فصل: أبواب ما يبطل الصلاة وما يكره ويباح فيها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب لبث الإمام بالرجال قليلًا ليخرج من صلى معه من النساء

1 - عن أم سلمة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه وهو يمكث في مكانه يسيرًا قبل أن يقوم قالت فنرى واللَّه أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

الحديث فيه أنه يستحب للإمام مراعاة أحوال المأمومين والاحتياط في الاجتناب ما قد يفضي إلى المحذور واجتناب مواقع التهم وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلًا عن البيوت ومقتضى التعليل المذكور أن المأمومين إذا كانوا رجالًا فقط لا يستحب هذا المكث وعليه حمل ابن قدامة حديث عائشة‏:‏ ‏(‏أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا سلم لا يقعد إلا قدر ما يقول اللَّهم أنت السلام‏)‏ الحديث المتقدم وقد تقدم الكلام في ذلك‏.‏

وفي الحديث أنه لا بأس بحضور النساء الجماعة في المسجد‏.‏ قوله ‏(‏فنرى‏)‏ بضم النون أي نظن‏.‏

 باب جواز عقد التسبيح باليد وعده بالنوى ونحوه

1 - عن بسيرة وكانت من المهاجرات قالت‏:‏ ‏(‏قال لنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ عليكن بالتهليل والتسبيح والتقديس ولا تغفلن فتنسين الرحمة واعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وأبو داود‏.‏

2 - وعن سعد ابن أبي وقاص‏:‏ ‏(‏أنه دخل مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به فقال أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل سبحان اللَّه عدد ما خلق في السماء وسبحان اللَّه عدد ما خلق في الأرض وسبحان اللَّه عدد ما بين ذلك وسبحان اللَّه عدد ما هو خالق واللَّه أكبر مثل ذلك والحمد للَّه مثل ذلك ولا إله إلا اللَّه مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا باللَّه مثل ذلك‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والترمذي‏.‏

3 - وعن صفية قالت‏:‏ ‏(‏دخل عليَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بها فقال‏:‏ لقد سبحت بهذا ألا أعلمك بأكثر مما سبحت به فقالت‏:‏ علمني فقال‏:‏ قولي سبحان اللَّه عدد خلقه‏)‏‏.‏

رواه الترمذي‏.‏

أما الحديث الأول فأخرجه أيضًا الحاكم وقال الترمذي‏:‏ غريب لا نعرفه إلا من حديث هانئ بن عثمان وقد صحح السيوطي إسناد هذا الحديث‏.‏

وأما الحديث الثاني فأخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه وحسنه الترمذي‏.‏

وأما الحديث الثالث فأخرجه أيضًا الحاكم وصححه السيوطي‏.‏

ـ والحديث الأول ـ يدل على مشروعية عقد الأنامل بالتسبيح وقد أخرج أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وصححه عن ابن عمرو أنه قال‏:‏ ‏(‏رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يعقد التسبيح‏)‏ زاد في رواية لأبي داود وغيره ‏(‏بيمينه‏)‏ وقد علل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ذلك في حديث الباب بأن الأنامل مسئولات مستنطقات يعني أنهن يشهدن بذلك فكان عقدهن بالتسبيح من هذه الحيثية أولى من السبحة والحصى‏.‏

ـ والحديثان الآخران ـ يدلان على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى وكذا بالسبحة لعدم الفارق لتقريره صلى اللَّه عليه وآله وسلم للمرأتين على ذلك‏.‏ وعدم إنكاره والإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز وقد وردت بذلك آثار ففي جزء هلال الحفار من طريق معتمر بن سليمان عن أبي صفية مولى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه كان يوضع له نطع ويجاء بزنبيل فيه حصى فيسبح به إلى نصف النهار ثم يرفع فإذا صلى أتى به فيسبح حتى يمسي وأخرجه الإمام أحمد في الزهد قال حدثنا عبد الواحد ابن زياد عن يونس بن عبيد عن أمه قالت‏:‏ رأيت أبا صفية رجلًا من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وكان خازنًا قالت‏:‏ فكان يسبح بالحصى‏.‏ وأخرج ابن سعد عن حكيم بن الديلمي أن سعد بن أبي وقاص كان يسبح بالحصى‏.‏

وقال ابن سعد في الطبقات‏:‏ أخبرنا عبد اللَّه بن موسى أخبرنا إسرائيل عن جابر عن امرأة خدمته عن فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب أنها كانت تسبح بخيط معقود فيها‏.‏ وأخرج عبد اللَّه بن الإمام أحمد في زوائد الزهد عن أبي هريرة أنه كان له خيط فيه ألفا عقدة فلا ينام حتى يسبح‏.‏ وأخرج أحمد في الزهد عن القاسم بن عبد الرحمن قال‏:‏ كان لأبي الدرداء نوى من العجوة في كيس فكان إذا صلى الغداة أخرجها واحدة واحدة يسبح بهن حتى ينفذهن‏.‏ وأخرج ابن سعد عن أبي هريرة أنه كان يسبح بالنوى المجموع‏.‏ وأخرج الديلمي في مسند الفردوس من طريق زينب بنت سليمان بن علي عن أم الحسن بنت جعفر عن أبيها عن جدها عن علي رضي اللَّه عنه مرفوعًا نعم المذكر السبحة‏.‏ وقد ساق السيوطي آثارًا في الجزء الذي سماه المنحة في السبحة وهو من جملة كتابه المجموع في الفتاوى وقال في آخره‏:‏ ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون في ذلك مكروهًا انتهى‏.‏

ـ وفي الحديثين ـ الآخرين فائدة جليلة وهي أن الذكر يتضاعف ويتعدد بعدد ما أحال الذاكر على عدده وإن لم يتكرر الذكر في نفسه فيحصل مثلًا على مقتضى هذين الحديثين لمن قال مرة واحدة سبحان اللَّه عدد كل شيء من التسبيح ما لا يحصل لمن كرر لتسبيح ليالي وأيامًا بدون الإحالة على عدد وهذا مما يشكل على القائلين إن الثواب على قدر المشقة المنكرين للتفضل الثابت بصرائح الأدلة وقد أجابوا عن هذين الحديثين وما شابههما من نحو قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من فطر صائمًا كان له مثل أجره‏)‏‏.‏ ‏(‏من عزى مصابًا كان له مثل أجره‏)‏ بأجوبة متعسفة متكلفة‏.‏

 أبواب ما يبطل الصلاة وما يكره ويباح فيها

 باب النهي عن الكلام في الصلاة

1 - عن زيد بن أرقم قال‏:‏ ‏(‏كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت ‏{‏وقوموا للَّه قانتين‏}‏ فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا ابن ماجه‏.‏ وللترمذي فيه‏:‏ ‏(‏كنا نتكلم خلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الصلاة‏)‏‏.‏

الحديث قال الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏.‏ ‏(‏وفي الباب‏)‏ عن جابر بن عبد اللَّه عند الشيخين وعن عمار عند الطبراني وعن أبي أمامة عند الطبراني أيضًا وعن أبي سعيد عند البزار وعن معاوية ابن الحكم وابن مسعود وسيأتيان‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على تحريم الكلام في الصلاة ولا خلاف بين أهل العلم أن من تكلم في صلاته عامدًا عالمًا فسدت صلاته‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ أجمع أهل العلم على أن من تكلم في صلاته عامدًا وهو لا يريد إصلاح صلاته أن صلاته فاسدة‏.‏ واختلفوا في كلام الساهي والجاهل‏.‏

وقد حكى الترمذي عن أكثر أهل العلم أنهم سووا بين كلام الناسي والعامد والجاهل وإليه ذهب الثوري وابن المبارك حكى ذلك الترمذي عنهما وبه قال النخعي وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة وهو إحدى الروايتين عن قتادة وإليه ذهبت الهادوية‏.‏

