فصل: باب غسل العيدين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب غسل العيدين

1- عن الفاكه بن سعد وكان له صحبة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يغتسل يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم الفطر ويوم النحر وكان الفاكه بن سعد يأمر أهله بالغسل في هذه الأيام‏)‏‏.‏

رواه عبد اللَّه بن أحمد في المسند وابن ماجه ولم يذكر الجمعة‏.‏

الحديث رواه البزار والبغوي وابن قانع‏.‏ ورواه ابن ماجه من حديث ابن عباس‏.‏ قال الحافظ‏.‏ وإسنادهما ضعيفان‏.‏ رواه البزار من حديث أبي رافع وإسناده ضعيف أيضًا‏.‏ وفي رجال إسناد حديث الباب يوسف بن خالد السمتي وهو متروك بالمرة وكذبه ابن معين وأبو حاتم‏.‏ وفي إسناد حديث ابن عباس ضعيفان وهما جبارة بن المغلس وحجاج بن تميم‏.‏

وفي الباب من الموقوف عن علي عند الشافعي وابن عمر عند مالك في الموطأ والبيهقي‏.‏

وروي عن عروة بن الزبير ‏(‏أنه اغتسل يوم عيد وقال‏:‏ إنه السنة‏)‏ وقال البزار‏:‏ لا أحفظ في الاغتسال للعيد حديثًا صحيحًا‏.‏ وقال في البدر المنير‏:‏ أحاديث غسل العيدين ضعيفة وفيه آثار عن الصحابة جيدة‏.‏

والحديث استدل به على أن غسل العيد مسنون وليس في الباب ما ينتهض لإثبات حكم شرعي‏.‏ وأما اشتراط أن يصلي به صلاة العيد فلا أدري ما الدليل على ذلك وقد ثبت في كتب أئمتنا كمجموع زيد بن علي وأصول الأحكام والشفاء عن علي عليه السلام قال‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم نغتسل يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم العيد وقال‏:‏ ليس ذلك بواجب‏)‏ فإن صح إسناده صلح لإثبات هذه السنة‏.‏

 باب الغسل من غسل الميت

1- عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من غسل ميتًا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ‏)‏‏.‏

رواه الخمسة ولم يذكر ابن ماجه الوضوء‏.‏ وقال أبو داود‏:‏ هذا منسوخ‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ معناه من أراد حمله ومتابعته فليتوضأ من أجل الصلاة عليه‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه البيهقي وفيه صالح مولى التوأمة وهو ضعيف‏.‏ ورواه البزار من ثلاث طرق عن أبي هريرة ورواه أيضًا ابن حبان قال البيهقي‏:‏ والصحيح أنه موقوف وقال البخاري‏:‏ الأشبه موقوف‏.‏ وقال علي بن المديني وأحمد بن حنبل‏:‏ لا يصح في الباب شيء‏.‏

وهكذا قال الذهبي فيما حكاه الحاكم في تاريخه ‏(‏ليس فيمن غسل ميتًا فليغتسل‏)‏ حديث صحيح‏.‏ وقال الذهلي‏:‏ لا أعلم فيه حديثًا ثابتًا ولو ثبت للزمنا استعماله‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ ليس في الباب حديث يثبت‏.‏ وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه‏:‏ لا يرفعه الثقات إنما هو موقوف‏.‏ وقال الرافعي‏:‏ لم يصحح علماء الحديث في هذا الباب شيئًا مرفوعًا‏.‏ قال الحافظ‏:‏ قد حسنه الترمذي وصححه ابن حبان ورواه الدارقطني بسند رواته موثقون‏.‏ وقد صحح الحديث أيضًا ابن حزم وقد روي من طريق سفيان عن سهيل عن أبيه عن إسحاق مولى زائدة عن أبي هريرة قال ابن حجر‏:‏ إسحاق مولى زائدة أخرج له مسلم فينبغي أن يصحح الحديث قال‏:‏ وأما رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فإسنادها حسن إلا أن الحفاظ من أصحاب محمد بن عمرو رووه عنه موقوفًا‏.‏

والحاصل أن الحديث كما قال الحافظ هو لكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسنًا فإنكار النووي على الترمذي تحسينه معترض‏.‏ قال الذهبي‏:‏ هو أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء‏.‏ وفي الباب عن علي عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن أبي شيبة وأبي يعلى والبزار والبيهقي وعن حذيفة قال ابن أبي حاتم والدارقطني‏:‏ لا يثبت ورواته ثقات كما قال الحافظ وأخرجه البيهقي وذكر الماوردي أن بعض أصحاب الحديث خرج لهذا الحديث مائة وعشرين طريقًا‏.‏

والحديث يدل على وجوب الغسل على من غسل الميت والوضوء على من حمله وقد اختلف الناس في ذلك فروي عن علي وأبي هريرة وأحد قولي الناصر والإمامية أن من غسل الميت وجب عليه الغسل لهذا الحديث ولحديث عائشة الآتي‏.‏

