فصل: باب الكف عن قصد النساء والصبيان والرهبان والشيخ الفاني بالقتل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب ترتيب السرايا والجيوش واتخاذ الرايات وألوانها

1- عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ خير الصحابة أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف ولا تغلب اثنا عسر ألفًا من قلة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن وذكر أنه في أكثر الروايات عن الزهري عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مرسلًا‏.‏ وتمسك به من ذهب إلى أن الجيش إذا كان اثني عشر ألفًا لم يجز أن يفر من أمثاله وأضعافه وإن كثروا‏.‏

2- وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏كانت راية النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سوداء ولواؤه أبيض‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وابن ماجه‏.‏

3- وعن سماك عن رجل من قومه عن آخر منهم قال‏:‏ ‏(‏رأيت راية النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم صفراء‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

4- وعن جابر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم دخل مكة ولواؤه أبيض‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا أحمد‏.‏

5- وعن الحارث بن حسان البكري قال‏:‏ ‏(‏قدمنا المدينة فإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على المنبر وبلال قائم بين يديه متقلد بالسيف وإذا رايات سود فسألت ما هذه الرايات فقالوا عمرو بن العاص قدم من غزاة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏(‏قدمت المدينة فدخلت المسجد فإذا هو غاص بالناس وإذا رايات سود وإذا بلال متقلد السيف بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قلت ما شأن الناس قالوا يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجهًا‏)‏ رواه الترمذي‏.‏

6- وعن البراء بن عازب‏:‏ ‏(‏أنه سئل عن راية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ما كانت قال‏:‏ كانت سوداء مربعة من نمرة‏)‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود والترمذي‏.‏

حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود واقتصر المنذري في مختصر السنن على نقل كلام الترمذي‏.‏ وأخرجه أيضًا الحاكم وقال هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين‏.‏

وحديث ابن عباس الثاني أخرج نحوه أبو داود والنسائي وفي إسناد حديث الباب يزيد بن حيان أخو مقاتل بن حيان قال البخاري عنده غلط كثير وأخرج البخاري هذا الحديث في تاريخه مقتصرًا على الراية‏.‏

وحديث سماك في إسناده رجل مجهول وهو الذي روى عنه سماك ومجهول آخر وهو الذي قال رأيت راية النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ولكن جهالة الرجل الآخر غير قادحة إن كان صحابيًا لما قررنا غير مرة أن مجهول الصحابة مقبول وليس في هذا الحديث ما يدل على أنه صحابي لأنه يمكن أنه رأى راية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بعد موته ولم تثبت رؤيته للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏

وحديث جابر أخرجه أيضًا الحاكم وابن حبان وقال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك قال وسألت محمدًا يعني البخاري عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك‏.‏

وحديث الحارث بن حسان رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن الحارث بن حسان فذكره وهؤلاء رجال الصحيح وهذا الحديث إنما أشار إليه الترمذي في كتاب الجهاد إشارة لأنه قال بعد إخراج حديث البراء المذكور ما لفظه‏:‏ وفي الباب عن علي والحارث بن حسان وابن عباس ولم يذكر اللفظ الذي ذكره المصنف ونسبه إليه ولعله ذكره في موضع آخر من جامعه‏.‏

وحديث البراء قال الترمذي بعد إخراجه‏:‏ هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة انتهى‏.‏ وفي إسناده أبو يعقوب الثقفي واسمه إسحاق بن إبراهيم قال ابن عدي الجرجاني روي عن الثقات ما لا يتابع عليه‏.‏ وقال أيضًا وأحاديثه غير محفوظة انتهى‏.‏

وفي الباب عن سلمة في الصحيحين‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لأعطين الراية رجلًا يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله فأعطاها عليًا‏)‏ وعن يزيد بن جابر الغفري عند ابن السكن قال‏:‏ عقد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم رايات الأنصار وجعلهن صفرًا‏)‏ وعن أنس عند النسائي أن ابن أم مكتوم كانت معه راية سوداء في بعض مشاهد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال المنذري‏:‏ وهو حديث حسن وقال ابن القطان‏:‏ صحيح‏.‏ وعن أبي هريرة عند ابن عدي وعن بريدة عند أبي يعلى‏.‏ وعن أنس حديث آخر عند أبي يعلى رفعه‏:‏ إن اللّه أكرم أمتي بالألوية وإسناده ضعيف‏.‏ وعن ابن عباس غير ما تقدم عند أبي الشيخ بلفظ‏:‏ ‏(‏كان مكتوبًا على راية النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه‏)‏ وسنده ضعيف أيضًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خير الصحابة أربعة‏)‏ فيه دليل على أن خير الصحابة أربعة أنفار وظاهره أن ما دون الأربعة من الصحابة موجود فيها أصل الخير من غير فرق بين السفر والحضر ولكنه قد أخرج أهل السنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا‏:‏ ‏(‏الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب‏)‏ وصححه الحاكم وابن خزيمة‏.‏ وأخرجه أيضًا الحاكم من حديث أبي هريرة وصححه‏.‏

