فصل: باب ما جاء في الحجامة وأوقاتها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 أبواب الطب

 باب إباحة التداوي وتركه

1 - عن أسامة بن شريك قال‏:‏ ‏(‏جاء أعرابي فقال‏:‏ يا رسول اللّه أنتداوى قال‏:‏ نعم فإن اللّه لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏(‏قالت الأعراب يا رسول اللّه ألا نتداوى قال‏:‏ نعم عباد اللّه تداووا فإن اللّه لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داءًا واحدًا قالوا‏:‏ يا رسول اللّه وما هو قال‏:‏ الهرم‏)‏ رواه ابن ماجه وأبو داود والترمذي وصححه‏.‏

2 - وعن جابر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن اللّه تعالى‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

3 - وعن ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إن اللّه لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

4 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ما أنزل اللّه من داء إلا أنزل له شفاء‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري وابن ماجه‏.‏

5 - وعن أبي خزامة قال‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول اللّه أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر اللّه شيئًا قال‏:‏ هي من قدر اللّه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن ولا يعرف لأبي خزامة غير هذا الحديث‏.‏

6 - وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون‏)‏‏.‏

7 - وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن امرأة سوداء أتت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت‏:‏ إني أصرع وإني أتكشف فادع اللّه لي قال‏:‏ إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت اللّه أن يعافيك فقالت‏:‏ أصبر وقالت‏:‏ إني أتكشف فادع اللّه أن لا أتكشف فدعا لها‏)‏‏.‏

متفق عليهما‏.‏

حديث أسامة أخرجه أيضًا النسائي والبخاري في الأدب المفرد وصححه أيضًا ابن خزيمة والحاكم‏.‏

وحديث ابن مسعود أخرجه أيضًا النسائي وصححه ابن حبان والحاكم‏.‏

وحديث أبي خزامة وهو بمعجمة مكسورة وزاي خفيفة أخرجه أيضًا الترمذي من طريقين إحداهما عن ابن أبي عمر عن سفيان عن الزهري عن أبي خزامة عن أبيه والثانية عن سعيد بن عبد الرحمن عن سفيان عن الزهري عن ابن أبي خزامة عن أبيه قال‏:‏ وقد روي عن ابن عيينة كلتا الروايتين وقال بعضهم عن أبي خزامة عن أبيه وقال بعضهم عن ابن أبي خزامة عن أبيه قال وقد روى هذا الحديث غير ابن عيينة عن الزهري عن أبي خزامة عن أبيه وهذا أصح ولا يعرف لأبي خزامة عن أبيه غير هذا الحديث اهـ كلامه وقد صرح بأنه حديث حسن وهو كما قال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن اللّه لم ينزل داء‏)‏ المراد بالإنزال إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مثلًا أو المراد به التقدير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عباد اللّه تداووا‏)‏ لفظ الترمذي قال نعم يا عباد اللّه تداووا والداء والدواء كلاهما بفتح الدال المهملة بالمد وحكى كسر دال الدواء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والهرم‏)‏ استثناه لكونه شبيهًا بالموت والجامع بينهما تقضي الصحة أو لقربه من الموت أو إفضائه إليه ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعاُ والتقدير لكن الهرم لا دواء له وفي لفظ‏:‏ إلا السام بمهملة مخففًا وهو الموت ولعل التقدير إلا داء السام أي المرض الذي قدر على صاحبه الموت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏علمه من علمه‏)‏ فيه إشارة إلى أن بعض الأدوية لا يعلمه كل واحد‏.‏

