فصل: أبواب الهدايا والضحايا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 أبواب الهدايا والضحايا

 باب في إشعار البدن وتقليد الهدي كله

1 - عن ابن عباس ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا ناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسلن الدم عنها وقلدها نعلين ثم ركب راحلته فلما استوت به على البيداء أهل بالحج ‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

2 - وعن المسور بن مخرمة ومروان ‏(‏قالا خرج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الهدى وأشعره وأحرم بالعمرة ‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري وأبو داود‏.‏

3 - وعن عائشة قالت ‏(‏فتلت قلائد بدن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم أشعرها وقلدها ثم بعث بها إلى البيت فما حرم عليه شيء كان له حلال‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

4 - وعن عائشة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أهدى مرة إلى البيت غنما فقلدها ‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

قوله ‏(‏فأشعرها)‏ الإشعار هو أن يكشط جلد البدنة حتى يسيل دم ثم يسلته فيكون ذلك علامة على كونها هدايا وبكون ذكل في صفحة سنامها الأيمن وقد ذهب إلى مشروعيته الجمهور من السلف والخلف وروى الطحاوي عن أبي حنيفة كراهته والاحاديث ترد عليه وقد خالف الناس في ذلك حتى خالفه صاحبه أبو يوسف ومحمد واحتج على الكراهة بأنه من المثلة‏.‏ وأجاب الخطابي بمنع كونه منها بل هو باب آخر كالكي وشق أذن الحيوان فيصير علامة وغير ذلك من الوسم وكالختان والحجامة انتهى‏.‏ على أنه لو كان على المثلة لكان ما فيه من الأحاديث مخصصا له من عموم النهي عنها‏.‏ وقد روى الترمذي عن النخعي أنه قال بكراهة الإشعار وبهذا يتعقب على الخطابي وابن حزم في جزمهما بأنه لم يقل بالكراهة أحد غير أبي حنيفة قوله‏:‏ ‏(‏وقلدها نعلين‏)‏ فيه دليل على مشروعية تقليد الهدى وبه قال الجمهور قال ابن المنذر أنكر مالك وأصحاب الرأي التقليد للغنم زاد غيره وكأنه لم يبلغهم الحديث انتهى واحتجوا على عدم المشروعية بأنها تضعف عن التقليد وهي حجة أو هي من بيوت العنكبوت فإن مجرد تعليق القلادة مما لا يضعف به الهدي وأيضا أن فرض ضعفها عن بعض القلائد قلدت بما لا يضعفها وأيضا قد وردت السنة بالإشعار وهو لا يترك لكونه مظنة للضعف فيكون بترك ما ليس بمظنة لذلك مع ورود السنة به ـ قيل الحكمة ـ في تقليد الهدى النعل أن فيه إشارة إلى السفر والجد فيه وقال ابن المنير الحكمة فيه أن العرب تعد النعل مركوبة لكونها تقي صاحبها وتحمل عنه وعر الطريق فكأن الذي أهدى خرج عن مركوبه للّه تعالى حيوانا وغيره كما خرج حين أحرم عن ملبوسه ومن ثم استحب تقليد نعلين لا واحدة وقد اشترط الثوري ذلك وقال غيره تجزيء الواحدة وقال آخرون لا تتعين النعل بل كل ما قام مقامها أجزأ‏.‏

قوله ‏(‏فتلت قلائد بدون رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم)‏ زاد البخاري في رواية عهن كان عندي وفيه رد على من كره القلائد من الأوبار واختار من نبات الأرض وهو منقول عن ربيعة ومالك وقد ترجم البخاري على هذا الحديث باب القلائد عن العهن وهو الصوف‏.‏

قوله ‏(‏ثم بعث بها إلى البيت‏)‏ المهدي له حالان إما أن يقصد النسك ويسوق الهدي معه فيكون التقليد والإشعار عند الإحرام وأما أن يبعث بها ويقيم فيكونان عند البعث بها من المكان الذي هو مقيم به كما في هذا الحديث ولا يحرم عليه بعد البعث بها ما يحرم على المحرم لقولها فما حرم عليه شيء كان له حلا قوله‏:‏ ‏(‏غنما فقلدها‏)‏ فيه دليل على الجواز ان يكون الهدى من الغنم وهو يرد على الحنفية ومن وافقهم ان الهدى لا يجزئ من الغنم ويرد على مالك ومن وافقه حيث قال ان الغنم لا تقلد ‏.‏

 باب النهي عن ابدال الهدى المعين

1 - ان ابن عمر قال ‏(‏أهدى عمر نجيبا فاعطى بها ثلثمائة دينار فأتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال يا رسول اللّه اني أهديت نجيبا ثلثمائة دينار فأبيعها واشتري بثمنها بدنا قال لا انحرها اياها‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه ‏.‏

