فصل: باب النهي عن سفر المرأة للحج وغيره إلا بمحرم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


الجزء الخامس

 كتاب المناسك

 باب وجوب الحج والعمرة وثوابها

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

1- عن أبي هريرة قال ‏(‏خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال يا أيها الناس قد فرض اللّه عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول اللّه فسكت حتى قالها ثلاثا فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏ فيه دليل على أن الأمر لا يقتضي التكرار‏.‏

2- وعن ابن عباس قال ‏(‏خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال يا أيها الناس كتب عليكم الحج فقال الأقرع بن حابس فقال أفي كل عام يا رسول اللّه فقال لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها الحج مرة فمن زاد فهو تطوع‏)‏

رواه أحمد والنسائي بمعناه‏.‏

الحديث الأول تمامه ثم قال ‏(‏ذروني ما تركتكم‏)‏ وفي لفظ ‏(‏ولو وجبت ما قمتم بها‏) ‏والحدي الثاني أخرجه أيضا أبو داود وابن ماجه والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرطهما - وفي الباب - عن أنس عند ابن ماجه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏كتب عليكم الحج فقيل يا رسول اللّه في كل عام فقال لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لم تقوموا بها ولو لم تقوموا بها عذبتم‏) ‏قال الحافظ ورجاله ثقات‏.‏ وعن علي عليه السلام عند الترمذي والحاكم وسنده منقطع‏.‏

قوله ‏ـ باب وجوب الحج والعمرة‏ ـ الحج بفتح الحاء هو المصدر وبالفتح والكسر هو الاسم منه وأصله القصد ويطلق على العمل أيضا وعلى الأنيان مرة بعد أخرى وأصل العمرة الزيادة وقال الخليل الحج كثرة لقصد إلى معظم ووجوب الحج معلوم بالضرورة الدينية‏.‏

وأختلف في العمرة فقيل واجبة‏.‏ وقيل مستحبة وللشافعي قولان أصحهما وجوبها وسيأتي تفصيل ذلك قريبا

والأحاديث المذكورة في الباب تدل على أن الحج لا يجب إلى مرة واحدة وهو مجمع عليه كما قال النووي والحافظ وغيرهما وكذلك العمرة عند من قال بوجوبها لا تجب إلى مرة إلى أن ينذر بالحج أو العمرة وجب الوفاء بالنذر بشرطه‏.‏ وقد اختلف هل الحج على الفور أو التراخي وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء اللّه تعالى‏.‏ واختلف أيضا في وقت ابتداء افتراض الحج فقيل قبل الهجرة قال في الفتح وهو شاذ وقيل بعدها ثم أختلف في سنته فالجمهور على أنها سنة ست لأنه نزل فيها قوله تعالى ‏{‏وأتموا الحج والعمرة للّه‏}‏ قال في الفتح وهذا ينبني على أن المراد بالأتمام ابتداء الفرض ويؤيده قراءة قلقمة ومسروق وإبراهيم النخعي بلفظ ‏(‏وأقيموا‏)‏ أخرجه الطبراني بأسانيد صحيحة عنهم‏.‏ وقيل المارد بالأتمام الإكمال بعد الشروع وهذا يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك‏.‏ وقد وقع في قصة ضمام ذكر الأمر بالحج وكان قدومه على ما ذكر الواقدي سنة خمس‏.‏ وهذا يدل أن ثبت على تقدمه على سنة خمس أو وقوعه فيها وقيل سنة تسع حكاه النووي في الروضة والماوردي في الأحكام السلطانية ورجح صاحب الهدى أن افتراض الحج كان في سنة تسع أو عشر واستدل على ذلك بأدلة فلتؤخذ منه‏:‏ قوله ‏(‏لوقلتها لوجبت‏)‏ استدل به على أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مفوض في شرع الأحكام‏.‏ وفي ذلك خلاف مبسوط في الأصول‏.‏

3- وعن أبي رزين العقيلي ‏(‏أنه أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال أن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن فقال حج عن أبيك واعتمر‏)‏‏.‏

رواه الخمسة وصححه الترمذي‏.‏

الحديث يدل على جواز حج الولد عن أبيه العاجز عن المشي وسيأتي الكلام عليه في باب وجوب الحج على المعضوب وذكره المصنف رحمه اللّه تعالى في هذا الباب للاستدلال به على وجوب الحج والعمرة‏.‏

قال الإمام أحمد لا أعلم في إيجاب العمرة حديثا أجود من هذا ولا أصح منه انتهى‏.‏ وقد جزم بوجوب العمرة جماعة من أهل الحديث وهو المشهور عن الشافعي وأحمد وبه قال إسحاق والثوري والمزني والناصر والمشهور عن المالكية أن العمرة ليست بواجبة وهو قول الحنفية وزيد بن علي والهادوية ولا خلاف في المشروعية‏.‏ وقد روى في الجامع الكافي القول بوجوب العمرة عن علي وابن عباس وابن عمر وعائشة وزين العابدين وطاوس والحسن البصري وابن سيرين وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء‏.‏

