فصل: باب ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب ما جاء في المدد يلحق بعد تقضي الحرب

1- عن أبي موسى قال‏:‏ ‏(‏بلغنا مخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وإخوان لي أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم إما قال في بضعة وإما قال في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلًا من قومي قال فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده فقال جعفر إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بعثنا ههنا وأمرنا بالإقامة قال فأقمنا معه حتى قدمنا جميعًا فوافقنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا أو قال أعطانا منها وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئًا إلا لمن شهد معه إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2- وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أنه حدث سعيد بن العاص أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بعث أبان بن سعيد بن العاص على سرية من المدينة قبل نجد فقدم أبان بن سعيد وأصحابه على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بخيبر بعد أن فتحها وإن حزم خيلهم ليف فقال أبان اقسم لنا يا رسول اللّه قال أبو هريرة فقلت لا تقسم لهم يا رسول اللّه قال أبان أنت بها يا وبر تحدر علينا من رأس ضال فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اجلس يا أبان ولم يقسم لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وأخرجه البخاري تعليقًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بلغنا مخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ ظاهره أنه لم يبلغهم شأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إلا بعد الهجرة بمدة طويلة وهذا إذا أراد بالمخرج البعثة وإن أراد الهجرة فيحتمل أن يكون بلغتهم الدعوة فأسلموا وأقاموا ببلادهم إلى أن عرفوا بالهجرة فعزموا عليها وإنما تأخروا هذه المدة لعدم بلوغ الخبر إليهم بذلك وإما لعلمهم بما كان المسلمون فيه من المحاربة مع الكفار فلما بلغتهم المهادنة أمنوا وطلبوا الوصول إليه‏.‏

وقد روى ابن منده من وجه آخر عن أبي بردة عن أبيه‏:‏ ‏(‏خرجنا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى جئنا إلى مكة أنا وأخوك وأبو عامر بن قيس وأبو رهم ومحمد بن قيس وأبو بردة وخمسون من الأشعريين وستة من عك ثم خرجنا في البحر حتى أتينا المدينة‏)‏ وصححه ابن حبان من هذا الوجه ويجمع بينه وبين ما في الصحيح أنهم مروا بمكة في حال مجيئهم إلى المدينة ويجوز أن يكونوا دخلوا مكة لأن ذلك كان حال الهدنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنا وإخوان لي‏)‏ زاد البخاري‏:‏ ‏(‏أنا أصغرهم‏)‏ واسم أبي بردة عامر وأبو رهم بضم الراء وسكون الهاء اسمه مجدي بفتح الميم وسكون الجيم وكسر المهملة وتشديد التحتانية قال ابن عبد البر‏:‏ وجزم ابن حبان في الصحابة بأن اسمه محمد‏.‏

وذكر ابن قانع أن جماعة من الأشعريين أخبروه وحققوا وكتبوا خطوطهم أن اسم أبي رهم مجيلة بكسر الجيم بعدها تحتانية خفيفة ثم لام ثم هاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أما قال في بضعة‏)‏ الخ قد بين في الرواية المتقدمة أنهم كانوا خمسين من الأشعريين وهم قومه فلعل الزائد على ذلك هو أبو موسى وأخوته فمن قال اثنين أراد من ذكرهما في حديث الباب وهما أبو بردة وأبو رهم ومن قال ثلاثة أو أكثر فعلى الخلاف في عدد من كان معه من أخوته‏.‏

وأخرج البلاذري بسند له عن ابن عباس أنهم كانوا أربعين والجمع بينه وبين ما قبله بالحمل على الأصول والإتباع وقال ابن إسحاق كانوا ستة عشر رجلًا وقيل أقل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوافقنا جعفر بن أبي طالب‏)‏ أي بأرض الحبشة‏.‏ وقد سمى ابن إسحاق من قدم مع جعفر فسرد أسماءهم وهم ستة عشر رجلًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر‏)‏ الخ فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يجتهد في الغنيمة ويعطي بعض من حضر من المدد دون بعض فإنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أعطى من قدم مع جعفر ولم يعط غيرهم‏.‏

وقد استدل به أبو حنيفة على قوله المتقدم أنه يسهم للمدد وقال ابن التين‏:‏ يحتمل أن يكون أعطاهم برضا بقية الجيش وبهذا جزم موسى بن عقبة في مغازيه ويحتمل أن يكون إنما أعطاهم من الخمس‏.‏ وبهذا جزم أبو عبيد في كتاب الأموال ويحتمل أن يكون أعطاهم من جميع الغنيمة لكونهم وصلوا قبل القسمة وبعد حوزها وهو أحد الأقوال للشافعي‏.‏

وقد احتج أبو حنيفة بإسهامه صلى اللّه عليه وآله وسلم لعثمان يوم بدر كما تقدم في باب الإسهام لمن غيبه الأمير في مصلحة‏.‏ وأجيب عن ذلك بأجوبة منها أن ذلك خاص به وبمن كان مثله ومنها أن ذلك كان حيث كانت الغنيمة كلها للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عند نزول قوله تعالى ‏{‏يسألونك عن الأنفال‏}‏ ومنها أنه أعطاه من الخمس على فرض أن يكون ذلك بعد فرض الخمس ومنها التفرقة بين من كان في حاجة تتعلق بمنفعة الجيش أو بإذن الإمام فيسهم له بخلاف غيره وهذا مشهور مذهب مالك وقال ابن بطال‏:‏ لم يقسم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في غير من شهد الواقعة إلا في خيبر فهي مستثناة من ذلك فلا تجعل أصلًا يقاس عليه فإنه قسم لأصحاب السفينة لشدة حاجتهم وكذلك أعطى الأنصار عوض ما كانوا أعطوا المهاجرين عند قدومهم عليهم‏.‏