الحديث أخرجه أيضا ابن حبان وابن خزيمة في صحيحهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نجيبا)‏ النجيب والنجيبة الناقة والجمع نجائب‏.‏ وفي النهاية النجيب الفاضل من كل حيوان والحديث يدل على أنه لا يجوز بيع الهدى لإبدال مثله أو أفضل ثم قال وقد تكررفي الحديث ذكر النجيب من الإبل مفردا ومجموعا وهو القوي منها الخفيف السريع انتهى‏.‏ وقد جوزت الهادوية ذلك وأجاب صاحب البحر عن حديث الباب بأنه حكاية فعل لا يعلم وجهها فيحتمل أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم رأى نجيبه أفضل و لا يخفي ان رد السنن الفعلية بمثل هذا يستلزم رد أكثر أفعاله يستلزم رد مالا يعلم وجهه من أقوال فيقضي ذلك إلى رد أكثر السنة باطل مخالف للآيات القرأنية القاضية باتباع الرسول والتأمي به والأخذ بما أتى به لانها لم تفرق بين ما علم وجهه وما جهل فمن ادعى العلم فعليه الدليل على ان هذه المقالة قد صارت عصي يتوكأ بها من رام صيانة مذهبه إذا خالفت الثابت من فعله صلى اللّه عليه وآله وسلم وان كان له وجه أوضح من الشمس ثم انهم يحتجون بأفعاله إذوافقت المذاهب و لا يقيدون الاحتجاج بمثل هذا القيد وما أكثر هذا الصنع في تصرفاتهم لمن اتبع فليأخذ المنصف من ذلك حذره فإن المعذرة الباردة في طرح سنة صحيحة مما ينفق عند الللّه و لاسيما إذا كان ذلك لقصد الذب عن محض الرأي ‏.‏ وأما الاحتجاج على الجواز باشراكه صلى اللّه عليه وآله وسلم عليا عليه السلام في هديه وتصرفه عن العمرة إلى الإحصار فخارج عن محل النزاع لأن ذلك تصرف لا يخرج العين عن كونها ولا يبطل به الحق الذي قد تعلق بها للمصرف وأيضا صحة الاحتجاج بالأشتراك متوقفة على معرفة صلى اللّه عليه وآله وسلم ساق جميع الهدى الذي أشك علي فيه عن نفسه وهو ممنوع والسند أنه لم يقلد ويشعر من ذلك الهدى الذي وقع فيه الإشراك الاناقة واحدة وأيضا ثبت أنه كان يسوق عن أهله جميعا وعلي عليه السلام منهم نعم ان صح ما إدعاه صاحب ضوء النهار من الاجماع على جواز بدال الأدون بأفضل كان حجة عند من يرى حجية الاجماع على جواز مجرد الإبدال بالأفضل ولكنه ينبغي ان يبحث عن صحة ذلك فأن الشفعي وبعض الحنفية قد احتجوا بالحديث على المنع من مطلق التصرف ولو كان للابدال بأفضل كما حكاه صاحب البحر وأما دعوى أن الواحد النجيب أظهر في تعظيم الشعائر من غيرها وإن كان كثيرا فممنوع والسند ظاهر‏.‏

 باب أن البدنة من الأبل والبقر عن سبع شياه وبالعكس

1 - عن ابن عباس ‏(‏ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أتاه رجل فقال إن على بدنة وأنا موسر ولا أجدها فاشتريها فأمره صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن ‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

2 - وعن جابر ‏(‏قال أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن نشترك في الأبل والبقر كل سبعة منا في بدنة‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وفي لفظ (قال ‏لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم اشتركوا في الأبل والبقر كل سبعة في بدنة)‏ رواه البرقاني على شرط الصحيحين‏.‏ وفي رواية قال ‏(‏اشتركنا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في الحج والعمرة كل سبعة منا في بدنة فقال رجل لجابر ايشترك في البقر ما يشترك في الجزور فقال ما هي إلا من البدن)‏ رواه مسلم‏.‏

3 - وعن حذيفة قال ‏(‏شرك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في حجته بين المسلمين في البقرة عن سبعة ‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏وعن ابن عباس قال ‏(‏كنا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في سفر فحضر الأضحى فذبحنا البقر عن سبعة والبعير عن عشرة)‏ رواه الخمسة إلا أبا داود‏.‏

حديث ابن عباس الأول سياق إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا محمد بن عمر حدثنا محمد بن بكر البرساني قال أخبرنا ابن جريج قال قال عطاء الخرساني عن ابن عباس فذكره ورجاله رجال الصحيح ولكن عطاء لم يسمع من ابن عباس ويشهد لصحته ما في صحيح مسلم من حديث جابر ‏(‏قال نحرنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة)‏ وهو يشهد أيضا لحديث حذيفة المذكور وقد أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه‏.‏ وقال في مجمع الزوائد رواه أحمد ورجاله ثقات‏.‏ وحديث ابن عباس الثاني حسنه الترمذي ويشهد له مافي الصحيحين من حديث رافع بن خديج أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قسم فعدل عشرا من الغنم ببعير قوله‏:‏ ‏(‏سبع شياه)‏ وكذا قوله ‏(‏كل سبعة منا في بدنة‏) استدل به من قال عدل البدنة سبع شياه وهو قول الجمهور وادعى الطحاوي وابن رشد أنه إجماع ويجاب عنهما بأن الخلاف في ذلك مشهور حكاه الترمذي في سننه عن إسحاق بن راهويه‏.‏ وكذا في الفتح وقال هو إحدى الروايتين عن سعيد بن المسيب وإليه ذهب ابن خزيمة واحتج له في صحيحه وقواه واحتج له ابن حزم بحديث رافع المتقدم وحكاه في البحر عن العترة وزفر واحتجوا بحديث ابن عباس الثاني المذكور في الباب ويجاب عنه بأنه خارج عن محل النزاع لانه في الاضحية فأن قالوا يقاس الهدى عليها قلنا هوقياس فاسد الاعتبار لمصادمته النصوص واحتجوا أيضا بحديث رافع ويجاب عنه أيضا بمثا هذا الجواب لان ذلك التعديل كان في القسمة وهي غير محل النزاع ويؤيد كون البدنة عن سبعة فقط أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم لمن لم يجد البدنه ان يشتري سبعا فقط ولو كانت تعدل عشرا لأمره بأخراج عشر لان تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز‏.‏ وظاهر أحاديث الباب جواز الاشتراك في الهدى وهو قول الجمهور من غير فرق بين أن يكون المشتركون مفترضون أو متطوعين أو بعضهم مفترضا وبعضهم متنفلا أو مريدا للحم‏.‏ وقال أبو حنيفة يشترط في الاشتراك أن يكونوا كلهم متقربين ومثله عن زفر بزيادة أن تكون أسبابهم واحدة‏.‏ وعن الهادوية بشرط أن يكونوا مفترضين‏.‏ وعن داود وبعض المالكية يجوز في هدى التطوع دون الواجب‏.‏ وعن مالك لا يجوز مطلقا وروي عن ابن عمر ذلك ولكنه روى عنه أحمد ما يدل على الرجوع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما هي إلا من البدن‏)‏ يعني البقرة فيه دليل على أنه يطلق على البقرة أنها من البدن‏.‏ وفي النعاية البدنة تقع على الجمل والناقة والبقرة هي بالإبل أشبه‏.‏ وفي القاموس والبدنة محركة من الإبل والبقرة‏.‏ وفي الفتح أن أصل البدن من الإبل والحقت بها البقر شرعا وحكى في البحر عن الهادي والشافعي والمؤيد باللّه ان البدنة تختص بالإبل وعن أبي حنيفة وأصحابه والناصر أنها تطلق على البقر وعن بعض أصحاب الشافعي أنها تطلق على الشاة قال ولا وجه له وحكى فيه أيضا أن البقرة عن سبعة والشاة عن واحد إجماعا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والبعير عن عشرة‏)‏ فيه دليل على أن البدنة تجزئ في الأضحية عن عشرة وسيأتي الكلام على ذلك‏.‏

