فصل: بَابُ الْقَسَامَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ الْقَسَامَةِ:

قَالَ: (وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَحَلَّةٍ وَلَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ اُسْتُحْلِفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ اُسْتُحْلِفَ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيُقْضَى لَهُمْ بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَتْ الدَّعْوَى أَوْ خَطَأً.
وَقَالَ مَالِكٌ: يُقْضَى بِالْقَوَدِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَاللَّوْثُ عِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَلَامَةُ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ شَهَادَةُ عَدْلٍ أَوْ جَمَاعَةٍ غَيْرِ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَمَذْهَبُهُ مِثْلُ مَذْهَبِنَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُكَرِّرُ الْيَمِينَ بَلْ يَرُدُّهَا عَلَى الْوَلِيِّ فَإِنْ حَلَفُوا لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ.
لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُدَاءَةِ بِيَمِينِ الْوَلِيِّ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْأَوْلِيَاءِ: «فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ» وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ، فَإِذَا كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْوَلِيِّ يُبْدَأُ بِيَمِينِهِ، وَرَدُّ الْيَمِينِ إلَى الْمُدَّعِي أَصْلٌ لَهُ كَمَا فِي النُّكُولِ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ دَلَالَةٌ فِيهَا نَوْعُ شُبْهَةٍ وَالْقِصَاصُ لَا يُجَامِعُهَا، وَالْمَالُ يَجِبُ مَعَهَا فَلِهَذَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ.
وَلَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَفِي رِوَايَةٍ «عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ».
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: بَدَأَ بِالْيَهُودِ بِالْقَسَامَةِ وَجَعَلَ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ»، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ وَحَاجَةُ الْوَلِيِّ إلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ الْمَالَ الْمُبْتَذَلَ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ بِهِ النَّفْسَ الْمُحْتَرَمَةَ وَقَوْلُهُ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ خِيَارَ تَعْيِينِ الْخَمْسِينَ إلَى الْوَلِيِّ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْتَارُ مَنْ يَتَّهِمُهُ بِالْقَتْلِ أَوْ يَخْتَارُ صَالِحِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِمَا أَنَّ تَحَرُّزَهُمْ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَبْلَغُ التَّحَرُّزِ فَيَظْهَرُ الْقَاتِلُ، وَفَائِدَةُ الْيَمِينِ النُّكُولُ فَإِنْ كَانُوا لَا يُبَاشِرُونَ وَيَعْلَمُونَ يُفِيدُ يَمِينُ الصَّالِحِ عَلَى الْعِلْمِ بِأَبْلَغَ مِمَّا يُفِيدُ يَمِينُ الطَّالِحِ، وَلَوْ اخْتَارُوا أَعْمَى أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ جَازَ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ.
قَالَ: (وَإِذَا حَلَفُوا قُضِيَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِالدِّيَةِ وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْوَلِيُّ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا تَجِبُ الدِّيَةُ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ: «تُبْرِئُكُمْ الْيَهُودُ بِأَيْمَانِهَا» وَلِأَنَّ الْيَمِينَ عُهِدَ فِي الشَّرْعِ مُبْرِئًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا مُلْزِمًا كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى وَلَنَا «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَمَعَ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ» فِي حَدِيثِ ابْنِ سَهْلٍ، وَفِي حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ.
وَكَذَا جَمَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَهُمَا عَلَى وَادِعَةَ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «تُبْرِئُكُمْ الْيَهُودُ» مَحْمُولٌ عَلَى الْإِبْرَاءِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْحَبْسِ، وَكَذَا الْيَمِينُ مُبْرِئَةٌ عَمَّا وَجَبَ لَهُ الْيَمِينُ، وَالْقَسَامَةُ مَا شُرِعَتْ لِتَجِبَ الدِّيَةُ إذَا نَكَلُوا بَلْ شُرِعَتْ لِيَظْهَرَ الْقِصَاصُ بِتَحَرُّزِهِمْ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ فَيُقِرُّوا بِالْقَتْلِ، فَإِذَا حَلَفُوا حَصَلَتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْقِصَاصِ ثُمَّ الدِّيَةُ تَجِبُ بِالْقَتْلِ الْمَوْجُودِ مِنْهُمْ ظَاهِرًا لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ لَا بِنُكُولِهِمْ أَوْ وَجَبَتْ بِتَقْصِيرِهِمْ فِي الْمُحَافَظَةِ كَمَا فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ.
الشرح:
بَابُ الْقَسَامَةِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْأَوْلِيَاءِ: فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: «خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ زَيْدٍ، وَمُحَيِّصَةَ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ حَتَّى إذَا كَانَا بِخَيْبَرَ تَفَرَّقَا فِي بَعْضِ مَا هُنَالِكَ، ثُمَّ إذَا مُحَيِّصَةُ يَجِدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا، فَدَفَنَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ، وَحُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَتَكَلَّمَ قَبْلَ صَاحِبِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْكُبْرَ الْكُبْرَ، يُرِيدُ السِّنَّ، وَفِي لَفْظٍ كَبِّرْ كَبِّرْ، فَصَمَتَ، وَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ، وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا، فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتَلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ، فَقَالَ لَهُمْ: أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ قَالُوا: وَكَيْفَ نَحْلِفُ، وَلَمْ نَشْهَدْ»؟ وَفِي لَفْظٍ: «يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ؟ قَالُوا: أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ، كَيْفَ نَحْلِفُ، قَالَ: فَيَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ، قَالُوا: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ»، وَفِي لَفْظٍ: «كَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ، قَالَ سَهْلٌ: فَلَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ»، انْتَهَى.
قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، وَمَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَقَالَا فِيهِ: «أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ»، وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى، فَبَدَأَ بِقَوْلِهِ: «تُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا»، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، انْتَهَى.
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الْبُخَارِيَّ، وَمُسْلِمًا أَخْرَجَا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَبِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى الْبِدَايَةِ بِالْأَنْصَارِ، انْتَهَى.
وَرِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَلَفْظُهُ: «أَفَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا، يَحْلِفُونَ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْتُلُوهُ؟ قَالُوا: وَكَيْفَ نَرْضَى بِأَيْمَانِهِمْ، وَهُمْ مُشْرِكُونَ؟ قَالَ: فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ»، ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسُقْ مَتْنَهُ، انْتَهَى.
