فصل: باب الوضوء من مس المرأة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب الوضوء من مس المرأة

قال اللَّه تعالى ‏{‏أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا‏}‏ وقرئ ‏{‏أو لمستم‏}‏‏.‏

1- وعن معاذ بن جبل رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏أتى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم رجل فقال‏:‏ يا رسول اللَّه ما تقول في رجل لقي امرأة يعرفها فليس يأتي الرجل من امرأته شيئًا إلا قد أتاه منها غير أنه لم يجامعها قال‏:‏ فأنزل اللَّه هذه الآية ‏{‏وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل‏}‏ الآية فقال له النبي صلى اللَّه عله وآله وسلم‏:‏ توضأ ثم صل‏)‏‏.‏

رواه أحمد والدارقطني‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الترمذي والحاكم والبيهقي جميعًا من حديث عبد الملك بن عمر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ هكذا عندهم جميعًا موصولًا لذكر معاذ وفيه انقطاع لأن عبد الرحمن لم يسمع من معاذ‏.‏

وأيضًا قد رواه شعبة عن عبد الرحمن قال‏:‏ إن رجلًا فذكره مرسلًا كما رواه النسائي‏.‏

وأصل القصة في الصحيحين وغيرهما بدون الأمر بالوضوء والصلاة‏.‏ والآية المذكورة استدل بها من قال بأن لمس المرأة ينقض الوضوء وإلى ذلك ذهب ابن مسعود وابن عمر والزهري والشافعي وأصحابه وزيد بن أسلم وغيرهم‏.‏ وذهب علي وابن عباس وعطاء وطاوس والعترة جميعًا وأبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه لا ينقض‏.‏

قال أبو حنيفة وأبو يوسف‏:‏ إلا إذا تباشر الفرجان وانتشر وإن لم يمذ‏.‏

قال الأولون‏:‏ الآية صرحت بأن اللمس من جملة الأحداث الموجبة للوضوء وهو حقيقة في لمس اليد‏.‏ ويؤيد بقاءه على معناه الحقيقي قراءة ‏{‏أو لمستم‏}‏ فإنها ظاهرة في مجرد اللمس من دون جماع‏.‏

قال الآخرون‏:‏ يجب المصير إلى المجاز وهو أن اللمس مراد به الجماع لوجود القرينة وهي حديث عائشة الذي سيأتي في التقبيل‏.‏ وحديثها في لمسها لبطن قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

وأجيب بأن في حديث التقبيل ضعفًا وأيضًا فهو مرسل ورد بأن الضعف منجبر بكثرة رواياته وبحديث لمس عائشة لبطن قدم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقد ثبت مرفوعًا وموقوفًا والرفع زيادة يتعين المصير إليها كما هو مذهب أهل الأصول والاعتذار عن حديث عائشة في لمسها لقدمه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بما ذكره ابن حجر في الفتح من أن اللمس يحتمل أنه كان بحائل أو على ذلك خاص به تكلف ومخالفة للظاهر‏.‏

قالوا‏:‏ أمر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم السائل في حديث الباب بالوضوء وصرح ابن عمر بأن من قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء رواه عنه مالك والشافعي ورواه البيهقي عن ابن مسعود بلفظ‏:‏ القبلة من اللمس وفيها الوضوء واللمس ما دون الجماع‏.‏

واستدل الحاكم على أن المراد باللمس ما دون الجماع بحديث عائشة ‏(‏ما كان أو قل يوم إلا وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يأتينا فيقبل ويلمس‏)‏ الحديث‏.‏

واستدل البيهقي بحديث أبي هريرة ‏(‏اليد زناها اللمس‏)‏ وفي قصة ماعز ‏(‏لعلك قبلت أو لمست‏)‏ وبحديث عمر ‏(‏القبلة من اللمس فتوضئوا منها‏)‏ ويجاب على ذلك بأن أمر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم للسائل بالوضوء يحتمل أن ذلك لأجل المعصية‏.‏

وقد ورد أن الوضوء من مكفرات الذنوب أو لأن الحالة التي وصفها مظنة خروج المذي أو هو طلب لشرط الصلاة المذكورة في الآية من غير نظر إلى انتقاض الوضوء وعدمه ومع الاحتمال يسقط الاستدلال‏.‏