 باب ركوب الهدي

1 - عن أنس قال ‏(‏رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم رجلا يسوق البدنة فقال أركبها فقال أنها بدنة قال إركبها قال نها بدنة قال إركبها ثلاثا)‏‏.‏

متفق عليه‏:‏ ولهم من حديث أبي هريرة نحوه‏.‏

2 - وعن أنس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رأى رجلا يسوق بدنة قد أجهده المشي فقال إركبها قال إنها بدنة قال إركبها وإن كانت بدنة)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي‏.‏

3 - وعن جابر ‏(‏أنه سئل عن ركوب الهدي فقال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول إركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏

4 - وعن علي عليه السلام ‏(‏أنه سئل يركب الرجل هديه فقال لا بأس به قد كان النبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يمر بالرجال يمشون فيأمرهم بركوب هديه قال لا تتبعون شيئا أفضل من سنة نبيكم صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

حديث أنس الثاني أخرجه أيضا الجوزقي من طري حميد عن ثابت عن أنس وأبو يعلى من طريق الحسن عن أنس وزاد حافيا وهو عند النسائي من طريق شعبة عن قتادة عن أنس وضعف هذه الطرق الحافظ في الفتح‏.‏ وحديث علي عليه السلام‏.‏ قال في الفتح أيضا إسناده صالح وقال في مجمع الزوائد في إسناده محمد بن عبيد اللّه بن أبي رافع وثقه ابن حبان وضعفه جماعة‏.‏ وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه المصنف لفظه لفظ حديث أنس ولكنه زاد في آخره ‏(‏اركبها ويلك)‏ قوله ‏(‏رأى رجلا)‏ قال الحافظ لم أقف على إسمه بعد طول البحث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يسوق بدنة‏)‏ في رواية لمسلم مقلدة وكذا في رواية للبخاري وله أيضا من طريق أبي هريرة ‏(‏فلقد رأيته راكبها يساير النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم والنعل في عنقها‏)‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنها بدنة)‏ أراد أنها بدنة مهداة إلى البيت الحرام ولو كان مراده الإخبار عن كونها بدنة لم يكن الجواب مفيد الآن كونها من الإبل معلوم فالظاهر أن الرجل ظن أنه خفي على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كونها هديا فقال أنها بدنة‏.‏ قال في الفتح والحق أنه لم يخف ذلك عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لكونها كانت مقلدة ولهذا قال لما زاد في مراجعته ويلك‏.‏

وأحاديث الباب تدل على جواز ركوب الهدى من غير فرق بين ما كان منه واجبا أو تطوعا لتركه صلى اللّه عليه وآله وسلم للاستفصال وبه قال عروة بن الزبير ونسبه ابن المنذر إلى أحمد وإسحاق وبه قال أهل الظاهر وجزم به النووي وجماعة من أصحاب الشافعي كالقفال والماوردي وحكى ابن عبد البر عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء كراهة ركوبه لغير حاجة وحكاه الترمذي أيضا عن أحمد وإسحاق والشافعي وقيد الجواز بعض الحنفية بالاضطرار ونقله بن أبي شيبة عن الشعبي وحكى ابن منذر عن الشافعي أنه يركب إذا اضطر ركوب غير فادح وحكى ابن العربي عن مالك أنه يركب للضرورة فإذا استراح نزل يعني إذا انتهت ضرورته والدليل على اعتبار الضرورة ما في حديث جابر المذكور في الباب من قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏إركبها بالمعروف إذا لجئت إليها)‏ ونقل ابن العربي عن أبي حنيفة أنه لا يجوز ركوب الهدي مطلقا وكذا نقله المهدي في البح عنه ولكن نقل عن الطحاوي الجواز منع الحاجة ويضمن ما نقص منها بالركوب والطحاوي أقعد بمعرفة مذهب أمامه فقد وافق أبا حنيفة الشافعي على ضمان النقص في الهدي الواجب‏.‏ ونقل ابن عبد البر عن بعض أهل الظاهر وجوب الركوب تمسكا بظاهر الإمام ولمخالفة ما كانوا عليه في الجاهلية من البحيرة والسائبة ورده بأن الذين ساقوا الهدي في عهد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كانوا كثيرا ولم يأمرأحد منهم بذلك انتهى‏.‏ فتعقبه الحافظ بحديث علي عليه السلام المذكور في الباب قال وله شاهد مرسل عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح رواه أبو داود في المراسيل عن عطاء قال ‏(‏كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يأمر بالهدي إذا احتاج إليها سيدها أن يحمل عليها أو يركبها غير منهكها واختلف من أجاز الركوب هل يجوز أن يحمل عليها متاعه فمنعه مالك وأجازه الجمهور وهل يحمل عليها غيره أجازه الجمهور أيضا على التفصيل المتقدم ونقل عياض الإجماع على أنه لا يؤجرها واختلفوا أيضا في اللبن إذا أحتلب منه شيئا فعند العترة والشافعية والحنفية يتصدق به فإن أكله تصدق بثمنه وقال مالك لا يشرب من لبنه فإن شرب لم يغرم‏.‏