واستدل القائلون‏.‏ بعدم الوجوب بما أخرجه الترمذي وصححه وأحمد والبيهقي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن جابر ‏(‏أن اعرابيا جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال يا رسول اللّه أخبرني عن العمرة أواجبة هي فقال لا وأن تعتمر خير لك‏)‏ وفي رواية ‏(‏أولى لك‏)‏ وأجيب عن الحديث بإن في أسناده الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف وتصحيح الترمذي له فيه نظر لأن الأكثر على تضعيف الحجاج واتفقوا على أنه مدلس‏.‏ قال النووي ينبغي أن لا يغتر بالترمذي في تصحيحه فقد اتفق الحفاظ على تضعيفه انتهى‏.‏ على أن تصحيح الترمذي له إنما ثبت في رواية الكروخي فقط وقدنبه صاحب الإمام على أنه لم يرد على قوله حسن في جميع الروايات عته إلى في رواية الكروخي وقد قال ابن حزم أنه مكذوب باطل وهو إفراض لأن الحجاج وإن كان ضعيفا فليس متهما بالوضع وقد رواه البيهقي من حديث سعيد بن عقير عن يحيى بن أيوب عن عبيد اللّه عن أبي الزبير عن جابر بنحوه‏.‏ ورواه ابن جريج عن ابن المنكدر عن جابر ورواه ابن عدي من طريق أبي عصمة عن ابن المنكدر عن أبي صالح وأبو عصمة قد كذبوه - وفي الباب - عن أبي هريرة عند الدارقطني وابن خزم والبيهقي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏الحج جهاد والعمرة تطوع‏)‏ وإسناده ضعيف كما قال الحافظ‏.‏ وعن طلحة عند ابن ماجه بإسناد ضعيف‏.‏ وعن ابن عباس عند البيهقي قال الحافظ ولا يصح من ذلك شيء وبهذا تعرف أن الحديث من قسم الحسن لغيره وهو محتج به عند الجمهور ويؤيده ما عند الطبراني عن أبي أمامة مرفوعا ‏(‏من مشى إلى صلاة مكتوبة بأجره كحجة ومن مشى إلى صلاة تطوع فأجره كعمرة‏)‏ واستدل القائلون بوجوب العمرة بما أخرجه الدارقطني من حديث زيد بن ثابت بلفظ ‏(‏الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت‏)‏ وأجيب عنه بأن في إسناده إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف وفي الحديث أيضا انقطاع ورواه البيهقي موقوفا على زيد‏.‏ قال الحافظ وإسناده أصح وصححه الحاكم ورواه ابن عدي عن جابر وفي إسناده ابن لهيعة - وفي الباب - عن عمر في سؤال جبريل وفيه ‏(‏وأن تحج وتعتمر‏)‏ أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني وغيرهم وعن عائشة عند أحمد وابن ماجه قالت ‏(‏يا رسول اللّه على النساء جهاد قال عليهن جهاد لاقتال فيه الحج والعمرة‏)‏ وسيأتي‏.‏

والحق عدم وجوب العمرة لأن البراءة الأصلية لا ينتقل عنها إلى بدليل به التكليف ولا دليل يصلح لذلك لا سيما مع اعتضادها بما تقدم من الأحاديث القاضية بعدم الوجوب‏.‏ ويؤيد ذلك اقتصاره صلى اللّه عليه وآله وسلم على الحجج في حديث بني الإسلام على خمس واقتصار اللّه جل جلاله على الحج في قوله تعالى ‏{‏وللّه على الناس حج البيت‏}‏ وقد استدل على الوجوب بحديث عمر الآتي قريبا وسيأتي الجواب عنه‏.‏ وأما قوله تعالى ‏{‏واتموا الحج والعمرة للّه‏}‏ فلفظ التمام مشعر بأنه إنما يجب بعد الأحرام‏.‏ لا قبله ويدل على ذلك ما أخرجه الشيخان وأهل السنن وأحمد والشافعي وابن أبي شيبة عن يعلى بن أمية ‏(‏قال جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو بالجعرانة عليه جبة وعليها خلوق فقال كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي فأنزل اللّه تعالى على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ الآية‏.‏ فهذا السبب في نزول الآية والسائل قد كان أحرمم وإنما سأل كيف يصنع‏.‏

4 - وعن عائشة قالت قلت يا رسول اللّه هل على النساء من جهاد قال ‏(‏نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه وإسناده صحيح‏.‏

الحديث فيه دليل على أن الجهاد غير واجب على النساء وسيأتي إن شاء اللّه تعالى الكلام على ذلك فيه وإشارة إلى وجوب العمرة وقد تقدم البحث عن ذلك‏.‏

5 - وعن أبي هريرة قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أي الأعمال أفضل قال ‏(‏إيمان باللّه وبرسوله قال ثم ماذا قال ثم الجهاد في سبيل اللّه قيل ثم ماذا قال ثم حج مبرور‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وهو حجة لمن فضل نفل الحج على نفل الصدقة‏.‏

6 - وعن عمر بن الخطاب ‏(‏قال بينما نحن جلوس عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم جاء رجل فقال يا محمد ما الإسلام قال الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء وتصوم رمضان‏)‏ وذكر في باقي الحديث وأنه قال ‏(‏هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني وقال هذا إسناد ثابت صحيح‏.‏ ورواه أبو بكر الجوزقي في كتابه المخرج على الصحيحين‏.‏

7 - وعن أبي هريرة ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلى الجنة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا أبا داود‏.‏

قوله ‏(‏إيمان باللّه‏)‏ الخ فيه دليل على أن الإيمان باللّه وبرسوله أفضل من الجهاد والجهاد أفضل من الحج المبرور‏.‏ وقد اختلفت الأحاديث المشتملة على بيان فاضل الأعمال من مفضولها فتارة تجعل الأفضل الجهاد وتارة الإيمان وتارة الصلاة وتارة غير ذلك وأحق ما قيل في الجمع بينها أن بيان الفضيلة يختلف باختلاف المخاطب فإذا كان المخاطب ممن له تأثير في القتال وقوة على مقارعة الأبطال قيل له أفضل الأعمال الجهاد وإذا كان كثير المال قيل له أفضل الأعمال الصدقة ثم كذلك يكون الأختلاف على حسب اختلاف المخاطبين‏.‏

قوله ‏(‏مبرور‏)‏ قال ابن خالوية المبرور المقبول وقال غيره الذي لا يخالطه شيء من الأثم ورجحه النووي وقيل غير ذلك‏.‏ وقال القرطبي الأقوال التي ذكرت في تفسيره متقاربة المعنى وهي أنه الحج الذي وفيت أحكامه فوقع موقعا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل‏.‏ ولأحمد والحاكم من حديث جابر ‏(‏قالوا يا رسول اللّه ما بر الحج قال إطعام الطعام وإفشاء السلام‏)‏ قال في الفتح وفي إسناده ضعيف ولوثبت كان هو المتعين دون غيره‏.‏

