فصل: أبواب الأمان والصلح والمهادنة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب بقاء الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام وأن لا هجرة من دار أسلم أهلها

1- عن سمرة بن جندب قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

2- وعن جرير بن عبد اللّه‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بعث سرية إلى خثعم فاعتصم ناس بالسجود فأسرع فيهم القتل فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأمر لهم بنصف العقل وقال‏:‏ أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين قالوا يا رسول اللّه ولم قال لا تتراءى ناراهما‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والمنذري‏.‏

3- وعن معاوية قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

4- وعن عبد اللّه بن السعدي‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا تنقطع الهجرة ما قوتل العد‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي‏.‏

5- وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا ابن ماجه لكن له منه‏:‏ ‏(‏إذا استنفرتم فانفروا‏)‏ وروت عائشة مثله متفق عليه‏.‏

6- وعن عائشة وسئلت عن الهجرة فقالت‏:‏ ‏(‏لا هجرة اليوم كان المؤمن يفر بدينه إلى اللّه ورسوله مخافة أن يفتن فأما اليوم فقد أظهر اللّه الإسلام والمؤمن يعبد ربه حيث شاء‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

7- وعن مجاشع بن مسعود أنه جاء بأخيه مجالد بن مسعود إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ ‏(‏هذا مجالد جاء يبايعك على الهجرة فقال‏:‏ لا هجرة بعد فتح مكة ولكن أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

حديث سمرة قال الذهبي إسناده مظلم لا تقوم بمثله حجة‏.‏

وحديث جرير أخرجه أيضًا ابن ماجه ورجال إسناده ثقات ولكن صحح البخاري وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والدارقطني إرساله إلى قيس بن أبي حازم ورواه الطبراني أيضًا موصولًا وحديث معاوية أخرجه أيضًا النسائي قال الخطابي‏:‏ إسناده فيه مقال‏.‏

وحديث عبد اللّه السعدي أخرجه أيضًا ابن ماجه وابن منده والطبراني والبغوي وابن عساكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهو مثله‏)‏ فيه دليل على تحريم مساكنة الكفار ووجوب مفارقتهم والحديث وإن كان فيه المقال المتقدم لكن يشهد لصحته قوله تعالى ‏{‏فلا تقعدوا معهم إنكم إذا مثلهم‏}‏ وحديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده مرفوعًا‏:‏ ‏(‏لا يقبل اللّه من مشرك عملًا بعد ما أسلم أو يفارق المشركين‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تتراءى ناراهما‏)‏ يعني لا ينبغي أن يكونا بموضع بحيث تكون نار كل واحد منهما في مقابلة الأخرى على وجه لو كانت متمكنة من الإبصار لأبصرت الأخرى فإثبات الرؤية للنار مجاز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما قوتل العدو‏)‏ فيه دليل على أن الهجرة باقية ما بقيت المقاتلة للكفار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا هجرة بعد الفتح‏)‏ أصل الهجرة هجر الوطن وأكثر ما تطلق على من رحل من البادية إلى القرية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولكن جهاد ونية‏)‏ قال الطيبي وغيره‏:‏ هذا الاستدراك يقتضي مخالفة حكم ما بعده لما قبله والمعنى أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة انقطعت إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر والخروج في طلب العلم والفرار بالدين من الفتن والنية في جميع ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا استنفرتم فانفروا‏)‏ قال النووي‏:‏ يريد أن الخير الذي انقطع بانقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة وإذا أمركم الإمام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه‏.‏

قال الطيبي‏:‏ إن قوله ولكن جهاد الخ معطوف على محل مدخول لا هجرة أي الهجرة من الوطن إما للفرار من الكفار أو إلى الجهاد أو إلى غير ذلك كطلب العلم فانقطعت الأولى وبقيت الأخريان فاغتنموهما ولا تقاعدوا عنهما بل إذا استنفرتم فانفروا‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وليس الأمر في انقطاع الهجرة من الكفار على ما قال انتهى‏.‏

وقد اختلف في الجمع بين أحاديث الباب فقال الخطابي وغيره كانت الهجرة فرضًا من أول الإسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع فلما فتح اللّه مكة دخل الناس في دين اللّه أفواجًا فسقط فرض الهجرة إلى المدينة وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدو انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وكانت الحكمة أيضًا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى من يؤذيه من الكفار فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه وفيهم نزلت ‏{‏إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها‏}‏ الآية وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها‏.‏

وقال الماوردي‏:‏ إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام فالإقامة فيها أفضل من الرحلة عنها لما يترجى من دخول غيره في الإسلام ولا يخفى ما في هذا الرأي من المصادمة لأحاديث الباب القاضية بتحريم الإقامة في دار الكفر‏.‏

وقال الخطابي أيضًا إن الهجرة افترضت لما هاجر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى المدينة إلى حضرته للقتال معه وتعلم شرائع الدين وقد أكد اللّه ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال ‏{‏والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا‏}‏ فلما فتحت مكة ودخل الناس في الإسلام من جميع القبائل انقطعت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب‏.‏

وقال البغوي في شرح السنة‏:‏ يحتمل الجمع بطريق أخرى فقوله لا هجرة بعد الفتح أي من مكة إلى المدينة‏.‏

وقوله ‏(‏لا تنقطع‏)‏ أي من دار الكفر في حق من أسلم إلى دار الإسلام قال ويحتمل وجهًا آخر وهو أن قوله لا هجرة أي إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حيث كان بنية عدم الرجوع إلى الوطن المهاجر منه إلا بإذن فقوله لا تنقطع أي هجرة من هاجر على غير هذا الوصف من الأعراب ونحوهم وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ‏:‏ ‏(‏انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار‏)‏ أي ما دام في الدنيا دار كفر فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن على دينه ومفهومه أنه لو قدر أن لا يبقى في الدنيا دار كفر إن الهجرة تنقطع لانقطاع موجبها وأطلق ابن التين أن الهجرة من مكة إلى المدينة كانت واجبة وأن من أقام بمكة بعد هجرة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى المدينة بغير عذر كان كافرًا‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهو إطلاق مردود‏.‏ وقال ابن العربي‏:‏ الهجرة هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام وكانت فرضًا في عهد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم واستمرت بعده لمن خاف على نفسه والتي انقطعت أصلًا هي القصد إلى حيث كان‏.‏ وقد حكى في البحر أن الهجرة عن دار الكفر واجبة إجماعًا حيث حمل على معصية فعل أو ترك أو طلبها الإمام بقوته لسلطانه وقد ذهب جعفر بن مبشر وبعض الهادوية إلى وجوب الهجرة عن دار الفسق قياسًا على دار الكفر وهو قياس مع الفارق والحق عدم وجوبها من دار الفسق لأنها دار إسلام وإلحاق دار الإسلام بدار الكفر بمجرد وقوع المعاصي فيها على وجه الظهور ليس بمناسب لعلم الرواية ولا لعلم الدراية‏.‏ وللفقهاء في تفاصيل الدور والأعذار المسوغة لترك الهجرة مباحث ليس هذا محل بسطها‏.‏

 أبواب الأمان والصلح والمهادنة

 باب تحريم الدم بالأمان وصحته من الواحد

1- عن أنس‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2- عن أبي سعيد قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدرته ألا ولا غادر أعظم غدرًا من أمير عامة‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

3- وعن علي رضي اللّه عنه‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

4- وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن المرأة لتأخذ للقوم يعني تجير على المسلمين‏)‏

رواه الترمذي وقال حسن غريب‏.‏

حديث علي تقدم في أول كتاب الدماء وقد أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وأخرجه أيضًا أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏يد المسلمين على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويجير عليهم أدناهم ويرد عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم‏)‏ ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر مطولًا‏.‏ ورواه ابن ماجه من حديث معقل بن يسار مختصرًا بلفظ‏:‏ ‏(‏المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم‏)‏ ورواه الحاكم عن أبي هريرة مختصرًا بلفظ‏:‏ ‏(‏المسلمون تتكافأ دماؤهم‏)‏ ورواه من حديثه أيضًا مسلم بلفظ‏:‏ ‏(‏إن ذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين‏)‏ وهو أيضًا متفق عليه من حديث علي من طريق أخرى بأطول من هذا‏.‏

وأخرجه البخاري من حديث أنس وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث أبي عبيدة بلفظ‏:‏ ‏(‏يجير على المسلمين بعضهم‏)‏ وفي إسناده حجاج بن أرطأة وهو ضعيف‏.‏

وأخرجه أيضًا أحمد من حديث أبي أمامة بنحوه‏.‏

وأخرجه أيضًا الطيالسي في مسنده من حديث عمرو ابن العاص بلفظ‏:‏ ‏(‏يجير على المسلمين أدناهم‏)‏ ورواه أحمد من حديث أبي هريرة وحديث أبي هريرة المذكور في الباب رواه الترمذي من طريق يحيى بن أكثم حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة فذكره ثم قال وفي الباب عن أم هانئ وهذا حديث حسن غريب انتهى‏.‏ وقد تقدم حديث أم هانئ قريبًا‏.‏

وأخرج أبو داود والنسائي عن عائشة قالت‏:‏ إن كانت المرأة لتجير على المؤمنين فيجوز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يعرف به‏)‏ في رواية للبخاري ينصب وفي أخرى له يرى‏.‏ ولمسلم من حديث أبي سعيد عند أسته قال ابن المنير‏:‏ كأنه عومل بنقيض قصده لأن عادة اللواء أن يكون على الرأس فنصبه عند السفل زيادة في فضيحته لأن الأعين غالبًا تمتد إلى الألوية فيكون ذلك سببًا لامتدادها للذي بدت له ذلك اليوم فيزداد بها فضيحة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بقدر غدرته‏)‏ قال في القاموس‏:‏ والغدرة بالضم والكسر ما أغدر من شيء‏.‏