 باب الهدى يعطب قبل المحل

1 - عن أبي قبيصة ذوئب بن حلحلة قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يبعث معه بالبدن ثم يقول ان عطب منها شيء فخشيت عليها موتا فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك)‏

رواه أحمد ومسلم وابن ماجه‏.‏

2 - وعن ناجية الخزاعي وكان صاحب بدن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏قلت كيف أصنع بما عطب من البدن قال انحره وأغمس نعله في دمه واضرب صفحته وخل بين الناس وبينه فليأكلوه‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا النسائي‏.‏

3 - وعن هشام بن عروة عن أبيه ‏(‏أن صاحب هدى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال يا رسول اللّه كيف أصنع بما عطب من الهدى فقال كل بدنة عطبت من الهدى فانحرها ثم ألق قلائدها في دمها ثم خل بين الناس وبينها يأكلوها)‏‏.‏

رواه مالك في الموطأ عنه‏.‏

حديث ناجية قال الترمذي حسن صحيح قال والعمل على هذا عند أهل العلم في هدء التطوع إذا عطب لا يأكل هو ولا أحد من أهل زفقته ويخلى بينه وبين الناس يأكلونه وقد أجزأ عنه وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا ان أكل منه شيئا غرم بقدر ما أكل منه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم اغمس نعلها)‏ الخ إنما يفعل ذلك لأجل أن يعلم من مر به انه هدى فيأكله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أهل رفقتك‏)‏ قال النووي وفي المراد بالرفقة وجهان لاصحابنا أحدهما أنهم الذي يخالطون المهدي في الاب وغيره دون باقي القافلة والثاني وهو الأصح الذي يقتضيه ظاهر نص الشافعي وجمهور اصحابه ان المراد بالرفقة جميع القافلة لان السبب لذي منعت به الرفقة هو خوف تعطيبهم إياه وهذا موجود في جميع القافلة ـ فإن قيل ـ إذا لم تجوز والأهل القافلة أكله وقلتم بتركه في البرية كان طعمة للسباع وهذا اضاعة مال قلنا ليس فيه أضاعة بل العادة الغالبة ان سكان البوادي يتتبعون منازل الحجيج لالتقاط ساقطة ونحو ذلك وقد تأتي قافلة في أثر قافلة والرفقة بضم الراء وكسرها لغتان مشهورتان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وخل بين الناس وبينه‏)‏ هذا مقيد بمن عدا المالك والرفقة كما في الحديث الأول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن صاحب هدى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم)‏ هو ناجية الخزاعي المذكور سابقا وظاهر أحاديث الباب أن الهدى إذا عطب جاز نحره والتخلية بينه وبين الناس يأكلونه غير الرفقة قطعا للذريعة وهي أن يتوصل بعضهم إلى نحره قبل أوانه والظاهر عدم الفرق بين هدى التطوع والفرض وخصصه من تقدم بهدى التطوع ولعل الوجه في ذلك ان الهدى الذي هو السبب هو هدى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الذي بعث به وهو هدى تطوع قال النووي ولا يجوز للأغنياء الأكل منه‏.‏ مطلقا لأن الهدي مستحق للمساكين فلا يجوز لغيرهم انتهى‏.‏ وقد اختلفت الروايات في مقدار البدن التي بعث بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ففي رواية من حديث ابن عباس عند مسلم أنها ست عشرة بدنة‏.‏ وفي رواية أخرى أنها ثماني عشرة ويمكن الجمع بتعدد القصة أو يصار إلى ترجيح الرواية المشتملة على الزيادة ان كانت القصة واحدة‏.‏

 باب الأكل من دم التمتع والقران والتطوع

1 - في صفة حديث جابر ‏(‏حج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال (‏ثم انصرف إلى المنحر ثلاثا وستين بدنه بيده ثم اعطي عليا عليه السلام فنحر ماغير وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

2 - وعن جابر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حج ثلاث حجج حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر ومعها عمرة فساق ثلاثا وثلاثين بدنة وجاء علي عليه السلام من اليمن ببقيتها فيها جمل لأبي لهب في أنفه برة من فضة فنحرها وأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من كل بدنة ببضعة فطبخت وشرب من مرقها‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وابن ماجه‏.‏ وقال فيه ‏(‏جمل لابي جهل ‏)‏‏.‏

3 - وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت ‏(‏خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لخمس بقين من ذي القعدة ولا نرى إلا الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يحل قالت فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ماهذا فقيل نحر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن أزواجه ‏)‏‏.‏