وذهب قوم إلى الفرق بين كلام الناسي والجاهل وبين كلام العامد وقد حكى ذلك ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عباس وعبد اللَّه بن الزبير ومن التابعين عن عروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وقتادة في إحدى الروايتين عنه وحكاه الحازمي عن عمرو بن دينار‏.‏ وممن قال به مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر وحكاه الحازمي عن نفر من أهل الكوفة وعن أكثر أهل الحجاز وأكثر أهل الشام‏.‏ وعن سفيان الثوري وهو إحدى الروايتين عنه وحكاه النووي في شرح مسلم عن الجمهور‏.‏

ـ استدل الأولون ـ بحديث الباب وسائر الأحاديث المصرحة بالنهي عن التكلم في الصلاة وظاهرها عدم الفرق بين العامد والناسي والجاهل‏.‏

‏(‏واحتج‏)‏ الآخرون لعدم فساد صلاة الناسي أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم تكلم في حال السهو وبنى عليه كما في حديث ذي اليدين وبما روى الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم تكلم في الصلاة ناسيًا فبنى على ما صلى‏.‏ وبحديث ‏(‏رفع عن أمتي الخطأ والنسيان‏)‏ الذي أخرجه ابن ماجه وابن حبان والدارقطني والطبراني والبيهقي والحاكم بنحو هذا اللفظ‏.‏

‏(‏واحتجوا‏)‏ لعدم فساد صلاة الجاهل بحديث معاوية ابن الحكم الذي سيأتي فإنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يأمره بالإعادة‏.‏

وأجيب عن ذلك بأن عدم حكاية الأمر بالإعادة لا يستلزم العدم وغايته أنه لم ينقل إلينا فيرجع إلى غيره من الأدلة كذا قيل ويجاب أيضًا عن الاستدلال بحديث رفع عن أمتي الخطأ والنسيان أن المراد رفع الإثم لا الحكم فإن اللَّه أوجب في قتل الخطأ الكفارة على أن الحديث مما لا ينتهض للاحتجاج به‏.‏ وقد استوفى الحافظ الكلام عليه في باب شروط الصلاة من التلخيص ويجاب عن الاحتجاج بحديث ذي اليدين بأن كلامه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقع وهو غير متصل وبناؤه على ما قد فعل قبل الكلام لا يستلزم أن يكون ما وقع قبله منها‏.‏

قوله في الحديث ‏(‏حتى نزلت وقوموا للَّه قانتين‏)‏ فيه إطلاق القنوت على السكوت‏.‏ قال زين الدين في شرح الترمذي‏:‏ وذكر ابن العربي أن له عشرة معان قال‏:‏ وقد نظمتها في بيتين بقولي‏:‏

ولفظ القنوت اعدد معانيه تجد * مزيدًا على عشر معاني مرضية

دعاء خشوع والعبادة طاعة * إقامتها إقرارنا بالعبودية

سكوت صلاة والقيام وطوله * كذاك دوام الطاعة الرابح الفيه

قوله ‏(‏ونهينا عن الكلام‏)‏ هذه الزيادة ليست للجماعة كما يشعر به كلام المصنف وإنما زادها مسلم وأبو داود‏.‏ وقد استدل بزيادتها على مسألة أصولية قال ابن العربي‏:‏ قوله ‏(‏أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام‏)‏ يعطي بظاهره أن الأمر بالشيء ليس نهيًا عن ضده والكلام على ذلك مبسوط في الأصول‏.‏ قال المصنف رحمه اللَّه بعد أن ساق الحديث‏:‏ وهذا يدل على أن تحريم الكلام كان بالمدينة بعد الهجرة لأن زيدًا مدني وقد أخبر أنهم كانوا يتكلمون خلف الرسول صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الصلاة إلى أن نهوا انتهى‏.‏

ويؤيد ذلك أيضًا اتفاق المفسرين على أن قوله تعالى ‏{‏وقوموا للَّه قانتين‏}‏ نزلت بالمدينة ولكنه يشكل على ذلك حديث ابن مسعود الآتي بعد هذا فإن فيه أنه لما رجع من عند النجاشي كان تحريم الكلام وكان رجوعه من الحبشة من عند النجاشي بمكة قبل الهجرة‏.‏ وقد أجاب عن ذلك ابن حبان في صحيحه فقال‏:‏ توهم من لم يطلب العلم من مظانه أن نسخ الكلام في الصلاة كان بالمدينة قال‏:‏ وليس مما يذهب إليه الوهم فيه في شيء منه وذلك لأن زيد بن أرقم كان من الأنصار من الذين أسلموا بالمدينة وصلوا بها قبل هجرة المصطفى صلى اللَّه عليه وآله وسلم وكانوا يصلون بالمدينة كما يصلي المسلمون بمكة في إباحة الكلام في الصلاة لهم فلما نسخ ذلك بمكة نسخ كذلك بالمدينة فحكى زيد ما كانوا عليه لا أن زيدًا حكى ما لم يشهده في الصلاة وهذا الجواب يرده قول زيد المتقدم كنا نتكلم خلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏ وأيضًا قد ذكر ابن حبان نفسه أن نسخ الكلام في الصلاة كان عند رجوع ابن مسعود من أرض الحبشة قبل الهجرة بثلاث سنين وإذا كان كذلك فلم يكن الأنصار حينئذ قد صلوا ولا أسلموا فإن إسلام من أسلم منهم كان حين أتى النفر الستة من الخزرج عند العقبة فدعاهم إلى اللَّه فآمنوا ثم جاء الموسم الثاني منهم اثنا عشر رجلًا فبايعوه وهي بيعة العقبة الأولى ثم جاؤوا في الموسم الثالث فبايعوه بيعة العقبة الثانية ثم هاجر إليهم في شهر ربيع الأول فكان إسلامهم قبل الهجرة بسنتين وثلاثة أشهر‏.‏

ـ وأجاب العراقي ـ عن ذلك الإشكال بأن الرواية الصحيحة المتفق عليها في حديث ابن مسعود هي أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أجابه بقوله إن في الصلاة شغلًا فيحتمل أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم رأى ذلك منه اجتهاد قبل نزول الآية‏.‏ قال‏:‏ وأما الرواية التي فيها إن اللَّه قد أحدث من أمره أن لا نتكلم في الصلاة فلا تقاوم الرواية الأولى للاختلاف في راويها وعلى تقدير ثبوتها فلعله أوحى إليه ذلك بوحي غير القرآن‏.‏

وفيه أن الترجيح فرع التعارض ولا تعارض لأن رواية أن لا تتكلموا زيادة ثابتة من وجه معتبر كما سيأتي فقبولها متعين‏.‏ وأما الاعتذار بأنها بوحي غير قرآن فذلك غير نافع لأن النزاع في كون التحريم للكلام في مكة أو في المدينة لا في خصوص أنه بالقرآن‏.‏

ـ ومن جملة ـ ما أجيب به عن ذلك الإشكال أن زيد بن أرقم ممن لم يبلغه تحريم الكلام في الصلاة إلا حين نزول الآية ويرده قوله في حديث الباب يكلم الرجل منا صاحبه وإن ذلك كان خلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ومن المعلوم أن تكليم بعضهم بعضًا في الصلاة لا يخفى عليه لأنه يراهم من خلفه كما صح عنه‏.‏