قُلْت: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ وُهَيْبٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْيَهُودِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، ضَعَّفَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَغَيْرُهُ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ ضَعِيفٌ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ الْعَرْزَمِيِّ عَنْهُ، وَالْعَرْزَمِيُّ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
وَلَمْ يُحْسِنْ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ إذْ أَحَالَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى بَابِ الدَّعْوَى، وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ فِي الدَّعْوَى «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»، وَهُوَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَغَيْرُ هَذَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ شَطْرَ الْحَدِيثِ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، رَوَوْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ»، انْتَهَى.
وَلَفْظُ الْبَاقِينَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ»، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الرَّهْنِ وَفِي الشَّهَادَاتِ وَفِي التَّفْسِيرِ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْقَضَاءِ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَدَأَ بِالْيَهُودِ فِي الْقَسَامَةِ، وَجَعَلَ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ، لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ».
قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: «كَانَتْ الْقَسَامَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتِيلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وُجِدَ فِي جُبٍّ لِلْيَهُودِ، قَالَ: فَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَهُودِ، فَكَلَّفَهُمْ قَسَامَةَ خَمْسِينَ، فَقَالَتْ الْيَهُودُ: لَنْ نَحْلِفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ: أَفَتَحْلِفُونَ؟ فَأَبَتْ الْأَنْصَارُ أَنْ تَحْلِفَ، فَأَغْرَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ دِيَتَهُ، لِأَنَّهُ قُتِلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ بِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ بِهِ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
فِيهِ أَحَادِيثُ مُسْنَدَةٌ، وَأَحَادِيثُ مُرْسَلَةٌ.
فَالْمُسْنَدَةُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الدِّيَاتِ، وَمُسْلِمٌ فِي الْحُدُودِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبْرَزَ سَرِيرَهُ يَوْمًا لِلنَّاسِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي الْقَسَامَةِ؟ قَالُوا: الْقَوَدُ بِهَا حَقٌّ، الْحَدِيثُ بِطُولِهِ، إلَى أَنْ «قَالَ يَعْنِي الْأَنْصَارَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَاحِبُنَا كَانَ يَتَحَدَّثُ مَعَنَا، فَخَرَجَ بَيْنَ أَيْدِينَا، فَإِذَا نَحْنُ بِهِ يَتَشَحَّطُ فِي الدَّمِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بِمَنْ تَظُنُّونَ؟ قَالُوا: نَرَى أَنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْهُ، فَأَرْسَلَ إلَى الْيَهُودِ، فَدَعَاهُمْ، فَقَالَ: أَأَنْتُمْ قَتَلْتُمْ هَذَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَتَرْضَوْنَ نَفَلَ خَمْسِينَ مِنْ الْيَهُودِ مَا قَتَلُوهُ؟ فَقَالُوا: مَا يُبَالُونَ أَنْ يَقْتُلُونَا أَجْمَعِينَ، ثُمَّ يَنْتَفِلُونَ، قَالَ: أَفَتَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: مَا كُنَّا لِنَحْلِفَ، فَوَدَاهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مِنْ عِنْدِهِ»، مُخْتَصَرٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الدِّيَاتِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُشَيْرٍ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ انْطَلَقُوا إلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقُوا فِيهَا، فَوَجَدُوا أَحَدَهُمْ قَتِيلًا، وَقَالُوا لِلَّذِينَ وُجِدَ فِيهِمْ: قَتَلْتُمْ صَاحِبَنَا؟ قَالُوا: مَا قَتَلْنَا، وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلًا، فَانْطَلَقُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْطَلَقْنَا إلَى خَيْبَرَ، فَوَجَدْنَا أَحَدَنَا قَتِيلًا، فَقَالَ لَهُمْ: تَأْتُونِي بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ؟ قَالُوا: مَا لَنَا بَيِّنَةٌ، قَالَ: فَيَحْلِفُونَ؟ قَالُوا: لَا نَرْضَى بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلَّ دَمُهُ، فَوَدَاهُ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ»، انْتَهَى.
وَفِيهِ نَظَرٌ أَعْنِي أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ:
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ الْأَنْصَار «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْيَهُودِ، وَبَدَأَ بِهِمْ: يَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا، فَأَبَوْا، فَقَالَ الْأَنْصَارُ: اسْتَحْلِفُوا؟ قَالُوا: نَحْلِفُ عَلَى الْغَيْبِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةً عَلَى يَهُودَ، لِأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ»، انْتَهَى.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ: مَا مَنَعَك عَلَى أَنْ تَأْخُذَ بِحَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ؟ قَالَ: مُرْسَلٌ، وَالْقَتِيلُ أَنْصَارِيٌّ، والأنصاريون بِالْعِنَايَةِ أَوْلَى بِالْعِلْمِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ يَهُودَ قَتَلَتْ مُحَيِّصَةُ، فَأَنْكَرَتْ الْيَهُودُ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ لِقَسَامَتِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا خَمْسِينَ رَجُلًا، أَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنْ قَتْلِهِ، فَنَكَلَتْ يَهُودُ عَنْ الْأَيْمَانِ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي حَارِثَةَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا خَمْسِينَ رَجُلًا أَنَّ يَهُودَ قَتَلَتْهُ غِيلَةً، وَيَسْتَحِقُّونَ بِذَلِكَ الَّذِي يَزْعُمُونَ، فَنَكَلَتْ بَنُو حَارِثَةَ عَنْ الْأَيْمَانِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِعَقْلِهِ عَلَى يَهُودَ، لِأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَفِي دِيَارِهِمْ»، انْتَهَى.
وَفِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَيَأْتِيَانِ فِي حَدِيثِ الْجَمْعِ بَيْنَ الدِّيَةِ، وَالْقَسَامَةِ.
الْمَرَاسِيلُ: فِيهِ عَنْ الْمُسَيِّبِ، وَعَنْ الْحَسَنِ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَحَدِيثُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ: فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِيَهُودِ، فَأَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا، فَرَدَّ الْقَسَامَةَ عَلَى الْأَنْصَارِ، فَأَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَقْلَ عَلَى يَهُودَ»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ دِيَارٍ، أَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، فَإِنْ نَكَلُوا أُحْلِفَ الْمُدَّعُونَ، وَاسْتَحَقُّوا، فَإِنْ نَكَلَ الْفَرِيقَانِ، كَانَتْ الدِّيَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ»، انْتَهَى.