وذهب أكثر العترة ومالك وأصحاب الشافعي إلى أنه مستحب وحملوا الأمر على الندب لحديث ‏(‏إن ميتكم يموت طاهرًا فحسبكم أن تغسلوا أيديكم‏)‏ أخرجه البيهقي وحسنه ابن حجر ولحديث ‏(‏كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل‏)‏ أخرجه الخطيب من حديث عمر وصحح ابن حجر أيضًا إسناده ولحديث أسماء الآتي‏.‏

وقال الليث وأبو حنيفة وأصحابه‏:‏ لا يجب ولا يستحب لحديث ‏(‏لا غسل عليكم من غسل الميت‏)‏ رواه الدارقطني والحاكم مرفوعًا من حديث ابن عباس وصحح البيهقي وقفه وقال‏:‏ لا يصح رفعه‏.‏ وقال ابن عطاء ‏(‏لا تنجسوا موتاكم فإن المؤمن ليس بنجس حيًا ولا ميتًا‏)‏ إسناده صحيح قد روي مرفوعًا أخرجه الدارقطني وكذلك أخرجه الحاكم وورد أيضًا مرفوعًا من حديث ابن عباس ‏(‏لا تنجسوا موتاكم‏)‏ أي لا تقولوا هم نجس وقد تقدم حديث ‏(‏المؤمن لا ينجس‏)‏ وسيأتي حديث أسماء وهذا لا يقصر عن صرف الأمر عن معناه الحقيقي الذي هو الوجوب إلى معناه المجازي أعني الاستحباب فيكون القول بذلك هو الحق لما فيه من الجمع بين الأدلة بوجه مستحسن‏.‏

وأما قول بعضهم الجمع حاصل بغسل الأيدي فهو غير ظاهر لأن الأمر بالاغتسال لا يتم معناه الحقيقي إلا بغسل جميع البدن وما وقع من إطلاقه على الوضوء في بعض الأحاديث فمجاز لا ينبغي حمل المتنازع فيه عليه بل الواجب حمله على المعنى الحقيقي الذي هو الأعم الأغلب ولكنه يمكن تأييده بما سلف من حديث ‏(‏فحسبكم أن تغسلوا أيديكم‏)‏‏.‏

2- وعن مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن عبد اللَّه بن الزبير عن عائشة رضي اللَّه عنها عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏يغتسل من أربع من الجمعة والجنابة والحجامة وغسل الميت‏)‏‏.‏

رواه أحمد والدارقطني وأبو داود ولفظه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يغتسل‏)‏ وهذا الإسناد على شرط مسلم لكن قال الدارقطني‏:‏ مصعب بن شيبة ليس بالقوي ولا بالحافظ‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا البيهقي ومصعب المذكور ضعفه أبو زرعة وأحمد والبخاري وصحح الحديث ابن خزيمة وهو يدل على أن الغسل مشروع لهذه الأربع‏.‏ أما الجمعة فقد تقدم‏.‏ وأما الجنابة فظاهر‏.‏ وأما الحجامة فهو سنة عند الهادوية لهذا الحديث ولما روي عن علي عليه السلام أنه قال‏:‏ ‏(‏الغسل من الحجامة سنة وإن تطهرت أجزأك‏)‏ وأخرج الدارقطني ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم احتجم ولم يزد على غسل محاجمه‏)‏ وفيه صالح بن مقاتل وليس بالقوي‏.‏ وأما غسل الميت فقد تقدم قريبًا‏.‏

3- وعن عبد اللَّه بن أبي بكر وهو ابن عمرو بن حزم‏:‏ ‏(‏أن أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه غسلت أبا بكر حين توفي ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت‏:‏ إن هذا يوم شديد البرد وأنا صائمة فهل علي من غسل قالوا‏:‏ لا‏)‏‏.‏

رواه مالك في الموطأ عنه‏.‏

الحديث هو من رواية عبد اللَّه بن أبي بكر وأخرجه البيهقي من طريق الواقدي عن ابن أخي الزهري عن عروة عن عائشة ‏(‏أن أبا بكر أوصى أن تغسله أسماء بنت عميس فضعفت فاستعانت بعبد الرحمن‏)‏ قال البيهقي‏:‏ وله شواهد عن ابن أبي مليكة عن عطاء عن سعد بن إبراهيم وكلها مراسيل‏.‏

وهو من الأدلة الدالة على استحباب الغسل دون وجوبه وهو أيضًا من القرائن الصارفة عن الوجوب فإنه يبعد غاية البعد أن يجهل أهل ذلك الجمع الذين هم أعيان المهاجرين والأنصار واجبًا من الواجبات الشرعية ولعل الحاضرين منهم ذلك الموقف جلهم وأجلهم لأن موت مثل أبي بكر حادث لا يظن بأحد من الصحابة الموجودين في المدينة أن يتخلف عنه وهم في ذلك الوقت لم يتفرقوا كما تفرقوا من بعد‏.‏

 باب الغسل للإحرام وللوقوف بعرفة ودخول مكة

1- عن زيد بن ثابت‏:‏ ‏(‏أنه رأى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم تجرد لإهلاله واغتسل‏)‏‏.‏

