فصل: أبواب بيع الأصول والثمار

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب النهي عن النجش

1 - عن أبي هريرة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد وان يتناجشوا‏)‏‏.‏

2 - وعن ابن عمر قال ‏(‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن النجش‏)‏‏.‏

متفق عليهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏النجش بفتح النون وسكون الجيم بعدها معجمة قال في الفتح وهو في اللغة تنفير الصيد واستثارته من مكان ليصاد يقال نجشت الصيد أنجشه بالضم نجشا وفي الشرع الزيادة في السلعة ويقع ذلك بمواطأة البائع فيشتركان في الأثم ويقع ذلك بغير علم البائع فيختص بذلك الناجش وقد يختص به البائع كمن يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما اشتراها به ليغر غيره بذلك‏.‏ وقال ابن قتيبة النجش الختل والخديعة ومنه قيل للصائد ناجش لأنه يختل الصيد ويحتال له قال الشافعي النجش أن تحضر السلعة تباع فيعطى بها الشيء وهو لا يريد شراءها ليقتدي به السوام فيعطون بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يسمعوا سومه‏.‏ قال ابن بطال أجمع العلماء على أن الناجش عاص بفعله واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك ونقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع إذا وقع على ذلك وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان بموطأه البائع أو صنعته والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار وهو وجه للشافعية قياسا على المصراة والأصح عندهم صحة البيع مع الأثم وهو قول الحنفية والهادوية وقد اتفق أكثر العلماء على تفسير النجش في الشرع بما تقدم وقيد ابن عبد البر وابن حزم وابن العربي التحريم بأن تكون الزيادة المذكورة فوق ثمن المثل ووافقهم على ذلك بعض المتأخرين من الشافعية وهو تقييد للنص بغير مقتض للتقييد وقد ورد ما يدل على جواز لعن الناجش فأخرج الطبراني عن ابن أبي أوفى مرفوعا ‏(‏الناجش آكل ربا خائن ملعون‏)‏ وأخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور موقوفا مقتصرين على قوله‏:‏ ‏(‏آكل الربا خائن‏)‏‏.‏

 باب النهي ن تلقي الركبان

1 - عن ابن مسعود قال ‏(‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن تلقي البيوع‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - ‏(‏وعن أبي هريرة قال نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يتلقى الجلب قال تلقاه انسان فابتاعه فصاحب السلعة فيها بالخياء إذا ورد السوق‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري وفيه دليل على صحة البيع‏.‏

في الباب عن ابن عمر عند الشيخين وعن ابن عباس عندهما أيضا قوله‏:‏ ‏(‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن تلقي البيوع‏)‏ فيه دليل على أن التلقي محرم وقد اختلف في هذا النهي هل يقتضي الفساد أم لا فقيل يقتضي الفساد وقيل لا وهو الظاهر لأن النهي ههنا لأمر خارج وهو لا يقتضيه كما تقرر في الأصول وقد قال بالفساد المرادف للبطلان بعض المالكية وبعض الحنابلة وقال غيرهم بعدم الفساد لما سلف‏.‏ ول قوله‏:‏ صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏فصاحب السلعة فيها بالخيار‏)‏ فإنه يدل على انعقاد البيع ولو كان فاسدا لم ينعقد وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر الحديث الجمهور فقالوا لا يجوز تلقي الركبان واختلفوا هل هو محرم أو مكروه فقط حكى ابن المنذر عن أبي حنيفة أنه أجاز التلقي وتعقبه الحافظ بأن الذي في كتب الحنفية أنه يكره التلقي في حالتين أن يضر بأهل البلد وأن يلبس السعر على الواردين اه‏.‏ والتنصيص على الركبان في بعض الروايات خرج مخرج الغالب في أن من يجلب الطعام يكون في الغالب راكبا وحكم الجالب الماشي حكم الراكب ويدل على ذلك حديث أبي هريرة المذكور فإن فيه النهي عن تلقي الجلب من غير فرق‏.‏ وكذلك حديث ابن مسعود المذكور فإن فيه النهي عن تلقي البيوع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الجلب‏)‏ بفتح اللام مصدر بمعنى اسم المفعول يقال جلب الشيء جاء به من بلد إلى بلد للتجارة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالخيار‏)‏ اختلفوا هل يثبت له الخيار مطلقا أو بشرط أن يقع له في البيع عين‏.‏ ذهبت الحنابلة إلى الأول وهو الأصح عند الشافعية وهو الظاهر وظاهره أن النهي لأجل صنعة البائع وازالة الضرر عنه وصيانته ممن يخدعه‏.‏ قال ابن المنذر وحمله مالك على نفع أهل السوق لا على نفع رب السلعة وإلى ذلك جنح الكوفيون والأوزاعي قال والحديث حجة للشافعي لأنه أثبت الخيار للبائع لا لأهل السوق اه‏.‏ وقد احتج مالك ومن معه بما وقع في رواية من النهي عن تلقي السلع حتى تهبط الأسواق وهذا لا يكون دليلا لمدعاهم لأنه يمكن أن يكون ذلك رعاية لمنفعة البائع لأنها إذا هبطت الأسواق عرف مقدار السعر فلا يخدع ولا مانع من أن يقال العلة في النهي مرعاة نفع البائع ونفع أهل السوق‏.‏

واعلم أنه لا يجوز تلقيهم للبيع منهم كما لا يجوز للشراء منهم لأن العلة التي هي مراعاة نفع الجالب أو أهل السوق أو الجميع حاصلة في ذلك ويدل على ذلك ما في رواية للبخاري بلفظ ‏(‏لا بيع‏)‏ فإنه يتناول البيع لهم والبيع منهم وظاهر النهي المذكور في الباب عدم الفرق بين أن يبتدئ المتلقي الجالب بطلب الشراء أو البيع أو العكس وشرط بعض الشافعية في النهي أن يكون المتلقي هو الطالب وبعضهم اشترط أن يكون المتلقي قاصدا لذلك فلو خرج للسلام على الجالب أو للفرجة أو لحاجة أخرى فوجدهم فبايعهم لم يتناوله النهي ومن نظر إلى المعنى لم يفرق وهو الأصح عند الشافعي وشرط الجويني في النهي أن يكذب المتلقي في سعر البلد ويشتري منهم باقل من ثمن المثل‏.‏ وشرط المتولى من أصحاب الشافعي أن يخبرهم بكثرة المؤنة عليهم في الدخول وشرط أبو إسحاق الشيرازي أن يخبرهم بكساد ما معهم والكل من هذه الشروط لا دليل عليه والظاهر من النهي أيضا أنه يتناول المسافة القصيرة والطويلة وهو ظاهر إطلاق الشافعية‏.‏ وقال بعض المالكية ميل‏.‏ وقال بعضهم أيضا فرسخان‏.‏ وقال بعضهم يومان‏.‏ وقال بعضهم مسافة قصر وبه قال الثوري وأما ابتداء التلقي فقيل الخروج من السوق وإن كان في البلد وقيل الخروج من البلد وهو قول الشافعية وبالأول قال أحمد وإسحاق والليث والمالكية‏.‏