ـ ومن الأجوبة ـ أن يكون الكلام نسخ بمكة ثم أبيح ثم نسخت الإباحة بالمدينة‏.‏ ومنها حمل حديث ابن مسعود على تحريم الكلام لغير مصلحة الصلاة وحديث زيد على تحريم سائر الكلام‏.‏ ومنها ترجيح حديث ابن مسعود والمصير إليه لأنه حكى فيه حديث النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال ذلك ابن سريج والقاضي أبو الطيب‏.‏ ومنها أن زيد بن أرقم أراد بقوله كنا نتكلم في الصلاة الحكاية عمن كان يفعل ذلك في مكة كما يقول القائل فعلنا كذا وهو يريد بعض قومه ذكر معنى ذلك ابن حبان وهو بعيد‏.‏

2 - وعن ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏كنا نسلم على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا فقلنا يا رسول اللَّه كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا فقال إن في الصلاة لشغلًا‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏كنا نسلم على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذ كنا بمكة قبل أن نأتي أرض الحبشة فلما قدمنا من أرض الحبشة أتيناه فسلمنا عليه فلم يرد فأخذني ما قرب وما بعد حتى قضوا الصلاة فسألته فقال إن اللَّه يحدث من أمره ما يشاء وإنه قد أحدث من أمره أن لا نتكلم في الصلاة‏)‏‏.‏ رواه أحمد والنسائي‏.‏

الرواية الثانية أخرجها أيضًا أبو داود وابن حبان في صحيحه‏.‏ قوله ‏(‏فلم يرد‏)‏ هو يرد على من قال بجواز رد السلام في الصلاة لفظًا وهم أبو هريرة وجابر والحسن وسعيد بن المسيب وقتادة‏.‏

قوله ‏(‏لشغلًا‏)‏ ههنا صفة محذوفة والتقدير لشغلًا كافيًا عن غيره من الكلام أو مانعًا من الكلام‏.‏

قوله ‏(‏ما قرب وما بعد‏)‏ لفظ أبي داود وابن حبان ما قدم وما حدث والمراد من هذا اللفظ ولفظ الكتاب اتصال الأحزان البعيدة أو المتقدمة بالقريبة أو الحادثة لسبب تركه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لرد السلام عليه‏.‏

قوله ‏(‏أن لا نتكلم في الصلاة‏)‏ لفظ أبي داود وغيره‏:‏ ‏(‏أن لا تكلموا في الصلاة‏)‏ وزاد‏:‏ ‏(‏فرد علي السلام‏)‏ يعني بعد فراغه‏.‏

ـ وقد استدل به ـ على أنه يستحب لمن سلم عليه في الصلاة أن لا يرد السلام إلا بعد فراغه من الصلاة وروي هذا عن أبي ذر وعطاء والنخعي والثوري‏.‏ قال ابن رسلان‏:‏ ومذهب الشافعي والجمهور أن المستحب أن يرد السلام في الصلاة بالإشارة واستدلوا بما أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه عن صهيب أنه قال‏:‏ ‏(‏مررت برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد إشارة‏)‏ قال الراوي عنه ولا أعلمه إلا قال ‏(‏إشارة بإصبعه‏)‏ وسيأتي الكلام على هذا في باب الإشارة في الصلاة لرد السلام‏.‏

3 - وعن معاوية بن الحكم الأسلمي قال‏:‏ ‏(‏بينما أنا أصلي مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك اللَّه فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أماه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت فلما صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فبأبي وأمي ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه فو اللَّه ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال‏:‏ إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن أو كما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود وقال‏:‏ ‏(‏لا يحل‏)‏ مكان ‏(‏لا يصلح‏)‏ وفي رواية لأحمد‏:‏ ‏(‏إنما هي التسبيح والتكبير والتحميد وقراءة القرآن‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان والبيهقي‏.‏ قوله ‏(‏فرماني القوم بأبصارهم‏)‏ أي نظروا إلي بأبصارهم نظر منكر ولذلك استعير له الرمي‏.‏ قوله ‏(‏واثكل أماه‏)‏ وا حرف للندبة وثكل بضم المثلثة وإسكان الكاف وبفتحهما جميعًا لغتان كالبخل والبخل حكاهما الجوهري وغيره وهو فقدان المرأة ولدها وحزنها عليه لفقده‏.‏ وقوله ‏(‏أماه‏)‏ بتشديد الميم وأصله أم زيدت عليه ألف الندبة لمد الصوت وأردفت بهاء السكت وفي رواية إلى داود ‏(‏أمياه‏)‏ بزيادة الياء وأصله أمي زيدت عليه ألف الندبة لذلك‏.‏

قوله ‏(‏على أفخاذهم‏)‏ هذا محمول على أنه وقع قبل أن يشرع التسبيح لمن نابه شيء في صلاته للرجال والتصفيق للنساء ولا يقال إن ضرب اليد على الفخذين تصفيق لأن التصفيق إنما هو ضرب الكف على الكف أو الأصابع على الكف‏.‏ قال القرطبي‏:‏ ويبعد أن يسمى من ضرب على فخذه وعليها ثوبه مصفقًا ولهذا قال فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ولو كان يسمى هذا تصفيقًا لكان الأقرب في اللفظ أن يقول يصفقون لا غير‏.‏

قوله ‏(‏لكني سكت‏)‏ قال المنذري‏:‏ يريد لم أتكلم لكني سكت وورود لكن هنا مشكل لأنه لا بد أن يتقدمها كلام مناقض لما بعدها نحو ما هذا ساكنًا لكنه متحرك أو ضد له نحو ما هو أبيض لكنه أسود ويحتمل أن يكون التقدير هنا فلما رأيتهم يسكتوني لم أكلمهم لكني سكت فيكون الاستدراك لرفع ما توهم ثبوته مثل ما زيد شجاعًا لكنه كريم لأن الشجاعة والكرم لا يكادان يفترقان فالاستدراك من توهم نفي كرمه ويحتمل أن يكون لكن هنا للتوكيد نحو لو جاءني أكرمته لكنه لم يجيء فأكدت لكن ما أفادته لو من الامتناع وكذا في الحديث أكدت لكن ما أفاده ضربهم من ترك الكلام‏.‏

قوله ‏(‏فبأبي وأمي‏)‏ متعلق بفعل محذوف تقديره أفديه بأبي وأمي‏.‏

قوله ‏(‏ما كهرني‏)‏ أي ما انتهرني والكهر الانتهار قاله أبو عبيد وقرأ عبد اللَّه بن مسعود ‏{‏فأما اليتيم فلا تكهر‏}‏ وقيل الكهر العبوس في وجه من تلقاه‏.‏

قوله ‏(‏إن هذه الصلاة‏)‏ يعني مطلق الصلاة فيشمل الفرائض وغيرها‏.‏

قوله ‏(‏لا يصلح فيها شيء من كلام الناس‏)‏ في الرواية الأخرى لا يحل‏.‏

ـ استدل ـ بذلك على تحريم الكلام في الصلاة سواء كان لحاجة أم لا وسواء كان لمصلحة الصلاة أو غيرها فإن احتاج إلى تنبيه أو إذن لداخل سبح الرجل وصفقت المرأة وهذا مذهب الجمهور من أهل البيت وغيرهم من السلف والخلف‏.‏ وقالت طائفة منهم الأوزاعي‏:‏ إنه يجوز الكلام لمصلحة الصلاة واستدلوا بحديث ذي اليدين‏.‏ وكلام الناس المذكور في الحديث اسم مصدر يراد به تارة ما يتكلم به على أنه مصدر بمعنى المفعول وتارة يراد به التكليم للغير وهو الخطاب للناس والظاهر أن المراد به ههنا الثاني بشهادة السبب‏.‏