رواه الترمذي‏.‏

الحديث أخرجه الدارقطني والبيهقي والطبراني من حديث زيد بن ثابت وحسنه الترمذي وضعفه العقيلي‏.‏ ولعل الضعف لأن في رجال إسناده عبد اللَّه بن يعقوب المدني قال ابن الملقن في شرح المنهاج جوابًا على من أنكر على الترمذي تحسين الحديث‏:‏ لعله إنما حسنه لأنه عرف عبد اللَّه بن يعقوب الذي في إسناده أي عرف حاله‏.‏

والحديث يدل على استحباب الغسل عند الإحرام وإلى ذلك ذهب الأكثر‏.‏ وقال الناصر‏:‏ إنه واجب‏.‏ وقال الحسن البصري ومالك‏:‏ محتمل‏.‏ وأخرج الحاكم والبيهقي من طريق يعقوب بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏اغتسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثم لبس ثيابه فلما أتى ذا الحليفة صلى ركعتين ثم قعد على بعيره فلما استوى على البيداء أحرم بالحج‏)‏ ويعقوب ضعيف قاله الحافظ‏.‏

2- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بخطمى وأشنان ودهنه بشيء من زيت غير كثير‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث قال في مجمع الزوائد‏:‏ أخرجه البزار والطبراني في الأوسط وإسناد البزار حسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بخطمى‏)‏ نبات قال في القاموس‏:‏ الخطمى ويفتح نبات محلل مفتح لين نافع لعسر البول وذكر له فوائد ومنافع ‏[‏ونص عبارة القاموس هكذا‏:‏ والخطمى ويفتح نبات محلل منضج ملين نافع لعسر البول والحصا والنسا وقرحة الأمعاء والارتعاش ونضج الجراحات وتسكين الوجع ومع الخل للبهق ووجع الأسنان مضمضة ونهش الهوام وحرق النار وخلط بزره بالماء أو سحق أصله يجمدانه ولعابه المستخرج بالماء الحار ينفع المرأة العقيم‏.‏ اهـ‏.‏ واللَّه أعلم‏]‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأشنان‏)‏ هو بالضم والكسر للهمزة قاله في القاموس وهو نبات‏.‏

والحديث يدل على استحباب تنظيف الرأس بالغسل ودهنه عند الإحرام وسيأتي الكلام على ذلك في الحج وليس فيه الغسل لجميع البدن الذي بوب المصنف له‏.‏

3- وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر بالشجرة فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل وتهل‏)‏‏.‏

رواه مسلم وابن ماجه وأبو داود‏.‏

الحديث أخرجه مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن أسماء ‏(‏أنها ولدت محمد ابن أبي بكر بالبيداء فذكر ذلك أبو بكر لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ مرها فلتغتسل ثم لتهل‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وهذا مرسل‏.‏

وقال الدارقطني بعد أن ساق حديث عائشة الذي ذكره المصنف في العلل‏:‏ الصحيح قول مالك ومن وافقه يعني مرسلًا‏.‏ وأخرجه النسائي من حديث القاسم بن محمد عن أبيه عن أبي بكر‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهو مرسل أيضًا لأن محمدًا لم يسمع من النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولا من أبيه‏.‏ نعم يمكن أن يكون سمع ذلك من أمه لكن قد قيل أن القاسم أيضًا لم يسمع من أمه وقد أخرجه مسلم من حديث جابر الطويل بلفظ‏:‏ ‏(‏فخرجنا حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر فأرسلت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كيف أصنع قال‏:‏ اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي‏)‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نفست‏)‏ بضم النون وكسر الفاء الولادة وأما بفتح النون فالحيض وليس بمراد هنا‏.‏

الحديث يدل على مشروعية الغسل لمن أراد الإهلال بالحج ولكنه يحتمل أن يكون لقذر النفاس فلا يصلح للاستدلال به على مشروعية مطلق الغسل‏.‏

4- وعن جعفر بن محمد عن أبيه‏:‏ ‏(‏أن عليًا كرم اللَّه وجهه كان يغتسل يوم العيدين ويوم الجمعة ويوم عرفة وإذا أراد أن يحرم‏)‏‏.‏

رواه الشافعي‏.‏

5- وعن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارًا ويذكر عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه فعله‏)‏‏.‏

أخرجه مسلم وللبخاري معناه ولمالك في الموطأ عن نافع أن عبد اللَّه بن عمر ‏(‏كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم ولدخول مكة ولوقوفه عشية عرفة‏)‏‏.‏

لفظ البخاري أنه كان يدخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية ثم يبيت بذي طوى ثم يصلي الصبح ويغتسل ويحدث‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك‏)‏ وأخرجه أيضًا أبو داود والنسائي‏.‏

الحديث يدل على استحباب الاغتسال لدخول مكة قال في الفتح‏:‏ قال ابن المنذر‏:‏ الاغتسال عند دخول مكة مستحب عند جميع العلماء وليس في تركه عندهم فدية‏.‏

وقال أكثرهم‏:‏ يجزئ عنه الوضوء‏.‏ وفي الموطأ أن ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من احتلام وظاهره أن غسله لدخول مكة كان لجسده دون رأسه‏.‏ وقالت الشافعية‏:‏ إن عجز عن الغسل تيمم‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ لم يذكر أصحابنا الغسل لدخول مكة وإنما ذكروه للطواف والغسل لدخول مكة هو في الحقيقة للطواف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بذي طوى‏)‏ بضم الطاء وفتحها ‏[‏هو موضع بباب مكة وبه بئر اسمه الطوى‏]‏‏.‏