 باب النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه وسومه إلا في المزايدة

1 - عن ابن عمر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا بيع أحدكم على بيع أخيه ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه لا أن يأذن له‏)‏‏.‏

رواه أحمد ‏.‏ وللنسائي ‏(‏لا بيع أحدكم على بيع أخيه حتى يبتاع أو يذر‏)‏ وفيه بيان أنه أراد بالبيع الشراء‏.‏

2 - وعن أبي هريرة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يسوم على سومه‏)‏‏.‏ وفي لفظ ‏(‏لا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

3 - وعن أنس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم باع قدحا وحلسا فيمن يزيد‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي‏.‏

حديث ابن عمر أخرجه أيضا باللفظ الأول مسلم وأخرجه ايضا البخاري في النكاح بلفظ ‏(‏نهى أن يبيع الرجل على بيع أخيه وأ، يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب‏)‏ وأخرج نحو الرواية الثانية من حديثه ابن خزيمة وابن الجارود والدارقطني وزادوا ‏(‏إلا الغنائم والمواريث‏)‏ وحديث أنس أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وحسنه الترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان عن أبي بكر الحنفي عنه وأعله ابن قطان بجهل حال أبي بكر الحنفي ونقل عن البخاري أنه قال لم يصح حديثه‏.‏ ولفظ الحديث عند أبي داود وأحمد ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نادى على قدح وجلس لبعض أصحابه فقال رجل هما علي بدرهم ثم قال آخر هما علي بدرهمين‏)‏ وفيه ‏(‏أن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة‏)‏ وقد تقدم ـ وفي الباب ـ عن أبي هريرة عند الشيخين وعن عقبة بن عامر عند مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يبيع‏)‏ الأكثر بإثبات الياء على أن لا نافية ويحتمل أن تكون ناهية وأشبعت الكسرة كقراءة من قرأ ‏(‏أنه من يتقي ويصبر‏)‏ وهكذا ثبتت الياء في بقية ألفاظ الباب قوله‏:‏ ‏(‏إلا أن يأذن له‏)‏ يحتمل أن يكون استثناء من الحكمين ويحتمل أن يختص بالأخير والخلاف في ذلك وبيان الراجح مستوفى في الأصول ويدل على الثاني في خصوص هذا المقام رواية للبخاري التي ذكرناها قوله‏:‏ ‏(‏لا يخطب الرجل‏)‏ الخ سيأتي الكلام على الخطبة في النكاح إن شاء اللّه قوله‏:‏ ‏(‏ولا يسوم‏)‏ صورته أن يأخذ شيئا ليشتريه فيقول المالك رده لأبيعك خيرا منه بثمنه أو يقول للمالك غسترده لأشتريه منك بأكثر وإنما يمنع من ذلك بعد استقرار الثمن وركون أحدهما إلى الآخر فإن كان ذلك تصريحا فقال في الفتح لا خلاف في التحريم وإن كان ظاهرا ففيه وجهان للشافعية وقال ابن حزم إن لفظ الحديث لا يدل على اشتراط الرون وتعقب أنه لا بد من أمر مبين لموضع التحريم في السوم لأن السوم في السلعة التي تباع فيمن يزيد لا يحرم اتفاقا كما حكاه في الفتح عن ابن عبد البرفتعين أن السوم المحرم ما وقع فيه قدر زائد على ذلك‏.‏ وأما صورة البيع على البيع والشراء على الشراء فهو أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار افسخ لأبيعك بأنقص أو يقول للبائع افسخ لأشتري منك بأزيد قال في الفتح وهذا مجمع عليه وقد اشترى بعض الشافعية في التحريم أن لا يكون المشتري مغبونا غبنا فاحشا وإلا جاز البيع على البيع والسوم على السوم لحديث الدين النصيحة وأجيب عن ذلك أن النصيحة لا تنحصر في البيع على البيع والسوم على السوم لأنه يمكن أن يعرفه أن قيمتها كذا فيجمع بذلك بين المصلحتين كذا في الفتح وقد عرفت أن أحاديث النصيحة أعم مطلقا من الأحاديث القاضية بتحريم أنواع من البيع فيبني العام على الخاص واختلفوا في صحة البيع المذكور فذهب الجمهور إلى صحته مه الأثم‏.‏ وذهبت الحنابلة والمالكية إلى فساده في إحدى الروايتين عنهم وبه جزم ابن حزم والخلاف يرجع إلى ما تقرر في الأصول من أن النهي المقتضى للفساد هو النهي عن الشيئ لذاته ولوصف ملازم لا لخارج قوله‏:‏ ‏(‏وحلسا‏)‏ بكسر الحاء المهملة وسكون اللام كساء رقيق يكون تحت برذعه البعير قال الجوهري‏.‏ والحلس البساط أيضا ومنه حديث ‏(‏كن حلس بيتك حتى يأتيك يد خاطئة أو ميتة قاضية‏)‏ كذا في النهاية قوله‏:‏ ‏(‏فيمن يزيد‏)‏ فيه دليل على على جواز بيع المزايدة وهو البيع على الصفة التي فعلها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كما سلف وحكى البخاري عن عطاء أنه قال أدركت الناس لا يرون بأسا في بيع المغانم فيمن يزيد ووصله ابن أبي شيبة ن عطاء ومجاهد وروى هو وسعيد بن منصور عن مجاهد قال لا بأس بيع من يزيد وكذلك كانت تباع الأخماس‏.‏ وقال الترمذي عقب حديث أنس المذكور والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لم يروا بأسا ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث‏.‏ قالابن العربي لا معنى للاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث فإن الباب واحد والمعنى مشترك اه ولعلهم جعلوا تلك الزيادة التي زادها ابن خزيمة وابن الجارود والدارقطني قيدا لحديث أنس المذكور ولكن لم ينقل أن الرجل الذي باع عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم القدح والحلس كانا معه من ميراث أو غنيمة فالظاهر الجواز مطلقا أما لذلك وأما لإلحاق غيرهما بهما ويكون ذكرهما خارجا مخرج الغالب لأنهما الغالب على ما كانوا يعتادون البيع فيه مزايدة وممن قال باختصاص الجواز بهما الأوزاعي وإسحاق وروى عن النخعي أنه كره بيع المزايدة واحتج بحديث جابر الثابت في الصحيح أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال في مدبر ‏(‏من يشتريه منى فاشتراه نعيم ابن عبد اللّه بثمانمائة درهم‏)‏ واعترضه الإسماعيلي فقال ليس في قصة لمدبر بيع المزايدة فإن بيع المزايدة أن يعطي به واحد ثمنا ثم يعطي به غيره زيادة عليه نعم يمكن الاستدلال بما أخرجه البزار من حديث سفيان بن وهب قال ‏(‏ سمعت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ينهى عن بيع المزايدة‏)‏ ولكن في إسناده ابن هليعة وهو ضعيف‏.‏