قوله ‏(‏ما الإسلام‏)‏ إلى قوله ‏(‏وتحج البيت‏)‏ قد تقدم الكلام على هذه الكلمات في أوائل كتاب الصلاة‏.‏ قوله ‏(‏وتعتمر‏)‏ فيه متمسك لمن قال بوجوب العمرة لكنه لا يكون مجرد اقتران العمرة بهذه الأمور الواجبة دليلا على الوجوب لما تقرر من الأصول من ضعف دلالة الاقتران لاسيما وقد عارضها ما سلف من الأدلة القاضية بعدم الوجوب ‏(‏فإن قيل‏)‏ إن وقوع العمرة في جواب من سأل عن الإسلام يدل على الوجوب فيقال ليس كل أمرمن الإسلام واجبا والدليل على ذلك حديث شعب الإسلام والإيمان فإنه أشتمل على أمور ليست بواجبة بالإجماع‏.‏ قوله ‏(‏كفارة لما بينهما‏)‏ أشار ابن عبد البر إلى أن المراد تكفير الصغائر دون الكبائر قال وذهب بعض العلماء من عصرنا إلى أن المراد تكفير الصغائر دون الكبائر قال وذهب بعض العلماء من عصرنا إلى المراد تعميم ذلك ثم بالغ في الإنكار عليه وقد تقدم البحث عن مثل هذا مواضع من هذا الشرح وقد استشكل بعضهم كون العمرة كفارة مع أن اجتناب الكبائر يكفر للصغائر فماذا تكفر العمرة وأجيب بأن تكفير العمرة مقيد بزمنها وتكفير الأجتناب للكبائر عام لجميع عمر العبد فتغايرا من هذه الحيثية وقد جعل البخاري هذا الحديث المذكور من جملة أدلة وجوب العمة وفضلها وهو لا يصلح للاستدلال به على الوجوب وقد قيل أنه أشار إلى ماورد في بعض طرق الحديث المذكور وهو ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث ابن مسعود مرفوعة ‏(‏تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعة بينهما تنفي الذنوب والفقر كما ينفي الكبر خبث الحديد وليس للحجة المبرورة جزاء إلى الجنة‏)‏ فإن ظاهرة التسوية بين أصل الحج والعمرة ولكن الحق ما أسلفناه لأن هذا استدلال بمجرد الاقتران وقد تقدم ما فيه وأما الأمر بالمتابعة فهو مصروف عن معناه الحقيقي بما سلف - وفي الحديث - دلالة على استحباب الاستكثار من الاعتمار خلافا لقول من قال يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة كالمالكية ولمن قال يكره أكثر من مرة في الشهرمن غيرهم واستدل للمالكية بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يفعلها إلى من سنة إلى سنة وأفعاله على الوجوب أو الندب وتعقب بأن المندوب لا ينحصر في أفعاله صلى اللّه عليه وآله وسلم فقد كان يترك الشيء وهو يستحب فعله لدفع المشقة على أمته وقد ندب إلى العمرة بلفظه فثبت الأستحباب من غير تقييد واتفقوا على جوازها في جميع الأيام لمن لم يكن متلبسا بالحج إلى من نقل عن الحنفية أنها تكره في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق‏.‏ وعن الهادي انها تكره في أيام التشريق فقط وعن الهادوية أنها تكره في أشهر الحج لغير المتمتع والقارن إذ يشتغل بها عن الحج ويجاب بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اعتمر في عمره ثلاث عمر مفردة كلها في أشهر الحج وسيأتي لهذا مزيد بيان في باب جواز العمرة في جميع السنة‏.‏

 باب وجوب الحج على الفور

1- عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏قال تعجلوا إلى الحج يعني الفريضة فإن أحدكم ما يعرض له‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

2 - وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن الفضل أو أحدهما عن الآخر قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتعرض الحاجة‏"‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه وسيأتي قوله عليه السلام ‏(‏من كسر أوعرج فقد حل وعليه الحج من قابل‏)‏‏.‏

3 - وعن الحسن قال ‏(‏قال عمر بن الخطاب لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين‏)‏‏.‏

رواه سعيد في سننه‏.‏

حديث ابن عباس الآخر في إسناده إسماعيل بن خليفة العبسي أبو اسرائيل وهو صدوق ضعيف الحفظ‏.‏ وقال ابن عدي عامة ما يرويه يخالف فيه الثقات وحديث من كسر أو عرج يأتي إن شاء اللّه تعالي في باب الفوات والاحصار وأثر عمر اخرجه أيضا البيهقي - وفي الباب - عن أبي أمامة مرفوعا عند سعيد ابن منصور في سننه وأحمد وأبي يعلى والبيهقي بلفظ ‏(‏من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو مشقة ظاهرة أو سلطان جائر فلم يحج فليمت إن شاء اللّه يهوديا وإن شاء نصرانيا‏)‏ ولفظ أحمد ‏(‏من كان ذا يسار فمات ولم يحج‏)‏ ثم ذكره كما سلف وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وشريك وهو سيء الحفظ وقد خالفه سفيان الثوري فأرسله رواة أحمد عن ابن سابط عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وكذا رواه ابن أبي شيبة مرسلا وله طريق أخرى عن علي مرفوعا عند الترمذي بلفظ ‏(‏من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت اللّه ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا وذلك لأن اللّه تعالى قال في كتابه وللّه حج البيت من استطاع إليه سبيلا‏)‏ قال الترمذي غريب في إسناده مقال والحرث يضعف وهلال بن عبد اللّه الراوي له عن أبي إسحاق مجهول‏.‏ وقال العقيلي لا يتابع عليه وقد روي عن علي موقوفا ولم يرو مرفوعا من طريق أحسن من هذا‏.‏ وقال المنذري طريق أبي أمامة على ما فيها أصلح من هذه وقد روى من طريق ثالثة عن أبي هريرة رفعه عند ابن عدي بلفظ ‏(‏من مات ولم يحج حجة الإسلام في غير وجع حابس أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر ليمت أي الميتتين شاء إما يهوديا أو نصرانيا‏)‏ وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا وبذلك يتبين مجازفة ابن الجوزي في عده لهذا الحديث من الموضوعات فإن مجموع تلك الطرق لا يقصر عن كون الحديث حسن لغيره وهو محتج به عند الجمهور ولا يقدح في ذلك قول العقيلي والدارقطني لا يصح في الباب شيء لأن نفي الصحة لا يستلزم نفي الحسن وقد شد من عضد هذا الحديث الموقوف الأحاديث المذكورة في الباب قال الحافظ وإذا انضم هذا الموقوف إلى مرسل ابن سابط علم أن لهذا الحديث أصلا ومحمله على من استحل الترك ويتبين بذلك خطأ من إدعى إنه موضوع انتهى‏.‏