وظاهره أن ما دون الثلاثة عصاة لأن معنى قوله شيطان أي عاص وقال الطبري‏:‏ هذا الزجر زجر أدب وإرشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة وليس بحرام فالسائر وحده في فلاة وكذا البائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف والحق أن الناس يتباينون في ذلك فيحتمل أن يكون الزجر عنه لحسم المادة فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة لذلك‏.‏ وقيل في تفسير قوله الراكب شيطان أي سفره وحده يحمله عليه الشيطان أو أشبه الشيطان في فعله وقيل إنما كره ذلك لأن الواحد لو مات في سفره ذلك لم يجد من يقوم عليه وكذلك الاثنان إذا ماتا أو أحدهما لم يجد الآخر من يعينه بخلاف الثلاثة ففي الغالب تؤمن الوحشة والخشية‏.‏

وفي صحيح البخاري عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده‏)‏ وقد ثبت في الصحيح أن الزبير انتدب وحده ليأتي النبي بخبر بني قريظة‏.‏ قال ابن المنير‏:‏ السير لمصلحة الحرب أخص من السفر فيجوز السفر للمنفرد للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالإفراد كإرسال الجاسوس والطليعة والكراهة عدا ذلك ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة وقد وقع في كتب المغازي بعث جماعة منفردين منهم حذيفة ونعيم بن مسعود وعبد اللّه بن أنيس وخوات بن جبير وعمرو ابن أمية وسالم بن عمير وبسبسة وغيرهم وعلى هذا فوجود أصل الخير في سائر الأسفار غير سفر الحرب ونحوه إنما هو في الثلاثة دون الواحد والاثنين والأربعة خير من الثلاثة كما يدل على ذلك حديث الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وخير الجيوش أربعة آلاف‏)‏ ظاهر هذا أن هذا الجيش خير من غيره من الجيوش سواء كان أقل منه أو أكثر ولكن الأكثر إذا بلغ إلى اثني عشر ألفًا لم يغلب من قلة وليس بخير من أربعة آلاف وإن كانت تغلب من قلة كما يدل على ذلك مفهوم العدد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏راية النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سوداء ولواؤه أبيض‏)‏ اللواء بكسر اللام والمد وهو الراية ويسمى أيضًا العلم وكان الأصل أن يمسكها رئيس الجيش ثم صارت تحمل على رأسه كذا في الفتح‏.‏

وقال أبو بكر ابن العربي‏:‏ اللواء غير الراية فاللواء ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه والراية ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح وقيل اللواء دون الراية وقيل اللواء العلم الضخم والعلم علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار والراية يتولاها صاحب الحرب وجنح الترمذي إلى التفرقة فترجم الألوية وأورد حديث جابر المتقدم ثم ترجم الرايات وأورد حديث البراء المتقدم أيضًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من نمرة‏)‏ هي ثوب حبرة قال في القاموس‏:‏ النمرة بالضم النكتة من أي لون كان والأنمر ما فيه نمرة بيضاء وأخرى سوداء ثم قال والنمرة الحبرة وشملة فيها خطوط بيض وسود أو بردة من صوف يلبسها الأعراب انتهى‏.‏

 باب ما جاء في تشييع الغازي واستقباله

1- عن سهل بن معاذ عن أبيه‏:‏ ‏(‏عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ لأن أشيع غازيًا فأكفيه في رحله غدوة أو روحة أحب إلي من الدنيا وما فيها‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

2- وعن السائب بن يزيد قال‏:‏ ‏(‏لما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من غزوة تبوك خرج الناس يتلقونه من ثنية الوداع قال السائب فخرجت مع الناس وأنا غلام‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والترمذي وصححه‏.‏ وللبخاري نحوه‏.‏

3- وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏مشى معهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم ثم قال‏:‏ انطلقوا على اسم اللّه وقال اللّهم أعنهم يعني النفر الذين وجههم إلى كعب بن الأشرف‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

