فصل: باب جواز استرقاق العرب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب المنّ والفداء في حق الأسارى

1- عن أنس‏:‏ ‏(‏أن ثمانين رجلًا من أهل مكة هبطوا على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأصحابه من حيال التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم فأخذهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سلمًا فأعتقهم فأنزل اللّه عز وجل ‏{‏وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة‏}‏ إلى آخر الآية‏)‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي‏.‏

2- وعن جبير بن مطعم‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال في أسارى بدر لو كان المطعم بن عدي حيًا ثم كلمني في هؤلاء النتني لتركتهم له‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري وأبو داود‏.‏

3- وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خيلًا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال ماذا عندك يا ثمامة قال عندي يا محمد خير إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى كان بعد الغد فقال ما عندك يا ثمامة قال عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى كان الغد فقال ما عندك يا ثمامة قال عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله يا محمد واللّه ما كان على الأرض أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي واللّه ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلي واللّه ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل صبوت فقال لا ولكني أسلمت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا واللّه لا تأتيكم من يمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سلمًا‏)‏ بفتح السين المهملة واللام عن بعضهم وعن الأكثرين بسكون اللام يعني مع كسر السين والأول أصوب والسلم الأسير لأنه أسلم والسلم الصلح كذا في المشارق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو كان المطعم‏)‏ الخ إنما قال صلى اللّه عليه وآله وسلم كذلك لأنها كانت للمطعم عنده يد وهي أنه دخل صلى اللّه عليه وآله وسلم في جواره لما رجع من الطائف فأراد أن يكافئه بها والمطعم المذكور هو والد جبير الراوي لهذا الحديث والنتني جمع نتن بالنون والتاء المثناة من فوق المراد بهم أسارى بدر وصفهم بالنتن لما هم عليه من الشرك كما وصفوا بالنجس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لتركتهم له‏)‏ يعني بغير فداء وبين السبب في ذلك ابن شاهين بنحو ما قدمنا‏.‏

وقد ذكر ابن إسحاق القصة في ذلك مبسوطة وكذلك الفاكهي بإسناد حسن مرسل وفيه أن المطعم أمر أولاده الأربعة فلبسوا السلاح وقام كل واحد منهم عند ركن من الكعبة فبلغ ذلك قريشًا فقالوا له أنت الرجل لا تخفر ذمتك وقيل أن اليد التي كانت له أنه كان من أشد من سعى في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش في قطيعة بني هاشم ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خيلًا‏)‏ الخ زعم سيف في كتاب الردة له أن الذي أخذ ثمامة وأسره هو العباس بن عبد المطلب قال في الفتح‏:‏ وفيه نظر لأن العباس إنما قدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في زمان فتح مكة وقصة ثمامة تقتضي أنها كانت قبل ذلك بحيث اعتمر ثمامة ثم رجع إلى بلاده ثم منعهم أن يميروا أهل مكة ثم شكا أهل مكة إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ذلك قم بعث يشفع فيهم عند ثمامة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من بني حنيفة‏)‏ هو ابن لجيم بجيم ابن صهيب بن علي بن بكر بن وائل وهي قبيلة كبيرة مشهورة ينزلون اليمامة بين مكة واليمن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثمامة‏)‏ بضم المثلثة وأثال بضم الهمزة وبمثلثة خفيفة وهو ابن النعمان ابن مسيلمة الحنفي وهو من فضلاء الصحابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ماذا عندك‏)‏ أي‏:‏ أي شيء عندك ويحتمل أن تكون ما استفهامية وذا موصولة وعندك صلة أي ما الذي استقر في ظنك أن أفعله بك فأجابه بأنه ظن خيرًا فقال عندي يا محمد خير أي لأنك لست ممن يظلم بل ممن يعفو ويحسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تقتل ذا دم‏)‏ بمهملة وتخفيف الميم للأكثر وللكشميهني ذم بمعجمة بعدها ميم مشددة‏.‏

قال النووي‏:‏ معنى رواية الأكثر إن تقتل تقتل ذا دم بمهملة أي صاحب دم لدمه موقع يستشفي قاتله بقتله ويدرك ثأره لرياسته وعظمته ويحتمل أن يكون المعنى عليه دم وهو مطلوب به فلا لوم عليك في قتله وأما الرواية بالمعجمة فمعناها ذا ذمة وثبت ذلك في رواية أبي داود وضعفها عياض بأنه ينقلب المعنى لأنه إذا كان ذا ذمة يمتنع قتله وقال النووي‏:‏ يمكن تصحيحها بأن يحمل على الوجه الأول والمراد بالذمة الحرمة في قومه‏.‏ وأوجه الجميع الثاني لأنه مشاكل لقوله بعد ذلك وإن تنعم تنعم على شاكر وجميع ذلك تفصيل لقوله عندي خير وفعل الشرط إذا كرر في الجزاء دل على فخامة الأمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عندي ما قلت لك إن تنعم‏)‏ الخ قدم في اليوم الأول القتل وفي اليومين الآخرين الإنعام وفي ذلك نكتة وهي أنه قدم أول يوم أشق الأمرين عليه وأشفاهما لصبر خصومه وهو القتل فلما لم يقع قدم الإنعام استعطافًا وكأنه رأى في اليوم الأول أمارات الغضب دون اليومين الآخرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أطلقوا ثمامة‏)‏ في رواية ابن إسحاق قال قد عفوت عنك يا ثمامة وأعتقتك وزاد أيضًا أنه لما كان في الأسر جمعوا ما كان في أهل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من طعام ولبن فلم يقع ذلك من ثمامة موقعه فلما أسلم جاؤوا بالطعام فلم يصب منه إلا قليلًا فتعجبوا فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء وإن المسلم يأكل في معي واحد‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبشره‏)‏ أي بخير الدنيا والآخرة أو بشره بالجنة أو بمحو ذنوبه وتبعاته السابقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صبوت‏)‏ هذا اللفظ كانوا يطلقونه على من أسلم وأصله يقال لمن دخل في دين الصابئة وهم فرقة معروفة‏.‏