وقد استدل المصنف بما ذكره في الباب على أن الحج واجب على الفور‏.‏ ووجه الدلالة من حديث ابن عباس الأول والثاني ظاهرة ووجهها من حديث ‏(‏من كسر أو عرج‏)‏قوله ‏(‏وعليه الحج من قابل‏)‏ ولو كان على التراخي لم يعين العام القابل ووجهها من أثر عمر ومن الأحاديث التي ذكرناها ظاهر وغلى القول بالفوري ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد وبعض أصحاب الشافعي ومن أهل البيت زيد بن علي والهادي والمؤيد باللّه والناصر‏.‏ وقال الشافعي والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد‏.‏ ومن أهل البيت القاسم ابن إبراهيم وأبو طالب أنه على التراخي واحتجوا بأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم حج سنة عشر وفرض الحج كان سنة ست أو خمس وأجيب بأنه قد أختلف في الوقت الذي فرض عليه الحج ومن جملة الأقوال أنه فرض في سنة عشر فلا تأخير ولو سلم أنه فرض قبل العاشرة فتراخيه صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما كان لكراهة الأختلاط في الحج بأهل الشرك لأنهم كانا يحجون ويطوفون بالبيت عراة فلما طهر اللّه البيت الحرام منهم حج صلى اللّه عليه وآله وسلم فتراخيه لعذر ومحل النزاع التراخي مع عدمه‏.‏

 باب وجوب الحج على المعضوب إذا أمكنته الاستنابة وعن الميت إذا كان قد وجب عليه

1- عن ابن عباس ‏(‏أن إمراءة من خثعم قالت يا رسول اللّه إن أبي أدركته فريضة اللّه في الحج شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره قال فحجي عنه‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

2 - وعن علي عليه السلام أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏جاءته امرأة شابة من خثعم فقالت إن أبي كبير وقد أفند وأدركته فريضة اللّه في الحج ولا يستطيع أداءها فيجزي عنه أن أؤديها عنه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نعم‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏

3 - وعن عبد اللّه بن الزبير قال ‏(‏جاء رجل من خثعم إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرحل والحج مكتوب عليه أفأحج عنه قال أنت أكبر ولده قال نعم قال أرأيت لو كان على أبيك دين فضيته عنه أكان يجزي ذلك عنه قال نعم قال فأحجج عنه‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي بمعناه‏.‏

حديث علي أخرجه أيضا البيهقي وحديث ابن الزبير قال الحافظ إن إسناده صالح‏.‏

قوله ‏(‏إن فريضة اللّه أدركت أبي‏)‏ قد اختلف هل المسؤل عنه رجل أو أمرأة كما وقع الاختلاف في الروايات في السائل ففي بعض الروايات أنه إمرأة وفي بعضها أنه رجل وقد بسط ذلك في الفتح ‏:‏ شيخا قال الطيبي هو حال والمعنى أنه وجب عليه الحج بأن أسلم وهو بهذه الصفة‏.‏ قوله ‏(‏قال فحجي عنه‏)‏ في رواية للبخاري قال نعم‏:‏ قوله ‏(‏وقد أفند‏)‏ بهمزة مفتوحة ثم فاء ساكنة بعدها نون مفتوحة ثم دال مهملة قال في القاموس الفند بالتحريك الخرف وإنكار العقل بهرم أو مرض والخطأ في القول والرآي والكذب كالإفناد ولا تقل عجوز مفندة لأنها لم تكن ذات رأي أبدا وفنده تفنيدا أكذبه وعجزه وخطأ رأية كافنده انتهى‏.‏

قوله ‏(‏أنت أكبر ولده‏)‏ فيه دليل على أن المشروع ان يتولى الحج عن الأب العاجز أكبر أولاده قوله ‏(‏أرأيت‏)‏ الخ فيه مشروعة القياس وضرب المثل ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه وفيه تشبيه ما أختلف فيه وأشكل بما أتفق عليه وفيه أنه يستحب التنبيه على وجه الدليل لمصلحة وأحاديث الباب تدل على أنه يجوز الحج من الولد عن والده إذا كان غير قادر على الحج وقد أدعى بعضهم أن هذه القصة مختصة بالخثعمية كما أختص سالم مولى أبي حذيفة بجواز إرضاع الكبير حكاه ابن عبد البر وتعقب بأن الأصل عدم الخصوص وأما ما رواه عبد الملك بن حبيب صاحب الواضحة بإسنادين مرسلين في هذا الحديث في هذا الحديث فزاد حجي عنه وليس لأحد بعده فلا حجة في ذلك لضعف إسنادهما مع الإرسال والظاهر عدم اختصاص جواز ذلك بالابن وقد ادعة جماعة من أهل العلم أنه خاص به‏.‏

قال في الفتح ولا يخفى أنه جمود وقال القرطبي رأي مالك أن ظاهر حديث الخثعمية مخالف للقرآن فيرجح ظاهر القرآن ولا شك في ترجحه من جهة تواتره انتهى ولكنه يقال هو عموم مخصوص بأحاديث الباب ولا تعارض بين عام وخاص وهذه الأحاديث ترد على محمد بن الحسن حيث قال فمن الحج يقع عن المباشر وللمحجوج عنه أجر نفقته وقد اختلفوا فيما إذا عوفى المعضوب فقال الجمهور لا يجزئه لأنه تبين أنه لم يكن مأيوسا عنه‏.‏ وقال أحمد وأسحق لانلزمه الإعادة لئلا تفضى إلى إيجاب حجتين وأجيب بأن العبرة بالانتهاء وقد انكشف إن الحجة الأولى غير مجزئة‏.‏

4 - وعن ابن عباس ‏(‏إن إمرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت أن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها قال نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته أقضوا اللّه فاللّه أحق بالوفاء‏)‏‏.‏

رواه البخاري والنسائي بمعناه‏.‏ وفي رواية لأحمد والبخاري بنحو ذلك وفيها قال ‏(‏جاء رجل فقال أن أختي نذرت أن تحج‏)‏ وهو يدل على صحة الحج عن الميت من الوارث وغيره حيث لم يستفصله أوارث هوأم لا وشبهه بالدين‏.‏

5 - وعن ابن عباس قال ‏(‏أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رجل فقال إن أبي مات وعليه حجة الإسلام أفاحج عنه قال أرأيت لو أن أباك ترك دينا عليه أقضيته عنه قال نعم قال فأحجج عن أبيك‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني‏.‏

