فصل: باب الإسهام لمن غيبه الأمير في مصلحة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب تنفيل سرية الجيش عليه واشتراكهما في الغنائم

1- عن حبيب بن مسلمة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نفل الربع بعد الخمس في بدأته ونفل الثلث بعد الخمس في رجعته‏)‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏

2- وعن عبادة بن الصامت‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان ينفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه والترمذي‏.‏

3- وفي رواية‏:‏ ‏(‏كان إذا غاب في أرض العدو نفل الربع وإذا أقبل راجعًا وكل الناس نفل الثلث وكان يكره الأنفال ويقول ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم‏)‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏

حديث حبيب أخرجه أيضًا ابن ماجه وصححه ابن الجارود وابن حبان والحاكم وقد رواه أبو داود عنه من طرق ثلاث منها عن مكحول بن عبد اللّه الشامي قال‏:‏ ‏(‏كنت عبدًا بمصر لامرأة من بني هذيل فأعتقتني فما خرجت من مصر وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى ثم أتيت الحجاز فما خرجت منها وبها علم إلا حويته فيما أرى ثم أتيت العراق فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى ثم أتيت الشام فغربلتها كل ذلك أسأل عن النفل فلم أجد أحدًا يخبرني فيه بشيء حتى لقيت شيخًا يقال له زياد بن جارية التميمي فقلت له هل سمعت عن النفل شيئًا قال نعم سمعت حبيب بن مسلم الفهري يقول شهدت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة قال المنذري‏:‏ وأنكر بعضهم أن يكون لحبيب هذا صحبة وأثبتها له غير واحد وقد قال في حديثه شهدت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وكنيته أبو عبد الرحمن فكان يسمى حبيبًا الرومي لكثرة مجاهدته الروم انتهى‏.‏ وولاه عمر بن الخطاب أعمال الجزيرة وأذربيجان وكان فاضلًا مجاب الدعوة وهو بالحاء المهملة المفتوحة بموحدتين بينهما مثناة تحتية‏.‏

وحديث عبادة بن الصامت صححه أيضًا ابن حبان ـ ‏وفي الباب‏ ـ عن معن بن يزيد قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ لا نفل إلا بعد الخمس‏)‏ رواه أحمد وأبو داود وصححه الطحاوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نفل الربع بعد الخمس في بدأته‏)‏ الخ‏.‏ قال الخطابي‏:‏ البدأة ابتداء السفر للغزو وإذا نهضت سرية من جملة العسكر فإذا أوقعت بطائفة من العدو فما غنموا كان لهم فيه الربع ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباعه فإن قفلوا من الغزوة ثم رجعوا فأوقعوا بالعدو ثانية كان لهم مما غنموا الثلث لأن نهوضهم بعد القفل أشق لكون العدو على حذر وحزم انتهى‏.‏ ورواية أحمد المذكورة في حديث عبادة تدل على أن تنفيل الثلث لأجل ما لحق الجيش من الكلال وعدم الرغبة في القتال لا لكون العدو أخذ حذره منهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعد الخمس‏)‏ فيه دليل على أنه يجب تخميس الغنيمة قبل التنفيل وكذلك حديث معن الذي ذكرناه ‏ـ وفي الحديثين‏ ـ أيضًا دليل على أنه يصح أن يكون النفل زيادة على مقدار الخمس وفيه رد على من قال أنه لا يصح التنفيل إلا من الخمس أو خمس الخمس وقد تقدم بيان القائل بذلك وسيأتي تفصيل الخلاف في المقدار الذي يجوز التنفيل إليه‏.‏

4- وعن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش والخمس في ذلك كله واجب‏)‏‏.‏

5- وعن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعث سرية قبل نجد فخرجت فيها فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرًا ونفلنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بعيرًا بعيرًا‏)‏‏.‏

متفق عليهما‏.‏

وفي رواية قال‏:‏ ‏(‏بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سرية قبل نجد فأصبنا نعمًا كثيرًا فنفلنا أميرنا بعيرًا بعيرًا لكل إنسان ثم قدمنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بيننا غنيمتنا فأصاب كل رجل منا اثني عشر بعيرًا بعد الخمس وما حاسبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالذي أعطانا صاحبنا ولا عاب عليه ما صنع فكان لكل رجل منا ثلاثة عشر بعيرًا بنفله‏)‏ رواه أبو داود‏.‏

6- وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويجير عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم يرد مشدهم على مضعفهم ومتسريهم على قاعدهم‏)‏‏.‏ رواه أبو داود وقال أحمد في رواية أبي طالب قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏السرية ترد على العسكر والعسكر يرد على السرية‏)‏‏.‏

حديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضًا ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر مطولًا‏.‏ ورواه ابن ماجه من حديث معقل بن يسار مختصرًا‏.‏ ورواه الحاكم عن أبي هريرة مختصرًا أيضًا‏.‏ ورواه أبو داود والنسائي والحاكم من حديث علي وقد تقدم في أول كتاب الدماء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والخمس في ذلك كله واجب‏)‏ فيه دليل على أنه يجب تخميس النفل ويدل على ذلك أيضًا حديث حبيب بن مسلمة المتقدم فإن فيه أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم نفل الربع بعد الخمس ونفل الثلث بعد الخمس وكذلك حديث معن الذي تقدم قريبًا بلفظ‏:‏ ‏(‏لا نفل إلا بعد خمس‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قبل نجد‏)‏ بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبلغت سهماننا‏)‏ أي أنصباؤنا والمراد أنه بلغ نصيب كل واحد هذا القدر وتوهم بعضهم أن ذلك جميع الأنصباء‏.‏ قال النووي وهو غلط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اثني عشر بعيرًا ونفلنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بعيرًا بعيرًا‏)‏ هكذا وقع في رواية‏.‏ وفي رواية أخرى للبخاري اثني عشر بعيرًا أو أحد عشر بعيرًا وقد وقع بيان هذا الشك في غيره من الروايات المذكور بعضها في الباب‏.‏

وفي رواية لأبي داود‏:‏ ‏(‏فكان سهمان الجيش اثني عشر بعيرًا اثني عشر بعيرًا ونفل أهل السرية بعيرًا بعيرًا فكان سهامهم ثلاثة عشر بعيرًا‏)‏ وأخرج ابن عبد البر من هذا الوجه أن ذلك الجيش أربعة آلاف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونفلنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ الخ فيه دليل على أن الذي نفلهم هو النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقد وقع الخلاف بين الرواة في القسم والتنفيل هل كانا جميعًا من أمير ذلك الجيش أو من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أو أحدهما من أحدهما فهذه الرواية صريحة أن الذي نفلهم هو النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ ورواية أبي داود المذكورة بعدها مصرحة بأن الذي نفلهم هو الأمير‏.‏ ورواية ابن إسحاق مصرحة أن التنفيل كان من الأمير والقسم من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ وظاهر رواية مسلم من طريق الليث عن نافع أن ذلك صدر من أمير الجيش وأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان مقررًا لذلك ومجيزًا له لأنه قال فيه ولم يغيره النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ويمكن الجمع بأن المراد بالرواية التي صرح فيها بأن المنفل هو النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه وقع منه التقرير قال النووي‏:‏ معناه أن أمير السرية نفلهم فأجازه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فجازت نسبته إلى كل منهما‏.‏ وفي هذا التنفيل دليل على أنه يصح أن يكون التنفيل أكثر من خمس الخمس‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ وحديث الباب يرد على هذا القول معنى قول من قال أن التنفيل يكون من خمس الخمس لأنهم نفلوا نصف السدس وهو أكثر من خمس الخمس وقد زاده ابن المنير إيضاحًا فقال‏:‏ لو فرضنا أنهم كانوا مائة لكان قد حصل لهم ألف ومائتا بعير ثم بين مقدار الخمس وخمسه وأنه لا يمكن أن يكون لكل إنسان منه بعير‏.‏

قال ابن التين‏:‏ قد انفصل من قال من الشافعية بأن التنفيل من خمس الخمس بأوجه‏.‏ منها أن الغنيمة لم تكن كلها أبعرة بل كان فيها أصناف أخر فيكون التنفيل وقع من بعض الأصناف دون بعض‏.‏ ثانيها أن يكون نفلهم من سهمه من هذه الغزاة وغيرها فضم هذا إلى هذا فلذلك زادت العدة‏.‏ ثالثها أن يكون نفل بعض الجيش دون بعض قال وظاهر السياق يرد هذه الاحتمالات قال وقد جاء أنهم كانوا عشرة وأنهم غنموا مائة وخمسين بعيرًا فخرج منها الخمس وهو ثلاثون وقسم عليهم البقية فحصل لكل واحد اثنا عشر ثم نفلوا بعيرًا بعيرًا فعلى هذا يكون نفلوا ثلث الخمس وقد قدمنا عن ابن عبد البر أنه قال‏:‏ إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة وإن انفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث انتهى‏.‏

قال الحافظ في الفتح‏:‏ وهذا الشرط قال به الجمهور وقال الشافعي لا يتحدد بل هو راجع إلى ما يراه الإمام من المصلحة ويدل له قوله تعالى ‏{‏قل الأنفال للّه والرسول‏}‏ ففوض إليه أمرها انتهى‏.‏

وقد حكى صاحب البحر هذا الذي قال به الشافعي عن أبي حنيفة والهادي والمؤيد باللّه‏.‏ وحكي عن الأوزاعي أنه لا يجاوز الثلث‏.‏ وعن ابن عمر يكون بنصف السدس‏.‏

قال الأوزاعي‏:‏ ولا ينفل من أول الغنيمة ولا ينفل ذهبًا ولا فضة وخالفه الجمهور ولم يأت في الأحاديث الصحيحة ما يقضي بالاقتصار على مقدار معين ولا على نوع معين فالظاهر تفويض ذلك إلى رأي الإمام في جميع الأجناس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المسلمون تتكافأ دماؤهم‏)‏ هذا قد سبق شرحه في كتاب الدماء إلى قوله وهم يد على سواهم وقد ذكره المصنف هنالك من حديث علي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يرد مشدهم على مضعفهم‏)‏ أي يرد من كان له فضل قوة على من كان ضعيفًا والمراد بالمتسري الذي يخرج في السرية وقد تقدم الكلام على هذا‏.‏

