فصل: باب النهي عن تخليل الخمر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب النهي عن تخليل الخمر

1 - عن أنس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سئل عن الخمر يتخذ خلًا فقال‏:‏ لا‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه‏.‏

2 - وعن أنس‏:‏ ‏(‏أن أبا طلحة سأل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن أيتام ورثوا خمرًا قال‏:‏ أهرقها قال‏:‏ أفلا نجعلها خلًا قال‏:‏ لا‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

3 - وعن أبي سعيد قال‏:‏ ‏(‏قلنا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لما حرمت الخمر إن عندنا خمرًا ليتيم لنا فأمرنا فأهرقناها‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

4 - وعن أنس‏:‏ ‏(‏أن يتيمًا كان في حجر أبي طلحة فاشترى له خمرًا فلما حرمت سئل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أتتخذ خلًا قال‏:‏ لا‏)‏‏.‏

رواه أحمد والدارقطني‏.‏

حديث أنس الأول قال الترمذي بعد إخراجه حديث حسن صحيح‏.‏

وحديثه الثاني عزاه المنذري في مختصر السنن إلى مسلم وهو كما قال في صحيح مسلم ورجال إسناده في سنن أبي داود ثقات‏.‏ وأخرجه الترمذي من طريقين وقال الثانية أصح‏.‏

وحديث أبي سعيد أشار إليه الترمذي قال وفي الباب عن جابر وعائشة وأبي سعيد وابن مسعود وابن عمر‏.‏ وفي لفظ للترمذي عن أنس عن أبي طلحة أنه قال يا نبي اللّه‏.‏ وفي لفظ آخر كما في الكتاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ لا‏)‏ فيه دليل للجمهور على أنه لا يجوز تخليل الخمر ولا تطهر بالتخليل هذا إذا خللها بوضع شيء فيها أما إذا كان التخليل بالنقل من الشمس إلى الظل أو نحو ذلك فأصح وجه عن الشافعية أنها تحل وتطهر وقال الأوزاعي وأبو حنيفة تطهر إذا خللت بإلقاء شيء فيها وعن مالك ثلاث روايات أصحها أن التخليل حرام فلو خللها عصى وطهرت‏.‏ قال القرطبي‏:‏ كيف يصح لأبي حنيفة القول بالتخليل مع هذا الحديث ومع سببه الذي خرج عليه إذ لو كان جائزًا لكان قد ضيع على الأيتام مالهم ولوجب الضمان على من أراقها عليهم وهو أبو طلحة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أهرقها‏)‏ بسكون القاف وكسر الراء فيه دليل على أن الخمر لا تملك بل يجب إراقتها في الحال ولا يجوز لأحد الانتفاع بها إلا بالإراقة‏.‏ قال القرطبي‏:‏ وقال بعض أصحابنا تملك وليس بصحيح‏.‏ ولفظ أحمد في رواية له‏:‏ ‏(‏أن أبا طلحة سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ عندي خمور لأيتام فقال‏:‏ أرقها قال‏:‏ ألا أخللها قال‏:‏ لا‏)‏‏.‏

 باب شرب العصير ما لم يغل أو يأت عليه ثلاث وما طبخ قبل غليانه فذهب ثلثاه‏.‏

1 - عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كنا ننبذ لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في سقاء يوكي أعلاه وله عزلاء ننبذه غدوة فيشربه عشيًا وننبذه عشيًا فيشربه غدوة‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي‏.‏

2 - وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ينبذ له أول الليل فيشربه إذا أصبح يومه ذلك والليلة التي تجيء والغد والليلة الأخرى والغد إلى العصر فإذا بقي شيء سقاه الخدام أو أمر به فصب‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏كان ينقع له الزبيب فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة ثم يأمر به فيسقي الخادم أو يهراق‏)‏ رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

وقال معنى يسقي الخادم يبادر به الفساد‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏كان ينبذ لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فيشربه يومه ذلك والغد واليوم الثالث فإن بقي شيء منه أهراقه أو أمر به فأهريق‏)‏ رواه النسائي وابن ماجه‏.‏

3 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏علمت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يصوم فتحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء ثم أتيته به فإذا هو ينش فقال‏:‏ اضرب بهذا الحائط فإن هذا شراب من لا يؤمن باللّه واليوم الآخر‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والنسائي‏.‏

وقال ابن عمر في العصير أشربه ما لم يأخذه شيطانه قيل وفي كم يأخذه شيطانه قال في ثلاث‏.‏ حكاه أحمد وغيره‏.‏

4 - وعن أبي موسى‏:‏ ‏(‏أنه كان يشرب من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه‏)‏‏.‏

رواه النسائي وله مثله عن عمر وأبي الدرداء وقال البخاري رأى عمر وأبو عبيدة ومعاذ شرب الطلاء على الثلث وشرب البراء وأبو جحيفة على النصف‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ سألت أحمد عن شرب الطلاء إذا ذهب ثلثاه وبقي ثلثه فقال‏:‏ لا بأس به فقلت‏:‏ إنهم يقولون يسكر قال‏:‏ لا يسكر لو كان يسكر ما أحله عمر رضي اللّه عنه‏.‏

حديث عائشة تقدم في باب ما جاء في الخليطين‏.‏

وأخرج أبو داود أيضًا عن عائشة أنها كانت تنبذ لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم غدوة فإذا كان من العشاء فتعشى شرب على عشائه وإن فضل شيء صبته أو فرغته ثم تنبذ له بالليل فإذا أصبح تغدى فشرب على غدائه قالت‏:‏ نغسل السقاء غدوة وعشية فقال لها‏:‏ أي مرتين في يوم قالت‏:‏ نعم‏.‏