قال القرطبي‏:‏ هذا خطاب منه للعرب بنحو ما كانت تفعل لأنهم كانوا يرفعون للوفاء راية بيضاء وللغدر راية سوداء ليلوموا الغادر ويذموه فاقتضى الحديث وقوع مثل ذلك للغادر ليشتهر بصفته في القيامة فيذمه أهل الموقف‏.‏ وقد زاد مسلم في رواية له‏:‏ ‏(‏يقال هذه غدرة فلان‏)‏ قال في الفتح‏:‏ وأما الوفاء فلم يرد فيه شيء ولا يبعد أن يقع كذلك وقد ثبت لواء الحمد لنبينا صلى اللّه عليه وآله وسلم وفي حديث أنس وحديث أبي سعيد دليل على تحريم الغدر وغلظه ولا سيما من صاحب الولاية العامة لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثير ولأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء قال القاضي عياض‏:‏ المشهور أن هذا الحديث ورد في ذم الإمام إذا غدر في عهوده لرعيته أو لمقابلته أو للإمامة التي تقلدها والتزم القيام بها فمن حاف فيها أو ترك الرفق فقد غدر بعهده وقيل المراد نهي الرعية عن الغدر بالإمام فلا تخرج عليه ولا تتعرض لمعصيته لما يترتب على ذلك من الفتنة قال والصحيح الأول‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ولا أدري ما المانع من حمل الخبر على أعم من ذلك‏.‏ وحكي في الفتح في موضع آخر أن الغدر حرام بالاتفاق سواء كان في حق المسلم أو الذمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يسعى بها أدناهم‏)‏ أي أقلهم فدخل كل وضيع بالنص وكل شريف بالفحوى ودخل في الأدنى المرأة والعبد والصبي والمجنون فأما المرأة فيدل على ذلك حديث أبي هريرة وحديث أم هانئ المتقدم قال ابن المنذر‏:‏ أجمع أهل العلم على جواز أمان المرأة إلا شيئًا ذكره عبد الملك ابن الماجشون صاحب مالك لا أحفظ ذلك عن غيره قال‏:‏ إن أمر الأمان إلى الإمام وتأول ما ورد مما يخالف ذلك على قضايا خاصة قال ابن المنذر‏:‏ وفي قول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏يسعى بذمتهم أدناهم‏)‏ دلالة على إغفال هذا القائل‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وجاء عن سحنون مثل قول ابن الماجشون فقال هو إلى الإمام إن أجازه جاز وإن رده رد انتهى‏.‏

وأما العبد فأجاز الجمهور أمانه قاتل أو لم يقاتل وقال أبو حنيفة إن قاتل جاز أمانه وإلا فلا وقال سحنون إن إذن له سيده في القتال صح أمانه وإلا فلا‏.‏

وأما الصبي فقال ابن المنذر‏:‏ أجمع أهل العلم أن أمان الصبي غير جائز قال الحافظ‏:‏ وكلام غيره يشعر بالتفرقة بين المراهق وغيره وكذا المميز الذي يعقل والخلاف عن المالكية والحنابلة وأما المجنون فلا يصح أمانه بلا خلاف كالكافر لكن قال الأوزاعي‏:‏ إن غزا الذمي مع المسلمين فأمن أحدًا فإن شاء الإمام أمضاه وإلا فليرده إلى مأمنه‏.‏ وحكى ابن المنذر عن الثوري أنه استثنى من الرجال الأحرار الأسير في أرض الحرب فقال لا ينفذ أمانه وكذلك الأجير‏.‏

 باب ثبوت الأمان للكافر إذا كان رسولًا

1- عن ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏جاء ابن النواحة وابن أثال رسولا مسيلمة إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال لهما‏:‏ أتشهدان أني رسول اللّه قالا‏:‏ نشهد أن مسيلمة رسول اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ آمنت باللّه ورسوله لو كنت قاتلًا رسولًا لقتلتكما قال عبد اللّه‏:‏ فمضت السنة أن الرسل لا تقتل‏)‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏

2- وعن نعيم بن مسعود الأشجعي قال‏:‏ ‏(‏سمعت حين قُرئ كتاب مسيلمة الكذاب قال للرسولين‏:‏ فما تقولان أنتما قالا‏:‏ نقول كما قال فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ واللّه لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

3- وعن أبي رافع مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏بعثتني قريش إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فلما رأيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقع في قلبي الإسلام فقلت‏:‏ يا رسول اللّه لا أرجع إليهم قال‏:‏ إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ولكن ارجع إليهم فإن كان في قلبك الذي فيه الآن فارجع‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وقال هذا كان في ذلك الزمان اليوم لا يصلح‏.‏ ومعناه واللّه أعلم أنه كان في المرة التي شرط لهم فيها أن يرد من جاءه منهم مسلمًا‏.‏

حديث ابن مسعود أخرجه أيضًا الحاكم وأخرجه أيضًا أبو داود والنسائي مختصرًا‏.‏

وحديث نعيم بن مسعود سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص وأخرج أبو نعيم في الصحابة أن مسيلمة بعث إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ثلاثة وتين وابن شغاف الحنفي وابن النواحة فأما وتين فأسلم وأما الآخران فشهدا أنه رسول اللّه وأن مسيلمة من بعده فقال خذوهما فأخذا فخرجوا بهما إلى البيت فحبسا فقال رجل هبهما لي يا رسول اللّه ففعل‏.‏

وحديث أبي رافع أخرجه أيضًا النسائي وصححه ابن حبان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابن النواحة‏)‏ بفتح النون وتشديد الواو وبعد الألف مهملة وفي سنن أبي داود من طريق حارثة بن مضرب أنه أتى عبد اللّه يعني ابن مسعود فقال ما بيني وبين أحد من العرب حنة وإني مررت بمسجد لبني حنيفة فإذا هم يؤمنون بمسيلمة فأرسل إليهم عبد اللّه فجيء بهم فاستتابهم غير ابن النواحة قال له سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول لولا أنك رسول لضربت عنقك فأنت اليوم لست برسول فأمر قرظة بن كعب فضرب عنقه في السوق ثم قال من أراد أن ينظر إلى ابن النواحة قتيلًا في السوق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وابن أثال‏)‏ بضم الهمزة وبعدها مثلثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا أخيس‏)‏ بالخاء المعجمة والسين المهملة بينهما مثناة تحتية أي لا أنقض العهد من خاس الشيء في الوعاء إذا فسد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا أحبس‏)‏ بالحاء المهملة والموحدة‏.‏

ـ والحديثان ـ الأولان يدلان على تحريم قتل الرسل الواصلين من الكفار وإن تكلموا بكلمة الكفر في حضرة الإمام أو سائر المسلمين ـ والحديث ـ الثالث فيه دليل على أنه يجب الوفاء بالعهد للكفار كما يجب للمسلمين لأن الرسالة تقتضي جوابًا يصل على يد الرسول فكان ذلك بمنزلة عقد العهد‏.‏

 باب ما يجوز من الشروط مع الكفار ومدة المهادنة وغير ذلك

1- عن حذيفة بن اليمان قال‏:‏ ‏(‏ما منعني أن أشهد بدرًا إلا أني خرجت أنا وأبي الحسيل قال‏:‏ فأخذنا كفار قريش فقالوا‏:‏ إنكم تريدون محمدًا فقلنا‏:‏ ما نريده وما نريد إلا المدينة قال‏:‏ فأخذوا منا عهد اللّه وميثاقه لننطلق إلى المدينة ولا نقاتل معه فأتينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبرناه الخبر فقال‏:‏ انصرفا نفي لهم بعهدهم ونستعين اللّه عليهم‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏ وتمسك به من رأى يمين المكره منعقدة‏.‏

2- وعن أنس‏:‏ ‏(‏أن قريشًا صالحوا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فاشترطوا عليه أن من جاء منكم لا نرده عليكم ومن جاء رددتموه علينا فقالوا يا رسول اللّه أنكتب هذا قال نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده اللّه ومن جاء منهم سيجعل اللّه له فرجًا ومخرجًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبي الحسيل‏)‏ بضم الحاء المهملة وفتح السين المهملة أيضًا وسكون الياء بلفظ التصغير وهو والد حذيفة فيكون لفظ الحسيل عطف بيان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاشترطوا عليه أن من جاء منكم‏)‏ الخ في لفظ البخاري الآتي بعد هذا أن سهيلًا قال للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقالوا يا رسول اللّه‏)‏ الخ سمى الواقدي جماعة ممن قال ذلك منهم أسيد بن حضير وسعد بن عبادة وذكر البخاري في المغازي أن سهل بن حنيف كان ممن أنكر ذلك أيضًا وقال الحافظ في الفتح‏:‏ وقائل ذلك يشبه أن يكون هو عمر‏.‏ ولابن عائذ من حديث ابن عباس نحوه وسيأتي بعد هذا الحديث بسط قصة الصلح وقد أطال ابن إسحاق في القصة وزاد على ما عند غيره وقد استدل المصنف بالحديثين المذكورين على جواز مصالحة الكفار على ما وقع فيهما وسيأتي بسط الكلام في ذلك‏.‏