ـ وفي أحاديث الباب ـ كلها إثبات الأسباب وأن ذلك لا ينافي التوكل على اللّه لمن اعتقد أنها بإذن اللّه وبتقديره وأنها لا تنجع بذواتها بل بما قدره اللّه فيها وأن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر اللّه ذلك وإليه الإشارة في حديث جابر حيث قال بإذن اللّه فمدار ذلك كله على تقدير اللّه وإرادته والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذلك تجنب المهلكات والدعاء بالعافية ودفع المضار وغير ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجهله من جهله‏)‏ فيه دليل على أنه لا بأس بالتداوي لمن كان به داء قد اعترف الأطباء بأنه لا دواء له وأقروا بالعجز عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رقى نسترقيها‏)‏ الخ سيأتي الكلام على الرقية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتقاة نتقيها‏)‏ أي ما نتقي به ما يرد علينا من الأمور التي لا نريد وقوعها بنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال هي من قدر اللّه‏)‏ أي لا مخالفة بينهما لأن اللّه هو الذي خلق تلك الأسباب وجعل لها خاصية في الشفاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يسترقون‏)‏ الخ سيأتي الكلام على الرقية والكي‏.‏ وأما التطير فهو من الطيرة بكسر الطاء المهملة وفتح المثناة التحتية وقد تسكن وهي التشاؤم بالشي وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه ـ والأحاديث ـ في الطيرة متعارضة وقد وضعت فيها رسالة مستقلة‏.‏ وقد استدل بهذا الحديث والذي بعده على أنه يكره التداوي وأجيب عن ذلك بأجوبة قال النووي‏:‏ لا مخالفة بل المدح في ترك الرقى المراد بها الرقى التي هي من كلام الكفار والرقى المجهولة والتي بغير العربية وما لا يعرف معناه فهذه مذمومة لاحتمال أن معناه كفر أو قريب منه أو مكروه وأما الرقى بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة فلا نهي فيه بل هو سنة ومنهم من قال في الجمع بين الحديثين أن الواردة في ترك الرقى للأفضلية وبيان التوكل وفي فعل الرقى لبيان الجواز مع أن تركها أفضل وبهذا قال ابن عبد البر وحكاه عمن حكاه والمختار الأول وقد نقلوا الإجماع على جواز الرقى بالآيات وأذكار اللّه تبارك وتعالى‏.‏

قال المازري‏:‏ جميع الرقى جائزة إذا كانت بكتاب اللّه أو بذكره ومنهي عنها إذا كانت باللغة العجمية أو بما لا يدرى معناه لجواز أن يكون فيه كفر وقال الطبري والمازري وطائفة‏:‏ إنه محمول على من يعتقد أن الأدوية تنفع بطبعها كما كان أهل الجاهلية يعتقدون‏.‏

قال عياض‏:‏ الحديث يدل على أن للسبعين ألفًا مزية على غيرهم وفضيلة انفردوا بها عمن يشاركهم في أصل الفضل والديانة ومن كان يعتقد أن الأدوية تؤثر بطبعها أو يستعمل رقى أهل الجاهلية ونحوها فليس مسلمًا فلم يسلم هذا الجواب وأجاب الداودي وطائفة أن المراد بالحديث الذين يجتنبون فعل ذلك في الصحة خشية وقوع الداء وأما من يستعمل الدواء بعد وقوع الداء فلا‏.‏ وأجاب الحليمي بأنه يحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المذكورين في الحديث من غفل عن أحوال الدنيا وما فيها من الأسباب المعدة لدفع العوارض فهم لا يعرفون الاكتواء ولا الاسترقاء وليس لهم ملجأ فيما يعتريهم إلا الدعاء والاعتصام باللّه والرضا بقضائه فهم غافلون عن طب الأطباء ورقى الرقاة ولا يخشون من ذلك شيئًا وأجاب الخطابي ومن تبعه بأن المراد بترك الرقى والكي الاعتماد على اللّه في دفع الداء والرضا بقدره لا القدح في جواز ذلك وثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة‏.‏ وعن السلف الصالح لكن مقام الرضا والتسليم أعلى من تعاطي الأسباب‏.‏