وحديث أبي هريرة أخرجه ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وقد اختلف في هشام بن عمار ولكنه قد أخرج له البخاري‏.‏

وأما قوله وله مثله عن عمر فهو ما أخرجه النسائي من طريق عبد اللّه بن يزيد الخطمي قال كتب عمر اطبخوا شرابكم حتى يذهب نصيب الشيطان اثنين ولكم واحد وصحح هذا الحافظ في الفتح وأخرج مالك في الموطأ من طريق محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام شكى إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها وقالوا لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر اشربوا العسل قالوا ما يصلحنا العسل فقال رجل من أهل الأرض هل لك أن تجعل من هذا الشراب شيئًا لا يسكر فقال نعم فطبخوا حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر فأدخل فيه إصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط فقال هذا الطلاء مثل طلاء الإبل فأمرهم عمر أن يشربوه وقال اللّهم إني لا أحل لهم شيئًا حرمته عليهم‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور من طريق أبي مجلز عن عامر بن عبد اللّه قال كتب عمر إلى عمار أما بعد فإنه جاءني عير تحمل شرابًا أسود كأنه طلاء الإبل فذكروا أنهم يطبخونهم حتى يذهب ثلثاه الأخبثان ثلث بريحه وثلث ببغيه فمر من قبلك أن يشربوه‏.‏ ومن طريق سعيد بن المسيب أن عمر أحل من الشراب ما يطبخ فذهب ثلثاه وبقي ثلثه‏.‏

وأثر أبي عبيدة ومعاذ أخرجه أبو مسلم الكجي وسعيد بن منصور بلفظ‏:‏ يشربون من الطلاء ما يطبخ على الثلث وذهب ثلثاه‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وقد وافق عمر ومن ذكر معه على الحكم المذكور أبو موسى وأبو الدرداء أخرجه النسائي عنهما وعلي وأبو أمامة وخالد بن الوليد وغيرهم أخرجها ابن أبي شيبة وغيره ومن التابعين ابن المسيب والحسن وعكرمة ومن الفقهاء الثوري والليث ومالك وأحمد والجمهور وشرط تناوله عندهم ما لم يسكر وكرهه طائفة تورعًا‏.‏

وأثر البراء أخرجه ابن أبي شيبة من رواية عدي بن ثابت عنه أنه كان يشرب الطلاء على النصف أي إذا طبخ فصار على النصف‏.‏

وأثر أبي جحيفة أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة ووافق البراء وأبا جحيفة جرير ومن التابعين ابن الحنيفة وشريح وأطلق الجميع على أنه إن كان يسكر حرم‏.‏ قال أبو عبيدة‏:‏ بلغني أن النصف يسكر فإن كان كذلك فهو حرام والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف أعناب البلاد فقد قال ابن حزم أنه شاهد العصير ما إذا طبخ إلى الثلث ينعقد ولا يصير مسكرًا أصلًا ومنه ما إذا طبخ إلى النصف كذلك ومنه ما إذا طبخ إلى الربع كذلك بل قال أنه شاهد منه ما لو طبخ لا يبقى غير ربعه لا ينفك عنه السكر قال وجب أن يحمل ما ورد عن الصحابة من أمر الطلاء على ما لا يسكر بعد الطبخ‏.‏ وأخرج النسائي من طريق عطاء عن ابن عباس بسند صحيح أنه قال‏:‏ إن النار لا تحل شيئًا ولا تحرمه‏.‏

وأخرج النسائي أيضًا من طريق أبي ثابت الثعلبي قال كنت عند ابن عباس فجاءه رجل يسأله عن العصير فقال اشربه ما كان طريًا قال إني طبخت شرابًا وفي نفسي قال كنت شاربه قبل أن تطبخه قال لا قال فإن النار لا تحل شيئًا قد حرم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهذا يقيد ما أطلق في الآثار الماضية وهو أن الذي يطبخ إنما هو العصير الطري قبل أن يتخمر أما لو صار خمرًا فطبخ فإن الطبخ لا يحله ولا يطهره إلا على رأي من يجيز تخليل الخمر والجمهور على خلافه‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي من طريق سعيد بن المسيب والشعبي والنخعي اشربوا العصير ما لم يغل‏.‏ وعن الحسن البصري ما لم يتغير وهذا قول كثير من السلف أنه إذا بدا فيه التغير يمتنع وعلامة ذلك أن يأخذ في الغليان وبهذا قال أبو يوسف‏.‏ وقيل إذا انتهى غليانه وابتدأ في الهدو بعد الغليان‏.‏ وقيل إذا سكن غليانه‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يحرم عصير العنب إلى أن يغلي ويقذف بالزبد فإذا غلى وقذف بالزبد حرم‏.‏ وأما المطبوخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه فلا يمتنع مطلقًا ولو غلى وقذف بالزبد بعد الطبخ‏.‏

وقال مالك والشافعي والجمهور يمتنع إذا صار مسكرًا شرب قليله وكثيره سواء غلى أم لا لأنه يجوز أن يبلغ حد الإسكار بأن يغلي ثم يسكن غليانه بعد ذلك وهو مراد من قال حد منع شربه أن يتغير‏.‏

وأخرج مالك بإسناد صحيح أن عمر قال إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شرب الطلاء وإني سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تامًا‏.‏ وفي السياق حذف والتقدير سأل عنه فوجده يسكر فجلده‏.‏ وأخرج سعيد بن منصور عنه نحوه‏.‏