أَثَرٌ: رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَدَأَ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فِي الْقَسَامَةِ بِالْأَيْمَانِ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَغَيْرُهُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ: «تُبْرِئُكُمْ الْيَهُودُ بِأَيْمَانِهَا».
قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ سَهْلٍ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ السِّتَّةُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَمَعَ بَيْنَ الدِّيَةِ، وَالْقَسَامَةِ» فِي حَدِيثِ ابْنِ سَهْلٍ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ زِيَادٍ.
قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ سَهْلٍ لَيْسَ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الدِّيَةِ، وَالْقَسَامَةِ، وَحَدِيثُ ابْنِ زِيَادٍ غَرِيبٌ، وَرَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَامِينَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَتْ الْقَسَامَةُ فِي الدَّمِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُقِدَ تَحْتَ اللَّيْلِ، فَجَاءَتْ الْأَنْصَارُ، فَقَالُوا: إنَّ صَاحِبَنَا يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ، فَقَالَ: أَتَعْرِفُونَ قَاتِلَهُ؟ قَالُوا: لَا، إلَّا أَنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَارُوا مِنْهُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا، فَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ، ثُمَّ خُذُوا الدِّيَةَ مِنْهُمْ، فَفَعَلُوا»، انْتَهَى.
وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ نَسْمَعْهُ إلَّا مِنْ أَبِي كُرَيْبٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَامِينَ هَذَا، فَقَدْ رَوَى عَنْهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْر، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «وُجِدَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ قَتِيلًا فِي دَالِيَةِ نَاسٍ مِنْ الْيَهُودِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ، فَأَخَذَ مِنْهُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ خِيَارِهِمْ، فَاسْتَحْلَفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُ، وَلَا عَلِمْت قَاتِلًا، ثُمَّ جَعَلَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةَ، فَقَالُوا: لَقَدْ قَضَى بِمَا فِي نَامُوسِ مُوسَى»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الْكَلْبِيُّ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى تَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِالْكَلْبِيِّ، وَقَدْ خَالَفَتْ رِوَايَتُهُ هَذِهِ رِوَايَةَ الثِّقَاتِ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الدِّيَةِ، وَالْقَسَامَةِ عَلَى وَادِعَةَ.
قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَسُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ قَتِيلًا وُجِدَ بَيْنَ وَادِعَةَ، وَشَاكِرٍ، فَأَمَرَ عُمَرُ أَنْ يَقِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا، فَوَجَدُوهُ إلَى وَادِعَةَ أَقْرَبَ، فَأَحْلَفَهُمْ عُمَرُ خَمْسِينَ يَمِينًا، كُلُّ رَجُلٍ مَا قَتَلْتُ، وَلَا عَلِمْتُ قَاتِلًا، ثُمَّ أَغْرَمَهُمْ الدِّيَةَ، قَالَ الثَّوْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْأَزْمَعِ، أَنَّهُ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا أَيْمَانُنَا دَفَعَتْ عَنْ أَمْوَالِنَا، وَلَا أَمْوَالُنَا دَفَعَتْ عَنْ أَيْمَانِنَا، فَقَالَ عُمَرُ: كَذَلِكَ الْحَقُّ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْأَزْمَعِ قَالَ: وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ وَادِعَةَ، وَأَرْحَبَ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ، ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الشَّعْبِيِّ، بِنَحْوِهِ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ بِنَحْوِهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا حَجَّ عُمَرُ حَجَّتَهُ الْأَخِيرَةَ الَّتِي لَمْ يَحُجَّ غَيْرَهَا، غُودِرَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتِيلًا فِي بَنِي وَادِعَةَ، فَبَعَثَ إلَيْهِمْ، وَذَلِكَ بَعْدَمَا قَضَى النُّسُكَ، وَقَالَ لَهُمْ: هَلْ عَلِمْتُمْ لِهَذَا الْقَتِيلِ قَاتِلًا مِنْكُمْ؟ قَالَ الْقَوْمُ: لَا، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُمْ خَمْسِينَ شَيْخًا، فَأَدْخَلَهُمْ الْحَطِيمَ، فَاسْتَحْلَفَهُمْ بِاَللَّهِ رَبِّ هَذَا الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَرَبِّ هَذَا الْبَلَدِ الْحَرَامِ، وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ، أَنَّكُمْ لَمْ تَقْتُلُوهُ، وَلَا عَلِمْتُمْ لَهُ قَاتِلًا، فَحَلَفُوا بِذَلِكَ، فَلَمَّا حَلَفُوا قَالَ: أَدُّوا دِيَتَهُ مُغَلَّظَةً فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ، أَوْ مِنْ الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ دِيَةٌ، وَثُلُثُ دِيَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ سِنَانٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَا تُجْزِئُنِي يَمِينِي مِنْ مَالِي؟ قَالَ: لَا، إنَّمَا قَضَيْتُ عَلَيْكُمْ بِقَضَاءِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذُوا دِيَتَهُ دَنَانِيرَ، دِيَةٌ، وَثُلُثُ دِيَة، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عُمَرُ بْنُ صُبَيْحٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى تَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِعُمَرَ بْنِ صُبَيْحٍ، وَقَدْ خَالَفَتْ رِوَايَتُهُ هَذِهِ رِوَايَةَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ خَيْوَانَ، وَوَادِعَةَ، أَنْ يُقَاسَ مَا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَقْرَبَ أَخْرَجَ إلَيْهِ مِنْهُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا، حَتَّى يُوَافُوهُ مَكَّةَ، فَأَدْخَلَهُمْ الْحِجْرَ، فَأَحْلَفَهُمْ، ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ، فَقَالُوا: مَا دَفَعَتْ أَمْوَالُنَا عَنْ أَيْمَانِنَا، وَلَا أَيْمَانُنَا عَنْ أَمْوَالِنَا؟ فَقَالَ عُمَرُ: كَذَلِكَ الْأَمْرُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ غَيْرُ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، فَقَالَ عُمَرُ: حَقَنْتُمْ دِمَاءَكُمْ بِأَيْمَانِكُمْ، وَلَا يُطَلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: سَافَرْتُ خَيْوَانَ، وَوَادِعَةَ أَرْبَعَةَ عَشْرَةَ سَفْرَةً، وَأَنَا أَسْأَلُهُمْ عَنْ حُكْمِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْقَتِيلِ، وَأَنَا أَحْكِي لَهُمْ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِيهِ، فَقَالُوا: هَذَا شَيْءٌ مَا كَانَ بِبَلَدِنَا قَطُّ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَنَحْنُ نَرْوِي بِالْإِسْنَادِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ بَدَأَ بِالْمُدَّعِينَ، فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا، قَالَ: فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا، وَإِذْ قَالَ: تُبْرِئُكُمْ، فَلَا تَكُونُ عَلَيْهِمْ غَرَامَةٌ، فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلْ الْأَنْصَارَ أَيْمَانَهُمْ، وَدَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَى يَهُودَ وَالْقَتِيلُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ شَيْئًا»، انْتَهَى.