وأما ما روي عن ابن عمر وابن مسعود وما ذكره الحاكم والبيهقي فنحن لا ننكر صحة إطلاق اللمس على الجس باليد بل هو المعنى الحقيقي ولكنا ندعي أن المقام محفوف بقرائن توجب المصير إلى المجاز‏.‏

وأما قولهم بأن القبلة فيها الوضوء فلا حجة في قول الصحابي لا سيما إذا وقع معارضًا لما ورد عن الشارع وقد صرح البحر ابن عباس الذي علمه اللَّه تأويل كتابه واستجاب فيه دعوة رسوله بأن اللمس المذكور في الآية هو الجماع وقد تقرر أن تفسيره أرجح من تفسير غيره لتلك المزية‏.‏

ويؤيد ذلك قول أكثر أهل العلم أن المراد بقول بعض الأعراب للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن امرأته لا ترد يد لامس الكناية عن كونها زانية ولهذا قال له صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏طلقها‏"‏‏.‏ وقد أبدى بعضهم مناسبة في الآية تقضي بأن المراد بالملامسة الجماع ولم أذكرها هنا لعدم انتهاضها عندي‏.‏

وأما حديث الباب فلا دلالة فيه على النقض لأنه لم يثبت أنه كان متوضئًا قبل أن يأمره النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالوضوء ولا ثبت أنه كان متوضئًا عند اللمس فأخبره النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه قد انتقض وضوءه‏.‏

2- وعن إبراهيم التيمي عن عائشة رضي اللَّه عنها‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والنسائي قال أبو داود‏:‏ هو مرسل إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة‏.‏ وقال النسائي‏:‏ ليس في هذا الباب أحسن من هذا الحديث وإن كان مرسلًا‏.‏

وأخرجه أيضًا أحمد والترمذي وقال‏:‏ سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يضعف هذا الحديث‏.‏ وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من طريق عروة بن الزبير عن عائشة‏.‏

وأخرجه أيضًا أبو داود من طريق عروة المزني عن عائشة وقال القطان‏:‏ هذا الحديث شبه لا شيء‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة‏.‏

وقال ابن حزم‏:‏ لا يصح في الباب شيء وإن صح فهو محمول على ما كان عليه الأمر قبل نزول الوضوء من اللمس‏.‏

ورواه الشافعي من طريق معبد بن نباتة عن محمد بن عمر عن ابن عطاء عن عائشة عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏أنه كان يقبل بعض نسائه ولا يتوضأ‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ولا أعرف حال معبد فإن كان ثقة فالحجة فيما روى عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏ قال الحافظ‏:‏ روي من عشرة أوجه أوردها البيهقي في الخلافيات وضعفها انتهى‏.‏

وصححه ابن عبد البر وجماعة وشهد له حديثها الآتي بعد هذا‏.‏

والحديث يدل على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء وقد تقدم ذكر الخلاف فيه‏.‏

3- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت‏:‏ ‏(‏إن كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ليصلي وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله‏)‏‏.‏

رواه النسائي‏.‏

الحديث قال الحافظ في التلخيص‏:‏ إسناده صحيح وفيه دليل على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء وقد تقدم الكلام عليه‏.‏ وتأويل ابن حجر له بما سلف قد عرفناك أنه تكلف لا دليل عليه‏.‏

4 - وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏فقدت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوضعت يدي على باطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللَّهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك‏)‏‏.‏

رواه مسلم والترمذي وصححه‏.‏

الحديث رواه البيهقي أيضًا وذكره ابن أبي حاتم في العلل من طريق يونس بن خباب عن عيسى بن عمر عن عائشة بنحو هذا‏.‏ قال‏:‏ لا أدري عيسى أدرك عائشة أم لا‏.‏

وروى مسلم في آخر الكتاب عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏خرج النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم من عندها ليلًا فغرت عليه فجاء فرأى ما أصنع فقال‏:‏ ما لك يا عائشة أغرت قالت‏:‏ وما لي لا يغار مثلي على مثلك فقال‏:‏ لقد جاءك شيطانك فقالت‏:‏ يا رسول اللَّه أو معي شيطان‏)‏ الحديث‏.‏