3- وعن عروة بن الزبير عن المسور ومروان يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا‏:‏ ‏(‏خرج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم زمن الحديبية حتى إذا كان ببعض الطريق قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فواللّه ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة فانطلق يركض نذيرًا لقريش وسار النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به ناقته فقال الناس‏:‏ حل حل فالحت فقالوا‏:‏ خلأت القصواء خلأت القصواء فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل قال‏:‏ والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات اللّه إلا أعطيتهم إياها ثم زجرها فوثبت قال‏:‏ فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل يتبرضه الناس تبرضًا فلم يلبث الناس حتى نزحوه وشكى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم العطش فانتزع سهمًا من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه فواللّه ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه فبينا هم كذلك إذ جاءهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من أهل تهامة فقال‏:‏ إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إنا لم نجئ لقتال أحد ولكن جئنا معتمرين وإن قريش قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم فإن شاؤوا ماددتهم مدة ويحلوا بيني وبين الناس فإن أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جموا وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن اللّه أمره فقال بديل‏:‏ سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشًا فقال‏:‏ إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل وقد سمعناه يقول قولًا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم‏:‏ لا حاجة لنا إلى أن تخبرنا عنه بشيء وقال ذو الرأي منهم‏:‏ هات ما سمعته يقول قال‏:‏ سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقام عروة بن مسعود فقال‏:‏ أي قوم ألستم بالوالد قالوا‏:‏ بلى قال‏:‏ أو لست بالولد قالوا‏:‏ بلى قال‏:‏ فهل تتهموني قالوا‏:‏ لا قال‏:‏ ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني قالوا‏:‏ بلى قال‏:‏ فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد اقبلوها وذروني آته قالوا‏:‏ ائته فأتاه فجعل يكلم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نحوًا من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك‏:‏ أي محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك وإن تكن الأخرى فإني واللّه لأرى وجوهًا أو إني لأرى أشوابًا من الناس خليقًا أن يفروا ويدعوك فقال له أبو بكر‏:‏ أمصص ببظر اللات إن نحن نفر عنه وندعه فقال‏:‏ من ذا قالوا‏:‏ أبو بكر فقال‏:‏ أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي ولم أجزك بها لأجبتك قال‏:‏ وجعل يكلم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة قائم على رأس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ومعه السيف وعليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ضرب يده بنصل السيف وقال‏:‏ أخر يدك عن لحية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فرفع عروة رأسه فقال‏:‏ من هذا قالوا‏:‏ المغيرة بن شعبة قال‏:‏ أي غدر ألست أسعى في غدرتك وكان المغيرة صحب قومًا في الجاهلية قتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أما الإسلام فاقبل وأما المال فلست منه في شيء ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بعينه قال‏:‏ فواللّه ما تنخم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيمًا له فرجع عروة إلى أصحابه فقال‏:‏ أي قوم واللّه لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي واللّه إن رأيت ملكًا قط تعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدًا واللّه إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيمًا له وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها

فقال رجل من بني كنانة‏:‏ دعوني آته فقالوا‏:‏ ائته فلما أشرف على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعثوها له واستقبله الناس يلبون فلما رأى ذلك قال‏:‏ سبحان اللّه ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فلما رجع إلى أصحابه قال‏:‏ رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال‏:‏ دعوني آته فقالوا‏:‏ ائته فلما أشرف عليهم قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ هذا مكرز بن حفص وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فبينا هو يكلمه جاء سهيل بن عمرو قال معمر‏:‏ فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ قد سهل اللّه لكم من أمركم قال معمر‏:‏ قال الزهري في حديثه‏:‏ فجاء سهيل بن عمرو فقال‏:‏ هات أكتب بيننا وبينكم كتابًا فدعا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الكاتب فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم فقال سهيل‏:‏ أما الرحمن فواللّه ما أدري ما هو لكن اكتب باسمك اللّهم كما كنت تكتب فقال المسلمون‏:‏ واللّه لا نكتبها إلا بسم اللّه الرحمن الرحيم فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ اكتب باسمك اللّهم ثم قال‏:‏ هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال سهيل‏:‏ واللّه لو كنا نعلم أنك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد اللّه فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ واللّه إني لرسول اللّه وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد اللّه قال الزهري وذلك لقوله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات اللّه إلا أعطيتهم إياها قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به قال سهيل‏:‏ واللّه لا تتحدث العرب إنا أخذنا ضغطة ولكن ذلك من العام المقبل فكتب فقال سهيل‏:‏ وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا قال المسلمون‏:‏ سبحان اللّه كيف يرد إلى المشركين من جاء مسلمًا فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل‏:‏ هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إليّ فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إنا لم نقض الكتاب بعد قال‏:‏ فواللّه إذن لا أصالحك على شيء أبدًا فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ فأجره لي فقال‏:‏ ما أنا بمجيره لك فقال‏:‏ بلى فافعل قال‏:‏ ما أنا بفاعل قال مكرز‏:‏ بلى قد أجرناه لك قال أبو جندل أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلمًا ألا ترون ما قد لقيت وكان قد عذب عذابًا شديدًا في اللّه

قال فقال عمر بن الخطاب‏:‏ فأتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقلت‏:‏ ألست نبي اللّه حقًا قال‏:‏ بلى قلت‏:‏ ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال‏:‏ بلى قلت‏:‏ فلم نعطي الدنية في ديننا إذن قال‏:‏ إني رسول اللّه ولست أعصيه وهو ناصري قلت‏:‏ أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به قال‏:‏ بلى فأخبرتك أنك تأتيه العام قلت‏:‏ لا قال‏:‏ فإنك آتيه ومطوف به قال‏:‏ فأتيت أبا بكر فقلت‏:‏ يا أبا بكر أليس هذا نبي اللّه حقًا قال‏:‏ بلى قلت‏:‏ ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال‏:‏ بلى قلت‏:‏ فلم نعطي الدنية في ديننا إذن قال‏:‏ أيها الرجل إنه رسول اللّه وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فواللّه إنه على الحق قلت‏:‏ أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به قال‏:‏ بلى أفأخبرك أنك تأتيه العام قلت‏:‏ لا قال‏:‏ فإنك إذن آتيه ومطوف به قال عمر‏:‏ فعملت لذلك أعمالًا فلما فرغ من قضية الكتاب قال صلى اللّه عليه وآله وسلم لأصحابه‏:‏ قوموا فانحروا ثم احلقوا فواللّه ما قام منهم أحد حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة‏:‏ يا نبي اللّه أتحب ذلك اخرج ولا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقًا فيحلقك فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًا ثم جاء نسوة مؤمنات فأنزل اللّه عز وجل ‏{‏يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات مهاجرات‏}‏ حتى بلغ ‏{‏بعصم الكوافر‏}‏ فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك فتزوج إحداهما معاوية ابن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية ثم رجع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون تمرًا لهم فقال أبو بصير لأحد الرجلين‏:‏ واللّه إني لا أرى سيفك هذا يا فلان جيدًا فاستله الآخر فقال‏:‏ أجل واللّه إنه لجيد لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصير‏:‏ أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضربه به حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حين رآه لقد رأى هذا ذعرًا

فلما انتهى إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال قتل واللّه صاحبي وإني لمقتول فجاء أبو بصير فقال‏:‏ يا نبي اللّه قد أوفى اللّه ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني اللّه منهم فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر قال‏:‏ وتفلت منهم أبو جندل بن سهل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فواللّه ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تناشده اللّه والرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه منهم فهو آمن فأرسل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إليهم وأنزل اللّه عز وجل ‏{‏وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم‏}‏ حتى بلغ ‏{‏حمية الجاهلية‏}‏ وكان حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي ولم يقروا ببسم اللّه الرحمن الرحيم وحالوا بينه وبين البيت‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

ورواه أحمد بلفظ آخر وفيه‏:‏ ‏(‏وكانت خزاعة عيبة رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم مشركها ومسلمها‏)‏ وفيه‏:‏ ‏(‏هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد اللّه وسهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس وفيه وإن بيننا عيبة مكفوفة وأنه لا إغلال ولا إسلال وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا نحن في عقد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وعهده وتواثبت بنو بكر فقالوا نحن في عقد قريش وعهدهم وفيه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن اللّه جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا وفيه فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يصلي في الحرم وهو مضطرب في الحل‏)‏‏.‏

4- وعن مروان والمسور قالا‏:‏ ‏(‏لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه لا يأتيك أحد منا وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه فكره المسلمون ذلك وامتعضوا منه وأبى سهيل إلا ذلك فكاتبه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم على ذلك فرد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلمًا وجاء المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يومئذ وهي عاتق فجاء أهلها يسألون النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم لما أنزل اللّه عز وجل فيهن ‏{‏إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن اللّه أعلم بإيمانهن‏}‏ إلى ‏{‏ولا هم يحلون لهن‏}‏‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

5- وعن الزهري‏:‏ ‏(‏قال عروة فأخبرتني عائشة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يمتحنهن وبلغنا أنه لما أنزل اللّه أن يردوا إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهن وحكم على المسلمين أن لا يمسكوا بعصم الكوافر أن عمر طلق امرأتين قريبة بنت أبي أمية وابنة جرول الخزاعي فتزوج قريبة معاوية وتزوج الأخرى أبو جهم فلما أبى الكفار أن يقروا بأداء ما أنفق المسلمون على أزواجهم أنزل اللّه تعالى ‏{‏وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم‏}‏ والعقاب ما يؤدي المسلمون إلى من هاجرت امرأته من الكفار فأمر أن يعطى من ذهب له زوج من المسلمين ما أنفق من صداق نساء الكفار اللاتي هاجرن وما يعلم أحد من المهاجرات ارتدت بعد إيمانها‏)‏‏.‏