قوله ‏(‏لا ولكن أسلمت‏)‏ الخ كأنه قال لا ما خرجت من الدين لأن عبادة الأوثان ليست دينًا فإذا تركتها أكون قد خرجت من دين بل استحدثت دين الإسلام‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏مع محمد‏)‏ أي وافقته على دينه فصرنا متصاحبين في الإسلام‏.‏ وفي رواية ابن هشام ولكني تبعت خير الدين دين محمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا واللّه‏)‏ فيه حذف تقديره واللّه لا أرجع إلى دينكم ولا أرفق بكم فأترك الميرة تأتيكم من اليمامة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى يأذن فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ زاد ابن هشام ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئًا فكتبوا إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنك تأمر بصلة الرحم فكتب إلى ثمامة أن يخلي فيما بينهم وبين الحمل إليهم وفي هذه القصة من الفوائد ربط الكافر في المسجد والمن على الأسير الكافر وتعظيم أمر العفو عن المسيء لأن ثمامة أقسم أن بغضة القلب انقلبت حبًا في ساعة واحدة لما أسداه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إليه من العفو والمن بغير مقابل وفيه الاغتسال عند الإسلام وأن الإحسان يزيل البغض ويثبت الحب وأن الكافر إذا أراد عمل خير ثم أسلم له أن يستمر في عمل ذلك الخير وفيه الملاطفة لمن يرجى إسلامه من الأسارى إن كان في ذلك مصلحة للإسلام ولا سيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير من قومه وفيه بعث السرايا إلى بلاد الكفار وأسر من وجد منهم والتخيير بعد ذلك في قتله والإبقاء عليه‏.‏

4- وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏لما أسروا الأسارى يعني يوم بدر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لأبي بكر وعمر‏:‏ ما ترون في هؤلاء الأسارى فقال أبو بكر‏:‏ يا رسول اللّه هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار وعسى اللّه أن يهديهم للإسلام فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ما ترى يا ابن الخطاب فقال‏:‏ واللّه ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم فتمكن عليًا من عقيل فيضرب عنقه وتمكني من فلان نسبيًا لعمر فأضرب عنقه ومكن فلانًا من فلان قرابته فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديقها فهوى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت‏:‏ فلما كان من الغد جئت فإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان قلت‏:‏ يا رسول اللّه أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة شجرة قريبة منه وأنزل اللّه عز وجل ‏{‏ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض‏}‏ إلى قوله ‏{‏فكلوا مما غنمتم حلالًا طيبًا‏}‏ فأحل اللّه الغنيمة لهم ‏)‏‏.‏

رواه أحمد مسلم‏.‏

5- وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة‏)‏‏.‏رواه أبو داود‏.‏

6- وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال وبعثت فيه بقلادة كانت لها عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص قالت‏:‏ فلما رآها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم رق لها رقة شديدة فقال‏:‏ إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا لها الذي لها قالوا نعم‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

7- وعن عمران بن حصين‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين من بني عقيل‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وصححه ولم يقل فيه من بني عقيل‏.‏

8- وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة قال‏:‏ فجاء يومًا غلام يبكي إلى أبيه فقال‏:‏ ما شأنك قال‏:‏ ضربني معلمي قال‏:‏ الخبيث يطلب بذحل بدر واللّه لا تأتيه أبدًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

حديث عباس الثاني أخرجه أيضًا النسائي والحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله ثقات إلا أبا العنبس وهو مقبول‏.‏

وحديث عائشة أخرجه أيضًا الحاكم وفي إسناده محمد بن إسحاق‏.‏

وحديث عمران بن حصين أخرجه أيضًا مسلم مطولًا كما سيأتي وأخرجه ابن حبان مختصرًا‏.‏

وحديث ابن عباس الثالث في إسناده علي بن عاصم وهو كثير الغلط والخطأ وقد وثقه أحمد‏.‏

وفي الباب عن أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه عند الترمذي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن جبريل هبط فقال خيرهم يعني أصحابك في أسارى بدر القتل أو الفداء على أن يقتل منهم قابل مثلهم قالوا الفداء ويقتل منا قال الترمذي‏:‏ وفي الباب عن ابن مسعود وأنس وأبي برزة الأسلمي وجبير بن مطعم قال هذا يعني حديث علي حديث حسن غريب من حديث الثوري لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة‏.‏ ورواه أبو أسامة عن هشام عن ابن سيرين عن عبيدة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نحوه وروى ابن عون عن ابن سيرين عن عبيدة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نحوه مرسلًا‏.‏

وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم من حديث أنس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم استشار الناس في أسارى بدر فقال أبو بكر نرى أن تعفو عنهم وتقبل منهم الفداء وأخرج البخاري عن أنس‏:‏ ‏(‏أن رجالًا من الأنصار استأذنوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالوا أتأذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه فقال لا تدعوا منه درهمًا‏)‏ وأخرج البيهقي من حديث ابن عباس أنه قال في قوله تعالى ‏{‏ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض‏}‏ إن ذلك كان يوم بدر والمسلمون كانوا في قلة فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل اللّه تعالى ‏{‏فإما منًا بعد وإما فداء‏}‏ فجعل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم المؤمنين بالخيار فيهم إن شاؤوا قتلوهم وإن شاؤوا استعبدوهم وإن شاؤوا فادوهم وفي إسناده علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهو لم يسمع منه لكنه إنما أخذ التفسير عن ثقات أصحابه كمجاهد وغيره وقد اعتمده البخاري وأبو حاتم وغيرهما في التفسير‏.‏

وأخرج أبو داود عن ابن عباس من وجه آخر قال حدثني عمر بن الخطاب قال‏:‏ لما كان يوم بدر فأخذ يعني النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الفداء أنزل اللّه تعالى ‏{‏ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض‏}‏ إلى قوله ‏{‏عذاب عظيم‏}‏ ثم أحل لهم الغنائم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما أسروا الأسارى‏)‏ قد ساق ابن إسحاق في المغازي تفصيل أمر فداء الأسارى فذكر ما يشفي ويكفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قاعدين يبكيان‏)‏ إنما وقع البكاء منه صلى اللّه عليه وآله وسلم ومن أبي بكر لما أنزل اللّه من المعاتبة ولما وقع من عرض العذاب على الذين أخذوا الفداء كما في الحديث المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من بني عقيل‏)‏ بضم العين المهملة كذا في المشارق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بذحل‏)‏ بفتح الذال المعجمة وسكون الحاء المهملة قال في مختصر النهاية‏:‏ الذحل الوتر وطلب المكافأة بجناية جنيت عليه‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ الذحل الثأر أو طلب مكافأة بجناية جنيت عليك أو عداوة أتت إليك أو العداوة والحقد الجمع أذحال وذحول‏.‏

وقد استدل المصنف بالأحاديث التي ذكرها على ما ترجم الباب به من المن والفداء في حق الأسارى ومذهب الجمهور أن الأمر في الأسارى الكفرة من الرجال إلى الإمام بفعل ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين‏.‏

وقال الزهري ومجاهد وطائفة لا يجوز أخذ الفداء من أسرى الكفار أصلًا وعن الحسن وعطاء لا تقتل الأسرى بل يتخير بين المن والفداء وعن مالك لا يجوز المن بغير فداء وعن الحنفية لا يجوز المن أصلًا لا بفداء ولا بغيره‏.‏

قال الطحاوي‏:‏ وظاهر الآية يعني قوله تعالى ‏{‏فإما منًا بعد وإما فداء‏}‏ حجة للجمهور وكذا حديث أبي هريرة في قصة ثمامة المذكور في أول الباب وقال أبو بكر الرازي احتج أصحابنا لكراهة فداء المشركين بالمال بقوله تعالى ‏{‏لولا كتاب من اللّه سبق‏}‏ الآية ولا حجة لهم في ذلك لأنه كان قبل حل الغنيمة كما قدمنا عن ابن عباس والحاصل أن القرآن والسنة قاضيان بما ذهب إليه الجمهور فإنه قد وقع منه صلى اللّه عليه وآله وسلم المن وأخذ الفداء كما في أحاديث الباب ووقع منه القتل فإنه قتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط وغيرهما ووقع منه فداء رجلين من المسلمين برجل من المشركين كما في حديث عمران بن حصين قال الترمذي بعد أن ساق حديث عمران بن حصين المذكور والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وغيرهم أن للإمام أن بمن على من شاء من الأسارى ويقتل من شاء منهم ويفدي من شاء واختار بعض أهل العلم القتل على الفداء قال‏:‏ قال الأوزاعي‏:‏ بلغني أن هذه الآية منسوخة يعني قوله‏:‏ ‏{‏فإما منًا بعد وإما فداء‏}‏ نسخها قوله‏:‏ ‏{‏واقتلوهم حيث ثقفتموهم‏}‏ حدثنا بذلك هناد أخبرنا ابن المبارك عن الأوزاعي قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد إذا أسر الأسير يقتل أو يفادي أحب إليك قال إن قدر أن يفادي فليس به بأس وإن قتل فما أعلم به بأسًا قال إسحاق بن إبراهيم‏:‏ الإثخان أحب إليّ إلا أن يكون معروفًا طمع به الكثير انتهى‏.‏

وقد ذهب إلى جواز فك الأسير من الكفار بالأسير من المسلمين جمهور أهل العلم لحديث عمران بن حصين المذكور‏.‏