متفق عليه ‏.‏وهو دليل على الأكل من دم القران لأن عائشة كانت قارنة‏.‏

حديث جابر الثاني رواه الترمذي من طريق عبد اللّه بن أبي زياد الكوفي في زيد بن حبان عن سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر‏.‏ وقال هذا حديث غريب من حديث سفيان لا نعرفه الا من حديث زيد بن حبان ورأيت عبد اللّه ابن عبد الرحمن روى هذا الحديث في كتبه عن عبد اللّه ابن أبي زياد قال وسألت محمدا عن هذا فلم يعرفه من حديث الثوري عن جعفر عن أبيه عن جابر عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ورأيته لا يعد هذا الحديث محفوظا‏.‏ وقال إنما يروي عن الثوري عن أبي إسحاق عن مجاهد مرسل ثم قال حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا حبان بن هلال حدثنا همام حدثنا قتادة قلت لانس ‏(‏كم حج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال حجة واحجة واعتمر أربع عمر)‏ ثم قال هذا حديث حسن صحيح وحبان بن هلال هو أبو حبيب البصري وثقه يحيى بن سعيد القطان‏.‏ قوله ‏(‏فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده) في مسند أحمد وسنن أبي داود ‏(‏أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم نحر ثلاثين بيده وأمره عليها فنحر سائرها)‏ وقد قدمنا الترجيح بين الروايتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأشركه‏)‏ ظاهره أنه اشركه في نفس الهدى قال القاضي عياض وعندي أنه لم يكن شريكا حقيقة بل أعطاه قدرا يذبحه قال والظاهر أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نحر البدن التي جاءت معه من المدينة وكانت ثلاثا وستين كما جاء في رواية الترمذي وأعطى عليا عليه السلام البدن التي جاءت معه من اليمن وهو تمام المائة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ببضعة)‏ بفتح الباء لاغير وهي القطعة من اللحم‏.‏

قوله ‏(‏برة)‏ بضم الباء وفتح الراء مخففة وهي حلقة تجعل في أنفي البعير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولانرى إلا الحج)‏ بضم النون أي نظن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بلحم بقر‏)‏ قد استدل بهذه الأحاديث على أنه يجوز الأكل للمهد من الهدى الذي يسوقه قال النووي وأجمع العلماء على أن الاكل من هدى التطوع وأضحيته سنة انتهى‏.‏

والظاهر أن يجوز الاكل من الهدي من غير فرق ما كان تطوعا وما كان فرضا لعموم قوله تعالى ‏{‏فكلوا منها‏}‏ ولم يفصل التمسك بالقياس على الزكاة في عدم جواز الأكل من الهدى الواجب لا ينتهض لتخصيص هذا العموم لان شرع الزكاة لمواساة الفقراء إلى المالك اخراج لها عن موضوعها وليس شرع الدماء كذلك لأنها اما الجبر نقص أو لمجرد التبرع فلا قياس مع الفارق فلا تخصيص قوله‏:‏ ‏(‏لأن عائشة كانت قارنة)‏ قد اختلف فيما احرمت به عائشة أولا فقيل أنها عمرة مفردة لما ثبت عنها في الصحيح انها قالت فكنت ممن أهل بعمرة‏.‏ وقيل انها احرمت بالحج أولا وكانت مفردة لما ثبت عنها في الصحيح ‏(‏خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا نرى إلا أنه الحج‏) ‏وقد أطال ابن القيم الكلام على هذا وبين الراجح من القولين ودليل من قال أنها كانت قارنة الحديث المتقدم ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لها يسعك غير قارنة لما ثبت في الصحيحين ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لها وأهلي بالحج ودعى العمرة)‏ وأجاب الجمهور بأنها لم ترفض العمرة لما في صحيح مسلم عن جابر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لها بعد أن أمرها أن تهل بالحج ففعلت ووقفت المواقف كلها حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة) ‏وكذلك قوله‏:‏ ‏(‏يسعك طوافك لحجك وعمرتك‏)‏ وقد قدمنا تأويل قوله دعى العمرة وقد استدل بقول عائشة المذكور ‏(‏نحر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن أزواجه ‏(‏أن البقرة تجزئ عن أكثر من سبعة وقد ثبت في رواية ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نحر عن أزواجه بقرة)‏ أخرجها النسائي وأبو داود وغيرهما وكذا في صحيح مسلم والظاهر أنه لم يتخلف أحد من زوجاته يومئذ وهن تسع ولكن لا يخفى ان مجرد هذا الظاهر لا تعارض به الأحاديث الصريحة الصحيحة السالفة المجمع على مدلولها‏.‏

 باب أن من بعث بهدى لم يحرم عليه شيء بذلك

1 - عن عائشة قالت ‏(‏كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يهدي من المدينة فافتل قلائد هديه ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم ‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏ وفي رواية ‏(‏ان زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة ان عبد اللّه بن عباس قال من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر هديه فقالت عائشة ليس كما قال ابن عباس أنا فعلت قلائد هدى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بيدي ثم قلدها بيده ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم شيء أحله اللّه له حتى نحر الهدى)‏ اخرجاه‏.‏

قوله ‏(‏ان زياد بن أبي سفيان وقع التحديث بهذا في زمن بني أمية وأما بعدهم فما كان يقال له إلا زياد بن أبيه وقبل استلحاق معاوية له كان يقال له زياد بن عبيد وكانت امه سمية مولاة الحرث بن كلدة الثقفي وهي تحت عبيد المذكور فولدت زيادا على فراشه فكان ينسب إليه فلما كان أيام معاوية شهد جماعة على إقرار أبي سفيان بان زيادا ولده فاستلحقه معاوية بذلك وخالف الحديث الصحيح ‏(‏أن الولد للفراش وللعاهر الحج)‏ وذلك لغرض دنيوين وقد انكر هذه الواقعة على معاوية من انكرها حتى قيلت فيها الاشعار منها قول القائل