وروى الطبراني في المعجم الصغير من حديث عمرة عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏فقدت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ذات ليلة فقلت‏:‏ إنه قام إلى جاريته مارية فقمت ألتمس الجدار فوجدته قائمًا يصلي فأدخلت يدي في شعره لأنظر اغتسل أم لا فلما انصرف قال‏:‏ أخذك شيطانك يا عائشة‏)‏ وفيه محمد بن إبراهيم عن عائشة‏.‏ قال ابن أبي حاتم‏:‏ ولم يسمع منها‏.‏

والحديث يدل على أن اللمس غير موجب للنقض وقد ذكرنا الخلاف فيه‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه تعالى‏:‏ وأوسط مذهب يجمع بين هذه الأحاديث مذهب من لا يرى اللمس ينقض إلا لشهوة انتهى‏.‏

 باب الوضوء من مس القبل

1- عن بسرة بنت صفوان‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ‏)‏‏.‏

رواه الخمسة وصححه الترمذي وقال البخاري‏:‏ هو أصح شيء في هذا الباب وفي رواية لأحمد والنسائي عن بسرة ‏(‏أنها سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول ويتوضأ من مس الذكر‏.‏ وهذا يشمل ذكر نفسه وذكر غيره‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا مالك والشافعي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود قال أبو داود‏:‏ قلت لأحمد حديث بسرة ليس بصحيح قال‏:‏ بل هو صحيح وصححه الدارقطني ويحيى بن معين حكاه ابن عبد البر وأبو حامد ابن الشرقي تلميذ مسلم والبيهقي والحازمي‏.‏ قال البيهقي‏:‏ هذا الحديث وإن لم يخرجه الشيخان لاختلاف وقع في سماع عروة منها أو من مروان فقد احتجا بجميع رواته‏.‏

وقال الإسماعيلي‏:‏ يلزم البخاري إخراجه فقد أخرج نظيره وغاية ما قدح به في الحديث أنه حدث به مروان عروة فاستراب بذلك عروة فأرسل مروان إلى بسرة رجلًا من حرسه فعاد إليه بأنها ذكرت ذلك والواسطة بين عروة وبسرة أما مروان وهو مطعون في عدالته أو حرسيه وهو مجهول‏.‏ والجواب أنه قد جزم ابن خزيمة وغير واحد من الأئمة بأن عروة سمعه من بسرة وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان قال عروة‏:‏ فذهبت إلى بسرة فسألتها فصدقته وبمثل هذا أجاب الدارقطني وابن حبان‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقد أكثر ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم من سياق طرقه وبسط الدارقطني الكلام عليه في نحو من كراستين ونقل البعض بأن ابن معين قال‏:‏ ثلاثة أحاديث لا تصح حديث مس الذكر ولا نكاح إلا بولي وكل مسكر حرام‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ولا يعرف هذا عن ابن معين قال ابن الجوزي‏:‏ إن هذا لا يثبت عن ابن معين وقد كان مذهبه انتقاض الوضوء بمسه‏.‏ وروى عنه الميموني أنه قال‏:‏ إنما يطعن في حديث بسرة من لا يذهب إليه وطعن فيه الطحاوي بأن هشامًا لم يسمع من أبيه عروة لأنه رواه عنه الطبراني فوسط بينه وبين أبيه أبا بكر ابن محمد بن عمرو وهذا مندفع فإنه قد رواه تارة عن أبيه وتارة عن أبي بكر ابن محمد وصرح في رواية الحاكم بأن أباه حدثه‏.‏

وقد رواه الجمهور من أصحاب هشام عنه عن أبيه فلعله سمعه عن أبي بكر عن أبيه ثم سمعه من أبيه فكان يحدث به تارة هكذا وتارة هكذا‏.‏ وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وأم حبيبة وعبد اللَّه بن عمرو وزيد بن خالد وسعد بن أبي وقاص وعائشة وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وعلي بن طلق والنعمان بن بشير وأنس وأُبيَّ بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة وأروى بنت أنيس‏.‏

أما حديث أبي هريرة وأم حبيبة وعبد اللَّه بن عمر فسيذكرها المصنف بعد هذا الحديث‏.‏