 باب أن الأسير إذا أسلم لم يزل ملك المسلمين عنه

1- عن عمران بن حصين قال‏:‏ ‏(‏كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأسر أصحاب رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم رجلًا من بني عقيل وأصابوا معه العضباء فأتى عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو في الوثاق فقال يا محمد فأتاه فقال ما شأنك فقال بما أخذتني وأخذت سابقة الحاج يعني العضباء فقال أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف ثم انصرف فناداه فقال يا محمد يا محمد فقال ما شأنك قال إني مسلم قال لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح ثم انصرف فناداه يا محمد يا محمد فأتاه فقال ما شأنك فقال إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني قال هذه حاجتك ففدي بعد بالرجلين‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لبني عقيل‏)‏ بضم العين المهملة كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العضباء‏)‏ بفتح المهملة وسكون الضاد المعجمة ثم باء موحدة وقد تقدم الكلام في ضبطها في كتاب الحج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بجريرة حلفائك‏)‏ الجريرة الجناية‏.‏ قال في النهاية‏:‏ ومعنى ذلك أن ثقيفًا لما نقضوا الموادعة التي بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولم ينكر عليهم بنو عقيل صاروا مثلهم في نقض العهد‏.‏

ـ وفي الحديث ـ دليل على ما ترجم المصنف الباب به من أنه لا يزول ملك المسلمين عن الأسير بمجرد إسلامه لأن هذا الرجل أخبر بأنه مسلم وهو في الأسر فلم يقبل منه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولم يفكه من أسره ولم يخرج بذلك عن ملك من أسره‏.‏

وفيه أيضًا دليل على أن للإمام أن يمتنع من قبول إسلام من عرف منه أنه لم يرغب في الإسلام وإنما دعته إلى ذلك الضرورة ولا سيما إذا كان في عدم القبول مصلحة للمسلمين فإن هذا الرجل استنقذ به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رجلين مسلمين من أسر الكفار ولو قبل منه الإسلام لم يحصل ذلك ويمكن أن يقال إن معنى قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح‏)‏ أي لو قلت كلمة الإسلام أو هذه الكلمة التي أخبرت بها عن الإسلام قبل أن يقع عليك الأسر لكنت آمنًا ولم يجر عليك ما جرى من الأسر وأخذ المال ولم يرد بذلك رد إسلامه بل قبله منه ولكنه لم يحصل بإسلامه الفكاك من الأسر وإرجاع ما أخذ من ماله فلم يحصل له كل الفلاح لأنه لم يعامل في تلك الحال معاملة المسلمين بل عومل معاملة الكفار فبقي في وثاقه وتحت ملك من أسره وعلى هذا يكون في الحديث دليل على ما أراد المصنف لأن الرجل صار مسلمًا ولم يزل عنه ملك المسلمين‏.‏ وأما على تقدير أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يقبل منه الإسلام من الأصل فلا يكون فيه دليل على ذلك لأن الرجل باق على كفره‏.‏

ـ وفي الحديث ـ مشروعية إجابة الأسير إذا دعا وإن كرر ذلك مرات والقيام بما يحتاج إليه من طعام وشراب‏.‏ ومعنى قوله‏:‏ ‏(‏هذه حاجتك‏)‏ أي حاضرة يؤتى إليك بها الساعة ‏.‏

 باب الأسير يدعي الإسلام قبل الأسر وله شاهد

1- عن ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏لما كان يوم بدر وجيء بالأسارى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق قال عبد اللّه بن مسعود فقلت يا رسول اللّه إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام قال فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فما رأيتنا في يوم أخوف أن يقع علي حجارة من السماء مني في ذلك اليوم حتى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلا سهيل بن بيضاء قال ونزل القرآن ‏{‏ما كان لنبي أن يكون له أسرى‏}‏ إلى آخر الآيات‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن‏.‏

الحديث هو من رواية أبي عبيدة بن عبد اللّه بن مسعود عن أبيه وقد قدمنا أنه لم يسمع منه‏.‏ قال الترمذي بعد إخراج هذا الحديث‏:‏ هذا حديث حسن وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا ينفلتن‏)‏ أي لا يخرج من الأسر أحد إلا بأحد الأمرين إما الفداء أو القتل وفيه متمسك لمن قال إنه لا يجوز المن بغير فداء وهو مالك كما سلف ولكن غاية ما فيه أنه يدل بمفهوم الحصر على عدم جواز ذلك وقوله تعالى ‏{‏فإما منًا بعد وإما فداء‏}‏ يدل بمنطوقه على الجواز ويؤيده ما تقدم من منه صلى اللّه عليه وآله وسلم على ثمامة بن أثال وعلى الثمانين الرجل الذين هبطوا عليه من جبال التنعيم كما سلف وعلى أهل مكة حيث قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونزل القرآن ما كان لنبي‏)‏ الخ لفظ الترمذي‏:‏ ‏(‏ونزل القرآن بقول عمر ما كان لنبي‏)‏ الخ‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على ما ترجم به المصنف الباب من أنه يجوز فك الأسير من الأسر بغير فداء إذا ادعى الإسلام قبل الأسر ثم شهد له بذلك شاهد وكذلك إذا لم تقع منه دعوى وشهد له شاهد أنه كان قد أسلم قبل الأسر كما وقع في حديث الباب فإنه لم يذكر فيه أن سهيل بن بيضاء ادعى الإسلام أولًا ثم شهد له بعد ذلك ابن مسعود بل ليس فيه إلا مجرد صدور الشهادة من ابن مسعود بذكره للإسلام قبل الأسر‏.‏