قال ابن الأثير‏:‏ هذا من صفة الأولياء المعرضين عن الدنيا وأسبابها وعلائقها وهؤلاء هم خواص الأولياء ولا يرد عليه وقوع مثل ذلك من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فعلًا وأمرًا لأنه كان في أعلى مقامات العرفان ودرجات التوكل فكان ذلك منه للتشريع وبيان الجواز ومع ذلك فلا ينقص من توكله لأنه كان كامل التوكل يقينًا فلا يؤثر فيه تعاطي الأسباب شيئًا بخلاف غيره ولو كان كثير التوكل فكان من ترك الأسباب وفوض وأخلص أرفع مقامًا قال الطبري‏:‏ قيل لا يستحق اسم التوكل إلا من لم يخالط قلبه خوف من شيء البتة حتى السبع الضاري والعدو العادي ولا يسعى في طلب رزقه ولا في مداواة ألم‏.‏ والحق من وثق باللّه وأيقن أن قضاءه عليه ماض لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب إتباعًا لسنته وسنة رسوله فقد ظاهر صلى اللّه عليه وآله وسلم بين درعين ولبس على رأسه المغفر وأقعد الرماة على فم الشعب وخندق حول المدينة وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة وهاجر هو وتعاطى أسباب الأكل والشرب وادخر لأهله قوتهم ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء وهو كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك وقال للذي سأله أيعقل ناقته أو يتوكل اعقلها وتوكل فأشار إلى أن الاحتراز لا يدفع التوكل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقالت إني أصرع‏)‏ الصرع نعوذ باللّه منه علة تمنع الأعضاء الرئيسة عن استعمالها منعًا غير تام وسببه ريح غليظة تنحبس في منافذ الدماغ أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء وقد يتبعه تشنج في الأعضاء ويقذف المصروع بالزبد لغلظ الرطوبة وقد يكون الصرع من الجن ويقع من النفوس الخبيثة منهم إما لاستحسان بعض الصور الإنسية وإما لإيقاع الأذية به والأول هو الذي يثبته جميع الأطباء ويذكرون علاجه والثاني يجحده كثير منهم وبعضهم يثبته ولا يعرف له علاج إلا بجذب الأرواح الخيرة العلوية لدفع آثار الأرواح الشريرة السفلية وتبطيل أفعالها وممن نص على ذلك بقراط فقال بعد ذكر علاج المصروع إنما ينفع في الذي سببه أخلاط وأما الذي يكون من الأرواح فلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإني أتكشف‏)‏ بمثناة من فوق وتشديد الشين المعجمة من التكشف وبالنون الساكنة المخففة من الانكشاف والمراد أنها خشيت أن تظهر عورتها وهي لا تشعر‏.‏ وفيه أن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة وفيه دليل على جواز ترك التداوي وأن التداوي بالدعاء مع الالتجاء إلى اللّه أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير ولكن إنما ينجع بأمرين أحدهما من جهة العليل وهو صدق القصد والآخر من جهة المداوي وهو توجه قلبه إلى اللّه وقوته بالتقوى والتوكل على اللّه تعالى‏.‏

 باب ما جاء بالتداوي بالمحرمات

1 - عن وائل بن حجر‏:‏ ‏(‏أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الخمر فنهاه عنها فقال‏:‏ إنما أصنعها للدواء قال‏:‏ إنه ليس بدواء ولكنه داء‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه‏.‏

2 - وعن أبي الدرداء قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إن اللّه أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بحرام‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وقال ابن مسعود في المسكر‏:‏ ‏(‏إن اللّه لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم‏)‏ ذكره البخاري‏.‏

3 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الدواء الخبيث يعني السم‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي‏.‏

وقال الزهري في أبوال الإبل‏:‏ ‏(‏قد كان المسلمون يتداوون بها فلا يرون بها بأسًا‏)‏ رواه البخاري‏.‏

حديث أبي الدرداء في إسناده إسماعيل بن عياش قال المنذري‏:‏ وفيه مقال انتهى‏.‏ وقد عرفت غير مرة أنه إذا حدث عن أهل الشام فهو ثقة وإنما يضعف في الحجازيين وهو ههنا حدث عن ثعلبة بن مسلم الخثعمي وهو شامي ذكره ابن حبان في الثقات عن أبي عمران الأنصاري مولى أم الدرداء وقائدها وهو أيضًا شامي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس بدواء ولكنه داء‏)‏ فيه التصريح بأن الخمر ليست بدواء فيحرم التداوي بها كما يحرم شربها وكذلك سائر الأمور النجسة أو المحرمة وإليه ذهب الجمهور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تتداووا بحرام‏)‏ أي لا يجوز التداوي بما حرمه اللّه من النجاسات وغيرها مما حرمه اللّه ولو لم يكن نجسًا‏.‏

قال ابن رسلان في شرح السنن‏:‏ والصحيح من مذهبنا يعني الشافعية جواز التداوي بجميع النجاسات سوى المسكر لحديث العرنيين في الصحيحين حيث أمرهم صلى اللّه عليه وآله وسلم بالشراب من أبوال الإبل للتداوي قال ـ وحديث الباب ـ محمول على عدم الحاجة بأن يكون هناك دواء غيره يغني عنه ويقوم مقامه من الطاهرات‏.‏ قال البيهقي‏:‏ هذان الحديثان إن صحا محمولان على النهي عن التداوي بالمسكر والتداوي بالحرام من غير ضرورة ليجمع بينهما وبين حديث العرنيين انتهى‏.‏ ولا يخفى ما في هذا الجمع من التعسف فإن أبوال الإبل الخصم يمنع اتصافها بكونها حرامًا أو نجسًا وعلى فرض التسليم فالواجب الجمع بين العام وهو تحريم التداوي بالحرام وبين الخاص وهو الإذن بالتداوي بأبوال الإبل بأن يقال يحرم التداوي بكل حرام إلا أبوال الإبل هذا هو القانون الأصولي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الدواء الخبيث‏)‏ ظاهره تحريم التداوي بكل خبيث والتفسير بالسم مدرج لا حجة فيه ولا ريب أن الحرام والنجس خبيثان‏.‏ قال الماوردي وغيره‏:‏ السموم على أربع أضرب منها ما يقتل كثيره وقليله فأكله حرام للتداوي ولغيره لقوله تعالى ‏{‏ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة‏}‏ ومنها ما يقتل كثيره دون قليله فأكل كثيره الذي يقتل حرام للتداوي وغيره والقليل منه إن كان مما ينفع في التداوي جاز أكله تداويًا ومنها ما يقتل في الأغلب وقد يجوز أن لا يقتل فحكمه كما قبله ومنها ما لا يقتل في الأغلب وقد يجوز أن يقتل فذكر الشافعي في موضع إباحة أكله وفي موضع تحريم أكله فجعله بعض أصحابه على حالين فحيث أباح أكله فهو إذا كان للتداوي وحيث حرم أكله فهو إذا كان غير منتفع به في التداوي‏.‏