(وَمَنْ أَبِي مِنْهُمْ الْيَمِينَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ) لِأَنَّ الْيَمِينَ فِيهِ مُسْتَحَقَّةٌ لِذَاتِهَا تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الدَّمِ، وَلِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّيَةِ بِخِلَافِ النُّكُولِ فِي الْأَمْوَالِ لِأَنَّ الْيَمِينَ يَدُلُّ عَنْ أَصْلِ حَقِّهِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِبَذْلِ الْمُدَّعِي، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَسْقُطُ بِبَذْلِ الدِّيَةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ لَا بِأَعْيَانِهِمْ وَالدَّعْوَى فِي الْعَمْدِ أَوْ الْخَطَإِ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَمَيَّزُونَ عَنْ الْبَاقِي، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ بِأَعْيَانِهِمْ أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ يَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ، وَهَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْمَبْسُوطِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ فِي الْقِيَاسِ تَسْقُطُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَنْ الْبَاقِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَيُقَالُ لِلْوَلِيِّ أَلَك بَيِّنَةٌ؟ فَإِنْ قَالَ لَا يُسْتَحْلَفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً.
وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا عُرِفَ بِالنَّصِّ فِيمَا إذَا كَانَ فِي مَكَان يُنْسَبُ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْقَتْلَ عَلَيْهِمْ وَفِيمَا وَرَاءَهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِي إطْلَاقِ النُّصُوصِ بَيْنَ دَعْوَى وَدَعْوَى فَنُوجِبُهُ بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ، فَلَوْ أَوْجَبْنَاهُمَا لَأَوْجَبْنَاهُمَا بِالْقِيَاسِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، ثُمَّ حُكْمُ ذَلِكَ أَنْ يُثْبِتَ مَا ادَّعَاهُ إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ اسْتَحْلَفَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَسَامَةٍ لِانْعِدَامِ النَّصِّ وَامْتِنَاعِ الْقِيَاسِ، ثُمَّ إنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ وَالدَّعْوَى فِي الْمَالِ ثَبَتَ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْقِصَاصِ فَهُوَ عَلَى اخْتِلَافٍ مَضَى فِي كِتَابِ الدَّعْوَى.
قَالَ: (وَإِنْ لَمْ يَكْمُلْ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ كُرِّرَتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَتِمَّ خَمْسِينَ) لِمَا رُوِيَ: أَنَّ عُمَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَا قَضَى فِي الْقَسَامَةِ وَافَى إلَيْهِ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا فَكَرَّرَ الْيَمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، حَتَّى تَمَّتْ خَمْسِينَ ثُمَّ قَضَى بِالدِّيَةِ.
وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِثْلُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْخَمْسِينَ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ فَيَجِبُ إتْمَامُهَا مَا أَمْكَنَ، وَلَا يُطْلَبُ فِيهِ الْوُقُوفُ عَلَى الْفَائِدَةِ لِثُبُوتِهَا بِالسُّنَّةِ ثُمَّ فِيهِ اسْتِعْظَامُ أَمْرِ الدَّمِ، فَإِنْ كَانَ الْعَدَدُ كَامِلًا فَأَرَادَ الْوَلِيُّ أَنْ يُكَرِّرَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى التَّكْرَارِ ضَرُورَةُ الْإِكْمَالِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ لَمَّا قَضَى بِالْقَسَامَةِ وَافَى إلَيْهِ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا، فَكَرَّرَ الْيَمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، حَتَّى يُتِمَّ خَمْسِينَ، ثُمَّ قَضَى بِالدِّيَةِ.
وَعَنْ شُرَيْحٍ، وَالنَّخَعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ.
قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ بِنَقْصٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْهُذَلِيِّ عَنْ أَبِي مَلِيحٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَدَّ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانَ، حَتَّى وَفَّوْا. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ بِتَغْيِيرٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَحْلَفَ امْرَأَةً خَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى مَوْلًى لَهَا أُصِيبَ، ثُمَّ جَعَلَ عَلَيْهَا دِيَةً. انْتَهَى.
حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ فِي الْبَابِ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الْقَسَامَةِ أَنْ يَحْلِفَ الْأَوْلِيَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدَدٌ يَبْلُغُ الْخَمْسِينَ، رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ، بَالِغًا مَا بَلَغُوا»، انْتَهَى.
أَثَرٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ الْأَسَدِيُّ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُسَاحِقٍ الْعَامِرِيِّ عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ أَبُو بَكْرٍ أَنْ افْحَصْ لِي عَنْ دَاوُدِيٍّ، وَكَيْفَ كَانَ أَمْرُ قَتْلِهِ، إلَى أَنْ قَالَ: فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إلَى الْمُهَاجِرِ: أَنْ ابْعَثْ إلَيَّ بِقَيْسِ بْنِ مَكْشُوحٍ فِي وِثَاقٍ، فَبَعَثَ بِهِ إلَيْهِ فِي وِثَاقٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ جَعَلَ قَيْسٌ يَتَبَرَّأُ مِنْ قَتْلِ دَاوُدِيٍّ، وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا قَتَلَهُ، فَأَحْلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ خَمْسِينَ يَمِينًا، عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْدُودَةً عَلَيْهِ، بِاَللَّهِ مَا قَتَلَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لَهُ قَاتِلًا، ثُمَّ عَفَا عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ، مُخْتَصَرٌ، وَهُوَ بِتَمَامِهِ فِي قِصَّةِ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ.