حديث معاذ في إسناده أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف وفي إسناده أيضًا رجل لم يسم وقد أخرجه الطبراني‏.‏ وحديث ابن عباس في إسناده ابن إسحاق وهو مدلس وبقية إسناد رجاله رجال الصحيح وقد أخرجه أيضًا البزار والطبراني وفي الباب ما في الصحيحين أن ابن الزبير وابن جعفر وابن عباس لقوا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو قادم فحمل اثنين منهم وترك الثالث‏.‏ وأخرج البخاري عن ابن عباس قال‏:‏ لما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مكة استقبله أغيلمة لبني عبد المطلب فحمل واحدًا بين يديه وآخر خلفه‏.‏ وأخرج أحمد والنسائي عن عبد اللّه بن جعفر أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حمله خلفه وحمل قثم ابن عباس بين يديه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أشيع غازيًا‏)‏ التشييع الخروج مع المسافر لتوديعه يقال شيع فلانًا خرج معه ليودعه ويبلغه منزله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحب إلي من الدنيا وما فيها‏)‏ قد تقدم الكلام على مثل هذه العبارة في أول كتاب الجهاد ‏(‏وفي هذا الحديث‏)‏ الترغيب في تشييع الغازي وإعانته على بعض ما يحتاج إلى القيام بمؤنته لأن الجهاد من أفضل العبادات والمشاركة في مقدماته من أفضل المشاركات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من ثنية الوداع‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الثنية العقبة أو طريقها أو الجبل أو الطريق فيه أو إليه انتهى‏.‏ قال في القاموس أيضًا وثنية الوداع بالمدينة سميت لأن من سافر إلى مكة كان يودع ثم يشيع إليها انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بقيع الغرقد‏)‏ قد تقدم ضبطه وتفسيره وفي الحديث دليل على مشروعية تلقي الغازي إلى خارج البلد لما في الاتصال به من البركة والتيمن بطلعته فإنه في تلك الحال ممن حرمه اللّه على النار كما تقدم ولما في ذلك من التأنيس له والتطييب لخاطره والترغيب لمن كان قاعدًا في الغزو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال اللّهم أعنهم‏)‏ فيه استحباب الدعاء للغزاة وطلب الإعانة من اللّه لهم فإن من كان ملحوظًا بعين العناية الربانية ومحوطًا بالإعانة الإلهية ظفر بمراده‏.‏

 باب استصحاب النساء لمصلحة المرضى والجرحى والخدمة

1- عن الربيع بنت معوذ قالت‏:‏ ‏(‏كنا نغزو مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

2- وعن أم عطية الأنصارية قالت‏:‏ ‏(‏غزوت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على الزمنى‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وابن ماجه‏.‏

3- وعن أنس قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يغزو بأم سليم ونسوة معها من الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحى‏)‏‏.‏

رواه مسلم والترمذي وصححه‏.‏

4- وعن عائشة أنها قالت‏:‏ ‏(‏يا رسول اللّه نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد قال لكنَّ أفضل الجهاد حج مبرور‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الربيع‏)‏ بالتشديد وأبوها معوذ بالتشديد للواو وبعدها ذال معجمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا نغزو‏)‏ الخ جعلت الإعانة للغزاة غزوًا ويمكن أن يقال أنهن ما أتين لسقي الجرحى ونحو ذلك إلا وهن عازمات على المدافعة عن أنفسهن وقد وقع في صحيح مسلم عن أنس أن أم سليم اتخذت خنجرًا يوم حنين فقالت اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه ولهذا بوب البخاري باب غزو النساء وقتالهن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأداوي الجرحى‏)‏ فيه دليل على أنه يجوز للمرأة الأجنبية معالجة الرجل الأجنبي للضرورة‏.‏ قال ابن بطال‏:‏ ويختص ذلك بذوات المحارم وإن دعت الضرورة فليكن بغير مباشرة ولا مس ويدل على ذلك اتفاقهم على أن المرأة إذا ماتت ولم توجد امرأة تغسلها أن الرجل لا يباشر غسلها بالمس بل يغسلها من وراء حائل في قول بعضهم كالزهري وفي قول الأكثر تيمم‏.‏ وقال الأوزاعي‏:‏ تدفن كما هي‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ الفرق بين حال المداواة وغسل الميت أن الغسل عبادة والمداواة ضرورة والضرورات تبيح المحظورات اهـ وهكذا يكون حال المرأة في رد القتلى والجرحى فلا تباشر بالمس مع إمكان ما هو دونه‏.‏

وحديث عائشة قد تقدم في أول كتاب الحج‏.‏ قال ابن بطال‏:‏ دل حديث عائشة على أن الجهاد غير واجب على النساء ولكن ليس في قوله أفضل الجهاد حج مبرور وفي رواية البخاري جهادكن الحج ما يدل على أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد وإنما لم يكن واجبًا لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال فلذلك كان الحج أفضل لهن من الجهاد‏.‏

 باب الأوقات التي يستحب فيها الخروج إلى الغزو والنهوض إلى القتال

1-عن كعب بن مالك‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم خرج في يوم الخميس في غزوة تبوك وكان يحب أن يخرج يوم الخميس‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2- وعن صخر الغامدي قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ اللّهم بارك لأمتي في بكورها قال‏:‏ فكان إذا بعث سرية أو جيشًا بعثهم من أول النهار وكان صخر رجلًا تاجرًا وكان يبعث تجارته من أول النهار فأثرى وكثر مال‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا النسائي‏.‏

3- وعن النعمان ابن مقرن‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وصححه والبخاري وقال‏:‏ ‏(‏انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات‏)‏‏.‏

