فصل: باب حكم الأرضين المغنومة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب أن عبد الكافر إذا خرج إلينا مسلمًا فهو حر

1- عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏أعتق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم الطائف من خرج إليه من عبيد المشركين‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

2- وعن الشعبي عن رجل من ثقيف قال‏:‏ ‏(‏سألنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يرد إلينا أبا بكرة وكان مملوكنا فأسلم قبلنا فقال لا هو طليق اللّه ثم طليق رسوله‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

3- وعن علي قال‏:‏ ‏(‏خرج عبدان إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يعني يوم الحديبية قبل الصلح فكتب إليه مواليهم فقالوا واللّه يا محمد ما خرجوا إليك رغبة في دينك وإنما خرجوا هربًا من الرق فقال ناس صدقوا يا رسول اللّه ردهم إليهم فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وقال ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث اللّه عليكم من يضرب رقابكم على هذا وأبى أن يردهم وقال هم عتقاء اللّه عز وجل‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

حديث ابن عباس أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة وأخرجه أيضًا ابن سعد من وجه آخر مرسلًا وقصة أبي بكرة في تدليه من حصن الطائف مذكورة في صحيح البخاري في غزوة الطائف وحديث علي أخرجه أيضًا الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث ربعي عن علي وقال أبو بكر البزار‏:‏ لا نعلمه يروى عن علي بن أبي طالب إلا من حديث ربعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من عبيد المشركين‏)‏ منهم أبو بكرة والمنبعث وكان عبدًا لعثمان بن عامر بن معتب ومنهم مرزوق زوج سمية والدة زياد والأزرق وكان لكلدة الثقفي‏.‏ وورد أن وكان لعبيد اللّه بن ربيعة ويحنس وكان لابن مالك الثقفي وإبراهيم بن جارية وكان لخرشة الثقفي ويقال كان معهم زياد بن سمية والصحيح أنه لم يخرج حينئذ لصغره‏.‏

وقد روي أنهم ثلاثة وعشرون عبدًا من الطائف من جملتهم أبو بكرة كما ذكره البخاري في المغازي وفيه رد على من زعم أن أبا بكرة لم ينزل من سور الطائف غيره وهو شيء قاله موسى بن عقبة في مغازيه وتبعه الحاكم وجمع بعضهم بين القولين أن أبا بكرة نزل وحده أولًا ثم نزل الباقون بعده وهو جمع حسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن يرد إلينا أبا بكرة‏)‏ اسمه نفيع بن الحارث وكان مولى الحارث بن كلدة الثقفي فتدلى من حصن الطائف ببكرة فكني أبا بكرة لذلك أخرج ذلك الطبراني بإسناد لا بأس به من حديث أبي بكرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبدان‏)‏ جمع عبد وفي أحاديث الباب دليل على أن من هرب من عبيد الكفار إلى المسلمين صار حرًا لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم هم عتقاء اللّه ولكن ينبغي للإمام أن ينجز عتقتهم كما وقع منه صلى اللّه عليه وآله وسلم في عبيد الطائف كما في حديث ابن عباس المذكور في الباب‏.‏

 باب أن الحربي إذا أسلم قبل القدرة عليه أحرز أمواله

1- قد سبق قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها‏)‏‏.‏

2- وعن صخر بن عيلة‏:‏ ‏(‏أن قومًا من بني سليم فروا عن أرضهم حين جاء الإسلام فأخذتها فأسلموا فخاصموني فيها إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فردها عليهم وقال إذا أسلم الرجل فهو أحق بأرضه وماله‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود بمعناه وقال فيه فقال يا صخر إن القوم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم ودماءهم‏.‏

3- وعن أبي سعيد الأعشم قال‏:‏ ‏(‏قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في العبد إذا جاء فأسلم ثم جاء مولاه فأسلم أنه حر وإذا جاء المولى ثم جاء العبد بعد ما أسلم مولاه فهو أحق به‏)‏‏.‏ رواه أحمد في رواية أبي طالب وقال اذهب إليه قلت وهو مرسل‏.‏

الحديث الذي أشار إليه المصنف بقوله قد سبق الخ تقدم في أول كتاب الصلاة‏.‏ وحديث صخر بن عيلة قال الحافظ في بلوغ المرام‏:‏ رجاله موثقون اهـ وعيلة بفتح العين المهملة وسكون التحتانية وهي أم صخر‏.‏

وفي الباب عن أبي هريرة عند أبي يعلى مرفوعًا‏:‏ ‏(‏من أسلم على شيء فهو له‏)‏ وضعفه ابن عدي بياسين الزيات الراوي عن أبي هريرة قال البيهقي‏:‏ وإنما يروى عن ابن أبي مليكة وعن عروة مرسلًا وفي الباب أيضًا عن عروة مرسلًا عند سعيد بن منصور برجال ثقات أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حاصر بني قريظة فأسلم ثعلبة وأسيد بن سعية فأحرز لهما إسلامهما أموالهما وأولادهما الصغار‏.‏

وأخرج ابن إسحاق في المغازي عن شيخ من بني قريظة أنه قال له هل تدري كيف كان إسلام ثعلبة وأسيد ونفر من هذيل لم يكونوا من بني قريظة والنضير كانوا فوق ذلك أنه قدم علينا رجل من الشام من يهود يقال له ابن الهيبان فأقام عندنا فواللّه ما رأينا رجلًا قط لا يصلي الخمس خيرًا منه فقدم علينا قبل مبعث النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بسنين وكان يقول أنه يتوقع خروج نبي قد أظل زمانه فذكر الحديث فلما كانت الليلة التي افتتح فيه قريظة قال أولئك الفتية الثلاثة يا معشر يهود واللّه إنه للرجل الذي كان ذكر لكم ابن الهيبان قالوا ما هو إياه قال بلى واللّه إنه لهو قال فنزلوا وأسلموا وكانوا شبابًا فخلوا أموالهم وأولادهم وأهليهم في الحصن عند المشركين فلما فتح رد ذلك عليهم وأخرجه أيضًا البيهقي وأسيد المذكور بفتح الهمزة وكسر السين وسعية بفتح السين المهملة وإسكان العين المهملة أيضًا وفتح التحتية‏.‏ وقيل بالنون بدل الياء قال النووي‏:‏ وهو تصحيف من بعض الفقهاء والهيبان بفتح الهاء والياء المثناة من تحت والباء الموحدة كذا ضبطه المطرزي في المغرب‏.‏ وفي القاموس الهيبان بالتشديد وقد يخفف صحابي أسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دماءهم وأموالهم‏)‏ الظاهر أن الأموال تشمل المنقول وغير المنقول فيكون المسلم طوعًا أحق بجميع أمواله وقد صرح بدخول الأرض في حديث صخر المذكور في الباب لقوله فيه ‏(‏بأرضه وماله‏)‏ وقد ذهب الجمهور إلى أن الحربي إذا أسلم طوعًا كانت جميع أمواله في ملكه ولا فرق بين أن يكون إسلامه في دار الإسلام أو دار الكفر على ظاهر الدليل‏.‏