قَوْلُهُ: وَعَنْ شُرَيْحٍ، وَالنَّخَعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ.
قُلْت: حَدِيثُ شُرَيْحٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، بَلَغَ عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: جَاءَتْ قَسَامَةٌ، فَلَمْ يُوَفُّوا خَمْسِينَ، فَرَدَّدَ عَلَيْهِمْ الْقَسَامَةَ حَتَّى أَوْفَوْا. انْتَهَى.
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: إذَا كَانُوا أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ رَدَدْتَ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانَ. انْتَهَى.
وَحَدِيثُ النَّخَعِيّ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: إذَا لَمْ تَبْلُغْ الْقَسَامَةُ، كَرَّرُوا حَتَّى يَحْلِفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، نَحْوَهُ سَوَاءً. انْتَهَى.
قَالَ: (وَلَا قَسَامَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ وَالْيَمِينُ قَوْلٌ صَحِيحٌ.
قَالَ: (وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا عَبْدٍ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِهَا.
قَالَ: (وَإِنْ وُجِدَ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَتِيلٍ إذْ الْقَتِيلُ فِي الْعُرْفِ مَنْ فَاتَتْ حَيَاتُهُ بِسَبَبٍ يُبَاشِرُهُ حَيٌّ وَهَذَا مَيِّتٌ حَتْفَ أَنْفِهِ وَالْغَرَامَةُ تَتْبَعُ فِعْلَ الْعَبْدِ وَالْقَسَامَةُ تَتْبَعُ احْتِمَالَ الْقَتْلِ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَسَمُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِهِ أَثَرٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى كَوْنِهِ قَتِيلًا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ خَنْقٍ، وَكَذَا إذَا كَانَ خَرَجَ الدَّمُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِفِعْلٍ مِنْ جِهَةِ الْحَيِّ عَادَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ مِنْ فِيهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ لِأَنَّ الدَّمَ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْمَخَارِجِ عَادَةً بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الشَّهِيدِ.
(وَلَوْ وُجِدَ بَدَنُ الْقَتِيلِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْبَدَنِ أَوْ النِّصْفُ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فِي مَحَلَّةٍ فَعَلَى أَهْلِهَا الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ، وَإِنْ وُجِدَ نِصْفُهُ مَشْقُوقًا بِالطُّولِ أَوْ وُجِدَ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ وَمَعَهُ الرَّأْسُ أَوْ وُجِدَ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ أَوْ رَأْسُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ، وَقَدْ وَرَدَ بِهِ فِي الْبَدَنِ إلَّا أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ بِخِلَافِ الْأَقَلِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَنٍ وَلَا مُلْحَقٍ بِهِ فَلَا تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ، وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَاهُ تَتَكَرَّرُ الْقَسَامَتَانِ وَالدِّيَتَانِ بِمُقَابَلَةِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَلَا تَتَوَالَيَانِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمَوْجُودَ الْأَوَّلَ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ الْبَاقِي تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ لَا تَجِبُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ الْبَاقِي لَا تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ تَجِبُ وَالْمَعْنَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ فِي هَذَا تَنْسَحِبُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَرَّرُ.
(وَلَوْ وُجِدَ فِيهِمْ جَنِينٌ أَوْ سُقْطٌ لَيْسَ بِهِ أَثَرٌ لِلضَّرْبِ فَلَا شَيْءَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ) لِأَنَّهُ لَا يَفُوقُ الْكَبِيرَ حَالًا (وَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَهُوَ تَامُّ الْخَلْقِ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا (وَإِنْ كَانَ نَاقِصَ الْخَلْقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ مَيِّتًا لَا حَيًّا.
قَالَ: (وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ عَلَى دَابَّةٍ يَسُوقُهَا رَجُلٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دُونَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ) لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ فِي دَارِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ قَائِدَهَا أَوْ رَاكِبَهَا (فَإِنْ اجْتَمَعُوا فَعَلَيْهِمْ) لِأَنَّ الْقَتِيلَ فِي أَيْدِيهِمْ فَصَارَ كَمَا إذَا وُجِدَ فِي دَارِهِمْ.
قَالَ: (وَإِنْ مَرَّتْ دَابَّةٌ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ وَعَلَيْهَا قَتِيلٌ فَهُوَ عَلَى أَقْرَبِهِمَا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُتِيَ بِقَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَأَمَرَ أَنْ يُذْرَعَ» وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا كُتِبَ إلَيْهِ فِي الْقَتِيلِ الَّذِي وُجِدَ بَيْنَ وَادِعَةَ وَأَرْحَبَ كَتَبَ بِأَنْ يَقِيسَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَوُجِدَ الْقَتِيلُ إلَى وَادِعَةَ أَقْرَبَ فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ، قِيلَ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَبْلُغُ أَهْلَهُ الصَّوْتُ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَتُمْكِنُهُمْ النُّصْرَةُ وَقَدْ قَصَّرُوا.
قَالُوا: (وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ (وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِأَنَّ نُصْرَتَهُ مِنْهُمْ وَقُوَّتَهُ بِهِمْ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُتِيَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ، فَأَمَرَ أَنْ تُذَرَعَ».
قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي إسْرَائِيلَ الْمُلَائِيِّ، وَاسْمُهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ قَتِيلًا وُجِدَ بَيْنَ حَيَّيْنِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقَاسَ، إلَى أَيِّهِمَا أَقْرَبُ، فَوُجِدَ أَقْرَبَ إلَى أَحَدِ الْحَيَّيْنِ بِشِبْرٍ، قَالَ الْخُدْرِيِّ: كَأَنْ أَنْظُرَ إلَى شِبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْقَى دِيَتَهُ عَلَيْهِمْ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا بِلَفْظِ: «فَأَلْقَى دِيَتَهُ عَلَى أَقْرَبِهِمَا»، وَأَعَلَّاهُ بِأَبِي إسْرَائِيلَ، فَضَعَّفَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ قَوْمٍ، وَوَثَّقَهُ عَنْ آخَرِينَ، وَقَالَ الْبَزَّارُ: أَبُو إسْرَائِيلَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَبُو إسْرَائِيلَ، قَالَ النَّسَائِيُّ فِيهِ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَكَانَ يَسُبُّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: إنَّمَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو إسْرَائِيلَ الْمُلَائِيُّ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ الصَّبِيِّ بْنِ أَشْعَثَ بْنِ سَالِمٍ السَّلُولِيِّ.