 باب ما جاء في الكي

1 - عن جابر قال‏:‏ ‏(‏بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى أبي بن كعب طبيبًا فقطع منه عرقًا ثم كواه‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

2 - وعن جابر أيضًا‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كوى سعد بن معاذ في أكحله مرتين‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه ومسلم بمعناه‏.‏

3 - وعن أنس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب‏.‏

4 - وعن المغيرة بن شعبة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه‏.‏

5 - وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ الشفاء في ثلاثة في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار وأنهى أمتي عن الكي‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري وابن ماجه‏.‏

6 - وعن عمران بن حصين‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن الكي فاكتوينا فما أفلحن ولا نجعن‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي وقال فما أفلحنا ولا أنجعنا‏.‏

حديث أنس أخرجه الترمذي من طريق حميد بن مسعدة حدثنا بريدة بن زريع أخبرنا معمر عن الزهري عن أنس وإسناده حسن كما قال‏.‏

وحديث المغيرة صححه أيضًا ابن حبان والحاكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقطع منه عرقًا‏)‏ استدل بذلك على أن الطبيب يداوي بما ترجح عنده قال ابن رسلان‏:‏ وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالأخف لا ينتقل إلى ما فوقه فمتى أمكن التداوي بالغذاء لا ينتقل إلى الدواء ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب ومتى أمكن بالدواء لا يعدل إلى الحجامة ومتى أمكن بالحجامة لا يعدل إلى قطع العرق‏.‏

وقد روى ابن عدي في الكامل من حديث عبد اللّه بن جواد قطع العروق مسقمة كما في الترمذي وابن ماجه ترك العشاء مهرمة وإنما كواه بعد القطع لينقطع الدم الخارج من العرق المقطوع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كوى سعد بن معاذ‏)‏ الكي هو أن يحمي حديد ويوضع على عضو معلول ليحرق ويحبس دمه ولا يخرج أو لينقطع العرق الذي خرج منه الدم‏.‏

وقد جاء النهي عن الكي وجاءت الرخصة فيه والرخصة لسعد لبيان جوازه حيث لا يقدر الرجل أن يداوي العلة بدواء آخر وإنما ورد النهي حيث يقدر الرجل على أن يداوي العلة بدواء آخر لأن الكي فيه تعذيب بالنار ولا يجوز أن يعذب بالنار إلا رب النار وهو اللّه تعالى ولأن الكي يبقى منه أثر فاحش وهذان نوعان من أنواع الكي الأربعة وهما النهي عن الفعل وجوازه والثالث الثناء على من تركه كحديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة وقد تقدم والرابع عدم محبته كحديث الصحيحين‏:‏ ‏(‏وما أحب أن أكتوى‏)‏ فعدم محبته يدل على أن الأولى عدم فعله والثناء على تركه يدل على أن تركه أولى فتبين أنه لا تعارض بين الأربعة‏.‏