وفي هذا رد على من احتج بعمر في جواز المطبوخ إذا ذهب منه الثلثان ولو أسكر بأن عمر أذن بشربه ولم يفصل وتعقب بأن الجمع بين الأثرين ممكن بأن يقال سأل ابنه فاعترف بأنه شرب كذا فسأل غيره عنه فأخبره أنه يسكر أو سأل ابنه فاعترف أنه يسكر‏.‏

وقال أبو الليث السمرقندي‏:‏ شارب المطبوخ إذا كان يسكر أعظم ذنبًا من شارب الخمر لأن شارب الخمر يشربها وهو عالم أنه عاص بشربها وشارب المطبوخ يشرب المسكر ويراه حلالًا وقد قام الإجماع على أن قليل الخمر وكثيره حرام‏.‏ وثبت قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏كل مسكر حرام‏)‏ ومن استحل ما هو حرام بالإجماع كفر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوكي‏)‏ أي يشد بالوكاء وهو غير مهموز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وله عزلاء‏)‏ بفتح العين المهملة وإسكان الزاي وبالمد وهو الثقب الذي يكون في أسفل المزادة والقربة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيشربه عشاء‏)‏ قال النووي‏:‏ هو بكسر العين وفتح الشين وضبطه بعضهم بفتح العين وكسر الشين وزيادة ياء مشددة‏.‏ قال القرطبي‏:‏ هذا يدل على أن أقصى زمان الشرب ذلك المقدار فإنه لا تخرج حلاوة التمر أو الزبيب في أقل من ليلة أو يوم‏.‏

ـ الحاصل ـ أنه يجوز شرب النبيذ ما دام حلوًا غير أنه إذا اشتد الحر أسرع إليه التغير في زمان الحر دون زمان البرد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى مساء الثالثة‏)‏ قال النووي‏:‏ مساء الثالثة يقال بضم الميم وكسرها لغتان مشهورتان والضم أرجح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيسقي الخادم‏)‏ هذا محمول على أنه لم يكن قد بلغ إلى حد السكر لأن الخادم لا يجوز أن يسقى المسكر كما لا يجوز له شربه بل تتوجه إراقته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو يهراق‏)‏ بضم أوله لأنه إذا صار مسكرًا حرم شربه وكان نجسًا فيراق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتحينت فطره‏)‏ أي طلبت حين فطره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صنعته في دباء‏)‏ أي قرع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ينش‏)‏ بفتح الياء التحتية وكسر النون أي إذا غلى يقال نشت الخمر تنش نشيشًا إذا غلت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اضرب بهذا الحائط‏)‏ أي اصببه وأرقه في البستان وهو الحائط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في ثلاث‏)‏ فيه دليل على أن النبيذ بعد الثلاث قد صار مظنة لكونه مسكرًا فيتوجه اجتنابه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من الطلاء‏)‏ بكسر المهملة والمد شبه بطلاء الإبل وهو في تلك الحال غالبًا لا يسكر‏.‏

 باب آداب الشرب‏.‏

1 - عن أنس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثًا‏)‏

متفق عليه‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏(‏كان يتنفس في الشراب ثلاثًا ويقول إنه أروى وأبرأ وأمرأ‏)‏ رواه أحمد ومسلم‏.‏

2 - وعن أبي قتادة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

3 - وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي‏.‏

4 - وعن أبي سعيد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن النفخ في الشراب فقال رجل‏:‏ القذاة أراها في الإناء فقال‏:‏ أرقها فقال‏:‏ إني لا أروى من نفس واحد قال‏:‏ فأبن القدح إذًا عن فيك‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يتنفس في الإناء ثلاثًا‏)‏ حمل بعضهم هذه الرواية على ظاهرها وأنه يقع التنفس في الإناء ثلاثًا وقال‏:‏ فعل ذلك ليبين به جواز ذلك‏.‏ ومنهم من علل جواز ذلك في حقه عليه السلام بأنه لم يكن يتقذر منه شيء بل الذي يتقذر من غيره يستطاب منه فإنهم كانوا إذا بزق أو تنخع يدلكون بذلك وإذا توضأ اقتتلوا على فضلة وضوئه إلى غير ذلك مما في هذا المعنى‏.‏

قال القرطبي‏:‏ وحمل هذا الحديث على هذا المعنى ليس بصحيح بدليل بقيته فإنه قال إنه أروى وأمرأ‏.‏ وفي لفظ لأبي داود وأبرأ‏.‏ وهذه الثلاثة الأمور إنما تحصل بأن يشرب ثلاثة أنفاس خارج القدح فأما إذا تنفس في الماء وهو يشرب فلا يأمن الشرق وقد لا يروى وعلى هذا المعنى حمل الحديث الجمهور نظرًا إلى المعنى ولبقية الحديث وللنهي عن التنفس في الإناء في حديث أبي قتادة وحديث ابن عباس ولقوله في حديث أبي سعيد فأبن القدح إذًا ولا شك أن هذا من مكارم الأخلاق ومن باب النظافة وما كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يأمر بشيء ثم لا يفعله وإن كان لا يستقذر منه وأهنأ وأمرأ من قوله تعالى ‏{‏فكلوه هنيئًا مريئًا‏}‏‏.‏

ومعنى الحديث كان إذا شرب تنفس في الشراب من الإناء ثلاثًا‏.‏ ومعنى أروى أي أكثر ريًا وأبرأ مهموز أي أسلم من مرض أو أذى يحصل بسبب الشرب في نفس واحد‏.‏ وأمرأ أي أكمل انسياغًا وقيل إذا نزل من المريء الذي في رأس المعدة إليها فيمرئ في الجسد منها وفي رواية لأبي داود بزيادة أهنأ وكل ما لم يأت بمشقة ولا عناء فهو هنيء ويقال هنأني الطعام فهو هني أي لا إثم فيه ويحتمل أن يكون أهنأ في هذه الرواية بمعنى أروى‏.‏