سَمِعْت عَطِيَّةَ الْعَوْفِيَّ عَنْ الْخُدْرِيِّ بِهِ، وَلَيَّنَ الصُّبَيّ هَذَا، وَقَالَ: إنَّ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ مَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَلَمْ أَرَ لِلْمُتَقَدِّمِينَ فِيهِ كَلَامًا، وَرَوَاهُ عَنْ عَطِيَّةَ أَبُو إسْرَائِيلَ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا كُتِبَ إلَيْهِ فِي الْقَتِيلِ الَّذِي وُجِدَ بَيْنَ وَادِعَةَ، وَأَرْحَبَ، كَتَبَ بِأَنْ يَقِيسَ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ، فَوَجَدَ الْقَتِيلَ إلَى وَادِعَةَ أَقْرَبَ، فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ.
قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْأَزْمَعِ، قَالَ: وُجِدَ قَتِيلٌ بِالْيَمَنِ بَيْنَ وَادِعَةَ، وَأَرْحَبَ، فَكَتَبَ عَامِلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَيْهِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَنْ قِسْ مَا بَيْنَ الْحَيَّيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَقْرَبَ، فَخُذْهُمْ بِهِ، قَالَ: فَقَاسُوا، فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إلَى وَادِعَةَ، فَأَخَذْنَا، وَأَغْرَمْنَا، وَأَحْلَفْنَا، فَقُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَتُحَلِّفُنَا، وَتُغَرِّمُنَا؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَحْلَفَ مِنَّا خَمْسِينَ رَجُلًا بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُ، وَلَا عَلِمْتُ قَاتِلًا، انْتَهَى.
قَالَ: (وَلَا تَدْخُلُ السُّكَّانُ فِي الْقَسَامَةِ مَعَ الْمُلَّاكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى، أَلَا تَرَى «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَعَلَ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْيَهُودِ» وَإِنْ كَانُوا سُكَّانًا بِخَيْبَرَ.
وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ دُونَ السُّكَّانِ لِأَنَّ سُكْنَى الْمُلَّاكِ أَلْزَمُ وَقَرَارَهُمْ أَدْوَمُ فَكَانَتْ وِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ فَيَتَحَقَّقُ التَّقْصِيرُ مِنْهُمْ، وَأَمَّا أَهْلُ خَيْبَرَ فَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْخَرَاجِ.
قَالَ: (وَهِيَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ الْمُشْتَرِينَ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْكُلُّ مُشْتَرِكُونَ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ يُجْعَلُ جَانِيًا مُقَصِّرًا وَالْوِلَايَةُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَقَدْ اسْتَوَوْا فِيهِ، وَلَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ هُوَ الْمُتَعَارَفُ وَلِأَنَّهُ أَصِيلٌ وَالْمُشْتَرِي دَخِيلٌ وَوِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَى الْأَصِيلِ، وَقِيلَ: أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى مَا شَاهَدَ بِالْكُوفَةِ.
قَالَ: (وَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَكَذَلِكَ) يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ لِمَا بَيَّنَّا (وَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِأَنْ بَاعُوا كُلَّهُمْ فَهُوَعَلَى الْمُشْتَرِينَ) لِأَنَّ الْوِلَايَةَ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ أَوْ خَلَصَتْ لَهُمْ لِزَوَالِ مَنْ يَتَقَدَّمُهُمْ أَوْيُزَاحِمُهُمْ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَعَلَ الْقَسَامَةَ، وَالدِّيَةَ عَلَى يَهُودِ خَيْبَرَ، وَكَانُوا سُكَّانًا بِهَا».
قُلْت: تَقَدَّمَ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَقَرَّ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ، وَكَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْخَرَاجِ».
قُلْت: أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَهْلَ خَيْبَرَ لَمْ يَكُونُوا سُكَّانًا، وَإِنَّمَا كَانُوا مُلَّاكًا، وَالصَّحِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو عُمَرَ، وَغَيْرُهُ أَنَّ خَيْبَرَ فُتِحَتْ كُلُّهَا عَنْوَةً، وَأَنَّهَا قُسِّمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، إلَّا حِصْنَيْنِ مِنْهَا، يُسَمَّى أَحَدُهُمَا: الْوَطِيحَةَ، وَالْآخَرُ: السَّلَالِمَ، فَإِنَّ أَهْلَهُمَا سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ مَا عِنْدَ هُمْ، وَيَحْقِنَ لَهُمْ دِمَاءَهُمْ، فَفَعَلَ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَتْرُكَهُمْ فِي أَرْضِهِمْ، وَيَعْمَلُونَ فِيهَا عَلَى نِصْفِ الْخَارِجِ، فَفَعَلَ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهُمْ مَتَى شَاءَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا أَنَّهُ أَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ، مِلْكًا لَهُمْ إذْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِي فَتْحِ الصُّلْحِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ اسْتَمَرُّوا كَذَلِكَ، إلَى زَمَانِ عُمَرَ فَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ» (وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَعَلَى قَوْمِهِ وَتَدْخُلُ الْعَاقِلَةُ فِي الْقَسَامَةِ إنْ كَانُوا حُضُورًا، وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ يُكَرَّرُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا قَسَامَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ أَخَصُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِيهَا كَأَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا عَوَاقِلُهُمْ.
وَلَهُمَا أَنَّ بِالْحُضُورِ لَزِمَتْهُمْ نُصْرَةُ الْبُقْعَةِ كَمَا تَلْزَمُ صَاحِبَ الدَّارِ فَيُشَارِكُونَهُ فِي الْقَسَامَةِ.