4- وعن ابن أبي أوفى قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

حديث صخر حسنه الترمذي وقال لا نعرف له غير هذا الحديث اهـ وفي إسناده عمارة بن حديد سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال مجهول وسئل عنه أبو زرعة الرازي فقال لا يعرف‏.‏ وقال أبو علي ابن السكن إنه مجهول لم يرو عنه غير يعلى ابن عطاء الطائفي وذكر أنه روى من حديث مالك مرسلًا‏.‏ وقال النمري هو مجهول لم يرو عنه غير يعلى الطائفي‏.‏ وقال أبو القاسم البغوي وابن عبد البر‏:‏ إنه ليس لصخر غير هذا الحديث‏.‏

وذكر بعضهم أنه قد روى حديثًا آخر وهو قوله‏:‏ ‏(‏لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء‏)‏ وقد تقدم في الجنائز‏.‏

وأخرج حديث صخر ابن حبان قال ابن طاهر في تخريج أحاديث الشهاب‏:‏ هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة ولم يخرج شيئًا منها في الصحيحين‏.‏ وأقربها إلى الصحة والشهرة هذا الحديث وذكره عبد القادر الرهاوي في أربعينيته من حديث علي والعبادلة وابن مسعود وجابر وعمران بن حصين وأبي هريرة وعبد اللّه بن سلام وسهل بن سعد وأبي رافع وعبادة بن وثيمة وأبي بكرة وبريدة بن الحصيب‏.‏

وحديث بريدة صححه ابن السكن ورواه ابن منده في مستخرجه عن واثلة بن الأسقع ونييط بن شريط وزاد ابن الجوزي في العلل المتناهية عن أبي ذر وكعب بن مالك وأنس والعريض بن عميرة وعائشة وقال لا يثبت منها شيء وضعها كلها‏.‏ وقد قال أبو حاتم‏:‏ لا أعلم في اللّهم بارك لأمتي في بكورها حديثًا صحيحًا‏.‏

وحديث ابن أبي أوفى المذكور في الباب أخرجه أيضًا سعيد بن منصور الطبراني وضعف إسناده في مجمع الزوائد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يحب أن يخرج يوم الخميس‏)‏ قال في الفتح‏:‏ لعل سببه ما روي من قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم بورك لأمتي في بكورها يوم الخميس وهو حديث ضعيف أخرجه الطبراني من حديث نبيط بنون وموحدة مصغرًا ابن شريط بفتح الشين المعجمة قال وكونه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يحب الخروج يوم الخميس لا يستلزم المواظبة عليه لقيام مانع منه وقد ثبت أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم خرج لحجة الوداع يوم السبت كما تقدم في الحج اهـ وقد أخرج حديث نبيط المذكور البزار من حديث ابن عباس وأنس‏.‏

وفي حديث ابن عباس عنبسة بن عبد الرحمن وهو كذاب‏.‏

وفي حديث أنس عمرو بن مساور وهو ضعيف وروي بلفظ اللّهم بارك لأمتي في بكورها يوم سبتها ويوم خميسها‏.‏ وسئل أبو زرعة عن هذه الزيادة فقال هي مفتعلة‏.‏ وحديث صخر المذكور فيه مشروعية التبكير من غير تقييد بيوم مخصوص سواء كان ذلك في سفر جهاد أو حج أو تجارة أو في الخروج إلى عمل من الأعمال ولو في الحضر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر‏)‏ ظاهر هذا أن التأخير ليدخل وقت الصلاة لكونه مظنة الإجابة وهبوب الريح قد وقع النصر به في الأحزاب فصار مظنة لذلك ويدل على ذلك ما أخرجه الترمذي من حديث النعمان بن مقرن من وجه آخر غير الوجه الذي روى منه حديثه المذكور في الباب ولفظه قال‏:‏ ‏(‏غزوت مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فكان إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قاتل فإذا انتصف النهار أمسك حتى تزول الشمس فإذا زالت قاتل فإذا دخل وقت العصر أمسك حتى يصليها ثم يقاتل وكان يقال عند ذلك تهيج رياح النصر وتدعو المؤمنين لجيوشهم في صلاتهم‏)‏ قال في الفتح‏:‏ لكن فيه انقطاع‏.‏

 باب ترتيب الصفوف وجعل سيما وشعار يعرف وكراهة رفع الصوت

1- عن أبي أيوب قال‏:‏ ‏(‏صففنا يوم بدر فبدرت منا بادرة أمام الصف فنظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال معي معي‏)‏‏.‏

2- وعن عمار بن ياسر‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يستحب للرجل أن يقاتل تحت راية قومه‏)‏‏.‏

رواهما أحمد‏.‏

3- وعن المهلب بن أبي صفرة‏:‏ ‏(‏عمن سمع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ إن بيتكم العدو فقولوا حم لا ينصرون‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والترمذي‏.‏

4- وعن البراء بن عازب قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إنكم ستلقون العدو غدًا فإن شعاركم حم لا ينصرون‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