أخرجه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الأحابيش‏)‏ أي الجماعة المجتمعة من قبائل والتحبش التجمع والجنب الأمر يقال ما فعلت كذا في جنب حاجتي وهو أيضًا القطعة من الشيء تكون معظمه أو كثيرًا منه محروبين أي مسلوبين قد أصيبوا بحرب ومصيبة ويروى موتورين والمعنى واحد‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏العوذ المطافيل‏)‏ يعني النساء والصبيان والعائذ الناقة القريب عهدها بالولادة والمطفل التي معها فصيلها وحل حل زجر للناقة وألحت أي لزمت مكانها وخلأت أي حرنت‏.‏ والثمد الماء القليل‏.‏ والتبرض أخذه قليلًا قليلًا والبرض القليل والأعداد جمع عد وهو الماء الذي لا انقطاع لمادته‏.‏ وجاشت بالري أي فارت به‏.‏ وعيبة نصحه أي موضع سره لأن الرجل يضع في عيبته حر متاعه‏.‏ وجموا أي استراحوا والسالفة صفحة العنق والخطة الأمر والشأن‏.‏ والأشواب الأخلاط من الناس مقلوب الأوباش‏.‏ والضغطة بالضم الشدة والتضييق‏.‏ والرسف مشي المقيد‏.‏ والغرز للرحل بمنزلة الركاب من السرج‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏حتى برد‏)‏ أي مات ومسعر حرب أي موقد حرب والمسعر والمسعار ما يحمي به النار من خشب ونحوه‏.‏ وسيف البحر ساحله وامتعضوا منه كرهوا وشق عليهم‏.‏ والعاتق الجارية حين تدرك‏.‏ والعيبة المكفوفة المشرجة وكنى بذلك عن القلوب ونقائها من الغل والخداع‏.‏ والإغلال الخيانة‏.‏ والإسلال من السلة وهي السرقة‏.‏ وقد جمع هذا الحديث فوائد كثيرة فنشير إلى بعضها إشارة تنبه من يتدبره على بقيتها‏.‏ فيه أن ذا الحليفة ميقات للعمرة كالحج وأن تقليد الهدى سنة في نفل النسك وواجبه وأن الإشعار سنة وليس من المثلة المنهي عنها وأن أمير الجيش ينبغي له أن يبعث العيون أمامه نحو العدو وأن الاستعانة بالمشرك الموثوق به في أمر الجهاد جائز للحاجة لأن عينه الخزاعي كان كافرًا وكانت خزاعة مع كفرها عيبة نصحه وفيه استحباب مشورة الجيش إما لاستطابة نفوسهم أو استعلام مصلحة‏.‏

وفيه جواز سبي ذراري المشركين بانفرادهم قبل التعرض لرجالهم وفي قول أبي بكر لعروة جواز التصريح باسم العورة لحاجة ومصلحة وأنه ليس بفحش منهي عنه وفي قيام المغيرة على رأسه بالسيف استحباب الفخر والخيلاء في الحرب لإرهاب العدو وأنه ليس بداخل في ذمه لمن أحب أن يتمثل له الناس قيامًا وفيه أن مال المشرك المعاهد لا يملك بغنيمة بل يرد عليه‏.‏ وفيه بيان طهارة النخامة والماء المستعمل‏.‏ وفيه استحباب التفاؤل وأن المكروه الطيرة وهي التشاؤم‏.‏ وفيه أن المشهود عليه إذا عرف باسمه واسم أبيه أغنى عن ذكر الجد‏.‏ وفيه أن مصالحة العدو ببعض ما فيه ضيم على المسلمين جائزة للحاجة والضرورة دفعًا لمحذور أعظم منه‏.‏ وفيه أن من وعد أو حلف ليفعلن كذا ولم يسم وقتًا فإنه على التراخي وفيه أن الإحلال نسك على المحصر وأن له نحر هدية بالحل لأن الموضع الذي نحروا فيه بالحديبية من الحل بدليل قوله تعالى ‏{‏والهدى معكوفًا أن يبلغ محله‏}‏‏.‏ وفيه أن مطلق أمره عليه السلام على الفور وأن الأصل مشاركة أمته له في الأحكام‏.‏ وفيه أن شرط الرد لا يتناول من خرج مسلمًا إلى غير بلد الإمام وفيه أن النساء لا يجوز شرط ردهن للآية وقد اختلف في دخولهن في الصلح فقيل لم يدخلن فيه لقوله على أن لا يأتيك منا رجل إلا رددته وقيل دخلن فيه لقوله في رواية أخرى لا يأتيك منا أحد لكن نسخ ذلك أو بين فساده بالآية وفيما ذكرناه تنبيه على غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن المسور ومروان‏)‏ هذه الرواية بالنسبة إلى مروان مرسلة لأنه لا صحبة له وأما المسور فهي بالنسبة إليه أيضًا مرسلة لأنه لم يحضر القصة وقد ثبت في رواية للبخاري في أول كتاب الشروط من صحيحه عن الزهري عن عروة أنه سمع المسور ومروان يخبران عن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكرا بعض هذا الحديث وقد سمع المسور ومروان من جماعة من الصحابة شهدوا هذه القصة كعلي وعمر وعثمان والمغيرة وأم سلمة وسهل بن حنيف وغيرهم ووقع في بعض هذه الحديث شيء يدل على أنه عن عمر كما سيأتي التنبيه عليه في مكانه‏.‏

وقد روى أبو الأسود عن عروة هذه القصة فلم يذكر المسور ولا مروان لكن أرسلها وكذلك أخرجها ابن عائذ في المغازي وأخرجها الحاكم في الإكليل من طريق أبي الأسود أيضًا عن عروة منقطعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏زمن الحديبية‏)‏ هي بئر سمي المكان بها وقيل شجرة حدباء صغرت وسمي المكان بها‏.‏ قال المحب الطبري‏:‏ الحديبية قرية قريبة من مكة أكثرها في الحرم‏.‏ ووقع عند ابن سعد أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم خرج يوم الاثنين لهلال ذي القعدة زاد سفيان عن الزهري في رواية ذكرها البخاري في المغازي وكذا في رواية أحمد عن عبد الرزاق في بضع عشرة مائة فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدى وأحرم منها بعمرة وبعث عينًا له من خزاعة وروى عبد العزيز الأفاقي عن الزهري في هذا الحديث عن ابن أبي شيبة خرج صلى اللّه عليه وآله وسلم في ألف وثمانمائة وبعث عينًا له من خزاعة يدعى ناجية يأتيه بخبر قريش كذا سماه ناجية والمعروف أن ناجية اسم الذي بعث معه الهدي كما جزم به ابن إسحاق وغيره وأما الذي بعثه عينًا لخبر قريش فاسمه بسر بن سفيان كذا سماه ابن إسحاق وهو بضم الموحدة وسكون المهملة على الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالغميم‏)‏ بفتح المعجمة وحكى عياض فيها التصغير قال المحب الطبري‏:‏ يظهر أن المراد كراع الغميم الذي وقع ذكره في الصيام هو الذي بين مكة والمدينة انتهى‏.‏ وسياق الحديث ظاهر في أنه كان قريبًا من الحديبية فهو غير كراع الغميم الذي بين مكة والمدينة وأما الغميم هذا فقال ابن حبيب هو مكان بين رابغ والجحفة وقد بين ابن سعد أن خالدًا كان بهذا الموضع في مائتي فارس فيهم عكرمة ابن أبي جهل والطليعة مقدمة الجيش‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بقترة‏)‏ بفتح القاف والمثناة من فوق وهو الغبار الأسود وفي نسخة من هذا الكتاب بغبرة بالغين المعجمة وسكون الموحدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى إذا كان بالثنية‏)‏ في رواية ابن إسحاق فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم من يخرجنا على طريق غير طريقهم التي هم بها قال فحدثني عبد اللّه بن أبي بكر بن حزم أن رجلًا من أسلم قال أنا يا رسول اللّه فسلك بهم طريقًا وعرًا فلما خرجوا منه بعد أن شق عليهم وأفضوا إلى أرض سهلة قال لهم استغفروا اللّه ففعلوا فقال والذي نفسي بيده إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل فامتنعوا وهذه الثنية هي ثنية المرار بكسر الميم وتخفيف الراء وهي طريق في الجبل تشرف على الحديبية وزعم الداودي أنها الثنية التي أسفل مكة وهو وهم وسمى ابن سعد الذي سلك بهم حمزة بن عمرو الأسلمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بركت به ناقته‏)‏ في رواية للبخاري راحلته‏.‏ وحل بفتح الحاء المهملة وسكون اللام كلمة تقال للناقة إذا تركت السير وقال الخطابي‏:‏ إن قلت حل واحدة فبالسكون وإن أعدتها نونت في الأول وسكنت في الثانية وحكى غيره السكون فيهما والتنوين كنظيره في بخ بخ حلحلت فلانًا إذا أزعجته عن موضعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فالحت‏)‏ بتشديد المهملة أو تمادت على عدم القيام وهو من الإلحاح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خلأت‏)‏ الخلأ بالمعجمة وبالمد للإبل كالحران للخيل وقال ابن قتيبة‏:‏ لا يكون الخلأ إلا للنوق خاصة‏.‏ وقال ابن فارس‏:‏ لا يقال للجمل خلأ ولكن الخ‏.‏ والقصواء بفتح القاف بعدها مهملة ومد اسم ناقة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قيل كان طرف أذنها مقطوعًا والقصو القطع من طرف الأذن وكان القياس أن تكون بالقصر وقد وقع ذلك في بعض نسخ أبي ذر‏.‏ وزعم الداودي أنها كانت لا تسبق فقيل لها القصواء لأنها بلغت من السبق أقصاه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما ذاك لها بخلق‏)‏ أي بعادة قال ابن بطال وغيره في هذا الفصل جواز الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجأتهم بالجيش طلبًا لغرتهم وجواز التنكب عن الطريق السهل إلى الوعر للمصلحة وجواز الحكم على الشيء بما عرف من عادته وإن جاز أن يطرأ عليه غيره وإذا وقع من شخص هفوة لا يعهد منه مثلها لا ينسب إليها ويرد على من نسبه إليها ومعذرة من نسبه ممن لا يعرف صورة الحال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حبسها حابس الفيل‏)‏ زاد ابن إسحاق عن مكة أي حبسها اللّه تعالى عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها وقصة الفيل مشهورة ومناسبة ذكرها أن الصحابة لو دخلوا مكة على تلك الصورة وصدهم قريش عن ذلك لوقع بينهم قتال قد يفضي إلى سفك الدماء ونهب الأموال كما لو قدر دخول الفيل وأصحابه مكة لكن سبق في علم اللّه تعالى في الموضعين أنه سيدخل في الإسلام خلق منهم وسيخرج من أصلابهم ناس يسلمون ويجاهدون وكان بمكة في الحديبية جمع كثير مؤمنون من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان فلو طرق الصحابة مكة لما أمن أن يصاب منهم ناس بغير عمد كما أشار إليه تعالى في قوله ‏{‏ولولا رجال مؤمنون‏}‏ الآية ووقع للمهلب جواز استبعاد هذه الكلمة وهي حابس الفيل على اللّه تعالى فقال المراد حبسها أمر اللّه عز وجل وتعقب بأنه يجوز إطلاقه في حق اللّه تعالى فيقال حبسها اللّه حابس الفيل كذا أجاب ابن المنير وهو مبني على الصحيح من أن الأسماء توقيفية وقد توسط الغزالي وطائفة فقالوا محل المنع ما لم يرد نص بما يشتق منه بشرط أن لا يكون ذلك السم المشتق مشعرًا بنقص فيجوز تسميته بواقي لقوله تعالى ‏{‏ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته‏}‏ ولا يجوز تسميته البناء وإن ورد قوله تعالى ‏{‏والسماء بنيناها بأيد‏}‏‏.‏