 

باب غسل المستحاضة لكل صلاة

1- عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت‏:‏ ‏(‏استحيضت زينب بنت جحش فقال لها النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ اغتسلي لكل صلاة‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث فيه محمد بن إسحاق وقد حسن المنذري بعض طرقه‏.‏ وأخرجه ابن ماجه وفيه دلالة على وجوب الاغتسال عليها لكل صلاة وقد ذهب إلى ذلك الإمامية‏.‏ وروي عن ابن عمر وابن الزبير وعطاء بن أبي رباح هذا أيضًا عن علي عليه السلام وابن عباس‏.‏

وروي عن عائشة أنها قالت‏:‏ تغتسل كل يوم غسلًا واحدًا‏.‏ وعن ابن المسيب والحسن قالا‏:‏ تغتسل من صلاة الظهر إلى صلاة الظهر ذكر ذلك النووي‏.‏ وقد ذكر أبو داود حجج هذه الأقوال في سننه وجعلها أبوابًا‏.‏ وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب عليها الاغتسال لشيء من الصلوات ولا في وقت من الأوقات إلا مرة واحدة في وقت انقطاع حيضها‏.‏

قال النووي‏:‏ وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف وهو مروي عن علي عليه السلام وابن مسعود وابن عباس وعائشة وهو قول عروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن ومالك وأبي حنيفة وأحمد‏.‏ ودليل الجمهور أن الأصل عدم الوجوب فلا يجب إلا بورود الشرع بإيجابه‏.‏

قال النووي‏:‏ ولم يصح عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه أمرها بالغسل إلا مرة واحدة عند انقطاع حيضها وهو قوله‏:‏ صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي‏)‏ وليس في هذا ما يقتضي تكرار الغسل قال‏:‏ وأما الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمرها بالغسل فليس فيها شيء ثابت‏.‏

وقد بين البيهقي ومن قبله ضعفها وإنما صح في هذا ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما أن أم حبيبة بنت جحش ‏(‏استحيضت فقال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فاغتسلي ثم صلي فكانت تغتسل عند كل صلاة‏)‏ قال الشافعي رحمه اللَّه تعالى‏:‏ إنما أمرها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن تغتسل وتصلي وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة قال‏:‏ ولا أشك إن شاء اللَّه أن غسلها كان تطوعًا غير ما أمرت به وذلك واسع لها‏.‏

وكذا قال سفيان بن عيينة والليث بن سعد وغيرهما وما ذهب إليه الجمهور من عدم وجوب الاغتسال إلا لإدبار الحيضة هو الحق لفقد الدليل الصحيح الذي تقوم به الحجة لا سيما في مثل هذا التكليف الشاق فإنه لا يكاد يقوم بما دونه في المشقة إلا خلص العباد فكيف بالنساء الناقصات الأديان بصريح الحديث والتيسير وعدم التنفير من المطالب التي أكثر المختار صلى اللَّه عليه وآله وسلم الإرشاد إليها فالبراءة الأصلية المعتضدة بمثل ما ذكر لا ينبغي الجزم بالانتقال عنها بما ليس بحجة توجب الانتقال وجميع الأحاديث التي فيها إيجاب الغسل لكل صلاة قد ذكر المصنف بعضها في هذا الباب وأكثرها يأتي في أبواب الحيض وكل واحد منها لا يخلو عن مقال كما ستعرف ذلك‏.‏

ـ لا يقال ـ إنها تنتهض للاستدلال بمجموعها لأنا نقول هذا مسلم لو لم يوجد ما يعارضها وأما إذا كانت معارضة بما هو ثابت في الصحيح فلا كحديث عائشة الآتي في أبواب الحيض فإن فيه‏:‏ ‏(‏إن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمر فاطمة بنت أبي حبيش بالاغتسال عند ذهاب الحيضة‏)‏ فقط وترك البيان في وقت الحاجة لا يجوز كما تقرر في الأصول‏.‏

وقد جمع بعضهم بين الأحاديث بحمل أحاديث الغسل لكل صلاة على الاستحباب كما سيأتي في باب من تحيض ستًا أو سبعًا وهو جمع حسن‏.‏

2- وعن عائشة أن سهلة بنت سهيل بن عمرو‏:‏ ‏(‏استحيضت فأتت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فسألته عن ذلك فأمرها بالغسل عند كل صلاة فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل والصبح بغسل‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث في إسناده محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة وابن إسحاق ليس بحجة ‏[‏طعنه علي ابن إسحاق بأنه ليس بحجة فيه نظر قال الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال‏:‏ محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده بن عبد اللَّه العبدي الأصبهاني الحافظ الجوال صاحب التصانيف كان من أئمة هذا الشأن وثقاتهم أبدع الحافظ أبو نعيم في جرحه لما بينهما من الوحشة ونال منه واتهمه فلم يلتفت إليه لما بينهما من العظائم نسأل اللَّه العفو فلقد نال ابن منده من أبي نعيم وأسرف أيضًا إلى أن قال‏:‏ قال الباطرقاني حدثنا ابن منده إمام الأئمة في الحديث والذي قال أبو نعيم في تاريخه‏:‏ هو حافظ من أولاد المحدثين‏.‏ واختلط في آخر عمره‏]‏‏.‏ لا سيما إذا عنعن وعبد الرحمن قد قيل إنه لم يسمع من أبيه‏.‏ قال الحافظ‏:‏ قد قيل أن ابن إسحاق وهم فيه‏.‏