وأما حديث جابر فعند الترمذي وابن ماجه والأثرم قال ابن عبد البر‏:‏ إسناده صالح‏.‏

وأما حديث زيد بن خالد فعند الترمذي وأحمد والبزار‏.‏

وأما حديث سعد بن أبي وقاص فأخرجه الحاكم‏.‏

وأما حديث عائشة فذكره الترمذي وأعله أبو حاتم ورواه الدارقطني‏.‏

وأما حديث أم سلمة فذكره الحاكم‏.‏

وأما حديث ابن عباس فرواه البيهقي وفي إسناده الضحاك بن حمزة وهو منكر الحديث‏.‏

وأما حديث ابن عمر فرواه الدارقطني والبيهقي وفيه عبد اللَّه بن عمر العمري وهو ضعيف وأخرجه الحاكم من طريق عبد العزيز بن أبان وهو ضعيف وأخرجه ابن عدي من طريق أيوب بن عتبة وفيه مقال‏.‏

وأما حديث علي بن طلق فأخرجه الطبراني وصححه‏.‏

وأما حديث النعمان بن بشير فذكره ابن منده وكذا حديث أنس وأُبيَّ بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة‏.‏

وأما حديث أروى بنت أنيس فذكره الترمذي ورواه البيهقي‏.‏

والحديث يدل على أن لمس الذكر ينقض الوضوء‏.‏ وقد ذهب إلى ذلك عمر وابنه عبد اللَّه وأبو هريرة وابن عباس وعائشة وسعد ابن أبي وقاص وعطاء والزهري وابن المسيب ومجاهد وأبان بن عثمان وسليمان بن يسار والشافعي وأحمد وإسحاق ومالك في المشهور وغير هؤلاء‏.‏ واحتجوا بحديث الباب‏.‏ وكذلك مس فرج المرأة لحديث أم حبيبة الآتي وكذلك حديث عبد اللَّه بن عمرو الذي سيذكره المصنف في هذا الباب‏.‏

وذهب علي عليه السلام وابن مسعود وعمار والحسن البصري وربيعة والعترة والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وغيرهم إلى أنه غير ناقض‏.‏ وقد ذكر الحازمي في الاعتبار ‏[‏نص عبارة الحازمي في الاعتبار بعد أن ساق حديث طلق بن علي‏.‏ وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب فذهب بعضهم إلى هذه الأحاديث ورأوا ترك الوضوء من مس الذكر‏.‏ روي ذلك عن علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وعبد اللَّه بن مسعود وعبد اللَّه بن عباس وحذيفة بن اليمان وعمران بن حصين وأبي الدرداء وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين وسعيد بن المسيب في إحدى الروايتين وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وربيعة بن عبد الرحمن وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه ويحيى بن معين وأهل الكوفة‏.‏ وخالفهم في ذلك آخرون فذهبوا إلى إيجاب الوضوء من مس الذكر وبعض من ذهب إلى هذا القول ادعى أن حديث طلق منسوخ على ما سيأتي‏.‏ وممن روي عنه الإيجاب من الصحابة عمر بن الخطاب وابنه عبد اللَّه وأبو أيوب الأنصاري وزيد بن خالد وأبو هريرة وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص وجابر وعائشة وأم حبيبة وبسرة بنت صفوان وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين وابن عباس في إحدى الروايتين رضوان اللَّه عليهم أجمعين‏.‏

ومن التابعين عروة بن الزبير وسليمان بن يسار وعطاء بن أبي رباح وأبان بن عثمان وجابر بن زيد والزهري ومصعب بن سعد ويحيى بن أبي كثير عن رجال من الأنصار وسعيد بن المسيب في أصح الروايتين وهشام بن عروة والأوزاعي وأكثر أهل الشام والشافعي وأحمد وإسحاق والمشهور من قول مالك أنه كان يوجب منه الوضوء‏.‏

ومن ذهب إلى هذا القول ادعى أن حديث طلق على تقدير ثبوته منسوخ‏.‏ ثم استظهر الإيجاب وساق الأدلة على ذلك في كلام طويل مفيد‏.‏ واللَّه أعلم‏]‏‏.‏ جماعة من القائلين بهذه المقالة وجماعة من القائلين بالمقالة الأولى من الصحابة والتابعين لم نذكرهم هنا فليرجع إليه‏.‏

واحتج الآخرون بحديث طلق بن علي عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارقطني مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏الرجل يمس ذكره أعليه وضوء فقال صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إنما هو بضعة منك‏)‏ وصححه عمر بن القلاس وقال‏:‏ هو عندنا أثبت من حديث بسرة‏.‏ وروي عن علي بن المديني أنه قال‏:‏ هو عندنا أحسن من حديث بسرة‏.‏