 باب البيع بغير إشهاد

1 - عن عمارة بن خزيمة ‏(‏أن عمه حدثه وكان من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ليقضيه ثمن فرسه فأسرع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم المشي وأبطأ الأعرابي فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس لا يشعرون أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ابتاعه فنادى الأعرابي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال إن كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه وإلا بعته فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حين سمع نداء الأعرابي أوليس قد ابتعته منك قال الأعرابي لا واللّه ما بعتك فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بلى قد بعته فطفق الأعرابي يقول هلم شهيدا قال خزيمة أنا أشهد أنك قد ابتعته فأقبل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم علىخزيمة فقال بم تشهدد فقال بتصديقك يا رسول اللّه فجعل شهادة خزيمة شهادة رجلين‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي وأبو داود‏.‏

الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده عند أبي داود ثقات‏.‏ وأخرجعه أيضا الحاكم في المستدرك قوله‏:‏ ‏(‏ابتاع فرسا‏(‏ قيل هذا الفرس هو المرتجز المذكور في أفراس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سمي بذلك لحسن صهيله كأنه بصهيله ينشد رجز الشعر الذي هو أطيبه وكان أبيض وقيل هو الطرف بكسر الطاء وقيل هو النجيب قوله‏:‏ من ‏(‏أعرابي‏)‏ قيل هو سواء بن الحرث وقال الذهبي هو سواء بن قيس المحاربي قوله‏:‏ ‏(‏فاستتبعه‏)‏ السين للطلب أي أمره أن يتبعه إلى مكانه فاستخدمه إذا أمره أن يخدمه وفيه شراء السلعة وإن لم يكن الثمن حاضرا وجواز تأجيل البائع بالثمن إلى أن يأتي إلى منزله قوله‏:‏ ‏(‏فطفق‏(‏ بكسر الفاء على اللغة المشهورة بفتحها على اللغة القليلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالفرس‏)‏ الباء زائدة في المفعول لأن المساومة تتعدى بنفسها تقول سمت الشيئ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏لا يشعرون‏)‏ الخ أي لم يقع من الصحابة السوم النهي عنه بعد استقرار البيع والنهي إنما يتعلق بمن علم لأن العلم شرط التكليف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا واللّه ما بعتك‏)‏ قيل إنما أنكر هذا الصحابي البيع وحلف على ذلك لأن بعض المنافقين كان حاضرا فأمره بذلك وأعلمه أن البيع لم يقع صحيحا وأنه لا إثم عليه في الحلف على أنه ما باعه فاعتقد صحة كلامه لأنه لم يظهر له نفاقه ولو علمه لما أغتر به وهذا وإن كان هو اللائق بجال من كان صحابيا ولكن لا مانع من أن يقع مثل ذلك من الذين لم يدخل حب الا يمان في قلوبهم وغير مستنكر أن يوجد في ذلك الزمان من يؤثر العاجلة فإنه قد كان بهذه المثابة جماعة منهم كما قال تعالى ‏{‏منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة‏}‏ واللّه يغفر لنا ولهم قوله‏:‏ ‏(‏هلم‏)‏ هلم بضم اللام وبناء الآخر على الفتح لأنه اسم فعل وشهيدا منصوب به وهو فعيل بمعنى فاعل أي هلم شاهدا زاد النسائي فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد ابتعته منك فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم والأعرابي وهما يتراجعان وطفق الأعرابي يقول هلم شاهدا أني قد بعتكه قوله‏:‏ ‏(‏بم تشهد‏)‏ أي بأي شيء تشهد عل ىذلك ولم تك حاضرا عند وقوعه‏.‏ وفي رواية للطبراني بم تشهد ولم تكن حاضرا‏.‏

والحديث استدل به المصنف على جواز البيع بغير إشهاد قال الشافعي لو كان الإشهاد حتما لم يتبايع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يعني الأعرابي من غير حضور شهادة ومراده أن الأمر في قوله‏:‏ تعالى ‏{‏واشهدوا إذا تبايعتم‏}‏ ليس على الوجوب بل هو على الندب لأن فعل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قرينة صارفة للأمر من الوجوب إلى الندب‏.‏ وقيل هذه الآية منسوخة ب قوله‏:‏ تعالى ‏{‏فإن أمن بعضكم بعضا‏}‏ وقيل محكمة والأمر على الوجوب قال ذلك أبو موسى الأشعري وبن عمرو الضحاك وابن المسيب وجابر بن زيد ومجاهد وعطاء والشعبي والنخعي وداود بن علي وابنه أبو بكر والطبري قال الضحاك هي عزيمة من اللّه ولو على باقة بقل قال الطبري لا يحل لمسلم إذا باع أو اشترى أن يترك الإشهاد وإلا كان مخالفا لكتاب اللّه قال ابن العربي وقول العلماء كافة أنه على الندب وهو الظاهر وقد ترجم أبو داود على هذا الحديث باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به وبه يقول شريح وفي البخاري أن مروان قضى بشهادة ابن عمر وحده وأجاب عنه الجمهور بأن شهادة ابن عمر كانت على جهة الإخبار ويجاب أيضا عن شهادة خزيمة بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد جعلها بمثابة شهادة رجلين فلا يصح الاستدلال بها على قبول شهادة الواحد‏.‏ وذكر ابن التين أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لخزيمة لما جعل شهادته بشهادتين لا تعد أي تشهد على ما لم تشاهده‏.‏ وقد أجيب عن ذلك باستدلال بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما حكم على الأعرابي بعلمه وجرت شهادة خزيمة في ذلك مجرى التوكيد‏.‏ وقد تمسك بهذا الحديث جماعة من أهل البدع فاستحلوا الشهادة لمن كان معروفا بالصدق على كل شيء ادعاه وهو تمسك باطل لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بمنزلة لا يجوز أن يحكم لغيره بمقاربتها فضلا عن مساوتها حتى يصح الإلحاق‏.‏