وقال الطحاوي‏:‏ يحتمل أن يكون استطاب أنفس أهل الغنيمة بما أعطى الأشعريين وغيرهم ومما يؤيد أنه لا نصيب لمن جاء بعد الفراغ من القتال ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح وابن أبي شيبة أن عمر قال الغنيمة لمن شهد الواقعة‏.‏

وأخرجه الطبراني والبيهقي مرفوعًا وموقوفًا وقال الصحيح موقوف‏.‏

وأخرجه ابن عدي من طريق أخرى عن على موقوفًا‏.‏ ورواه الشافعي من قول أبي بكر وفيه انقطاع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن حزم‏)‏ بمهملة وزاي مضمومتين‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏ليف‏)‏ بكسر اللام وسكون التحتية بعدها فاء وهو معروف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا وبر‏)‏ بفتح الواو وسكون الموحدة دابة صغيرة كالسنور وحشية‏.‏ ونقل أبو علي عن أبي حاتم أن بعض العرب يسمي كل دابة من حشرات الجبال وبرًا‏.‏

قال الخطابي‏:‏ أراد أبان تحقير أبي هريرة وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا بمنع وأنه قليل القدرة على القتال ومعنى قوله وأنت بها أي وأنت بهذا المكان والمنزلة من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مع كونك لست من أهله ولا من قومه ولا من بلاده‏.‏ ولفظ البخاري وأنت بهذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تحدر‏)‏ بالحاء المهملة وتشديد الدال المهملة أيضًا‏.‏ وفي رواية للبخاري تدلى وهو بمعناه‏.‏ وفي رواية له أيضًا تدأدأ بمهملتين بينهما همزة ساكنة قيل أصله تدهدء فأبدلت الهاء همزة وقيل الدأدأة صوت الحجارة في المسيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من رأس ضال‏)‏ فسر البخاري الضال بالسدر كما في رواية المستملي وكذا قال أهل اللغة أنه السدر البري‏.‏ وفي رواية للبخاري من رأس ضأن بالنون قيل هو رأس الجبل لأنه في الغالب موضع مرعى الغنم وقيل هو جبل دوس وهم قوم أبي هريرة‏.‏

 باب ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم

1- عن أنس قال‏:‏ ‏(‏لما فتحت مكة قسم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تلك الغنائم في قريش فقالت الأنصار إن هذا لهو العجب إن سيوفنا تقطر من دمائهم وإن غنائمنا ترد عليهم فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فجمعهم فقال ما الذي بلغني عنكم قالوا هو الذي بلغك وكانوا لا يكذبون فقال أما ترضون أن ترجع الناس بالدنيا إلى بيوتهم وترجعون برسول اللّه إلى بيوتكم فقالوا بلى فقال لو سلك الناس واديًا أو شعبًا وسلكت الأنصار واديًا وشعبًا لسلكت وادي الأنصار وشعب الأنصار‏)‏‏.‏

وفي رواية قال‏:‏ ‏(‏قال ناس من الأنصار حين أفاء اللّه على رسوله ما أفاء من أموال هوازن فطفق يعطي رجالًا المائة من الإبل فقالوا يغفر اللّه لرسول اللّه يعطي قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فحدث بمقالتهم فجمعهم وقال إني أعطي رجالًا حديثي عهد بكفر أتألفهم أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون بالنبي إلى رحالكم فواللّه لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا يا رسول اللّه لقد رضينا‏)‏‏.‏

2- وعن ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏لما آثر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أناسًا في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة مثل ذلك وأعطى أناسًا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة قال رجل واللّه إن هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه اللّه فقلت واللّه لأخبرن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأتيته فأخبرته فقال فمن يعدل إذا لم يعدل اللّه ورسوله ثم قال رحم اللّه موسى فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر‏)‏‏.‏

متفق عليهن‏.‏

3- وعن عمرو بن تغلب‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أتي بمال أو سبي فقسمه فأعطى قومًا ومنع آخرين فكأنهم عتبوا عليه فقال إني أعطي قومًا أخاف ضلعهم وجزعهم وأكل أقوامًا إلى ما جعل اللّه في قلوبهم من الخير والغنى منهم عمرو بن تغلب فقال عمرو بن تغلب ما أحب أن لي بكلمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حمر النعم‏)‏‏.‏ رواه أحمد والبخاري والظاهر أن إعطائهم كان من سهم المصالح من الخمس ويحتمل أن يكون نفلًا من أربعة أخماس الغنيمة عند من يجيز التنفيل منها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واديًا أو شعبًا‏)‏ الوادي هو المكان المنخفض وقيل الذي فيه ماء والمراد هنا بلدهم والشعب بكسر الشين المعجمة اسم لما انفرج بين جبلين‏.‏

وقيل الطريق في الجبل وأراد صلى اللّه عليه وآله وسلم بهذا وما بعده التنبيه على جزيل ما حصل لهم من ثواب النصرة والقناعة باللّه ورسوله عن الدنيا ومن هذا وصفه فحقه أن يسلك طريقه ويتبع حاله‏.‏

قال الخطابي‏:‏ لما كانت العادة أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب فإذا تفرقت في السفر سلك كل قوم منهم واديًا وشعبًا فأراد أنه مع الأنصار‏.‏