قال ابن رسلان في شرح السنن‏:‏ وفي هذا الحديث إشارة إلى ما يدعى للشارب به عقب الشراب فيقال له عقب الشراب هنيئًا مريئًا وأما قولهم في الدعاء للشارب صحة بكسر الصاد فلم أجد له أصلًا في السنة مسطورًا بل نقل لي بعض طلبة الدمشقيين عن بعض مشايخه أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال للتي شربت دمه أو بوله صحة فإن ثبت هذا فلا كلام انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا يتنفس في الإناء‏)‏ النهي عن التنفس في الذي يشرب منه لئلا يخرج من الفم بزاق يستقذره من شرب بعده منه أو تحصل فيه رائحة كريهة تتعلق بالماء أو بالإناء وعلى هذا فإذا لم يتنفس في الإناء فليشرب في نفس واحد قاله عمر بن عبد العزيز وأجازه جماعة منهم ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح ومالك بن أنس وكره ذلك جماعة منهم ابن عباس ورواية عكرمة وطاوس وقالوا هو شرب الشيطان‏.‏ والقول الأول أظهر لقوله في حديث الباب للذي قال له أنه لا يروى من نفس واحد‏:‏ أبن القدح عن فيك وظاهره أنه أباح له الشرب في نفس واحد إذا كان يروى منه وكما لا يتنفس في الإناء لا يتجشأ فيه بل ينحيه عن فيه مع الحمد للّه ويرده إلى فيه مع التسمية فيتنفس ثلاثًا يحمد اللّه في آخر كل نفس ويسمي اللّه في أوله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو ينفخ فيه‏)‏ أي في الإناء الذي يشرب منه والإناء يشمل إناء الطعام والشراب فلا ينفخ في الإناء ليذهب ما في الماء من قذاة ونحوها فإنه لا يخلو النفخ غالبًا من بزاق يستقذر منه وكذا لا ينفخ في الإناء لتبريد الطعام الحار بل يصبر إلى أن يبرد كما تقدم ولا يأكله حارًا فإن البركة تذهب منه وهو شراب أهل النار‏.‏

5 - وعن أبي سعيد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن الشرب قائمًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

6 - وعن قتادة عن أنس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم زجر عن الشرب قائمًا قال قتادة‏:‏ فقلنا فالأكل قال‏:‏ ذاك شر وأخبث‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والترمذي‏.‏

7 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا يشربن أحد منكم قائمًا فمن نسي فليستقيء‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏

8 - وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏شرب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قائمًا من زمزم‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

9 - وعن الإمام علي رضي اللّه عنه‏:‏ ‏(‏أنه في رحبة الكوفة شرب وهو قائم قال‏:‏ إن ناسًا يكرهون الشرب قائمًا وإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم صنع مثل ما صنعت‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

10 - وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏كنا نأكل على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه‏.‏

ظاهر النهي في حديث أبي سعيد وأبي هريرة أن الشرب من قيام حرام ولا سيما بعد قوله‏:‏ ‏(‏فمن نسي فليستقيء‏)‏ فإنه يدل على التشديد في المنع والمبالغة في التحريم ولكن حديث ابن عباس وحديث علي يدلان على جواز ذلك ـ وفي الباب ـ أحاديث غير ما ذكره المصنف منها ما أخرجه أحمد وصححه ابن حبان عن أبي هريرة بلفظ‏:‏ ‏(‏لو يعلم الذي يشرب وهو قائم لاستقاء‏)‏ ولأحمد من وجه آخر عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم رأى رجلًا يشرب قائمًا فقال‏:‏ قه قال‏:‏ لمه قال‏:‏ أيسرك أن يشرب معك الهر قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ قد شرب معك من هو شر منه الشيطان‏)‏ وهو من رواية شعبة عن أبي زياد الطحان مولى الحسن بن علي عنه رضي اللّه عنهما وأبو زياد لا يعرف اسمه وقد وثقه يحيى بن معين ومنها عند مسلم عن أنس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم زجر عن الشرب قائمًا‏)‏‏.‏

قال المازري‏:‏ اختلف الناس في هذا فذهب الجمهور إلى الجواز وكرهه قوم فقال بعض شيوخنا‏:‏ لعل النهي منصرف إلى من أتى أصحابه بماء فبادر بشربه قائمًا قبلهم استبدادًا به وخروجًا عن كون ساقي القوم آخرهم شربًا قال وأيضًا فإن الحديث تضمن المنع من الأكل قائمًا ولا خلاف في جواز الأكل قائمًا قال والذي يظهر لي أن أحاديث شربه قائمًا يدل على الجواز وأحاديث النهي تحمل على الاستحباب والحث على ما هو أولى وأكمل قال‏:‏ ويحمل الأمر بالقيء على أن الشرب قائمًا يحرك خلطًا يكون القيء دواءه ويؤيده قول النخعي إنما نهى عن ذلك لداء البطن‏.‏

وقد تكلم عياض على أحاديث النهي وقال‏:‏ إن مسلمًا أخرج حديث أبي سعيد وحديث أنس من طريق قتادة وكان شعبة يتقي من حديث قتادة ما لا يصرح فيه بالتحديث قال واضطراب قتادة فيه مما يعله مع مخالفة الأحاديث الأخرى والأئمة له‏.‏