وقال بعض الحنفية‏:‏ إن الحربي إذا أسلم في دار الحرب وأقام بها حتى غلب المسلمون عليها فهو أحق بجميع ماله إلا أرضه وعقاره فإنها تكون فيئًا للمسلمين وقد خالفهم أبو يوسف في ذلك فوافق الجمهور وذهبت الهادوية إلى مثل ما ذهب إليه بعض الحنفية إذا كان إسلامه في دار الحرب قالوا وإن كان إسلامه في دار الإسلام كانت أمواله جميعها فيئًا من غير فرق بين المنقول وغيره إلا أطفاله فإنه لا يجوز سبيهم ويدل على ما ذهب إليه الجمهور أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أقر عقيلًا على تصرفه فيما كان لأخويه علي وجعفر وللنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من الدور والرباع بالبيع وغيره ولم يغير ذلك ولا انتزعها ممن هي في يده لما ظفر فكان ذلك دليلًا على تقرير من بيده دار أو أرض إذا أسلم وهي في يده بطريق الأولى وقد بوب البخاري على قصة عقيل هذه فقال باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم‏.‏ قال القرطبي‏:‏ يحتمل أن يكون مراد البخاري أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم منَّ على أهل مكة بأموالهم ودورهم قبل أن يسلموا فتقرير من أسلم يكون بطريق الأولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخذتها‏)‏ الآخذ هو صخر المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في العبد‏)‏ الخ فيه دليل على أن من أسلم من عبيد الكفار قبل إسلامهم صار حرًا بمجرد إسلامه لما تقدم في الباب الأول أن العبيد الذين يفرون من دار الحرب إلى دار الإسلام عتقاء اللّه ومن أسلم بعد إسلام سيده كان مملوكًا لسيده لأن إسلام السيد قد أحرز ماله ودمه والعبد من جملة أمواله‏.‏

ـ والحديث ـ المذكور وإن كان مرسلًا إلا أنه يدل على معناه الحديث المتفق عليه الذي أشار إليه المصنف لقوله فيه ‏(‏فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم‏)‏ فلو حكم بحرية عبد الرجل المسلم إذا أسلم لكان بعض ماله خارجًا عن العصمة وهكذا يدل على هذا المعنى حديث صخر المذكور وأحاديث الباب الأول تدل على ما دل عليه حديث أبي سعيد المذكور من أن عبد الحربي إذا أسلم صار حرًا بإسلامه فقد دل على جميع ما اشتمل عليه من التفصيل غيره من الأحاديث فلا يضر إرساله‏.‏

 باب حكم الأرضين المغنومة

1- عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ أيما قرية أتيتموها فأقمتم فيها فسهمكم فيها وأيما قرية عصت اللّه ورسوله فإن خمسها للّه ورسوله ثم هي لكم‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

2- وعن أسلم مولى عمر قال‏:‏ ‏(‏قال عمر‏:‏ أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك آخر الناس بيانًا ليس لهم من شيء ما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خيبر ولكن أتركها خزانة لهم يقتسمونها‏)‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏

3- وفي لفظ‏:‏ ‏(‏قال لئن عشت إلى هذا العام المقبل لا تفتح للناس قرية إلا قسمتها بينهم كما قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خيبر‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

4- وعن بشير بن يسار‏:‏ ‏(‏عن رجال من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أدركهم يذكرون أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حين ظهر على خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهمًا جمع كل سهم مائة سهم فجعل نصف ذلك كله للمسلمين فكان في ذلك النصف سهام المسلمين وسهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم معها وجعل النصف الآخر لمن ينزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

5- وعن بشير بن يسار‏:‏ ‏(‏عن سهل بن أبي حثمة قال‏:‏ قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خيبر نصفين نصفًا لنوائبه وحوائجه ونصفًا بين المسلمين قسمها على ثمانية عشر سهمًا‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

6- وعن سعيد بن المسيب‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم افتتح بعض خيبر عنوة‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

7- وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت الشام مديها ودينارها ومنعت مصر أردبها ودينارها وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

حديث بشير بن يسار سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه أيضًا أبو داود عنه من طريق أخرى أنه سمع نفرًا من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قالوا فذكر هذا الحديث قال فكان النصف سهام المسلمين وسهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وعزل النصف للمسلمين لما ينوبه من الأمور والنوائب وأخرجه أبو داود أيضًا من طريق ثالثة عنه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بلا واسطة بأطول من اللفظين المذكورين سابقًا وهو مرسل فإنه لم يدرك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا أدرك فتح خيبر‏.‏

وحديث بشير أيضًا الذي رواه من طريق سهل سكت عنه أبو داود والمنذري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أيما قرية‏)‏ الخ فيه التصريح بأن الأرض المغنومة تكون للغانمين قال الخطابي‏:‏ فيه دليل على أن أرض العنوة حكمها حكم سائر الأموال التي تغنم وأن خمسها لأهل الخمس وأربعة أخماسها للغانمين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ببانًا‏)‏ بموحدتين مفتوحتين الثانية ثقيلة وبعد الألف نون كذا للأكثر قال أبو عبيد بعد أن أخرجه عن ابن مهدي قال ابن مهدي يعني شيئًا واحدًا قال الخطابي‏:‏ ولا أحسب هذه اللفظة عربية ولم أسمعها في غير هذا الحديث‏.‏