قال‏:‏ ويحتمل أن يريد بالوادي المذهب كما يقال فلان في واد وأنا في واد انتهى‏.‏

وقد أثنى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم على الأنصار في هذه الواقعة ومدحهم فمن جملة ما قاله لهم لولا الهجرة لكنت امرًا من الأنصار وقال الأنصار شعار والناس دثار كما في صحيح البخاري وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حين أفاء اللّه على رسوله ما أفاء من أموال هوازن‏)‏ أي أعطاه غنائم الذين قاتلهم منهم يوم حنين‏.‏ وأصل الفيء الرد والرجوع ومنه سمى الظل بعد الزوال فيئًا لأنه رجع من جانب إلى جانب فكأن أموال الكفار سميت فيئًا لأنها كانت في الأصل للمؤمنين إذ الإيمان هو الأصل والكفر طارئ فإذا غلب الكفار على شيء من المال فهو بطريق التعدي فإذا غنمه المسلمون منهم فكأنه رجع إليهم ما كان لهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فطفق يعطي رجالًا‏)‏ هم المؤلفة قلوبهم والمراد بهم ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلامًا ضعيفًا وقيل كان فيهم من لم يسلم بعد كصفوان بن أمية وقد اختلف في المراد بالمؤلفة الذين هم أحد المستحقين للزكاة فقيل كفار يعطون ترغيبًا في الإسلام وقيل مسلمون لهم أتباع كفار يتألفونهم وقيل مسلمون أول ما دخلوا في الإسلام ليتمكن الإسلام من قلوبهم والمراد بالرجال الذين أعطاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ههنا هم جماعة قد سرد أبو الفضل بن طاهر في المبهمات له أسماؤهم فقال هم أبو سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى وحكيم بن حزام وأبو السنابل بن بعكك وصفوان ابن أمية وعبد الرحمن بن يربوع وهؤلاء من قريش‏.‏ وعيينة بن حصن الفزاري والأقرع بن حابس التميمي وعمرو بن الأهتم التميمي وعباس بن مرادس السلمي ومالك بن عوف النضري والعلاء بن حارثة الثقفي‏.‏

قال الحافظ في الفتح‏:‏ وفي ذكر الأخيرين نظر وقيل إنما جاءا طائعين من الطائف إلى الجعرانة وذكر الواقدي في المؤلفة معاوية ويزيد بن أبي سفيان وأسيد بن حارثة ومخرمة بن نوفل وسعيد بن يربوع وقيس بن عدي وعمرو بن وهب وهشام بن عمرو زاد ابن إسحاق النضر بن الحارث بن هشام وجبير بن مطعم وممن ذكره أبو عمر سفيان بن عبد الأسد والسائب بن أبي السائب ومطيع بن الأسود وأبو جهم بن حذيفة وذكر ابن الجوزي فيهم زيد الخيل وعلقمة بن علاثة وحكيم بن طليق بن سفيان بن أمية وخالد بن قيس السهمي وعمير بن مرادس وذكر غيرهم فيهم قيس بن مخرمة وأحيحة بن أمية بن خلف وأبي بن شريق وحرملة بن هوذة وخالد بن هوذة وعكرمة بن عامر العبدري وشيبة بن عثمان وعمرو بن ورقة ولبيد بن ربيعة والمغيرة بن الحارث وهشام بن الوليد المخزومي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يذهب الناس بالأموال‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏بالشاة والبعير‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى رحالكم‏)‏ بالحاء المهملة أي بيوتكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما آثر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أناسًا‏)‏ هم من تقدم ذكرهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال رجل‏)‏ في رواية الأعمش فقال رجل من الأنصار وفي رواية الواقدي أن اسمه معتب بن قشير من بني عمرو بن عوف وكان من المنافقين وفيه رد على مغلطاي حيث قال لم أر أحدًا قال إنه من الأنصار إلا ما وقع في رواية الأعمش وجزم بأنه حرقوص بن زهير السعدي المتقدم ذكره في باب ذكر الخوارج وتبعه ابن الملقن وأخطأ في ذلك فإن قصة حرقوص غير هذه كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أريد فيها وجه اللّه‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ ‏(‏ما أراد بهذا‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رحم اللّه موسى‏)‏ الخ فيه الإعراض عن الجاهل والصفح عن الأذى والتأسي بمن مضى من النظراء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ضلعهم‏)‏ بفتح الضاد المعجمة واللام وهو الاعوجاج ـ وفي أحاديث الباب ـ دليل على أنه يجوز للإمام أن يؤثر بالغنائم أو ببعضها من كان مائلًا من أتباعه إلى الدنيا تأليفًا له واستجلابًا بالطاعة وتقديمه على من كان من أجناده قوي الإيمان مؤثرًا للآخرة على الدنيا

 باب حكم أموال المسلمين إذا أخذها الكفار ثم أخذت منهم

1- عن عمران بن الحصين قال‏:‏ ‏(‏أسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء فكانت المرأة في الوثاق وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم فانفلتت ذات ليلة من الوثائق فأتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى تنتهي إلى العضباء فلم ترغ قال وهي ناقة منوقة‏)‏‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏مدربة فقعدت في عجزها ثم زجرتها فانطلقت ونذروا بها فأعجزتهم قال ونذرت للّه إن نجاها اللّه عليها لتنحرنها فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا العضباء ناقة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت إنها نذرت للّه إن نجاها اللّه عليها لتنحرنها فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكروا ذلك فقال سبحان اللّه بئسما جزتها نذرت للّه إن نجاها اللّه عليها لتنحرنها لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك العبد‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