قال في الفتح‏:‏ وفي هذه القصة جواز التشبيه من الجهة العامة وإن اختلفت الجهة الخاصة لأن أصحاب الفيل كانوا على باطل محض وأصحاب هذه الناقة كانوا على حق محض ولكن جاء التشبيه من جهة إرادة اللّه تعالى منع الحرم مطلقًا أما من أهل الباطل فواضح وأما من أهل الحق فللمعنى الذي تقدم ذكره‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ معنى تعظيم حرمات اللّه في هذه القصة ترك القتال في الحرم والجنوح إلى المسالمة والكف عن إرادة سفك الدماء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده‏)‏ قال ابن القيم‏:‏ وقد حفظ عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الحلف في أكثر من ثمانين موضعًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خطة‏)‏ بضم الخاء المعجمة أي خصلة يعظمون فيها حرمات اللّه أي من ترك القتال في الحرم وقيل المراد بالحرمات حرم الحرم والشهر الإحرام‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وفي الثالث نظر لأنهم لو عظموا والإحرام ما صدوه ووقع في رواية لابن إسحاق يسألونني فيها صلة الرحم وهي من جملة حرمات اللّه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا أعطيتهم إياها‏)‏ أي أجبتهم إليها قال السهيلي‏:‏ لم يقع في شيء من طرق الحديث أنه قال إن شاء اللّه مع أنه مأمور بها في كل حالة والجواب أنه كان أمرًا واجبًا حتمًا فلا يحتاج فيه إلى الاستثناء كذا قال وتعقب بأنه تعالى قال في هذه القصة لتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللّه آمنين فقال إن شاء اللّه مع تحقق وقوع ذلك تعليمًا وإرشادًا فالأولى أن يحمل على أن الاستثناء سقط من الراوي أو كانت القصة قبل نزول الأمر بذلك ولا يعارضه كون الكهف مكية إذ لا مانع أن يتأخر نزول بعض السورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم زجرها‏)‏ أي الناقة ‏(‏فوثبت‏)‏ أي قامت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏علي ثمد‏)‏ بفتح المثلثة والميم أي حفيرة فيها ماء قليل يقال ماء مثمود أي قليل فيكون لفظ قليل بعد ذلك تأكيدًا لدفع توهم أن يراد لغة من يقول أن الثمد الماء الكثير وقيل الثمد ما يظهر من الماء في الشتاء ويذهب في الصيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يتبرضه الناس‏)‏ بالموحدة وتشديد الراء وبعدها ضاد معجمة وهو الأخذ قليلًا قليلًا وأصل البرض بالفتح والسكون اليسير من العطاء وقال صاحب العين‏:‏ هو جمع الماء بالكفين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم يلبث‏)‏ لفظ البخاري فلم يلبثه بضم أوله وسكون اللام من الإلباث وقال ابن التين‏:‏ بفتح اللام وكسر الموحدة المثقلة أي لم يتركوه يلبث أي يقيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وشكى‏)‏ بضم أوله على البناء للمجهول‏.‏ ‏(‏فانتزع سهمًا من كنانته‏)‏ أي أخرج سهمًا من جعبته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أمرهم أن يجعلوه فيه‏)‏ في رواية ابن إسحاق أن ناجية بن جندب هو الذي نزل بالسهم وكذا رواه ابن سعد قال ابن إسحاق‏:‏ وزعم بعض أهل العلم أنه البراء بن عازب وروى الواقدي أنه خالد بن عبادة الغفاري ويجمع بأنهم تعاونوا على ذلك بالحفر وغيره وفي البخاري في المغازي من حديث البراء في قصة الحديبية أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم جلس على البئر ثم دعا بإناء فمضمض ودعا ثم صبه فيها ثم قال دعوها ساعة ثم إنهم ارتووا بعد ذلك ويمكن الجمع بوقوع الأمرين جميعًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يجيش‏)‏ بفتح أوله وكسر الجيم وآخره معجمة أي يفور‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏بالري‏)‏ بكسر الراء ويجوز فتحها‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏صدروا عنه‏)‏ أي رجعوا رواء بعد ورودهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بديل‏)‏ بموحدة مصغرًا ابن ورقاء بالقاف والمد صاحبي مشهور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في نفر من قومه‏)‏ سمى الواقدي منهم عمرو بن سالم وخراش بن أمية وفي رواية أبي الأسود عن عروة منهم خارجة بن كرز ويزيد بن أمية كذا في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكانوا عيبة نصح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ العيبة بفتح المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة ما يوضع فيه الثياب لحفظها أي أنهم موضع النصح له والأمانة على سره ونصح بضم النون وحكى ابن التين فتحها كأنه شبه الصدر الذي هو مستودع السر بالعيبة التي هي مستودع الثياب‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏من أهل تهامة‏)‏ بكسر المثناة وهي مكة وما حولها وأصلها من التهم وهو شدة الحر وركود الريح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي‏)‏ إنما اقتصر على هذين لكون قريش الذين كانوا بمكة أجمع ترجع أنسابهم إليهما وبقي من قريش بنو سامة ابن لؤي وبنو عوف بن لؤي ولم يكن بمكة منهم أحد وكذلك قريش الظواهر الذين منهم بنو تميم بن غالب ومحارب بن فهر قال هشام بن الكلبي بنو عامر بن لؤي وكعب بن لؤي هما الصريحان لا شك فيهما بخلاف سامة وعوف أي ففيهما الخلاف قال وهم قريش البطاح أي بخلاف قريش الظواهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نزلوا أعداد مياه الحديبية‏)‏ الأعداد بالفتح جمع عد بالكسر والتشديد وهو الماء الذي لا انقطاع له‏.‏ وغفل الداودي فقال هو موضع بمكة وقول بديل هذا يشعر بأنه كان بالحديبية مياه كثيرة وأن قريشًا سبقوا إلى النزول عليها فلذا عطش المسلمون حين نزلوا على الثمد المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏معهم العوذ المطافيل‏)‏ العوذ بضم المهملة وسكون الواو بعدها معجمة جمع عائذ وهي الناقة ذات اللبن والمطافيل الأمهات اللائي معها أطفالها يريد أنهم خرجوا معهم بذوات الألبان من الإبل ليتزودوا ألبانها ولا يرجعوا حتى يمنعوه أو كنى بذلك عن النساء معهن الأطفال والمراد أنهم خرجوا معهم بنسائهم وأولادهم لإرادة طول المقام وليكون أدعى إلى عدم الفرار قال الحافظ‏:‏ ويحتمل إرادة المعنى الأعم قال ابن فارس‏:‏ كل أنثى إذا وضعت فهي إلى سبعة أيام عائذ والجمع عوذ كأنها سميت بذلك لأنها تعوذ ولدها وتلتزم الشغل به‏.‏

وقال السهيلي‏:‏ سميت بذلك وإن كان الولد هو الذي يعوذ بها لأنها تعطف عليه بالشفقة والحنو كما قالوا تجارة رابحة وإن كان مربوحًا فيها ووقع عند ابن سعد معهم العوذ المطافيل والنساء والصبيان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد نهكتهم‏)‏ بفتح أوله وكسر الهاء أي أبلغت فيهم حتى أضعفتهم إما أضعفت قوتهم وإما أضعفت أموالهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ماددتهم‏)‏ أي جعلت بيني وبينهم مدة نترك الحرب بيننا وبينهم فيها والمراد بالناس المذكورين سائر كفار العرب وغيرهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن أظهر فإن شاؤوا‏)‏ هو شرط بعد شرط والتقدير فإن ظهر على غيرهم كفاهم المؤنة وإن أظهر أنا على غيرهم فإن شاؤوا أطاعوني وإلا فلا تنقضي مدة الصلح إلا وقد جموا أي استراحوا وهو بفتح الجيم وتشديد الميم المضمومة أي قووا ووقع في رواية ابن إسحاق وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة وإنما ردد الأمر مع أنه جازم بأن اللّه سينصره ويظهره لوعد اللّه تعالى له بذلك على طريق التنزل مع الخصم وفرض الأمر كما زعم الخصم قال في الفتح‏:‏ ولهذه النكتة حذف القسم الأول وهو التصريح بظهور غيره عليه لكن وقع التصريح به في رواية ابن إسحاق ولفظه فإن أصابوني كان الذي أرادوا ولابن عائذ من وجه آخر عن الزهري فإن ظهر الناس عليّ فذلك الذي يبتغون فالظاهر أن الحذف وقع من بعض الرواة تأدبًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى تنفرد سالفتي‏)‏ السالفة بالمهملة وكسر اللام بعدها فاء صفحة العنق وكنى بذلك عن القتل قال الداودي‏:‏ المراد الموت أي حتى أموت وأبقى منفردًا في قبري ويحتمل أن يكون أراد أنه يقاتل حتى ينفرد وحده في مقاتلتهم وقال ابن المنير‏:‏ لعله صلى اللّه عليه وآله وسلم نبه بالأدنى على الأعلى أي أن لي من القوة باللّه والحول به ما يقتضي أني أقاتل عن دينه لو انفردت فكيف لا أقاتل عن دينه مع وجود المسلمين وكثرتهم ونفاذ بصائرهم في نصر دين اللّه تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو لينفذن اللّه‏)‏ بضم أوله وكسر الفاء أي ليمضين اللّه أمره في نصر دينه ولفظ البخاري‏:‏ ‏(‏ولينفذن اللّه أمره‏)‏ بدون شك قال الحافظ‏:‏ وحسن الإتيان بهذا الجزم بعد ذلك التردد للتنبيه على أنه لم يورده إلا على سبيل الفرض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقام عروة بن مسعود‏)‏ هو ابن معتب بضم أوله وفتح المهملة وتشديد الفوقية المكسورة بعدها موحدة الثقفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألستم بالوالد‏)‏ هكذا رواية الأكثر من رواة البخاري ورواية أبي ذر‏:‏ ‏(‏ألستم بالولد وألست بالوالد‏)‏ والصواب الأول وهو الذي في رواية أحمد وابن إسحاق وغيرهما وزاد ابن إسحاق عن الزهري أن أم عروة هي سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف فأراد بقوله ألستم بالوالد أنكم حي قد ولدوني في الجملة لكون أمي منكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏استنفرت أهل عكاظ‏)‏ بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وآخره معجمة أي دعوتهم إلى نصركم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما بلحوا‏)‏ بالموحدة وتشديد اللام المفتوحتين ثم مهملة مضمومة أي امتنعوا والتبلح التمنع من الإجابة وبلح الغريم إذا امتنع عن أداء ما عليه زاد ابن إسحاق فقالوا صدقت ما أنت عندنا بمتهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خطة رشد‏)‏ بضم الخاء المعجمة وتشديد المهملة والرشد بضم الراء وسكون المعجمة وبفتحهما أي خصلة خير وصلاح وإنصاف وقد بين ابن إسحاق في روايته أن سبب تقديم عروة لهذا الكلام عند قريش ما رآه من ردهم العنيف على من يجيء من عند المسلمين‏.‏