 أبواب بيع الأصول والثمار

 باب من باع نخلا مؤبرا

1 - عن ابن عمر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال من باع نخلا بعد أن يؤبر فثمرتها للذي باعها الا أن يشترط المبتاع ومن ابتاع عبدا فماله للذي باعه الا أن يشترط المبتاع‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

2 - وعن عبادة بن الصامت ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى أن ثمرة النخل لمن أبرها الا أن يشترط المبتاع وقضى أن ثمرة النخل لمن أبرها الا أن يشترط المبتاع وقضى أن مال المملوك لمن باعه إلا أن يشترط المبتاع‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه وعبد اللّه بن أحمد في المسند‏.‏

حديث عبادة في إسناده انقطاع لانه من رواية إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن عبادة ولم يدركه قوله‏:‏ ‏(‏نخلا‏)‏ اسم جنس ذكر ويؤنث والجمع نخيل قوله‏:‏ ‏(‏بعد أن يؤبر‏)‏ التأبير التشقيق والتلقيح ومعناه شق طلع النخلة الأنثى ليذر فيها شيء من طلع النخلة الذكر‏.‏ وفيه دليل على أن من باع نخلا وعليها ثمرة مؤبرة لم يدخل الثمرة في البيع بل تستمر على ملك البائع ويدل بمفهومه على أنها إذا كانت غير مؤبرة تدخل في البيع وتكون للمشترى وبذلك قال جمهور العلماء وخالفهم الأوزاعي وأبو حنيفة فقالا تكون للبائع قبل التأبير وبعده‏.‏ وقال ابن أبي ليلى تكون للمشتري مطلقا وكلا الإطلاقين مخالف لحديثي الباب الصحيحين وهذا إذا لم يقع شرط من المشتري بأنه اشترى الثمرة ولا من البائع بأنه استثنى لنفسه الثمرة فإن وقع ذلك كانت الثمرة للشارط من غير فرق بين أن تكون مؤبرة أو غير مؤبرة‏.‏ قال في الفتح لا يشترط في التأبير أن يؤبره أحد بل لوتأبر بنفسه لم يختلف الحكم عند جميع القائلين به قوله‏:‏ ‏(‏إلا أن يشترط المبتاع‏)‏ أي المشتري بقرينة الإشارة إلى البائع بقوله‏:‏ ‏(‏من باع‏)‏ وظاهره أنه لا يجوز له أن يشترط بعضها أو كلها‏.‏ وقال ابن القاسم لا يجوز اشتراط بعضها ووقع الخلاف فيما إذا باع نخلا بعضه قد أبر وبعضه لم يؤبر فقال الشافعي الجميع للبائع‏.‏ وقال أحمد الذي قد أبر للبائع والذي لم يؤبر للمشتري وهو الصواب قوله‏:‏ ‏(‏من ابتاع عبدا‏)‏ الخ فيه دليل على أن العبد إذا ملكه سيده مالا ملكه وبه قال مالك والشافعي في القديم‏.‏ وقال في الجديد وأبو حنيفة والهادوية أن العبد لا يملك شيئا أصلا‏.‏ والظاهر الأول لأن نسبة المال إلى المملوك تقتضي أنه يملك وتأويله بأن المراد أن يكون شيئا في يد العبد من مال سيده وأضيف إلى العبد للاختصاص والانتفاع لا للملك كما يقال الجل للفرس خلاف الظاهر‏.‏ واستدل بالحديثين على أن مال العبد لا يدخل في البيع حتى الحلقة التي في أذنه والخاتم الذي في إصبعه والنعل التي في رجله والثياب التي على بدنه‏.‏

وقد اختلف في الثياب على ثلاثة أقوال الأول أنه لا يدخل شيء منها وهو الذي نسبه الماوردي إلى جميع الفقهاء وصححه النووي قال الماوردي لكن العادة جارية بالعفو عنها فيما بين التجار‏.‏ الثاني أنها تدخل في مطلق البيع للعادة وبه قال أبو حنيفة وكذلك قالت الهادوية في ثياب البذلة‏.‏ الثالث يدخل قدر ما يستر العورة‏.‏

والمذهب الأول هو الأولى والتخصيص بالعادة مذهب مرجوح قوله‏:‏ ‏(‏أن مال المملوك‏)‏ فيه التسوية بين العبد والأمة‏.‏

واعلم ان ظاهر حديثي الباب يخالف الأحاديث التي ستأتي في النهي عن بيع الثمرة قبل صلاحها لأنه يقضي بجواز بيع الثمرة قبل التأبير وبعده قال في الفتح والجمع بين حديث التأبير وحديث النهي عن بيع الثمرة قبل بدو الصلاح سهل وهو أن الثمرة في بيع النخل تابعه للنخل وحديث النهي مستقلة وهذا واضح جدا‏.‏ اه‏.‏

 باب النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه

1 - عن ابن عمر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمبتاع‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا الترمذيز وفي لفظ ‏(‏نهى عن بيع النخل حتى تزهو وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة‏)‏ رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه‏.‏

2 - وعن أبي هريرة قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا تتبايعوا الثمار حتى يبدو صلاحها‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه‏.‏

3 - وعن انس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا النسائي‏.‏

4 - وعن أنس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى قالوا وما تزهي قال تحمر وقال إذا منه اللّه الثمرة فيم تستحل مال أخيك‏)‏‏.‏

أخرجاه‏.‏

حديث أنس الأول أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححه قوله‏:‏ ‏(‏يبدو‏)‏ بغير همزة أي يظهر والثمار بالمثلثة جمع ثمرة بالتحريك وهي أعم من الرطب وغيره‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏صلاحها‏)‏ أي حمرتها وصفرتها‏.‏ وفي رواية لمسلم ‏(‏ما صلاحه قال تذهب عاهنه‏)‏‏.‏