2- وعن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أنه ذهب فرس له فأخذه العدو فظهر عليهم المسلمون فرد عليه في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبق عبد له فلحق بأرض الروم وظهر عليهم المسلمون فرده خالد بن الوليد بعد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏أن غلامًا لابن عمر أبق إلى العدو فظهر عليه المسلمون فرده رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى ابن عمر ولم يقسم‏)‏ رواه أبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العضباء‏)‏ بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة بعدها موحدة وهي ناقة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فانفلتت‏)‏ بالنون والفاء أي المرأة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏منوقة‏)‏ بالنون والقاف أي مذللة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مدربة‏)‏ بالدال المهملة والراء المشددة المفتوحة بعدها موحدة وهي المؤدبة المعدة للركوب والتدريب مأخوذة من الدربة وهي المعرفة بالشيء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونذروا بها‏)‏ بضم النون وكسر الذال المعجمة أي علموا بها‏.‏ وفي شرح النووي هو بفتح النون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا وفاء لنذر في معصية اللّه‏)‏ سيأتي الكلام على هذا في كتاب النذور إن شاء اللّه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذهب فرس له فأخذه‏)‏ في رواية الكشميهني ذهبت فأخذها والفرس اسم جنس يذكر ويؤنث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ كذا وقع في رواية ابن نمير أن قصة الفرس في زمن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقصة العبد بعد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وخالفه يحيى القطان عن عبيد اللّه العمري فجعلهما بعد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كما في رواية للبخاري وكذا وقع في رواية موسى ابن عقبة عن نافع وصرح بأن قصة الفرس كانت في زمن أبي بكر‏.‏

وقد وافق ابن نمير إسماعيل بن زكريا أخرجه الإسماعيلي من طريقه وأخرجه من طريق ابن المبارك عن عبيد اللّه فلم يعين الزمان لكن قال في روايته أنه افتدى الغلام بروميتين وكأن هذا الاختلاف هو السبب في ترك البخاري الجزم في الترجمة على هذا الحديث فإنه قال باب إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم أي هل يكون أحق به أو يدخل في الغنيمة ولكنه يمكن الاحتجاج بوقوع ذلك في زمن أبي بكر والصحابة متوافرون من غير نكير منهم‏.‏

وقد اختلف أهل العلم في ذلك فقال الشافعي وجماعة لا يملك أهل الحرب بالغلبة شيئًا من المسلمين ولصاحبه أخذه قبل القسمة وبعدها‏.‏ وعن علي والزهري وعمرو بن دينار والحسن لا يرد أصلًا ويختص به أهل المغانم وقال عمر وسلمان بن ربيعة وعطاء والليث ومالك وأحمد وآخرون وهي رواية عن الحسن أيضًا ونقلها ابن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء السبعة إن وجده صاحبه قبل القسمة فهو أحق به وإن وجده بعد القسمة فلا يأخذه إلا بالقيمة‏.‏

واحتجوا بحديث عن ابن عباس مرفوع بهذا التفصيل أخرجه الدارقطني وإسناده ضعيف جدًا‏.‏ وإلى هذا التفصيل ذهبت الهادوية وعن أبي حنيفة كقول مالك إلا في الآبق فقال هو والثوري صاحبه أحق به مطلقًا‏.‏

 باب ما يجوز أخذه من نحو الطعام والعلف بغير قسمة

1- عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

2- وعن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن جيشًا غنموا في زمان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم طعامًا وعسلًا فلم يؤخذ منهم الخمس‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

3- وعن عبد اللّه بن المغفل قال‏:‏ ‏(‏أصبت جرابًا من شحم يوم خيبر فالتزمته فقلت لا أعطي اليوم أحدًا من هذا شيئًا فالتفت فإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مبتسمًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

4- وعن ابن أبي أوفى قال‏:‏ ‏(‏أصبنا طعامًا يوم خيبر وكان الرجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينطلق‏)‏‏.‏

5- وعن القاسم مولى عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏كنا نأكل الجزر في الغزو ولا نقسمه حتى إن كنا لنرجع إلى رجالنا وأخرجتنا مملوءة منه‏)‏‏.‏

رواهما أبو داود‏.‏

حديث ابن عمر الأول زاد فيه أبو داود فلم يؤخذ منهم الخمس وصحح هذه الزيادة ابن حبان‏.‏

وحديث ابن عمر الثاني أخرجه أيضًا ابن حبان وصححه البيهقي ورجح الدارقطني وقفه‏.‏

وحديث عبد اللّه بن المغفل أخرجه أيضًا البخاري وزاد فيه الطيالسي في مسنده بإسناد صحيح فقال هو لك‏.‏

وحديث ابن أبي أوفى أخرجه الحاكم والبيهقي قال ابن الصلاح في كلامه على الوسيط هذا الحديث لم يذكر في كتب الأصول انتهى‏.‏ وقد صححه الحاكم وابن الجارود‏.‏ وأخرجه أيضًا الطبراني من حديثه بلفظ‏:‏ لم يخمس الطعام يوم خيبر‏.‏

وحديث القاسم مولى عبد الرحمن سكت عنه أبو داود وقال المنذري‏:‏ إنه تكلم في القاسم غير واحد انتهى‏.‏ وفي إسناده أيضًا ابن حرشف وهو مجهول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا نصيب في مغازينا‏)‏ الخ زاد الإسماعيلي في رواية والفواكه‏.‏ وفي رواية له بلفظ‏:‏ ‏(‏كنا نصيب السمن والعسل في المغازي فنأكله‏)‏ وفي رواية له من وجه آخر‏:‏ ‏(‏أصبنا طعامًا وأغنامًا يوم اليرموك فلم تقسم‏)‏ قال في الفتح‏:‏ وهذا الموقوف لا يغاير الأول لاختلاف السياق وللأول حكم الرفع للتصريح بكونه في زمن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأما يوم اليرموك فكان بعده فهو موقوف يوافق المرفوع انتهى‏.‏ ولا يخفى أنه ليس في روايات الحديث تصريح بأنه في زمن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وإنما فيه أن إطلاق المغازي من الصحابي ظاهر في أنها مغازي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وليس ذلك من التصريح في شيء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا نرفعه‏)‏ أي ولا نحمله على سبيل الادخار ويحتمل أن يريد ولا نحمله إلى متولي أمر الغنيمة أو إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا نستأذنه في أكله اكتفاء بما سبق منه من الأذن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد اللّه بن المغفل‏)‏ بالمعجمة والفاء بوزن محمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جرابًا‏)‏ بكسر الجيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فالتزمته‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ فنزوت بالنون والزاي أي وثبت مسرعًا وموضع الحجة من الحديث عدم إنكار النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا سيما مع وقوع التبسم منه صلى اللّه عليه وآله وسلم فإن ذلك يدل على الرضا وقد قدمنا أن أبا داود الطيالسي زاد فيه فقال هو لك وكأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم عرف شدة حاجته إليه فسوغ له الاستئثار به‏.‏ وفي الحديث جواز أكل الشحوم التي توجد عند اليهود وكانت محرمة على اليهود وكرهها مالك وروى عنه وعن أحمد تحريمها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الجزر‏)‏ بفتح الجيم جمع جزور وهي الشاة التي تجزر أي تذبح كذا قيل‏.‏