قوله ‏(‏إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن‏)‏ هذا الحصر يدل بمفهومه على منع التكلم في الصلاة بغير الثلاثة وقد تمسكت به الطائفة القائلة بمنع الدعاء في الصلاة بغير ألفاظ القرآن من الحنفية والهادوية ويجاب عنهم بأن الأحاديث المثبتة لأدعية وأذكار مخصوصة في الصلاة مخصصة لعموم هذا المفهوم وبناء العام على الخاص متعين لا سيما بعد ما تقرر أن تحريم الكلام كان بمكة كما قدمنا وأكثر الأدعية والأذكار في الصلاة كانت بالمدينة وقد خصصوا هذا المفهوم بالتشهد فما وجه امتناعهم من التخصيص بغيره وهذا واضح لا يلتبس على من له أدنى نظر في العلم ولكن المتعصب أعمى وكم من حديث صحيح وسنة صريحة قد نصبوا هذا المفهوم العام في مقابلتها وجعلوه معارضًا لها وردوها به وغفلوا عن بطلان معارضة العام بالخاص وعن رجحان المنطوق على المفهوم إن سلم التعارض‏.‏

ـ قال المصنف ـ رحمه اللَّه بعد أن ساق الحديث‏:‏ وفيه دليل على أن التكبير من الصلاة وأن القراءة فرض وكذلك التسبيح والتحميد وأن تشميت العاطس من الكلام المبطل وأن من فعله جاهلًا لم تبطل صلاته حيث لم يأمره بالإعادة انتهى‏.‏

 باب أن من دعا في صلاته بما لا يجوز جاهلًا لم تبطل

1 - عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلى الصلاة وقمنا معه فقال أعرابي وهو في الصلاة اللَّهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا فلم سلم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال للأعرابي‏:‏ لقد تحجرت واسعًا يريد رحمة اللَّه‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا مسلم‏.‏ قوله ‏(‏تحجرت واسعًا‏)‏ أي ضيقت ما وسعه اللَّه وخصصت به نفسك دون إخوانك من المسلمين هلا سألت اللَّه لك ولكل المؤمنين وأشركتهم في رحمة اللَّه تعالى التي وسعت كل شيء وفي هذا إشارة إلى ترك هذا الدعاء والنهي عنه وأنه يستحب الدعاء لغيره من المسلمين بالرحمة والهداية ونحوهما‏.‏

ـ واستدل به ـ المصنف على أنها لا تبطل صلاة من دعا به بما لا يجوز جاهلًا لعدم أمر هذا الداعي بالإعادة‏.‏

قوله ‏(‏يريد رحمة اللَّه‏)‏ قال الحسن وقتادة‏:‏ وسعت في الدنيا البر والفاجر وهي يوم القيامة للمتقين خاصة جعلنا اللَّه ممن وسعته رحمته في الدارين‏.‏

 

باب ما جاء في النحنحة والنفخ في الصلاة

1 - عن علي قال‏:‏ ‏(‏كان لي من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم مدخلان بالليل والنهار وكنت إذا دخلت عليه وهو يصلي يتنحنح لي‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه والنسائي بمعناه‏.‏

الحديث صححه ابن السكن وقال البيهقي‏:‏ هذا مختلف في إسناده ومتنه قيل سبح وقيل تنحنح ومداره على عبد اللَّه بن نجي‏.‏ قال الحافظ‏:‏ واختلف عليه فيه فقيل عن علي وقيل عن أبيه عن علي قال البخاري‏:‏ فيه نظر وضعفه غيره ووثقه النسائي وابن حبان‏.‏ وقال يحيى بن معين‏:‏ لم يسمعه عبد اللَّه من علي بينه وبين علي أبوه‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على أن التنحنح في الصلاة غير مفسد وقد ذهب إلى ذلك الإمام يحيى والشافعي وأبو يوسف كذا في البحر‏.‏ وروي عن الناصر وقال المنصور باللَّه‏:‏ إذا كان لإصلاح الصلاة لم تفسد به وذهب أبو حنيفة ومحمد والهادوية إلى أن التنحنح مفسد لأن الكلام لغة ما تركب من حرفين وإن لم يكن مفيدًا ورد بأن الحرف ما اعتمد على مخرجه المعين وليس في التنحنح اعتماد‏.‏ وقد أجاب المهدي عن الحديث بقوله لعله قبل نسخ الكلام ثم دليل التحريم أرجح للحظر‏.‏

وقد عرفناك أن تحريم الكلام كان بمكة والاتكال على مثل هذه العبارة التي ليس فيها إلا مجرد الترجي من دون علم ولا ظن لو جاز التعويل على مثلها لرد من شاء ما شاء من الشريعة المطهرة وهو باطل بالإجماع‏.‏ وأما ترجيح دليل تحريم الكلام في كونه من ترجيح العام على الخاص قد عرفت أن العام غير صادق على محل النزاع‏.‏

2 - وعن عبد اللَّه بن عمرو‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم نفخ في صلاة الكسوف‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي وذكره البخاري تعليقًا‏.‏ وروى أحمد هذا المعنى من حديث المغيرة بن شعبة‏.‏ وعن ابن عباس قال‏:‏ النفخ في الصلاة كلام رواه سعيد بن منصور في سننه‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الترمذي ولفظ أبي داود‏:‏ ‏(‏ثم نفخ في آخر سجوده فقال‏:‏ أف أف ثم قال‏:‏ يا رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون ففرغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقد انمحصت الشمس‏)‏ وفي إسناده عطاء بن السائب وقد أخرج له البخاري مقرونًا‏.‏ وأثر ابن عباس أخرجه أيضًا عبد الرزاق‏.‏

قوله ‏(‏نفخ في صلاة الكسوف‏)‏ النفخ في أصل اللغة إخراج الريح من الفم كما في القاموس وغيره وقد فسر في الحديث بقوله أف أف‏.‏

وقد استدل بالحديث من قال إن النفخ لا يفسد الصلاة واستدل من قال إنه يفسد الصلاة بأحاديث النهي عن الكلام والنفخ كلام كما قال ابن عباس‏.‏ وأجيب بمنع كون النفخ من الكلام لما عرفت من أن الكلام متركب من الحروف المعتمدة على المخارج والاعتماد في النفخ وأيضًا الكلام المنهي عنه في الصلاة هو المكالمة كما تقدم ولو سلم صدق اسم الكلام على النفخ كما قال ابن عباس لكان فعله صلى اللَّه عليه و آله وسلم لذلك في الصلاة مخصصًا لعموم النهي عن الكلام‏.‏

واستدلوا أيضًا بما رواه الطبراني في الكبير عن زيد بن ثابت قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن النفخ في السجود وعن النفخ في الشراب‏)‏ ولا تقوم به حجة لأن في إسناده خالد بن إلياس وهو متروك وقال البيهقي‏:‏ حديث زيد بن ثابت مرفوعًا ضعيف بمرة‏.‏

‏(‏واستدلوا‏)‏ أيضًا بما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أنه كره أن ينفخ بين يديه في الصلاة أو في شرابه‏)‏ قال زين الدين العراقي‏:‏ وفي إسناده غير واحد متكلم فيه‏.‏

ـ واستدلوا ـ أيضًا بما رواه البزار في مسنده عن أنس بن مالك رفعه قال‏:‏ ‏(‏ثلاثة من الجفاء أن ينفخ الرجل في سجوده أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته‏)‏ قال البزار‏:‏ ذهبت عني الثالثة وفي إسناده خالد بن أيوب وهو ضعيف‏.‏ ولأنس حديث آخر عند البيهقي قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ من ألهاه شيء في صلاته فذلك حظه والنفخ كلام‏)‏ وفي إسناده نوح ابن أبي مريم وهو متروك الحديث لا يحتج به وروى البزار من حديث بريدة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ثلاث من الجفاء أن يبول الرجل قائمًا أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته أو ينفخ في سجوده‏)‏ قال العراقي‏:‏ ورجاله رجال الصحيح‏.‏ ورأيت بخط الحافظ على كلام زين الدين ما لفظه‏:‏ قوله ورجاله رجال الصحيح ليس بصحيح اهـ‏.‏ وقال البزار‏:‏ لا نعلم رواه عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه إلا سعيد بن عبيد اللَّه‏.‏ ورواه الطبراني في الأوسط من هذا الوجه وقال‏:‏ لا يروى عن بريدة إلا بهذا الإسناد تفرد به أبو عبيدة الحداد عن سعيد بن حبان قال العراقي‏:‏ لم ينفرد به عنه بل تابعه عليه عبد اللَّه بن داود الخريبي‏.‏ وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليسو موضع سجوده ولا يدعه حتى إذا أهوى ليسجد نفخ ثم سجد‏)‏ وفي إسناده عبد المنعم بن بشير وهو منكر الحديث‏.‏