قال الطحاوي‏:‏ إسناده مستقيم غير مضطرب بخلاف حديث بسرة وصححه أيضًا ابن حبان والطبراني وابن حزم‏.‏

وأجيب بأنه قد ضعفه الشافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي وادعى فيه النسخ ابن حبان والطبراني وابن العربي والحازمي وآخرون وأوضح ابن حبان ‏[‏ص 250‏]‏ وغيره ذلك‏.‏

وقال البيهقي يكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق أن حديث طلق لم يحتج الشيخان بأحد من رواته وحديث بسرة قد احتجا بجميع رواته وقد أيدت دعوى النسخ بتأخر إسلام بسرة وتقدم إسلام طلق ولكن هذا ليس دليلًا على النسخ عند المحققين من أئمة الأصول وأيد حديث بسرة أيضًا بأن حديث طلق موافق لما كان الأمر عليه من قبل وحديث بسرة ناقل عنه فيصار إليه وبأنه أرجح لكثرة طرقه وصحتها وكثرة من صححه من الأئمة ولكثرة شواهده ولأن بسرة حدثت به في دار المهاجرين والأنصار وهم متوافرون وأيضًا قد روي عن طلق بن علي نفسه أنه روى ‏(‏من مس فرجه فليتوضأ‏)‏ أخرجه الطبراني وصححه قال‏:‏ فيشبه أن يكون سمع الحديث الأول من النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قبل هذا ثم سمع هذا بعد فوافق حديث بسرة وأيضًا حديث طلق بن علي من رواية قيس ابنه‏.‏

قال الشافعي‏:‏ قد سألنا عن قيس بن طلق فلم نجد من يعرفه‏.‏ وقال أبو حاتم وأبو زرعة‏:‏ قيس بن طلق ممن لا تقوم به حجة اهـ‏.‏

فالظاهر ما ذهب إليه الأولون وقد روي عن مالك القول بندب الوضوء ويرده ما سيأتي من التصريح بالوجوب في حديث أبي هريرة وفي حديث عائشة ‏(‏ويل للذين يمسون فروجهم ولا يتوضئون‏)‏ أخرجه الدارقطني وهو دعاء بالشر لا يكون إلا على ترك واجب والمراد بالوضوء غسل جميع الأعضاء كوضوء الصلاة لأنه الحقيقة الشرعية وهي مقدمة على غيرها على ما هو الحق في الأصول‏.‏ وقد اشترط في المس الناقض للوضوء أن يكون بغير حائل‏.‏

ويدل له حديث أبي هريرة الآتي وسيأتي أنه لا دليل لمن اشترط أن يكون المس بباطن الكف وقد روي عن جابر بن زيد أنه قال بالنقض إن وقع المس عمدًا لا إن وقع سهوًا‏.‏

وأحاديث الباب ترده ورفع الخطأ بمعنى رفع إثمه لا حكمه‏.‏

2- وعن أم حبيبة قالت‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ من مس فرجه فليتوضأ‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه والأثرم وصححه أحمد وأبو زرعة‏.‏

الحديث قال ابن السكن‏:‏ لا أعلم له علة‏.‏ ولفظ من يشمل الذكر والأنثى‏.‏ ولفظ الفرج يشمل القبل والدبر من الرجل والمرأة وبه يرد مذهب من خصص ذلك بالرجال وهو مالك‏.‏

وأخرج الدارقطني من حديث عائشة ‏(‏إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ‏)‏ وفيه عبد الرحمن بن عبد اللَّه العمري وهو ضعيف وكذا ضعفه ابن حبان قال الحافظ‏:‏ وله شاهد وسيأتي حديث عمرو بن شعيب وهو صحيح وقد تقدم الكلام في الذي قبله‏.‏

وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث رواه ابن حبان في صحيحه وقال‏:‏ حديث صحيح سنده عدول نقلته‏.‏ وصححه الحاكم وابن عبد البر وأخرجه البيهقي والطبراني في الصغير وقال ابن السكن‏:‏ هو أجود ما روي في هذا الباب‏.‏

ورواه الشافعي والبزار والدارقطني من طريق يزيد بن عبد الملك قال النسائي‏:‏ متروك وضعفه غيره‏.‏