وفي غريب الجامع الجزر جمع جزور وهو الواحد من الإبل يقع على الذكر والأنثى‏.‏ وفي القاموس في مادة جزر ما لفظه‏:‏ والشاة السمينة ثم قال والجزور البعير أو خاص بالناقة المجزورة ثم قال وما يذبح من الشاة انتهى‏.‏ وقد قيل إن الجزر في الحديث بضم الجيم والزاي جمع جزور وهو ما تقدم تفسيره‏.‏

ـ وأحاديث الباب ـ تدل على أنه يجوز أخذ الطعام ويقاس عليه العلف للدواب بغير قسمة ولكنه يقتصر من ذلك على مقدار الكفاية كما في حديث ابن أبي أوفى وإلى ذلك ذهب الجمهور سواء أذن الإمام أو لم يأذن‏.‏ والعلة في ذلك أن الطعام يقل في دار الحرب وكذلك العلف فأبيح للضرورة والجمهور أيضًا على جواز الأخذ ولو لم تكن ضرورة وقال الزهري‏:‏ لا نأخذ شيئًا من الطعام ولا غيره إلا بإذن الإمام‏.‏

وقال سليمان بن موسى‏:‏ يأخذ إلا إن نهى الإمام وقال ابن المنذر‏:‏ قد وردت الأحاديث الصحيحة في التشديد في الغلول واتفق علماء الأمصار على جواز أكل الطعام وجاء الحديث بنحو ذلك فليقتصر عليه وقال الشافعي ومالك يجوز ذبح الأنعام للأكل كما يجوز أخذ الطعام ولكن قيده الشافعي بالضرورة إلى الأكل حيث لا طعام‏.‏

 باب أن الغنم تقسم بخلاف الطعام والعلف

1- عن رجل من الأنصار قال‏:‏ ‏(‏خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد وأصابوا غنمًا فانتهبوها فإن قدورنا لتغلي إذ جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يمشي على قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال‏:‏ إن النهبة ليست بأحل من الميتة وإن الميتة ليست بأحل من النهبة‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

2- وعن معاذ قال‏:‏ ‏(‏غزونا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خيبر فأصبنا فيها غنمًا فقسم فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم طائفة وجعل بقيتها في المغنم‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده موثقون ولكن لفظه بالشك هكذا إن النهبة ليست بأحل من الميتة أو إن الميتة ليست بأحل من النهبة قال والشك من هناد وهو ابن السري‏.‏ وأخرجه أيضًا البيهقي‏.‏

والحديث الثاني سكت عنه أيضًا أبو داود والمنذري وفي إسناده أبو عبد العزيز شيخ من الأردن وهو مجهول ولفظه عن عبد الرحمن بن غنم قال رابطنا مدينة قنسرين مع شرحبيل بن السمط فلما فتحها أصاب فيها غنمًا وبقرًا فقسم فينا طائفة منها وجعل بقيتها في المغنم فلقيت معاذ بن جبل فحدثته فقال معاذ غزونا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم جعل يرمل اللحم بالتراب‏)‏ أي يضع التراب عليه‏.‏ قال في القاموس‏:‏ وأرمل الطعام جعل في الرمل والثوب لطخه بالدم انتهى‏.‏

والحديث الأول ليس فيه دليل على ما ترجم له المصنف من أن الغنم تقسم لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما منع من أكلها لأجل النهبى كما وقع التصريح بذلك لا لأجل كونها غنيمة مشتركة لا يجوز الانتفاع بها قبل القسمة نعم الحديث الثاني فيه دليل على أن الإمام يقسم بين المجاهدين من الغنم ونحوها من الأنعام ما يحتاجونه حال قيام الحرب ويترك الباقي في جملة المغنم وهذا مناسب لمذهب الجمهور المتقدم فإنهم يصرحون بأنه يجوز للغانمين أخذ القوت وما يصلح به وكل طعام يعتاد أكله على العموم من غير فرق بين أن يكون حيوانًا أو غيره وقد استدل على أن المنع من ذبح الحيوانات المغنومة بغير أذن الإمام بما في الصحيح من حديث رافع بن خديج في ذبحهم الإبل التي أصابوها لأجل الجوع وأمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بإكفاء القدور قال المهلب‏:‏ إنما أكفأ القدور ليعلم أن الغنيمة إنما يستحقونها بعد القسمة ويمكن أن يحمل ذلك على أنه وقع الذبح في غير الموضع الذي وقع فيه القتال وقد ثبت في هذا الحديث أن القصة وقعت في دار الإسلام لقوله فيها بذي الحليفة‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ المأمور بإكفائه إنما هو المرق عقوبة للذين تعجلوا وأما نفس اللحم فلم يتلف بل يحمل على أنه جمع ورد إلى المغانم لأجل النهي عن إضاعة المال‏.‏