وقد ذهب إلى كراهة النفخ ابن مسعود وابن عباس وروى البيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عباس أنه كان يخشى أن يكون النفخ كلامًا وكرهه من التابعين النخعي وابن سيرين والشعبي وعطاء ابن أبي رباح وأبو عبد الرحمن السلمي وعبد اللَّه بن أبي الهذيل ويحيى بن أبي كثير‏.‏

وروي أيضًا عن سعيد بن الزبير ورخص فيه من الصحابة قدامة بن عبد اللَّه بن عمار الكلابي كما رواه البيهقي عنه‏.‏ وقالت الشافعية والهادوية‏:‏ إن بان منه حرفان بطلت الصلاة وإلا فلا‏.‏ ورواه ابن المنذر عن مالك وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل وأجابوا عن حديث عبد اللَّه بن عمر بأن قوله أف لا يكون كلامًا حتى يشدد الفاء فيكون ثلاثة أحرف كذا قال الخطابي‏.‏ قال ابن الصلاح‏:‏ ما ذكره لا يستقيم على أصلنا لأن حرفين كلام مبطل وأجاب البيهقي بأن هذا نفخ يشبه الغطيط وذلك لما عرض عليه من تعذيب بعض من وجب عليه العذاب‏.‏

 

باب البكاء في الصلاة من خشية اللَّه تعالى

قال اللَّه تعالى ‏{‏إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدًا وبكيًا‏}‏‏.‏

1 - عن عبد اللَّه بن الشخير قال‏:‏ ‏(‏رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الترمذي وصححه وابن حبان وابن خزيمة‏.‏

قوله ‏(‏أزيز‏)‏ الأزيز بفتح الألف بعدها زاي مكسورة ثم تحتانية ساكنة ثم زاي أيضًا وهو صوت القدر قال في النهاية‏:‏ هو أن يجيش جوفه ويغلي من البكاء‏.‏

قوله ‏(‏كأزيز المرجل‏)‏ المرجل بكسر الميم وسكون الراء وفتح الجيم قدر من نحاس وقد يطلق على كل قدر يطبخ فيها ولعله المراد في الحديث‏.‏ وفي رواية أبي داود كأزيز الرحا يعني الطاحون‏.‏

قوله ‏(‏من البكاء‏)‏ فيه دليل على أن البكاء لا يبطل الصلاة سواء ظهر منه حرفان أم لا وقد قيل إن كان البكاء من خشية اللَّه لم يبطل وهذا الحديث يدل عليه ويدل عليه أيضًا ما رواه ابن حبان بسنده إلى علي بن أبي طالب قال‏:‏ ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد بن الأسود ولقد رأيتنا وما فينا قائم إلا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح‏.‏ وبوب عليه ذكر الإباحة للمرء أن يبكي من خشية اللَّه‏.‏ وأخرج البخاري وسعيد ابن منصور وابن المنذر ‏(‏أن عمر صلى صلاة الصبح وقرأ سورة يوسف حتى بلغ إلى قوله ‏{‏إنما أشكو بثي وحزني إلى اللَّه‏}‏ فسمع نشيجه‏)‏ واستدل المصنف على جواز البكاء في الصلاة بالآية التي ذكرها لأنها تشمل المصلي وغيره‏.‏

2 - وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏لما اشتد برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وجعه قيل له‏:‏ الصلاة قال‏:‏ مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت عائشة‏:‏ إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ غلبه البكاء فقال‏:‏ مروه فليصل فعاودته فقال‏:‏ مروه فليصل إنكن صواحب يوسف‏)‏‏.‏

رواه البخاري ومعناه متفق عليه من حديث عائشة‏.‏

قوله ‏(‏رجل رقيق‏)‏ أي رقيق القلب‏.‏ وفي رواية للبخاري أنها قالت‏:‏ ‏(‏إن أبا بكر أسيف إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏إنكن صواحب يوسف‏)‏ صواحب جمع صاحبة والمراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن وهذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به واحدة هي عائشة فقط كما أن المراد بصواحب يوسف زليخا فقط كذا قال الحافظ‏.‏

ووجه المشابهة بينهما في ذلك أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة ومرادها زيادة على ذلك وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه ومرادها زيادة وهو أن لا يتشاءم الناس به كما صرحت بذلك في بعض طرق الحديث فقالت‏:‏ ‏(‏وما حملني على مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلًا قام مقامه‏)‏‏.‏

ـ والحديث ـ له فوائد ليس هذا محل بسطها‏.‏ وقد استدل به المصنف ههنا على جواز البكاء في الصلاة‏.‏ ووجه الاستدلال أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لما صمم على استخلاف أبي بكر بعد أن أخبر أنه إذا قرأ غلبه البكاء دل ذلك على الجواز‏.‏

 

باب حمد اللَّه في الصلاة لعطاس أو حدوث نعمة

1 - عن رفاعة بن رافع قال‏:‏ ‏(‏صليت خلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فعطست فقلت الحمد للَّه حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى فلما صلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من المتكلم في الصلاة فلم يتكلم أحد ثم قالها ثانية فلم يتكلم أحد ثم قالها الثالثة فقال رفاعة‏:‏ أنا يا رسول اللَّه فقال‏:‏ والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضع وثلاثون ملكًا أيهم يصعد بها‏)‏‏.‏

رواه النسائي والترمذي‏.‏

الحديث أخرجه البخاري ولفظه عن رفاعة بن رافع الزرقي قال‏:‏ ‏(‏كنا نصلي يومًا وراء النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال‏:‏ سمع اللَّه لمن حمده فقال رجل من ورائه‏:‏ ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه فلما انصرف قال‏:‏ من المتكلم قال‏:‏ أنا قال‏:‏ رأيت بضعًا وثلاثين ملكًا يبتدونها أيهم يكتبها أول‏)‏ ولم يذكر العطاس ولا زاد ‏(‏كما يحب ربنا ويرضى‏)‏ وزاد أن ذلك عند الرفع من الركوع فيجتمع بين الروايتين بأن الرجل المبهم في رواية البخاري هو رفاعة كما في حديث الباب ولا مانع أن يكني عن نفسه إما لقصد إخفاء عمله أو لنحو ذلك ويجمع أيضًا بأن عطاسه وقع عند رفع رأسه‏.‏

قوله ‏(‏بضع‏)‏ البضع ما بين الثلاث إلى التسع أو إلى الخمس أو ما بين الواحد إلى الأربعة أو من أربع إلى تسع أو سبع‏.‏ كذا في القاموس‏.‏ قال الفراء‏:‏ ولا يذكر البضع مع العشرين إلى التسعين وكذا قال الجوهري‏.‏ والحديث يرد ذلك‏.‏

قوله ‏(‏أيهم يصعد بها‏)‏ في رواية البخاري ‏(‏يكتبها‏)‏ وفي رواية الطبراني ‏(‏يرفعها‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وأما أيهم فرويناه بالرفع وهو مبتدأ خبره يكتبها ويحوز النصب بتقدير ينظرون أيهم‏.‏ وعن سيبويه أي موصولة والتقدير الذي هو يكتبها‏.‏