قوله ‏(‏آته‏)‏ بالمد والجزم وقالوا ائته بألف وصل بعدها همزة ساكنة ثم مثناة من فوق مكسورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اجتاح‏)‏ بجيم ثم مهملة أي أهلك أهله بالكلية وحذف الجزاء من قوله إن تكن الأخرى تأدبًا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم والتقدير إن تكن الغلبة لقريش لا آمنهم عليك مثلًا وقوله‏:‏ ‏(‏فإني واللّه لأرى وجوهًا‏)‏ إلى آخره كالتعليل لهذا المحذوف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أشوابًا‏)‏ بتقديم المعجمة على الواو وكذا للأكثر ووقع لأبي ذر عن الكشميهني أوباشًا بتقديم الواو والأشواب الأخلاط من أنواع شتى والأوباش الأخلاط من السفلة فالأوباش أخص من الأشواب كذا في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏امصص ببظر اللات‏)‏ بألف وصل ومهملتين الأولى مفتوحة بصيغة الأمر وحكى ابن التين عن رواية القابسي ضم الصاد الأولى وخطأها والبظر بفتح الموحدة وسكون المعجمة قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة واللات اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها وكانت عادة العرب الشتم بذلك ولكن بلفظ الأم فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبدها مقام أمه وحمله على ذلك ما أغضبه من نسبة المسلمين إلى الفرار وفيه جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لولا يد‏)‏ أي نعمة وقد بين عبد العزيز الآفاقي عن الزهري في هذا الحديث أن اليد المذكورة هي أن عروة كان تحمل بدية فأعانه فيها أبو بكر بعون حسن وفي رواية الواقدي بعشر قلائص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بنعل السيف‏)‏ هو ما يكون أسفل القراب من فضة أو غيرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخر يدك‏)‏ فعل أمر من التأخير زاد ابن إسحاق قبل أن لا تصل إليك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أي غدر‏)‏ بالمعجمة بوزن عمر معدول عن غادر مبالغة في وصفه بالغدر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألست أسعى في غدرتك‏)‏ أي في دفع شر غدرتك وقد بسط القصة ابن إسحاق وابن الكلبي والواقدي بما حاصله أنه خرج المغيرة لزيارة المقوقس بمصر هو وثلاثة عشر نفرًا من ثقيف من بني مالك فأحسن إليهم وأعطاهم وقصر بالمغيرة فحصلت له الغيرة منهم فلما كانوا بالطريق شربوا الخمر فلما سكروا وناموا وثب المغيرة فقتلهم ولحق بالمدينة فأسلم فتهايج الفريقان بنو مالك والأحلاف رهط المغيرة فسعى عروة بن مسعود وهو عم المغيرة حتى أخذوا منه دية ثلاثة عشر نفسًا والقصة طويلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأما المال فلست منه في شيء‏)‏ أي لا أتعرض له لكونه مأخوذًا على طريقة الغدر واستفيد من ذلك أنها لا تحل أموال الكفار غدرًا في حال الأمن لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلمًا كان أو كافرًا فإن أموال الكفار إنما تحل بالمحاربة والمغالبة ولعل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ترك المال في يده لإمكان أن يسلم قومه فيرد إليهم أموالهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يرمق‏)‏ بضم الميم وآخره قاف أي يلحظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما يحدون إليه النظر‏)‏ يضم أوله وكسر المهملة أي يديمون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ووفدت على قيصر‏)‏ هو من عطف الخاص على العام وخص قيصر ومن بعده لكونهم أعظم ملوك ذلك الزمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال رجل من بني كنانة‏)‏ في رواية الآفاقي فقام الحليس بمهملتين مصغرًا وسمى ابن إسحاق والزبير بن بكار أباه علقمة وهو من بني الحارث من عبد مناة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فابعثوها له‏)‏ أي أثيروها دفعة واحدة في رواية ابن إسحاق فلما رأى الهدى يسيل عليه من عرض الوادي بقلائده قد حبس عن محله رجع ولم يصل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وعند الحاكم أنه صاح الحليس هلكت قريش ورب الكعبة أن القوم إنما أتوا عمارًا فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أجل يا أخا بني كنانة فأعلمهم بذلك‏.‏ قال الحافظ‏:‏ فيحتمل أن يكون خاطبه على بعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مكرز‏)‏ بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الراء بعدها زاي هو من بني عامر بن لؤي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو رجل فاجر‏)‏ في رواية ابن إسحاق غادر ورجحها الحافظ ويؤيد ذلك ما في مغازي الواقدي أنه قتل رجلًا غدرًا وفيها أيضًا أنه أراد أن يبيت المسلمين بالحديبية فخرج في خمسين رجلًا فأخذهم محمد بن مسلمة وهو على الحرس فانفلت منهم مكرز فكأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أشار إلى ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذ جاء سهيل بن عمرو‏)‏ في رواية ابن إسحاق فدعت قريش سهيل بن عمرو فقالوا اذهب إلى هذا الرجل فصالحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخبرني أيوب عن عكرمة‏)‏ الخ قال الحافظ‏:‏ هذا مرسل لم أقف على من وصله بذكر ابن عباس فيه لكن له شاهد موصول عنه عند ابن أبي شيبة من حديث سلمة بن الأكوع قال بعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ليصالحوه فلما رأى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سهيلًا قال لقد سهل لكم من أمركم وللطبراني نحوه من حديث عبد اللّه بن السائب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فدعا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الكاتب‏)‏ هو علي ابن أبي طالب رضي اللّه عنه كما بينه إسحاق بن راهويه في مسنده في هذا الوجه عن الزهري وذكره البخاري أيضًا في الصلح من حديث البراء‏.‏

وأخرج عمر بن شبة من طريق عمرو بن سهيل بن عمرو عن أبيه أنه قال الكتاب عندنا كاتبه محمد بن مسلمة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويجمع أن أصل كتاب الصلح بخط علي رضي اللّه عنه كما هو في الصحيح ونسخ محمد بن مسلمة لسهيل بن عمرو مثله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا ما قاضى‏)‏ بوزن فاعل من قضيت الشيء فصلت الحكم فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ضغطة‏)‏ بضم الضاد وسكون الغين المعجمتين ثم طاء مهملة أي قهرًا‏.‏ وفي رواية ابن إسحاق أنها دخلت علينا عنوة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال المسلمون‏)‏ الخ قد تقدم بيان القائل في أول الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبو جندل‏)‏ بالجيم والنون بوزن جعفر وكان اسمه العاصي فتركه لما أسلم وكان محبوسًا بمكة ممنوعًا من الهجرة وعذب بسبب الإسلام وكان سهيل أوثقه وسجنه حين أسلم فخرج من السجن وتنكب الطريق وركب الجبال حتى هبط على المسلمين ففرح به المسلمون وتلقوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يرسف‏)‏ بفتح أوله وبضم المهملة بعدها فاء أي يمشي مشيًا بطيئًا بسبب القيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنا لم نقض الكتاب‏)‏ أي لم نفرغ من كتابته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأجزه لي‏)‏ بالزاي بفعل صيغة الأمر من الإجازة أي أمض فعلي فيه فلا أرده إليك وأستثنيه من القضية ووقع عند الحميدي في الجمع بالراء ورجح ابن الجوزي الزاي وفيه أن الاعتبار في العقود بالقول ولو تأخرت الكتابة والإشهاد ولأجل ذلك أمضى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لسهيل الأمر في رد ابنه إليه وكان للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تلطف معه لقوله لم نقض الكتاب بعد رجاء أن يجيبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال مكرز بلى قد أجزناه‏)‏ هذه رواية الكشميهني ورواية الأكثر من رواة البخاري بل بالإضراب وقد استشكل ما وقع من مكرز من الإجازة لأنه خلاف ما وصفه صلى اللّه عليه وآله وسلم به من الفجور وأجيب بأن الفجور حقيقة ولا يستلزم أن لا يقع منه شيء من البر نادرًا أو قال ذلك نفاقًا وفي باطنه خلافه ولم يذكر في هذا الحديث ما أجاب به سهيل على مكرز لما قال ذلك وقد زعم بعض الشراح أن سهيلًا لم يجيبه لأن مكرزًا لم يكن ممن جعل له أمر عقد الصلح بخلاف سهيل وتعقب بأن الواقدي روى أن مكرزًا كان ممن جاء في الصلح مع سهيل وكان معهما حويطب ابن عبد العزى لكن ذكر في روايته ما يدل على أن إجازة مكرز لم تكن في أن لا يرده إلى سهيل بل في تأمينه من التعذيب ونحو ذلك وأن مكرزًا وحويطبًا أخذا أبا جندل فأدخلاه فسطاطًا وكفا أباه عنه‏.‏