وقال الأزهري‏:‏ بل هي لغة صحيحة لكنها غير فاشية هي لغة معد وقد صححها صاحب العين وقال ضوعفت حروفه يقال هم على ببان واحد وقال الطبري‏:‏ الببان المعدم الذي لا شيء له فالمعنى لولا أني أتركهم فقراء معدمين لا شيء لهم أي متساوين في الفقر وقال أبو سعيد الضرير فيما تعقبه على أبي عبيد صوابه بيانًا بالموحدة ثم تحتانية بدل الموحدة الثانية أي شيئًا واحدًا فإنهم قالوا لمن لا يعرف هو هيان بن بيان اهـ‏.‏

وقد وقع من عمر ذكر هذه الكلمة في قصة أخرى وهو أنه كان يفضل في القسمة فقال لئن عشت لأجعلن للناس ببانًا واحدًا ذكره الجوهري وهو مما يؤيد تفسيره بالتسوية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقتسمونها‏)‏ أي يقتسمون خراجها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كما قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خيبر‏)‏ فيه تصريح بما وقع منه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلا أنه عارض ذلك عنده حسن النظر لآخر المسلمين فيما يتعلق بالأرض خاصة فوقفها على المسلمين وفرض عليها الخراج الذي يجمع مصلحتهم‏.‏

وروى أبو عبيد في كتاب الأموال من طريق أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر أنه أراد أن يقسم السواد فشاور في ذلك فقال لعلي رضي اللّه عنه دعه يكون مادة للمسلمين فتركه وأخرج أيضًا من طريق عبد اللّه بن أبي قيس أن عمر أراد قسمة الأرض فقال له معاذ إن قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم يبيدون فيصير إلى الرجل الواحد أو المرأة ويأتي قوم يسدون من الإسلام مسدًا ولا يجدون شيئًا فانظر أمرًا يسع أولهم وآخرهم فاقتضى رأي عمر تأخير قسم الأرض وضرب الخراج عليها للغانمين ولمن يجيء بعدهم وقد اختلف في الأرض التي يفتتحها المسلمون عنوة‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ ذهب الشافعي إلى أن عمر استطاب أنفس الغانمين الذين افتتحوا أرض السواد وإن الحكم في أرض العنوة أن تقسم كما قسم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم خيبر وتعقب بأنه مخالف لتعليل عمر بقوله لولا أن أترك آخر الناس الخ لكن يمكن أن يقال معناه لولا أن أترك آخر الناس ما استطبت أنفس الغانمين وأما قول عمر كما قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خيبر فإنه يريد بعض خيبر لا جميعها كذا قال الطحاوي وأشار بذلك إلى ما في ذلك حديث بشير بن يسار المذكور في الباب أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عزل نصف خيبر لنوائبه وما بنزل به وقسم النصف الباقي بين المسلمين والمراد بالذي عزله ما افتتح صلحًا وبالذي قسمه ما افتتح عنوة وقد اختلف في الأرض الذي أبقاها عمر بغير قسمة فذهب الجمهور إلى أنه وقفها لنوائب المسلمين وأجرى فيها الخراج ومنع بيعها وقال بعض الكوفيين‏:‏ أبقاها ملكًا لمن كان بها من الكفرة وضرب عليهم الخراج قال في الفتح‏:‏ وقد اشتد نكير كثير من فقهاء أهل الحديث لهذه المقالة انتهى‏.‏

وقد ذهب مالك إلى أن الأرض المغنومة لا تقسم بل تكون وقفًا يقسم خراجها في مصالح المسلمين من أرزاق المقاتلة وبناء القناطر والمساجد وغير ذلك من سبل الخير إلا أن يرى الإمام في وقت من الأوقات أن المصلحة تقتضي القسمة فإن له أن يقسم الأرض وحكى هذا القول ابن القيم عن جمهور الصحابة ورجحه وقال إنه الذي كان عليه سيرة الخلفاء الراشدين قال ونازع في ذلك بلال وأصحابه وطلبوا أن يقسم بينهم الأرض التي فتحوها فقال عمر هذا غير المال ولكن أحسبه فيئًا يجري عليكم وعلى المسلمين فقال بلال وأصحابه اقسمها بيننا فقال عمر اللّهم اكفني بلالًا وذويه فما حال الحول ومنهم عين تطرف ثم وافق سائر الصحابة عمر قال ولا يصح أن يقال أنه استطاب نفوسهم ووقفها برضاهم فإنهم قد نازعوه فيها وهو بأبى عليهم ثم قال ووافق عمر جمهور الأئمة وإن اختلفوا في كيفية إبقائها بلا قسمة فظاهر مذهب أحمد وأكثر نصوصه على أن الإمام مخير فيها تخيير مصلحة لا تخيير شهوة فإن كان الأصلح للمسلمين قسمتها قسمها وإن كان الأصلح أن يقفها على جماعتهم وقفها وإن كان الأصلح قسمة البعض ووقف البعض فعله فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فعل الأقسام الثلاثة فإنه قسم أرض قريظة والنضير وترك قسمة مكة وقسم بعض خيبر وترك بعضها لما ينوبه من مصالح المسلمين وفي رواية لأحمد أن الأرض تصير وقفًا بنفس الظهور والاستيلاء من غير وقف من الإمام وله رواية ثالثة أن الإمام يقسمها بين الغانمين كما يقسم بينهم المنقول إلى أن يتركوا حقهم منها قال وهو مذهب الشافعي بناء من الشافعي على أن آية الأنفال وآية الحشر متواردتان وأن الجميع يسمى فيئًا وغنيمة ولكنه يرد عليه أن ظاهر سوق آية الحشر أن الفيء غير الغنيمة وأن له مصرفًا عامًا ولذلك قال عمر إنها عمت الناس بقوله ‏{‏والذين جاؤوا من بعدهم‏}‏ ولا يتأتى حصة لمن جاء من بعدهم إلا إذا بقيت الأرض محبسة للمسلمين إذ لو استحقها المباشرون للقتال وقسمت بينهم توارثها ورثة أولئك فكانت القرية والبلد تصير إلى امرأة واحدة أو صبي صغير وذهبت الحنفية إلى أن الإمام مخير بين القسمة بين الغانمين وأن يقرها لأربابها على خراج أو ينتزعها منهم ويقرها مع آخرين وعند الهادوية الإمام مخير بين وجوه أربعة معروفة في كتبهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏افتتح بعض خيبر عنوة‏)‏ العنوة بفتح العين المهملة وسكون النون القهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقفيزها‏)‏ القفيز مكيال ثمانية مكاكيك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومنعت العراق مديها‏)‏ المدي مائة مد واثنان وتسعون مدًا وهو صاع أهل العراق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومنعت مصر أردبها‏)‏ بالراء والدال المهملتين بعدهما موحدة قال في القاموس‏:‏ الأردب كقرشب مكيال ضخم بمصر ويضم أربعة وعشرون صاعًا انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعدتم من حيث بدأتم‏)‏ أي رجعتم إلى الكفر بعد الإسلام وهذا الحديث من أعلام النبوة لإخباره صلى اللّه عليه وآله وسلم بما سيكون من ملك المسلمين هذه الأقاليم ووضعهم الجزية والخراج ثم بطلان ذلك إما بتغلبهم وهو أصح التأويلين وفي البخاري ما يدل عليه‏.‏ ولفظ المنع في الحديث يرشد إلى ذلك وإما بإسلامهم ووجه استدلال المصنف بهذا الحديث على ما ترجم الباب به من حكم الأرضين المغنومة أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد علم أن الصحابة يضعون الخراج على الأرض ولم يرشدهم إلى خلاف ذلك بل قرره وحكاه لهم‏.‏