حديث ابن عباس الآخر أخرجه النسائي والشافعي وابن ماجه‏:‏ قوله ‏(‏إن أمي نذرت‏)‏ الخ قيل إن هذا الحديث مضطرب لأنه قد روى أن هذه المرأة قالت إن أمي ماتت وعليها صوم شهر كما تقدم في الصيام وأجيب بأنه محمول على أن المرأة سألت عن كل من الصوم والحج ويؤيد ذلك ماعند مسلم عن بريدة ‏(‏أن امرأة قالت أن أمي‏)‏وفيه ‏(‏يا رسول اللّه إنه كان عليها صوم شهر أفاصوم عنها قال صومي عنها قالت إنها لم تحج أفأحج عنها قال حجي عنها‏)‏قوله ‏(‏قال نعم‏)‏فيه دليل على صحة النذر بالحج ممن لم يحج فإذا حج أجزأ عن حجة الإسلام عند الجمهور وعليه الحج عن النذر وقيل يجزيء عن النذر ثم يحج عن حجة الإسلام وقيل يجزيء عنهما ‏(‏وفيه دليل‏)‏ أيضا على إجزاء الحج عن الميت من الولد وكذلك من غيره ويدل على ذلك قوله ‏(‏اقضوا اللّه فاللّه أحق بالوفاء‏)‏وروى سعيد بن منصور وغيره عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه لا يحج أحد عن أحد ونحوه عن مالك والليث‏.‏ وعن مالك أن أوصى بذلك فليحج عنه وإلا فلا ‏:‏قوله ‏(أكنت قاضيته‏)‏فيه دليل على أن من مات وعليه حج وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من رأس ماله كما أن عليه قضاء ديونه وقد أجمعوا على أن دين الآدمي من رأس المال فكذلك ما شبه به في القضاء ويلحق بالحج كل حق ثبت في ذمته من نذر أو كفارة أو زكاة أو غير ذلك‏:‏ قوله ‏(فاللّه أحق بالوفاء‏)‏فيه دليل على أنه حق اللّه مقدم على حق الآدمي وهو أحد أقوال الشافعي وقيل بالعكس وقيل سواء ‏:‏قوله ‏(‏جاء رجل فقال إن أختي‏)‏الخ لامنافاة بين هذه الرواية والأولى لأنه يحتمل أن تكون القصة متعددة وأن تكون متحدة ولكن النذر وقع من الأخت والأم فسأل الأخ عن نذر أخته والبنت عن نذر الأم ‏(‏وقد استدل‏)‏ المصنف بهذه الرواية على صحة الحج من غير الوارث لعدم استفصاله صلى اللّه عليه وآله وسلم للأخ هل هو وارث أولا وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال كما تقرر في الأصول ‏(‏واستدل‏)‏ بأحاديث الباب على أنه يصح ممن لم يحج أن يحج نيابة عن غيره لعدم استفصاله صلى اللّه عليه وآله وسلم لمن سأله عن ذلك وبه قال الكوفيون وخالفهم الجمهور فخصوه بمن حج عن نفسه واستدلوا بحيث ابن عباس الآتي في باب من حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه وسيأتي الكلام فيه‏.‏ قوله ‏(‏إن أبي مات وعليه حجة الإسلام‏)‏ الخ فيه دليل على أنه يجوم للابن أن يحج عن أبيه حجة الإسلام بعد موته وإن لم يقع منه وصية ولا نذر ويدل على الجواز من غير الولد حديث الذي سمعه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول لبيك عن شبرمة وسيأتي‏.‏

 باب اعتبار الزاد والراحلة

1 - عن أنس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في قوله عز وجل ‏{‏استطاع إليه سبيلا‏}‏ قال قيل يا رسول اللّه ما السبيل قال الزاد والراحلة‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني‏.‏

2 - وعن ابن عباس ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال الزاد والراحلة يعني قوله من استطاع إليه سبيلا‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضا الحاكم وقال صحيح على شرطهما والبيهقي كلهم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعا قال البيهقي الصواب عن قتادة عن الحسن مرسلا‏.‏ قال الحافظ وسنده صحيح إلى الحسن ولا أرى الموصول إلا وهما وقد رواه الحاكم من حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس أيضا إلا أن الراوي عن حماد هو أبو قتادة عبداللّه بن واقد الحراني وهو منكر الحديث كما قال أبو حاتم ولكنه قد وثقه أحمد‏.‏ والحديث الثاني أخرجه أيضا الدارقطني قال الحافظ وسنده ضعيف‏.‏ ورواه ابن المنذر من قول ابن عباس - وفي الباب - عن ابن عمر عند الشافعي والترمذي وحسنه وابن ماجه والدارقطني وفي إسناده إبراهيم بن يزيد الخوزي بخاء معجمة مضمومة ثم واو ثم زاي معجمة وقد قال فيه أحمد والنسائي متروك الحديث وعن جابر وعلي وابن مسعود وعائشة وعبد اللّه بن عمر وعند الدارقطني من طرق قال الحافظ كلها ضعيفة‏.‏ وقد قال عبد الحق أن طرق الحديث كلها ضعيفة‏.‏ وقال أبو بكر بن المنذر لا يثبت الحديث في ذلك مسندا والصحيح من الروايات رواية الحسن المرسلة ولا يخفى أن هذه الطرق يقوي بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها وبها استدل من قال أن الاستطاعة المذكورة في القرآن هي الزاد والراحلة وقد حكى في البحر عن الأكثر أن الزاد شرط وجوب وهو أن يجد ما يكفيه ويكفي من يعول حتى يرجع‏.‏ وحكى أيضا عن ابن عباس وابن عمر والثوري والهادوية وأكثر الفقهاء أن الراحلة شرط وجوب وقال ابن الزبير وعطاء وعكرمة ومالك أن الاستطاعة الصحة لا غير‏.‏ وقال مالك والناصر والمرتضى وهو مروي عن القاسم أن من قدر على المشي لزمه أنه من لم يجد راحلة لقوله تعالى ‏{‏يأتوك رجالا‏}‏ قال مالك ومن عادته السؤال لزمه وإن لم يجد الزاد وفي كتب الفقه تفاصيل في قدر افستطاعة ليس هذا محل بسطها والذي دل عليه الدليل هو اعتبار الزاد الراحلة‏.‏

 باب ركوب البحر للخحج إلا أن يغلب على ظنه الهلاك

1 - عن عبد اللّه بن عمرو ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا تركب البحر إلا حاجا أو معتمرا أو غازيا في سبيل اللّه عز وجل فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وسعيد بن منصور في سننهما‏.‏

2 - وعن أبي عمران الجوني قال ‏(‏حدثني بعض أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وغزونا نحو فارس فقال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من بات فوق بيت ليس له إجار فوقع فمات فقد برئت منه الذمة ومن ركب البحر عند ارتجاجه فمات برئت منه الذمة‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضا البيهقي قال أبو داود رواته مجهولون وقال الخطابي ضعفوا إسناده وقال البخاري ليس هذا الحديث بصحيح ورواه البزار من حديث نافع عن ابن عمر مرفوعا وفي إسناده ليث بن أبي سليم‏.‏