والحديث يدل على وجوب الوضوء وهو يرد مذهب من قال بالندب وقد تقدم‏.‏

ويدل على اشتراط عدم الحائل بين اليد والذكر وقد استدل به الشافعية في أن النقض إنما يكون إذا مس الذكر بباطن الكف لما يعطيه لفظ الإفضاء‏.‏

قال الحافظ في التلخيص‏:‏ لكن نازع في دعوى أن الإفضاء لا يكون إلا ببطن الكف غير واحد قال ابن سيده في المحكم‏:‏ أفضى فلان إلى فلان وصل إليه والوصول أعم من أن يكون بظاهر الكف أو باطنها‏.‏

وقال ابن حزم‏:‏ الإفضاء يكون بظاهر الكف كما يكون بباطنها قال‏:‏ ولا دليل على ما قالوه يعني من التخصيص بالباطن من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس ولا رأي صحيح‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه تعالى‏:‏ وهو يعني حديث أبي هريرة بمنع تأويل غيره على الاستحباب ويثبت بعمومه النقض ببطن الكف وظهره وينفيه بمفهومه من وراء حائل وبغير اليد‏.‏

وفي لفظ للشافعي إذا أفضى أحدكم إلى ذكره ليس بينها وبينه شيء فليتوضأ اهـ‏.‏

4- وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ أيما رجل مس فرجه فليتوضأ وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث رواه الترمذي أيضًا ورواه البيهقي قال الترمذي في العلل‏:‏ عن البخاري وهذا عندي صحيح وفي إسناده بقية بن الوليد ولكنه قال حدثني محمد بن الوليد الزبيدي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏.‏

والحديث صريح في عدم الفرق بين الرجل والمرأة وقد عرفت أن الفرج يعم القبل والدبر لأنه العورة كما في القاموس‏.‏

وقد أهمل المصنف ذكر حديث طلق بن علي في هذا الباب ولم تجر له عادة بذلك فإنه يذكر الأحاديث المتعارضة وإن كان في بعضها ضعف وقد ذكرناه في شرح حديث أول الباب وتكلمنا عليه بما فيه كفاية‏.‏

 باب الوضوء من لحوم الإبل

1- عن جابر بن سمرة‏:‏ ‏(‏أن رجلًا سأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنتوضأ من لحوم الغنم قال‏:‏ إن شئت توضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال‏:‏ أنتوضأ من لحوم الإبل قال‏:‏ نعم توضأ من لحوم الإبل قال‏:‏ أصلي في مرابض الغنم قال‏:‏ نعم قال‏:‏ أصلي في مرابض الإبل قال‏:‏ لا‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

الحديث روى ابن ماجه نحوه من حديث محارب بن دثار عن ابن عمر‏.‏ وكذلك روى أبو داود والترمذي وهو يدل على أن الأكل من لحوم الإبل من جملة نواقض الوضوء وقد اختلف في ذلك فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء قال النووي‏:‏ ممن ذهب إلى ذلك الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأُبيَّ بن كعب وابن عباس وأبو الدرداء وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وجماهير من التابعين ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم‏.‏ وذهب إلى انتقاض الوضوء به أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن يحيى وأبو بكر ابن المنذر وابن خزيمة واختاره الحافظ أبو بكر البيهقي وحكي عن أصحاب الحديث مطلقًا وحكي عن جماعة من الصحابة كذا قال النووي ونسبه في البحر إلى أحد قولي الشافعي وإلى محمد بن الحسن‏.‏

قال البيهقي‏:‏ حكى عن بعض أصحابنا عن الشافعي أنه قال‏:‏ إن صح الحديث في لحوم الإبل قلت به‏.‏ قال البيهقي‏:‏ قد صح فيه حديثان حديث جابر بن سمرة وحديث البراء قاله أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه‏.‏