قال الشيخ أبو محمد بن حمزة‏:‏ علم من مجموع كلامه في الكي أن فيه نفعًا وأن فيه مضرة فلما نهى عنه علم أن جانب المضرة فيه أغلب وقريب منه إخبار اللّه تعالى أن في الخمر منافع ثم حرمها لأن المضار التي فيها أعظم من المنافع انتهى ملخصًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من الشوكة‏)‏ هي داء معروف كما في القاموس‏.‏ قال في النهاية‏:‏ هي حمرة تعلو الوجه والجسد يقال منه شيك فهو مشوك وكذلك إذا دخل في جسمه شوكة ومنه الحديث إذا شيك فلا انتقش أي إذا شاكته فلا يقدر على انتقاشها وهو إخراجها بالنقاش‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقد برئ من التوكل‏)‏ قال في الهدى‏:‏ أحاديث الكي التي في هذا الباب قد تضمنت أربعة أشياء أحدها فعله‏.‏ ثانيها عدم محبته‏.‏ ثالثها الثناء على من تركه‏.‏ رابعها النهي عنه‏.‏ ولا تعارض فيها بحمد اللّه فإن فعله يدل على جوازه وعدم محبته لا يدل على المنع منه والثناء على تاركيه يدل على أن تركه أفضل والنهي عنه إما على سبيل الاختيار من دون علة أو عن النوع الذي يحتاج معه إلى كي انتهى‏.‏ وقيل الجمع بين هذه الأحاديث أن المنهي عنه هو الاكتواء ابتداء قبل حدوث العلة كما يفعله الأعاجم والمباح هو الاكتواء بعد حدوث العلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في شرطة محجم‏)‏ بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو شربة عسل‏)‏ قال في الفتح‏:‏ العسل يذكر ويؤنث وأسماؤه تزيد على المائة وفيه من المنافع ما لخصه الموفق البغدادي وغيره فقالوا يجلي الأوساخ التي في العروق والأمعاء ويدفع الفضلات ويغسل المعدة ويسخنها تسخينًا معتدلًا ويفتح أفواه العروق ويشد المعدة والكبد والكلى والمثانة وفيه تحليل للرطوبات أكلًا وطلاء وتغذية وفيه حفظ للمعجونات وإذهاب لكيفية الأدوية المستكرهة وتنقية للكبد والصدر وإدرار البول والطمس وينفع للسعال الكائن من البلغم والأمزجة الباردة وإذا أضيف إليه الخل نفع أصحاب الصفراء ثم هو غذاء من الأغذية ودواء من الأدوية وشراب من الأشربة وحلوًا من الحلاوات وطلاء من الأطلية ومفرح من المفرحات ومن منافعه أنه إذا شرب حارًا بدهن الورد نفع من نهش الحيوان وإذا شرب وحده بماء نفع من عضة الكلب الكلب وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة أشهر وكذا الخيار والقرع والباذنجان والليمون ونحو ذلك وإذا لطخ به البدن للقمل قتل القمل والصئبان وطول الشعر وحسنه ونعمه وإن اكتحل به جلا ظلمة البصر وإن استن به صقل الأسنان وحفظ صحتها وهو عجيب في حفظ جثة الموتى فلا يسرع إليها البلا وهو مع ذلك مأمون الغائلة قليل المضرة ولم يكن يعول قدماء الأطباء في الأدوية المركبة إلا عليه ولا ذكر للسكر في أكثر كتبهم أصلًا‏.‏

وقد أخرج أبو نعيم في الطب النبوي بسند ضعيف من حديث أبي هريرة رفعه وابن ماجه بسند ضعيف من حديث جابر رفعه‏:‏ ‏(‏من لعق العسل ثلاث غدوات من كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنهى أمتي عن الكي‏)‏ قال النووي‏:‏ هذا الحديث من بديع الطب عند أهله لأن الأمراض الامتلائية دموية أو صفراوية أو سوداوية أو بلغمية فإن كانت دموية فشفاؤها إخراج الدم وإن كانت من الثلاثة الباقية فشفاؤها بالإسهال بالمسهل اللائق بكل خلط منها فكأنه نبه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالعسل على المسهلات وبالحجامة على إخراج الدم بها وبالفصد ووضع العلق وما في معناها وذكر الكي لأنه يستعمل عند عدم نفع الأدوية المشروبة ونحوها فآخر الطب الكي والنهي عنه إشارة إلى تأخير العلاج بالكي حتى يضطر إليه لما فيه من استعجال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى عن الكي فاكتويتا‏)‏ قال ابن رسلان‏:‏ هذه الرواية فيها إشارة إلى أنه يباح عند الضرورة بالابتلاء بالأمراض المزمنة التي لا ينجع فيها إلا الكي ويخاف الهلاك عند تركه ألا تراه كوى سعدًا لما لم ينقطع الدم من جرحه وخاف عليه الهلاك من كثرة خروجه كما يكوى من تقطع يده أو رجله ونهى عمران بن حصين عن الكي لأنه كان به باسور وكان موضعه خطرًا فنهاه عن كيه فتعين أن يكون خاصًا بمن به مرض مخوف ولأن العرب كانوا يرون أن الشافي لما لا شفاء له بالدواء هو الكي ويعتقدون أن من لم يكتو هلك فنهاهم عنه لأجل هذه النية فإن اللّه تعالى هو الشافي‏.‏