والحديث الثاني في إسناده زهير بن عبد اللّه قال الذهبي هو مجهول لا يعرف وأخرج هذا الحديث أبو داود عن عبد اللّه بن علي يعني شيبان قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من بات على ظهر بيت ليس له حجار فقد برئت منه الذمة‏)‏ وبوب عليه باب النوم على سطح غير محجر وسكت عنه هو والمنذري‏.‏ قوله ‏(‏ليس له أجار‏)‏ الإجار بهمزة مكسورة بعدها جيم مشددة وآخره راء مهملة هو ما يرد الساقط من البناء من حائط على السطح أو نحوه ورواية أبي داود ليس له حجار كما تقدم قال المنذري هكذا وقع في روايتنا حجار براء مهملة بعد الألف ويدل عليه تبويب أبي داود على هذا الحديث كما تقدم فإنه قال على سطح غير محجر والحجار جمع حجر بكسر الحاء أي ليس عليه شيء يستره يمنعه من السقوط ويقال احتجرت الأرض إذا ضربت عليها منارا تمنعها به عن غيرك أو يكون من الحجر أي حظيرة الإبل وحجرة الدار وهو راجع إلى المنع أيضا ورواه البخاري أيضا بالياء حجي وذكر أنه يروى بكسر الحاء وفتحها قال غيره فمن كسر شبهه بالحجي الذي هو العقل لأن الستر يمنع من الفساد ومن فتحه قال الحجي مقصور الطرف والناحية وجمعه أحجاء قال المنذري وقد روى أيضا أحجاب بالباء قوله ‏(‏عند ارتجاجه‏)‏ الارتجاج الاضطراب ‏.‏

والحديث الأول يدل على عدم جواز ركوب البحر لكل أحد إلا للحاج والمعتمر والغازي ويعارضه حديث أبي هريرة المتقدم في أول هذا الكتاب لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم ينكر على الصيادين لما قالوا له ‏(‏إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء‏)‏وروى الطبراني في الأوسط من طريق قتادة عن الحسن عن سمرة قال كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يتجرون في البحر وفي سماع الحسن من سمرة مقال معروف وغاية ما في ذلك أن يكون ركوب البحر للصيد والتجارة مما خصص به عموم مفهوم حديث الباب على فرض صلاحيته للاحتجاج ‏.‏

والحديث الثاني يدل على عدم جواز المبيت على سطوح التي ليس لها حائط‏.‏ وعلى جواز ركوب البحر في أوقات اضطرابه‏.‏

 باب النهي عن سفر المرأة للحج وغيره إلا بمحرم

1 - عن ابن عباس ‏(‏أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يخطب يقول لا يخلون رجل بإمرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقال رجل فقال يا رسول اللّه إن إمرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت غزوة كذا وكذا قال فانطلق فحج مع إمرأتك‏)‏‏.‏

2 - وعن ابن عمر قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا تسافر المرأة ثلاثا إلا ومعها ذو محرم‏)‏‏.‏

متفق عليهما‏.‏

3 - وعن أبي سعيد ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نههى أن تسافر المرأة مسيرة يومين أو ليلتين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وفي لفظ قال ‏(‏لا يحل لإمرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو زوجها أو إبنها أو أخوها أو ذو محرم منها‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي‏.‏

4 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏لا يحل لإمرأة تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

وفي رواية ‏(‏مسيرة يوم‏)‏‏.‏ وفي رواية ‏(‏مسيرة ليلة‏)‏‏.‏ وفي رواية ‏(‏لا تسافر امرأة مسيرة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم‏)‏ رواهن أحمد ومسلم‏.‏ وفي رواية لأبي داود ‏(‏بريدا‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏لا يخلون رجل بامرأة‏)‏ الخ فيه منع الخلوة بالأجنبية وهو إجماع كما قال في الفتح وتجوز الخلوة مع وجود المحرم واختلفوا هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات فقيل يجوز لضعف التهمة وقيل لا يجوز بل لا بد من المحرم وهو ظاهر الحديث‏.‏

وقوله ‏(‏ولا تسافر المرأة‏)‏ أطلق السفر ههنا وقيده في الأحاديث المذكورة بعده‏.‏ قال في الفتح وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقديرات‏.‏ قال النووي ليس المراد من التحديد ظاهره بل كل ما يسمى سفرا فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم وإنما وقع التحديد عن أمر واقع فلا يعمل بمفهومه‏.‏ وقال ابن التين وقع الاختلاف في مواطن بحسب السائلين‏.‏ وقال المنذري يحتمل أن يقال أن اليوم المفرد والليلة المفردة بمعنى اليوم والليلة يعني فمن أطلق يوما أراد بليلته أو ليلة أراد بيومها قال ويحتمل أن يكون هذا كله تمثيلا لأوائل الأعداد فاليوم أول العدد والإثنان أول التكثير والثلاث أول الجمع ويحتمل أنه ذكر الثلاث قبل ذكر ما دونها فيؤخذ بأقل ما ورد من ذلك وأقله الرواية التي فيها ذكر البريد كما في رواية أبي هريرة المذكورة في الباب وقد أخرجها الحاكم والبيهقي وقد ورد من حديث ابن عباس عند الطبراني ما يدل على اعتبار المحرم فيما دون البريد ولفظه ‏(‏لا تسافر المرأة ثلاثة أميال إلا مع زوج أو ذي محرم‏)‏ وهذا هو الظاهر أعني الأخذ بأقل ما ورد لأن ما فوقه منهي عنه بالأولى والتنصيص على ما فوقه كالتنصيص على الثلاث واليوم والليلة واليومين والليلتين لا ينافيه لأن الأقل موجود في ضمن الأكثر وغاية الأمر أن النهي عن الأكثر يدل بمفهومه على أن ما دونه غير منهي عنه والنهي عن الأقل منطوق وهو أرجح من المفهوم وقالت الحفية أن المنع ميد بالثلاث لأنه متحقق وما عداه مشكوك فيه فيؤخذ بالمتيقين‏.‏ ويوض بأن الرواية المطلقة شلملة لكل سفرينبغي الأخذ بها وطرح ما سواها فإنه مشكوك فيه والولى أن يقال أن الرواية المطلقة مقيدة بأقل ما ورد وهي رواية اللأميال إن صحت وإلا فرواية البريد‏.‏ وقال سفيان يعتبر المحرم في المسافة البعيدة لا القريبة وقال أحمد لا يجب الحج على المرأة إذا لم تجد محرما‏.‏ وإلى كون المحرم شرطا في الحج ذهبت العترة وأبو حنيفة والنخعي وإسحاق والشافعي في أحد قوليه على خلاف بينهم هل هو شرط أداء أو شرط وجوب‏.‏ وقال مالك وهو مروى عن أحمد أنه لا عتبر المحرم في سفر الفريضة وروى عن الشافعي وجعلوه مخصوصا من عموم الأحاديث بالإجماع‏.‏ ومن جملة سفر الفريضة سفر الحج وأجيب بأن المجمع عليه إنما هو سفر الضرورة فلا يقاس عليه سفر الاختيار كذا قال صاحب المغني‏.‏ وأيضا وقع عند الدارقطني بلفظ ‏(‏لا تحجن امرأة إلا ومعها زوج‏)‏ وصححه أبو عوانة‏.‏ وفي رواية للدارقطني أيضا عن أبي أمامة مرفوعا ‏(‏لا تسافر المرأة سفر ثلاثة أيام أو تحج إلا ومعها زوجها‏)‏ فكيف يخص سفر الحج من بقية الأسفار‏.‏ وقد قيل أن اعتبار المحرم إنما هو في حق من كانت شابة لا في حق العجوز لأنها لا تشتهي‏.‏ وقيل لا فرق لأن لكل ساقط لاقطا وهو مراعاة للأمر النادر وقد أحتج أيضا من لم يعتبر المحرم في سفر الحج بما في البخاري من حديث عدي بن حاتم مرفوعا بلفظ ‏(‏يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها‏)‏ وتعقب بأنه يدل على وجود ذلك لا على جوازه وأجيب عن هذا بأنه خبر في سياق المدح ورفع منار الإسلام فيحمل على الجواز والأولى على ما قال المتعقب جمعا بينه وبين أحاديث الباب‏.‏