 باب بيان الصفي الذي كان لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وسهمه مع غيبته

1- عن يزيد بن عبد اللّه قال‏:‏ ‏(‏كنا بالمربد إذ دخل رجل معه قطعة أديم فقرأناها فإذا فيها من محمد رسول اللّه إلى بني زهير بن أقيش إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا اللّه وأن محمد رسول اللّه وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأديتم الخمس من المغنم وسهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وسهم الصفي أنتم آمنون بأمان اللّه ورسوله فقلنا من كتب لك هذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏ رواه أبو داود والنسائي‏.‏

2- وعن عامر الشعبي قال‏:‏ ‏(‏كان للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سهم يدعى الصفي إن شاء عبدًا وإن شاء أمة وإن شاء فرسًا يختاره قبل الخمس‏)‏‏.‏

3- وعن ابن عون قال‏:‏ ‏(‏سألت محمدًا عن سهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم والصفي قال كان يضرب له سهم مع المسلمين وإن لم يشهد والصفي يؤخذ له رأس من الخمس قبل كل شيء‏)‏‏.‏

رواهما أبو داود وهما مرسلان‏.‏

4- وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كانت صفية من الصفي‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

5- وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب‏.‏

حديث يزيد بن عبد اللّه سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح قال المنذري‏:‏ ورواه بعضهم عن يزيد بن عبد اللّه وسمى الرجل النمر بن تولب الشاعر صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ويقال إنه ما مدح أحدًا ولا هجا أحدًا وكان جوادًا لا يكاد يمسك شيئًا وأدرك الإسلام وهو كبير انتهى‏.‏ ويزيد ابن عبد اللّه المذكور وهو ابن الشخير وحديث عامر الشعبي سكت عنه أيضًا أبو داود ورجاله ثقات وهو مرسل وأخرجه أيضًا النسائي‏.‏ وحديث ابن عون سكت أيضًا عنه أبو داود ورجاله ثقات وهو مرسل كما قال المصنف لأن الشعبي وابن سيرين لم يدركا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأخرجه أيضًا النسائي‏.‏ وحديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح وأخرجه ابن حبان والحاكم وصححه أيضًا ويشهد له ما أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن أبي عمرو عن أنس بن مالك قال‏:‏ ‏(‏قدمنا خيبر فلما فتح اللّه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي وقد قتل زوجها وكانت عروسًا فاصطفاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لنفسه فخرج بها حتى بلغا سد الصبهاء حلت فبنى بها‏)‏ ويعارضه ما أخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجه من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أيضًا قال صارت صفية لدحية الكلبي ثم صارت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ وما أخرجه أيضًا مسلم وأبو داود من طريق ثابت البناني عنه قال وقع في سهم دحية جارية جميلة فاشتراها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بسبعة أرؤس ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها وتهيئها قال حماد يعني ابن زيد وأحسبه قال وتعتد في بيتها وهي صفية بنت حيي‏.‏ وما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن أنس أيضًا من طريق عبد العزيز بن صهيب قال جمع السبي يعني بخيبر فجاء دحية فقال يا رسول اللّه أعطني جارية من السبي فقال اذهب فخذ جارية فأخذ صفية بنت حيي فجاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال يا نبي اللّه أعطيت دحية بنت حيي سيدة قريظة والنضير ما تصلح إلا لك قال أدعو بها فلما نظر إليها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال له خذ جارية من السبي غيرها وإن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعتقها وتزوجها‏.‏ وبهذه الرواية يجمع بين الروايات المختلفة‏.‏

وأما ما وقع من أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم اشتراها بسبعة أرؤس فلعل المراد أنه عوضه عنها بذلك المقدار وإطلاق الشراء على العوض على سبيل المجاز ولعله عوضه عنها جارية أخرى من قرابتها فلم تطب نفسه فأعطاه زيادة على ذلك سبعة أرؤس من جملة السبي‏.‏

قال السهيلي‏:‏ لا معارضة بين هذه الأخبار فإنه أخذها من دحية قبل القسمة والذي عوضه عنها ليس على سبيل البيع‏.‏

وقد أشار الحافظ في الفتح إلى مثل ما ذكرنا من الجمع والحكمة في استرجاعها من دحية أنه لما قيل له أنها بنت ملك من ملوكهم ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه واختصاص النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بها فإن في ذلك رضا الجميع وليس ذلك من الرجوع في الهبة في شيء وحديث ابن عباس المذكور في الباب قال الترمذي بعد إخراجه وتحسينه إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث أبي الزناد وأخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذا الفقار‏)‏ بفتح الفاء قال في القاموس‏:‏ وذو الفقار بالفتح سيف العاص بن منبه قتل يوم بدر كافرًا فصار إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم إلى علي انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو الذي رأى فيه الرؤيا‏)‏ أي رأى أن فيه فلولًا فعبره بقتل واحد من أهله فقتل حمزة بن عبد المطلب والقضية مشهورة والأحاديث المذكورة تدل على أن للإمام أن يختص من الغنيمة بشيء لا يشاركه فيه غيره وهو الذي يقال له الصفي وقد قدمنا الخلاف في ذلك في باب أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين‏.‏