 باب جواز استرقاق العرب

1- عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعتهن من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقولها فيهم سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول هم أشد أمتي على الدجال قال وجاءت صدقاتهم فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم هذه صدقات قومنا قال وكان سبية منهم عند عائشة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2- وفي رواية‏:‏ ‏(‏ثلاث خصال سمعتهن من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في بني تميم لا أزال أحبهم بعده كان على عائشة محرر فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعتقي من هؤلاء وجاءت صدقاتهم فقال هذه صدقات قومي قال وهم أشد الناس قتالًا في الملاحم‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏

3- وعن مروان بن الحكم ومسور بن مخرمة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أحب الحديث إليَّ أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال وقد كنت استأنيت بكم وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فلما تبين لهم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا فإنا نختار سبينا فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في المسلمين فأثنى على اللّه بما هو أهله ثم قال‏:‏ أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاؤونا تائبين وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب أن يطيب ذلك فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء اللّه علينا فليفعل فقال الناس قد طيبنا ذلك يا رسول اللّه لهم فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى ترفع إلينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري وأبو داود‏.‏

4- وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏لما قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السبي لثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له فكاتبته عن نفسها وكانت امرأة حلوة ملاحة فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت يا رسول اللّه إني جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك فجئتك أستعينك على كتابتي قال فهل لك من خير من ذلك قالت وما هو يا رسول اللّه قال أقضي كتابتك وأتزوجك قالت نعم يا رسول اللّه قال قد فعلت قال وخرج الخبر إلى الناس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم تزوج جويرية بنت الحارث فقال الناس أصهار رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأرسلوا ما بأيديهم قالت فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها‏)‏‏.‏

رواه أحمد واحتج به في رواية محمد بن الحكم وقال لا أذهب إلى قول عمر ليس على عربي ملك قد سبي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم العرب في غير حديث وأبو بكر على حين سبي بني ناجية‏.‏

