرِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِ» وَالْكُلُّ عِنْدَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، وَلِلشَّافِعَيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ دِيَةَ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةَ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ».
وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لَمْ يُعْرَفْ رَاوِيهِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَمَا رَوَيْنَاهُ أَشْهَرُ مِمَّا رَوَاهُ مَالُك رَحِمَهُ اللَّهُ، فَإِنَّهُ ظَهَرَ بِهِ عَمَلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «دِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ»، وَكَذَلِكَ قَضَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «عَقْلُ الْكَافِرِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عَمْرٍو: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ، فَأَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «دِيَةُ الْمُعَاهَدِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ»، انْتَهَى.
وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ عَمْرٍو بِهِ: «دِيَةُ عَقْلِ الْكَافِرِ، نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِ»، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَالنَّسَائِيُّ كَذَلِكَ، وَلَفْظُهُ: «عَقْلُ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى»، وَفِي لَفْظٍ: «عَقْلُ الْكَافِرِ نِصْفُ عَقْلٍ الْمُؤْمِنِ».
وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَمْرٍو بِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ عَقْلَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى»، انْتَهَى.
وَبِسَنَدِ أَبِي دَاوُد وَمَتْنِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَلَفْظُ ابْنِ رَاهْوَيْهِ قَالَ: «دِيَةُ الْكَافِرِ، وَالْمُعَاهَدِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ دِيَةَ الْمُعَاهَدِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَعَلَ دِيَةَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَرْبَعَةَ آلَافٍ».
قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ الْعُقُولِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ»، انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَزَادَ: «وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ عَقْلَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَلَى النِّصْفِ مِنْ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ»، انْتَهَى.
وهُوَ مُعْضِلٌ.
قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يُعْرَفْ رَاوِيهِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، فِيهِ نَظَرٌ.
الْآثَارُ: فِيهِ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ: فَحَدِيثُ عُمَرَ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا فُضَيْلٍ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَضَى فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَفِي الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةٍ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: قَالَ، سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إنِّي لَأَذْكُرُ يَوْمَ نَعَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيّ عَلَى الْمِنْبَرِ، انْتَهَى.
وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِهَذَا إلَى أَنَّ سَعِيدًا عَنْ عُمَرَ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ عُمَرَ بِنَحْوِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ عُثْمَانَ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ صَدَقَةَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَضَى عُثْمَانُ فِي دِيَةِ الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ بِهِ سَوَاءً، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَنَافِعٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: دِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ»، انْتَهَى.
وَوَقَفَهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَلَى سَعِيدٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: دِيَةُ كُلِّ مُعَاهَدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ. انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعْدٍ الْبَقَّالِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَى الْعَامِرِيَّيْنِ بِدِيَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ لَهُمَا عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَبُو سَعْدٍ الْبَقَّالُ اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ، انْتَهَى.
وَسَعِيدُ بْنُ مَرْزُبَانَ فِيهِ لِينٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُمْ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي الْحُدُودِ عَنْ أَبِي كُرْزٍ، قَالَ: سَمِعْت نَافِعًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «وَدَى ذِمِّيًّا دِيَةَ مُسْلِمٍ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَبُو كُرْزٍ هَذَا مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ نَافِعٍ غَيْرُهُ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْفِهْرِيُّ. انْتَهَى.
وَأَعَادَهُ قَرِيبًا مِنْهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: دِيَةُ ذِمِّيٍّ دِيَةُ مُسْلِمٍ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ دِيَةَ الْمُعَاهَدِ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ». انْتَهَى.