5- عن سلمة بن الأكوع قال‏:‏ ‏(‏غزونا مع أبي بكر زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فكان شعارنا أمت أمت‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

6- وعن الحسن عن قيس بن عباد قال‏:‏ ‏(‏كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يكرهون الصوت عند القتال‏)‏‏.‏

7- وعن أبي بردة عن أبيه‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بمثل ذلك‏)‏‏.‏

رواهما أبو داود‏.‏

حديث أبي أيوب قال في مجمع الزوائد‏:‏ في إسناده ابن لهيعة وفيه ضعف والصحيح أن أبا أيوب لم يشهد بدرًا اهـ‏.‏

وحديث عمارة قال في مجمع الزوائد‏:‏ إسناده منقطع قال وأخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني وفي إسناده إسحاق بن أبي إسحاق الشيباني ولم يضعفه أحد وبقية رجاله ثقات اهـ‏.‏

وقد أخرج نحو حديث أبي أيوب الترمذي من حديث عبد الرحمن بن عوف والبزار من طريق عكرمة عن ابن عباس عنه قال عبانا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو عند البخاري من حديث مروان والمسور في قصة الفتح وقصة أبي سفيان قال ثم مرت كتيبة لم ير مثلها فقال من هؤلاء قيل له الأنصار عليهم سعد بن عبادة ومعه الراية وفيه وجاءت كتيبة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ورايته مع الزبير‏.‏ الحديث بطوله وهو شاهد لحديث عمار بن ياسر المذكور‏.‏ وأخرج البخاري وأبو داود من حديث حمزة بن أبي أسيد عن أبيه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حين اصطففنا يوم بدر إذا أكثبوكم يعني إذا غشوكم فارموهم بالنبل واستبقوا نبلكم‏.‏

وحديث المهلب ذكر الترمذي أنه روي عن المهلب عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مرسلًا وأخرجه الحاكم موصولًا وقال صحيح قال والرجل الذي لم يسمه المهلب هو البراء‏.‏ ورواه النسائي من هذا الوجه بلفظ حدثني رجل من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وحديث البراء أخرجه أيضًا النسائي والحاكم وحديث سلمة بن الأكوع أخرجه النسائي وابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص‏.‏

وأخرجه الحاكم من حديث عائشة‏:‏ ‏(‏جعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم شعار المهاجرين يوم بدر عبد الرحمن والخزرج عبد اللّه‏)‏ الحديث وأخرج أيضًا عن ابن عباس رفعه جعل الشعار للأزد يا مبرور يا مبرور‏.‏

وفي الباب عن سمرة بن جندب عند أبي داود قال‏:‏ ‏(‏كان شعار المهاجرين عبد اللّه وشعار الأنصار عبد الرحمن‏)‏ وهو من رواية الحسن عنه وفي سماعه منه خلاف قد مر غير مرة وفي إسناده الحجاج بن أرطأة ولا يحتج بحديثه‏.‏ وحديث قيس بن عباد وأبي بردة سكت عنهما أبو داود والمنذري ورجالهما رجال الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صففنا يوم بدر‏)‏ الخ فيه دليل على مشروعية الاصطفاف حال القتال لما في ذلك من الترهيب على العدو والتقوية للجيش ولكونه محبوبًا للّه تعالى قال عز وجل ‏{‏إن اللّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيان مرصوص‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يقاتل تحت راية قومه‏)‏ إنما كان ذلك مشروعًا لما يتكلفه الإنسان من إظهاره القوة والجلادة إذا كان بمرأى من قومه ومسمع بخلاف ما إذا كان في غير قومه فإنه لا يفعل كفعله بين قومه لما جبلت عليه النفوس من محبة ظهور المحاسن بين العشيرة وكراهة ظهور المساوئ بينهم ولهذا أفرد صلى اللّه عليه وآله وسلم كل قبيلة من القبائل التي غزت معه غزوة الفتح بأميرها ورايتها كما يحكي ذلك كتب الحديث والسير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حم لا ينصرون‏)‏ هذا اللفظ فيه التفاؤل بعدم انتصار الخصم مع حصول الغرض بالشعار وهو العلامة في الحرب يقال نادوا بشعارهم أو جعلوا لأنفسهم شعارًا والمراد أنهم جعلوا العلامة بينهم لمعرفة بعضهم بعضًا في ظلمة الليل هو التكلم عند أن يهجم عليهم العدو بهذا اللفظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمت أمت‏)‏ أمر بالموت وفيه التفاؤل بموت الخصم‏.‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏يا منصور أمت أمت‏)‏ وفي آخر‏:‏ ‏(‏يا منص‏)‏ وهو ترخيم منصور محذوف الراء والواو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يكرهون الصوت عند القتال‏)‏ فيه دليل على أن رفع الصوت حال القتال وكثرة اللغط والصراخ مكروهة ولعل وجه كراهتهم لذلك أن التصويت في ذلك الوقت ربما كان مشعرًا بالفزع والفشل بخلاف الصمت فإنه دليل الثبات ورباط الجأش‏.‏