وأما حديث أبي هريرة ففي سنده عمر بن حمزة ولا يتحمل منه مثل هذا المخالفة غيره له والصحيح أنه موقوف انتهى ملخصًا قال النووي ما ملخصه‏:‏ هذه الأحاديث أشكل معناها على بعض العلماء حتى قال فيها أقوالًا باطلة وزاد حتى تجاسر ورام أن يضعف بعضها ولا وجه لإشاعة الغلطات بل يذكر الصواب ويشار إلى التحذير عن الغلط وليس في الأحاديث إشكال ولا فيها ضعف بل الصواب أن النهي فيها محمول على التنزيه وشربه قائمًا لبيان الجواز وأما من زعم نسخًا أو غيره فقد غلط فإن النسخ لا يصار إليه مع إمكان الجمع لو ثبت التاريخ وفعله صلى اللّه عليه وآله وسلم لبيان الجواز لا يكون في حقه مكروهًا أصلًا فإنه كان يفعل الشيء للبيان مرة أو مرات ويواظب على الأفضل والأمر بالاستقاء محمول على الاستحباب فيستحب لمن يشرب قائمًا أن يستقيء لهذا الحديث الصحيح فإن الأمر إذا تعذر حمله على الوجوب يحمل على الاستحباب وأما قول عياض لا خلاف بين أهل العلم أن من شرب قائمًا ليس عليه أن يتقيأ وأشار به إلى تضعيف الحديث فلا يلتفت إلى إشارته وكون أهل العلم لم يوجبوا الاستقاء لا يمنع من الاستحباب فمن ادعى منع الاستحباب بالإجماع فهو مجازف وكيف تترك السنة الصحيحة بالتوهمات والدعاوى والترهات‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ليس في كلام عياض التعرض للاستحباب أصلًا بل ونقل الاتفاق المذكور إنما هو في كلام المازري كما مضى وأما تضعيف عياض للأحاديث فلم يتشاغل النووي بالجواب عنه قال فأما إشارته إلى تضعيف حديث أنس بكون قتادة مدلسًا فيجاب عنه بأنه صرح في نفس هذا الحديث بما يقتضي السماع فإنه قال قلنا لأنس فالأكل الخ وأما تضعيف حديث أبي سعيد بأن أبا عباس غير مشهور فهو قول سبق إليه ابن المديني لأنه لم يرو عنه إلا قتادة لكن وثقه الطبري وابن حبان ودعواه اضطرابه مردودة فقد تابعه الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة كما رواه أحمد وابن حبان فالحديث بمجموع طرقه صحيح قال النووي والعراقي في شرح الترمذي‏:‏ إن قوله فمن نسي لا مفهوم له بل يستحب ذلك للعامد أيضًا بطريق الأولى وإنما خص الناسي بالذكر لكون المؤمن لا يقع ذلك منه بعد النهي غالبًا إلا نسيانًا قال القرطبي في المفهم‏:‏ لم يصر أحد إلى أن النهي فيه للتحريم وإن كان القول به جاريًا على أصول الظاهرية وتعقب بأن ابن حزم منهم جزم بالتحريم وتمسك من لم يقل بالتحريم بالأحاديث المذكورة في الباب‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن سعد بن أبي وقاص أخرجه الترمذي‏.‏ وعن عبد اللّه بن أنيس أخرجه الطبراني‏.‏ وعن أنس أخرجه البزار والأثرم‏.‏ وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أخرجه الترمذي وحسنه وعن عائشة أخرجه البزار وأبو علي الطوسي في الأحكام‏.‏ وعن أم سليم أخرجه ابن شاهين‏.‏ وعن عبد اللّه بن السائب أخرجه ابن أبي حاتم وثبت الشرب قائمًا عن عمر أخرجه الطبري‏.‏

وفي الموطأ أن عمر وعثمان وعلي كانوا يشربون قيامًا وكان سعد وعائشة لا يريان بذلك بأسًا وثبتت الرخصة عن جماعة من التابعين‏.‏ وسلك العلماء في ذلك مسالك‏:‏

أحدها الترجيح وأن أحاديث الجواز أثبت من أحاديث النفي وهذه طريقة أبي بكر الأثرم فقال‏:‏ حديث أنس يعني في النهي جيد الإسناد ولكن قد جاء عنه خلافه يعني في الجواز قال‏:‏ ولا يلزم من كون الطريق إليه في النهي أثبت من الطريق إليه في الجواز أن لا يكون الذي يقابله أقوى لأن الثبت قد يروي من هو دونه الشيء فيرجح عليه فقد رجح نافع على سالم في بعض الأحاديث عن ابن عمر وسالم مقدم على نافع في التثبت وقدم شريك على الثوري في حديثين وسفيان مقدم عليه في جملة أحاديث‏.‏ ويروى عن أبي هريرة أنه قال‏:‏ لا بأس بالشرب قائمًا‏.‏ قال‏:‏ فدل على أن الرواية عنه في النهي ليست بثابتة وإلا لما قال لا بأس به قال‏:‏ ويدل على وهانة أحاديث النهي أيضًا اتفاق العلماء على أنه ليس على أحد شرب أن يستقيء‏.‏