ألا بلغ معاوية بن حرب** مغلغلة من الرجل اليماني

أتغضب أن يقال أبوك عف** وترضى أن يقال ابوك زاني

وقد أجمع أهل العلم على تحريم نسبته إلى أبي سفيان وماوقع من أهل العلم في زمان بني أمية هوتقية وذكر أهل الأمهات نسبته إلى أبي سفيان في كتبهم مع كونهم لم يألفوها إلا بعد انقراض عصر بني أمية محافظة منهم على الألفاظ التي وقعت من الرواة في ذلك الزمان كما هو دأبهم‏.‏ وقد وقع في صحيح مسلم ابن زياد مكان زياد وهو وهم نبه عليه الغساني ومن تبعه والصواب زياد‏.‏ وكذا قال النووي وجميع من تكلم على صحيح مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بيدي‏(‏ فيه دفع التجوز بأن يظن ان الفتل وقع باذنها لو قالت فتلت فقط قوله‏:‏ ‏(‏مع أبي‏)‏ بفتح الهمزة وكسر الموحدة الخفيفة يعني أبا بكر الصديق رضي اللّه عنه واستفيد من ذلك ان وقت البعث كان في سنة تسع عام حجة أبي بكر بالناس‏.‏

وقد استدل بالحديثين على انه لا يحرم على من بعث بهدي شيء من الأمور التي تحل له وبه قال الجمهور‏.‏ قال ابن عبد البر خالف ابن عباس في هذا جميع الفقهاء وتعقب بأنه قد قال بمقالته جماعة من الصحابة كانب عمر رواه عنه ابن أبي شيبة وابن المنذر وقيس بن سعد رواه عنه سعيد بن منصور وابن المنذر أيضا وعلي عليه السلام وعمر رضي اللّه عنه رواه عنهما ابن أبي شيبة وابن المنذر أيضا‏.‏ ومن غير الصحابة النخعي وعطاء وابن سيرين وآخرون كما قال ابن المنذر ونقل الخطابي عن أصحاب الرأي مثل قول ابن عباس وهو خطأ عنهم ما قال الحافظ وإلى مثل قول ابن عباس ذهبت الهادوية وليس في قول ابن عباس ولا قول غيره من الصحابة حجة ولاسيما إذا عارض الثابت عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم نعم احتجوا بما أخرجه أحمد والطحاوي والبزار من حديث جابر قال‏:‏ ‏(‏كنت جالسا عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه وقال أني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا فليست فميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي‏) قال في الفتح وهذا لا حجة فيه لضعف إسناده ويجاب عنه بأنه قال في مجمع الزوائد بعد أن ذكره رجال أحمد ثقات وذكره من طريق أخرى وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح وإنما قال هكذا لان أحمد رواه عن عبد الرحمن بن عطاء أنه سمع ابني جابر يحدثان عن أبيهما فذكره‏.‏ وعبد الرحمن وثقه النسائي وقواه أبو حاتم‏.‏ وقال البخاري فيه نظر وبهذا يرد على المقبلي حيث قال إن هذا الحديث أخرجه ابن النجار وغالب أحاديثه الضعف والظاهر أنه لا أصل لهذا الحديث انتهى‏.‏ وقد أخرج النسائي من حديث جابر أنهم كانوا إذا كانوا حاضرين مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالمدينة بعث الهدى فمن شاء أحرم ومن شاء ترك هكذا في جامع الأصول وبه يحصل الجمع بين الأحاديث‏.‏

 باب الحث على الأضحية

1 - عن عائشة رضي اللّه عنها أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏ماعمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى اللّه من هرافة دم وأنه لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها وان الدم ليقع من اللّه عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه والترمذي وقال هذا حديث حسن غريب‏.‏

2 - وعن زيد بن أرقم قلت ‏(‏أوقالوا يا رسول اللّه ماهذه الأضاحي قال سنة أبيكم إبراهيم قالوا مالنا منا قال بكل شعرة حسنة قالوا فالصوف قال بكل شعرة من الصوف حسنة ‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

3 - وعن أبي هريرة قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

4 - وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ما أنفقت الورق في شئ أفضل من نحيره في يوم عيد ‏(‏رواه الدار قطني‏.‏

حديث عائشة رواه الترمذي عن ابن عمر ومسام بن عمر والحذاء المديني عن عبد اللّه بن نافع الصائغ عن ابن المثنى عن هشام بن عروة عن أبيه عنها‏.‏

وقال بعد ان أذكر أن هذا الحديث حسن غريب أنه لا يعرف من حديث هشام بن عروة من هذا الوجه‏.‏ وحدبث زيد بن أرقم أخرجه أيضا الترمذي فقال ويروي عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال في الأضحية لصاحبها بكل شعرة حسنة ويروى بقرونها انتهى وحديث أبي هريرة صححه الحاكم قال الحافظ في بلوغ المرام لكن رجح الأئمة غيره وقفه‏.‏ وقال في الفتح رجاله ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه والموقوف أشبه بالصواب قاله الطحاوي وغيره ـ وفي الباب ـ عن أبي سعيد عند الحاكم ‏(‏ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لفاطمة رضي اللّه عنها قومي إلى ضحيتك فاشهد بها فإنه بأول قطرة منها يغفر لك ما سلف من ذنوبك ‏(‏ؤفي إسناده عطية‏.‏ وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه أنه حديث منكر‏.‏ وعن عمران بن حصين عند الحاكم أيضا مثل حديث أبي سعيد وفي إسناده أبو حمزة الثمالي وهو ضعيف جدا‏.‏ وعلي رضي اللّه عنه عند الحاكم والبيهقي مثله وفي إسناده عمرو بن خالد الواسطى وهو متروك‏.‏