قَالَ: (وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ نِصْفُهَا لِرَجُلِ وَعُشْرُهَا لِرَجُلٍ وَلِآخَرَ مَا بَقِيَ فَهُوَ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ) لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ يُزَاحِمُ صَاحِبَ الْكَثِيرِ فِي التَّدْبِيرِ فَكَانُوا سَوَاءً فِي الْحِفْظِ وَالتَّقْصِيرُ يَكُونُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ.
قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي فِي يَدِهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَا: إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي تَصِيرُ لَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُنْزِلَ قَاتِلًا بِاعْتِبَارِ التَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ، وَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَالْوِلَايَةُ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ، وَلِهَذَا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الدَّارِ دُونَ الْمُودَعِ وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ، وَفِي الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ يُعْتَبَرُ قَرَارُ الْمِلْكِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ.
وَلَهُ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ لَا بِالْمِلْكِ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ يَقْتَدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ وَلَا يَقْتَدِرُ بِالْمِلْكِ دُونَ الْيَدِ، وَفِي الْبَاتِّ الْيَدُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَا فِيمَا فِيهِ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ دُونَ الْبَاتِّ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ فَهُوَ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ تَصَرُّفًا، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَهُوَ فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَالْمَغْصُوبِ فَتُعْتَبَرُ يَدُهُ إذْ بِهَا يَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ.
قَالَ (وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ دَارٌ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ لَمْ تَعْقِلْهُ الْعَاقِلَةُ حَتَّى تَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِلَّذِي فِي يَدِهِ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمِلْكِ لِصَاحِبِ الْيَدِ حَتَّى تَعْقِلَ الْعَوَاقِلُ عَنْهُ، وَالْيَدُ وَإِنْ كَانَتْ دَلِيلًا عَلَى الْمِلْكِ لَكِنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ فَلَا تَكْفِي لِإِيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا لَا تَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ بِهِ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ.
قَالَ: (وَإِنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي سَفِينَةٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ الرِّكَابِ وَالْمَلَّاحِينَ) لِأَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمْ وَاللَّفْظُ يَشْمَلُ أَرْبَابَهَا حَتَّى تَجِبُ عَلَى الْأَرْبَابِ الَّذِينَ فِيهَا وَعَلَى السُّكَّانِ وَكَذَا عَلَى مَنْ يَمُدُّهَا، وَالْمَالِكُ فِي ذَلِكَ وَغَيْرُ الْمَالِكِ سَوَاءٌ وَكَذَا الْعَجَلَةُ، وَهَذَا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ظَاهِرٌ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ السَّفِينَةَ تُنْقَلُ وَتُحَوَّلُ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْيَدُ دُونَ الْمِلْكِ كَمَا فِي الدَّابَّةِ بِخِلَافِ الْمَحَلَّةِ وَالدَّارِ لِأَنَّهَا لَا تُنْقَلُ.
قَالَ: (وَإِنْ وُجِدَ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِهَا) لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِيهِ إلَيْهِمْ (وَإِنْ وُجِدَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْ الشَّارِعِ الْأَعْظَمِ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ لِلْعَامَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ الْجُسُورُ الْعَامَّةُ وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ مَالُ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
(وَلَوْ وُجِدَ فِي السُّوقِ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَجِبُ عَلَى السُّكَّانِ، وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْمَالِكِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا كَالشَّوَارِعِ الْعَامَّةِ الَّتِي بُنِيَتْ فِيهَا فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ.
(وَلَوْ وُجِدَ فِي السِّجْنِ فَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ السِّجْنِ) لِأَنَّهُمْ سُكَّانٌ وَوِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ مِنْهُمْ، وَهُمَا يَقُولَانِ: إنَّ أَهْلَ السِّجْنِ مَقْهُورُونَ فَلَا يَتَنَاصَرُونَ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مَا يَجِبُ لِأَجْلِ النُّصْرَةِ وَلِأَنَّهُ بُنِيَ لِاسْتِيفَاءِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ.
فَإِذَا كَانَ غُنْمُهُ يَعُودُ إلَيْهِمْ فَغُرْمُهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ، قَالُوا هَذِهِ فُرَيْعَةُ الْمَالِكِ وَالسَّاكِنِ وَهِيَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
قَالَ: (وَإِنْ وُجِدَ فِي بَرِّيَّةٍ لَيْسَ بِقُرْبِهَا عِمَارَةٌ فَهُوَ هَدَرٌ) وَتَفْسِيرُ الْقُرْبِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ اسْتِمَاعِ الصَّوْتِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُوصَفُ أَحَدٌ بِالتَّقْصِيرِ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ، أَمَّا إذَا كَانَتْ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ (وَإِنْ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ كَانَ عَلَى أَقْرَبِهِمَا) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.
(وَإِنْ وُجِدَ فِي وَسَطِ الْفُرَاتِ يَمُرُّ بِهِ الْمَاءُ فَهُوَ هَدَرٌ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ وَلَا فِي مِلْكِهِ.
(وَإِنْ كَانَ مُحْتَبِسًا بِالشَّاطِئِ فَهُوَ عَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ) عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِنُصْرَةِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَهُوَ كَالْمَوْضُوعِ عَلَى الشَّطِّ وَالشَّطُّ فِي يَدِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَسْتَقُونَ مِنْهُ الْمَاءَ وَيُورِدُونَ بَهَائِمَهُمْ فِيهَا، بِخِلَافِ النَّهْرِ الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ لِاخْتِصَاصِ أَهْلِهَا بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِمْ عَلَيْهِ فَتَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ.
قَالَ: (وَإِنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْقَسَامَةُ عَنْهُمْ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَذَكَرْنَا فِيهِ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ.
قَالَ: (وَإِنْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ سَقَطَتْ عَنْهُمْ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ وُجُوبَ الْقَسَامَةِ عَلَيْهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ فَتَعْيِينُهُ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ مِنْهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّ الْقَاتِلَ لَيْسَ مِنْهُمْ وَهُمْ إنَّمَا يَغْرَمُونَ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مِنْهُمْ لِكَوْنِهِمْ قَتَلَةً تَقْدِيرًا حَيْثُ لَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، وَلِأَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ لَا يَغْرَمُونَ بِمُجَرَّدِ ظُهُورِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ إلَّا بِدَعْوَى الْوَلِيِّ، فَإِذَا ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ امْتَنَعَ دَعْوَاهُ عَلَيْهِمْ وَسَقَطَ لِفَقْدِ شَرْطِهِ.