واختلف السلف هل يكفي بدو الصلاح في جنس الثمار حتى لو بدا الصلاح في بستان من البلد مثلا جاز بيع جميع البساتين أو لا بد من بدو الصلاح في كل بستان على حدة أو لا بد من بدو الصلاح في كل جنس عل ىحده أو في كل شجرة على حدة على أقوال‏.‏ والأول قول الليث وهو قول المالكية بشرط أن يكون متلاحقا‏.‏ والثاني وقول أحمد والثالث قول الشافعية‏.‏ والرابع رواية عن أحمد‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏نهى البائع والمبتاع‏)‏ أما البائع فلئلا يأكل مال أخيه بالباطل وأكا المشتري فلئلا يضيع ماله ويساعده البائع على الباطل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تزهو‏)‏ يقال زها النخل يزهو إذا ظهرت ثمرته وأزهى يزهي إذا احمر أو اصفر هكذا في الفتح وقال الخطابي أنه لا يقال في النخل تزهو إنما يقال تزهي لا غير وهذه الرواية ترد عليه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن بيع السنبل حتىيبيض‏)‏ بضم السين وسكون النون وضم الباء الموحدة سنابل الزرع‏.‏ قال النووي معناه يشتد حبه وذلك بدو صلاحه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ويأمن العاهة‏)‏ هي الآفة تصيبه فيفسد لنه إذا أصيب بها كان أخذ ثمنه من أكل أموال الناس بالباطل‏.‏ وقد أخرج أبو داود عن أبي هريرة مرفوعا ‏(‏إذا طلع النجم صباحا رفعت العاهة عن كل البلد‏)‏ وفي رواية ‏(‏رفعت العاهة عن الثمار‏)‏ النجم هو الثريا وطلوعها صباحا يقع في أو فصل الصيف وذلك عند اشتداد الحر في بلاد الحجاز وابتداء نضج الثمار‏.‏ واخرج أحمد من طريق عثمان بن عبد اللّه بن سراقة سألت ابن عمر عن بيع الثمار فقال ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة قلت ومتى ذلك قال حتى تطلع الثريا‏)‏ قوله‏:‏ ‏(‏حتى يسود‏)‏ زاد مالك في الموطأ ‏(‏فإنه إذا أسود ينجو من العاهة والآفة‏)‏ واشتداد الحب قوته وصلابته قوله‏:‏ ‏(‏إذا منع اللّه الثمرة‏)‏ الخ صرح الدارقطني بأن هذا مدرج من قول أنس وقال رفعه خطأ ولكنه قد ثبت مرفوعا من حديث جابر عن مسلم بلفظ ‏(‏إن بعت من أخيك ثمرا قأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق‏)‏ وسيأتي وفيه دليل على وضع الجوائح لأن معناه أن الثمر إذا تلف كان الثمن المدفوع بلا عوض فكيف يأكله البائع بغير عوض وسيأتي الكلام على وضع الجوائح‏.‏

والأحاديث المذكورة في الباب تدل على أنه لا يجوز بيع الثمر قبل بد وصلاحها‏.‏ وقد اختلف في ذلك على أقوال الأول أنه باطل مطلقا وهو قول ابن أبي ليلى والثوري وهو ظاهر كلام الهادي والقاسم قال في الفتح ووهم من نقل الإجماع فيه‏.‏ الثاني أنه إذا شرط القطع لم تبطل وإلا بطل وهو قول الشافعي وأحمد ورواية عن مالك ونسبه الحافظ إلى الجمهور وحكاه في البحر عن المؤيد باللّه‏.‏ الثالث أنه يصح أن لم يشترط البقية وهو قول أكثر الحنفية قالوا والنهي محمول على بيع الثمار قبل أن توجد أصلا‏.‏ وقد حكى صاحب البحر الإجماع على عدم جواز بيع الثمر قبل خروجه‏.‏ وحكى أيضا الأتفاق على عدم جواز بيعه قبل صلاحه بشرط البقاء وحكى أيضا عن الإمام يحيى أنه صخ جواز البيع بشرط القطع الإجماع وحكى عنه أيضا أنه يصح البيع بشرط القطع إجماعا ولا يخفى مافي دعوى بعض هذه الإجماعات من المجازفة وحكى في البحر عن زيد بن علي والمؤيذ باللّه والإمام يحيى وأبي حنيفة والشافعي أنه يصح بيع الثمار قبل الصلاح تمسكا بعموم قوله‏:‏ تعالى ‏{‏وأحل اللّه البيع‏}‏ قال أبو حنيفة ويؤمر بالقطع والمشهور من مذهب الشافعي هوماقدمنا فأما البيع بعد الصلاح فيصح مع شرط القطع إجماعا ويفسد مع شرط البقاء إجماعا ان جهلت المدة كذا في البحر‏.‏ قال الامام يحيى فإن علمت صح عند القاسمية إذا لاغرر‏.‏ وقال المؤيد باللّه لا يصح النهي عن بيع شرط

واعلم إن ظاهر أحاديث الباب وغيرها المنع من بيع الثمر قبل الصلاح وإن وقوعه في تلك الحالة باطل كما هو مقتضى النهي ومن ادعى إن مجرد شرط القطع يصحح البيع قبل الصلاح فهومحتاج إلى دليل يصلح لتقييد أحاديث النهي ودعوى الإجماع على ذلك لا صحة لها لما عرفت من أن أهل القول الأول يقولون بالبطلان مطلقا وقد عول المجوزون مع شرط القطع في الجواز على علل مستنبطة فجعلوها مقيدة للنهي وذلك مما لا يفيد من لم يسمح بمفارقة النصوص لمجرد خيالات عارضة وشبه واهية تنهار بأيسر تشكيك فالحق ماقاله الأولون من عدم الجواز مطلقا وظاهر النصوص أيضا أن البيع بعد ظهور الصلاح صحيح سواء شرط البقاء أم لم يشرط لان الشارع قد جعل النهي ممتد إلى غاية بدو الصلاح وما بعد الغاية مخالف لما قبلها ومن ادعى ان شرط البقاء مفسد فعليه الدليل ولا ينفعه في المقام ما ورد من النهي عن بيع وشرط لأنه يلزمه في تجويزه للبيع قبل الصلاح مع شرط القطع وهو بيع وشرط وايضا ليس كل شرط في البيع منهيا عنه فإن اشتراط جابر بعد بيعه للجمل أن يكون له ظهره إلى المدينة قد صححه الشارع كما سيأتي وهو شبيه بالشرط الذي نحن بصدده وتقدم ايضا جواز البيع مع الشرط في النخل والعبد ل قوله‏:‏ إلا أن يشترط المبتاع وأما دعوى الإجماع على الفساد بشرط البقاء كما سلف فدعوى فاسدة فإنه قد حكى صاحب الفتح عن الجمهور أنه يجوز البيع بعد الصلاح بشرط البقاء ولم يحك الخلاف في ذلك إلا عن أبي حنيفة وأما بيع الزرع أخضر وهو الذي يقال له القصيل فقال ابن رسلان في شرح السنن اتفق العلماء المشهورون على جواز بيع القصيل بشرط القطع وخالف سفيان الثوري وابن أبي ليلى فقالا لا يصح بيعه بشرط القطع وقد اتفق الكل على أنه لا يصح بيع القصيل من غير شرط القطع وخالف ابن حزم الظاهري فأجاز بيعه بغير شرط تمسكا بان النهي إنما ورد عن السنبل قال ولم يأت في منع بيع الزرع مذ نبت إلى أن يسنبل نص أصلا‏.‏ وروى عن أبي إسحاق الشيباني قال سألت عكرمة عن بيع القصيل فقال لابأس فقلت إنه يسنبل فكرهه اه كلام ابن رسلان ـ والحاصل ـ إن الذي في الأحاديث النهي عن بيع الحب حتى يشتد وعن بيع السنبل حتى يبيض فما كان من الزرع قد سنبل أو ظهر فيه الحب كان بيعه اشتداد حبه غير جائز وأما قبل أن يظهر فيه الحب والسنابل فإن صدق على بيعه حينئذ إنه مخاضرة كما قال البعض إنها بيع الزرع قبل أن يشتد لم يصح بيعه لورود النهي عن المخاضرة كما تقدم في باب النهي عن بيوع الغرر لأن التفسير المذكور صادق على الزرع الأخضر قبل أن يظهر فيه الحب والسنابل وهو الذي يقال له القصيل ولكن الذي في القاموس إن المخاضرة بيع الثمار قبل بدو صلاحها وكذا من شروح الحديث فلا يتناول الزرع لأن الثمار حمل الشجر كما في القاموس وسيأتي في تفسير المحاقلة عند البعض ما يرشد إلى انها بيع الزرع قبل أن تغلظ سوقه فان صح ذلك فذاك وإلا كان الظاهر ماقاله ابن حزم من جواز بيع الفصيل مطلقا‏.‏