وعن علي رضي اللّه عنه ايضا من طريق أبي داود النخفى عن علي عنه ايضا من طريق أبي داود النخفى عن عبد اللّه بن الحسن عن أبيه عن جده عند الطبراني بلفظ ‏(‏من ضحية طيبة بها نفسه محتسبا بأضحيته كانت له حجابا من النار‏(‏ وأبو داود النخفي كذاب قال أحمد كان يضع الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما هذه الأضاحي)‏ هي جمع أضحية قال الجوهري قال الأصمعي فيها أربع لغات أضحة بضم الهمزة وكسرها وجمعها أضاحي بتشديد الياء وتخفيفها واللغة الثالثة ضحية وجمعها أضاحي والرابعة أضحاة بفتح الهمزة والجمع أضحى كأرطاة وأرطى وبها سمي يوم الأضحى‏.‏ قال القاضي وقيل سميت بذلك لأنها تغفل في الضحى وهو ارتفاع النهار‏.‏ قال النووي وفي الأضحى لغتان التذكير لغة قيس والتأنيث لغة تميم قوله‏:‏ ‏(‏فلا يقربن مصلانا)‏ هذا الحديث من جملة ما استدل به القائلون بوجوب الضحية وسيأتي الكلام على ذلك‏.‏

وأحاديث الباب تدل على مشروعية الضحية ولا خلاف في ذلك كما في البحر وأنها أحب الأعمال إلى اللّه يوم النحر وأنها تأتي يوم القيامة على الصفة التي ذبحت عليها ويقع دمها بمكان من القبول قبل أن يقع على الأرض وانها سنة إبراهيم لقوله تعالى ‏{‏وفديناه بذبح عظيم‏}‏ وأن للمضحي بكل شعرة من شعرات أضحيته حسنة وأنه يكره لمن كان ذا سعة تركها وأن الدراهم لم تنفق في عمل صالح افضل من الأضحية ولكن إذا وقعت لقصد التسنن وتجردت عن المقاصد الفاسدة وكانت على الوجه المطابق للحكمة في شرعها وسيأتي إن شاء اللّه تعالى‏.‏

 باب ما احتج به في عدم وجوبها بتضحية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن أمته

1 - عن جابر قال ‏(‏صليت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عيد الأضحى فلما انصرف اتى بكبش فذبحه فقال بسم اللّه واللّه أكبر اللّهم هذا عني وعمن لم يضحي لم يضحي من أمتي ‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والترمذي‏.‏

2 - وعن علي بن الحسين عن أبي رافع ‏(‏إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أو قرنين أو ملحين فإذا صلى وخطب الناس أتى باحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ثم بقول اللّهم هذا عن أمتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ ثم يؤتى بالأخر فيذبحه بنفسه ويقول هذا عن محمد وآل محمد فيطعمهما جميعا المساكين ويأكل هو وأهله منهما فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي قد كفاه اللّه المؤنة برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم والغرم‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث الأول قال الترمذي هذا الحديث غريب من هذا الوجه وقال المطلب بن عبد اللّه بن حنطب يقال أنه لم يسمع من جابر‏.‏ وقال أبو حاتم الرازي يشبه أن يكون أدركه‏.‏ والحديث الثاني سكت عنه الحافظ في التلخيص وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير والبزار قال في مجمع الزوائد وإسناد أحمد والبزار حسن‏.‏ وأخرج نحوه أحمد أيضا وابن ماجه والحاكم والبيهقي من حديث أبو هريرة وسيأتي في باب التضحية بالخصى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أملحين)‏ الأملح هو الأبيض الخالص قال ابن الأعرابي وقال الأصمعي هو الأبيض المشوب بشيء من السواد وقال أبو حاتم هو الذي يخالط بياضه حمرة وقيل الأسود الذي يعلوه حمرة‏.‏ وقال الكسائي هو الذي فيه بياض وسواد والبياض أكثر وقال الخطابي هو الأبيض الذي في خلل صوفه طبقات سود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أقرنين‏)‏ قال النووي أي لكل واحد منهما قرنان حسنان وفيه دليل على استحباب التضحية بالأملح الأقرن‏.‏ قال النووي وأجمع العلماء على جواز التضحية بالأجم وهو الذي لم يخلق اللّه له قرنين وأما المكسور فسيأتي الكلام فيه والحديثان يدلان على أنه يجوز للرجل أن يضحي عنه وعن أتباعه وأهله ويشركهم معه في الثواب وبه قال الجمهور وكرهه الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحديثان يردان عليهم‏.‏

وقد أخرج مسلم من حديث انس أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏كان يقول اللّهم تقبل من محمد وآل محمد وعن أمة محمد‏)‏ وسيأتي في باب الذبح بالمصلى‏.‏ وأخرج وأيضا ابن ماجه والترمذي وصححه من حديث أبي أيوب ان الرجل كان يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته في عهد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وسيأتي في باب الاجتزاء بالشاة‏.‏ وقد تمسك بحديثي الباب وما ورد في معناها من قال أن الأضحية غير واجبة بل سنة وهم الجمهور قال النووي وممن قال بهذا أبو بكر وعمر وبلال وأبو مسعود البدري وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وابن المنذر وداود وغيرهم انتهى‏.‏ وحكاه في البحر أيضا عمن ذكر من الصحابة‏.‏