باب من يرضخ له من الغنيمة

1- عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة وأما بسهم فلم يضرب لهن‏)‏‏.‏

2- وعنه أيضًا‏:‏ ‏(‏أنه كتب إلى نجدت الحروري سألت عن المرأة والعبد هل كانا لهما سهم معلوم إذا حضر الناس وأنه لم يكن لهما سهم معلوم إلا أن يحذيا من غنائم القوم‏)‏‏.‏

رواهما أحمد ومسلم‏.‏

3- وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يعطي المرأة والمملوك من الغنائم دون ما يصيب الجيش‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

4- وعن عمير مولى آبي اللحم قال‏:‏ ‏(‏شهدت خيبر مع سادتي فكلموا في رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأمر بي فقلدت سيفًا فإذا أنا أجره فأخبر أني مملوك فأمر لي بشيء من خرثي المتاع‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه‏.‏

5- وعن حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه‏:‏ ‏(‏أنها خرجت مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم غزوة خيبر سادس ست نسوة فبلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فبعث إلينا فجئنا فرأينا فيه الغضب فقال مع من خرجتن وبإذن من خرجتن فقلنا يا رسول اللّه خرجنا نغزل الشعر ونعين في سبيل اللّه ومعنا دواء للجرحى ونناول السهام ونسقي السويق قال قمن فانصرفن حتى إذا فتح اللّه عليه خيبر أسهم لنا كما أسهم للرجال قال فقلت لها يا جدة وما كان ذلك قالت تمرًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

6- وعن الزهري‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وأبو داود في مراسيله‏.‏

7- وعن الأوزاعي قال‏:‏ ‏(‏أسهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم للصبيان بخيبر‏)‏‏.‏

رواه الترمذي ويحمل الإسهام فيه وفيما قبله على الرضخ‏.‏

حديث ابن عباس الأول والثاني أخرجهما أيضًا أبو داود والترمذي وصححهما وحديث ابن عمير أخرجه أيضًا ابن ماجه وصححه وزاد الترمذي بعد قوله ‏(‏فأمر لي بشيء من خرثي المتاع‏)‏ ما لفظه‏:‏ ‏(‏وعرضت عليه رقية كنت أرقي بهاالمجانين فأمرني بطرح بعضها وحبس بعضها‏)‏‏.‏

وحديث حشرج أخرجه أيضًا النسائي وسكت عنه أبو داود وفي إسناده رجل مجهول وهو حشرج قاله الحافظ في التلخيص‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ إسناده ضعيف لا تقوم به حجة‏.‏

وحديث الزهري رواه الترمذي عن قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن عروة بن ثابت عن الزهري قال الترمذي هذا حديث حسن غريب انتهى وهذا مرسل‏.‏

وحديث الأوزاعي رواه الترمذي عن علي بن خشرم قال أخبرنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي ولفظه‏:‏ ‏(‏أسهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم للصبيان بخيبر وأسهم أئمة المسلمين لكل مولود ولد في أرض الحرب وأسهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم للنساء بخيبر وأخذ بذلك المسلمون بعده‏)‏ انتهى وهذا أيضًا مرسل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى نجدة الحروري‏)‏ بفتح النون وسكون الجيم وبعدها دال مهملة وهو ابن عامر الحنفي الخارجي وأصحابه يقال لهم النجدات محركة‏.‏ والحروري نسبة إلى حروراء وهي قرية بالكوفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحذين‏)‏ بالحاء المهملة والذال المعجمة أي يعطين قال في القاموس الحذوة بالكسر العطية انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آبي اللحم‏)‏ هو اسم فاعل من أبى يأبى فهو آبي قال أبو داود قال أبو عبيدة كان حرم اللحم نفسه فسمي آبي اللحم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من خرثى المتاع‏)‏ بالخاء المعجمة المضمومة وسكون الراء المهملة بعدها مثلثة وهو سقطه‏.‏

قال في النهاية‏:‏ هو أثاث البيت وقال في القاموس الخرثي بالضم أثاث البيت أو أردأ المتاع والغنائم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن حشرج‏)‏ بفتح الحاء المهملة وسكون الشين المعجمة وبعدها راء مهملة مفتوحة وجيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن جدته‏)‏ هي أم زياد الأشجعية وليس لها سوى هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونسقي السويق‏)‏ هو شيء يعمل من الحنطة والشعير‏.‏

ـ وقد اختلف ـ أهل العلم هل يسهم للنساء إذا حضرت فقال الترمذي أنه لا يسهم لهن عند أكثر أهل العلم قال وهو قول سليمان الثوري والشافعي قال وقال بعضهم يسهم للمرأة والصبي وهو قول الأوزاعي‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ إن الأوزاعي قال يسهم لهن قال وأحسبه ذهب إلى هذا الحديث يعني حديث حشرج بن زياد وإسناده ضعيف لا يقوم به حجة اهـ وقد حكي في البحر عن العترة والشافعية والحنفية أنه لا يسهم للنساء والصبيان والذميين وعن مالك أنه قال لا أعلم العيد يعطى شيئًا‏.‏ وعن الحسن بن صالح أنه يسهم للعبد كالحر‏.‏ وعن الزهري أنه يسهم للذمي لا للعبد والنساء والصبيان فيرضخ لهم وقال الترمذي بعد أن أخرج حديث عمير مولى آبي اللحم المذكور في الباب والعمل على هذا عند بعض أهل العلم أنه لا يسهم للمملوك ولكن يرضخ له بشيء وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق‏.‏

وقال أيضًا‏:‏ إن العمل عند بعض أهل العلم على أنه لا يسهم لأهل الذمة وإن قاتلوا مع المسلمين العدو ورأى بعض أهل العلم أنه يسهم لهم إذا شهدوا القتال مع المسلمين انتهى‏.‏ والظاهر أنه لا يسهم للنساء والصبيان والعبيد والذميين وما ورد من الأحاديث مما فيه إشعار بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أسهم لأحد من هؤلاء فينبغي حمله على الرضخ وهو العطية القليلة جمعًا بين الأحاديث وقد صرح حديث ابن عباس المذكور في أول الباب بما يرشد إلى هذا الجمع فإنه نفى أن يكون للنساء والعبيد سهم معلوم وأثبت الحذية وهكذا حديثه الآخر فإنه صرح بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يعطي المرأة والمملوك دون ما يصيب الجيش‏.‏ وهكذا حديث عمير المذكور فإن فيه أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رضخ له بشيء من الأثاث ولم يسهم له فيحمل ما وقع في حديث حشرج من أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أسهم للنساء بخيبر على مجرد العطية من الغنيمة وهكذا يحمل ما وقع في مرسل الزهري المذكور من الإسهام لقوم من اليهود وما وقع في مرسل الأوزاعي المذكور أيضًا من الإسهام للصبيان كما لمح إلى ذلك المصنف رحمه اللّه تعالى‏.‏

 باب الإسهام للفارس والراجل

1- عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏(‏أسهم للفرس سهمين وللرجل سهمًا‏)‏ متفق عليه‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏(‏أسهم يوم حنين للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان وللرجل سهم‏)‏ رواه ابن ماجه‏.‏

وعن المنذر بن الزبير عن أبيه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعطى الزبير سهمًا وأمه سهمًا وفرسه سهمين‏)‏ رواه أحمد‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏(‏قال ضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم خيبر للزبير أربعة أسهم سهم للزبير وسهم لذي القربى لصفية أم الزبير وسهمين للفرس‏)‏ رواه النسائي‏.‏

3- وعن أبي عمرة عن أبيه قال‏:‏ ‏(‏أتينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أربعة نفر ومعنا فرس فأعطى كل إنسان منا سهمًا وأعطى الفرس سهمين‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏ واسم هذا الصحابي عمرو بن محصن‏.‏

4- وعن أبي رهم قال‏:‏ ‏(‏غزونا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنا وأخي ومعنا فرسان فأعطانا ستة أسهم أربعة أسهم لفرسينا وسهمين لنا‏)‏‏.‏

5 - وعن أبي كبشة الأنماري قال‏:‏ ‏(‏لما فتح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مكة كان الزبير على المجنبة اليسرى وكان المقداد على المجنبة اليمنى فلما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مكة وهدأ الناس جاءا بفرسيهما فقام رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يمسح الغبار عنهما وقال إني جعلت للفرس سهمين وللفارس سهمًا فمن نقصهما نقصه اللّه‏)‏‏.‏

رواهما الدارقطني‏.‏

6- وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قسم لمائتي فرس بخيبر سهمين سهمين‏)‏‏.‏

7- وعن خالد الحذاء قال‏:‏ ‏(‏لا يختلف فيه عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم‏)‏‏.‏ رواهما الدارقطني‏.‏

8- وعن مجمع بن جارية الأنصاري قال‏:‏ ‏(‏قسمت خيبر على أهل الحديبية فقسمها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على ثمانية عشر سهمًا وكان الجيش ألفًا وخمسمائة فيهم ثلاثمائة فارس فأعطى الفارس سهمين والراجل سهمًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وذكر أن حديث ابن عمر أصح قال وأتى الوهم في حديث مجمع أنه قال ثلاثمائة فارس وإنما كانوا مائتي فارس‏.‏

حديث ابن عمر له ألفاظ في الصحيحين وغيرهما غير ما ذكره المصنف وهو في الصحيحين من حديثه‏.‏ وحديث أنس وحديث عروة بن الجعد البارقي وفي الباب عن أبي هريرة عند الترمذي والنسائي‏.‏ وعن عتبة بن عبد عند أبي داود‏.‏ وعن جرير عند مسلم وأبي داود‏.‏ وعن جابر وأسماء بنت يزيد عند أحمد‏.‏ وعن حذيفة عند أحمد والبزار وله طرق أخرى جمعها الدمياطي في كتاب الخيل‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقد لخصته وزدت عليه في جزء لطيف‏.‏ وحديث المنذر بن الزبير قال في مجمع الزوائد‏:‏ رجال أحمد ثقات وقد أخرج نحوه النسائي من طريق يحيى بن عباد بن عبد اللّه بن الزبير عن جده وروى الشافعي من حديث مكحول أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعطى الزبير خمسة أسهم لما حضر خيبر بفرسين وهو مرسل وقد روى الشافعي أيضًا عن ابن الزبير أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يعط الزبير إلا لفرس واحد وقد حضر يوم خيبر بفرسين وولد الرجل أعرف بحديثه ولكنه روى الواقدي عن عبد الملك بن يحيى عن عيسى بن معمر قال كان مع الزبير يوم خيبر فرسان فأسهم له النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم خمسة أسهم وهذا المرسل يوافق مرسل مكحول لكن الشافعي كان يكذب الواقدي‏.‏

وحديث أبي عمرة في إسناده المسعودي وهو عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عتبة بن عبد اللّه بن مسعود وفيه مقال وقد استشهد به البخاري‏.‏ ورواه أبو داود أيضًا من طريق أخرى عن رجل من آل أبي عمرة عن أبي عمرة وزاد فكان للفارس ثلاثة أسهم‏.‏

وحديث أبي رهم أخرجه أيضًا أبو يعلى والطبراني وفي إسناده إسحاق بن أبي فروة وهو متروك‏.‏

وحديث أبي كبشة أخرجه أيضًا الطبراني وفي إسناده عبد اللّه بن يسر الحبراني وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور وبقية أحاديث الباب القاضية بأنه يسهم للفرس وصاحبه ثلاثة أسهم تشهد لها الأحاديث الصحيحة التي ذكرها المصنف وذكرناها‏.‏

وأما حديث مجمع بن جارية فقال أبو داود حديث أبي معاوية أصح والعمل عليه ونعني به حديث ابن عمر المذكور في أول الباب قال وأرى الوهم في حديث مجمع أنه قال ثلاثمائة فارس وإنما كانوا مائتي فارس وقال الحافظ في الفتح‏:‏ إن في إسناده ضعفًا ولكنه يشهد له ما أخرجه الدارقطني من طريق أحمد بن منصور الرمادي عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن أبي أسامة وابن نمير كلاهما عن عبيد اللّه ابن عمر بلفظ أسهم للفارس سهمين قال الدارقطني عن شيخه أبي بكر النيسابوري وهم فيه الرمادي أو شيخه وعلى فرض صحته فيمكن تأويله بأن المراد أسهم للفارس بسبب فرسه سهمين غير سهمه المختص به كما أشار إلى ذلك الحافظ‏.‏ قال وقد رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ومسنده بهذا الإسناد فقال للفرس وكذلك أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الجهاد له عن ابن أبي شيبة قال فكأن الرمادي رواه بالمعنى‏.‏ وقد أخرجه أحمد عن أبي أسامة وابن نمير معًا بلفظ أسهم للفرس قال وعلى هذا التأويل يحمل ما رواه نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن عبيد اللّه مثل رواية الرمادي أخرجه الدارقطني وقد رواه علي بن الحسن بن شقيق وهو أثبت من نعيم عن ابن المبارك بلفظ أسهم للفرس وقيل إن إطلاق الفرس على الفارس مجاز مشهور ومنه قولهم يا خيل اللّه اركبي كما ورد في الحديث ولا بد من المصير إلى تأويل حديث مجمع وما ورد في معناه لمعارضته للأحاديث الصحيحة الثابتة عن جماعة من الصحابة في الصحيحين وغيرهما كما تقدم وقد تمسك أبو حنيفة وأكثر العترة بحديث مجمع المذكور وما ورد في معناه فجعلوا للفارس وفرسه سهمين وقد حكى ذلك عن علي وعمر وأبي موسى‏.‏ وذهب الجمهور إلى أنه يعطي الفرس سهمين والفارس سهمًا والراجل سهمًا‏.‏