5 - وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة‏)‏ وفي لفظ بدل المعاومة ‏(‏وعن بيع السنين‏)‏‏.‏

6 - وعن جابر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه‏)‏ وفي رواية ‏(‏حتى يطيب‏)‏ وفي رواية ‏(‏حتى يطعم‏)‏‏.‏

7 - وعن زيد بن أبي أنيسة عن عطاء عن جابر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة وأن يشتري النخل حتى يشقه وإلا شقاه أن يحمر أو يصفر أو يؤكل منه شيء والمحاقلة أن يباع الحقل بكيل من الطعام معلوم والمزابنة أن يباع النخل با وساق من التمر والمخابرة الثلث والربع وأشباه ذلك قال زيد قلت لعطاء أسمعت جابرا يذكر هذا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال نعم‏)‏‏.‏

متفق على جميع ذلك إلا الأخير فإنه ليس لأحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المحاقلة‏)‏ قد اختلف في تفسيرها فمنهم من فسرها بما في الحديث فقال هي بيع الحقل بكيل من الطعام معلوم وقال أبو عبيد هي بيع الطعام في سنبله والحقل الحرث وموضع الزرع‏.‏ وقال الليث الحقل الزرع إذا تشعب من قبل أن تغلظ سوقه وأخرج الشافعي في المختصر عن جابر أن الحاقلة أن يبيع الرجل الرجل الزرع بمائة فرق من الحنطة‏.‏ قال الشافعي وتفسير المحاقلة والمزابنة في الأحاديث يحتمل أن يكون عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأن يكون من رواية من رواه‏.‏ وفي النسائي عن رافع ابن خديج والطبراني عن سهل بن سعد أن الحاقلة مأخوذة من الحقل جمع حقلة‏.‏ قال الجوهري وهي الساحات جمع ساحة‏.‏ والزرع قد تشعب ورقه وظهر وكثر أو إذا استجمع خروج نباته أو مادام أخضر وقد أحقل في الكل والمحاقل المزارع والمحاقلة بيع الزرع قبل بدو صلاحه أو بيعه في سنبله بالحنطة أو المزارعة بالثلث أو الربع أو أقل أو أكثر واكتراء الأرض بالحنطة اه وقال مالك المحاقلة أن تكرى الأرض ببعض ما ينبت منها وهي المخابرة ولكنه يبعد هذا عطف المخابرة عليها في الأحاديث قوله‏:‏ ‏(‏والمزابنة‏)‏ بالزاي والموحدة والنون‏.‏ قال في الفتح هي مفاعلة من الزبن بفتح الزاي وسكون الموحدة وهو الدفع الشديد ومنه سميت الحرب الزبون لشدة الدفع فيها‏:‏ وقيل للبيع المخصوص مزابنة كأن كل واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه أو لأن أحدهما إذا وقف على ما فيه من الغبن أراد دفع البيع لفسخه وأراد الآخر دفعه عن هذه الإرادة بإمضاء البيع اه وقد فسرت بما في الحديث أعني بيع النخل باوساق من التمر وفسرت بهذا وبيع العنب بالزبيب كما في الصحيحين وهذا أصل المزابنة وألحق الشافعي بذلك كل بيع مجهول أو معلوم من جنس يجري الربا في نقده وبذلك قال الجمهور‏.‏ ووقع في البخاري عن ابن عمر أن المزابنة أن يبيع الثمر بكيل أن زاد فلى وأن نقص فعلي‏.‏ وفي مسلم عن نافع المزابنة أن يبيع الثمر بكيل إن زاد فلي وإن نقص فعلي‏.‏ وفي مسلم عن نافع المزابنة بيع ثمر النخل بالتمر كيلا وبيع العنب بالزبيب كيلا وبيع الزرع بالحنطة كيلا وكذا في البخاري‏.‏ وقال مالك أنها بيع كل شيء من الجزاف لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده إذا بيع بشيء مسمى من الكيل وغير سواء كان يجري فيه الربا أم لا قال ابن عبد البر نظر مالك إلى معنى المزابنة لغة وهي المدافعة‏.‏ قال في الفتح وفسر بعضهم المزابنة بأنها بيع الثمر قبل بدو صلاحه وهو خطأ قال والذي تدل عليه الأحاديث في تفسيرها أولى‏.‏ وقيل أن المزابنة المزارعة وفي القاموس الزبن بيع كل ثمر على شجرة بتمر كيلا قال والمزابنة بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر‏.‏ وعن مالك كل جزاف لا يعلم كيله ولا عدده ولا وزنه أو بيع مجهول من جنسه أو هي بيع المغابنة في الحنس الذي لا يجوز فيه الغين اهـ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والمعاومة‏)‏ هي بيع الشجر أعواما كثيرة وهي مشتقة من العام كالمشاهرة من الشهر‏.‏ وقيل هي غكتراء الأرض سنين وكذلك بيع السنين هو أن يبيع ثمر النخلة لأكثر من سنة في عقد واحد وذلك لنه بيع غرر لكونه بيع مالم يوجد وذكر الرافعي وغيره لذلك تفسيرا آخر وهو أن يقول بعتك هذا سنة على أنه إذا انقضت السنة فلا يبيع بيننا وأرد أنا الثمن وترد أنت المبيع قوله‏:‏ ‏(‏والمخابرة‏)‏ سيأتي تفسيرها والكلام عليها في كتاب المساقاة والمزارعة قوله‏:‏‏(‏حتى يطيب‏)‏ هذه الرواية وما بعدها من قوله‏:‏ حتى يطعم ينبغي أن يقيد بهما سائر الروايات المذكورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى يشقه‏)‏ بضم أوله ثم شين معجمة ثم قاف‏.‏ وفي رواية للبخاري يشقح وهي الأصل والهاء بدل من الحاء وإشقاح النخل إحمراره وإصفراره كما في الحديث والاسم الشقحة بضم الشين المعجمة وسكون القاف بعدها مهملة‏.‏