قال ابن قتيبة‏:‏ الكي جنسان كي الصحيح لئلا يعتل فهذا الذي قيل فيه لم يتوكل من اكتوى لأنه يريد أن يدفع القدر عن نفسه والثاني كي الجرح إذا لم ينقطع دمه بإحراق ولا غيره والعضو إذا قطع ففي هذا الشفاء بتقدير اللّه وأما إذا كان الكي للتداوي الذي يجوز أن ينجح ويجوز أن لا ينجح فإنه إلى الكراهة أقرب‏.‏ وقد تضمنت ‏(‏أحاديث الكي‏)‏ أربعة أنواع كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فما أفلحن ولا أنجحن‏)‏ هكذا الرواية الصحيحة بنون الإناث فيهما يعني تلك الكيات التي اكتويناهن وخالفنا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في فعلهن وكيف يفلح أو ينجح شيء خولف فيه صاحب الشريعة وعلى هذا فالتقدير فاكتوينا كيات لأوجاع فما أفلحن ولا أنجحن وهو أولى من أن يكون المحذوف الفاعل على تقدير فما أفلحن الكيات ولا أنجحن لأن حذف المفعول الذي هو فضلة أقوى من حذف الفاعل الذي هو عمدة ورواية الترمذي كما ذكره المصنف رحمه اللّه فيكون الفلاح والنجاح مسندًا فيها إلى المتكلم ومن معه‏.‏ وفي رواية لابن ماجه‏:‏ ‏(‏فما أفلحت ولا أنجحت‏)‏ بسكون تاء التأنيث بعد الحاء المفتوحة‏.‏

 باب ما جاء في الحجامة وأوقاتها

1 - عن جابر قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعة نار توافق الداء وما أحب أن أكتوى‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وعن قتادة عن أنس قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب‏.‏

3 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

4 - وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن خير ما تحتجمون فيه يوم سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب‏.‏

5 - وعن أبي بكرة‏:‏ ‏(‏أنه كان ينهى أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء ويزعم عن رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

6 - وروي عن معقل بن يسار قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ الجحامة يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر دواء لداء السنة‏)‏‏.‏

رواه حرب بن إسماعيل الكرماني صاحب أحمد وليس إسناده بذاك‏.‏

7 - وروى الزهري‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من احتجم يوم السبت أو يوم الأربعاء فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه‏)‏‏.‏

ذكره أحمد واحتج به‏.‏ قال أبو داود‏:‏ وقد أسند ولا يصح وكره إسحاق بن راهويه الحجامة يوم الجمعة والأربعاء والثلاثاء إلا إذا كان يوم الثلاثاء سبع عشرة من الشهر أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين‏.‏

حديث أنس أخرجه أيضًا ابن ماجه من وجه آخر وسنده ضعيف‏.‏ والطريق التي رواها الترمذي منها هي ما في سننه قال حدثنا عبد القدوس بن محمد حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا همام وجرير بن حازم قالا حدثنا قتادة عن أنس فذكره وقال النووي عند الكلام على هذا الحديث رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم وصححه الحاكم أيضًا ولكن ليس في حديث أبي داود المذكور الزيادة وهي قوله وكان يحتجم لسبع عشرة الخ‏.‏

وحديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود والمنذري وهو من رواية سعيد بن عبد الرحمن بن عوف الجمحي عن سهيل بن أبي صالح وسعيد وثقه الأكثر ولينه بعضهم من قبل حفظه وله شاهد مذكور في الباب بعده‏.‏

وحديث ابن عباس أخرجه أيضًا أحمد قال الحافظ‏:‏ ورجاله ثقات لكنه معلول انتهى‏.‏ وإسناده في سنن الترمذي هكذا حدثنا عبد بن حميد أخبره النضر بن شميل حدثنا عباد بن منصور قال سمعت عكرمة فذكره‏.‏

وحديث أبي بكرة في إسناده أبو بكرة بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة قال يحيى بن معين‏:‏ ضعيف ليس حديثه بشيء‏.‏ وقال ابن عدي‏:‏ أرجو أنه لا بأس به وهو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم‏.‏

وحديث معقل بن يسار أشار إليه الترمذي وقد ضعف المصنف إسناده ولكن شهد له ما قبله وقد أخرجه أيضًا رزين ـ وفي الباب ـ عن ابن عمر عند ابن ماجه رفعه في أثناء حديث وفيه ‏(‏فاحتجموا على بركة اللّه يوم الخميس واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت والأحد‏)‏ أخرجه من طريقين ضعيفتين وله طريق ثالثة ضعيفة أيضًا عند الدارقطني في الأفراد وأخرجه بسند جيد عن ابن عمر موقوفًا‏.‏