والحديث يدل على أنه يجوز الجمع بين الصلاتين والاقتصار على غسل واحد لهما وقد عرفت ما هو الحق في الذي قبله وقد ألحق بالمستحاضة المريض وسائر المعذورين بجامع المشقة ولهذا قال المصنف‏:‏ وهو حجة في الجمع للمرضى انتهى‏.‏

3- وعن عروة بن الزبير عن أسماء بنت عميس قالت‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول اللَّه إن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت منذ كذا وكذا فلم تصل فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وله وسلم‏:‏ هذا من الشيطان لتجلس في مركن فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلًا واحدًا وتغتسل للمغرب والعشاء غسلًا واحدًا وتغتسل للفجر غسلًا وتتوضأ فيما بين ذلك‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث في إسناد سهيل بن أبي صالح ‏[‏قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان‏:‏ سهيل بن أبي صالح ذكوان السمان أبو يزيد المدني ثقة عن أبيه اهـ‏]‏‏.‏ وفي الاحتجاج بحديثه خلاف‏.‏ وفي الباب عن حمنة بنت جحش وفيه ‏(‏فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلي حتى تطهرين وتصلين الظهر والعصر جمعًا ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي وتغتسلين مع الصبح وتصلين قال‏:‏ وهذا أعجب الأمرين إلي‏)‏ أخرجه الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني والحاكم وفيه عبد اللَّه بن محمد بن عقيل ‏[‏قال الحافظ في اللسان‏:‏ عبد اللَّه بن محمد بن عقيل البارودي النجاد كان من بقايا الشيوخ بأصبهان أدركه أبو مطيع قال عبد الرحمن بن منده قال لي من لم يكن معتزليًا فليس بمسلم اهـ حكى ذلك يحيى بن منده في تاريخ أصبهان أنه سمع عمه يقول قال وكنت كتبت عنه جزئين فمزقتهما وقد روى عنه أحمد بن اشته ومات سنة 415‏]‏‏.‏ وهو مختلف في الاحتجاج به‏.‏ وقال ابن منده‏:‏ لا يصح بوجه من الوجوه وسيأتي بقية الكلام عليه في باب من تحيض ستًا أو سبعًا‏.‏

وحديث الباب يدل على ما دل عليه الذي قبله وقد عرفت الخلاف في ذلك واختلف في وضوء المستحاضة هل يجب لكل صلاة أم لا وسيأتي الكلام على ذلك في باب وضوء المستحاضة لكل صلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في مركن‏)‏ هو بكسر الميم الإجانة التي تغسل فيها الثياب والميم زائدة والإجانة بهمزة مكسورة فجيم مشددة فألف فنون ويقال الإجانة والإنجانة بالياء المثناة من تحت بعد الهمزة أو بالنون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا رأت صفرة فوق الماء‏)‏ أي الذي تقعد فيه فإنها تظهر الصفرة فوقه فعند ذلك يصب عليها الماء‏.‏ وفي شرح المغربي لبلوغ المرام ما لفظه‏:‏ أي صفرة الشمس وفي نسخة صفارة أي إذا زالت الشمس وقربت من العصر حتى نرى فوق الماء من شعاع الشمس شبه صفارة لأن شعاعها يتغير ويقل فيضرب إلى صفرة انتهى‏.‏ فينظر في صحة هذا التفسير‏.‏

 

باب غسل المغمى عليه إذا أفاق

1- عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت‏:‏ ‏(‏ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ أصلى الناس‏.‏ فقلنا‏:‏ لا هم ينتظرونك يا رسول اللَّه فقال‏:‏ ضعوا لي ماء في المخضب‏.‏ قالت‏:‏ ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال‏:‏ أصلى الناس فقلنا‏:‏ لا هم ينتظرونك يا رسول اللَّه فقال‏:‏ ضعوا لي ماء في المخضب‏.‏ قالت‏:‏ ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق قال‏:‏ أصلى الناس فقلنا‏:‏ لا هم ينتظرونك يا رسول اللَّه فذكرت إرساله إلى أبي بكر‏)‏‏.‏

وتمام الحديث متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثقل‏)‏ بفتح الثاء وكسر القاف قال في القاموس ثقل كفرح فهو ثقيل وثاقل اشتد مرضه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في المخضب‏)‏ كمنبر قاله في القاموس وهو المركن وقد سبق تفسيره في الحديث الذي قبل هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لينوء‏)‏ أي لينتهض بجهد ومشقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأغمي عليه‏)‏ أي غشي عليه ثم أفاق‏.‏