المسلك الثاني دعوى النسخ وإليها جنح الأثرم وابن شاهين فقررا أن أحاديث النهي على تقدير ثبوتها منسوخة بأحاديث الجواز بقرينة عمل الخلفاء الراشدين ومعظم الصحابة والتابعين بالجواز وقد عكس ابن حزم فادعى نسخ أحاديث الجواز بأحاديث النهي متمسكًا بأن الجواز على وفق الأصل‏.‏ وأحاديث النهي مقررة لحكم الشرع فمن ادعى الجواز بعد النهي فعليه البيان فإن النسخ لا يثبت بالاحتمال وأجاب بعضهم بأن أحاديث الجواز متأخرة لما وقع منه صلى اللّه عليه وآله وسلم في حجة الوداع كما تقدم ذكره في حديث الباب عن ابن عباس وإذا كان ذلك الآخر من فعله صلى اللّه عليه وآله وسلم دل على الجواز ويتأيد بفعل الخلفاء الراشدين‏.‏

المسلك الثالث الجمع بين الأخبار بضرب من التأويل قال أبو الفرج الثقفي‏:‏ المراد بالقيام هنا المشي يقال قمت في الأمر إذا مشيت فيه وقمت في حاجتي إذا سعيت فيها وقضيتها ومنه قوله تعالى ‏{‏إلا ما دمت عليه قائمًا‏}‏ أي مواظبًا بالمشي عليه وجنح الطحاوي إلى تأويل آخر وهو حمل النهي على من لم يسم عند شربه وهذا إن سلم له في بعض ألفاظ الأحاديث لم يسلم له في بقيتها وسلك آخرون في الجمع بحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه وأحاديث الجواز على بيانه وهي طريقة الخطابي وابن بطال في آخرين قال الحافظ‏:‏ وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض وقد أشار الأثرم إلى ذلك آخرًا فقال‏:‏ إن ثبتت الكراهة حملت على الإرشاد والتأديب لا على التحريم وبذلك جزم الطبري وأيده بأنه لو كان جائزًا ثم حرمه أو كان حرامًا ثم جوزه لبين النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ذلك بيانًا واضحًا فلما تعارضت الأخبار في ذلك جمعنا بينها بهذا‏.‏

وقيل إن النهي عن ذلك إنما هو من جهة الطب مخافة وقوع ضرر به فإن الشرب قاعدًا أمكن وأبعد من الشرق وحصول الوجع في الكبد أو الحلق وكل ذلك قد لا يأمن منه من شرب قائمًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شرب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قائمًا من زمزم‏)‏ وفي رواية لابن ماجه من وجه آخر عن عاصم فذكرت ذلك لعكرمة فحلف أنه ما كان حينئذ إلا راكبًا‏.‏

وعند أبي داود من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم طاف على بعيره ثم أناخه بعد طوافه فصلى ركعتين فلعله حينئذ شرب من زمزم قبل أن يعود إلى بعيره ويخرج إلى الصفا بل هذا هو الذي يتعين المصير إليه لأن عمدة عكرمة في إنكاره كونه شرب قائمًا إنما هو ما ثبت أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم طاف على بعيره وخرج إلى الصفا على بعيره وسعى كذلك لكن لا بد من تخلل ركعتي الطواف بين ذلك وقد ثبت أنه صلاهما على الأرض فما المانع من كونه شرب حينئذ من سقاية زمزم قائمًا كما حفظه الشعبي عن ابن عباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في رحبة الكوفة‏)‏ الرحبة بفتح الراء المهملة وفتح الموحدة المكان المتسع والرحب بسكون المهملة المتسع أيضًا‏.‏ قال الجوهري‏:‏ ومنه أرض رحبة أي متسعة ورحبة المسجد بالتحريك وهي ساحته‏.‏ قال ابن التين‏:‏ فعلى هذا يقرأ الحديث بالسكون ويحتمل أنها صارت رحبة الكوفة بمنزلة رحبة المسجد فيقرأ بالتحريك وهذا هو الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صنع كما صنعت‏)‏ أي من الشرب قائمًا وصرح به الإسماعيلي في روايته فقال شرب فضلة وضوئه قائمًا كما شربت‏.‏

11 - وعن ابن سعيد قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن اختناث الأسقية أن يشرب من أفواهها‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

وفي رواية‏:‏ واختناثها أن يقلب رأسها ثم يشرب منه‏.‏ أخرجاه‏.‏

12 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى أن يشرب من في السقاء‏)‏‏.‏

رواه البخاري وأحمد‏.‏ وزاد‏:‏ قال أيوب‏:‏ فأنبئت أن رجلًا شرب من في السقاء فخرجت حية‏.‏

13 - وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الشرب من في السقاء‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا مسلمًا‏.‏

14 - وعن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن جدته كبشة قالت‏:‏ ‏(‏دخل علي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فشرب من في قربة معلقة قائمًا فقمت إلى فيها فقطعته‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه والترمذي وصححه‏.‏

15 - وعن أم سليم قالت‏:‏ ‏(‏دخل علي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وفي البيت قربة معلقة فشرب منها وهو قائم فقطعت فاها فإنه لعندي‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