وعن ابن مسعود وابن عباس وحكاه أيضا عن العترة الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة والليث وبعض المالكية أنها واجبة على الموسر وحكاه في البحر عن مالك وقال النخعي واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى وقال محمد بن الحسن واجب على المقيم بالأمصار والمشهور عن أبي حنيفة أنه قال إنما توجيهها على مقيم يملك نصابا كذا قال النووي قال ابن حزم لا يصح على أحد من الصحابة أنها واجبة وصح أنها غير واجبة عن الجمهور ولا خلاف في كونها من شرائع الدين

ووجه دلالة الحديثين وما في معناهما على عدم الوجوب أن الظاهر إن تضحيته صلى اللّه عليه وآله وسلم عن أمته وعن أهله تجزأ كل من لم يضح سواء كان متمكنا من الأضحية أو غير متمكن ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن حديث ‏(‏على أهل كل بيت أضحية)‏ وسيأتي في باب ما جاء في الفرع العتيرة ما يدل على وجوبها على أهل كل بيت يجدونها فيكون قرينة على أن تضحية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن غير الواجدين من أمته ولو سلم الظهور المدعي فلا دلالة له على عدم الوجوب لأن محل النزاع من لم يضح عن نفسه ولا ضحى عنه غيره فلا يكون عدم وجوبها على من كان في عصره من الأمة مستلزما لعدم وجوبها على من كان في غير عصره منهم ـ فإن قيل ـ هذا يستلزم أن تجزأ الشاة الواحدة عن جميع الأمة قلنا هذه المسألة أخرى خارجة عن محل النزاع سيأتي بيانها‏.‏

ومن أدلة القائلين بعد الوجوب ما أخرجه أحمد عن ابن عباس مرفوعا ‏(‏أمرت بركعتي الضحى ولم تؤمروا بها وأمرت بالأضحى ولم تكتب عليكم‏)‏ وأخرجه ايضا البزار وابن عدي والحاكم عنه بلفظ ‏(‏ثلاث هن على فرائض ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحى)‏‏ وأخرجه أيضا أبو يعلى عنه بلفظ‏)‏ كتب علي النحر ولم يكتب عليكم وأمرت بصلاة الضحى ولم تؤمروا بها)‏‏ ويجاب عنه بأن في إسناد أحمد وأبو يعلي جابر الجعفى وهو ضعيف جدا في إسناد البزار وابن عدي والحاكم أن جناب الكلبي وقد صرح الحافظ ضعيف من جميع طرقه‏:‏ وقد أخرجه الدارقطني بلفظ ‏(‏ثلاث هن على فريضة وهن لكم تطوع الوتر وركعتا الفجر وركعتا الضحى)‏ ‏وأخرجه البزار بلفظ ‏(‏أمرت بركعتي الفجر والوتر وليس عليكم)‏ (ورواه الدارقطني أيضا وابن شاهين في ناسخه عن أنس مرفوعا ‏(‏أمرت بالوتر والأضحى ولم يعزم على) ‏‏وفي إسناده عبد اللّه بن محرر وهو متروك واستدلوا أيضا بما أخرجه البيهقي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان كراهة أن يظن من رآهما أنها واجبة وكذلك أخرج عن ابن عباس وبلال وأبي مسعود وابن عمر ولا حجة في شيء من ذلك واستدل من قال بالوجوب بقول اللّه تعالى ‏{‏فصل لربك وانحر‏}‏ والأمر للوجوب وأجيب بأن المراد تخصيص الرب بالنحر له لا للأصنام فالأمر متوجه إلى ذلك لأنه القيد الذي يتوجه إليه الكلام ولا شك في وجوب تخصيص اللّه بالصلاة والنحر على أنه قد روي أن المراد بالنحر وضع اليدين حال الصلاة على الصدر كما سلف في الصلاة واستدلوا أيضا بحديث ‏(‏من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا)‏ وقد تقدم ووجه الاستدلال به انه لما نهى من كان ذا سعة عن قربان المصلى إذا لم يضح دل على أنه قد ترك واجبا فكأنه لا فائدة في التقرب مع ترك هذا الواجب قال في الفتح وليس صريحا في الإيجاب واستدلوا أيضا بحديث مخنث بن سليم أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال بعرفات ‏(‏يا أيها الناس على أهل كل بيت أضحية في كل عام وعتيرة)‏‏ أخرجه أبو داود وأحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه وسيأتي ما عليه من الكلام وأجيب عنه بأنه منسوخ لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏لا فرع ولاعتيرة‏)‏ ولا يخفى أن نسخ العتيرة على فرض صحته لا يستلزم نسخ الأضحية‏.‏ واستدلوا أيضا بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏من كان ذبح قبل أن يصلي فليذح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم اللّه ‏(‏وهو متفق عليه من حديث جندب بن سفيان البجلي‏.‏ وبما روى من حديث جابر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال من كان ذبح قبل الصلاة فليعد) ‏وسيأتي هو وحديث جندب في باب بيان وقت الذبح والأمر ظاهر في الوجوب ولم يأت من قال بعدم الوجوب بما يصلح للصرف كما عرفت نعم حديث أم سلمة الآتي قريبا ربما كان صالحا للصرف لقوله‏:‏ ‏(‏وأراد أحدكم أن يضحي‏)‏ لأن التفويض إلى الأرادة يشعر بعدم الوجوب‏.‏