احتج القائلون بالنقض بأحاديث الباب واحتج القائلون بعدمه بما عند الأربعة وابن حبان من حديث جابر أنه كان آخر الأمرين منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عدم الوضوء مما مست النار‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ ولكن هذا الحديث عام وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص والخاص مقدم على العام‏.‏ وهو مبني على أنه يبنى العام على الخاص مطلقًا كما ذهب إليه الشافعي وجماعة من أئمة الأصول وهو الحق وأما من قال أن العام المتأخر ناسخ فيجعل حديث ترك الوضوء مما مست النار ناسخًا لأحاديث الوضوء من لحوم الإبل ولا يخفى عليك أن أحاديث الأمر بالوضوء من لحوم الإبل لم تشمل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا بالتنصيص ولا بالظهور بل في حديث سمرة‏:‏ ‏(‏قال له الرجل‏:‏ أنتوضأ من لحوم الإبل قال‏:‏ نعم‏)‏ وفي حديث البراء ‏(‏توضئوا منها‏)‏ وفي حديث ذي الغرة الآتي ‏(‏أفنتوضأ من لحومها قال‏:‏ نعم‏)‏ فلا يصلح تركه صلى اللَّه عليه وآله وسلم للوضوء مما مست النار ناسخًا لها لأن فعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يعارض القول الخاص بنا ولا ينسخه بل يكون فعله لخلاف ما أمر به أمرًا خاصًا بالأمة دليل الاختصاص به‏.‏

وهذه مسألة مدونة في الأصول مشهورة وقل من ينتبه لها من المصنفين في مواطن الترجيح واعتبارها أمر لا بد منه وبه يزول الإشكال في كثير من الأحكام التي تعد من المضايق وقد استرحنا بملاحظتها عن التعب في جمل من المسائل التي عدها الناس من المعضلات وسيمر بك في هذا الشرح من مواطن اعتبارها ما تنتفع به إن شاء اللَّه تعالى‏.‏ وقد أسلفنا التنبيه على ذلك ‏(‏فإن قلت‏:‏‏)‏ هذه القاعدة توقعك في القول بوجوب الوضوء مما مست النار مطلقًا لأن الأمر بالوضوء مما مست النار خاص بالأمة كما ثبت من حديث أبي هريرة مرفوعًا عند مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي بلفظ‏:‏ ‏(‏توضؤا مما مست النار‏)‏ وهو عند مسلم من حديث عائشة مرفوعًا وفي الباب عن أبي أيوب وأبي طلحة وأم حبيبة وزيد بن ثابت وغيرهم فلا يكون تركه للوضوء مما مست النار ناسخًا للأمر بالوضوء منه ولا معارضًا لمثل ما ذكرت في لحوم الإبل‏.‏

‏(‏قلت‏:‏‏)‏ إن لم يصح منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلا مجرد الفعل بعد الأمر لنا بالوضوء مما مست النار فالحق عدم النسخ وتحتم الوضوء علينا منه واختصاص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بترك الوضوء منه وأي ضير في التمذهب بهذا المذهب وقد قال به ابن عمر وأبو طلحة وأنس بن مالك وأبو موسى وعائشة وزيد بن ثابت وأبو هريرة وأبو غرة الهذلي وعمر ابن عبد العزيز وأبو مجلز لاحق بن حميد وأبو قلابة ويحيى بن يعمر والحسن البصري والزهري صرح بذلك الحازمي في الناسخ والمنسوخ وقد نسبه المهدي في البحر إلى أكثر هؤلاء وزاد الحسن البصري وأبا مجلز‏.‏ وكذلك النووي في شرح مسلم قال الحازمي‏:‏ وذهب بعضهم إلى أن المنسوخ هو ترك الوضوء مما مست النار والناسخ الأمر بالوضوء منه قال‏:‏ وإلى هذا ذهب الزهري وجماعة وذكر لهم متمسكًا‏.‏

ويؤيد وجوب الوضوء مما مست النار أن حديث ترك الوضوء منه له علتان ذكرهما الحافظ في التلخيص وحديث عائشة‏:‏ ‏(‏ما ترك النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم الوضوء مما مست النار حتى قبض‏)‏ وإن قال الجوزجاني‏:‏ إنه باطل فهو متأيد بما كان منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من الوضوء لكل صلاة حتى كان ذلك ديدنًا له وهجيرًا وإن خالفه مرة أو مرتين‏.‏

إذا تقرر لك هذا فاعلم أن الوضوء المأمور به هو الوضوء الشرعي والحقائق الشرعية ثابتة مقدمة على غيرها ولا متمسك لمن قال أن المراد به غسل اليدين‏.‏