 باب ما جاء في فتح مكة هل هو عنوة أو صلح

1- عن أبي هريرة أنه ذكر فتح مكة فقال‏:‏ ‏(‏أقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فدخل مكة فبعث الزبير على إحدى المجنبتين وبعث خالدًا على المجنبة الأخرى وبعث أبا عبيدة على الحسر فأخذوا بطن الوادي ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في كتيبته قال وقد وبشت قريش أوباشها وقالوا نقدم هؤلاء فإن كان لهم شيء لنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سألنا قال أبو هريرة ففطن فقال لي يا أبا هريرة قلت لبيك يا رسول اللّه قال اهتف لي بالأنصار ولا يأتيني إلا أنصاري فهتف بهم فجاؤوا فطافوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى احصدوهم حصدًا حتى توافوني بالصفا قال أبو هريرة فانطلقنا فما يشاء أحد منا أن يقتل منهم ما شاء إلا قتله وما أحد منهم يوجه إلينا شيئًا فجاء أبو سفيان فقال يا رسول اللّه أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن فأغلق الناس أبوابهم فأقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت وفي يده قوس وهو آخذ بسية القوس فأتى في طوافه على صنم إلى جنب البيت يعبدونه فجعل يطعن به في عينه ويقول جاء الحق وزهق الباطل ثم أتى الصفا فعلا حيث ينظر إلى البيت فرفع يده فجعل يذكر اللّه بما شاء أن يذكره ويدعوه والأنصار تحته قال يقول بعضهم لبعض أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته قال أبو هريرة وجاء الوحي وكان إذا جاء لم يخف علينا فليس أحد من الناس يرفع طرفه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى يقضي فلما قضي الوحي رفع رأسه ثم قال يا معشر الأنصار أقلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته قالوا قلنا ذلك يا رسول اللّه قال فما اسمي إذن كلا إني عبد اللّه ورسوله هاجرت إلى اللّه وإليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم فأقبلوا إليه يبكون ويقولون واللّه ما قلنا الذي قلنا إلا الضن برسول اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ فإن اللّه ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

2- وعن أم هانئ قالت‏:‏ ‏(‏ذهبت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب فسلمت عليه فقال من هذه فقلت أنا أم هانئ بنت أبي طالب فقال مرحبا يا أم هانئ فلما فرغ من غسله قام يصلي ثمان ركعات ملتحفًا في ثوب واحد فلما انصرف قلت يا رسول اللّه زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلًا قد أجرته فلان بن هبيرة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ قالت وذلك ضحى‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