وَقَالَ: عُثْمَانُ الْوَقَّاصِيُّ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ ثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، قَالُوا: دِيَةُ الْمُعَاهَدِ دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: «كَانَ عَقْلُ الذِّمِّيِّ مِثْلَ عَقْلِ الْمُسْلِمِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَمَنِ أَبِي بَكْرٍ، وَزَمَنِ عُمَرَ، وَزَمَنِ عُثْمَانَ، حَتَّى كَانَ صَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إنْ كَانَ أَهْلُهُ أُصِيبُوا بِهِ، فَقَدْ أُصِيبَ بِهِ بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَاجْعَلُوا لِبَيْتِ الْمَالِ النِّصْفَ، وَلِأَهْلِهِ النِّصْفَ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ، ثُمَّ قُتِلَ آخَرُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْ أَنَّا نَظَرْنَا إلَى هَذَا الَّذِي يَدْخُلُ بَيْتَ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَجَعَلْنَاهُ وَضِيعًا عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَعَوْنًا لَهُمْ، قَالَ: فَمِنْ هُنَالِكَ وَضَعَ عَقْلَهُمْ إلَى خَمْسِمِائَةٍ»، قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، نَحْوَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ بَرَكَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ ثَنَا الْوَلِيدُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ الدِّيَةَ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، دِيَةُ الْمُسْلِمِ، وَالْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيّ سَوَاءً، فَلَمَّا اُسْتُخْلِفَ مُعَاوِيَةُ صَيَّرَ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ عَلَى النِّصْفِ، فَلَمَّا اُسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَدَّهُ إلَى الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ»، انْتَهَى.
وَأَعَلَّهُ بِبَرَكَةَ الْحَلَبِيِّ، وَقَالَ: سَائِرُ أَحَادِيثِهِ بَاطِلَةٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَصَالِحٍ، قَالُوا: «عَقْلُ كُلِّ مُعَاهَدٍ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، كَعَقْلِ الْمُسْلِمِينَ، جَرَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، انْتَهَى.
الْآثَارُ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: دِيَةُ الْمُعَاهَدِ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، انْتَهَى.
وَقَالَ ذَلِكَ عَلِيٌّ أَيْضًا، انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، وَقَالَ: هُمَا مُنْقَطِعَانِ، إلَّا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَعْضُدُ الْآخَرَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَرُفِعَ إلَى عُثْمَانَ فَلَمْ يَقْتُلْهُ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ أَلْفَ دِينَارٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا رَحْمَوَيْهِ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ثَنَا ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَجْعَلَانِ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ الْمُعَاهَدَيْنِ دِيَةَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَهُ نَحْوَهُ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: دِيَةُ كُلِّ ذِمِّيٍّ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَهُوَ قَوْلِي، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَبِذَلِكَ قَضَى أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَبِهِ ظَهَرَ عَمَلُ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ.
قُلْت: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «كَانَ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَلَمَّا كَانَ مُعَاوِيَةُ أَعْطَى أَهْلَ الْقَتِيلِ النِّصْفَ، وَأَلْقَى النِّصْفَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي النِّصْفِ، وَأَلْقَى مَا كَانَ جَعَلَ مُعَاوِيَةُ»، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلَمْ يُقْضَ أَنْ أُذَاكِرَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَأُخْبِرَهُ أَنَّ الدِّيَةَ كَانَتْ تَامَّةً لِأَهْلِ الذِّمَّةِ، قُلْت لِلزُّهْرِيِّ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: دِيَتُهُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، فَقَالَ: إنَّ خَيْرَ الْأُمُورِ مَا عُرِضَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ، فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ}، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: وَقَدْ رَدَّهُ الشَّافِعِيُّ بِكَوْنِهِ مُرْسَلًا. انْتَهَى.
قُلْنَا: يَلْزَمُ الشَّافِعِيَّ أَنْ يَعْمَلَ بِمِثْلِهِ، لِأَنَّهُ أُرْسِلَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَمَا تَقَدَّمَ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ عَمِلَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ، مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، حَيْثُ رُوِيَ عَنْهُ، إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا، وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ، وَبِذَلِكَ قَضَى الْعُمْرَانِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَيُؤَيِّدُهُ التَّصْرِيحُ بِهِمَا فِي النُّسْخَةِ الْأُخْرَى، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ أَصْحَابُنَا ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْهُ.