فصل: باب التيامن في اللبس وما يقول من استجد ثوبًا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب نهي المرأة أن تلبس ما يحكي بدنها أو تشبه بالرجال

1 - عن أسامة بن زيد قال‏:‏ ‏(‏كساني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قبطية كثيفة كانت مما أهدي له دحية الكلبي فسكوتها امرأتي فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ما لك لا تلبس القبطية فقلت‏:‏ يا رسول اللَّه كسوتها امرأتي فقال‏:‏ مرها أن تجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة والبزار وابن سعد والروياني والبارودي والطبراني والبيهقي والضياء في المختارة وقد أخرج نحوه أبو داود عن دحية بن خليفة قال‏:‏ ‏(‏أُتي رسول اللَّه بقباطي فأعطاني منها قبطية فقال‏:‏ اصدعها صدعتين فاقطع أحدهما قميصًا وأعط الآخر امرأتك تختمر به فلما أدبر قال‏:‏ ومر امرأتك تجعل تحته ثوبًا لا يصفها‏)‏ وفي إسناده ابن لهيعة ولا يحتج بحديثه وقد تابع ابن لهيعة على روايته هذه أبو العباس يحيى بن أيوب المصري وفيه مقال وقد احتج به مسلم واستشهد به البخاري‏.‏

قوله ‏(‏قبطية‏)‏ قال في القاموس بضم القاف على غير قياس وقد تكسر وفي الضياء بكسرها‏.‏ وقال القاضي عياض بالضم وهي نسبة إلى القبط بكسر القاف وهم أهل مصر‏.‏

قوله ‏(‏غلالة‏)‏ الغلالة بكسر الغين المعجمة شعار يلبس تحت الثوب كما في القاموس وغيره‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على أنه يجب على المرأة أن تستر بدنها بثوب لا يصفه وهذا شرط ساتر العورة وإنما أمر بالثوب تحته لأن القباطي ثياب رقاق لا تستر البشرة عن رؤية الناظر بل تصفها‏.‏

وعن أم سلمة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم دخل على أم سلمة وهي تختمر فقال‏:‏ لية لا ليتين‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث رواه عن أم سلمة وهب مولى أبي أحمد قال المنذري‏:‏ وهذا يشبه المجهول وفي الخلاصة أنه وثقه ابن حبان‏.‏

قوله ‏(‏وهي تختمر‏)‏ الواو للحال والتقدير دخل عليها حال كونها تصلح خمارها يقال اختمرت المرأة وتخمرت إذا لبست الخمار كما يقال اعتم وتعمم إذا لبس العمامة‏.‏

قوله ‏(‏فقال لية‏)‏ بفتح اللام وتشديد الياء والنصب على المصدر والناصب فعل مقدر والتقدير الويه لية‏.‏

قوله ‏(‏لا ليتين‏)‏ أمرها أن تلوي خمارها على رأسها وتديره مرة واحدة لا مرتين لئلا يشبه اختمارها تدوير عمائم الرجال إذا اعتموا فيكون ذلك من التشبه المحرم وسيأتي أنه محرم على العموم من دون تخصيص‏.‏

3 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ صنفان من أهل النار لم أرهما بعد نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن أمثال أسنمة البخت المائلة لا يرين الجنة ولا يجدن ريحها‏.‏ ورجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

قوله ‏(‏صنفان من أهل النار‏)‏ فيه ذم هذين الصنفين‏.‏ قال النووي‏:‏ هذا الحديث من معجزات النبوة فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان‏.‏

قوله ‏(‏كاسيات عاريات‏)‏ قيل كاسيات من نعمة اللَّه عاريات من شكرها‏.‏ وقيل معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارًا لجمالها ونحوه وقيل تلبس ثوبًا رقيقًا يصف لون بدنها‏.‏

قوله ‏(‏مائلات‏)‏ أي عن طاعة اللَّه وما يلزمهن حفظه مميلات أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم‏.‏ وقيل مائلات بمشيهن متبخترات مميلات لأكتافهن‏.‏

وقيل المائلات بمشطهن مشطة البغايا المميلات بمشطهن غيرهن تلك المشطة‏.‏

قوله ‏(‏على رؤوسهن أمثال أسنمة البخت‏)‏ أي يكرمن شعورهن ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها‏.‏ والبخت بضم الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة والتاء المثناة الإبل الخراسانية‏.‏

ـ والحديث ـ ساقه المصنف للاستدلال به على كراهة لبس المرأة ما يحكي بدنها وهو أحد التفاسير كما تقدم والأخبار بأن من فعل ذلك من أهل النار وأنه لا يجد ريح الجنة مع أن ريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام وعيد شديد يدل على تحريم ما اشتمل عليه الحديث من صفات هذين الصنفين‏.‏

وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لعن الرجل يلبس لبس المرأة والمرأة تلبس لبس الرجل‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا النسائي ولم يتكلم عليه أبو داود ولا المنذري ورجال إسناده رجال الصحيح‏.‏ وأخرج أبو داود عن عائشة أنها قالت‏:‏ ‏(‏لعن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم الرجلة من النساء‏)‏ وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏لعن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء‏)‏ وأخرج أحمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص أنه رأى امرأة متقلدة قوسًا وهي تمشي مشية الرجل فقال‏:‏ من هذه فقال‏:‏ هذه أم سعيد بنت أبي جهل فقال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ ليس منا من تشبه بالرجال من النساء‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏لبس المرأة ولبس الرجل‏)‏ رواية أبي داود لبسة في الموضعين‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على تحريم تشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء لأن اللعن لا يكون إلا على فعل محرم وإليه ذهب الجمهور‏.‏ وقال الشافعي في الأم‏:‏ إنه لا يحرم زي النساء على الرجل وإنما يكره فكذا عكسه انتهى‏.‏ وهذه الأحاديث ترد عليه ولهذا قال النووي في الروضة‏:‏ والصواب أن تشبه النساء بالرجال وعكسه حرام للحديث الصحيح انتهى‏.‏

وقد قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في المترجلات‏:‏ ‏(‏أخرجوهن من بيوتكم‏)‏ وأخرج أبو داود من حديث أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏أُتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ما بال هذا فقالوا‏:‏ يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع قيل‏:‏ يا رسول اللَّه ألا نقتله قال‏:‏ إني نهيت أن أقتل المصلين‏)‏ وروى البيهقي أن أبا بكر أخرج مخنثًا وأخرج عمر واحدًا‏.‏

 باب التيامن في اللبس وما يقول من استجد ثوبًا

1 - عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا لبس قميصًا بدأ بميامنه‏)‏ وعن أبي سعيد قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا استجد ثوبًا سماه باسمه عمامة أو قميصًا أو رداء ثم يقول‏:‏ اللَّهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له‏)‏‏.‏

رواهما الترمذي‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضًا النسائي وذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه‏.‏ ويشهد له حديث‏:‏ ‏(‏إذا توضأتم وإذا لبستم فابدؤوا بميامنكم‏)‏ أخرجه ابن حبان والبيهقي والطبراني قال ابن دقيق العيد‏:‏ هو حقيق بأن يصح ويشهد له أيضًا حديث عائشة المتفق عليه بلفظ‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله‏)‏ وهو يدل على مشروعية الابتداء في لبس القميص بالميامن وكذلك لبس غيره لعموم الأحاديث الدالة على مشروعية تقديم الميامن‏.‏

ـ والحديث ـ الثاني أخرجه أيضًا النسائي وأبو داود وحسنه الترمذي‏.‏

قوله ‏(‏سماه باسمه‏)‏ قال ابن رسلان في شرح السنن‏:‏ البداءة باسم الثوب قبل حمد اللَّه تعالى أبلغ في تذكر النعمة وإظهارها فإن فيه ذكر الثوب مرتين فمرة ذكره ظاهرًا ومرة ذكره مضمرًا‏.‏

قوله ‏(‏أسألك خيره‏)‏ هكذا لفظ الترمذي ولفظ أبي داود‏:‏ ‏(‏أسألك من خيره‏)‏ بزيادة من‏.‏ ولفظ الترمذي أعم وأجمع لقول النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لعائشة‏:‏ ‏(‏عليك بالجوامع الكوامل اللَّهم إني أسألك الخير كله‏)‏ ولفظ أبي داود أنسب لما فيه من المطابقة لقوله في آخر الحديث‏:‏ ‏(‏وأعوذ بك من شره‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏وخير ما صنع له‏)‏ هو استعماله في طاعة اللَّه تعالى وعبادته ليكون عونًا له عليها‏.‏

قوله ‏(‏وشر ما صنع له‏)‏ هو استعماله في معصية اللَّه ومخالفة أمره‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على استحباب حمد اللَّه تعالى عند لبس الثوب الجديد‏.‏ وقد أخرج الحاكم في المستدرك عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ما اشترى عبد ثوبًا بدينار أو بنصف دينار فحمد اللَّه إلا لم يبلغ ركبتيه حتى يغفر اللَّه له‏)‏ وقال‏:‏ حديث لا أعلم في إسناده أحدًا ذكر بجرح واللَّه أعلم‏.‏

 أبواب اجتناب النجاسات ومواضع الصلوات

 باب اجتناب النجاسة في الصلاة والعفو عما لا يعلم بها

1 - عن جابر بن سمرة قال‏:‏ ‏(‏سمعت رجلًا سأل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أصلي في الثوب الذي آتي فيه أهلي قال‏:‏ نعم إلا أن ترى فيه شيئًا فتغسله‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

2 - وعن معاوية قال‏:‏ ‏(‏قلت لأم حبيبة‏:‏ هل كان يصلي النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الثوب الذي يجامع فيه قالت‏:‏ نعم إذا لم يكن فيه أذى‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا الترمذي‏.‏

حديث جابر بن سمرة رجال إسناده عند ابن ماجه ثقات وحديث معاوية رجال إسناده كلهم ثقات‏.‏

ـ والحديثان ـ يدلان على تجنب المصلي للثوب المتنجس وهل طهارة ثوب المصلي شرط لصحة الصلاة أم لا فذهب الأكثر إلى أنها شرط وروي عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير وهو مروي عن مالك أنها ليست بواجبة‏.‏ ونقل صاحب النهاية عن مالك قولين‏:‏ أحدهما إزالة النجاسة سنة وليست بفرض‏.‏ وثانيهما أنها فرض مع الذكر ساقطة مع النسيان‏.‏ وقديم قولي الشافعي أن إزالة النجاسة غير شرط‏.‏

ـ احتج الجمهورـ بحجج منها‏:‏ قوله تعالى ‏{‏وثيابك فطهر‏}‏ قال في البحر‏:‏ والمراد للصلاة للإجماع على أن لا وجوب في غيرها ولا يخفاك أن غاية ما يستفاد من الآية الوجوب عند من جعل الأمر حقيقة فيه والوجوب لا يستلزم الشرطية لأن كون الشيء شرطًا حكم شرعي وضعي لا يثبت إلا بتصريح الشارع بأنه شرط أو بتعليق الفعل به بأداة الشرط أو بنفي الفعل بدونه نفيًا متوجهًا إلى الصحة لا إلى الكمال أو بنفي الثمرة ولا يثبت بمجرد الأمر به‏.‏

وقد أجاب صاحب ضوء النهار عن الاستدلال بالآية بأنها مطلقة وقد حملها القائلون بالشرطية على الندب في الجملة فأين دليل الوجوب في المقيد وهو الصلاة‏.‏ وفيه أنهم لم يحملوها على الندب بل صرحوا بأنها مقتضية للوجوب في الجملة لكنه قام الإجماع على عدم الوجوب في غير الصلاة فكان صارفًا عن اقتضاء الوجوب فيما عدا المقيد‏.‏

ومنها خلع النعل الذي سيأتي وغاية ما فيه الأمر بمسح النعل وقد عرفت أنه لا يفيد الشرطية على أنه بني على ما كان قد صلى قبل الخلع ولو كانت طهارة الثياب ونحوها شرطًا لوجب عليه الاستئناف لأن الشرط يؤثر عدمه في عدم المشروط كما تقرر في الأصول فهو عليهم لا لهم‏.‏

ومنها الحديثان المذكوران في الباب ويجاب عنهما بأن الثاني فعل وهو لا يدل على الوجوب فضلًا عن الشرطية والأول ليس فيه ما يدل على الوجوب سلمنا أن قوله فتغسله خبر في معنى الأمر فهو غير صالح للاستدلال به على المطلوب‏.‏

ومنها حديث عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كنت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ وفيه‏:‏ ‏(‏فلما أصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أخذ الكساء فلبسه ثم خرج فصلى فيه الغداة ثم جلس فقال رجل‏:‏ يا رسول اللَّه هذه لمعة من دم في الكساء فقبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عليها مع ما يليها وأرسلها إليَّ مصرورة في يد الغلام فقال‏:‏ اغسلي هذه وأجفيها ثم أرسلي بها إليَّ فدعوت بقصعتي فغسلتها ثم أجفيتها ثم أخرجتها فجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو عليه‏)‏ أخرجه أبو داود ويجاب عنه أولًا بأنه غريب كما قال المنذري‏.‏ وثانيًا بأن غاية ما فيه الأمر وهو لا يدل على الشرطية‏.‏ وثالثًا بأنه عليهم لا لهم لأنه لم ينقل إلينا أنه أعاد الصلاة التي صلاها في ذلك الثوب‏.‏

ومنها حديث عمار بلفظ‏:‏ ‏(‏إنما تغسل ثوبك من البول والغائط والقيء والدم والمني‏)‏ رواه أبو يعلى والبزار في مسنديهما وابن عدي في الكامل والدارقطني والبيهقي في سننهما والعقيلي في الضعفاء وأبو نعيم في المعرفة والطبراني في الكبير والأوسط ويجاب عنه أولًا بأن هؤلاء كلهم ضعفوه وضعفه غيرهم من أهل الحديث لأن في إسناده ثابت بن حماد وهو متروك ومتهم بالوضع وعلي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف حتى قال البيهقي في سننه‏:‏ حديث باطل لا أصل له‏.‏ وثانيًا بأنه لا يدل على المطلوب وليس فيه إلا أنه يغسل الثوب من هذه الأشياء لا من غيرها‏.‏

ومنها حديث غسل المني وفركه في الصحيحين وغيرهما كما تقدم وهو لا يدل على الوجوب فكيف يدل على الشرطية‏.‏

ومنها حديث ‏(‏حتيه ثم اقرصيه‏)‏ عند البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أسماء وفي لفظ‏:‏ ‏(‏فلتقرصه ثم لتنضحه بماء‏)‏ من حديث عائشة وفي لفظ‏:‏ ‏(‏حكيه بضلع‏)‏ من حديث أم قيس بنت محصن ويجاب عن ذلك أولًا بأن الدليل أخص من الدعوى وثانيًا بأن غاية ما فيه الدلالة على الوجوب‏.‏

ومنها أحاديث الأمر بغسل النجاسة كحديث تعذيب من لم يستنزه من البول وحديث الأمر بغسل المذي وغيرهما وقد تقدمت في أول هذا الكتاب ويجاب عنها بأنها أوامر وهي لا تدل على الشرطية التي هي محل النزاع كما تقدم‏.‏ نعم يمكن الاستدلال بالأوامر المذكورة في هذا الباب على الشرطية إن قلنا إن الأمر بالشيء نهي عن ضده وأن النهي يدل على الفساد وفي كلا المسألتين خلاف مشهور في الأصول لولا أن ههنا مانعًا من الاستدلال بها على الشرطية وهو عدم إعادته صلى اللَّه عليه وآله وسلم للصلاة التي خلع فيها نعليه لأن بناءه على ما فعله من الصلاة قبل الخلع مشعر بأن الطهارة غير شرط وكذلك عدم نقل إعادته للصلاة التي صلاها في الكساء الذي فيه لمعة من دم كما تقدم‏.‏

ومن أدلتهم على الشرطية حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم‏)‏ أخرجه الدارقطني والعقيلي في الضعفاء وابن عدي في الكامل‏.‏

وهذا الحديث لو صح لكان صالحًا للاستدلال به على الشرطية المدعاة لكنه غير صحيح بل باطل لأن في إسناده روح بن غطيف‏.‏ وقال ابن عدي وغيره‏:‏ إنه تفرد به وهو ضعيف قال الذهلي‏:‏ أخاف أن يكون هذا موضوعًا‏.‏ وقال البخاري‏:‏ حديث باطل‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ موضوع‏.‏ وقال البزار‏:‏ أجمع أهل العلم على نكرة هذا الحديث‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وقد أخرجه ابن عدي في الكامل من طريق أخرى عن الزهري لكن فيها أبو عصمة وقد اتهم بالكذب انتهى‏.‏

إذا تقرر لك ما سقناه من الأدلة وما فيها فاعلم أنها لا تقصر عن إفادة وجوب تطهير الثياب فمن صلى وعلى ثوبه نجاسة كان تاركًا لواجب وأما أن صلاته باطلة كما هو شأن فقدان شرط الصحة فلا لما عرفت‏.‏

ومن فوائد حديثي الباب أنه لا يجب العمل بمقتضى المظنة لأن الثوب الذي يجامع فيه مظنة لوقوع النجاسة فيه فأرشد الشارع صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلى أن الواجب العمل بالمئنة دون المظنة‏.‏

ومن فوائدهما كما قال ابن رسلان في شرح السنن طهارة رطوبة فرج المرأة لأنه لم يذكر هنا أنه كان يغسل ثوبه من الجماع قبل أن يصلي ولو غسله لنقل‏.‏ ومن المعلوم أن الذكر يخرج وعليه رطوبة من فرج المرأة انتهى‏.‏

3 - وعن أبي سعيد‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه صلى فخلع نعليه فخلع الناس نعالهم فلما انصرف قال لهم‏:‏ لم خلعتم قالوا‏:‏ رأيناك خلعت فخلعنا فقال‏:‏ إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثًا فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما فإن رأى خبثًا فليمسحه بالأرض ثم ليصل فيهما‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الحاكم وابن خزيمة وابن حبان واختلف في وصله وإرساله ورجح أبو حاتم في العلل الموصول ورواه الحاكم من حديث أنس وابن مسعود ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس وعبد اللَّه بن الشخير وإسنادهما ضعيفان ورواه البزار من حديث أبي هريرة وإسناده ضعيف معلول أيضًا قاله الحافظ في التلخيص‏.‏

قوله ‏(‏فأخبرني‏)‏ فيه جواز تكليم المصلي وإعلامه بما يتعلق بمصالح الصلاة وأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة‏.‏

قوله ‏(‏خبثًا‏)‏ في رواية أبي داود ‏(‏قذرًا‏)‏ وهو ما تكرهه الطبيعة من نجاسة ومخاط ومني وغير ذلك‏.‏

ـ والحديث ـ قد عرفت مما سلف أنه استدل به القائلون بأن إزالة النجاسة من شروط صحة الصلاة وهو كما عرفناك عليهم لا لهم لأن استمراره على الصلاة التي صلاها قبل خلع النعل وعدم استئنافه لها يدل على عدم كون الطهارة شرعًا‏.‏ وأجاب الجمهور عن هذا بأن المراد بالقذر هو الشيء المستقذر كالمخاط والبصاق ونحوهما ولا يلزم من القذر أن يكون نجسًا وبأنه يمكن أن يكون دمًا يسيرًا معفوًا عنه وإخبار جبريل له بذلك لئلا تتلوث ثيابه بشيء مستقذر‏.‏ ويرد هذا الجواب بما قاله في البارع في تفسير قوله ‏{‏أو جاء أحد منكم من الغائط‏}‏ أنه كنى بالغائط عن القذر وقول الأزهري‏:‏ النجس القذر الخارج من بدن الإنسان فجعله لمستقذر غير نجس أو نجس معفو عنه تحكم وإخبار جبريل في حال الصلاة بالقذر الظاهر أنه لما فيها من النجاسة التي يجب تجنبها في الصلاة لا لمخافة التلوث لأنه لو كان لذلك لأخبره قبل الدخول في الصلاة لأن القعود حال لبسها مظنة للتلوث بما فيها على أن هذا الجواب لا يمكن مثله في رواية الخبث المذكورة في الباب للاتفاق بين أئمة اللغة وغيرهم أن الأخبثين هما البول والغائط‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه تعالى بعد أن ساق الحديث ما لفظه‏:‏ وفيه أن دلك النعال يجزئ وأن الأصل أن أمته أسوته في الأحكام وأن الصلاة في النعلين لا تكره وأن العمل اليسير معفو عنه انتهى‏.‏ وقد تقدم الكلام على أن دلك النعال مطهر لها في أبواب تطهير النجاسة وأما أمته أسوته فهو الحق وفيه خلاف في الأصل مشهور وأما عدم كراهة الصلاة في النعلين فسيأتي وأما العفو عن العمل اليسير فسيأتي أيضًا‏.‏ ومن فوائد الحديث جواز المشي إلى المسجد بالنعل‏.‏

 باب حمل المحدث والمستجمر في الصلاة وثياب الصغار وما شك في نجاسته

1 - عن أبي قتادة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب فإذا ركع وضعها وإذا قام حملها‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله ‏(‏وهو حامل أمامة‏)‏ قال الحافظ‏:‏ المشهور في الروايات التنوين ونصب أمامة وروي بالإضافة وزاد عبد الرزاق عن مالك بإسناد حديث الباب ‏(‏على عاتقه‏)‏ وكذا لمسلم وغيره من طريق أخرى ولأحمد من طريق ابن جريج ‏(‏على رقبته‏)‏ وأمامة بضم الهمزة وتخفيف الميمين كانت صغيرة على عهد النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وتزوجها علي بعد موت فاطمة بوصية منها‏.‏

قوله ‏(‏فإذا ركع وضعها‏)‏ هكذا في صحيح مسلم والنسائي وأحمد وابن حبان كلهم عن عامر بن عبد اللَّه شيخ مالك‏.‏ ورواية البخاري عن مالك ‏(‏فإذا سجد‏)‏ ولأبي داود من طريق المقبري عن عمرو بن سليم ‏(‏حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردها في مكانها‏)‏ وهذا صريح في أن فعل الحمل والوضع كان منه لا منها وهو يرد تأويل الخطابي حيث قال‏:‏ يشبه أن تكون الصبية قد ألفته فإذا سجد تعلقت بأطرافه والتزمته فينهض من سجوده فتبقى محمولة كذلك إلا أن يركع فيرسلها ويرد أيضًا قول ابن دقيق العيد أن لفظ حمل لا يساوي لفظ وضع في اقتضاء فعل الفاعل لأنا نقول فلان حمل كذا ولو كان غيره حمله بخلاف وضع فعلى هذا فالفعل الصادر منه هو الوضع لا الرفع فيقل العمل انتهى‏.‏ لأن قوله حتى إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردها في مكانها صريح في أن الرفع صادر منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقد رجع ابن دقيق العيد إلى هذا فقال‏:‏ وقد كنت أحسب هذا يعني الفرق بين حمل ووضع وأن الصادر منه الوضع لا الرفع حسنًا إلى أن رأيت في بعض طرقه الصحيحة فإذا قام أعادها انتهى‏.‏ وهذه الرواية في صحيح مسلم ولأحمد ‏(‏فإذا قام حملها فوضعها على رقبته‏)‏‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على أن مثل هذا الفعل معفو عنه من غير فرق بين الفريضة والنافلة والمنفرد والمؤتم والإمام لما في صحيح مسلم من زيادة ‏(‏وهو يؤم الناس في المسجد‏)‏ وإذا جاز ذلك في حال الإمامة في صلاة الفريضة جاز في غيرها بالأولى‏.‏

قال القرطبي‏:‏ وقد اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث والذي أحوجهم إلى ذلك أنه عمل كثير فروى ابن القاسم عن مالك أنه كان في النافلة واستبعده المازري وعياض وابن القاسم قال المازري‏:‏ إمامته بالناس في النافلة ليست بمعهودة‏.‏ وأصرح من هذا ما أخرجه أبو داود بلفظ‏:‏ ‏(‏بينما نحن ننتظر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الظهر أو العصر وقد دعاه بلال إلى الصلاة إذ خرج علينا وأمامة على عاتقه فقام في مصلاه فقمنا خلفه فكبر فكبرنا وهي في مكانها‏)‏ وروى أشهب وعبد اللَّه بن نافع عن مالك أن ذلك للضرورة حيث لم يجد من يكفيه أمرها وقال بعض أصحابه‏:‏ لأنه لو تركها لبكت وشغلته أكثر من شغلته بحملها‏.‏

وفرق بعض أصحابه بين الفريضة والنافلة‏.‏ وقال الباجي‏:‏ إن وجد من يكفيه أمرها جاز في النافلة دون الفريضة وإن لم يجد جاز فيهما‏.‏ قال القرطبي‏:‏ وروى عبد اللَّه بن يوسف التنيسي عن مالك أن الحديث منسوخ‏.‏ قال الحافظ‏:‏ روى ذلك عنه الإسماعيلي لكنه غير صريح‏.‏ وقال ابن عبد البر‏:‏ لعل الحديث منسوخ بتحريم العمل والاشتغال في الصلاة وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال وبأن القضية بعد قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن في الصلاة لشغلًا‏)‏ لأن ذلك كان قبل الهجرة وهذه القصة كانت بعد الهجرة بمدة مديدة قطعًا قاله الحافظ‏.‏

وقال القاضي عياض‏:‏ إن ذلك كان من خصائصه ورد بأن الأصل عدم الاختصاص‏.‏ قال النووي بعد أن ذكر هذه التأويلات‏:‏ وكل ذلك دعاوى باطلة مردودة لا دليل عليها لأن الآدمي طاهر وما في جوفه معفو عنه وثياب الأطفال وأجسادهم محمولة على الطهارة حتى تتبين النجاسة والأعمال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت ودلائل الشرع متظاهرة على ذلك وإنما فعل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ذلك لبيان الجواز انتهى‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وحمل أكثر أهل العلم هذا الحديث على أنه عمل غير متوال لوجود الطمأنينة في أركان الصلاة‏.‏

ومن فوائد الحديث جواز إدخال الصبيان المساجد وسيأتي الكلام على ذلك وأن مس الصغيرة لا ينتقض به الوضوء وأن الظاهر طهارة ثياب من لا يحترز من النجاسة كالأطفال‏.‏ وقال ابن دقيق العيد‏:‏ يحتمل أن يكون ذلك وقع حال التنظيف لأن حكايات الأحوال لا عموم لها‏.‏

2 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏كنا نصلي مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم العشاء فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا رفع رأسه أخذهما من خلفه أخذًا رفيقًا ويضعهما على الأرض فإذا عاد عادا حتى قضى صلاته ثم أقعد أحدهما على فخذيه قال‏:‏ فقمت إليه فقلت يا رسول اللَّه أردهما فبرقت برقة فقال لهما‏:‏ الحقا بأمكما فمكث ضؤوها حتى دخلا‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن عساكر وفي إسناد أحمد كامل بن العلاء وفيه مقال معروف وهو يدل على أن مثل هذا الفعل الذي وقع منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم غير مفسد للصلاة وفيه التصريح بأن ذلك كان في الفريضة وقد تقدم الكلام في شرح الحديث الذي قبل هذا‏.‏

وفيه جواز إدخال الصبيان المساجد وقد أخرج الطبراني من حديث معاذ بن جبل قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ جنبوا مساجدكم صبيانكم وخصوماتكم وحدودكم وشراءكم وبيعكم وجمروها يوم جمعكم واجعلوا على أبوابها مطاهركم‏)‏ ولكن الراوي له عن معاذ مكحول وهو لم يسمع منه‏.‏ وأخرج ابن ماجه من حديث واثلة بن الأسقع‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمروها في الجمع‏)‏ وفي إسناده الحارث بن شهاب وهو ضعيف‏.‏ وقد عارض هذين الحديثين الضعيفين حديث أمامة المتقدم وهو متفق عليه‏.‏

وحديث الباب وحديث أنس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إني لأسمع بكاء الصبي وأنا في الصلاة فأخفف مخافة أن تفتتن أمه‏)‏ وهو متفق عليه فيجمع بين الأحاديث بحمل الأمر بالتجنيب على الندب كما قال العراقي في شرح الترمذي أو بأنها تنزه المساجد عمن لا يؤمن حدثه فيها‏.‏

3 - وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي من الليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعلي مرط وعليه بعضه‏)‏‏.‏

رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا النسائي واتفق على نحوه الشيخان من حديث ميمونة‏.‏

قوله ‏(‏مرط‏)‏ بكسر الميم وهو كساء من صوف أو خز أو كتان وقيل لا يسمى مرطًا إلا الأخضر‏.‏ وفي الصحيح‏:‏ ‏(‏في مرط من شعر أسود‏)‏ والمرط يكون إزارًا ويكون رداء قاله ابن رسلان‏.‏

ـ وفيه دليل ـ على أن وقوف المرأة بجنب المصلي لا يبطل صلاته وهو مذهب الجمهور وقال أبو حنيفة‏:‏ إنها تبطل والحديث يرد عليه‏.‏ وفيه أن ثياب الحائض طاهرة إلا موضعًا يرى فيه أثر الدم أو النجاسة‏.‏ وفيه جواز الصلاة بحضرة الحائض وجواز الصلاة في ثوب بعضه على المصلي وبعضه عليها‏.‏

4 - وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يصلي في شعرنا‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه‏.‏ ولفظه‏:‏ ‏(‏لا يصلي في لحف نسائه‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه كلهم من طريق محمد ابن سيرين عن عبد اللَّه بن شقيق عن عائشة قال أبو داود في سننه‏:‏ قال حماد يعني ابن زيد‏:‏ سمعت سعيد بن أبي صدقة قال‏:‏ سألت محمدًا يعني ابن سيرين عنه فلم يحدثني وقال‏:‏ سمعته منذ زمان ولا أدري ممن سمعته من ثبت أم لا فاسألوا عنه‏.‏ قال ابن عبد البر في هذا المعنى‏:‏ قول من حفظ عنه حجة على من سأله في حال نسيانه أو في حال تغير فكره من أمر طرأ له من غضب أو غيره ففي مثل هذا العالم لا يسأل وقوله فاسألوا عنه غيري لا يقدح في الرواية المتقدمة فإنه محمول على أنه أمر بسؤال غيره لتقوية الحجة‏.‏

قوله ‏(‏في شعرنا‏)‏ بضم الشين والعين المهملة جمع شعار على وزن كتب وكتاب وهو الثوب الذي يلي الجسد وخصتها بالذكر لأنها أقرب إلى أن تنالها النجاسة من الدثار وهو الثوب الذي يكون فوق الشعار قال ابن الأثير‏:‏ المراد بالشعار هنا الإزار الذي كانوا يتغطون به عند النوم‏.‏ وفي رواية أبي داود‏:‏ ‏(‏في شعرنا أو لحفنا‏)‏ شك من الراوي واللحاف اسم لما يلتحف به‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على مشروعية تجنب ثياب النساء التي هي مظنة لوقوع النجاسة فيها وكذلك سائر الثياب التي تكون كذلك‏.‏ وفيه أيضًا أن الاحتياط والأخذ باليقين جائز غير مستنكر في الشرع وأن ترك المشكوك فيه إلى المتيقن المعلوم جائز وليس من نوع الوسواس كما قال بعضهم‏.‏ وقد تقدم في الباب الأول أنه كان يصلي في الثوب الذي يجامع فيه أهله ما لم ير فيه أذى وأنه قال لمن سأله هل يصلي في الثوب الذي يأتي فيه أهله نعم إلا أن يرى فيه شيئًا فيغسله وذكرنا هنالك أنه من باب الأخذ بالمئنة لعدم وجوب العمل بالمظنة وهكذا حديث صلاته في الكساء الذي لنسائه وقد تقدم‏.‏ وحديث عائشة المذكور قبل هذا وكل ذلك يدل على عدم وجوب تجنب ثياب النساء وإنما هو مندوب فقط عملًا بالاحتياط كما يدل عليه حديث الباب وبهذا يجمع بين الأحاديث‏.‏

 باب من صلى على مركوب نجس أو قد أصابته نجاسة

1 - عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏رأيت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود‏.‏

2 - وعن أنس‏:‏ ‏(‏أنه رأى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي على حمار وهو راكب إلى خيبر والقبلة خلفه‏)‏‏.‏

رواه النسائي‏.‏

أما حديث ابن عمر فرواه عمرو بن يحيى المازني عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن عبد اللَّه بن عمر بلفظ الكتاب‏.‏

قال النسائي‏:‏ عمرو بن يحيى لا يتابع على قوله على حمار وربما قال على راحلته‏.‏ وقال الدارقطني وغيره‏:‏ غلط عمرو بن يحيى بذكر الحمار والمعروف على راحلته وعلى البعير وقد أخرجه مسلم في الصحيح من طريق عمرو بن يحيى بلفظ‏:‏ ‏(‏على حمار‏)‏ قال النووي‏:‏ وفي الحكم بتغليظ عمرو بن يحيى نظر لأنه ثقة نقل شيئًا محتملًا فلعله كان الحمار مرة والبعير مرات ولكنه يقال إنه شاذ فإنه مخالف رواية الجمهور في البعير والراحلة والشاذ مردود وهو المخالف للجماعة واللَّه أعلم انتهى‏.‏

وأما حديث أنس فإسناده في سنن النسائي هكذا أخبرنا محمد بن منصور قال حدثنا إسماعيل بن عمر قال حدثنا داود بن قيس عن محمد بن عجلان عن يحيى بن سعيد عن أنس فذكره وهؤلاء كلهم ثقات‏.‏ قال النسائي‏:‏ الصواب موقوف انتهى‏.‏ وقد أخرجه مسلم والإمام مالك في الموطأ من فعل أنس‏.‏ ولفظ مسلم‏:‏ حدثنا أنس بن سيرين قال‏:‏ تلقينا أنس بن مالك حين قدم الشام فلقيناه بعين التمر فرأيته يصلي على حمار‏.‏ قال القاضي عياض‏:‏ قيل إنه وهم وصوابه قدم من الشام كما جاء في صحيح البخاري لأنهم خرجوا من البصرة للقائه حين قدم من الشام‏.‏

قال النووي‏:‏ ورواية مسلم صحيحة ومعناه تلقيناه في رجوعه حين قدم الشام وإنما حذف في رجوعه للعلم به‏.‏ واستدل المصنف بالحديثين على جواز الصلاة على المركوب النجس والمركوب الذي أصابته نجاسة وهو لا يتم إلا على القول بأن الحمار نجس عين نعم يصح الاستدلال به على جواز الصلاة على ما فيه نجاسة لأن الحمار لا ينفك عن التلوث بها‏.‏

ـ والحديثان ـ يدلان على جواز التطوع على الراحلة‏.‏ قال النووي‏:‏ وهو جائز بإجماع المسلمين ولا يجوز عند الجمهور إلا في السفر من غير فرق بين قصيره وطويله وقيده مالك بسفر القصر‏.‏

وقال أبو يوسف وأبو سعيد الأصطخري من أصحاب الشافعي‏:‏ إنه يجوز التنفل على الدابة في البلد وسيعقد المصنف لذلك بابًا في آخر أبواب القبلة‏.‏

 باب الصلاة على الفراء والبسط وغيرهما من المفارش

1 - عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى على بساط‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

الحديث في إسناده زمعة بن صالح الحيدي ضعفه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي وقد أخرج له مسلم فرد حديث مقرونًا بآخر وهذا الحديث قد أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف قال حدثنا وكيع عن زمعة عن عمرو بن دينار وسلمة قال أحدهما‏:‏ عن عكرمة عن ابن عباس فذكره‏.‏

وفي الباب عن أنس بن مالك عند البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وصححه وابن ماجه بلفظ‏:‏ ‏(‏كان يقول لأخ لي صغير يا أبا عمير ما فعل النغير قال‏:‏ ونضح بساط لنا فصلى عليه‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏بساط‏)‏ بكسر الباء جمعه بسط بضمها وتسكين السين وضمها وهو ما يبسط أي يفرش وأما البساط بفتح الباء فهي الأرض الواسعة قال عديل ابن الفرخ العجلي‏:‏

ودون يد الحجاج من أن تنالني ** بساط لأيدي الناعجات عريض

ـ والحديث ـ يدل على جواز الصلاة على البسط وقد حكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم وهو قول الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وجمهور الفقهاء وقد كره ذلك جماعة من التابعين ممن بعدهم فروى ابن أبي شيبة في المصنف عن سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين أنهما قالا الصلاة على الطنفسة وهي البساط الذي تحته خمل محدثة‏.‏ وعن جابر بن زيد أنه كان يكره الصلاة على كل شيء من الحيوان ويستحب الصلاة على كل شيء من نبات الأرض‏.‏ وعن عروة بن الزبير أنه كان يكره أن يسجد على شيء دون الأرض‏.‏

وإلى الكراهة ذهب الهادي ومالك‏.‏ ومنعت الإمامية صحة السجود على ما لم يكن أصله من الأرض وكره مالك أيضًا الصلاة على ما كان من نبات الأرض فدخلته صناعة أخرى كالكتان والقطن‏.‏ قال ابن العربي‏:‏ وإنما كرهه من جهة الزخرفة‏.‏ واستدل الهادي على كراهة ما ليس من الأرض بحديث ‏(‏جعلت لنا الأرض مسجدًا وطهورًا‏)‏ بناء على أن لفظ الأرض لا يشمل ذلك‏.‏ قال في ضوء النهار‏:‏ وهو وهم لأن المراد بالأرض في حديث التراب بدليل ‏(‏وطهورًا‏)‏ وإلا لزم مذهب أبي حنيفة في جواز التيمم بما أنبتت الأرض انتهى‏.‏

وأقول‏:‏ بل المراد بالأرض في الحديث ما هو أعم من التراب بدليل ما ثبت في الصحيح بلفظ ‏(‏وتربتها طهورًا‏)‏ وإلا لزم صحة إضافة الشيء إلى نفسه وهي باطلة بالاتفاق ولكن الأولى أن يقال في الجواب عن الاستدلال بالحديث أن التنصيص على كون الأرض مسجدًا لا ينفي كون غيرها مسجدًا بعد تسليم عدم صدق مسمى الأرض على البسط على أن السجود على البسط ونحوها سجود على الأرض كما يقال للراكب على السرج الموضوع على ظهر الفرس راكب على الفرس وقد صح أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى على البسط وهو لا يفعل المكروه‏.‏

ـ فائدة ـ حديث أنس الذي ذكر بلفظ البسط أخرجه الأئمة الستة بلفظ الحصير قال العراقي في شرح الترمذي‏:‏ فرق المصنف يعني الترمذي بين حديث أنس في الصلاة على البسط وبين حديث أنس في الصلاة على الحصير وعقد لكل منهما بابًا وقد روى ابن أبي شيبة في سننه ما يدل على أن المراد بالبساط الحصير بلفظ‏:‏ ‏(‏فيصلي أحيانًا على بساط لنا وهو حصير ننضحه بالماء‏)‏ قال العراقي‏:‏ فتبين أن مراد أنس بالبساط الحصير ولا شك أنه صادق على الحصير لكونه يبسط على الأرض أي يفرش انتهى‏.‏ وهذه الرواية إن صلحت لتقييد حديث أنس لم تصلح لتقييد حديث ابن عباس‏.‏

2 - وعن المغيرة بن شعبة قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي على الحصير والفروة المدبوغة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث في إسناده أبو عون محمد بن عبيد اللَّه بن سعيد الثقفي عن أبيه عن المغيرة وأبو عون ثقة احتج به الشيخان وأما أبوه فلم يرو عنه غير ابنه أبي عون قال أبو حاتم فيه‏:‏ مجهول وذكره ابن حبان في الثقات في أتباع التابعين وقال‏:‏ يروي المقاطيع قال العراقي‏:‏ وهذا يدل على الانقطاع بينه وبين المغيرة انتهى‏.‏ ولكن صلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم على الحصير ثابتة من حديث أنس عند الجماعة ومن حديث أبي سعيد وسيأتي ومن حديث أم سلمة عند الطبراني في الكبير ومن حديث ابن عمر عند أبي حاتم في العلل‏.‏

قوله ‏(‏والفروة المدبوغة‏)‏ الفروة هي التي تلبس وجمعها فراء كبهمة وبهام وفي ذلك رد على من كره الصلاة على غير الأرض وما خلق منها وقد تقدم الكلام على ذلك‏.‏

ـ ويدل الحديث ـ وسائر الأحاديث التي ذكرناها على أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى على الحصير‏.‏ وأخرج أبو يعلى الموصلي عن عائشة بسند قال العراقي رجاله ثقات‏:‏ ‏(‏إنها سئلت أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي على الحصير قالت‏:‏ لم يكن يصلي عليه‏)‏ وكيفية الجمع بين حديثها هذا وسائر الأحاديث أنها إنما نفت علمها ومن علم صلاته على الحصير مقدم على النافي وأيضًا فإن حديثها وإن كان رجاله ثقات فإن فيه شذوذًا ونكارة كما قال العراقي‏.‏

وقد ذهب إلى استحباب الصلاة على الحصير أكثر أهل العلم كما قال الترمذي قال‏:‏ إلا أن قومًا من أهل العلم اختاروا الصلاة على الأرض استحبابًا انتهى‏.‏

وقد روي عن زيد بن ثابت وأبي ذر وجابر بن عبد اللَّه وعبد اللَّه بن عمر وسعيد بن المسيب ومكحول وغيرهما من التابعين استحباب الصلاة على الحصير وصرح ابن المسيب بأنها سنة‏.‏

وممن اختار مباشرة المصلي للأرض من غير وقاية عبد اللَّه بن مسعود فروى الطبراني عنه أنه كان لا يصلي ولا يسجد إلا على الأرض وعن إبراهيم النخعي أنه كان يصلي على الحصير ويسجد على الأرض‏.‏

3 - وعن أبي سعيد‏:‏ ‏(‏أنه دخل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ فرأيته يصلي على حصير يسجد عليه‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏

حديث أبي سعيد أخرجه مسلم عن عمرو الناقد وإسحاق بن إبراهيم كلاهما عن عيسى بن يونس‏.‏ ورواه أيضًا مسلم وابن ماجه عن أبي كريب زاد مسلم وعن أبي بكر ابن أبي شيبة كلاهما عن أبي معاوية عن الأعمش زاد مسلم‏:‏ ‏(‏ورأيته يصلي في ثوب واحد متوشحًا به‏)‏ وهذه الزيادة أفردها ابن ماجه فرواها عن أبي كريب عن عمر بن عبيد عن الأعمش والكلام على فقه الحديث قد تقدم‏.‏

4 - وعن ميمونة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي على الخمرة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا الترمذي لكنه له من رواية ابن عباس رضي اللَّه عنه‏.‏

لفظ حديث ابن عباس في سنن الترمذي‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي على الخمرة‏)‏ وقال‏:‏ حسن صحيح‏.‏

وفي الباب عن أم حبيبة عند الطبراني وعن أم سلمة عند الطبراني أيضًا وعن عائشة عند مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وعن ابن عمر عند الطبراني في الكبير والأوسط وأحمد والبزار وعن أم كلثوم بنت أبي سلمة بن عبد الأسد عند ابن أبي شيبة‏.‏ قال الترمذي‏:‏ ولم يسمع من النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقد أورد لها الطبراني في المعجم الكبير أحاديث من روايتها عن أم سلمة وفي بعض طرقها عن أم كلثوم بنت عبد اللَّه بن زمعة أن جدتها أم سلمة زوج النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم دفعت إليها مخضبًا من صفر‏.‏

وعن أنس عند الطبراني في الصغير والأوسط والبزار بإسناد رجاله ثقات وعن جابر عند البزار وعن أبي بكرة عند الطبراني بإسناد رجاله ثقات وعن أبي هريرة عند مسلم والنسائي وعن أم أيمن عند الطبراني بإسناد جيد وعن أم سليم عند أحمد والطبراني وإسناده جيد‏.‏

قوله ‏(‏على الخمرة‏)‏ قال أبو عبيد‏:‏ هي بضم الخاء سجادة من سعف النخل على قدر ما يسجد عليه المصلي فإن عظم بحيث يكفي لجسده كله في صلاة أو اضطجاع فهو حصير وليس بخمرة‏.‏ وقال الجوهري‏:‏ الخمرة بالضم سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل وترمل بالخيوط‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ الخمرة السجادة وكذا قال صاحب المشارق قال‏:‏ وهي على قدر ما يضع عليه الوجه والأنف‏.‏

وقال صاحب النهاية‏:‏ هي مقدار ما يضع عليه الرجل وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه من الثياب ولا يكون خمرة إلا في هذا المقدار وقد تقدم تفسير الخمرة بأخصر مما هنا في باب الرخصة في اجتياز الجنب من المسجد من أبواب الغسل‏.‏ ومادة خمر تدل على التغطية والستر ومنه سميت الخمر لأنها تخمر العقل أي تغطيه وتستره‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على أنه لا بأس بالصلاة على السجادة سواء كانت من الخرق أو الخوص أو غير ذلك سواء كانت صغيرة كالخمرة على القول بأنها لا تسمى خمرة إلا إذا كانت صغيرة أو كانت كبيرة كالحصير والبساط لما تقدم من صلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم على الحصير والبساط والفروة‏.‏ وقد أخرج أحمد في مسنده من حديث أم سلمة أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال لأفلح‏:‏ ‏(‏يا أفلح ترب وجهك‏)‏ أي في سجوده‏.‏ قال العراقي‏:‏ والجواب عنه أنه لم يأمره أن يصلي على التراب وإنما أراد به تمكين الجبهة من الأرض وكأنه رآه يصلي ولا يمكن جبهته من الأرض فأمره بذلك لا أنه رآه يصلي على شيء يستره من الأرض فأمره بنزعه انتهى‏.‏ وقد ذهب إلى أنه لا بأس بالصلاة على الخمرة الجمهور قال الترمذي‏:‏ وبه يقول بعض أهل العلم وقد نسبه العراقي إلى الجمهور من غير فرق بين ثياب القطن والكتان والجلود وغيرها من الطاهرات وقد تقدم ذكر من اختار مباشرة الأرض‏.‏

5 - وعن أبي الدرداء قال‏:‏ ‏(‏ما أبالي لو صليت على خمس طنافس‏)‏‏.‏

رواه البخاري في تاريخه‏.‏

الحديث رواه ابن أبي شيبة عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏ست طنافس بعضها فوق بعض‏)‏ وروى ابن أبي شيبة عن ابن عباس أنه صلى على طنفسة‏.‏ وعن أبي وائل أنه صلى على طنفسة وعن الحسن قال‏:‏ لا بأس بالصلاة على الطنفسة‏.‏ وعنه أنه كان يصلي على طنفسة قدماه وركبتاه عليها ويداه ووجهه على الأرض‏.‏ وعن إبراهيم والحسن أيضًا أنهما صليا على بساط فيه تصاوير‏.‏ وعن عطاء أنه صلى على بساط أبيض‏.‏ وعن سعيد بن جبير أنه صلى على بساط أيضًا وعن مرة الهمداني أنه صلى على لبد وكذا عن قيس بن عباد‏.‏

ـ وإلى جواز الصلاة ـ على الطنافس ذهب جمهور العلماء والفقهاء كما تقدم في الصلاة على البسط وخالف في ذلك من خالف في الصلاة على البسط لأن الطنافس البسط التي تحتها خمل كما تقدم‏.‏

قوله ‏(‏طنافس‏)‏ جمع طنفسة وفي ضبطها لغات كسر الطاء والفاء معًا وضمهما وفتحهما معًا وكسر الطاء مع فتح الفاء‏.‏

 باب الصلاة في النعلين والخفين

1 - وعن أبي مسلمة سعيد بن يزيد قال‏:‏ ‏(‏سألت أنسًا أكان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي في نعليه قال‏:‏ نعم‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وعن شداد بن أوس قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث الأول أخرجه البخاري عن أدم عن شعبة وعن سليمان بن حرب عن حماد ابن زيد وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عن بشر بن المغفل وعن الربيع الزهراني عن عباد بن العوام وأخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن يزيد بن زريع وغسان بن مضر عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد‏.‏

والحديث الثاني أخرجه ابن حبان أيضًا في صحيحه ولا مطعن في إسناده وفي الباب أحاديث أربعة أخر عن أنس‏:‏ الأول عند الطبراني والبيهقي قال البيهقي‏:‏ لا بأس بإسناده‏.‏ الثاني عند البزار بنحو حديث شداد بن أوس‏.‏ والثالث عند ابن مردويه بلفظ‏:‏ ‏(‏صلوا في نعالكم‏)‏ وفي إسناده عباد بن جويرية كذبه أحمد والبخاري‏.‏ والرابع عند ابن مردويه وفي إسناده عيسى بن عبد اللَّه العسقلاني وهو ضعيف يسرق الحديث‏.‏

وفي الباب عن عبد اللَّه بن مسعود عند ابن ماجه‏.‏ وله حديث آخر عند الطبراني في إسناده علي بن عاصم تكلم فيه‏.‏ وله حديث ثالث عند البزار والطبراني والبيهقي وفي إسناده أبو حمزة الأعور وهو غير محتج به‏.‏ وعن عبد اللَّه بن أبي حبيبة عند أحمد والبزار والطبراني‏.‏

وعن عبد اللَّه بن عمرو عند أبي داود وابن ماجه‏.‏ وعن عمرو بن حريث عند الترمذي في الشمائل والنسائي‏.‏ وعن أوس الثقفي عند ابن ماجه‏.‏ وعن أبي هريرة عند أبي داود‏.‏ وله حديث آخر عند أحمد والبيهقي‏.‏ وله حديث ثالث عند البزار والطبراني وفيه عباد بن كثير وهو لين الحديث وقيل متروك وقيل لا يحتج بحديثه‏.‏ وله حديث رابع رواه ابن مردويه وفيه صالح مولى التومأة وهو ضعيف‏.‏ وعن عطاء الشيبي عند ابن منده في معرفة الصحابة والطبراني وابن قانع‏.‏ وعن البراء عند أبي الشيخ وفي إسناده سوار بن مصعب وهو ضعيف‏.‏ وعن عبد اللَّه بن الشخير عند مسلم‏.‏ وله حديث آخر عند الطبراني‏.‏ وعن ابن عباس عند البزار والطبراني وابن عدي وفي إسناده النضر بن عمر وهو ضعيف جدًا‏.‏ وله حديث آخر عند الطبراني‏.‏ وعن عبد اللَّه بن عمر عند الطبراني‏.‏ وعن علي بن أبي طالب عند ابن عدي في الكامل من رواية الحسين بن ضميرة عن أبيه عن جده وهو ضعيف جدًا‏.‏ وله حديث آخر عند أبي يعلى وابن عدي وقال‏:‏ وهذا ليس له أصل وهو مما وضعه محمد بن الحجاج اللخمي‏.‏ وعن فيروز الديلمي عند الطبراني وإسناده جيد‏.‏ وعن مجمع بن جارية عند أحمد وفي إسناده يزيد بن عياض وهو ضعيف‏.‏ وعن الهرماس بن زياد عند ابن حبان في الثقات والطبراني في معجمه الكبير والأوسط‏.‏ وعن أبي بكرة عند البزار وأبي يعلى وابن عدي وفي إسناده بحر بن مرار اختلط وتغير وقد وثقه ابن معين‏.‏ وعن أبي ذر عند أبي الشيخ والبيهقي‏.‏ وعن أبي سعيد عند أبي داود‏.‏ وعن عائشة عند الطبراني بإسناد صحيح‏.‏ وعن أعرابي من الصحابة لم يسم عند ابن أبي شيبة في مصنفه وأحمد في مسنده‏.‏

ـ والحديثان يدلان ـ على مشروعية الصلاة في النعال وقد اختلف نظر الصحابة والتابعين في ذلك هل هو مستحب أو مباح أو مكروه فروي عن عمر بإسناد ضعيف أنه كان يكره خلع النعال ويشتد على الناس في ذلك وكذا عن ابن مسعود‏.‏ وكان أبو عمرو الشيباني يضرب الناس إذا خلعوا نعالهم‏.‏ وروي عن إبراهيم أنه كان يكره خلع النعال وهذا يشعر بأنه مستحب عند هؤلاء‏.‏ قال العراقي في شرح الترمذي‏:‏ وممن كان يفعل ذلك يعني لبس النعل في الصلاة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد اللَّه بن مسعود وعويمر بن ساعدة وأنس بن مالك وسلمة بن الأكوع وأوس الثقفي‏.‏ ومن التابعين سعيد بن المسيب والقاسم وعروة بن الزبير وسالم بن عبد اللَّه وعطاء بن يسار وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وطاوس وشريح القاضي وأبو مجلز وأبو عمرو الشيباني والأسود بن يزيد وإبراهيم النخعي وإبراهيم التيمي وعلي بن الحسين وابنه أبو جعفر‏.‏ وممن كان لا يصلي فيهما عبد اللَّه بن عمر وأبو موسى الأشعري‏.‏

وممن ذهب إلى الاستحباب الهادوية وإن أنكر ذلك عوامهم قال الإمام المهدي في البحر‏:‏ مسألة‏:‏ ويستحب في النعل الطاهر لقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏صلوا في نعالكم‏)‏ الخبر‏.‏ وقال ابن دقيق العيد في شرح الحديث الأول من حديثي الباب‏:‏ إنه لا ينبغي أن يؤخذ منه الاستحباب لأن ذلك لا مدخل له في الصلاة ثم أطال البحث وأطاب إلا أن الحديث الثاني من حديثي الباب أقل أحواله الدلالة على الاستحباب وكذلك سائر الأحاديث التي ذكرنا‏.‏ وقد أخرج أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري قال‏:‏ ‏(‏قال صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذر أو أذى فليمسحه وليصل فيهما‏)‏‏.‏

ويمكن الاستدلال لعدم الاستحباب بما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة‏:‏ ‏(‏عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحدًا ليجعلهما بين رجليه أو ليصل فيهما‏)‏ وهو كما قال العراقي‏:‏ صحيح الإسناد‏.‏ وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏(‏رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي حافيًا ومنتعلًا‏)‏ أخرجه أبو داود وابن ماجه‏.‏ وروى ابن أبي شيبة بإسناده إلى أبي عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال‏:‏ ‏(‏صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في نعليه فصلى الناس في نعالهم فخلع نعليه فخلعوا فلما صلى قال‏:‏ من شاء أن يصلي في نعليه فليصل ومن شاء أن يخلع فليخلع‏)‏ قال العراقي‏:‏ وهذا مرسل صحيح الإسناد‏.‏

ويجمع بين أحاديث الباب بجعل حديث أبي هريرة وما بعده صارفًا للأوامر المذكورة المعللة بالمخالفة لأهل الكتاب من الوجوب إلى الندب لأن التخيير والتفويض إلى المشيئة بعد تلك الأوامر لا ينافي الاستحباب كما في حديث ‏(‏بين كل أذانين صلاة لمن شاء‏)‏ وهذا أعدل المذاهب وأقواها عندي‏.‏

 باب المواضع المنهي عنها والمأذون فيها للصلاة

1 - عن جابر‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ جعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل حيث أدركته‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وقال ابن المنذر‏:‏ ثبت أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏جعلت لي كل الأرض طيبة مسجدًا وطهورًا‏)‏ رواه الخطابي بإسناده‏.‏

الحديث قد تقدم الكلام على طرقه وفقهه في التيمم فلا نعيده وهو ثابت بزيادة طيبة من رواية أنس عند ابن السراج في مسنده قال العراقي بإسناد صحيح وأخرجه أيضًا أحمد والضياء في المختارة وأشار إلى حديث أنس أيضًا الترمذي‏.‏ قال العراقي في شرح الترمذي ما لفظه‏:‏ وحديث جابر أخرجه البخاري ومسلم والنسائي من رواية يزيد الفقير عن جابر بن عبد اللَّه قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ أعطيت خمسًا‏)‏ فذكرها وفيه ‏(‏وجعلت لي الأرض طيبة طهورًا ومسجدًا‏)‏ الحديث انتهى‏.‏ فعلى هذا يكون زيادة طيبة مخرجة في الصحيحين ولكنه ذكر البخاري الحديث من طريق يزيد الفقير عن جابر في التيمم والصلاة وليس فيه هذه الزيادة وأما مسلم فصرح بها في صحيحه في الصلاة وهي تدل على أن المراد بالأرض المذكورة في الحديث ليس هي الأرض جميعها كما تدل على ذلك زيادة لفظ ‏(‏كلها‏)‏ في حديث حذيفة عند مسلم وكما في حديث أبي ذر وحديث أبي سعيد الآتيين بل المراد الأرض الطاهرة المباحة لأن المتنجسة ليست بطيبة لغة والمغصوبة ليست بطيبة شرعًا نعم من قال‏:‏ إن التأكيد ينفي المجاز قال‏:‏ المراد بالأرض المؤكدة بلفظ كل جميعها وجعل هذه الزيادة معارضة لأصل الحديث لأنها وقعت منافية له والزيادة إنما تقبل مع عدم منافاة الأصل فيصار حينئذ إلى التعارض وقد حكى بعضهم في التأكيد بكل خلافًا هل يرفع المجاز أو يضعفه والظاهر عدم الرفع لما في الصحيح من حديث عائشة‏:‏ ‏(‏كان يصوم شعبان كله‏)‏ ‏(‏كان يصوم نصفه إلا قليلًا‏)‏ والقول بأنه يرفع المجاز يستلزم عدم صحة وقوع الاستثناء بعد المؤكد كما صرح بذلك القائلون به‏.‏ وللمقام بحث ليس هذا موضعه‏.‏ ومما يدل على عدم الرفع الأحاديث الواردة في المنع من الصلاة في المقبرة والحمام وغيرها وسيأتي ذكرها‏.‏

2 - وعن أبي ذر قال‏:‏ ‏(‏سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ أي مسجد وضع أول قال‏:‏ المسجد الحرام قلت‏:‏ ثم أي قال‏:‏ المسجد الأقصى قلت‏:‏ كم بينهما قال‏:‏ أربعون سنة قلت‏:‏ ثم أي قال‏:‏ حيثما أدركت الصلاة فصل فكلها مسجد‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله ‏(‏قال أربعون‏)‏ يعني في الحدوث لا في المسافة‏.‏

قوله ‏(‏حيثما أدركت‏)‏ لفظ مسلم‏:‏ ‏(‏وأينما أدركتك الصلاة فصلها فإنه مسجد‏)‏ وفي لفظ له‏:‏ ‏(‏ثم حيثما أدركتك‏)‏ وفي لفظ له أيضًا‏:‏ ‏(‏فحيثما أدركتك الصلاة فصل‏)‏ قال النووي‏:‏ وفيه جواز الصلاة في جميع المواضع إلا ما استثناه الشرع من الصلاة في المقابر وغيرها من المواضع التي فيها النجاسة كالمزبلة والمجزرة وكذا ما نهى عنه لمعنى آخر فمن ذلك أعطان الإبل ومنه قارعة الطريق والحمام وغيرهما وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى‏.‏

قوله ‏(‏فكلها‏)‏ هو تأكيد لما فهم من قوله حيثما أدركت وهو الأرض أو أمكنتها‏.‏

3 - وعن أبي سعيد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا النسائي‏.‏

الحديث أخرجه الشافعي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم قال الترمذي‏:‏ وهذا حديث فيه اضطراب رواه سفيان الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مرسلًا‏.‏

ورواه حماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد ورواه محمد بن إسحاق عن عمرو بن يحيى عن أبيه قال‏:‏ وكان عامة روايته عن أبي سعيد عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولم يذكر فيه عن أبي سعيد وكأن رواية الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه أثبت وأصح انتهى‏.‏

وقال الدارقطني في العلل‏:‏ المرسل المحفوظ ورجح البيهقي المرسل‏.‏ وقال النووي‏:‏ هو ضعيف‏.‏ وقال صاحب الإمام‏:‏ حاصل ما علل به الإرسال وإذا كان الواصل له ثقة فهو مقبول‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وأفحش ابن دحية فقال في كتاب التنوير له هذا لا يصح من طريق من الطرق كذا قال‏:‏ فلم يصب انتهى‏.‏

ـ والحديث ـ صححه الحاكم في المستدرك وابن حزم الظاهري وأشار ابن دقيق العيد في الإمام إلى صحته‏.‏ وفي الباب عن علي عند ابن داود‏.‏ وعن ابن عمر عند الترمذي وابن ماجه وسيأتي‏.‏ وعن عمر عند ابن ماجه‏.‏ وعن أبي مرثد الغنوي عند مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وسيأتي‏.‏ وعن جابر وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص وعمران بن الحصين ومعقل بن يسار وأنس بن مالك جميعهم عند ابن عدي في الكامل وفي إسناد حديثهم عباد بن كثير ضعيف جدًا ضعفه أحمد وابن معين‏.‏

قال ابن حزم‏:‏ أحاديث النهي عن الصلاة إلى القبور والصلاة في المقبرة أحاديث متواترة لا يسع أحدًا تركها قال العراقي‏:‏ إن أراد بالتواتر ما يذكره الأصوليون من أنه رواه عن كل واحد من رواته جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب في الطرفين والواسطة فليس كذلك فإنها أخبار آحاد وإن أراد بذلك وصفها بالشهرة فهو قريب وأهل الحديث غالبًا إنما يريدون بالمتواتر المشهور انتهى‏.‏

وفيه أن المعتبر في التواتر هو أن يروي الحديث المتواتر جمع عن جمع يستحيل تواطؤ كل جمع على الكذب لا أنه يرويه جمع كذلك عن كل واحد من رواته ما لم يعتبره أهل الأصول اللَّهم إلا أن يريد بكل واحد من رواته كل رتبة من رتب رواته‏.‏

قوله ‏(‏إلا المقبرة‏)‏ مثلثة الباء مفتوحة الميم وقد تكسر الميم وهي المحل الذي يدفن فيه الموتى‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على المنع من الصلاة في المقبرة والحمام وقد اختلف الناس في ذلك أما المقبرة فذهب أحمد إلى تحريم الصلاة في المقبرة ولم يفرق بين المنبوشة وغيرها ولا بين أن يفرش عليها شيئًا يقيه من النجاسة أم لا ولا بين أن يكون في القبور أو في مكان منفرد عنها كالبيت وإلى ذلك ذهبت الظاهرية ولم يفرقوا بين مقابر المسلمين والكفار‏.‏

قال ابن حزم‏:‏ وبه يقول طوائف من السلف فحكي عن خمسة من الصحابة النهي عن ذلك وهم عمر وعلي وأبو هريرة وأنس وابن عباس وقال‏:‏ ما نعلم لهم مخالفًا من الصحابة وحكاه عن جماعة من التابعين إبراهيم النخعي ونافع بن جبير بن مطعم وطاوس وعمرو بن دينار وخيثمة وغيرهم‏.‏

وقوله ‏(‏لا نعلم لهم مخالفًا في الصحابة‏)‏ إخبار عن علمه وإلا فقد حكى الخطابي في معالم السنن عن عبد اللَّه بن عمر أنه رخص في الصلاة في المقبرة وحكى أيضًا عن الحسن أنه صلى في المقبرة‏.‏ وقد ذهب إلى تحريم الصلاة على القبر من أهل البيت المنصور باللَّه والهادوية وصرحوا بعدم صحتها إن وقعت فيها‏.‏

وذهب الشافعي إلى الفرق بين المقبرة المنبوشة وغيرها فقال‏:‏ إذا كانت مختلطة بلحم الموتى وصديدهم وما يخرج منهم لم تجز الصلاة فيها للنجاسة فإن صلى رجل في مكان طاهر منها أجزأته‏.‏

وإلى مثل ذلك ذهب أبو طالب وأبو العباس والإمام يحيى من أهل البيت وقال الرافعي‏:‏ أما المقبرة فالصلاة مكروهة فيها بكل حال‏.‏ وذهب الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة إلى كراهة الصلاة في المقبرة ولم يفرقوا كما فرق الشافعي ومن معه بين المنبوشة وغيرها‏.‏ وذهب مالك إلى جواز الصلاة في المقبرة وعدم الكراهة والأحاديث ترد عليه‏.‏

ـ وقد احتج له ـ بعض أصحابه بما يقضي منه العجب فاستدل له بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى على قبر المسكينة السوداء وأحاديث النهي المتواترة كما قال ذلك الإمام لا تقصر عن الدلالة على التحريم الذي هو المعنى الحقيقي له وقد تقرر في الأصول أن النهي يدل على فساد المنهي عنه فيكون الحق التحريم والبطلان لأن الفساد الذي يقتضيه النهي هو المرادف للبطلان من غير فرق بين الصلاة على القبر وبين المقابر وكل ما صدق عليه لفظ المقبرة‏.‏

وأما الحمام فذهب أحمد إلى عدم صحة الصلاة فيه ومن صلى فيه أعاد أبدًا‏.‏ وقال أبو ثور‏:‏ لا يصلى في حمام ولا مقبرة على ظاهر الحديث وإلى ذلك ذهبت الظاهرية وروي عن ابن عباس أنه قال‏:‏ لا يصلين إلى حش ولا في حمام ولا في مقبرة قال ابن حزم‏:‏ وما نعلم لابن عباس في هذا مخالفًا من الصحابة وروينا مثل ذلك عن نافع بن جبير بن مطعم وإبراهيم النخعي وخيثمة والعلاء بن زياد عن أبيه قال ابن حزم‏:‏ ولا تحل الصلاة في حمام سواء في ذلك مبدأ بابه إلى جميع حدوده ولا على سطحه وسقف مستوقده وأعالي حيطانه خربًا كان أو قائمًا فإن سقط من بنائه شيء يسقط عنه اسم حمام جازت الصلاة في أرضه حينئذ انتهى‏.‏

وذهب الجمهور إلى صحة الصلاة في الحمام مع الطهارة وتكون مكروهة وتمسكوا بعمومات نحو حديث ‏(‏أينما أدركت الصلاة فصل‏)‏ وحملوا النهي على حمام متنجس والحق ما قاله الأولون لأن أحاديث المقبرة والحمام مخصصة لذلك العموم وحكمة المنع من الصلاة في المقبرة قيل هو ما تحت المصلي من النجاسة وقيل لحرمة الموتى وحكمة المنع من الصلاة في الحمام أنه يكثر فيه النجاسات وقيل إنه مأوى الشيطان‏.‏

4 - وعن أبي مرثد الغنوي قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه‏.‏

الحديث يدل على منع الصلاة إلى القبور وقد تقدم الكلام في ذلك وعلى منع الجلوس عليها وظاهر النهي التحريم‏.‏

وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ‏:‏ ‏(‏لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير من أن يجلس على قبر أخيه‏)‏ وروي عن مالك أنه لا يكره القعود عليها ونحوه قال‏:‏ وإنما النهي عن القعود لقضاء الحاجة‏.‏ وفي الموطأ عن علي أنه كان يتوسد القبور ويضطجع عليها‏.‏ وفي البخاري أن يزيد بن ثابت أخا يزيد بن ثابت كان يجلس على القبور وقال‏:‏ إنما كره ذلك لمن أحدث عليها وفيه عن ابن عمر أنه كان يجلس على القبور وقد صحت الأحاديث القاضية بالمنع ولا حجة في قول أحد لا سيما إذا كان معارضًا للثابت عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

وقد أخرج أبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث جابر بلفظ‏:‏ ‏(‏نهى أن يجصص القبر ويبنى عليه وأن يكتب عليه وأن يوطأ‏)‏ وهو في صحيح مسلم بدون الكتابة‏.‏ وقال الحاكم‏:‏ على شرط مسلم والجلوس لا يكون غالبًا إلا مع الوطء‏.‏

5 - وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا ابن ماجه‏.‏

قوله ‏(‏من صلاتكم‏)‏ قال القرطبي‏:‏ من للتبعيض والمراد النوافل بدليل ما رواه مسلم من حديث جابر مرفوعًا‏:‏ ‏(‏إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته‏)‏ وقد حكى القاضي عياض عن بعضهم أن معناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وغيرهن‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وهذا وإن كان محتملًا لكن الأول هو الراجح وقد بالغ الشيخ محي الدين فقال‏:‏ لا يجوز حمله على الفريضة‏.‏

قوله ‏(‏ولا تتخذوها قبورًا‏)‏ لأن القبور ليست بمحل للعبادة وقد استنبط البخاري من هذا الحديث كراهية الصلاة في المقابر ونازعه الإسماعيلي فقال‏:‏ الحديث دال على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر وتعقب بأن الحديث قد ورد بلفظ المقابر كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ ‏(‏لا تجعلوا بيوتكم مقابر‏)‏ وقال ابن التين‏:‏ تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر وتأوله جماعة على أنه إنما فيه الندب إلى الصلاة في البيوت إذ الموتى لا يصلون في بيوتهم وهي القبور قال‏:‏ فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك‏.‏

قال الحافظ‏:‏ إن أراد لا يؤخذ بطريق المنطوق فمسلم وإن أراد نفي ذلك مطلقًا فلا‏.‏ وقيل يحتمل أن المراد لا تجعلوا البيوت وطن النوم فقط لا تصلون فيها فإن النوم أخو الموت والميت لا يصلي‏.‏ وقيل يحتمل أن يكون المراد أن من لم يصل في بيته جعل نفسه كالميت وبيته كالقبر‏.‏ ويؤيده ما رواه مسلم‏:‏ ‏(‏مثل البيت الذي يذكر اللَّه فيه والبيت الذي لا يذكر اللَّه فيه كمثل الحي والميت‏)‏ قال الخطابي‏:‏ وأما من تأوله على النهي عن دفن الموتى في البيوت فليس بشيء فقد دفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في بيته الذي كان يسكنه أيام حياته وتعقبه الكرماني بأن قال‏:‏ لعل ذلك من خصائصه‏.‏ وقد روي أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون كما روى ذلك ابن ماجه بإسناد فيه حسين بن عبد اللَّه الهاشمي وهو ضعيف وله طريق أخرى مرسلة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ فإذا حمل دفنه في بيته على الاختصاص لم يبعد نهي غيره عن ذلك بل هو متجه لأن استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر فتصير الصلاة فيها مكروهة‏.‏ ولفظ أبي هريرة عند مسلم أصرح من حديث الباب وهو قوله‏:‏ ‏(‏لا تجعلوا بيوتكم مقابر‏)‏ فإن ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت مطلقًا انتهى‏.‏ وكأن البخاري أشار بترجمة الباب بقوله باب كراهة الصلاة في المقابر إلى حديث أبي سعيد المتقدم لما لم يكن على شرطه‏.‏

6 - وعن جندب بن عبد اللَّه البجلي قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول‏:‏ إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏

الحديث أخرجه النسائي أيضًا‏.‏ وفي الباب عن عائشة عند الشيخين والنسائي‏.‏ وعن أبي هريرة عند الشيخين وأبي داود والنسائي‏.‏ وعن ابن عباس عند أبي داود والترمذي وحسنه وله حديث آخر عند الشيخين والنسائي‏.‏ وعن أسامة بن زيد عند أحمد والطبراني بإسناد جيد‏.‏ وعن زيد بن ثابت عند الطبراني بإسناد جيد أيضًا‏.‏ وعن ابن مسعود عند الطبراني بإسناد جيد أيضًا‏.‏ وعن أبي عبيدة بن الجراح عند البزار‏.‏ وعن علي عند البزار أيضًا‏.‏ وعن أبي سعيد عند البزار أيضًا‏.‏ وفي إسناده عمر بن صهبان وهو ضعيف‏.‏ وعن جابر عند ابن عدي‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على تحريم اتخاذ قبور الأنبياء والصلحاء مساجد قال العلماء‏:‏ إنما نهى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدًا خوفًا من المبالغة في تعظيمه والافتتان به وربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية ولما احتاجت الصحابة رضي اللَّه عنهم والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه‏.‏

وفيها حجرة عائشة مدفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر بنوا على القبر حيطانًا مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين حرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر‏.‏

وقد روي أن النهي عن اتخاذ القبور مساجد كان في مرض موته قبل اليوم الذي مات فيه بخمسة أيام وقد حمل بعضهم الوعيد على من كان في ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان وهو تقييد بلا دليل لأن التعظيم والافتتان لا يختصان بزمان دون زمان‏.‏

وقد يؤخذ من قوله ‏(‏كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد‏)‏ في حديث الباب وكذلك قوله في حديث ابن عباس عند أبي داود والترمذي بلفظ ‏(‏والمتخذين عليها المساجد‏)‏ أن محل الذم على ذلك أن تتخذ المساجد على القبور بعد الدفن لا لو بني المسجد أولًا وجعل القبر في جانبه ليدفن فيه واقف المسجد أو غيره فليس بداخل في ذلك‏.‏

قال العراقي‏:‏ والظاهر أنه لا فرق وإنه إذا بني المسجد لقصد أن يدفن في بعضه أحد فهو داخل في اللعنة بل يحرم الدفن في المسجد وإن شرط أن يدفن فيه لم يصح الشرط لمخالفته لمقتضى وقفه مسجدًا واللَّه أعلم انتهى‏.‏

واستنبط البيضاوي من علة التعظيم جواز اتخاذ القبور في جوار الصلحاء لقصد التبرك دون التعظيم ورد بأن قصد التبرك تعظيم‏.‏

7 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه وفي الباب عن جابر بن سمرة عند مسلم‏.‏ وعن البراء عند أبي داود‏.‏ وعن سبرة بن معبد عند ابن ماجه‏.‏ وعن عبد اللَّه بن مغفل عند ابن ماجه أيضًا والنسائي‏.‏ وعن ابن عمر عند ابن ماجه أيضًا‏.‏ وعن أنس عند الشيخين وعن أسيد بن حضير عند الطبراني‏.‏ وعن سليك الغطفاني عند الطبراني أيضًا وفي إسناده جابر الجعفي ضعفه الجمهور ووثقه شعبة وسفيان‏.‏ وعن طلحة بن عبد اللَّه عند أبي يعلى في مسنده‏.‏ وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص عند أحمد وفي إسناده ابن لهيعة‏.‏ وله حديث آخر عند الطبراني‏.‏ وعن عقبة بن عامر عند الطبراني ورجال إسناده ثقات‏.‏ وعن يعيش الجهني المعروف بذي الغرة عند أحمد والطبراني ورجال إسناده ثقات‏.‏

قوله ‏(‏في مرابض الغنم‏)‏ جمع مربض بفتح الميم وكسر الباء الموحدة وآخره ضاد معجمة قال الجوهري‏:‏ المرابض للغنم كالمعاطن للإبل واحدها مربض مثال مجلس قال‏:‏ وربوض الغنم والبقر والفرس مثل بروك الإبل وجثوم الطير‏.‏

قوله ‏(‏في أعطان الإبل‏)‏ هي جمع عطن بفتح العين والطاء المهملتين وفي بعض الطرق معاطن وهي جمع معطن بفتح الميم وكسر الطاء قال في النهاية‏:‏ العطن مبرك الإبل حول الماء‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على جواز الصلاة في مرابض الغنم وعلى تحريمها في معاطن الإبل وإليه ذهب أحمد بن حنبل فقال‏:‏ لا تصح بحال وقال‏:‏ من صلى في عطن إبل أعاد أبدًا وسئل مالك عمن لا يجد إلا عطن إبل قال‏:‏ لا يصلي فيه قيل فإن بسط عليه ثوبًا قال‏:‏ لا‏.‏

وقال ابن حزم‏:‏ لا تحل في عطن إبل وذهب الجمهور إلى حمل النهي على الكراهة مع عدم النجاسة وعلى التحريم مع وجودها وهذا إنما يتم على القول بأن علة النهي هي النجاسة وذلك متوقف على نجاسة أبوال الإبل وأزبالها وقد عرفت ما قدمنا فيه وسلمنا النجاسة فيه لم يصح جعلها علة لأن العلة لو كانت النجاسة لما افترق الحال بين أعطانها وبين مرابض الغنم إذ لا قائل بالفرق بين أوراث كل من الجنسين وأبوالها كما قال العراقي وأيضًا قد قيل إن حكمة النهي ما فيها من النفور فربما نفرت وهو في الصلاة فتؤدي إلى قطعها أو أذى يحصل له منها أو تشوش الخاطر الملهي عن الخشوع في الصلاة وبهذا علل النهي أصحاب الشافعي وأصحاب مالك وعلى هذا فيفرق بين كون الإبل في معاطنها وبين غيبتها عنها إذ يؤمن نفورها حينئذ ويرشد إلى صحة هذا حديث ابن مغفل عند أحمد بإسناد صحيح بلفظ‏:‏ ‏(‏لا تصلوا في أعطان الإبل فإنها خلقت من الجن ألا ترون إلى عيونها وهيئتها إذا نفرت‏)‏ وقد يحتمل أن علة النهي أن يجاء بها إلى معاطنها بعد شروعه في الصلاة فيقطعها أو يستمر فيها مع شغل خاطره‏.‏