وفي لفظ لأحمد‏:‏ ‏(‏قالت لما كان يوم فتح مكة أجرت رجلين من أحمائي فأدخلتهمابيتًا وأغلقت عليهما بابًا فجاء ابن أمي علي فتفلت عليهما بالسيف‏)‏ وذكرت حديث أمانهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على إحدى المجنبتين‏)‏ بضم الميم وفتح الجيم وكسر النون المشددة قال في القاموس‏:‏ والمجنبة بفتح النون المقدمة والمجنبتان بالكسر الميمنة والميسرة انتهى‏.‏ فالمراد هنا أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم بعث الزبير إما على الميسرة أو على الميمنة وخالدًا على الأخرى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على الحسر‏)‏ بضم الحاء المهملة وتشديد السين المهملة ثم راء جمع حاسر وهو من لا سلاح معه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في كتيبته‏)‏ هي الجيش‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبشت قريش أوباشها‏)‏ الأوباش بموحدة ومعجمة الأخلاط والسفلة كما في القاموس والمراد أن قريشًا جمعت السفلة منها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اهتف لي بالأنصار‏)‏ أي اصرخ بهم قال في القاموس‏:‏ هتفت الحمامة تهتف صاتت وبه هتافا بالضم صاح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى‏)‏ فيه استعارة القول للفعل والمراد أنه أشار بيديه إشارة تدل على الأمر منه صلى اللّه عليه وآله وسلم بقتل من يعرض لهم من أوباش قريش‏.‏ وقوله ‏(‏احصدوهم حصدًا‏)‏ تفسير منه صلى اللّه عليه وآله وسلم لما دلت عليه الإشارة بالقول هكذا وقع عند المصنف فيما رأيناه من النسخ بدون لفظ أي المشعرة بأن ما بعدها تفسير للإشارة من الراوي ولفظ مسلم أي احصدوهم حصدًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبيدت خضراء قريش‏)‏ في رواية‏:‏ ‏(‏أبيحت‏)‏ وخضراء قريش بالخاء والضاد المعجمتين بعدهما راء قال في القاموس‏:‏ والخضراء سواد القوم ومعظمهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا قريش بعد اليوم‏)‏ يجوز في قريش الفتح لكنه يحتاج إلى تأويل أي لا أحد من قريش لأنه لا يفتح بعد لا إلا النكرة والرفع أيضًا على أنها بمعنى ليس وهو شاذ حتى قيل أنه لم يرد إلا في الشعر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بسية قوسه‏)‏ سية القوس ما انعطف من الطرفين لأنهما مستويان وهي بكسر السين المهملة وفتح الياء التحتية مخففة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على صنم إلى جنب البيت‏)‏ في رواية البخاري أن الأصنام كانت ثلاثمائة وستين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يطعن‏)‏ بضم العين وبفتحها والأول أشهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويقول جاء الحق‏)‏ زاد في حديث ابن عمر عند الفاكهي وصححه ابن حبان فيسقط الصنم ولا يمسه وللفاكهي والطبراني من حديث ابن عباس فلم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه مع أنها كانت ثابتة في الأرض وقد شد لهم إبليس أقدامها بالرصاص وإنما فعل ذلك صلى اللّه عليه وآله وسلم لها إذلالًا لها ولعابديها وإظهارًا لعدم نفعها لأنها إذا عجزت أن تدفع عن نفسها فهي عن الدفع عن غيرها أعجز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الضن‏)‏ بكسر الضاد المعجمة مشددة بعدها نون أي الشح والبخل أن يشاركهم أحد في رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يصدقانكم ويعذرانكم‏)‏ فيه جواز الجمع بين ضمير اللّه ورسوله وكذلك وقع الجمع بينهما في حديث النهي عن لحوم الحمر الأهلية بلفظ‏:‏ ‏(‏إن اللّه ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية‏)‏ فلا بد من حمل النهي الواقع في حديث الخطيب الذي خطب بحضرته صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ ‏(‏من يطع اللّه ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى‏)‏ الحديث وقد تقدم على من اعتقد التسوية كما قدمنا ذلك في موضعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن أم هانئ‏)‏ قد تقدم الكلام على أطراف من هذا الحديث في صلاة الضحى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏زعم ابن أمي‏)‏ في رواية للبخاري في أول كتاب الصلاة زعم ابن أبي والكل صحيح فإنه شقيقها وزعم هنا بمعنى ادعى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه قاتل رجلًا‏)‏ فيه إطلاق اسم الفاعل على من عزم على التلبس بالفعل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلان بن هبيرة‏)‏ بالنصب على البدل أو الرفع على الحذف‏.‏ وفي رواية أحمد المذكورة رجلين من أحمائي وقد أخرجها الطبراني قال أبو العباس بن سريج هما جعدة بن هبيرة ورجل آخر من بني مخزوم وكانا فيمن قاتل خالد بن الوليد ولم يقبلا الأمان فأجارتهما أم هانئ وكانا من أحمائها وقال ابن الجوزي‏:‏ إن كان ابن هبيرة منهما فهو جعدة انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وجعدة معدود فيمن له رواية ولم يصح له صحبة وقد ذكره من حيث الرواية في التابعين البخاري وابن حبان وغيرهما فكيف يتهيأ لمن هذه سبيله في صغر السن أن يكون عام الفتح مقاتلًا يحتاج إلى الأمان انتهى‏.‏ وهبيرة المذكور هو زوج أم هانئ فلو كان الذي أمنته أم هانئ هو ابنها منه لم يهم علي بقتله لأنها كانت قد أسلمت وهرب زوجها وترك ولدها عندها وجوز ابن عبد البر أن يكون ابنًا لهبيرة من غيرها مع نقله عن أهل النسب أنهم لم يذكروا لهبيرة ولدًا من غير أم هانئ‏.‏ وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن اللذين أجارتهما أم هانئ هما الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية المخزوميان وروى الأزرقي بسند فيه الواقدي في حديث أم هانئ هذا أنهما الحارث بن هشام وعبد اللّه بن أبي ربيعة وحكى بعضهم أنهما الحارث بن هشام وهبيرة بن أبي وهب وليس بشيء لأن هبيرة هرب بعد فتح مكة إلى نجران فلم يزل بها مشركًا حتى مات كذا جزم به ابن إسحاق وغيره فلا يصح ذكره فيمن أجارته أم هانئ وقال الكرماني قال الزبير بن بكار فلان بن هبيرة هو الحارث بن هشام وقد تصرف في كلام الزبير والواقع عند الزبير في هذه القصة موضع فلان ابن هبيرة الحارث بن هشام‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والذي يظهر لي أن في رواية الحديث حرفًا كان فيه فلان ابن عم ابن هبيرة فسقط لفظ عم أو كان فيه فلان قريب ابن هبيرة فتغير لفظ قريب إلى لفظ ابن وكل من الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية وعبد اللّه بن أبي ربيعة يصح وصفه بأنه ابن عم هبيرة وقريبه لكون الجميع من بني مخزوم‏.‏

وقد تمسك بحديث أبي هريرة وحديث أم هانئ من قال أن مكة فتحت عنوة ومحل الحجة من الأول أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم للأنصار بالقتل لأوباش قريش ووقوع القتل منهم ومحل الحجة من الثاني ما وقع من علي من إرادة قتل من أجارته أم هانئ ولو كانت مكة مفتوحة صلحًا لم يقع منه ذلك وسيأتي ذكر الخلاف وما هو الحق في ذلك‏.‏