قال الحافظ في الفتح‏:‏ والثابت عن عمر وعلي كالجمهور وحكى في البحر عن علي وعمر والحسن البصري وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز وزيد بن علي والباقر والناصر والإمام يحيى ومالك والشافعي والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد وأهل المدينة وأهل الشام أنه يعطى الفارس وفرسه ثلاثة سهام واحتج لهم ببعض أحاديث الباب ثم أجاب عن ذلك فقال قلت يحتمل أن الثالث في بعض الحالات تنفيل جمعًا بين الأخبار انتهى‏.‏ ولا يخفى ما في هذا الاحتمال من التعسف وقد أمكن الجمع بين أحاديث الباب بما أسلفنا وهو جمع نير دلت عليه الأدلة التي قدمناها وقد تقرر في الأصول أن التأويل في جانب المرجوح من الأدلة لا الراجح والأدلة القاضية بأن للفارس وفرسه سهمين مرجوحة لا يشك في ذلك من له أدنى إلمام بعلم السنة وقد نقل عن أبي حنيفة أنه احتج لما ذهب إليه بأنه يكره أن تفضل البهيمة على المسلم وهذه حجة ضعيفة وشبهة ساقطة ونصبها في مقابلة السنة الصحيحة المشهورة مما لا يليق بعالم وأيضًا السهام في الحقيقة كلها للرجل لا للبهيمة وأيضًا قد فضلت الحنفية الدابة على الإنسان في بعض الأحكام فقالوا لو قتل كلب صيد قيمته أكثر من عشرة آلاف أداها فإن قتل عبدًا مسلمًا لم يؤد فيه إلا دون عشرة آلاف درهم وقد استدل للجمهور في مقابلة هذه الشبهة بأن الفرس تحتاج إلى مؤنة لخدمتها وعلفها وبأنه يحصل بها من الغناء في الحرب ما لا يخفى وقد اختلف فيمن حضر الوقعة بفرسين فصاعدًا هل يسهم لكل فرس أم لفرس واحدة فروي عن سليمان بن موسى أنه يسهم لكل فرس سهمان بالغًا ما بلغت‏.‏

قال القرطبي في المفهم‏:‏ ولم يقل أحد أنه يسهم لأكثر من فرسين إلا ما روي عن سليمان بن موسى وحكي في البحر عن الشافعية والحنفية والهادوية أن من حضر بفرسين أو أكثر أسهم لواحد فقط وعن زيد بن علي والصادق والأوزاعي وأحمد بن حنبل وحكاه في الفتح عن الليث وأبي يوسف وأحمد وإسحاق أنه يسهم لفرسين لا أكثر قال الحافظ في التلخيص‏:‏ فيه أحاديث منقطعة أحدها عن الأوزاعي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يسهم للخيل ولا يسهم للرجل فوق فرسين وإن كان معه عشرة أفراس رواه سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش وهو معضل ورواه سعيد بن طريق الزهري أن عمر كتب إلى أبي عبيدة أنه يسهم للفرس سهمين وللفرسين أربعة أسهم ولصاحبه سهمًا فذلك خمسة أسهم وما كان فوق الفرسين فهو جنائب‏.‏

وروى الحسن عن بعض الصحابة قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يقسم إلا لفرسين‏.‏

وأخرج الدارقطني بإسناد ضعيف عن أبي عمرة قال‏:‏ أسهم لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لفرسي أربعة ولي سهمًا فأخذت خمسة‏.‏ وقد قدمنا اختلاف الرواية في حضور الزبير يوم خيبر بفرسين هل أعطاه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فرس واحدة أو سهم فرسين والإسهام للدواب خاص بالأفراس دون غيرها من الحيوانات قال في البحر‏:‏ مسألة ولا يسهم لغير الخيل من البهائم إجماعًا إذ لا إرهاب في غيرها ويسهم للبرذون والمقرف والهجين عند الأكثر وقال الأوزاعي لا يسهم للبرذون‏.‏

 باب الإسهام لمن غيبه الأمير في مصلحة

1- عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قام يعني يوم يدر فقال‏:‏ إن عثمان انطلق في حاجة اللّه وحاجة رسوله وأنا أبايع له فضرب له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بسهم ولم يضرب لأحد غاب غيره‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

2- وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏لما تغيب عثمان عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وكانت مريضة فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إن لك أجر رجل وسهمه‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه‏.‏

حديث ابن عمر الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده موثقون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنا أبايع له‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بيده اليمنى‏)‏ أي أشار بها وقال‏:‏ ‏(‏هذه يد عثمان‏)‏ أي بدلها ‏(‏فضرب بها على يده اليسرى فقال هذه - أي البيعة - لعثمان‏)‏ أي عن عثمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكانت مريضة‏)‏ أخرج الحاكم في المستدرك من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال‏:‏ ‏(‏خلف النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عثمان وأسامة بن زيد على رقية في مرضها لما خرج إلى بدر فماتت رقية حين وصل زيد بن حارثة بالبشارة وكان عمر رقية لما ماتت عشرين سنة‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ويقال إن ابنها عبد اللّه بن عثمان مات بعدها سنة أربع من الهجرة وله ست سنين‏.‏

وقد استدل بقصة عثمان المذكورة على أنه يسهم الإمام لمن كان غائبًا في حاجة له بعثه لقضائها وأما من كان غائبًا عن القتال لا لحاجة الإمام وجاء بعد الواقعة فذهب أكثر العترة والشافعي ومالك والأوزاعي والثوري والليث إلى أنه لا يسهم له وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يسهم لمن حضر قبل إحرازها إلى دار الإسلام وسيأتي في باب ما جاء في المدد يلحق بعد تقضي الحرب ما استدل به أهل القول الأول وأهل القول الثاني‏.‏