حديث عائشة في قصة بني المصطلق أخرجه أيضًا الحاكم وأبو داود والبيهقي وأصله في الصحيحين من حديث ابن عمر كما تقدم في باب الدعوة قبل القتال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحب بني تميم‏)‏ هم القبيلة الشهيرة ينسبون إلى تميم بن مر بضم الميم بلا هاء ابن أد بضم أوله وتشديد الدال المهملة ابن طابخة بموحدة مكسورة ومعجمة بن إلياس بن مضر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعد ثلاث‏)‏ زاد أحمد من وجه آخر عن أبي زرعة عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏وما كان قوم من الأحياء أبغض إلي منهم فأحببتهم‏)‏ انتهى‏.‏ وإنما كان يبغضهم لما كان بينهم وبين قومه في الجاهلية من العداوة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هم أشد أمتي على الدجال‏)‏ في الرواية الثانية‏:‏ ‏(‏وهم أشد الناس قتالًا في الملاحم‏)‏ وهي أعم من الرواية الأولى ويمكن أن يحمل العام في ذلك على الخاص فيكون المراد بالملاحم أكثرها وهي قتال الدجال ليدخل غيره بطريق الأولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذه صدقات قومي‏)‏ وأما نسبهم إليه لاجتماع نسبه بنسبهم في إلياس بن مضر قال وكانت سبية منهم أي من تميم وهي بوزن فعيلة مفتوح الأول من السبي أو السباء في رواية الإسماعيلي نسمة بفتح النون المهملة أي نفس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏محرر‏)‏ بمهملات اسم مفعول وقد بين ذلك الطبراني أن الذي كان على عائشة نذر ولفظه‏:‏ ‏(‏نذرت عائشة أن تعتق محررًا من بني إسماعيل‏)‏ وله في الكبير‏:‏ ‏(‏أن عائشة قالت يا نبي اللّه إني نذرت عتيقًا من ولد إسماعيل فقال لها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اصبري حتى يجيء فيء بني العنبر غدًا فجاء فيء بني العنبر فقال خذي منهم أربعة‏)‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد كنت استأنيت بكم‏)‏ أي أخرت قسم السبي لتحضروا فأبطأتم وكان صلى اللّه عليه وآله وسلم قد ترك السبي بغير قسمة وتوجه إلى الطائف فحاصرها ثم رجع عنها إلى الجعرانة ثم قسم الغنائم هناك فجاءه وفد هوازن بعد ذلك فبين لهم أنه انتظرهم وقوله‏:‏ ‏(‏بضع عشر ليلة‏)‏ بيان لمدة الانتظار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قفل‏)‏ بفتح القاف والفاء أي رجع وذكر الواقدي أن وفد هوازن كانوا أربعة وعشرين بيتًا فيهم الزبرقان السعدي فقال يا رسول اللّه إن في هذه الحظائر إلا أمهاتك وخالاتك وحواضنك ومرضعاتك فأمنن علينا منّ اللّه عليك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يطيب‏)‏ بفتح الطاء المهملة وتشديد الياء التحتانية أي يعطي ذلك على طيبة من نفسه من غير عوض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على حظه‏)‏ أي يرد السبي بشرط أن يعطى عوضه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يفيء اللّه علينا‏)‏ بضم أوله ثم فاء مكسورة وهمزة بعد التحتانية الساكنة أي يرجع إلينا من مال الكفار من خراج أو غنيمة أو غير ذلك ولم يرد الفيء الاصطلاحي وحده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عرفاؤكم‏)‏ بضم العين المهملة جمع عريف بوزن عظيم وهو القائم بأمر طائفة من الناس من عرفت بالضم وبالفتح على القوم عرافة فأنا عارف وعريف وليت أمر سياستهم وحفظ أمورهم وسمي بذلك لكونه يتعرف أمورهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا‏)‏ نسبة التطييب والإذن إلى الجميع حقيقة لكن سبب ذلك مختلف فالأغلب الأكثر منهم طابت أنفسهم أن يردوا السبي لأهله بغير عوض وبعضهم رده بشرط التعويض ومعنى طيبوا حملوا أنفسهم على ترك السبايا حتى طابت بذلك يقال طيبت نفسي بكذا إذا حملتها على السماح به من غير إكراه فطابت بذلك ويقال طيبت نفس فلان إذا كلمته بما يوافقه وإنما قلنا أن بعضهم رده بشرط العوض مع أن ظاهر الحديث يدل على أنه لم يشترط العوض أحد منهم لما في رواية موسى بن عقبة بلفظ‏:‏ ‏(‏فأعطى الناس ما بأيديهم إلا قليلًا من الناس سألوا الفداء‏)‏ وفي رواية عمرو بن شعيب‏:‏ ‏(‏فقال المهاجرون ما كان لنا فهو لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وقالت الأنصار كذلك وقال الأقرع بن حابس أما أنا وبنو تميم فلا وقال عيينة أما أنا وبنو فزارة فلا وقال العباس ابن مرداس أما أنا وبنو سليم فلا فقالت بنو سليم بلى ما كان لنا فهو لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من تمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء نصيبه فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم‏)‏‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ في الحديث مشروعية إقامة العرفاء لأن الإمام لا يمكنه أن يباشر جميع الأمور بنفسه فيحتاج إلى إقامة من يعاونه ليكفيه ما يقيمه فيه قال والأمر والنهي إذا توجه إلى الجميع يقع التواكل فيه من بعضهم فربما وقع التفريط فإذا أقام على كل قوم عريفًا لم يسع كل أحد إلا الانقياد بما أمر به وفيه أن الخبر الوارد في ذم العرفاء لا يمنع إقامة العرفاء لأنه محمول إن ثبت على أن الغالب على العرفاء الاستطالة ومجاوزة الحد وترك الإنصاف المفضي إلى الوقوع في المعصية والحديث في ذم العرفاء أخرجه أبو داود من طريق المقدام بن معد يكرب رفعه‏:‏ ‏(‏العرافة حق ولا بد للناس من عريف والعرفاء في النار‏)‏ ولأحمد وصححه ابن خزيمة من طريق عباد بن علي عن أبي حازم عن أبي هريرة رفعه‏:‏ ‏(‏ويل للأمراء ويل للعرفاء‏)‏ قال الطيبي‏:‏ قوله والعرفاء في النار ظاهر أقيم مقام الضمير يشعر أن العرافة على خطر ومن باشرها غير آمن الوقوع في المحظور المفضي إلى العذاب فهو كقوله تعالى ‏{‏إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا‏}‏ فينبغي للعاقل أن يكون على حذر منها لئلا يتورط فيما يؤديه إلى النار‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويؤيد هذا التأويل الحديث الآخر حيث توعد الأمراء بما توعد به العرفاء فدل على أن المراد بذلك الإشارة إلى أن كل من يدخل في ذلك لا يسلم فإن الكل على خطر والاستثناء مقدر في الجميع‏.‏ ومعنى العرافة حق أن أصل نصبهم حق فإن المصلحة مقتضية لما يحتاج إليه الأمير من المعاونة على ما لا يتعاطاه بنفسه ويكفي في الاستدلال لذلك وجودهم في العهد النبوي كما دل عليه حديث الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بني المصطلق‏)‏ قد تقدم ضبطه وتفسيره في باب الدعوة قبل القتال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقعت جويرية‏)‏ بالجيم مصغرًا بنت الحارث ابن أبي ضرار بن الحارث بن مالك بن المصطلق وكان أبوها سيد قومه وقد أسلم بعد ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ملاحة‏)‏ بضم الميم وتشديد اللام بعدها حاء مهملة أي مليحة وقيل شديدة الملاحة وجمعه ملاح وإملاح وملاحون بتخفيف اللام وملاحون بتشديدها ذكر معنى ذلك في القاموس‏.‏