حديث أم سليم أخرجه أيضًا ابن شاهين والترمذي في الشمائل والطبراني والطحاوي في معاني الآثار ـ وفي الباب ـ عن عبد اللّه بن أنيس عند أبي داود والترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن اختناث الأسقية‏)‏ بالخاء المعجمة ثم المثناة من فوق بعدها نون وبعد الألف مثلثة افتعال من الخنث بالخاء المعجمة والنون والمثلثة وهو في الأصل الانطواء والتكسر والانثناء‏.‏ والأسقية جمع سقاء والمراد به المتخذ من الأدم صغيرًا كان أو كبيرًا وقيل القربة قد تكون صغيرة وقد تكون كبيرة والسقاء لا يكون إلا صغيرًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واختناثها‏)‏ الخ هو مدرج وقد جزم الخطابي أن تفسير الاختناث من كلام الزهري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزاد‏)‏ فقال أيوب الخ هذه الزيادة زادها أيضًا ابن أبي شيبة ولفظه‏:‏ ‏(‏شرب رجل من سقاء فانساب في بطنه حيتان فنهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن ذلك‏)‏ وكذا أخرجه الإسماعيلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من في السقاء‏)‏ قال النووي‏:‏ اتفقوا على أن النهي هنا للتنزيه لا للتحريم كذا قال وفي الاتفاق نظر فقد نقل ابن التين وغيره عن مالك أنه أجاز الشرب من أفواه القرب وقال لم يبلغني فيه نهي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ لم أر في شيء من الأحاديث المرفوعة ما يدل على الجواز إلا من فعله صلى اللّه عليه وآله وسلم وأحاديث النهي كلها من قوله فهي أرجح وإذا نظرنا إلى علة النهي عن ذلك فإن جميع ما ذكره العلماء في ذلك يقتضي أنه مأمون منه صلى اللّه عليه وآله وسلم أما أولًا فلعصمته وطيب نكهته وأما دخول شيء في فم الشارب فهو يقتضي أنه لو ملأ السقاء وهو يشاهد الماء الذي يدخل فيه ثم ربطه ربطًا محكمًا ثم شرب منه لم يتناوله النهي‏.‏

وقد أخرج الحاكم من حديث عائشة بسند قوي بلفظ‏:‏ ‏(‏نهى أن يشرب من في السقاء لأن ذلك ينتنه‏)‏ وهذا يقتضي أن يكون النهي خاصًا بمن يشرب فيتنفس داخل السقاء أو باشر بفمه باطن السقاء أما من صب من الفم إلى داخل فمه من غير مماسة فلا‏.‏ ومن جملة ما علل به النهي أن الذي يشرب من فم السقاء قد يغلبه الماء فينصب منه أكثر من حاجته فلا يأمن أن يشرق به أو يبل ثيابه‏.‏

قال ابن العربي‏:‏ واحدة من هذه العلل تكفي في ثبوت الكراهة وبمجموعها تقوى الكراهة جدًا‏.‏

قال ابن أبي جمرة‏:‏ الذي يقتضيه الفقه أنه لا يبعد أن يكون النهي لمجموع هذه الأمور وفيها ما يقتضي الكراهة وفيها ما يقتضي التحريم والعادة في مثل ذلك ترجيح ما يقتضي التحريم‏.‏

وقد جزم ابن حزم بالتحريم لثبوت النهي وحمل أحاديث الرخصة على أصل الإباحة‏.‏ وأطلق أبو بكر الأثرم صاحب أحمد أن أحاديث النهي ناسخة للإباحة لأنهم كانوا أولًا يفعلون ذلك حتى وقع دخول الحية في بطن الذي شرب من فم السقاء فنسخ الجواز‏.‏

قال العراقي‏:‏ لو فرق بين ما يكون لعذر كأن تكون القربة معلقة ولم يجد المحتاج إلى الشرب إناء ولم يتمكن من التناول بكفه فلا كراهة حينئذ وعلى هذا تحمل الأحاديث المذكورة وبين ما يكون لغير عذر فتحمل عليه أحاديث النهي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويؤيده أن أحاديث الجواز كلها فيها أن القربة كانت معلقة والشرب من القربة المعلقة أخص من الشرب من مطلق القربة ولا دلالة في أخبار الجواز على الرخصة مطلقًا بل على تلك الصورة وحدها وحملها على حالة الضرورة جمعًا بين الخبرين أولى من حملها على النسخ واللّه أعلم‏.‏

قال‏:‏ وقد سبق ابن العربي إلى ما أشار إليه العراقي فقال ويحتمل أن يكون شربه صلى اللّه عليه وآله وسلم في حال ضرورة إما عند الحرب وإما عند عدم الإناء أو مع وجوده لكن لا يمكن تفريغ السقاء في الإناء ثم قال ويحتمل أن يكون شرب من أداوة والنهي محمول على ما إذا كانت القربة كبيرة لأنها مظنة وجود الهوام‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والقربة الصغيرة لا يمتنع وجود شيء من الهوام فيها والضرر يحصل به ولو كان حقيرًا اهـ‏.‏

وقد عرفت أن كبشة وأم سليم صرحتا بأن ذلك كان في البيت وهو مظنة وجود الآنية وعلى فرض عدمها فأخذ القربة من مكانها وإنزالها والصب منها إلى الكفين أو أحدهما ممكن فدعوى أن تلك الحالة ضرورية لم يدل عليها دليل ولا شك أن الشرب من القربة المعلقة أخص من الشرب مطلقًا ولكن لا فرق في تجويز العذر وعدمه بين المعلقة وغيرها وليست المعلقة مما يصاحبها العذر دون غيرها حتى يستدل بالشرب منها على اختصاصه بحال الضرورة وعلى كل حال فالدليل أخص من الدعوى فالأولى الجمع بين الأحاديث بحمل الكراهة على التنزيه ويكون شربه صلى اللّه عليه وآله وسلم بيانًا للجواز‏.‏

16 - وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم شرب لبنًا فمضمض وقال‏:‏ إن له دسمًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

17 - وعن أنس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أتي بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا النسائي‏.‏

18 - وعن سهل بن سعد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء فقال الغلام واللّه يا رسول اللّه لا آثرت بنصيبي منك أحدًا فتله رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في يده‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

19 - وعن أبي قتادة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ساقي القوم آخرهم شربًا‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه والترمذي وصححه‏.‏