وفي مغازي ابن عائذ نحو ذلك كله ولفظه فقال مكرز بن حفص وكان ممن أقبل مع سهيل بن عمرو في التماس الصلح له أنا له جار وأخذ بيده فأدخله فسطاطًا‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهذا لو ثبت لكان أقوى من الاحتمالات الأول فإنه لم يجزه بأن يقره عند المسلمين بل ليكف العذاب عنه ليرجع إلى طواعية أبيه فما خرج بذلك عن الفجور لكن يعكر عليه ما في رواية الصحيح السابقة بلفظ فقال مكرز قد أجزناه لك يخاطب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال أبو جندل أي معشر المسلمين‏)‏ الخ زاد ابن إسحاق فقال رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يا أبا جندل اصبر واحتسب فإنا لا نغدر وإن اللّه جاعل لك فرجًا ومخرجًا‏.‏ قال الخطابي‏:‏ تأول العلماء ما وقع في قصة أبي جندل على وجهين‏:‏ أحدهما أن اللّه تعالى قد أباح التقية للمسلم إذا خاف الهلاك ورخص له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الإيمان إن لم تمكنه التورية فلم يكن رده إليهم إسلامًا لأبي جندل إلى الهلاك مع وجود السبيل إلى الخلاص من الموت بالتقية‏.‏ والوجه الثاني أنه إنما رده إلى أبيه والغالب أن أباه لا يبلغ به إلى الهلاك وإن عذبه أو سجنه فله مندوحة بالتقية أيضًا‏.‏ وأما ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان من اللّه يبتلي به صبر عباده المؤمنين‏.‏

ـ واختلف العلماء ـ هل يجوز الصلح مع المشركين على أن يرد إليهم من جاء مسلمًا من عندهم إلى بلاد المسلمين أم لا فقيل نعم على ما دلت عليه قصة أبي جندل وأبي بصير وقيل لا وأن الذي وقع في القصة منسوخ وأن ناسخه حديث‏:‏ ‏(‏أنا بريء من كل مسلم بين المشركين‏)‏ وقد تقدم وهو قول الحنفية وعند الشافعية يفصل بين العاقل والمجنون والصبي فلا يردان‏.‏ وقال بعض الشافعية‏:‏ ضابط جواز الرد أن يكون المسلم بحيث لا تجب عليه الهجرة من دار الحرب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألست نبي اللّه حقًا قال بلى‏)‏ زاد الواقدي من حديث أي سعيد قال قال عمر لقد دخلني أمر عظيم وراجعت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مراجعة ما راجعته مثلها قط‏.‏

قوله ‏(‏فلم نعطي الدنية‏)‏ بفتح المهملة وكسر النون وتشديد التحتية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أولست كنت حدثتنا‏)‏ الخ في رواية ابن إسحاق كان الصحابة لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فلما رأوا الصلح دخلهم من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون‏.‏ وعند الواقدي أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان رأى في منامه قبل أن يعتمر أنه دخل هو وأصحابه البيت فلما رأوا تأخير ذلك شق عليهم‏.‏

قال في الفتح‏:‏ ويستفاد من هذا الفصل جواز البحث في العلم حتى يظهر المعنى وأن الكلام يحمل على عمومه وإطلاقه حتى تظهر إرادة التخصيص والتقييد وأن من حلف على فعل شيء ولم يذكر مدة معينة لم يحنث حتى تنقضي أيام حياته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتيت أبا بكر‏)‏ الخ لم يذكر عمر أنه راجع أحدًا في ذلك غير أبي بكر لما له عنده من الجلالة وفي جواب أبي بكر عليه بمثل ما أجاب به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم دليل على سعة علمه وجودة عرفانه بأحوال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاستمسك بغرزه‏)‏ بفتح العين المعجمة وسكون الراء بعدها زاي قال المصنف هو للإبل بمنزلة الركاب للفرس والمراد التمسك بأمره وترك المخالفة له كالذي يمسك بركاب الفارس فلا يفارقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عمر فعلت لذلك أعمالًا‏)‏ القائل هو الزهري كما في البخاري وهو منقطع لأن الزهري لم يدرك عمر قال بعض الشراح‏:‏ المراد بقوله أعمالًا أي من الذهاب والمجيء والسؤال والجواب ولم يكن ذلك شكًا من عمر بل طلبًا لكشف ما خفي عليه وحثًا على إذلال الكفار بما عرف من قوته في نصرة الدين‏.‏

قال في الفتح‏:‏ وتفسير الأعمال بما ذكر مردود بل المراد به الأعمال الصالحة لتكفر عنه ما مضى من التوقف في الامتثال ابتداء‏.‏

وقد ورد عن عمر التصريح بمراده ففي رواية ابن إسحاق وكان عمر يقول ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به وعند الواقدي من حديث ابن عباس قال عمر لقد أعتقت بسبب ذلك رقابًا وصمت دهرًا قال السهيلي‏:‏ هذا الشك الذي حصل لعمر هو ما لا يستمر صاحبه عليه وإنما هو من باب الوسوسة قال الحافظ‏:‏ والذي يظهر أنه توقف منه ليقف على الحكمة وتنكشف عنه الشبهة ونظيره قصته في الصلاة على عبد اللّه بن أبي وإن كان في الأولى لم يطابق اجتهاده الحكم بخلاف الثانية وهي هذه القصة وإنما عمل الأعمال المذكورة لهذه وإلا فجميع ما صدر منه كان معذورًا فيه بل هو فيه مأجور لأنه مجتهد فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما فرغ من قضية الكتاب‏)‏ زاد ابن إسحاق فلما فرغ من قضية الكتاب أشهد جماعة على الصلح رجال من المسلمين ورجال من المشركين منهم علي وأبو بكر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وعبد اللّه بن سهل بن عمرو ومكرز بن حفص وهو مشرك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فواللّه ما قام منهم أحد‏)‏ قيل كأنهم توقفوا لاحتمال أن يكون الأمر بذلك للندب أو لرجاء نزول الوحي بإبطال الصلح المذكور أو أن يخصصه بالإذن بدخولهم مكة ذلك العام لإتمام نسكهم وسوغ لهم ذلك لأنه كان زمان وقوع النسخ ويحتمل أن يكون أهمتهم صورة الحال فاستغرقوا في الفكر لما لحقهم من الذل عند أنفسهم مع ظهور قوتهم واقتدارهم في اعتقادهم على بلوغ غرضهم وقضاء نسكهم بالقهر والغلبة أو أخروا الامتثال لاعتقادهم أن الأمر المطلق لا يقتضي الفور‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ويحتمل مجموع هذه الأمور لمجموعهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذكر لها ما لقي من الناس‏)‏ فيه دليل على فضل المشورة وأن الفعل إذا انضم إلى القول كان أبلغ من القول المجرد وليس فيه أن الفعل مطلقًا أبلغ من القول نعم فيه أن الإقتداء بالأفعال أكثر منه بالأقوال وهذا معلوم مشاهد‏.‏

وفيه دليل على فضل أم سلمة ووفور عقلها حتى قال إمام الحرمين لا نعلم امرأة أشارت برأي فأصابت إلا أم سلمة وتعقب بإشارة بنت شعيب على أبيها في أمر موسى‏.‏ ونظير هذه القصة ما وقع في غزوة الفتح فإن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمرهم بالفطر في رمضان فلما استمروا على الامتناع تناول القدح فشرب فلما رأوه يشرب شربوا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نحر بدنه‏)‏ زاد ابن إسحاق عن ابن عباس أنها كانت سبعين بدنة كان فيها جمل لأبي جهل في رأسه برة من فضة ليغيظ به المشركين وكان غنمه منه غزوة بدر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ودعا حالقه‏)‏ قال ابن إسحاق‏:‏ بلغني أن الذي حلقه في ذلك اليوم هو خراش بمعجمتين ابن أمية بن الفضل الخزاعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجاءه أبو بصير‏)‏ بفتح الموحدة وكسر المهملة اسمه عتبة وسكون الفوقية‏.‏