 باب استحباب الخيلاء في الحرب

1- عن جابر بن عتيك‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن من الغيرة ما يحب اللّه ومن الغيرة ما يبغض اللّه وإن من الخيلاء ما يحب اللّه ومنها ما يبغض اللّه فأما الغيرة التي يحبها اللّه فالغيرة في الريبة وأما الغيرة التي يبغض اللّه فالغيرة في غير الريبة والخيلاء التي يحب اللّه فاختيال الرجل بنفسه عند القتال واختياله عند الصدقة والخيلاء التي يبغض اللّه فاختيال الرجل في الفخر والبغي‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏

الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده عبد الرحمن بن جابر بن عتيك وهو مجهول وقد صحح الحديث الحاكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فالغيرة في الريبة‏)‏ نحو أن يغتار الرجل على محارمه إذا رأى منهم فعلًا محرمًا فإن الغيرة في ذلك ونحوه مما يحبه اللّه‏.‏ وفي الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏ما أحد أغير من اللّه من أجل ذلك حرم الزنا‏)‏ وأما الغيرة في غير الريبة فنحو أن يغتار الرجل على أمه أن ينكحها زوجها وكذلك سائر محارمه فإن هذا مما يبغضه اللّه تعالى لأن ما أحله اللّه تعالى فالواجب علينا الرضا به فإن لم نرض به كان ذلك من إيثار حمية الجاهلية على ما شرعه اللّه لنا واختيال الرجل بنفسه عند القتال من الخيلاء الذي يحبه اللّه لما في ذلك من الترهيب لأعداء اللّه والتنشيط لأوليائه ومنه قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لأبي دجانة لما رآه يختال عند القتال‏:‏ ‏(‏إن هذه مشية يبغضها اللّه ورسوله إلا في هذا الموطن‏)‏ وكذلك الاختيال عند الصدقة فإنه ربما كان من أسباب الاستكثار منها والرغوب فيها وأما اختيال الرجل في الفخر فنحو أن يذكر ما له من الحسب والنسب وكثرة المال والجاه والشجاعة والكرم لمجرد الافتخار ثم يحصل منه الاختيال عند ذلك فإن هذا الاختيال مما يبغضه اللّه تعالى لأن الافتخار في الأصل مذموم والاختيال مذموم فينضم قبيح إلى قبيح وكذلك الاختيال في البغي نحو أن يذكر الرجل أنه قتل فلانًا وأخذ ماله ظلمًا أو يصدر منه الاختيال حال البغي على مال الرجل أو نفسه فإن هذا يبغضه اللّه لأن فيه انضمام قبيح إلى قبيح كما سلف‏.‏

 باب الكف وقت الإغارة عمن عنده شعار الإسلام

1- عن أنس قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا غزا قومًا لم يغز حتى يصبح فإذا سمع أذانًا أمسك وإذا لم يسمع أذانًا أغار بعد ما يصبح‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏كان يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان فإن سمع أذانًا أمسك وإلا أغار وسمع رجلًا يقول اللّه أكبر اللّه أكبر فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ على الفطرة ثم قال أشهد أن لا إله إلا اللّه فقال‏:‏ خرجت من النار‏)‏ رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه‏.‏

2- وعن عصام المزني قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا بعث السرية يقول‏:‏ إذا رأيتم مسجدًا أو سمعتم مناديًا فلا تقتلوا أحدًا‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا النسائي‏.‏

حديث عصام قال الترمذي بعد إخراجه‏:‏ هذا حديث حسن غريب وهو من رواية ابن عصام عن أبيه قيل اسمه عبد اللّه وقيل اسمه عبد الرحمن قال في التقريب‏:‏ لا يعرف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإذا لم يسمع أذانًا أغار‏)‏ فيه دليل على جواز قتال من بلغته الدعوة بغير دعوة ويجمع بينه وبين ما تقدم في باب الدعوة قبل القتال بأن يقال الدعوة مستحبة لا شرط هكذا في الفتح‏.‏

وقد قدمنا الخلاف في ذلك وما ذكره الإمام المهدي من أن وجوب تقديم الدعوة مجمع عليه والاعتراض عليه وفي هذا الحديث والذي بعده دليل على جواز الحكم بالدليل لكونه صلى اللّه عليه وآله وسلم كف عن القتال بمجرد سماع الآذان وفيه الأخذ بالأحوط في أمر الدماء لأنه كف عنهم في تلك الحال مع احتمال أن لا يكون ذلك على الحقيقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على الفطرة‏)‏ فيه أن التكبير من الأمور المختصة بأهل الإسلام وأنه يصح الاستدلال به على إسلام أهل قرية سمع منهم ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خرجت من النار‏)‏ هو نحو الأدلة القاضية بأن من قال لا إله إلا اللّه دخل الجنة وهي مطلقة مقيدة بعدم المانع جمعًا بين الأدلة وللكلام على ذلك موضع آخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا رأيتم مسجدًا‏)‏ فيه دليل على أن مجرد وجود المسجد في البلد كاف في الاستدلال به على إسلام أهله وإن لم يسمع منهم الأذان لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يأمر سراياه بالاكتفاء بأحد الأمرين إما وجود مسجد أو سماع الأذان‏.‏