ونقل الخلال عن أحمد أنه كره الحجامة في الأيام المذكورة وإن كان الحديث لم يثبت‏.‏ وحكى أن رجلًا احتجم يوم الأربعاء فأصابه برص لكونه تهاون بالحديث قال في الفتح‏:‏ ولكون هذه الأحاديث لم يصح منها شيء قال حنبل بن إسحاق كان أحمد يحتجم أي وقت هاج به الدم وأي ساعة كانت‏.‏

ـ ومن أحاديث الباب ـ في الحجامة حديث أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن كان في شيء مما تداويتم به خير فالحجامة‏)‏ أخرجه أبو داود وابن ماجه‏.‏ وعن سلمى خادمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قالت‏:‏ ‏(‏ما كان أحد يشتكي إلى رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وجعًا في رأسه إلا قال‏:‏ احتجم ولا وجعًا في رجليه إلا قال‏:‏ اخضبهما‏)‏ أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث غريب إنما يعرف من حديث قائد‏.‏ وقائد هذا هو مولى عبيد اللّه بن علي بن أبي رافع وثقه يحيى بن معين وقال أحمد وأبو حاتم الرازي‏:‏ لا بأس به وفي إسناده أيضًا عبيد اللّه بن علي بن أبي رافع مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ قال ابن معين‏:‏ لا بأس به وقال أبو حاتم الرازي‏:‏ لا يحتج بحديثه وقد أخرجه الترمذي من حديث علي بن عبيد اللّه عن جدته وقال وعبيد اللّه بن علي أصح وقال غيره‏:‏ علي بن عبيد اللّه بن أبي رافع لا يعرف بحال ولم يذكره أحد من الأئمة في كتاب وذكر بعده حديث عبيد اللّه بن علي بن أبي رافع هذا الذي ذكرناه وقال فانظر في اختلاف إسناده وتغير لفظه هل يجوز لمن يدعي السنة أو ينسب إلى العلم أن يحتج بهذا الحديث على هذا الحال ويتخذه سنة وحجة في خضاب اليد والرجل‏.‏ وعن جابر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم احتجم على وركيه من وثء كان به‏)‏ أخرجه أبو داود والنسائي والوثء بالمثلثة الوجع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو لذعة بنار‏)‏ بذال معجمة ساكنة وعين مهملة‏.‏ اللذع هو الخفيف من حرق النار‏.‏ وأما اللدغ بالدال المهملة والغين المعجمة فهو ضرب أو عض ذات السم‏.‏ وقد تقدم الكلام على حديث جابر هذا قريبًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في الأخدعين‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ الأخدعان عرقان في جانبي العنق بحجم منه والكاهل ما بين الكتفين وهو مقدم الظهر‏.‏

قال ابن القيم في الهدى‏:‏ الحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس وأجزائه كالوجه والأسنان والأذنين والعينين والأنف إذا كان حدوث ذلك من كثرة الدم أو فساده أو منهما جميعًا قال‏:‏ والحجامة لأهل الحجاز والبلاد الحارة لأن دماءهم رقيقة وهي أميل إلى ظاهر أبدانهم لجذب الحرارة الخارجة إلى سطح الجسد واجتماعها في نواحي الجلد ولأن مسام أبدانهم واسعة ففي الفصد لهم خطر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان شفاء من كل داء‏)‏ هذا من العام المراد به الخصوص والمراد كان شفاء من كل داء سببه غلبة الدم‏.‏

وهذا الحديث موافق لما أجمعت عليه الأطباء أن الحجامة في النصف الثاني من الشهر أنفع مما قبله وفي الربع الرابع أنفع مما قبله‏.‏

قال صاحب القانون‏:‏ أوقاتها في النهار الساعة الثانية أو الثالثة وتكره عندهم الحجامة على الشبع فربما أورثت سددًا وأمراضًا رديئة لا سيما إذا كان الغذاء رديئًا غليظًا والحجامة على الريق دواء وعلى الشبع داء واختيار هذه الأوقات للحجامة فيما إذا كانت على سبيل الاحتراز من الأذى وحفظًا للصحة وأما في مداواة الأمراض فحيثما وجد الاحتياج إليها وجب استعمالها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يوم الثلاثاء يوم الدم‏)‏ أي يوم يكثر فيه الدم في الجسم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفيه ساعة لا يرقأ‏)‏ بهمز آخره أي لا ينقطع فيها دم من احتجم أو افتصد أو لا يسكن وربما يهلك الإنسان فيها بسبب عدم انقطاع الدم وأخفيت هذه الساعة لتترك الحجامة في هذه اليوم خوفًا من مصادفة تلك الساعة كما أخفيت ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر ليجتهد المتعبد في جميع أوتاره ليصادف ليلة القدر وكما أخفيت ساعة الإجابة في يوم الجمعة‏.‏