ـ وقد استشكل ـ تأخير رفاعة إجابة النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم حتى كرر سؤاله ثلاثًا مع أن إجابته واجبة عليه بل وعلى من سمع رفاعة فإنه لم يسأل المتكلم وحده‏.‏

وأجيب بأنه لما لم يعين واحدًا بعينه لم تتعين المبادرة بالجواب من المتكلم ولا من واحد بعينه وكأنهم انتظروا بعضهم ليجيب وحملهم على ذلك خشية أن يبدو في حقه شيء ظنًا منهم أنه أخطأ فيما فعل ورجوا أن يقع العفو عنه وكأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لما رأى سكوتهم فهم ذلك فعرفهم أنه لم يقل بأسًا‏.‏

ـ والحديث ـ استدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور‏.‏ وعلى جواز رفع الصوت بالذكر وتعقب بأن سماعه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لصوت الرجل لا يستلزم رفعه لصوته وفيه نظر‏.‏ ويدل أيضًا على مشروعية الحمد في الصلاة لمن عطس‏.‏ ويؤيد ذلك عموم الأحاديث الواردة بمشروعيته فإنها لم تفرق بين الصلاة وغيرها‏.‏

 باب من نابه شيء في صلاته فإنه يسبح والمرأة تصفق

1 - عن سهل بن سعد‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنما التصفيق للنساء‏)‏‏.‏

2 - وعن علي بن أبي طالب قال‏:‏ ‏(‏كانت لي ساعة من السحر أدخل فيها على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فإن كان قائمًا يصلي سبح لي فكان ذلك إذنه لي وإن لم يكن يصلي أذن لي‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

3 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ التسبيح للرجال والتصفيق للنساء في الصلاة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة ولم يذكر فيه البخاري وأبو داود والترمذي في الصلاة‏.‏

الحديث الأول لم يخرجه المصنف وقد أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود وهو حديث طويل هذا طرف منه‏.‏ وفي لفظ أبي داود‏:‏ ‏(‏إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال وليصفح النساء‏)‏ والحديث الثاني أخرجه أيضًا النسائي والبيهقي وقال‏:‏ هو مختلف في إسناده ومتنه فقيل سبح وقيل تنحنح ومداره على عبد اللَّه بن نجي الحضرمي‏.‏ قال البخاري‏:‏ فيه نظر وضعفه غيره وقد وثقه النسائي وابن حبان ورواه النسائي وابن ماجه من رواية عبد اللَّه بن نجي عن علي بلفظ‏:‏ ‏(‏تنحنح‏)‏ وقد تقدم‏.‏ والحديث الثالث أخرجه الجماعة كلهم كما ذكر المصنف‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن جابر عند ابن أبي شيبة بلفظ حديث أبي هريرة دون زيادة في الصلاة واختلف في رفعه ووقفه‏.‏ ورواه ابن أبي شيبة أيضًا عن جابر من قوله‏.‏ وعن أبي سعيد عند ابن عدي في الكامل بلفظ حديث أبي هريرة بدون تلك الزيادة وفي إسناده أبو هارون عمارة بن جوين كذبه حماد بن زيد والجوزجاني‏.‏ وعن ابن عمر عند ابن ماجه بلفظ‏:‏ ‏(‏رخص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم للنساء في التصفيق وللرجال في التسبيح‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏من نابه شيء في صلاته‏)‏ أي نزل به شيء من الحوادث والمهمات وأراد إعلام غيره كإذنه للداخل وإنذاره لأعمى وتنبيه لساه أو غافل‏.‏

قوله ‏(‏فإنما التصفيق للنساء‏)‏ هو بالقاف‏.‏ وفي رواية لأبي داود ‏(‏فإنما التصفيح‏)‏ قال زين الدين العراقي‏:‏ والمشهور إن معناهما واحد قال عقبة‏:‏ والتصفيح التصفيق وكذا قال أبو علي البغدادي والخطابي والجوهري‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ لا خلاف في أن التصفيح والتصفيق بمعنى واحد وهو الضرب بإحدى صفحتي اليدين على الأخرى‏.‏ قال العراقي‏:‏ وما ادعاه من نفى الخلاف ليس بجيد بل فيه قولان آخران إنهما مختلفا المعنى أحدهما أن التصفيح الضرب بظاهر إحداهما على الأخرى والتصفيق الضرب بباطن إحداهما على الأخرى حكاه صاحب الإكمال وصاحب المفهم‏.‏ والقول الثاني أن التصفيح الضرب بإصبعين للإنذار والتنبيه وبالقاف بالجميع للهو واللعب‏.‏ وروى أبو داود في سننه عن عيسى بن أيوب أن التصفيح الضرب بإصبعين من اليمين على باطن الكف اليسرى‏.‏

ـ وأحاديث الباب ـ تدل على جواز التسبيح للرجال والتصفيق للنساء إذا ناب أمر من الأمور وهي ترد على ما ذهب إليه مالك في المشهور عنه من أن المشروع في حق الجميع التسبيح دون التصفيق وعلى ما ذهب إليه أبو حنيفة من فساد صلاة المرأة إذا صفقت في صلاتها وقد اختلف في حكم التسبيح والتصفيح هل الوجوب أو الندب أو الإباحة فذهب جماعة من الشافعية منهم الخطابي وتقي الدين السبكي والرافعي وحكاه عن أصحاب الشافعي‏.‏

 

باب الفتح في القراءة على الإمام وغيره

1 - عن مسور بن يزيد المالكي قال‏:‏ ‏(‏صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فترك آية فقال له رجل‏:‏ يا رسول اللَّه آية كذا وكذا قال‏:‏ فهلا ذكرتنيها‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وعبد اللَّه بن أحمد في مسند أبيه‏.‏

2 - وعن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه فلما انصرف قال لأبي‏:‏ أصليت معنا قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فما منعك‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضًا ابن حبان والأثرم وفي إسناده يحيى بن كثير الكاهلي قال أبو حاتم لما سئل عنه‏:‏ شيخ‏.‏ والمسور بضم الميم وفتح السين المهملة وتشديد الواو وفتحها كذا قيده الدارقطني وابن ماكولا والمنذري‏.‏ قال الخطيب‏:‏ يروى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم حديث واحد والحديث الثاني أخرجه الحاكم وابن حبان ورجال إسناده ثقات‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن أنس عند الحاكم بلفظ‏:‏ ‏(‏كنا نفتح على الأئمة على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وقد صح عن أبي عبد الرحمن السلمي قال‏:‏ ‏(‏قال علي‏:‏ إذا استطعمك الإمام فأطعمه‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏آية كذا وكذا‏)‏ رواية ابن حبان‏:‏ ‏(‏يا رسول اللَّه إنك تركت آية كذا وكذا‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏فهلا ذكرتنيها‏)‏ زاد ابن حبان فقال‏:‏ ظننت أنها قد نسخت قال‏:‏ فإنها لم تنسخ‏.‏

قوله ‏(‏فلبس‏)‏ ضبطه ابن رسلان بفتح اللام والباء الموحدة المخففة أي التبس واختلط عليه قال‏:‏ ومنه قوله تعالى ‏{‏وللبسنا عليهم ما يلبسون‏}‏ قال‏:‏ وفي بعض النسخ بضم اللام وتشديد الموحدة المكسورة‏.‏

قال المنذري‏:‏ لبس بالتخفيف أي مع ضم اللام وكسر الموحدة‏.‏

قوله ‏(‏فلما انصرف‏)‏ ولفظ ابن حبان‏:‏ ‏(‏فالتبس عليه فلما فرغ قال لأبي‏:‏ أشهدت معنا قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فما منعك أن تفتحها علي‏)‏‏.‏