‏(‏ابن أسيد‏)‏ بفتح الهمزة وكسر المهملة ابن جارية بالجيم الثقفي حليف بني زهرة كذا قال ابن إسحاق وبهذا يعرف أن قوله في حديث الباب رجل من قريش أي بالحلف لأن بني زهرة من قريش‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأرسلوا في طلبه رجلين‏)‏ سماهما ابن سعد في الطبقات خنيس بمعجمة ونون وآخره مهملة مصغرًا ابن جابر ومولى له يقال له كوير‏.‏ وفي رواية للبخاري أن الأخنس بن شريق هو الذي أرسل في طلبه زاد ابن إسحاق فكتب الأخنس بن شريق والأزهر بن عبد عوف إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كتابًا وبعثا به مع مولى لهما ورجل من بني عامر استأجراه اهـ قال الحافظ‏:‏ والأخنس من ثقيف رهط أبي بصير وأزهر من بني زهرة حلفاء أبي بصير فلكل منهما المطالبة برده ويستفاد منه أن المطالبة بالرد تختص بمن كان من عشيرة المطلوب بالأصالة أو الحلف وقيل إن اسم أحد الرجلين مرثد بن حمران زاد الواقدي فقدما بعد أبي بصير بثلاثة أيام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال أبو بصير لأحد الرجلين‏)‏ في رواية ابن إسحاق للعامري وفي رواية ابن سعد لخنيس بن جابر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاستله الآخر‏)‏ أي صاحب السيف أخرجه من غمده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى برد‏)‏ بفتح الموحدة والراء أي خمدت حواسه وهو كناية عن الموت لأن الميت تسكن حركته وأصل البرد السكون قال الخطابي‏:‏ وفي رواية ابن إسحاق فعلاه حتى قتله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفر الآخر‏)‏ في رواية ابن إسحاق وخرج المولى يشتد أي هربًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذعرًا‏)‏ بضم المعجمة وسكون المهملة أي خوفًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قتل صاحبي‏)‏ بضم القاف وفي هذا دليل على أنه يجوز للمسلم الذي يجيء من دار الحرب في زمن الهدنة قتل من جاء في طلب رده إذا شرط لهم ذلك لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم ينكر على أبي بصير قتله للعامري ولا أمر فيه بقود ولا دية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويل أمه‏)‏ بضم اللام ووصل الهمزة وكسر الميم المشددة وهي كلمة ذم تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذم لأن الويل الهلاك فهو كقولهم لأمه الويل ولا يقصدون والويل يطلق على العذاب والحرب والزجر وقد تقدم شيء من ذلك في الحج في قوله للأعرابي ويلك وقال الفراء أصله وي فلان أي لفلان أي حزن له فكثر الاستعمال فألحقوا بها اللام فصارت كأنها منها وأعربوها وتبعه ابن مالك إلا أنه قال تبعًا للخليل أن وي كلمة تعجب وهي من أسماء الأفعال واللام بعدها مكسورة ويجوز ضمها إتباعًا للهمزة وحذفت الهمزة تخفيفًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مسعر حرب‏)‏ بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح العين المهملة أيضًا وبالنصب على التمييز وأصله من مسعر حرب أي يسعرها‏.‏ قال الخطابي‏:‏ يصفه بالإقدام في الحرب والتسعير لنارها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو كان له أحد‏)‏ أي يناصره ويعاضده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سيف البحر‏)‏ بكسر المهملة وسكون التحتانية بعدها فاء أي ساحله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عصابة‏)‏ أي جماعة ولا واحد لها من لفظها وهي تطلق على الأربعين فما دونها وفي رواية ابن إسحاق أنهم بلغوا نحو السبعين نفسًا وزعم السهيلي أنهم بلغوا ثلاثمائة رجل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما يسمعون بعير‏)‏ بكسر المهملة أي بخبر عير وهي القافلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأرسل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إليهم‏)‏ في رواية موسى بن عقبة عن الزهري فكتب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى أبي بصير فقدم كتابه وأبو بصير يموت فمات وكتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في يده فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجدًا‏.‏

وفي الحديث دليل على أن من فعل مثل فعل أبي بصير لم يكن عليه قود ولا دية وقد وقع عند ابن إسحاق أن سهيل بن عمرو لما بلغه قتل العامري طالب بديته لأنه من رهطه فقال له أبو سفيان ليس على محمد مطالبة بذلك لأنه وفى بما عليه وأسلمه لرسولكم ولم يقتله بأمره ولا على آل أبي بصير أيضًا شيء لأنه ليس على دينهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأنزل اللّه تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم‏)‏ ظاهره أنها نزلت في شأن أبي بصير والمشهور في سبب نزولها ما أخرجه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع ومن حديث أنس بن مالك وأخرجه أحمد والنسائي من حديث عبد اللّه بن مغفل بإسناد صحيح أنها نزلت بسبب القوم الذين أرادوا من قريش أن يأخذوا من المسلمين غرة فظفروا بهم وعفا عنهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فنزلت الآية بما تقدم وقيل في نزولها غير ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على وضع الحرب عشر سنين‏)‏ هذا هو المعتمد عليه كما ذكره ابن إسحاق في المغازي وجزم به ابن سعد وأخرجه الحاكم من حديث علي ووقع في مغازي ابن عائذ في حديث ابن عباس وغيره أنه كان سنتين وكذا وقع عند موسى بن عقبة ويجمع بأن العشر السنين هي المدة التي وقع الصلح عليها والسنتين هي المدة التي انتهى أمر الصلح فيها حتى وقع نقضه على يد قريش وأما ما وقع في كامل ابن عدي ومستدرك الحاكم في الأوسط للطبراني من حديث ابن عمر أن مدة الصلح كانت أربع سنين فهو مع ضعف إسناده منكر مخالف للصحيح وقد اختلف العلماء في المدة التي تجوز المهادنة فيها مع المشركين فقيل لا تجاوز عشر سنين على ما في هذا الحديث وهو قول الجمهور وقيل تجوز الزيادة وقيل لا تجاوز أربع سنين وقيل ثلاثًا وقيل سنتين والأول هو الراجح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عيبة مكفوفة‏)‏ أي أمرًا مطويًا في صدور سليمة وهو إشارة إلى ترك المؤاخذة بما تقدم بينهم من أسباب الحرب وغيرها والمحافظة على العهد الذي وقع بينهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنه لا إغلال ولا إسلال‏)‏ أي لا سرقة ولا خيانة يقال أغل الرجل أي خان أما في الغنيمة فيقال غل بغير ألف والإسلال من السلة وهي السرقة وقيل من سل السيوف والإغلال من لبس الدروع ووهاه أبو عبيد والمراد أن يأمن الناس بعضهم من بعض في نفوسهم وأموالهم سرًا وجهرًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وامتعضوا منه‏)‏ بعين مهملة وضاد معجمة أي أنفوا وشق عليهم قال الخليل معض بكسر المهملة والضاد المعجمة من الشيء وامتعض توجع منه وقال ابن القطاع‏:‏ شق عليه وأنف منه ووقع من الرواة اختلاف في ضبط هذه اللفظة فالجمهور على ما هنا والأصيلي والهمداني بظاء مشالة وعند القابسي أمعظوا بتشديد الميم وعند النسفي انغضوا بنون وغين معجمة وضاد معجمة غير مشالة قال عياض‏:‏ وكلها تغييرات حتى وقع عند بعضهم انفضوا بفاء وتشديد وبعضهم أغيظوا من الغيظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهي عاتق‏)‏ أي شابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فامتحنوهن الآية‏)‏ أي اختبروهن فيما يتعلق بالإيمان باعتبار ما يرجع إلى ظاهر الحال دون الإطلاع على ما في القلوب وإلى ذلك أشار بقوله تعالى ‏{‏اللّه أعلم بإيمانهن‏}‏ وأخرج الطبري عن ابن عباس قال‏:‏ كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا اللّه وأن محمد رسول اللّه‏.‏

وأخرج الطبري أيضًا والبزار عن ابن عباس أيضًا كان يمتحنهن واللّه ما خرجن من بغض زوج واللّه ما خرجن رغبة عن أرض إلى أرض واللّه ما خرجن التماس دنيا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عروة أخبرتني عائشة‏)‏ هو متصل كما في مواضع في البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما أنزل اللّه أن يردوا إلى المشركين ما أنفقوا‏)‏ يعني قوله تعالى ‏{‏واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قريبة‏)‏ بالقاف والموحدة مصغر في أكثر نسخ البخاري‏.‏ وضبطها الدمياطي بفتح القاف وتبعه الذهبي وكذا الكشميهني‏.‏ وفي القاموس بالتصغير وقد تفتح انتهى‏.‏ وهي بنت أبي أمية ابن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم وهي أخت أم سلمة زوج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما أبى الكفار أن يقروا‏)‏ الخ أي أبوا أن يعملوا بالحكم المذكور في الآية وقد روى البخاري في النكاح عن مجاهد في قوله تعالى ‏{‏واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا‏}‏ قال من ذهب من أزواج المسلمين إلى الكفار فليعطهم الكفار صدقاتهن وليمسكوهن ومن ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب محمد فكذلك هذا كله في صلح بين النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وبين قريش وروى البخاري أيضًا عن الزهري في كتاب الشروط قال بلغنا أن الكفار لما أبوا أن يقروا بما أنفق المسلمون على أزواجهم كما في الآية وهو أن المرأة إذا جاءت من المشركين إلى المسلمين مسلمة لم يردها المسلمون إلى زوجها المشرك بل يعطونه ما أنفق عليها من صداق ونحوه‏.‏ وكذا بعكسه فامتثل المسلمون ذلك وأعطوهم وأبى المشركون أن يمتثلوا ذلك فحبسوا من جاءت إليهم مشركة ولم يعطوا زوجها المسلم ما أنفق عليها فلهذا نزلت ‏{‏وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم‏}‏ أي أصبتم من صدقات المشركات عوض ما فات من صدقات المسلمات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما يعلم أحد من المهاجرات‏)‏ الخ هذا النفي لا يرده ظاهر ما دلت عليه الآية والقصة لأن مضمون القصة أن بعض أزواج المسلمين ذهبت إلى زوجها الكافر فأبى أن يعطي زوجها المسلم ما أنفق عليها فعلى تقدير أن تكون مسلمة فالنفي مخصوص بالمهاجرات فيحتمل كون من وقع منها ذلك من غير المهاجرات كالأعرابيات مثلًا أو الحصر على عمومه وتكون نزلت في المرأة المشركة إذا كانت تحت مسلم مثلًا فهربت منه إلى الكفار‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله تعالى ‏{‏وإن فاتكم شيء من أزواجكم‏}‏ قال نزلت في أم الحكم بنت أبي سفيان ارتدت فتزوجها رجل ثقفي ولم ترتد امرأة من قريش غيرها ثم أسلمت مع ثقيف حين أسلموا فإن ثبت هذا استثني من الحصر المذكور في الحديث أو يجمع بأنها لم تكن هاجرت فيما قبل ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الأحابيش‏)‏ لم يتقدم في الحديث ذكر هذا اللفظ ولكنه مذكور في غيره في بعض ألفاظ هذه القصة أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم بعث عينًا من خزاعة فتلقاه فقال إن قريشًا قد جمعوا لك الأحابيش وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أشيروا عليّ أترون أن أميل على ذراريهم فإن يأتونا كان اللّه قد قطع جنبًا من المشركين وإلا تركناهم محروبين فأشار إليه أبو يكر بترك ذلك فقال امضوا بسم اللّه والأحابيش هم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة وبنو المصطلق بن خزاعة والقارة وهو ابن الهون ابن خزيمة‏.‏