3- وعن هشام بن عروة عن أبيه قال‏:‏ ‏(‏لما سار رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عام الفتح فبلغ ذلك قريشًا خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم ابن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى أتوا مر الظهران فرآهم ناس من حرس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخذوهم وأتوا بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأسلم أبو سفيان فلما سار قال للعباس‏:‏ احبس أبا سفيان عند خطم الجبل حتى ينظر إلى المسلمين فحبسه العباس فجعلت القبائل تمر كتيبة بعد كتيبة على أبي سفيان حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها قال‏:‏ يا عباس من هذه قال‏:‏ هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة ومعه الراية فقال سعد بن عبادة‏:‏ يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة فقال أبو سفيان‏:‏ يا عباس حبذا يوم الذمار ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب فيهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وراية النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مع الزبير بن العوام فلما مر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على أبي سفيان قال‏:‏ ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة قال‏:‏ ما قال قال‏:‏ قال كذا وكذا فقال‏:‏ كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم اللّه فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة وأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن تركز رايته بالحجون قال عروة‏:‏ فأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال‏:‏ سمعت العباس يقول للزبير بن العوام‏:‏ يا أبا عبد اللّه ههنا أمرك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن تركز الراية قال‏:‏ نعم قال‏:‏ وأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء ودخل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من كدى‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن هشام بن عروة عن أبيه قال لما سار‏)‏ الخ هكذا أورده البخاري مرسلًا قال في الفتح‏:‏ ولم أره في شيء من الطرق موصولًا عن عروة ولكن آخر الحديث موصول لقول عروة فيه فأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال سمعت العباس الخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبلغ ذلك قريشًا‏)‏ يحتمل أن يكون ذلك بطريق الظن لا أن مبلغًا بلغهم حقيقة ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى أتوا مر الظهران‏)‏ بفتح الميم وتشديد الراء مكان معروف والعامة تقوله بسكون الراء وزيادة واو والظهران بفتح المعجمة وسكون الهاء بلفظ تثنية ظهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرآهم ناس من حرس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخذوهم‏)‏ الخ في رواية ابن إسحاق فلما نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مر الظهران قال العباس واللّه لئن دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش قال فجلست على بغلة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى جئت الأراك فقلت لعلي أجد بعض الحطابة أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم إذ سمعت كلام أبا سفيان وبديل بن ورقاء قال فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة قال فعرف صوتي فقال أبو الفضل قلت نعم قال ما الحيلة قلت فأركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأستأمنه لك قال فركب خلفه ورجع صاحباه وهذا مخالف لما في حديث الباب أنهم أخذوهم‏.‏

وفي رواية ابن عائذ‏:‏ فدخل بديل وحكيم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأسلما‏.‏

قال في الفتح‏:‏ فيحمل قوله ورجع صاحباه أي بعد أن أسلما واستمر أبو سفيان عند العباس لأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم له أن يحبسه حتى يرى العساكر ويحتمل أن يكونا رجعا لما التقى العباس بأبي سفيان فأخذهما العسكر أيضًا وفي مغازي موسى بن عقبة فلقيهم العباس فأجارهم وأدخلهم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأسلم بديل وحكيم وتأخر أبو سفيان بإسلامه إلى الصبح ويجمع بين الروايات أن الحرس أخذوهم فلما رأوا أبا سفيان مع العباس تركوه معه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏احبس أبا سفيان‏)‏ في رواية موسى بن عقبة أن العباس قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إني لا آمن أن يرجع أبو سفيان فيكفر فاحبسه حتى يرى جنود اللّه ففعل فقال أبو سفيان أغدرًا يا بني هاشم قال له العباس لا ولكن لي إليك حاجة فتصبح فتنظر جنود اللّه وما أعد اللّه للمشركين فحبسه بالمضيق دون الأراك حتى أصبحوا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عند خطم الجبل‏)‏ في رواية النسفي والقابسي بفتح الخاء المعجمة وسكون المهملة وبالجيم والموحدة أي أنف الجبل وهي رواية ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي وفي رواية الأكثر بفتح المهملة من اللفظة الأولى وبالخاء المعجمة وسكون التحتانية من الثانية أي ازدحامها وإنما حبسه هناك لكونه كان مضيقًا ليرى الجميع ولا تفوته رؤية أحد منهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كتيبة‏)‏ بوزن عظيمة وهي القطعة من الجيش من الكتب وهو الجمع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومعه الراية‏)‏ أي راية الأنصار وكانت راية المهاجرين مع الزبير كما هو مذكور في آخر الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم الملحمة‏)‏ بالحاء المهملة أي يوم حرب لا يوجد منه مخلص أو يوم القتل يقال لحم فلان فلانًا إذا قتله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم الذمار‏)‏ بكسر المعجمة وتخفيف الميم أي الهلاك قال الخطابي‏:‏ تمنى أبو سفيان أن يكون له يد فيحمي قومه ويدفع عنهم وقيل المراد هذا يوم الغضب للحريم والأهل وقيل المراد هذا يوم يلزمك فيه حفظي وحمايتي من أن ينالني فيه مكروه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهي أقل الكتائب‏)‏ أي أقلها عددًا لأن عدد المهاجرين كان أقل من عدد غيرهم من القبائل‏.‏ وقال القاضي عياض‏:‏ وقع للجميع بالقاف ووقع في الجمع للحميدي أجل بالجيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كذب سعد‏)‏ فيه إطلاق الكذب على الأخبار بغير ما سيقع ولو قاله القائل بناء على ظنه وقوة القرينة والخلاف في ماهية الكذب معروف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يعظم اللّه فيه الكعبة‏)‏ وهذا إشارة إلى ما وقع من إظهار الإسلام وأذان بلال على ظهر الكعبة وإزالة الأصنام عنها ومحو ما فيها من الصور وغير ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويوم تكسى فيه الكعبة‏)‏ قيل إن قريشًا كانت تكسوا الكعبة في رمضان فصادف ذلك اليوم أو المراد باليوم الزمان أو أشار صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى أنه هو الذي يكسوها في ذلك العام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالحجون‏)‏ بفتح المهملة وضم الجيم الخفيفة وهو مكان معروف بالقرب من مقبرة مكة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخبرني نافع بن جبير‏)‏ لم يدرك نافع يوم الفتح ولعله سمع العباس يقول للزبير ذلك في حجة اجتمعوا فيها بعد أيام النبوة فإن نافعًا لا صحبة له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال وأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ الخ القائل هو عروة وهو من بقية الخبر المرسل وليس فيه من المرفوع إلا ما صرح بسماعه من نافع وأما باقيه فيحتمل أن يكون عروة تلقاه عن أبيه أو عن العباس فإنه أدركه وهو صغير أو جمعه من نقل جماعة له بأسانيد مختلفة قال الحافظ‏:‏ وهو الراجح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من كداء‏)‏ بالمد مع فتح الكاف والآخر بضم الكاف والقصر والأول يسمى المعلى والثاني الثنية السفلى وهذا يخالف ما وقع في سائر الأحاديث في البخاري وغيره أن خالدًا دخل من أسفل مكة والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من أعلاها وأمر الزبير أن يغرز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه وبعث خالدًا في قبائل قضاعة وسليم وغيرهم وأمره أن يدخل من أسفل مكة وأن يغرز رايته عند أدنى البيوت وتمام الحديث المذكور في الباب فقتل من خيل خالد يومئذ رجلان كما في صحيح البخاري وكان على المصنف أن يذكر ذلك لأنه يدل على ما ترجم الباب به وفي مغازي موسى بن عقبة أنه قتل من المشركين يومئذ نحو عشرين رجلًا قتلهم أصحاب خالد وذكر ابن سعد أن عدة من أصيب من الكفار أربعة وعشرون رجلًا‏.‏