 باب جواز تبييت الكفار ورميهم بالمنجنيق وإن أدى إلى قتل ذراريهم تبعًا

1- عن الصعب بن جثامة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم ثم قال هم منهم‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا النسائي‏.‏ وزاد أبو داود‏:‏ وقال الزهري‏:‏ ‏(‏ثم نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن قتل النساء والصبيان‏)‏‏.‏

2- وعن ثور ين يزيد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف‏)‏‏.‏

أخرجه الترمذي هكذا مرسلًا‏.‏

3- وعن سلمة بن الأكوع قال‏:‏ ‏(‏بيتنا هوازن مع أبي بكر الصديق وكان أمره علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الزيادة التي زادها أبو داود عن الزهري أخرجها الإسماعيلي من طريق جعفر الفريابي عن علي بن المديني عن سفيان بلفظ‏:‏ ‏(‏وكان الزهري إذا حدث بهذا الحديث قال‏:‏ وأخبرني ابن كعب بن مالك عن عمه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان‏)‏ وأخرجه أيضًا ابن حبان مرسلًا كأبي داود‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وكأن الزهري أشار بذلك إلى نسخ حديث الصعب‏.‏

وحديث ثور بن يزيد أخرجه أيضًا أبو داود في المراسيل من طريق مكحول عنه‏.‏ وأخرجه أيضًا الواقدي في السيرة وزعم أن الذي أشار به سلمان الفارسي وقد أنكر ذلك يحيى بن أبي كثير وإنكاره ليس بقادح فإن من علم حجة على من لم يعلم‏.‏

وحديث سلمة أخرجه أيضًا أبو داود والنسائي وابن ماجه وهو طرف من الحديث الذي تقدم في باب ترتيب الصفوف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سئل‏)‏ السائل هو الصعب بن جثامة الراوي للحديث كما يدل على ذلك ما في صحيح ابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن الزهري بسنده عن الصعب قال‏:‏ ‏(‏سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن أولاد المشركين أنقتلهم معهم قال نعم‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أهل الدار‏)‏ أي المنزل هكذا في البخاري وغيره‏.‏ ووقع في بعض نسخ مسلم‏:‏ ‏(‏سئل عن الذراري‏)‏ قال عياض‏:‏ الأول هو الصواب ووجه النووي الثاني قوله ‏(‏هم منهم‏)‏ أي في الحكم في تلك الحالة وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى المشركين إلا بوطء الذرية فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم وسيأتي الخلاف في ذلك الباب الذي بعد هذا وقد تقدمت الإشارة إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم نهى رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ الخ استدل به من قال إنه لا يجوز قتلهم مطلقًا وسيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بيتنا هوازن‏)‏ البيات هو الغارة بالليل‏.‏

ـ وفي الحديث ـ دليل على أنه يجوز تبييت الكفار قال الترمذي‏:‏ وقد رخص قوم من أهل العلم في الغارة بالليل وأن يبيتوا وكرهه بعضهم قال أحمد وإسحاق‏:‏ لا بأس أن يبيت العدو ليلًا‏.‏

 باب الكف عن قصد النساء والصبيان والرهبان والشيخ الفاني بالقتل

1- عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فنهى رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن قتل النساء والصبيان‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا النسائي‏.‏

2- وعن رياح بن ربيع‏:‏ ‏(‏أنه خرج مع رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد فمر رياح وأصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وآله على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة فوقفوا ينظرون إليها يعني وهم يتعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على راحلته فأفرجوا عنها فوقف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ ما كانت هذه لتقاتل فقال لأحدهم‏:‏ الحق خالدًا فقل له لا تقتل ذرية وعسيفًا‏)‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏

3- وعن أنس‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ انطلقوا باسم اللّه وباللّه وعلى ملة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا طفلًا صغيرًا ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن اللّه يحب المحسنين‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

4- وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا بعث جيوشه قال‏:‏ اخرجوا باسم اللّه تعالى تقاتلون في سبيل اللّه من كفر باللّه لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع‏)‏‏.‏

5- وعن ابن كعب بن مالك عن عمه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حين بعث إلى ابن أبي الحقيق بخيبر نهى عن قتل النساء والصبيان‏)‏‏.‏

6- وعن الأسود بن سريع قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا تقتلوا الذرية في الحرب فقالوا يا رسول اللّه أو أليس هم أولاد المشركين قال أو ليس خياركم أولاد المشركين‏)‏‏.‏ رواهن أحمد‏.‏