 باب النهي عن الانتفاع بما يغنمه الغانم قبل أن يقسم إلا حالة الحرب

1- عن رويفع بن ثابت‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال يوم حنين‏:‏ لا يحل لامرئ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يبتاع مغنمًا حتى يقسم ولا يلبس ثوبًا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه ولا أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

2- وعن ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وهو صريع وهو يذب الناس عنه بسيف له فجعلت أتناوله بسيف لي غير طائل فأصبت يده فنذر سيفه فأخذته فضربته حتى قتلته ثم أتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبرته فنفلني بسلبه‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث الأول في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف قد تقدم التنبيه عليه غير مرة وأخرجه أيضًا الدارمي والطحاوي وابن حبان وحسن الحافظ في الفتح إسناده‏.‏ وقال في بلوغ المرام‏:‏ رجاله ثقات لا بأس بهم‏.‏

والحديث الثاني أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وهو من رواية أبي عبيدة عن أبيه ولم يسمع منه‏.‏ وقال في مجمع الزوائد‏:‏ إن رجاله رجال الصحيح غير محمد بن وهب بن أبي كريمة وهو ثقة انتهى‏.‏

وأخرج نحوه أبو داود ولفظه‏:‏ عن أبي عبيدة وهو ابن عبد اللّه ابن مسعود عن أبيه أنه قال‏:‏ ‏(‏مررت فإذا أبو جهل صريع قد ضربت رجله فقلت يا عدو اللّه يا أبا جهل قد أخزى اللّه الآخر قال ولا أهابه عند ذلك فقال أبعد من رجل قتله قومه فضربته بسيف غير طائل فلم يغن شيئًا حتى سقط سيفه من يده فضربته حتى برد‏)‏ وأخرج نحوه النسائي مختصرًا وقوله أبعد من رجل الخ قال الخطابي في المعالم‏:‏ هكذا رواه أبو داود وهو غلط وإنما هو أعمد بالميم بعد العين كلمة للعرب معناها هل زاد على رجل قتله قومه يهون على نفسه ما حل بها انتهى‏.‏

والحديث الأول فيه دليل على أنه لا يحل لأحد من المجاهدين أن يبيع شيئًا من الغنيمة قبل قسمتها لأن ذلك من الغلول وقد وردت الأحاديث الصحيحة بالنهي عنه ولا يحل أيضًا أن يأخذ ثوبًا منها فيلبسه حتى يخلقه ثم يرده أو يركب دابة منها حتى إذا أعجفها ردها لما في ذلك من الأضرار بسائر الغانمين والاستبداد بما لهم فيه نصيب بغير أذن منهم‏.‏

قال في الفتح‏:‏ وقد اتفقوا على جواز ركوب دوابهم يعني أهل الحرب وليس ثيابهم واستعمال سلاحهم حال الحرب ورد ذلك بعد انقضاء الحرب وشرط الأوزاعي فيه أذن الإمام وعليه أن يرد كلما فرغت حاجته ولا يستعمله في غير الحرب ولا ينتظر برده انقضاء الحرب لئلا يعرضه للهلاك قال وحجته حديث رويفع المذكور ونقل عن أبي يوسف أنه حمله على ما إذا كان الآخذ غير محتاج يتقي به دابته أو ثوبه بخلاف من ليس له ثوب ولا دابة‏.‏ ووجه استدلال المصنف رحمه اللّه تعالى بحديث ابن مسعود على ما ترجمه في الباب أنه وقع من ابن مسعود الضرب بسيف أبي جهل قبل أن يستأذن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في ذلك ولم ينكره عليه فدل على جواز استعمال السلاح المغنوم ما دامت الحرب قائمة بغير أذن الإمام وقد تقدم الكلام على قوله فنفلني يسلبه في باب أن السلب للقاتل‏.‏

 باب ما يهدى للأمير والعامل أو يؤخذ من مباحات دار الحرب

1- عن أبي حميد الساعدي قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ هدايا العمال غلول‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

2- وعن أبي الجويرية قال‏:‏ ‏(‏أصبت جرة حمراء فيها دنانير في إمارة معاوية في أرض الروم قال وعلينا رجل من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من بني سليم يقال له معن بن يزيد فأتيته بها فقسمها بين المسلمين وأعطاني مثل ما أعطى رجلًا منهم ثم قال لولا أني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول لا نفل إلا بعد الخمس لأعطيتك قال ثم أخذ يعرض علي من نصيبه فأبيت‏)‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضًا الطبراني وفي إسناده إسماعيل بن عباس عن أهل الحجاز وهو ضعيف في الحجازيين ويشهد له ما أخرجه الشيخان وأبو داود من حديث أبي حميد المذكور قال‏:‏ استعمل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم رجلًا على الأزد يقال له ابن اللتبية فلما قدم قال هذا لكم وهذا أهدي لي فقام النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال‏:‏ أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني اللّه فيقول هذا لكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقًا‏.‏ الحديث‏.‏

والحديث الثاني في إسناده عاصم بن كليب قال علي بن المديني‏:‏ لا يحتج به إذا انفرد وقال الإمام أحمد‏:‏ لا بأس بحديثه وقال أبو حاتم الرازي‏:‏ صالح وقال النسائي‏:‏ ثقة واحتج به مسلم وقد أخرجه الطحاوي وصححه من حديث معن بن يزيد المذكور قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ لا نفل إلا بعد الخمس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غلول‏)‏ بضم المعجمة واللام أي خيانة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن أبي الجويرية‏)‏ اسمه حطان بن خفاف قال في الخلاصة‏:‏ وثقه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا نفل إلا بعد الخمس‏)‏ قد تقدم الكلام على ذلك‏.‏