وقد استدل بأحاديث الباب ونحوها على تحريم المحاقلة والمزابنة وما شاركهما في العلة قياسا وهي إما مظنة الربا لعدم علم التساوي أو الغرر وعلى تحريم بيع السنين وعلى تحريم بيع الثمر قبل صلاحه وقد تقدم الكلام عليه وقد وقع الاتفاق على تحريم بيع الرطب بالتمر في غير العرايا وعلى تحريم بيع الحنطة في سنابلها بالحنطة منسلة وعلى تحريم بيع العنب بالزبيب ولا فرق عند جمهور أهل العلم بين الرطب والعنب على الشجر وبين ما كان مقطوعا منهما وجوز أبو حنيفة بيع الرطب المقطوع بخرصه من اليابس‏.‏

 باب الثمرة المشتراة يلحقها جائحة

1 - عن جابر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وضع الجوائح‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي وأبو داود‏.‏ وفي لفظ لمسلم ‏(‏أمر بوضع الجوائح‏)‏‏.‏ وفي لفظ قال ‏(‏أن بعت من أخيك تمرا فأصابتها جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق‏)‏ رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

وفي الباب عن عائشة عند البيهقي بنحوه وفي إسناده حارثة ابن أبي الرجال وهو ضعيف ولكنه في الصحيحين عنها مختصر وعن أنس وقد تقدم في باب بيع الثمرة قبل بدو صلاحها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الجوائح‏)‏ جمع جائحة وهي الآفة التي تصيب الثمار فتهلكها يقال جاحهم الدهر واجتاحهم بتقديم الجيم على الحاء فيهما إذا أصابهم بمكروه عظيم ولا خلاف أن البرد والقحط والعطش شجائحة وكذلك كل ما كان آفة سماوية وأما ما كان من الآدميين كالسرقة ففيه خلاف منهم من لم يره جائحة تشبيها بالآفة السماوية‏.‏

وقد اختلف أهل العلم في وضع الجوائح إذا بيعت الثمرة بعد بدو صلاحها وسلمها البائع للمشتري بالتخلية ثم تلفت بالجائحة قبل أوان الجذاذ فقال الشافعي وأبو حنيفة وغيره من الكوفيين والليث لا يرجع المشتري على البائع بشيء قالوا وإنما ورد وضع الجوائح فيما إذا بيعت الثمرة قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع فيحمل مطلق الحديث في رواية جابر على ما قيد به في حديث أنس المتقدم‏.‏ واستدل الطحاوي على ذلك بحديث أبي سعيد ‏(‏أصيب رجل في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تصدقوا عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك‏)‏ أخرجه مسلم وأصحاب السنن قال فلما لم يبطل دين الغرماء بذهاب الثمار بالعاهات ولم يأخذ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ممن باعها منه دل على أن وضع الجوائح ليس على عمومه‏.‏

وقال الشافعي في القديم هي ضمان البائع فيرجع المشتري عليه بنا دفعه من الثمن وبه قال أحمد وأبو عبيد القاسم بن سلام وغيرهم قال القرطبي وفي الأحاديث دليل واضح على وجوب اسقاط ما اجتيح من الثمرة عن المشتري ولا يلتفت إلى قول من قال إن ذلك لم يثبت مرفوعا إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من قول أنس بل الصحيح رفع ذلك من حديث جابر وأنس وقال مالك ان أذهبت الجائحة دون الثلث لم يجب الوضع وان كان الثلث فأكثر وجب ل قوله‏:‏ صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏الثلث والثلث كثير‏)‏ قال أبو داود لم يصح في الثلث شيء عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو رأي أهل المدينة‏.‏ والراجح الوضع مطلقا من غير فرق بين القليل والكثير وبين البيع قبل بدو الصلاح وبعده وما أحتج به الأولون من حديث أنس المتقدم يجاب عنه بأن التنصيص على الوضع مع البيع قبل الصلاح لا ينافي الوضع مع البيع بعده ولا يصلح مثله لتخصيص ما دل على وضع الجوائح ولا لتقييده‏.‏ وأما ما احتج به الطحاوي فغير صالح للاستدلال به على محل النزاع لأنه تصريح فيه بأن ذهاب ثمرة ذلك الرجل كان بعاهات سماوية وأيضا عدم نقل تضمين الثمرة لا يصلح للاستدلال به لانه قد نقل ما يشعر بالتضمين على العموم فلا ينافيه عدم النقل في قضية خاصة وسيأتي أحاديث أبي سعيد في كتاب التفليس ويأتي في شرحه بقية الكلام على الوضع‏.‏

 أبواب الشروط في البيع

 باب اشتراط منفعة المبيع وما في معناها

1 - عن جابر ‏(‏أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فأراد أن يسيبه قال ولحقني النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فدعا لي وضبه فسار سيرا لم يسر مثله فقال بعنيه فقلت لا ثم قال بعنية فبعته واستثنيت حملانه إلى أهلي‏)‏‏.‏