حديث أبي قتادة أخرجه أيضًا أبو داود قال المنذري‏:‏ ورجال إسناده ثقات وقد أخرج مسلم في حديث أبي قتادة الأنصاري الطويل قلت لا أشرب حتى يشرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ إن الساقي آخرهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فمضمض‏)‏ فيه مشروعية المضمضة بعد شراب اللبن‏.‏ وقد روى أبو جعفر الطبري من طريق عقيل عن ابن شهاب بلفظ‏:‏ ‏(‏تمضمضوا من شرب اللبن والعلة الدسومة الكائنة في اللبن‏)‏ والتعليل بذلك يشعر بأن ما كان له دسومة من مأكول أو مشروب فإنه تشرع له المضمضة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد شيب بالماء‏)‏ أي مزج بالماء وإنما كانوا يمزجونه بالماء لأن اللبن يكون عند حلبه حارًا وتلك البلاد في الغالب حارة فكانوا يمزجونه بالماء لذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن‏)‏ يجوز أن يكون قوله الأيمن مبتدأ خبره محذوف أي الأيمن مقدم أو أحق ويجوز أن يكون منصوبًا على تقدير قدموا الأيمن أو أعطوا‏.‏ وفيه دليل على أنه يقدم من على يمين الشارب في الشرب وهلم جرا وهو مستحب عند الجمهور‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ يجب ولا فرق بين شراب اللبن وغيره كما في حديث سهيل بن سعد وغيره ونقل عن مالك أنه خصه بالماء قال ابن عبد البر‏:‏ لا يصح عن مالك‏.‏ وقال عياض‏:‏ يشبه أن يكون مراده أن السنة ثبتت نصًا في الماء خاصة وتقدم الأيمن في غير شرب الماء يكون بالقياس‏.‏

قال ابن العربي‏:‏ كان اختصاص الماء بذلك لكونه قد قيل إنه لا يملك بخلاف سائر المشروبات ومن ثم اختلف هل يجري الربا فيه وهل يقطع في سرقته اهـ‏.‏ ولا يخفى أن حديث أنس نص في اللبن وحديث سهل بن سعد يعم الماء وغيره فتأويل قول مالك بأن السنة ثبتت في الماء لا يصح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتأذن لي أن أعطي هؤلاء‏)‏ ظاهر في أنه لو أذن له لأعطاهم ويؤخذ منه جواز الإيثار بمثل ذلك وهو مشكل على ما اشتهر من أنه لا إيثار بالقرب‏.‏ وعبارة إمام الحرمين في هذا لا يجوز التبرع في العبادات ويجوز في غيرها وقد يقال أن القرب أعم من العبادة‏.‏

وقد أورد على هذه القاعدة تجويز جذب واحد من الصف الأول ليصلي معه فإن خروج المجذوب من الصف الأول لقصد تحصيل فضيلة للجاذب وهي الخروج من الخلاف في بطلان صلاته ويمكن الجواب بأنه لا إيثار إذ حقيقة الإيثار إعطاء ما استحقه لغيره وهذا لم يعط الجاذب شيئًا وإنما رجح مصلحته لأن مساعدة الجاذب على تحصيل مقصوده ليس فيها إعطاؤه ما كان يحصل للمجذوب لو لم يوافقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتله‏)‏ بفتح المثناة من فوق وتشديد اللام أي وضعه‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ وضعه بعنف‏.‏ وأصله من الرمي على التل وهو المكان العالي المرتفع ثم استعمل في كل شيء رمي به وفي كل إلقاء‏.‏ وقيل هو من التلتل بلام ساكنة بين المثناتين المفتوحتين وآخره لام وهو العنق‏.‏ ومنه ‏{‏وتله للجبين‏}‏ أي صرعه فألقى عنقه وجعل جبينه إلى الأرض والتفسير الأول أليق بمعنى حديث الباب وقد أنكر بعضهم تقييد الخطابي الوضع بالعنف‏.‏ وظاهر هذا أن تقديم الذي على اليمين ليس لمعنى فيه بل لمعنى من جهة اليمين وهو فضلها على جهة اليسار فيؤخذ منه أن ذلك ليس ترجيحًا لمن هو على اليمين بل هو ترجيح لجهة اليمين وقد يعارض حديث أنس وسهل المذكورين حديث سهل بن أبي حثمة الذي تقدم في القسامة بلفظ‏:‏ ‏(‏كبر كبر‏)‏ وكذلك حديث ابن عباس الذي أخرجه أبو يعلى بسند قوي قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا سقى قال‏:‏ ابدؤوا بالأكبر‏)‏ ويجمع بأنه محمول على الحالة التي يجلسون فيها متساوين إما بين يدي الكبير أو عن يساره كلهم أو خلفه‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ يؤخذ من هذا الحديث أنها إذا تعارضت فضيلة الفاضل وفضيلة الوظيفة اعتبرت فضيلة الوظيفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ساقي القوم آخرهم شربًا‏)‏ فيه دليل على أنه يشرع لمن تولى سقاية قوم أن يتأخر في الشرب حتى يفرغوا عن آخرهم وفيه إشارة إلى أن كل من ولي من أمور المسلمين شيئًا يجب عليه تقديم إصلاحهم على ما يخص نفسه وأن يكون غرضه إصلاح حالهم وجر المنفعة إليهم ودفع المضار عنهم والنظر لهم في دق أمورهم وجلها وتقديم مصلحتهم على مصلحته‏.‏ وكذا من يفرق على القوم فاكهة فيبدأ بسقي كبير القوم أو بمن عن يمينه إلى آخرهم وما بقي شربه ولا معارضة بين هذا الحديث وحديث ابدأ بنفسك لأن ذاك عام وهذا خاص فيبنى العام على الخاص‏.‏