وقد استدل المصنف رحمه اللّه تعالى بأحاديث الباب على جواز استرقاق العرب وإلى ذلك ذهب الجمهور كما حكاه الحافظ في كتاب العتق من فتح الباري‏.‏ وحكى في البحر عن العترة وأبي حنيفة أنه لا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف واستدل لهم بقوله تعالى ‏{‏فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين‏}‏ الآية قال والمراد مشركو العرب إجماعًا إذ كان العهد لهم يومئذ دون العجم اهـ‏.‏ ثم قال في موضع آخر من البحر فأما الاسترقاق فإن كان أعجميًا أو كتابيًا جاز لقول ابن عباس في تفسير ‏{‏فإما منًا بعد وإما فداء‏}‏ خير اللّه نبيه في الأسرى بين القتلى والفداء والاسترقاق وإن كان عربيًا غير كتابي لم يجز الشافعي يجوز لنا قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لو كان الاسترقاق ثابتًا على العرب الخبر اهـ‏.‏ وهو يشير إلى حديث معاذ الذي أخرجه الشافعي والبيهقي أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال يوم حنين لو كان الاسترقاق جائزًا على العرب لكان اليوم إنما هو أسرى وفي إسناده الواقدي وهو ضعيف جدًا ورواه الطبراني من طريق أخرى فيها يزيد ابن عياض وهو أشد ضعفًا من الواقدي ومثل هذا لا تقوم به حجة‏.‏

وظاهر الآية عدم الفرق بين العربي والعجمي وقد خصت الهادوية عدم جواز الاسترقاق بذكور العرب دون إناثهم ومن أدلتهم على عدم جواز استرقاق الذكور من العرب أنه لو ثبت الاسترقاق لهم لوقع ولم يرد في وقوعه شيء على كثرة أسر العرب في زمانه صلى اللّه عليه وآله وسلم فإن المكروه أيضًا لا بد أن يقع ولو لبيان الجواز ولا يجوز أن يخل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بتبليغ حكم اللّه‏.‏

قال في المنار مستدلًا على ما ذهب إليه الجمهور وقد استفتحت الصحابة أرض الشام وهم عرب وكذلك في أطراف بلاد العرب المتصلة بالعجم ولم يفتشوا العربي من العجمي والكتابي من الأمي بل سووا بينهم لم يرو عن أحد خلاف ذلك ثم ذكر قول أحمد ابن حنبل الذي ذكره المصنف ـ والحاصل ـ أنه قد ثبت في جنس أسارى الكفار جواز القتل والمن والفداء والاسترقاق فمن ادعى أن بعض هذه الأمور تختص ببعض الكفار دون بعض لم يقبل منه ذلك إلا بدليل ناهض يخصص العمومات والمجوز قائم في مقام المنع وقول علي وفعله عند بعض المانعين من استرقاق ذكور العرب حجة وقد استرق بني ناجية ذكورهم وإناثهم وباعهم كما هو مشهور في كتب السير والتواريخ وبنو ناجية من قريش فكيف ساغت لهم مخالفته‏.‏

 باب قتل الجاسوس إذا كان مستأمنًا أو ذميًا

1- عن سلمة بن الأكوع قال‏:‏ ‏(‏أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عين وهو في سفر فجلس عند بعض أصحابه يتحدث ثم انسل فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ اطلبوه فاقتلوه فسبقتهم إليه فقتلته فنفلني سلبه‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري وأبو داود‏.‏

2- وعن فرات بن حيان‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمر بقتله وكان ذميًا وكان عينًا لأبي سفيان وحليفًا لرجل من الأنصار فمر بحلقة من الأنصار فقال إني مسلم فقال رجل من الأنصار يا رسول اللّه إنه يقول أنه مسلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إن منكم رجالًا نكلهم إلى إيمانهم منهم فرات بن حيان‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وترجمه بحكم الجاسوس الذمي‏.‏

3- وعن علي رضي اللّه عنه قال‏:‏ ‏(‏بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنا والزبير والمقداد بن الأسود قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يا حاطب ما هذا قال يا رسول اللّه لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقًا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لقد صدقكم فقال عمر يا رسول اللّه دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه قد شهد بدرًا وما يدريك لعل اللّه أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

حديث فرات بن حيان في إسناده أبو همام الدلال محمد بن محبب ولا يحتج بحديثه وهو يرويه عن سفيان الثوري ولكنه قد روى الحديث المذكور عن سفيان بشر بن السري البصري وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه‏.‏ ورواه عن الثوري أيضًا عباد بن موسى الأزرق العباداني وكان ثقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عين‏)‏ في رواية لمسلم أن ذلك كان في غزوة هوازن وسمي الجاسوس عينًا لأن عمله بعينه أو لشدة اهتمامه بالرؤية واستغراقه فيها كأن جميع بدنه صار عينًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنفلني‏)‏ في رواية البخاري فنفله بالالتفات من ضمير المتكلم إلى الغيبة‏.‏ وسبب قتله أنه اطلع على عورة المسلمين كما وقع عند مسلم من رواية عكرمة بلفظ‏:‏ فقيد الجمل ثم تقدم يتغدى مع القوم وجعل ينظر وفينا ضعفة ورقة في الظهر إذ خرج يشتد‏.‏ وفي رواية لأبي نعيم في المستخرج من طريق يحيى الحماني عن أبي العميس أدركوه فإنه عين‏.‏