ـ والحديثان ـ يدلان على مشروعية الفتح على الإمام وقد ذهبت العترة والفريقان إلى أنه مندوب وذهب المنصور باللَّه إلى وجوبه‏.‏ وقال زيد بن علي وأبو حنيفة في رواية عنه‏:‏ إنه يكره‏.‏ وقال أحمد بن حنبل‏:‏ إنه يكره أن يفتح من هو في الصلاة على من هو في صلاة أخرى أو على من ليس في صلاة‏.‏

ـ واحتج ـ من قال بالكراهة بما أخرجه أبو داود عن ابن إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور عن علي قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ يا علي لا تفتح على الإمام في الصلاة‏)‏ قال أبو داود‏:‏ أبو إسحاق السبيعي لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها‏.‏

قال المنذري‏:‏ والحارث الأعور قال غير واحد من الأئمة‏:‏ إنه كذاب وقد روى حديث الحارث عن علي مرفوعًا عبد الرزاق في مصنفه بلفظ‏:‏ ‏(‏لا تفتحن على الإمام وأنت في الصلاة‏)‏ وهذا الحديث لا ينتهض لمعارضة الأحاديث القاضية بمشروعية الفتح وتقييد الفتح بأن يكون على إمام لم يؤد الواجب من القراءة وبآخر ركعة مما لا دليل عليه‏.‏ وكذا تقييده بأن يكون في القراءة الجهرية والأدلة قد دلت على مشروعية الفتح مطلقًا فعند نسيان الإمام الآية في القراءة الجهرية يكون الفتح عليه بتذكيره تلك الآية كما في حديث الباب وعند نسيانه لغيرها من الأركان يكون الفتح بالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء كما تقدم في الباب الأول‏.‏

 

باب المصلي يدعو ويذكر اللَّه إذا مر بآية رحمة أو عذاب أو ذكر

رواه حذيفة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقد سبق‏.‏

1 - وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال‏:‏ ‏(‏سمعت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقرأ في صلاة ليست بفريضة فمر بذكر الجنة والنار فقال أعوذ باللَّه من النار ويل لأهل النار‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه بمعناه‏.‏

حديث ابن أبي ليلى رواه ابن ماجه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن علي ابن هاشم وحديث حذيفة الذي أشار إليه المصنف قد تقدم في باب قراءة سورتين في ركعة وذكرنا في شرحه أنه يدل على مشروعية السؤال عند المرور بآية فيها سؤال والتعوذ عند المرور بآية فيها تعوذ والتسبيح عند قراءة ما فيه تسبيح‏.‏ وقد ذهب إلى استحباب ذلك الشافعية‏.‏ وحديث الباب يدل على استحباب التعوذ من النار عند المرور بذكرها وقد قيده الراوي بصلاة غير فريضة‏.‏ وكذلك حديث حذيفة مقيد بصلاة الليل‏.‏ وكذلك حديث عائشة الآتي وحديث عوف بن مالك‏.‏

2 - وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كنت أقوم مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ليلة التمام فكان يقرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء فلا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا اللَّه عز وجل واستعاذ ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا اللَّه عز وجل ورغب إليه‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

3 - وعن موسى بن أبي عائشة قال‏:‏ ‏(‏كان رجل يصلي فوق بيته وكان إذا قرأ ‏{‏أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى‏}‏ قال سبحانك فبلى فسألوه عن ذلك فقال‏:‏ سمعته من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث الأول يشهد له حديث حذيفة المتقدم وحديث عوف الآتي والحديث الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري‏.‏

قوله ‏(‏ليلة التمام‏)‏ أي ليلة تمام البدر‏.‏

قوله ‏(‏عن موسى بن أبي عائشة‏)‏ هو الهمداني الكوفي مولى آل جعدة بن هبيرة المخزومي قال في التقريب‏:‏ ثقة عابد من الخامسة وكان يرسل ومن دونه هم رجال الصحيح‏.‏

قوله ‏(‏كان رجل‏)‏ جهالة الصحابي مغتفرة عند الجمهور وهو الحق‏.‏

قوله ‏(‏يصلي فوق بيته‏)‏ فيه جواز الصلاة على ظهر البيت والمسجد ونحوهما فرضًا أو نفلًا عند من جعل فعل الصحابي حجة أخذًا بهذا‏.‏ والأصل الجواز في كل مكان من الأمكنة ما لم يقم دليل على عدمه‏.‏

قوله ‏(‏قال سبحانك‏)‏ أي تنزيهًا لك أن يقدر أحد على إحياء الموتى غيرك وهو منصوب على المصدر‏.‏ وقال الكسائي‏:‏ منصوب على أنه منادى مضاف‏.‏

قوله ‏(‏فبلى‏)‏ في نسخة من سنن أبي داود فبكى بالكاف‏.‏ قال ابن رسلان‏:‏ وأكثر النسخ المعتمدة باللام بدل الكاف وبلى حرف لإيجاب النفي والمعنى أنت قادر على أن تحيي الموتى‏.‏

4 - وعن عوف بن مالك قال‏:‏ ‏(‏قمت مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فبدأ فاستاك وتوضأ ثم قام فصلى فبدأ فاستفتح البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل قال‏:‏ ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ ثم ركع فمكث راكعًا بقدر قيامه يقول في ركوعه سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ثم سجد بقدر ركوعه يقول في سجوده سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ثم قرأ آل عمران ثم سورة سورة ثم فعل مثل ذلك‏)‏‏.‏

رواه النسائي وأبو داود ولم يذكر الوضوء ولا السواك‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الترمذي ورجال إسناده ثقات لأن أبا داود أخرجه عن أحمد بن صالح عن ابن وهب عن معاوية بن صالح الحضرمي قاضي الأندلس‏.‏ وقد أخرج له مسلم والأربعة عن عمرو بن قيس الكندي السكوني سيد أهل حمص عن عاصم بن حميد‏.‏ قال الدارقطني‏:‏ ثقة عن عوف بن مالك‏.‏

قوله ‏(‏فاستفتح البقرة‏)‏ فيه جواز تسمية السورة بالبقرة وآل عمران والعنكبوت والروم ونحو ذلك خلافًا لمن كره ذلك وقال‏:‏ إنما يقال السورة التي تذكر فيها البقرة‏.‏

قوله ‏(‏فتعوذ‏)‏ قال عياض‏:‏ وفيه آداب تلاوة القرآن في الصلاة وغيرها‏.‏ قال النووي‏:‏ وفيه استحباب هذه الأمور لكل قارئ في الصلاة وغيرها يعني فرضها ونفلها وللإمام والمأموم والمنفرد‏.‏

قوله ‏(‏ذي الجبروت‏)‏ هو فعلوت من الجبر وهو القهر يقال جبرت وأجبرت بمعنى قهرت‏.‏ وفي الحديث ‏(‏ثم يكون ملك وجبرؤت‏)‏ أي عتو وقهر‏.‏ وفي كلام التهذيب للأزهري ما يشعر بأنه يقال في الآدمي جبرؤت بالهمز لأن زيادة الهمز تؤذن بزيادة الصفة وتجددها فالهمز للفرق بين صفة اللَّه وصفة الآدمي‏.‏ قال ابن رسلان‏:‏ وهو فرق حسن‏.‏

قوله ‏(‏والملكوت‏)‏ اسم من الملك‏.‏ قوله ‏(‏والكبرياء‏)‏ من الكبر بكسر الكاف وهو العظمة فيكون على هذا عطفها عليه في الحديث عطف تفسير‏.‏ وقيل وهي عبارة عن كمال الذات والوجود ولا يوصف بها إلا اللَّه‏.‏