قوله ‏(‏إلا مع ذي محرم‏)‏ يعني فيحل لها السفر‏.‏ قال في الفتح وضابط المحرم عند العلماء من محرم عليه نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها خرج بالتأبيد زوج الأخت والعمة وبالمباح أم الموطوءة بشبهة وبنتها وبحرمتها الملاعنة‏.‏ واستثنى أحمد الأب الكافر فقال لا يكون محرما لإبنته المسلمة لأنه لا يؤمن أن يفتنها عن دينها ومقتضاه إلحاق سائر القرابة الكفار لوجود العلة‏.‏ وروي عن البعض أن العبد كمالمحرم وقد روى سعيد بن منصور من حديث ابن ابن عمر مرفوعا ‏(‏سفر المرأة مع عبدها ضيعة‏)‏ قال الحافظ لكن في إسناده ضعف قال وينبغي لمن قال بذلك ان يقيده بما إذا كانا في قافلة بخلاف ما إذا كانا وحدهما فلا لهذا الحديث‏:‏ قوله ‏(‏فحج مع امرأتك‏)‏ فيه دليل على أن الزوج داخل في مسمى المحرم أو قائم مقامه‏.‏ قال في الفتح وقد أخذ بظاهر الحديث بعض أهل العلم فأوجب على الزوج السفر مع امرأته إذا لم يكن لها غيره وبه قال أحمد ووهو وجه للشافعي والمشهور أنه لا يلزمه كالولي في الحج عن المريض فلو امتنع إلا بأجرة لزمتها لأنه من سبيلها فصار في حقها كالمؤنة واستدل به على أنه ليس للزوج منع امرأته من حج الفرض وبه قال أحمد وهو وجه للشافعية والأصح عندهم أنه لو منعها لكون الحج على التراخي‏.‏ وقد روى الداقطني عن ابن عمر مرفوعا في امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها في الحج ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها وأجيب عنه بأنه محمول على حج التطوع جمعا بين الحديثين ونقل ابن المنذر الإجماع على أن للرجل منع زوجته عن الخروج في الأسفار كلها وإنما اختلفوا فيما إذا كان واجبا وقد استدل ابن حزم بهذا الحديث على أ،ه يجوز للمرأة السفر بغير زوج ولا محرم لكونه صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يعب عليها ذلك السفر بعد أن أخبره زوجها وتعقب بأنه لو لم يكن ذلك شرطا لما أمر زوجها بالسفر معها وترك الغزو والذي كتب فيه‏:‏ قوله ‏(‏إلا ومعها أبوها‏)‏الخ وقع في هذه الرواية بيان بعض المحارم‏.‏

وقوله ‏(‏أو ذو محرم منها‏)‏ من عطف العام على الخاص

وأحاديث الباب تدل على أنه لا يجب الحج على المرأة إلا إذا كان لها محرم‏.‏ قال ابن دقيق العيد هذه المسألة تتعلق بالعامين إذا تعارضا فإن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وللّه على الناس حج البيت‏}‏ الآية عام في الرجال والنساء فمقتضاه أن الاستطاعة على السفر إذا وجدت وجب الحج على الجميع‏.‏ وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏لا تسافر المرأة إلا مع محرم‏)‏ عام في كل سفر فيدخل فيه الحج فمن أخرجه عن خص الحديث بعموم الآية ومن أدخله فيه خص الآية بعموم الحديث فيحتاج إلى الترجيح من خارج انتهى‏.‏ ويمكن أن يقال أن أحاديث الباب لا تعارض الآية لأنها تضمنت أن المحرم في حق المرأة من جملة افستطاعة على السفر التي أطلقها القرآن وليس فيها إثبات أمر غير الاستطاعة المشروطة حتى تكون من تعارض العمومين لا يقال الاستطاعة المذكورة قد بينت بالزاد والراحلة كما تقدم لأنا نقول قد تضمنت أحاديث الباب زيادة على ذلك البيان باعتبار النساء غير منافية فيتعين قبولها على أن التصريح بغير اشتراط المحرم في سفر الحج لخصوصه كما في الرواية التي تقدمت مبطل لدعوى التعارض‏.‏