وروى الطبراني من حديث ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ إن اللّه حرم مكة‏)‏ الحديث‏.‏ ‏(‏فقيل له هذا خالد بن الوليد يقتل فقال قم يا فلان فقل له فليرفع القتل فأتاه الرجل فقال له إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول لك اقتل من قدرت عليه فقتل سبعين ثم اعتذر الرجل إليه فسكت‏)‏ قال وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمر الأمراء أن لا يقتلوا إلا من قاتلهم غير أنه كان أهدر دم نفر سماهم انتهى‏.‏

4- وعن سعد قال‏:‏ ‏(‏لما كان يوم فتح مكة أمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وسماهم‏)‏‏.‏

رواه النسائي وأبو داود‏.‏

5- وعن أبي بن كعب قال‏:‏ ‏(‏لما كان يوم أحد قتل من الأنصار ستون رجلًا ومن المهاجرين ستة فقال أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لئن كان لنا يوم مثل هذا من المشركين لنربين عليهم فلما كان يوم الفتح قال رجل لا يعرف لا قريش بعد اليوم فنادى منادي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمن الأسود والأبيض إلا فلانًا وفلانًا ناس سماهم فأنزل اللّه عز وجل ‏{‏وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين‏}‏ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ نصبر ولا نعاقب‏)‏‏.‏

رواه عبد اللّه بن أحمد في المسند وقد سبق حديث أبي هريرة وأبي شريح إلا أن فيهما‏:‏ ‏(‏وإنما أحلت لي ساعة من نهار‏)‏ وأكثر هذه الأحاديث تدل على أن الفتح عنوة‏.‏

6- وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏قلنا يا رسول اللّه ألا تبني بيتًا بمنى يظلك قال‏:‏ لا منى مناخ لمن سبق‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا النسائي‏.‏ وقال الترمذي حديث حسن‏.‏

7- وعن علقمة بن نضلة قال‏:‏ ‏(‏توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب من احتاج سكن ومن استغنى أسكن‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

حديث سعد أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وتمامه اقتلوهم وإن وجدتموهم معلقين بأستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبد اللّه بن خطل من بني غنم ومقيس بن صبابة وعبد اللّه بن سعد بن أبي السرح فأما عبد اللّه بن خطل فأدرك وهو معلق بأستار الكعبة فاستبق سعيد بن الحارث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارًا وكان أشب الرجلين فقتله الحديث بطوله من طريق عمر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد المخزومي عن جده عن أبيه وفيه فأما ابن خطل فقتله الزبير بن العوام وجزم أبو نعيم في المعرفة بأن الذي قتله هو أبو برزة وذكر ابن هشام أن عبد اللّه بن خطل قتله سعيد بن حريث وأبو برزة الأسلمي اشتركا في دمه وذكر ابن حبيب أنه أمر بقتل هند بنت عتبة وقريبة بالقاف والموحدة وسارة فقتلتا وأسلمت هند وذكر ابن إسحاق أن سارة أمنها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعد أن استؤمن لها ومنهم الحويرث بن نقيد بنون وقاف مصغرًا وهبار بن الأسود وفرتنا بالفاء المفتوحة والراء الساكنة والتاء المثناة الفوقية والنون وذكر أبو معشر فيمن أهدر دمه الحارث بن طلاطل الخزاعي وذكر الحاكم ممن أهدر دمه كعب بن زهير ووحشي بن حرب وأرنب مولاة ابن خطل وقد ذكر الحافظ في الفتح جملة من لم يؤمنهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بأسمائهم فكانوا ثمانية رجال وست نسوة منهم من أسلم ومنهم من قتل ومنهم من هرب‏.‏

وحديث أبي أخرجه أيضًا الترمذي وقال حسن غريب من حديث أبي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن خزيمة في الفوائد وابن حبان والطبراني وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الدلائل‏.‏

وحديث أبي هريرة وأبي شريح تقدما في باب هل يستوفى القصاص والحدود في الحرم أم لا من كتاب الدماء‏.‏

وحديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه عن أم مسيكية وذكر غيرهما أنها مكية‏.‏

وحديث علقمة بن نضلة رجال إسناده ثقات فإن ابن ماجه قال حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة قال حدثنا عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد بن أبي حسين عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة بن نضلة فذكره وعمر بن سعيد وعثمان بن أبي سليمان ثقتان وأما أبو بكر وعيسى فمن رجال الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لنربين‏)‏ أي لنزيدن عليهم وفي حديث سعد وحديث أبي بن كعب دليل على أن مكة فتحت صلحًا وقد اختلف أهل العلم في ذلك فذهب الأكثر إلى أنها فتحت عنوة وعن الشافعي ورواية عن أحمد أنها فتحت صلحًا لما ذكر في حديث الباب من التأمين ولأنها لم تقسم ولأن الغانمين لم يملكوا دورها وإلا لجاز إخراج أهل الدور منها وحجة الأولين ما وقع من التصريح بالأمر بالقتال ووقوعه من خالد بن الوليد وتصريحه صلى اللّه عليه وآله وسلم بأنها أحلت له ساعة من نهار ونهيه عن التأسي به في ذلك كما وقع جميع ذلك في الأحاديث المذكورة في الباب تصريحًا وإشارة وأجابوا عن ترك القسمة بأنها لا تستلزم عدم العنوة فقد تفتح البلد عنوة ويمن على أهلها وتترك لهم دورهم وغنائمهم ولأن قسمة الأرض المغنومة ليست متفقًا عليها بل الخلاف ثابت عن الصحابة فمن بعدهم وقد فتحت أكثر البلاد عنوة فلم تقسم وذلك في زمن عمر وعثمان مع وجود أكثر الصحابة وقد زادت مكة عن ذلك بأمر يمكن يدعى اختصاصها به دون بقية البلاد وهي أنها دار النسك ومتعبد الخلق وقد جعلها اللّه تعالى حرمًا سواء العاكف فيه والباد وأما قول النووي احتج الشافعي بالأحاديث المشهورة بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم صالحهم بمر الظهران قبل دخول مكة ففيه نظر لأن الذي أشار إليه إن كان مراده ما وقع من قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن كما تقدم وكذا من دخل المسجد كما عند ابن إسحاق فإن ذلك لا يسمى صلحًا إلا إذا التزم من أشير إليه بذلك الكف عن القتال والذي ورد في الأحاديث الصحيحة ظاهر في أن قريشًا لم يلتزموا ذلك لأنهم استعدوا للحرب كما تقدم في حديث أبي هريرة أن قريشًا وبشت أوباشًا فإن كان مراده بالصلح وقوع عقده فهذا لم ينقل كما قال الحافظ قال ولا أظنه عنى إلا الاحتمال الأول أعني قوله من دخل دار أبي سفيان فهو آمن‏.‏