قَالَ: (وَإِذَا الْتَقَى قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ فَأَجْلَوْا عَنْ قَتِيلٍ فَهُوَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ) لِأَنَّ الْقَتْلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْحِفْظَ عَلَيْهِمْ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْأَوْلِيَاءُ عَلَى أُولَئِكَ أَوْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ شَيْءٌ) لِأَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى تَضَمَّنَتْ بَرَاءَةَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَنْ الْقَسَامَةِ.
قَالَ: (وَلَا عَلَى أُولَئِكَ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ) لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ أَمَّا يَسْقُطُ بِهِ الْحَقُّ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ.
(وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مُعَسْكَرٍ أَقَامُوا بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا، فَإِنْ وُجِدَ فِي خِبَاءٍ أَوْ فُسْطَاطٍ فَعَلَى مَنْ يَسْكُنُهَا الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الْفُسْطَاطِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْأَخْبِيَةِ) اعْتِبَارًا لِلْيَدِ عِنْدَ انْعِدَامِ الْمِلْكِ.
(وَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ لَقُوا قِتَالًا وَوُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَدُوَّ قَتَلَهُ فَكَانَ هَدَرًا، وَإِنْ لَمْ يَلْقَوْا عَدُوًّا فَعَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
(وَإِنْ كَانَ لِلْأَرْضِ مَالِكٌ فَالْعَسْكَرُ كَالسُّكَّانِ فَيَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
قَالَ: (وَإِذَا قَالَ الْمُسْتَحْلَفُ قَتَلَهُ فُلَانٌ اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُ وَلَا عَرَفْتُ لَهُ قَاتِلًا غَيْرَ فُلَانٍ) لِأَنَّهُ يُرِيدُ إسْقَاطَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ، فَلَا يُقْبَلُ فَيَحْلِفُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ صَارَ مُسْتَثْنًى عَنْ الْيَمِينِ فَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ سِوَاهُ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ.
قَالَ: (وَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ قَتَلَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَا: تُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرُوا خُصَمَاءَ، وَقَدْ بَطَلَتْ الْعَرْضِيَّةُ بِدَعْوَى الْوَلِيِّ الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إذَا عُزِلَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ.
وَلَهُ أَنَّهُمْ خُصَمَاءُ بِإِنْزَالِهِمْ قَاتِلِينَ لِلتَّقْصِيرِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَإِنْ خَرَجُوا مِنْ جُمْلَةِ الْخُصُومِ كَالْوَصِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْوِصَايَةِ بَعْدَمَا قَبِلَهَا ثُمَّ شَهِدَ، قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَعَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ يَتَخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ.
قَالَ: (وَلَوْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِهَا عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ) لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَالشَّاهِدُ يَقْطَعُهَا عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الشُّهُودَ يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ، وَلَا يَزْدَادُونَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا أَنَّهُمْ عَرَفُوا الْقَاتِلَ.
قَالَ: (وَمَنْ جُرِحَ فِي قَبِيلَةٍ فَنُقِلَ إلَى أَهْلِهِ فَمَاتَ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْقَبِيلَةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ) لِأَنَّ الَّذِي حَصَلَ فِي الْقَبِيلَةِ وَالْمَحَلَّةِ مَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا قَسَامَةَ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ، وَلَهُ أَنَّ الْجَرْحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ صَارَ قَتْلًا، وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ أُضِيفَ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ مِنْ غَيْرِ الْجَرْحِ فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ.
قَالَ: (وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَعَهُ جَرِيحٌ بِهِ رَمَقٌ حَمَلَهُ إنْسَانٌ إلَى أَهْلِهِ فَمَكَثَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَضْمَنْ الَّذِي حَمَلَهُ إلَى أَهْلِهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنُ) لِأَنَّ يَدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ فَوُجُودِهِ جَرِيحًا فِي يَدِهِ كَوُجُودِهِ فِيهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَيْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا قَبْلَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقَبِيلَةِ.
(وَلَوْ وَجَدَ رَجُلًا قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: لَا شَيْءَ فِيهِ) لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ حِينَ وَجَدَ الْجَرِيحَ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَيَكُونُ هَدَرًا، وَلَهُ أَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْقَتْلِ وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الدِّيَةِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَحَالَ ظُهُورِ الْقَتْلِ الدَّارُ لِلْوَرَثَةِ فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ إذَا وَجَدَ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ لِأَنَّ حَالَ ظُهُورِ قَتْلِهِ بَقِيَتْ الدَّارُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَيُهْدَرُ دَمُهُ.
(وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا فِي بَيْتٍ وَلَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ فَوُجِدَ أَحَدُهُمَا مَذْبُوحًا، قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَضْمَنُ الْآخَرُ الدِّيَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَضْمَنُهُ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَكَانَ التَّوَهُّمُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَتَلَهُ الْآخَرُ فَلَا يَضْمَنُهُ بِالشَّكِّ، وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ فَكَانَ التَّوَهُّمُ سَاقِطًا، كَمَا إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ.
(وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي قَرْيَةٍ لِامْرَأَةٍ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَيْهَا الْقَسَامَةُ تُكَرَّرُ عَلَيْهَا الْأَيْمَانُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ إلَيْهَا فِي النَّسَبِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا) لِأَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ، وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا فَأَشْبَهَتْ الصَّبِيَّ، وَلَهُمَا أَنَّ الْقَسَامَةَ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ وَتُهْمَةُ الْقَتْلِ مِنْ الْمَرْأَةِ مُتَحَقِّقَةٌ.
قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ: إنَّ الْمَرْأَةَ تَدْخُلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي التَّحَمُّلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّا أَنْزَلْنَاهَا قَاتِلَةً، وَالْقَاتِلُ يُشَارِكُ الْعَاقِلَةَ.
(وَلَوْ وُجِدَ رَجُلٌ قَتِيلًا فِي أَرْضِ رَجُلٍ إلَى جَانِبِ قَرْيَةٍ لَيْسَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ هُوَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ) لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِنُصْرَةِ أَرْضِهِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.