حديث رياح بكسر الراء المهملة وبعدها تحتانية هكذا في الفتح‏.‏ وقال المنذري‏:‏ بالباء الموحدة ويقال بالياء التحتانية ورجح البخاري أنه بالموحدة أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي واختلف فيه على المرقع بن صيفي فقيل عن جده رياح وقيل حنظلة بن الربيع وذكر البخاري وأبو حاتم أن الأول أصح‏.‏

وحديث أنس في إسناده خالد بن الفزر بكسر الفاء وسكون الزاي وبعدها راء مهملة‏.‏

وحديث ابن عباس في إسناده إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وهو ضعيف ووثقه أحمد‏.‏

وحديث ابن كعب بن مالك أخرجه أيضًا الإسماعيلي في مستخرجه وأخرجه أبو داود وابن حبان من حديث الزهري مرسلًا كما تقدم وقال في مجمع الزوائد‏:‏ رجال أحمد رجال الصحيح‏.‏

وحديث الأسود بن سريع قال في مجمع الزوائد أيضًا ورجال أحمد رجال الصحيح ـ وفي الباب ـ عن علي عند البيهقي بنحو حديث ابن عباس المذكور‏.‏ وعن جرير عند ابن أبي حاتم في العلل وعن سمرة عند أحمد والترمذي وصححه بلفظ‏:‏ ‏(‏اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم‏)‏ وأحاديث الباب تدل على أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان وإلى ذلك ذهب مالك والأوزاعي فلا يجوز ذلك عندهما بحال من الأحوال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة وجعلوا معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم‏.‏

وذهب الشافعي والكوفيون إلى الجمع بين الأحاديث المذكورة فقالوا إذا قاتلت المرأة جاز قتلها وقال ابن حبيب من المالكية‏:‏ لا يجوز القصد إلى قتلها إذا قاتلت إلا إن باشرت القتل أو قصدت إليه ويدل على هذا ما رواه أبو داود في المراسيل عن عكرمة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مر بامرأة مقتولة يوم حنين فقال من قتل هذه فقال رجل أنا يا رسول اللّه غنمتها فأردفتها خلفي فلما رأت الهزيمة فينا أهوت إلى قائم سيفي لتقتلني فقتلتها فلم ينكر عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ ووصله الطبراني في الكبير وفيه حجاج بن أرطأة وأرسله ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن يحيى الأنصاري ونقل ابن بطال أنه اتفق الجميع على المنع من القصد على قتل النساء والولدان أما النساء فلضعفهن وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفار ولما في استبقائهم جميعًا من الانتفاع إما بالرق أو بالفداء فيمن يجوز أن يفادي به قال في الفتح‏:‏ وقد حكى الحازمي قولًا بجواز قتل النساء والصبيان على ظاهر حديث الصعب وزعم أنه ناسخ لأحاديث النهي وهو غريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا عسيفًا‏)‏ بمهملتين وفاء كأجير وزنًا ومعنى وفيه دليل على أنه لا يجوز قتل من كان مع القوم أجيرًا ونحوه لأنه من المستضعفين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تقتلوا شيخًا فانيًا‏)‏ ظاهره أنه لا يجوز قتل شيوخ المشركين ويعارضه حديث اقتلوا شيوخ المشركين الذي ذكرناه وقد جمع بين الحديثين بأن الشيخ المنهي عن قتله في الحديث الأول هو الفاني الذي لم يبق فيه نفع للكفار ولا مضرة على المسلمين وقد وقع التصريح بهذا الوصف بقوله شيخًا فانيًا والشيخ المأمور بقتله في الحديث الثاني هو من بقي فيه نفع للكفار ولو بالرأي كما في دريد بن الصمة فإن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لما فرغ من حنين بعث أبا عامر على جيش أوطاس فلقي دريد بن الصمة وقد كان نيف على المائة وقد أحضروه ليدبر لهم الحرب فقتله أبو عامر ولم ينكر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ذلك عليه كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي موسى والقصة معروفة‏.‏

قال أحمد بن حنبل في تعليل أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم بقتل الشيوخ إن الشيخ لا يكاد يسلم والصغير أقرب إلى الإسلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تغلوا‏)‏ وسيأتي الكلام على تحريم الغلول والغدر والمثلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وضموا غنائمكم‏)‏ أي اجمعوها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا أصحاب الصوامع‏)‏ فيه دليل على أنه لا يجوز قتل من كان متخليًا للعبادة من الكفار كالرهبان لإعراضه عن ضر المسلمين والحديث وإن كان فيه المقال المتقدم لكنه معتضد بالقياس على الصبيان والنساء بجامع عدم النفع والضرر وهو المناط ولهذا لم ينكر صلى اللّه عليه وآله وسلم على قاتل المرأة التي أرادت قتله ويقاس على المنصوص عليهم بذلك الجامع من كان مقعدًا أو أعمى أو نحوهما ممن كان لا يرجى نفعه ولا ضره على الدوام‏.‏