وتمسك أيضًا من قال إنه أمنهم بما وقع عند ابن إسحاق في سياق قصة الفتح فقال العباس لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة يخبرهم بما كان من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة ثم قال في القصة بعد قصة أبي سفيان من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد وعند موسى بن عقبة في المغازي وهي أصح ما صنف في ذلك كما قال الحافظ وروي ذلك عن الجماعة ما نصه أن أبا سفيان وحكيم بن حزام قالا يا رسول اللّه كنت حقيقًا أن تجعل عدتك وكيدك لهوازن فإنهم أبعد رحمًا وأشد عداوة فقال إني لأرجو أن يجمعهما اللّه لي في فتح مكة وإعزاز الإسلام بها وهزيمة هوازن وغنيمة أموالهم فقال أبو سفيان وحكيم بن حزام فادع الناس بالأمان أرأيت إن اعتزلت قريش وكفت أيديها آمنون هم قال من كف يده وأغلق داره فهو آمن قالوا فابعثنا نؤذن بذلك فيهم قال فانطلقوا فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل دار حكيم فهو آمن ودار أبي سفيان بأعلى مكة ودار حكيم بأسفلها فلما توجها قال العباس يا رسول اللّه إني لا آمن أبا سفيان أن يرتد فرده حتى تريه جنود اللّه قال افعل فذكر القصة وفي ذلك تصريح بعموم التأمين فكان هذا أمانًا منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة ثم قال الشافعي كانت مكة مؤمنة ولم يكن فتحها عنوة والأمان كالصلح وأما الذين تعرضوا للقتال والذين استثنوا من الأمان وأمر أن يقتلوا ولو تعلقوا بأستار الكعبة فلا يستلزم ذلك أنها فتحت عنوة ويمكن الجمع بين حديث أبي هريرة في أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم بالقتال وبين حديث عروة المتقدم المصرح بتأمينه صلى اللّه عليه وآله وسلم لهم وكذلك حديث سعد وحديث أبي بن كعب المذكوران بأن يكون التأمين علق على شرط وهو ترك قريش المجاهرة بالقتال فلما تفرقوا إلى دورهم ورضوا بالتأمين المذكور لم يستلزم أن أوباشهم الذين لم يقبلوا ذلك وقاتلوا خالد بن الوليد ومن معه حتى قاتلهم وهزمهم أن تكون البلد فتحت عنوة لأن العبرة بالأصول لا بالإتباع وبالأكثر لا بالأقل كذا قال الحافظ في الفتح ويجاب عنه بما تقدم في أول الباب من حديث أبي هريرة أن قريشًا وبشت أوباشًا لها وقالوا نقدم هؤلاء الخ فإنه يدل على أن غير الأوباش لم يرضوا بالتأمين بل وقع التصريح في ذلك الحديث بأنهم قالوا فإن كان للأوباش شيء كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سألنا ومما احتج به الشافعي ما وقع في سنن أبي داود بإسناد حسن عن جابر أنه سئل هل غنمتم يوم الفتح شيئًا قال لا ويجاب بأن عدم الغنيمة لا يستلزم عدم العنوة لجواز أن يكون النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم منَّ عليهم بالأموال كما منَّ عليهم بالأنفس حيث قال اذهبوا فأنتم الطلقاء‏.‏

ومن أوضح الأدلة على أنها فتحت عنوة قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏وإنما أحلت لي ساعة من نهار‏)‏ فإن هذا تصريح بأنها أحلت له في ذلك يسفك بها الدماء وأن حرمتها ذهبت فيه وعادت بعده ولو كانت مفتوحة صلحًا لما كان لذلك معنى يعتد به وقد وقع في مسند أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن تلك الساعة استمرت من صبيحة يوم الفتح إلى العصر واحتجت طائفة منهم الماوردي إلى أن بعضها فتح عنوة لما وقع من قصة خالد بن الوليد المذكورة وقرر ذلك الحاكم في الإكليل وفيه جمع بين الأدلة‏.‏

قال الحافظ في الفتح‏:‏ والحق أن صورة فتحها كان عنوة ومعاملة أهلها معاملة من دخلت بأمان ومنع قوم منهم السهيلي ترتب عدم قسمتها وجواز بيع دورها وإجارتها على أنها فتحت صلحًا وذكر المصنف رحمه اللّه لحديث عائشة وحديث علقمة بن نضلة في أحاديث الباب يشعر بأنه من القائلين بالترتب ولا وجه لذلك لأن الإمام مخير بين قسمة الأرض المغنومة بين الغانمين وبين إبقائها وقفًا على المسلمين ويلزم من ذلك منع بيع دورها وإجارتها وأيضًا قد قال بعضهم لا تدخل الأرض في حكم الأموال لأن من مضى كانوا إن غلبوا على الكفار لم يغنموا إلا الأموال وتنزل النار فتأكلها وتصير الأرض لهم عمومًا كما قال تعالى ‏{‏ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب اللّه لكم‏}‏ الآية وقال تعالى ‏{‏وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها‏}‏ الآية‏.‏