وقد استدل المصنف بالحديث الأول على أنها لا تحل الهدية للعمال وقد تقدم في الزكاة في باب العاملين عليها حديث بريدة عن أبي داود عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول‏.‏ وظاهره المنع من الزيادة على المفروض للعامل من غير فرق بين ما كان من الصدقات المأخوذة من أرباب الأموال أو من أربابها على طريق الهدية أو الرشوة‏.‏

والحديث الثاني بوب عليه أبو داود باب النفل من الذهب والفضة ومن أول مغنم أي هل يجوز أم لا واستدل به المصنف على حكم ما يؤخذ من مباحات دار الحرب وأنها تكون بين الغانمين لا يختص بها‏.‏

 باب التشديد في الغلول وتحريق رحل الغال

1- عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى خيبر ففتح اللّه علينا فلم نغنم ذهبًا ولا ورقًا غنمنا المتاع والطعام والثياب ثم انطلقنا إلى الوادي ومع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عبد له وهبه له رجل من جذام يسمى رفاعة بن يزيد من بني الضبيب فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يحل رحله فرمى بسهم فكان فيه حتفه فقلناهنيئًا له الشهادة فقال‏:‏ كلا والذي نفس محمد بيده إن الشملة لتلتهب عليه نارًا أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم قال ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال يا رسول اللّه أصبت هذا يوم خيبر فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ شراك من نار أو شراكان من النار‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2- وعن عمر قال‏:‏ ‏(‏لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالوا فلان شهيد وفلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون قال فخرجت فناديت أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

3- وعن عبد اللّه بن عمر قال‏:‏ ‏(‏كان على ثقل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رجل يقال له كركرة فمات فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ هكذا وقع في رواية ثور بن يزيد وقد حكى الدارقطني عن موسى بن هارون أنه قال وهم ثور في هذا الحديث لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى خيبر وإنما قدم بعد خروجهم وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت قال أبو مسعود ويؤيده حديث عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال‏:‏ أتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بخيبر بعد ما افتتحوها قال ولكن لا يشك أحد أن أبا هريرة حضر قسمة الغنائم‏.‏ الغرض من هذه القصة المذكورة غلول الشملة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وكأن محمد بن إسحاق استشعر توهم ثور بن يزيد في هذه اللفظة فرواه عنه في المغازي بدونها وأخرجه ابن حبان والحاكم وابن منده من طريقه بلفظ‏:‏ ‏(‏انصرفنا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى وادي القرى‏)‏ وروى البيهقي في الدلائل من وجه آخر عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏خرجنا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من خيبر إلى وادي القرى‏)‏ فلعل هذا أصل الحديث‏.‏

وحديث قدوم أبي هريرة المدينة والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بخيبر أخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق خثيم بن عراك بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قدمت المدينة والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بخيبر وقد استخلف سباع بن عرفطة‏)‏ فذكر الحديث وفيه‏:‏ ‏(‏فزودنا شيئًا حتى أتينا خيبر وقد افتتحها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فكلم المسلمون فأشركونا في سهامهم‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غنمنا المتاع والطعام والثياب‏)‏ رواية البخاري‏:‏ ‏(‏إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط‏)‏ وهذه المذكورة رواية مسلم ورواية الموطأ إلا الأموال والثياب والمتاع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد له‏)‏ هو مدعم كما وقع في رواية البخاري بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة أيضًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رفاعة بن زيد‏)‏ قال الواقدي‏:‏ كان رفاعة وفد على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في ناس من قومه قبل خروجه إلى خيبر فأسلموا وعقد له على قومه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من بني الضبيب‏)‏ بضم الضاد المعجمة ثم موحدتين بينهما تحتية بصيغة التصغير‏.‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏أحد بني الضباب‏)‏ بكسر الضاد المعجمة وموحدتين بينهما ألف بصيغة جمع الضب وهم بطن من جذام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحل رحله‏)‏ رواية البخاري فبينما مدعم يحط رحل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم زاد البيهقي في الرواية المذكورة وقد استقبلتنا يهود بالرمي ولم نكن على تعبية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لتلتهب عليه نارًا‏)‏ يحتمل أن يكون ذلك حقيقة بأن تصير الشملة نفسها نارًا فيعذب بها ويحتمل أن يكون المراد أنها سبب لعذاب النار وكذا القول في الشراك المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجاء رجل‏)‏ قال الحافظ‏:‏ لم أقف على اسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بشراك أو شراكين‏)‏ الشراك بكسر المعجمة وتخفيف الراء سير النعل على ظهر القدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على ثقل‏)‏ بمثلثة وقاف مفتوحتين العيال وما ثقل حمله من الأمتعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقال له كركرة‏)‏ اختلف في ضبطه فذكر عياض أنه يقال بفتح الكافين وبكسرهما وقال النووي‏:‏ إنما اختلف في كافه الأولى وأما الثانية فمكسورة اتفاقًا قال عياض‏:‏ هو للأكثر بالفتح في رواية علي وبالكسر في رواية ابن سلام‏.‏ وعند الأصيلي بالكسر في الأول وقال القابسي‏:‏ لم يكن عند المروزي فيه ضبط إلا أني أعلم أن الأول خلاف الثاني قال الواقدي‏:‏ إنه كان أسود يمسك دابة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عند القتال‏.‏