 باب ما يذكر في الإسهام لتجار العسكر وأجرائهم

1- عن خارجة بن زيد قال‏:‏ ‏(‏رأيت رجلًا سأل أبي عن الرجل يغزو ويشتري ويبيع ويتجر في غزوه فقال له إنا كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بتبوك نشتري ونبيع وهو يرانا ولا ينهانا‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

2- وعن يعلى بن منية قال‏:‏ ‏(‏أذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالغزو وأنا شيخ كبير ليس لي خادم فالتمست أجيرًا يكفيني وأجري به سهمه فوجدت رجلًا فلما دنا الرحيل أتاني فقال ما أدري ما السهمان وما يبلغ سهمي فسم لي شيئًا كان السهم أو لم يكن فسميت له ثلاثة دنانير فلما حضرت غنيمة أردت أن أجري له سهمه فذكرت الدنانير فجئت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكرت أمره فقال ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلا دنانيره التي سمى‏)‏‏.‏ رواه أبو داود‏.‏

وقد صح أن سلمة ابن الأكوع كان أجيرًا لطلحة حين أدركه عبد الرحمن بن عيينة لما أغار على سرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأعطاه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سهم الفارس والراجل وهذا المعنى لأحمد ومسلم في حديث طويل‏.‏ ويحمل هذا على أجير يقصد مع الخدمة الجهاد والذي قبله على من لا يقصده أصلًا جمعًا بينهما‏.‏

الحديث الأول في إسناده عند ابن ماجه سنيد بن داود المصيصي وهو ضعيف ويشهد له ما أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري عن عبيد اللّه بن سليمان أن رجلًا من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حدثه قال لما فتحنا خيبر أخرجوا غنائمهم من المتاع والسبي فجعل الناس يتبايعون غنائمهم فجاء رجل فقال يا رسول اللّه لقد ربحت ربحًا ما ربح اليوم مثله أحد من أهل هذا الوادي فقال ويحك وما ربحت قال ما زلت أبيع وأبتاع حتى ربحت ثلاثمائة أوقية فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنا أنبئك بخير رجل ربح قال ما هو يا رسول اللّه قال ركعتين بعد الصلاة فهذا الحديث وحديث خارجة المذكور فيهما دليل على جواز التجارة في الغزو وعلى أن الغازي مع ذلك يستحق نصيبه من المغنم وله الثواب الكامل بلا نقص ولو كانت التجارة في الغزو موجبة لنقصان أجر الغازي لبينه صلى اللّه عليه وآله وسلم فلما لم يبين ذلك بل قرره دل على عدم النقصان ويؤيد ذلك جواز الاتجار في سفر الحج لما ثبت في الحديث الصحيح أنه لما تحرج جماعة من التجارة في سفر الحج أنزل اللّه تعالى ‏{‏ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم‏}‏‏.‏

والحديث الثاني سكت عنه أيضًا أبو داود والمنذري وأخرجه الحاكم وصححه وأخرجه البخاري بنحوه وبوب عليه باب الأجير وقد اختلف العلماء في الإسهام للأجير إذا استؤجر للخدمة فقال الأوزاعي وأحمد وإسحاق لا يسهم له وقال الأكثر يسهم له واحتجوا بحديث سلمة الذي أشار إليه المصنف وفيه أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أسهم له وأما إذا استؤجر الأجير ليقاتل فقالت الحنفية والمالكية لا سهم له وقال الأكثر له سهمه وقال أحمد لو استأجر الإمام قومًا على الغزو لم يسهم لهم سوى الأجرة وقال الشافعي هذا فيمن لم يجب عليه الجهاد أما الحر البالغ المسلم إذا حضر الصف فإنه يتعين عليه الجهاد فيسهم له ولا يستحق أجرة وقال الثوري‏:‏ لا يسهم للأجير إلا إن قاتل وقال الحسن وابن سيرين‏:‏ يقسم للأجير من المغنم هكذا رواه البخاري عنهما تعليقًا ووصله عبد الرزاق عنهما بلفظ يسهم للأجير ووصله ابن أبي شيبة عنهما بلفظ العبد والأجير إذا شهدا القتال أعطوا من الغنيمة والأولى المصير إلى الجمع الذي ذكره المصنف رحمه اللّه فمن كان من الأجراء قاصدًا للقتال استحق الإسهام من الغنيمة ومن لم يقصد فلا يستحق إلا الأجرة المسماة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يعلى بن منية‏)‏ هو يعلى بن أمية المشهور ومنية أمه وقد ينسب تارة إليها كما وقع في هذا الحديث‏.‏ وقصة سلمة بن الأكوع من مقاتلته للقوم الذين أغاروا على سرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم واستنقاذه للسرح وقتل بعض القوم وأخذ بعض أموالهم قد تقدمت الإشارة إليها قريبًا وهي قصة مبسوطة في كتب الحديث والسير فلا حاجة إلى إيرادها هنا بكمالها‏.‏