وتمام الحديث قالت‏:‏ ‏(‏والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لصلاة العشاء الآخرة قالت‏:‏ فأرسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلى أبي بكر أن يصلي بالناس فقال أبو بكر وكان رجلًا رقيقًا‏:‏ يا عمر صل بالناس قالت‏:‏ فقال عمر‏:‏ أنت أحق بذلك قالت‏:‏ فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام ثم إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وجد من نفسه خفة فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن لا تتأخر وقال لهما‏:‏ أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى جنب أبي بكر فكان أبو بكر يصلي وهو يأتم بصلاة النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قاعد‏)‏‏.‏

والحديث له فوائد مبسوطة في شروح الحديث وقد ساقه المصنف ههنا للاستدلال به على استحباب الاغتسال للمغمى عليه وقد فعله النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثلاث مرات وهو مثقل بالمرض فدل ذلك على تأكد استحبابه‏.‏

 باب صفة الغسل

1- عن عائشة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يأخذ الماء ويدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حثيات ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه‏)‏‏.‏

أخرجاه وفي رواية لهما‏:‏ ‏(‏ثم يخلل بيديه شعره حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا اغتسل‏)‏ أي أراد ذلك‏.‏ وفي الفتح أي شرع في الفعل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وضوءه للصلاة‏)‏ فيه احتراز عن الوضوء اللغوي قال الحافظ‏:‏ يحتمل أن يكون الابتداء بالوضوء قبل الغسل سنة مستقلة بحيث يجب غسل أعضاء الوضوء مع بقية الجسد ويحتمل أن يكتفي بغسلها في الوضوء عن إعادته وعلى هذا فيحتاج إلى نية غسل الجنابة في أول عضو وإنما قدم غسل أعضاء الوضوء تشريفًا لها ولتحصل له صورة الطهارتين الصغرى والكبرى‏.‏

وإلى هذا جنح الداودي شارح المختصر ونقل ابن بطال الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل وهو مردود فقد ذهب جماعة منهم أبو ثور وداود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء للمحدث وهو قول أكثر العترة وإلى القول الأول أعني عدم وجوب الوضوء مع الغسل ودخول الطهارة الصغرى تحت الكبرى ذهب زيد بن علي ولا شك في شرعية الوضوء مقدمًا على الغسل كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحيحة‏.‏

وأما الوجوب فلم يدل عليه دليل والفعل بمجرده لا ينتهض للوجوب نعم يمكن تأكيد القول الثاني بالأدلة القاضية بوجوب الوضوء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في أصول الشعر‏)‏ أي شعر رأسه ويدل عليه رواية حماد بن سلمة عن هشام عند البيهقي ‏(‏يخلل بها شق رأسه الأيمن‏)‏ قال القاضي عياض‏:‏ احتج به بعضهم على تخليل شعر اللحية في الغسل إما لعموم قوله‏:‏ ‏(‏أصول الشعر‏)‏ وإما بالقياس على شعر الرأس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاث حثيات‏)‏ فيه استحباب التثليث في الغسل‏.‏ قال النووي‏:‏ ولا نعلم فيه خلافًا إلا ما انفرد به الماوردي فإنه قال‏:‏ لا يستحب التكرار في الغسل‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وكذا قال الشيخ أبو علي السنجي وكذا قال القرطبي وحمل التثليث في هذه الرواية على أن كل غرفة في جهة من جهات الرأس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم غسل رجليه‏)‏ يدل على أن الوضوء الأول وقع بدون غسل الرجلين‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وهذه الزيادة تفرد بها أبو معاوية دون أصحاب هشام‏.‏ قال البيهقي‏:‏ غريبة صحيحة لكن في رواية أبي معاوية عن هشام مقال نعم له شاهد من رواية أبي سلمة عن عائشة عند أبي داود الطيالسي وفيه ‏(‏فإذا فرغ غسل رجليه‏)‏ ويحتمل أن يكون قوله‏:‏ في رواية أبي معاوية ‏(‏ثم غسل رجليه‏)‏ أي أعاد غسلهما لاستيعاب الغسل بعد أن كان غسلهما في الوضوء‏.‏

وقد وقع التصريح بتأخير الرجلين في رواية للبخاري بلفظ‏:‏ ‏(‏وضوءه للصلاة‏)‏ غير رجليه وهو مخالف لظاهر رواية عائشة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويمكن الجمع بينهما إما بحمل رواية عائشة على المجاز وإما بحملها على حالة أخرى وبحسب اختلاف هاتين الحالتين اختلفت أنظار العلماء فذهب الجمهور إلى استحباب تأخير غسل الرجلين في الغسل وعن مالك إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخيرهما وإلا فالتقديم وعند الشافعية في الأفضل قولان‏.‏ قال النووي‏:‏ أصحهما وأشهرهما ومختارهما أن يكمل وضوءه قال‏:‏ لأن أكثر الروايات عن عائشة وميمونة كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أفاض‏)‏ الإفاضة الإسالة‏.‏ وقد استدل بذلك على عدم وجوب الدلك وعلى أن مسمى غسل لا يدخل فيه الدلك لأن ميمونة عبرت بالغسل وعبرت عائشة بالإفاضة والمعنى واحد‏.‏