وأما لحوم الغنم فهذه الأحاديث المذكورة في الباب مخصصة له من عموم ما مست النار ‏[‏لا وجه لهذا التخصيص مع أن الظاهر أن علة الوضوء مما مست النار هو مسيسها فإن قلنا به لزم إيجابه من لحوم الغنم أيضًا وإلا نقول وهو الأوجه أن حديث لحوم الغنم ناسخ لعموم حديث ما مست النار ويبقى معنا لحوم الإبل فقط فهي التي يظهر أنها موجبة للوضوء لتخصيصها بالحديث المذكور وغيره لأن العلة فيها غير مسيس النار كما يظهر وكما يشير إلى ذلك حديث النهي عن الصلاة في معاطنها‏.‏

قال الحازمي بعد أن ساق حجج الطائفتين‏:‏ وقال عثمان بن سعيد الدارمي لما رأينا هذه الأحاديث قد اختلف فيها عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم واختلف من ذكرناهم في الأول والآخر ولم نقف على الناسخ منها فنظرنا إلى ما اجتمع عليه الخلفاء الراشدون والأعلام من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فأخذنا بإجماعهم في الرخصة فيه‏.‏

ثم نقل عن بعض من رام الجمع بين هذه الأحاديث أن أحاديث الوضوء مما مست النار منسوخة وإجماع الخلفاء الراشدين وإجماع أئمة الأمصار بعدهم يدل على صحة النسخ واللَّه أعلم اهـ‏]‏‏.‏ ففي حديث البراء الآتي ‏(‏لا توضؤا منها‏)‏ وفي حديث ذي الغرة ‏(‏أفنتوضأ من لحومها يعني الغنم قال‏:‏ لا‏)‏ وفي حديث الباب ‏(‏إن شئت توضأ وإن شئت فلا تتوضأ‏)‏ وسيأتي تمام الكلام على هذا في باب استحباب الوضوء مما مسته النار‏.‏

2- وعن البراء بن عازب قال‏:‏ ‏(‏سئل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل فقال‏:‏ توضئوا منها وسئل عن لحوم الغنم فقال‏:‏ لا توضئوا منها وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال‏:‏ لا تصلوا فيها فإنها من الشياطين وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال‏:‏ صلوا فيها فإنها بركة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الترمذي وابن ماجه وابن حبان وابن الجارود وابن خزيمة وقال في صحيحه‏:‏ لم أرى خلافًا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه‏.‏

وذكر الترمذي الخلاف فيه على ابن أبي ليلى هل هو عن البراء أو عن ذي الغرة أو عن أسيد بن حضير وصحح أنه عن البراء‏.‏ وكذا ذكر ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه قال الحافظ‏:‏ وقد قيل أن ذا الغرة لقب البراء بن عازب والصحيح أنه غيره وأن اسمه يعيش‏.‏

والحديث يدل على وجوب الوضوء من لحوم الإبل وقد تقدم الكلام فيه وعدم وجوبه من لحوم الغنم وقد تقدم أيضًا‏.‏

ويدل أيضًا على المنع من الصلاة في مبارك الإبل والإذن بها في مرابض الغنم وسيأتي الكلام على ذلك في باب المواضع المنهي عنها والمأذون فيها للصلاة إن شاء اللَّه تعالى‏.‏

وعن ذي الغرة قال‏:‏ ‏(‏عرض أعرابي لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ورسول اللَّه يسير فقال‏:‏ يا رسول اللَّه تدركنا الصلاة ونحن في أعطان الإبل أفنصلي فيها فقال‏:‏ لا قال‏:‏ أفنتوضأ من لحومها قال‏:‏ نعم قال‏:‏ أفنصلي في مرابض الغنم قال‏:‏ نعم قال‏:‏ أفنتوضأ من لحومها قال‏:‏ لا‏)‏‏.‏

رواه عبد اللَّه بن أحمد في مسند أبيه‏.‏

الحديث أخرجه الطبراني في مجمع الزوائد ورجال أحمد موثقون وقد عرفت ما ذكره الترمذي‏.‏ وقد صرح أحمد والبيهقي بأن الذي صح في الباب حديثان حديث جابر بن سمرة وحديث البراء وهكذا قال إسحاق ذكره الحافظ في التلخيص‏.‏

وذكره المصنف فقال قال إسحاق بن راهويه‏:‏ صح في الباب حديثان عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم حديث جابر بن سمرة وحديث البراء اهـ‏.‏

وقد عرفت الكلام على فقه الحديث في أول الباب‏.‏ وذو الغرة قد عرفت أنه غير البراء وأن اسمه يعيش‏.‏