وفي الحديث دليل على أنه يجوز قتل الجاسوس قال النووي‏:‏ فيه قتل الجاسوس الحربي الكافر وهو باتفاق وأما المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي ينتقض عهده بذلك وعند الشافعية خلاف أما لو شرط عليه ذلك في عهده فينتقض اتفاقًا‏.‏ وحديث فرات المذكور في الباب يدل على جواز قتل الجاسوس الذمي وذهبت الهادوية إلى أنه يقتل جاسوس الكفار والبغاة إذا كان قد قتل أو حصل القتل بسببه وكانت الحرب قائمة وإذا اختل شيء من ذلك حبس فقط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن فرات‏)‏ بضم الفاء وراء مهملة وبعد الألف تاء مثناة فوقية وهو عجلي سكن الكوفة وهاجر إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ولم يزل يغزو معه إلى أن قبض فنزل الكوفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏روضة خاخ‏)‏ بخاءين معجمتين منقوطتين من فوق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ظعينة‏)‏ بالظاء المعجمة بعدها عين مهملة وهي المرأة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من عقاصها‏)‏ جمع عقيصة وهي الضفيرة من شعر الرأس وتجمع أيضًا على عقص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من حاطب‏)‏ بحاء مهملة وبلتعة بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح التاء المثناة من فوق بعدها عين مهملة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنه قد شهد بدرًا‏)‏ ظاهر هذا أن العلة في ترك قتله كونه ممن شهد بدرًا ولولا ذلك لكان مستحقًا للقتل ففيه متمسك لمن قال أنه يقتل الجاسوس ولو كان من المسلمين وقد روى ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة قال لما أجمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم ثم أعطاه امرأة من مزينة وذكر ابن إسحاق أن اسمها سارة وذكر الواقدي أن اسمها كنود وفي رواية له أخرى سارة وفي أخرى له أيضًا أم سارة‏.‏ وذكر الواقدي أن حاطبًا جعل لها عشرة دنانير على ذلك وقيل دينارًا واحدًا‏.‏

وقيل إنها كانت مولاة العباس قال السهيلي‏:‏ كان حاطب حليفًا لعبد اللّه بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزى واسم أبي بلتعة عمرو وقيل كان أيضًا حليفًا لقريش وذكر يحيى بن سلام في تفسيره أن لفظ الكتاب أما بعد يا معشر قريش فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم جاءكم بجيش كالليل يسير كالسيل فواللّه لو جاءكم وحده لنصره اللّه وأنجز له وعده فانظروا لأنفسكم والسلام‏.‏ كذا حكاه السهيلي وروى الواقدي بسند له مرسل إن حاطبًا كتب إلى سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أذن في الناس بالغزو ولا أراه يريد غيركم وقد أحببت أن تكون لي عندكم يد‏.‏

قوله ‏(‏وما يدريك لعل اللّه‏)‏ الخ هذه بشارة عظيمة لأهل بدر رضوان اللّه عليهم لم تقع لغيرهم والترجي المذكور قد صرح العلماء بأنه في كلام اللّه وكلام رسوله للوقوع وقد وقع عند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ولفظه‏:‏ ‏(‏إن اللّه اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏)‏ وعند أحمد بإسناد على شرط مسلم من حديث جابر مرفوعًا‏:‏ ‏(‏لن يدخل النار أحد شهد بدرًا‏)‏ وقد استشكل قوله اعملوا ما شئتم فإن ظاهره أنه للإباحة وهو خلاف عقد الشرع وأجيب بأنه إخبار عن الماضي أي كل عمل كان لكم فهو مغفور ويؤيده أنه لو كان لما يستقبلونه من العمل لم يقع بلفظ الماضي ولقال فسأغفره لكم وتعقب بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب لأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم خاطب به عمر منكرًا عليه ما قال في أمر حاطب وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين فدل على أن المراد ما سيأتي وأورده بلفظ الماضي مبالغة في تحققه وقيل إن صيغة الأمر في قوله اعملوا للتشريف والتكريم فالمراد عدم المؤاخذة بما يصدر منهم بعد ذلك وأنهم خصوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيمة التي اقتضت محو ذنوبهم السالفة وتأهلوا لأن يغفر اللّه لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت أي كل ما عملتموه بعد هذه الوقعة من أي عمل كان فهو مغفور وقيل إن المراد أن ذنوبهم تقع إذا وقعت مغفورة وقيل هي بشارة بعدم وقوع الذنوب منهم وفيه نظر ظاهر لما وقع في البخاري وغيره في قصة قدامة بن مظعون من شربه الخمر في أيام عمر وأن عمر حده ويؤيد القول بأن المراد بالحديث أن ذنوبهم إذا وقعت تكون مغفورة ما ذكره البخاري في باب استتابة المرتدين عن أبي عبد الرحمن السلمي التابعي الكبير أنه قال لحبان بن عطية قد علمت الذي جرأ صاحبك على الدماء يعني عليًا كرم اللّه وجهه‏.‏

قال في الفتح‏:‏ واتفقوا أن البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الآخرة لا بأحكام الدنيا من إقامة الحدود وغيرها اهـ‏.‏