والإفاضة لا دلك فيها فكذلك الغسل‏.‏ وقال المازري‏:‏ لا يتم الاستدلال بذلك لأن أفاض بمعنى غسل والخلاف قائم وقد قدمنا الكلام على ذلك في باب إيجاب الغسل من التقاء الختانين‏.‏

قال الحافظ‏:‏ قال القاضي عياض‏:‏ لم يأت في شيء من الروايات في وضوء الغسل ذكر التكرار وقد ورد ذلك من طريق صحيحة أخرجها النسائي والبيهقي من رواية أبي سلمة عن عائشة أنها وصفت غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من الجنابة الحديث‏.‏ وفيه ‏(‏ثم يمضمض ثلاثًا ويستنشق ثلاثًا ويغسل وجهه ثلاثًا ويديه ثلاثًا ثم يفيض على رأسه ثلاثًا‏)‏‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه بعد أن ساق الحديث‏:‏ وهو دليل على أن غلبة الظن في وصول الماء إلى ما يجب غسله كاليقين انتهى‏.‏

2- وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب فأخذ بكفه فبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه‏)‏‏.‏

أخرجاه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نحو الحلاب‏)‏ بالحاء المهملة المكسورة واللام الخفيفة ما يحلب فيه‏.‏

قال المصنف‏:‏ قال الخطابي‏:‏ الحلاب إناء يسع قدر حلبة ناقة انتهى‏.‏ وعلى هذا الأكثر وضبطه الأزهري بالجيم المضمومة وتشديد اللام قال‏:‏ وهو ماء الورد وأنكر ذلك عليه جماعة وقد اختبط شراح البخاري وغيرهم في ضبط هذه اللفظة والسبب في ذلك أن البخاري قال باب من بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسل فتكلف جماعة لمطابقة هذه الترجمة للحديث وجعل الحلاب بمعنى الطيب وقد أطال الحافظ في الفتح الكلام على هذا ‏[‏قال الحافظ بعد أن بين أن العلماء ثلاث طوائف منهم من نسب البخاري إلى الوهم‏.‏ ومنهم من ضبط الحلاب على غير المعروف في الرواية‏.‏ ومنهم من تكلف لها توجيهًا من غير تغيير‏.‏ ورأيت عن بعضهم ولا أحفظه الآن أن المراد بالطيب في الترجمة الإشارة إلى حديث عائشة أنها كانت تطيب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عند الإحرام قال‏:‏ والغسل من سنن الإحرام وكأن الطيب حصل عند الغسل فأشار البخاري هنا إلى أن ذلك لم يكن مستمرًا من عادته انتهى‏.‏ ويقويه تبويب البخاري بعد ذلك بسبعة أبواب باب من تطيب ثم اغتسل وبقي أثر الطيب ثم ساق حديث عائشة أنا طيبت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثم طاف في نسائه ثم أصبح محرمًا وفي رواية أخرى عند قبيل هذا الباب ثم يصبح محرمًا ينضح طيبًا فاستنبط الاغتسال بعد التطيب من قوله‏:‏ا ثم طاف على نسائه لأنه كناية عن الجماع ومن لازمه الاغتسال فعرف أنه اغتسل بعد أن تطيب وبقي أثر الطيب بعد الغسل لكثرته لأنه كان صلى اللَّه عليه وآله وسلم يحب الطيب ويكثر منه فعلى هذا فقوله‏:‏ هنا من بدأ بالحلاب أي بالماء الذي للغسل فاستدعى به لأجل الغسل أو من بدأ بالطيب عند إرادة الغسل فالترجمة مترددة بين الأمرين فدل حديث الباب على مداومته على البداءة بالغسل وأما التطيب بعده فمعروف من شأنه وأما البداءة بالطيب قبل الغسل فبالإشارة إلى الحديث الذي ذكرناه وهذا أحسن الأجوبة عندي وألقيها بتصرفات البخاري واللَّه أعلم‏]‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أخذ بكفيه‏)‏ أشار إلى الغرفة الثالثة كما صرحت به رواية أبي عوانة ووقع في روايات البخاري بكفه بالإفراد وفي بعضها بالتثنية كما في الكتاب‏.‏

والحديث يدل على استحباب البداءة بالميامن ولا خلاف فيه وفيه الاجتزاء بثلاث غرفات وترجم على ذلك ابن حبان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال بهما‏)‏ هو من إطلاق القول على الفعل وقد وقع إطلاق الفعل على القول في حديث ‏(‏لا حسد إلا في اثنين‏)‏ قال فيه‏:‏ ‏(‏لو أوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت مثل ما يفعل‏)‏ كذا في الفتح‏.‏

3- وعن ميمونة قالت‏:‏ ‏(‏وضعت للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ماء يغتسل به فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثًا ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره ثم دلك يده بالأرض ثم مضمض واستنشق ثم غسل وجهه ويديه ثم غسل رأسه ثلاثًا ثم أفرغ على جسده ثم تنحى من مقامه فغسل قدميه قالت‏:‏ فأتيته بخرقة فلم يردها وجعل ينفض الماء بيده‏)‏‏.‏