وروى أبو سعيد النيسابوري في شرف المصطفى أنه كان ثوبيًا أهداه له هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة فأعتقه وذكر البلاذري أنه مات في الرق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هو في النار‏)‏ أي يعذب على معصيته أو المراد هو في النار إن لم يعف اللّه عنه‏.‏ وظاهر الروايتين أن كركرة المذكور غير مدعم الذي قبله وكلام القاضي عياض يشعر بأن قصتهما متحدة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والذي يظهر من عدة أوجه تغايرهما قال نعم عند مسلم من حديث عمر ثم ذكر الحديث المذكور في الباب ثم قال فهذا يمكن تفسيره بكركرة بخلاف قصة مدعم فإنها كانت بوادي القرى ومات بسهم وغل شملة والذي أهدى كركرة هوذة والذي أهدى مدعم رفاعة فافترقا ‏ـ وأحاديث الباب‏ ـ تدل على تحريم الغلول من غير فرق بين القليل منه والكثير ونقل النووي الإجماع على أنه من الكبائر وقد صرح القرآن والسنة بأن الغال يأتي يوم القيامة والشيء الذي غله معه فقال اللّه تعالى ‏{‏ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة‏}‏ وثبت في البخاري وغيره من حديث أبي هريرة‏:‏ أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس على رقبته شاة‏.‏ الحديث وظاهر قوله شراك من نار الخ أن من أعاد إلى الإمام ما غله بعد القسمة لم يسقط عنه الإثم قال الثوري والأوزاعي والليث ومالك يدفع إلى الإمام خمسه ويتصدق بالباقي وكان الشافعي لا يرى ذلك ويقول إن كان ملكه فليس عليه أن يتصدق به وإن كان لم يملكه فليس له الصدقة بمال غيره‏.‏ قال‏:‏ والواجب أن يدفع إلى الإمام كالأموال الضائعة انتهى‏.‏

وأما قبل القسمة فقال ابن المنذر أجمعوا على أن للغال أن يعيد ما غل قبل القسمة‏.‏

4- وعن عبد اللّه بن عمرو قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالًا فنادى في الناس فيجيؤن بغنائمهم فيخمسه ويقسمه فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال يا رسول اللّه هذا فيما كنا أصبنا من الغنيمة فقال أسمعت بلالًا نادى ثلاثًا قال نعم قال فما منعك أن تجيء به فاعتذر إليه فقال كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله منك‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

قال البخاري‏:‏ قد روي في غير حديث عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في الغال ولم يأمر بحرق متاعه‏.‏

5- وعن صالح بن محمد بن زائدة قال‏:‏ ‏(‏دخلت مع مسلمة أرض الروم فأتي برجل قد غل فسأل سالمًا عنه فقال سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه قال فوجد في متاعه مصحفًا فسأل سالمًا عنه فقال بعه وتصدق بثمنه‏)‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏

6- وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وزاد في رواية ذكرها تعليقًا‏:‏ ‏(‏ومنعوه سهمه‏)‏‏.‏

حديث عبد اللّه بن عمرو سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه الحاكم وصححه‏.‏

وحديث صالح بن محمد أخرجه أيضًا الترمذي والحاكم والبيهقي قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقال سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال إنما روى هذا صالح بن محمد بن زائدة الذي يقال له أبو واكد الليثي وهو منكر الحديث قال المنذري‏:‏ وصالح بن محمد بن زائدة تكلم فيه غير واحد من الأئمة وقد قيل إنه تفرد به وقال البخاري‏:‏ عامة أصحابنا يحتجون بهذا في الغلول وهو باطل ليس بشيء وقال الدارقطني‏:‏ أنكروا هذا الحديث على صالح بن محمد قال وهذا حديث لم يتابع عليه ولا أصل لهذا الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم والمحفوظ أن سالمًا أمر بذلك وصحح أبو داود وقفه‏.‏ ورواه من وجه آخر باللفظ الذي ذكره المصنف وقال هذا أصح‏.‏

وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضًا الحاكم والبيهقي وفي إسناده زهير بن محمد وهو الخراساني نزيل مكة وقال البيهقي يقال هو غيره وأنه مجهول وقد رواه أبو داود من وجه آخر عن زهير موقوفًا قال في الفتح‏:‏ وهو الراجح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يأمر بحرق متاعه‏)‏ هذا لفظ رواية الترمذي عن البخاري ولفظ البخاري في الجهاد في باب القليل من الغلول ولم يذكر عبد اللّه بن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه حرق متاعه يعني في حديثه الذي ساقه في ذلك الباب وهو الحديث الذي تقدم في أول هذا الباب ثم قال البخاري وهذا أصح‏.‏

قال في الفتح‏:‏ أشار إلى تضعيف عبد اللّه بن عمر في الأمر بحرق رحل الغال والإشارة بقوله هذا إلى الحديث الذي ساقه‏.‏ والحرق بفتح الحاء المهملة والراء وقد تسكن الراء كما في النهاية مصدر حرق بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر حديث الإحراق أحمد في رواية وهو قول مكحول والأوزاعي وعن الحسن يحرق متاعه كله إلا الحيوان والمصحف‏.‏

وقال الطحاوي‏:‏ لو صح الحديث لاحتمل أن يكون حين كانت العقوبة بالمال انتهى‏.‏ وقد قدمنا الكلام على العقوبة بالمال في كتاب الزكاة‏.‏

وفي حديث عبد اللّه بن عمرو دليل على أنه لا يقبل الإمام من الغال ما جاء به بعد وقوع القسمة ولو كان يسيرًا وقد تقدم الخلاف في ذلك قريبًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومنعوه سهمه‏)‏ فيه دليل على أنه يجوز للإمام بعد عقوبة الغال بتحريق متاعه أن يعاقبه عقوبة أخرى بمنعه سهمه من الغنيمة وكذلك يعاقب عقوبة ثالثة بضربه كما وقع في الحديث المذكور‏.‏