وقيل لأن الراعي يبول بينها وقيل الحكمة في النهي كونها خلقت من الشياطين‏.‏ ويدل على هذا أيضًا حديث ابن مغفل السابق‏.‏ وكذا عند النسائي من حديثه‏.‏ وعند أبي داود من حديث البراء‏.‏ وعند ابن ماجه بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة‏.‏ إذا عرفت هذا الاختلاف في العلة تبين لك أن الحق الوقوف على مقتضى النهي وهو التحريم كما ذهب إليه أحمد والظاهرية وأما الأمر بالصلاة في مرابض الغنم فأمر إباحة ليس للوجوب قال العراقي‏:‏ اتفاقًا وإنما نبه صلى اللَّه عليه وآله وسلم على ذلك لئلا يظن أن حكمها حكم الإبل أو أنه أخرج على جواب السائل حين سأله عن الأمرين فأجاب في الإبل بالمنع وفي الغنم بالإذن‏.‏

وأما الترغيب المذكور في الأحاديث بلفظ‏:‏ ‏(‏فإنها بركة‏)‏ فهو إنما ذكر لقصد تبعيدها عن حكم الإبل كما وصف أصحاب الإبل بالغلظ والقسوة ووصف أصحاب الغنم بالسكينة‏.‏

ـ فائدة ـ ذكر ابن حزم أن أحاديث النهي عن الصلاة في أعطان الإبل متواتر يوجب العلم‏.‏

8 - وعن زيد بن جبيرة عن داود بن حصين عن نافع عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم نهى أن يصلى في سبعة مواطن في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام وفي أعطان الإبل وفوق ظهر بيت اللَّه‏)‏‏.‏

رواه عبد بن حميد في مسنده وابن ماجه والترمذي وقال‏:‏ إسناده ليس بذاك القوي وقد تكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه‏.‏ وقد روى الليث بن سعد هذا الحديث عن عبد اللَّه بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مثله قال‏:‏ وحديث ابن عمر عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أشبه وأصح من حديث الليث بن سعد‏.‏ والعمري ضعفه بعض أهل الحديث من قبل حفظه‏.‏

الحديث في إسناد الترمذي زيد بن جبيرة وهو ضعيف كما قال الترمذي قال البخاري وابن معين‏:‏ زيد بن جبيرة متروك وقال أبو حاتم‏:‏ لا يكتب حديثه وقال النسائي‏:‏ ليس بثقة وقال ابن عدي‏:‏ عامة ما يرويه لا يتابع عليه‏.‏ وقال الحافظ في التلخيص‏:‏ إنه ضعيف جدًا‏.‏ وفي إسناد ابن ماجه عبد اللَّه بن صالح وعبد اللَّه بن عمر العمري وهما ضعيفان قال ابن أبي حاتم في العلل‏:‏ هما جميعًا يعني الحديثين واهيان وصحح الحديث ابن السكن وإمام الحرمين وقد تقدم الكلام في المقبرة والحمام وأعطان الإبل وما فيها من الأحاديث الصحيحة‏.‏

قوله ‏(‏المزبلة‏)‏ فيها لغتان فتح الموحدة وضمها حكاهما الجوهري وهي المكان الذي يلقى فيه الزبل‏.‏

قوله ‏(‏والمجزرة‏)‏ بفتح الزاي المكان الذي ينحر فيه الإبل وتذبح فيه البقر والغنم‏.‏

قوله ‏(‏وقارعة الطريق‏)‏ قيل المراد به أعلى الطريق وقيل صدره وقيل ما برز منه‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على تحريم الصلاة في هذه المواطن وقد اختلف في العلة في النهي أما في المقبرة والحمام وأعطان الإبل فقد تقدم الكلام في ذلك‏.‏ وأما في المزبلة والمجزرة فلكونهما محلًا للنجاسة فتحرم الصلاة فيهما من غير حائل اتفاقًا ومع الحائل فيه خلاف‏.‏

وقيل إن العلة في المجزرة كونها مأوى الشياطين ذكر ذلك عن جماعة اطلعوا على ذلك وأما في قارعة الطريق فلما فيها من شغل الخاطر المؤدي إلى ذهاب الخشوع الذي هو سر الصلاة‏.‏

وقيل لأنها مظنة النجاسة وقيل لأن الصلاة فيها شغل لحق المار ولهذا قال أبوطالب‏:‏ إنها لا تصح الصلاة فيها ولو كانت واسعة قال‏:‏ لاقتضاء النهي الفساد‏.‏ وقال المؤيد باللَّه والمنصور باللَّه‏:‏ لا تكره في الواسعة إذ لا ضرر لأن العلة عندهما الإضرار بالمار‏.‏ وأما في ظهر الكعبة فلأنه إذا لم يكن بين يديه سترة ثابتة تستره لم تصح صلاته لأنه مصل على البيت لا إلى البيت‏.‏ وذهب الشافعي إلى الصحة بشرط أن يستقبل من بنائها قدر ثلثي ذراع وعند أبي حنيفة لا يشترط ذلك وكذا قال ابن سريج قال‏:‏ لأنه كمستقبل العرب لو هدم البيت والعياذ باللَّه‏.‏

ـ فائدة ـ قال القاضي أبو بكر ابن العربي‏:‏ والمواضع التي لا يصلى فيها ثلاثة عشر فذكر السبعة المذكورة في حديث الباب وزاد الصلاة إلى المقبرة وإلى جدار مرحاض عليه نجاسة والكنيسة والبيعة وإلى التماثيل وفي دار العذاب وزاد العراقي الصلاة في الدار المغصوبة والصلاة إلى النائم والمتحدث والصلاة في بطن الوادي والصلاة في الأرض المغصوبة والصلاة في مسجد الضرار والصلاة إلى التنور فصارت تسعة عشر موضعًا ودليل المنع من الصلاة في هذه المواطن أما السبعة الأولى فلما تقدم وأما الصلاة إلى المقبرة فلحديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد وقد تقدم وأما الصلاة إلى جدار مرحاض فلحديث ابن عباس في سبعة من الصحابة بلفظ‏:‏ ‏(‏نهى عن الصلاة في المسجد تجاهه حش‏)‏ أخرجه ابن عدي قال العراقي‏:‏ ولم يصح إسناده وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن عبد اللَّه بن عمرو أنه قال‏:‏ لا يصلى إلى الحش وعن علي قال‏:‏ لا يصلى تجاه حش وعن إبراهيم كانوا يكرهون ثلاثة أشياء فذكر منها الحش وفي كراهة استقباله خلاف بين الفقهاء‏.‏

وأما الكنيسة والبيعة فروى ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن عباس أنه كره الصلاة في الكنيسة إذا كان فيها تصاوير وقد رويت الكراهة عن الحسن ولم ير الشعبي وعطاء ابن أبي رباح بالصلاة في الكنيسة والبيعة بأسًا ولم ير ابن سيرين بالصلاة في الكنيسة بأسًا وصلى أبو موسى الأشعري وعمر بن عبد العزيز في كنيسة‏.‏ ولعل وجه الكراهة ما تقدم من اتخاذهم لقبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد لأنها تصير جميع البيع والمساجد مظنة لذلك‏.‏

وأما الصلاة إلى التماثيل فلحديث عائشة الصحيح‏:‏ ‏(‏أنه قال لها صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ أزيلي عني قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي‏)‏ وكان لها ستر فيه تماثيل‏.‏

وأما الصلاة في دار العذاب فلما عند أبي داود من حديث علي قال‏:‏ ‏(‏نهاني حبي أن أصلي في أرض بابل لأنها ملعونة‏)‏ وفي إسناده ضعف‏.‏

وأما إلى النائم والمتحدث فهو في حديث ابن عباس عند أبي داود وابن ماجه وفي إسناده من لم يسم‏.‏

وأما في بطن الوادي فورد في بعض طرق حديث الباب بدل المقبرة‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وهي زيادة باطلة لا تعرف‏.‏

وأما الصلاة في الأرض المغصوبة فلما فيها من استعمال مال الغير بغير إذنه‏.‏

وأما الصلاة في مسجد الضرار فقال ابن حزم‏:‏ إنه لا يجزئ أحدًا الصلاة فيه لقصة مسجد الضرار وقوله ‏(‏لا تقم فيه أبدًا‏)‏ فصح أنه ليس موضع صلاة‏.‏

وأما الصلاة إلى التنور فكرهها محمد بن سيرين وقال‏:‏ بيت نار رواه ابن أبي شيبة في المصنف وزاد ابن حزم فقال‏:‏ لا تجوز الصلاة في مسجد يستهزأ فيه باللَّه أو برسوله أو شيء من الدين أو في مكان يكفر بشيء من ذلك فيه وزادت الهادوية كراهة الصلاة إلى المحدث والفاسق والسراج وزاد الإمام يحيى الجنب والحائض فيكون الجميع ستة وعشرين موضعًا واستدل على كراهة الصلاة إلى المحدث بحديث ذكره الإمام يحيى في الانتصار بلفظ‏:‏ ‏(‏لا صلاة إلى محدث لا صلاة إلى جنب لا صلاة إلى حائض‏)‏ وقيل في الاستدلال على كراهة الصلاة إليه القياس على الحائض وقد ثبت أنها تقطع الصلاة وأما الفاسق فإهانة له كالنجاسة‏.‏

وأما السراج فللفرار من التشبيه بعبدة النار والأولى عدم التخصيص بالسراج ولا بالتنور بل إطلاق الكراهة على استقبال النار فيكون استقبال التنور والسراج وغيرهما من أنوع النار قسمًا واحدًا‏.‏ وأما الجنب والحائض فللحديث الذي في الانتصار ولما في الحائض من قطعها للصلاة‏.‏

واعلم أن القائلين بصحة الصلاة في هذه المواطن أو في أكثرها تمسكوا في المواطن التي صحت أحاديثها بأحاديث ‏(‏أينما أدركتك الصلاة فصل‏)‏ ونحوها وجعلوها قرينة قاضية بصحة تأويل الأحاديث القاضية بعدم الصحة وقد عرفناك أن أحاديث النهي عن المقبرة والحمام ونحوهما خاصة فتبنى العامة عليها وتمسكوا في المواطن التي لم تصح أحاديثها فيها لعدم التعبد بما لم يصح وكفاية البراءة الأصلية حتى يقوم دليل صحيح ينقل عنها لا سيما بعد ورود عمومات قاضية بأن كل موطن من مواطن الأرض مسجد تصح الصلاة فيه وهذا متمسك صحيح لا بد منه‏.‏

قوله ‏(‏أشبه وأصح من حديث الليث بن سعد‏)‏ قيل إن قوله من حديث الليث صفة لحديث ابن عمر بأنه من حديث الليث الذي هو أصح من حديث ابن جبيرة‏.‏