رواه الجماعة وليس لأحمد والترمذي نفض اليد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأفرغ على يديه‏)‏ يحتمل أن يكون غسلهما للتنظيف مما بهما من مستقذر ويحتمل أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام من النوم ويدل عليه الزيادة التي رواها الترمذي بلفظ‏:‏ ‏(‏قبل أن يدخلهما الإناء‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مذاكيره‏)‏ جمع ذكر على غير قياس وقيل واحده مذكار قال الأخفش‏:‏ هو من الجمع الذي لا واحد له‏.‏

وقال ابن خروف‏:‏ إنما جمعه مع أنه ليس في الجسد إلا واحد بالنظر إلى ما يتصل به وأطلق على الكل اسمه فكأنه جعل كل جزء من المجموع كالذكر في حكم الغسل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم دلك يده بالأرض‏)‏ فيه أنه يستحب للمستنجي بالماء إذا فرغ أن يغسل يده بتراب أو أشنان أو يدلكها بالتراب أو بالحائط ليذهب الاستقذار منها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فغسل قدميه‏)‏ قد تقدم الكلام على ذلك في حديث أول الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم تنحى‏)‏ أي تحول إلى ناحية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم يردها‏)‏ من الإرادة لا من الرد وقد تقدم الكلام في كراهية التنشيف وعدمها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجعل ينفض‏)‏ فيه جواز نفض اليدين من ماء الغسل قال الحافظ‏:‏ وكذا الوضوء وفيه حديث ضعيف أورده الرافعي وغيره ولفظه‏:‏ ‏(‏لا تنفضوا أيديكم في الوضوء فإنها مرواح الشيطان‏)‏ قال ابن الصلاح‏:‏ لم أجده وتبعه النووي وقد أخرجه ابن حبان في الضعفاء وابن أبي حاتم في العلل من حديث أبي هريرة ولو لم يعارضه هذا الحديث لم يكن صالحًا لأن يحتج به‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ وفيه دليل استحباب دلك اليد بعد الاستنجاء انتهى‏.‏

وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يتوضأ بعد الغسل‏)‏‏.‏

رواه الخمسة‏.‏

الحديث قال الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏.‏ وقال ابن سيد الناس‏:‏ إنها تختلف نسخ الترمذي في تصحيحه وأخرجه البيهقي بأسانيد جيدة‏.‏ وفي الباب عن ابن عمر مرفوعًا وعنه موقوفًا أنه قال‏:‏ ‏(‏لما سئل عن الوضوء بعد الغسل وأي وضوء أعم من الغسل‏)‏ رواه ابن أبي شيبة‏.‏

وروي عنه أنه قال لرجل قال له إني أتوضأ بعد الغسل فقال‏:‏ لقد تعقمت‏.‏

وروي عن حذيفة أنه قال‏:‏ أما يكفي أحدكم أن يغسل من قرنه إلى قدمه حتى يتوضأ‏.‏ وقد روي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم حتى قال أبو بكر بن العربي‏:‏ إنه لم يختلف العلماء أن الوضوء داخل تحت الغسل وأن نية طهارة الجنابة تأتي على طهارة الحدث وتقضي عليها لأن موانع الجنابة أكثر من موانع الحدث فدخل الأقل في نية الأكثر وأجزأت نية الأكبر عنه‏.‏ وقد تقدم كلام ابن بطال في أول الباب وتقدم الرد عليه بأنه قول أبي ثور وداود وغيرهما قال ابن سيد الناس‏:‏ إن داود الظاهري أوجب الوضوء في غسل الجنابة لا أنه بعده لكن لا يخلو عنده من الوضوء وحكاه عنه الشيخ محي الدين النووي‏.‏ قال ابن سيد الناس‏:‏ والذي رأيته عن أبي محمد بن حزم أن ذلك عنده ليس فرضًا في الغسل وإنما هو كمذهب الجماعة‏.‏

5- وعن جبير بن مطعم قال‏:‏ ‏(‏تذاكرنا غسل الجنابة عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ أما أنا فآخذ ملء كفي فأصب على رأسي ثم أفيض بعد على سائر جسدي‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث رجاله رجال الصحيح‏.‏ وقد أخرجه أيضًا أحمد من حديث جبير بن مطعم بلفظ‏:‏ ‏(‏أما أنا فأحثي على رأسي ثلاث حثيات ثم أفيض فإذا أنا قد طهرت‏)‏‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقوله‏:‏ ‏(‏فإذا أنا قد طهرت‏)‏ لا أصل له من حديث صحيح ولا ضعيف لكنه وقع من حديث أم سلمة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال لها إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين الماء عليك فإذا أنت قد طهرت‏)‏‏.‏وأصله في صحيح مسلم وذكر الحافظ في التلخيص في باب الغسل حديث جبير بن مطعم عند أحمد بلفظ‏:‏ ‏(‏أما أنا فآخذ ملء كفي ثلاثًا فأصب على رأسي ثم أفيض على جسدي‏)‏ ولم يتكلم عليه وله شواهد في الصحيحين وغيرهما‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ فيه مستدل لمن لم يوجب الدلك ولا المضمضة والاستنشاق انتهى وقد تقدم الكلام في ذلك‏.‏