 باب من حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه

1 - عن ابن عباس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة قال من شبرمة قال أخ لي أو قريب لي قال حججت عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وابن ماجه‏.‏ وقال ‏(‏فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة‏)‏ والدارقطني وفيه قال ‏(‏هذه لك وحج عن شبرمة‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه أيضا ابن حبان وصححه البيهقي وقال إسناده صحيح وليس في هذا الباب أصح منه وقد روى موقوفا والرفع زيادة يتعين قبولها إذا جاءت من طريق ثقة وهي ههنا كذلك لأن الذي رفعه عبدة بن سليمان قال الحافظ وهو ثقة محتج به في الصحيحين وقد تابعه محمد بن بشر ومحمد بن عبيد اللّه الأنصاري وكذا رجح عبد الحق وابن القطان رفعه ورجحه الطحاوي أنه موقوف وقال أحمد رفعه خطأ‏.‏ وقال ابن المنذر لا يثبت رفعه وقد أطال الكلام صاحب التلخيص ومال إلى صحته‏:‏ قوله ‏(‏سمع رجلا‏)‏ زعم ابن باطيش أن اسم الملبي نبيشة قال الحافظ وهو وهم منه فإنهاسم الملبي عنه فيما زعم الحسن بن عمارة وخالفه الناس فيه فقالوا أنه شبرمة وقد قيل أن الحسن بن عمارة رجع عن ذلك وقد بين الدارقطني في السنن وظاهر الحديث أنه لا يجوز لمن لم يحج عن نفسه أن يحج عن غيره وسواء كان مستطيعا أو غير مستطيع لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يستفصل الرجل الذي سمعه يلبي عن شبرمة وهو ينزل منزلة العموم وإلى ذلك ذهب الشافعي والناصر وقال الثوري والهادي والقاسم أنه يجزي حج من لم يحج عن نفسه ما لم يتضيق عليه واستدل لهم في البحر بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏هذه عن نبيشة وحج عن نفسك‏)‏ فكأنهم جمعوا بين هذا وبين حديث الباب بحمل حديث الباب على من كان مستطيعا ولكن الحديث الذي غستدل لهم به صاحب البحر لا أدرؤي من رواه ولم أقف عليه في شيء من كتب الحديث المعتمدة فينبغي افعتماد على حديث الباب ومن زعم أن في السنة ما يعارضه فليطلب منه التصحيح لمدعاه‏.‏ وقد روى الدارقطني حديث نبيشة موافقا لحديث شبرمة لا مخالفا له كما زعم صاحب البحر وتقدم قول من قال أن اسم شبرمة نبيشة‏.‏

 باب صحة حجة الصبي والعبد من غير إيجاب له عليهما

1 - عن ابن عباس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لقي ركبا بالروحاء فقال من القوم قالوا المسلمون فقالوا من أنت فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فرفعت إليه امرأة صبيا فقالت ألهذا حج قال نعم ولك أجر‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

2 - وعن السائب بن يزيد قال ‏(‏حج بي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين‏)‏

رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه‏.‏

3 - وعن جابر قال ‏(‏حججنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

4 - وعن محمد بن كعب القرظي ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال أيما صبي حج به أهله فمات أجزأت عنه فإن أدرك فعليه الحج وأيما رجل مملوك حج به أهله فمات أجزأت عنه فإن أعتق فعليه الحج‏)‏‏.‏

ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنة عبد اللّه هكذا مرسلا‏.‏

حديث جابر أخرجه أيضا ابن أبي شيبة وفي إسناده أشعث بن سوار وهو ضعيف ورواه الترمذي من هذا الوجه بلفظ آخر قال ‏(‏كنا إذا حججنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان‏)‏ قال ابن القطان ولفظ ابن أبي شيبة أشبه بالصواب فإن المرأة لا يلبي عنها غيرها أجمع على ذلك أهل العلم‏.‏ وأخرج الترمذي أيضا من حديث جابر نحو حديث ابن عباس واستغربه وحديث محمد بن كعب أخرجه أيضا أبو داود في المراسيل وفيه راو مبهم - وفي الباب - عن ابن عباس عند البخاري ‏(‏أنه بعثه صلى اللّه عليه وآله وسلم في الثقل‏)‏ بفتح المثلثة والقاف ويجوز إسكانها أي الأمتعة ووجه الدلالة منه أن ابن عباس كان دون البلوغ

استدل بأحاديث الباب من قال أنه يصح حج الصبي ابن بطال أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصبي حتى يبلغ إلا أنه إذا حج كان له تطوعا عند الجمهور وقال أبو حنيفة لا يصح إحرامه ولا يلزمه شيء من محظورات الإحرام وإنما يحج به على جهة التدريب وشذ بعضهم فقال إذا حج الصبي أجزأه ذلك عن حجة الإسلام لظاهر قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏نعم‏)‏ في جواب قولها ألهذا حج‏.‏ وإلى مثل ما ذهب إليه أبو حنيفة ذهبت الهادوية وقال الطحاوي لا حجة في قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم نعم على أنه يجزئه عن حجة الإسلام بل فيه حجة على من زعم أنه لا حج له قال لأن ابن عباس راوي الحديث قال أيما غلام حج به أهله ثم بلغ فعليه حجة أخرى ثم شاقه بإسناد صحيح وقد أخرج هذا الحديث مرفوعا الحاكم وقال على شرطهما والبيهقي وابن حزم وصححه وقال ابن خزيمة الصحيح موقوفا وأخرجه كذلك قال البيهقي تفرد برفعه محمد بن المنهال ورواه الثوري عن شعبة موقوفا ولكنه قد تابع محمد بن المنهال على رفعه الحرث بن شريح أخرجه كذلك الإسماعيلي والخطيب ويؤيد صحة رفعه ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس قال احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس فذكره وهو ظاهر في الرفع‏.‏ وقال أخرج ابن عدي من حديث جابر بلفظ ‏(‏لو حج صغير حجة لكان عليه حجة أخرى‏)‏‏.‏ ومثل هذا حديث محمد بن كعب المذكور في الباب فيؤخذ من المجموع هذه الأحاديث أنه يصح حج الصبي ولا يجزئه عن حجة افسلام إذا بلغ وهذا هو الحق فيتعين المصير إليه جمعا بين الأدلة‏.‏ قال القاضي عياض أجمعوا على أنه لا يجزئه إذا بلغ عن فريضة الإسلام إلا فرقة شذت فقالت يجزئه لقوله نعم‏.‏ وظاهره استقامة كون حج الصبي حجا مطلقا‏.‏ والحج إذا أطلق تبادر منه إسقاط الواجب ولكن العلماء ذهبوا إلى خلافه ولعل ميتندهم حديث ابن عباس يعني المتقدم فقال وقد ذهبت طائفة من أهل البدع إلى منع الصغير من الحج قال النووي وهو مردود لا يلتفت غليه لفعل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأصحابه وإجماع الأمة على خلافه انتهى‏.‏

وقد احتج أصحاب الشافعي بحديث ابن عباس الذي ذكره المصنف رحمة اللّه على أن الأم تحرم عن الصبي وقال ابن الصباغ ليس في الحديث دلالة على ذلك‏.‏