متفق عليه ‏.‏ وفي لفظ لأحمد والبخاري ‏(‏وشرطت ظهره إلى المدينة‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أعيا‏)‏ الأعياء التعب والعجز عن السير قوله‏:‏ ‏(‏بعنيه‏)‏ زاد في رواية متفق عليها ‏(‏بوقية‏)‏ وفي أخرى بخمس أواق‏.‏ وفي أخرى أيضا بأوقيتين ودرهم أو درهمين وفي بعضها بأربعة دنانير‏.‏ وفي بعضها بثمانمائة‏.‏ وفي بعضها بعشرين دينارا‏.‏ وقد جمع بين هذه الروايات بما لا يخلو عن تكلف‏.‏ واستدل بهذا على جواز طلب البيع من المالك قبل عرض المبيع للبيع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حملانه‏)‏ بضم الحاء المهملة والمراد الحمل عليه وتمام الحديث في الصحيحين ‏(‏فلما بلغت أتيته بالجمل فنقدني ثمنه ثم رجعت فأرسل في أثري فقال أتراني ما كستك لا آخذ جملك خذ جملك ودراهمك فهو لك‏)‏ وللحديث ألفاظ فيها اختلاف كثير وفي بعضها طول وهو يدل على جواز البيع مع استثناء الركوب وبه قال الجمهور وجوزه مالك إذا كانت مسافة السفر قريبة وحدها بثلاثة أيام‏.‏ وقال الشافعي وأبو حنيفة وآخرون لا يجوز ذلك سواء قلت المسافة أو كثرت واحتجوا بحديث النهي عن بيع وشرط وحديث النهي عن الثنيا وأجابوا عن حديث الباب بأنه قصة عين تدخلها الاحتمالات ويجاب بأن حديث النهي عن بيع وشرط مع ما فيه من المقال هو أعم من حديث الباب مطلقا فيبني العام على الخاص‏.‏ وأما حديث النهي عن الثنيا فقد تقدم تقييده بقوله‏:‏ ‏(‏الا أن يعلم‏)‏ وللحديث فوائد مبسوطة في مطولات شروح الحديث‏.‏

 أبواب النهي عن جمع شرطين من ذلك

1 - عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنه ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا يحل سلف ولا شرطان في بيع ولا ربح مالم يضمن ولا بيع ما ليس عندك‏)‏‏.‏

رواه الخمسة الا ابن ماجه فإن له منه ‏(‏ربح مالم يضمن وبيع ما ليس عندك‏)‏ قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح‏.‏

الحديث صححه أيضا ابن خزيمة والحاكم وأخرجه ابن حبان والحاكم أيضا بلفظ ‏(‏لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع‏)‏ وهو عند هؤلاء كلهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ووجد في النسخ الصحيحة من هذا الكتاب عن عبد اللّه بن عمر بدون واو والصواب إثباتها‏.‏ وأخرجه ابن حزم في المحلى والخطابي في المعالم والطبراني في الأوسط والحاكم في علوم الحديث من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ ‏(‏نهى عن بيع وشرط‏)‏ وقد استغربه النووي وابن أبي الفوارس قوله‏:‏ ‏(‏لا يحل سلف وبيع‏)‏ قال البغوي المراد بالسلف هنا القرض‏.‏ قال أحمد هو أن يقرضه قرضا ثم يبايعه عليه بيعا ويزداد عليه وهو فاسد لانه إنما يقرضه على أن يجابيه في الثمن وقد يكون السلف بمعنى السلم وذلك مثل أن يقول أبيعك عبدي هذا بألف على أن تسلفني مائة في كذا وكذا أو يسلم إليه في شيء ويقول لم يتهيأ المسلم فيه عندك فهو بيع لك وفي كتب جماعة من أهل البيت عليهم السلام أن السلف والبيع صورته أن يريد الشخص أن يشتري السلعة بأكثر من ثمنها لأجل النساء وعنده ان ذلك لا يجوز فيحتال فيستقرضه الثمن من البائع ليعجله إليه حيلة والأولى تفسير الحديث بما تقتضيه الحقيقة الشرعية أو اللغوية أو العرفية أو المجاز عند تعذر الحمل على الحقيقة لا بما هو معروف في بعض المذاهب غير معروف في غيره وقد عرفت الكلام في جواز بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولاشرطان في بيع‏)‏ قال البغوي هو أن يقول بعتك هذا العبد بألف نقدا أو بألفين فهذا بيع واحد تضمن شرطين يختلف المقصود فيه باختلافهما ولا فرق بين شرطين وشروط وهذا التفسير مروي عن زيد بن علي وأبي حنيفة وقيل معناه أن يقول بعتك ثوبي بكذا وعلى قصارته وخياطته فهذا فاسد عند أكثر العلماء وقال أحمد أنه صحيح وقد أخذ بظاهر الحديث بعض أهل العلم فقال إن شرط في البيع شرطا واحدا صح وإن شرط شرطين أو أكثر لم يصح فيصح مثلا أن يقول بعتك ثوبي على أن أخيطه ولا يصح أن يقول على أن أقصره وأخيطه‏.‏ ومذهب الأكثر عدم الفرق بين الشرط والشرطين واتفقوا على عدم صحة ما فيه شرطان قوله‏:‏ ‏(‏ولا ربح مالم يضمن‏)‏ يعني لا يجوز أن يأخذ ربح سلعة لم يضمنها مثل أن يشتري متاعا ويبيعه إلى آخر قبل قبضه من البائع فهذا البيع باطل وربحه لا يجوز لأن المبيع في ضمان البائع الأول وليس في ضمان المشتري منه لعدم القبض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا بيع ماليس عندك‏)‏ وقد قدمنا الكلام عليه في باب النهي عن بيع مالا يملكه‏.‏

 باب من اشترى عبدا بشرط أن يعتقه

1 - عن عائشة ‏(‏أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق فاشترطوا ولاءها فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق‏)‏‏.‏

متفق عليه ولم يذكر البخاري لفظة أعتقيها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بريرة‏)‏ هي بفتح الباء الموحدة وبراءين بينهما تحتية بوزن فعيلة مشتقة من البرير وهو ثم الأراك وقيل أنها فعلية من البر بمعنى مفعولة أي مبرورة أو بمعنى فاعلة كرحيمة أي بارة وكانت لناس من الأنصار كما وقع عند أبي نعيم وقيل لناس من بني هلال قاله ابن عبد البر‏.‏ وقد ذكر المصنف رحمه اللّه ههنا هذا الطرف من الحديث للاستدلال به على جواز البيع بشرط العتق وسيأتي الحديث بكماله قريبا قال النووي قال العلماء الشرط في البيع أقسام‏.‏ أحدها يقتضيه إطلاق العقد كشرط تسليمه‏.‏ الثاني شرط فيه مصلحة كالرهن وهما جائزان اتفاقا‏.‏ الثالث اشتراط العتق في العبد وهو جائز عند الجمهور لهذا الحديث‏.‏ الرابع ما يزيد على مقتضى العقد ولا مصلحة فيه للمشتري كاستثناء منفعته فهو باطل‏.‏