قوله ‏(‏ثم سجد بقدر ركوعه‏)‏ رواية أبي داود ‏(‏ثم سجد بقدر قيامه‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏ثم سورة سورة‏)‏ رواية أبي داود ‏(‏ثم قرأ سورة سورة‏)‏ قال ابن رسلان‏:‏ يحتمل أن المراد ثم قرأ سورة النساء ثم سورة المائدة‏.‏

قوله ‏(‏ثم فعل مثل ذلك‏)‏ هذه رواية للنسائي ولم يذكرها أبو داود أي فعل في الركوع والسجود مثل ما فعل في الركعتين قبلهما‏.‏

 

باب الإشارة في الصلاة لرد السلام أو حاجة تعرض

1 - عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏قلت لبلال كيف كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو في الصلاة قال يشير بيده‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا أن في رواية النسائي وابن ماجه صهيبًا مكان بلال‏.‏

2 - وعن ابن عمر عن صهيب أنه قال‏:‏ ‏(‏مررت برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو يصلي فسلمت فرد إلي إشارة وقال لا أعلم إلا أنه قال إشارة بإصبعه‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا ابن ماجه‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ كلا الحديثين عندي صحيح‏.‏ وقد صحت الإشارة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من رواية أم سلمة في حديث الركعتين بعد العصر‏.‏ ومن حديث عائشة وجابر لما صلى بهم جالسًا في مرض له فقاموا خلفه فأشار إليهم أن اجلسوا‏)‏‏.‏

حديث بلال رجاله رجال الصحيح وحديث صهيب في إسناده نابل صاحب العباء وفيه مقال‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن جماعة من الصحابة منهم الذين أشار إليهم المصنف بقوله وقد صحت الإشارة الخ‏.‏ وحديث أم سلمة عند البخاري ومسلم وأبي داود من رواية كريب أن ابن عباس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن ابن أزهر أرسلوه إلى عائشة ثم إلى أم سلمة فقالت أم سلمة‏:‏ ‏(‏سمعت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ينهى عن الركعتين بعد العصر ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر ثم دخل علي وعندي نسوة من بني حرام فأرسلت إليه الجارية فقلت قومي بجنبه وقولي له تقول لك أم سلمة يا رسول اللَّه سمعتك تنهى عن هاتين وأراك تصليهما فإن أشار بيده فاستأخري عنه ففعلت الجارية فأشار بيده‏)‏ الحديث‏.‏

وحديث عائشة أخرجه أيضًا الشيخان وأبو داود وابن ماجه في صلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم شاكيًا وفيه‏:‏ ‏(‏فأشار إليهم أن اجلسوا‏)‏ الحديث‏.‏

وحديث جابر أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه في قصة شكوى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وفيه ‏(‏فأشار إلينا يقعدنا‏)‏ الحديث‏.‏

ـ وفي الباب ـ مما لم يذكره المصنف عن أنس عند أبي داود بإسناد صحيح‏.‏ وعن بريدة عند الطبراني‏.‏ وعن ابن عمر غير حديث الباب عند البيهقي‏.‏ وعن ابن مسعود عند الطبراني والبيهقي بلفظ‏:‏ ‏(‏مررت برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فسلمت عليه فأشار إلي‏)‏ وعنه حديث آخر عند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي ‏(‏سلمنا عليه فلم يرد علينا‏)‏ وقد تقدم‏.‏ وعن معاذ بن جبل عند الطبراني وعن المغيرة عند أبي داود والترمذي‏.‏ وعن أبي سعيد عند البزار في مسنده وفي إسناده عبد اللَّه بن صالح كاتب الليث وهو ضعيف‏.‏ وعن أسماء عند الشيخين ولكنه من فعل عائشة وهو في حكم المرفوع‏.‏

ـ والأحاديث ـ المذكورة تدل على أنه لا بأس أن يسلم غير المصلي على المصلي لتقريره صلى اللَّه عليه وآله وسلم من سلم عليه على ذلك وجواز تكليم المصلي بالغرض الذي يعرض لذلك وجواز الرد بالإشارة وقد قدمنا في باب النهي عن الكلام في شرح حديث ابن مسعود ذكر القائلين أنه يستحب الرد بالإشارة والمانعين من ذلك‏.‏

ـ وقد استدل ـ القائلون بالاستحباب بالأحاديث المذكورة في هذا الباب واستدل المانعون بحديث ابن مسعود السابق لقوله فيه ‏(‏فلم يرد علينا‏)‏ ولكنه ينبغي أن يحمل الرد المنفي ههنا على الرد بالكلام لا الرد بالإشارة لأن ابن مسعود نفسه قد روى عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه رد عليه بالإشارة ولو لم ترد عنه هذه الرواية لكان الواجب هو ذلك جمعًا بين الأحاديث‏.‏

ـ واستدلوا ـ أيضًا بما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا غرار في الصلاة ولا تسليم‏)‏ والغرار بكسر الغين المعجمة وتخفيف الراء هو في الأصل النقض‏.‏ قال أحمد بن حنبل‏:‏ يعني فيما أرى أن لا تسلم ويسلم عليك ويغرر الرجل بصلاته فينصرف وهو فيها شاك‏.‏

ـ واستدلوا ـ أيضًا بما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ التسبيح للرجال والتصفيق للنساء من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد لها‏)‏ يعني الصلاة ورواه البزار والدارقطني‏.‏ ويجاب عن الحديث الأول بأنه لا يدل على المطلوب من عدم جواز رد السلام بالإشارة لأنه ظاهر في التسليم على المصلي لا في الرد منه‏.‏ ولو سلم شموله للإشارة لكان غايته المنع من التسليم على المصلي باللفظ والإشارة وليس فيه تعرض للرد ولو سلم شموله للرد لكان الواجب حمل ذلك على الرد باللفظ جمعًا بين الأحاديث‏.‏

وأما الحديث الثاني فقال أبو داود‏:‏ إنه وهم اهـ وفي إسناده أبو غطفان‏.‏ قال ابن أبي داود‏:‏ هو رجل مجهول قال‏:‏ وآخر الحديث زيادة والصحيح عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏أنه كان يشير في الصلاة‏)‏ قال العراقي‏:‏ قلت وليس بمجهول فقد روى عنه جماعة ووثقه النسائي وابن حبان وهو أبو غطفان المري قيل اسمه سعيد اهـ وعلى فرض صحته ينبغي أن تحمل الإشارة المذكورة في الحديث على الإشارة لغير رد السلام والحاجة جمعًا بين الأدلة‏.‏

‏[‏فائدة‏]‏ ورد في كيفية الإشارة لرد السلام في الصلاة حديث ابن عمر عن صهيب قال لا أعلمه إلا أنه قال أشار بإصبعه‏.‏ وحديث بلال قال كان يشير بيده ولا اختلاف بينهما فيجوز أن يكون أشار مرة بإصبعه ومرة بجميع يده ويحتمل أن يكون المراد باليد الإصبع حملًا للمطلق على المقيد‏.‏ وفي حديث ابن عمر عند أبي داود ‏(‏أنه سأل بلالًا كيف رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي فقال يقول هكذا وبسط جعفر بن عون كفه وجعل بطنه أسفل وجعل ظهره إلى فوق‏)‏ ففيه الإشارة بجميع الكف‏.‏

وفي حديث ابن مسعود عند البيهقي بلفظ‏:‏ ‏(‏فأومأ برأسه‏)‏ وفي رواية له‏:‏ ‏(‏فقال برأسه‏)‏ يعني الرد‏.‏ ويجمع بين الروايات بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فعل هذا مرة وهذا مرة فيكون جميع ذلك جائزًا‏.‏