وفي رواية رواها رزين‏:‏ ‏(‏لا تفتحوا الدم في سلطانه ولا تستعملوا الحديد في يوم سلطانه‏)‏ وزاد أيضًا‏:‏ ‏(‏إذا صادف يوم سبع عشرة يوم الثلاثاء كان دواء السنة لمن احتجم‏)‏ فيه وفي الحجامة منافع‏.‏

قال في الفتح‏:‏ والحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق وتنوب عن فصد الباسليق والحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس والوجه كالأذنين والعينين والأسنان والأنف والحلق وتنوب عن فصد القيفال والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع الأسنان والوجه والحلقوم وتنقي الرأس والحجامة على القدم تنوب عن فصد الصافن وهو عرق تحت الكعب وتنفع من قروح الفخذين والساقين وانقطاع الطمث والحكة العارضة في الأنثيين والحجامة في أسفل الصدر نافعة من دماميل الفخذ وجربه وبثوره ومن النقرس والبواسير وداء الفيل وحكة الظهر ومحل ذلك كله إذا كان عن دم هائج وصادف وقت الاحتياج إليه والحجامة على المعدة تنفع الأمعاء وفساد الحيض انتهى‏.‏

قال أهل العلم بالفصد فصد الباسليق ينفع حرارة الكبد والطحال والرئة ومن الشوصة وذات الجنب وسائر الأمراض الدموية العارضة من أسفل الركبة إلى الورك وفصد الأكحل ينفع الامتلاء العارض في جميع البدن إذا كان دمويًا ولا سيما إن كان قد فسد وفصد القيفال ينفع من علل الرأس والرقبة إذا كثر الدم أو فسد وفصد الودجين لوجع الطحال والربو‏.‏

قال أهل المعرفة‏:‏ إن المخاطب بأحاديث الحجامة غير الشيوخ لقلة الحرارة في أبدانهم‏.‏

وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن سيرين قال‏:‏ إذا بلغ الرجل أربعين سنة لم يحتجم قال الطبري‏:‏ وذلك لأنه يصير من حينئذ في انتقاص من عمره وانحلال من قوة جسده فلا ينبغي أن يزيده وهنًا بإخراج الدم انتهى‏.‏ وهو محمول على من لم تتعين حاجته إليه وعلى من لم يعتده وقد قال ابن سينا في أرجوزته‏:‏

ومن يكن تعود الفصادة ** فلا يكن يقطع تلك العاده

ثم أشار إلى أنه يقلل ذلك بالتدريج إلى أن ينقطع جملة في عشر الثمانين‏.‏ وقال ابن سينا في أبيات أخرى‏:‏

ووفر على الجسم الدماء فإنها ** لصحة جسم من أجل الدعائم

قال الموفق البغدادي بعد أن ذكر أن الحجامة في نصف الشهر الآخر ثم في ربعه الرابع أنفع من أوله وآخره وذلك أن الأخلاط في أول الشهر وفي آخره تسكن فأولى ما يكون الاستفراغ في أثنائه‏.‏

ـ والحاصل ـ أن أحاديث التوقيت وإن لم يكن شيء منها على شرط الصحيح إلا أن المحكوم عليه بعدم الصحة إنما هو في ظاهر الأمر لا في الواقع فيمكن أن يكون الصحيح ضعيفًا والضعيف صحيحًا لأن الكذوب قد يصدق والصدوق قد يكذب فاجتناب ما أرشد الحديث الضعيف إلى اجتنابه وإتباع ما أرشد إلى إتباعه من مثل هذه الأمور ينبغي لكل عارف وإنما الممنوع إثبات الأحكام التكليفية أو الوضعية أو نفيها بما هو كذلك‏.‏

 باب ما جاء في الرقى والتمائم

1 - عن ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ إن الرقى والتمائم والتولة شرك‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏ والتولة ضرب من السحر‏.‏ قال الأصمعي‏:‏ هو تحبيب المرأة إلى زوجها‏.‏

2 - وعن عقبة بن عامر قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ من تعلق تميمة فلا أتم اللّه له ومن تعلق ودعة فلا ودع اللّه له‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

3 - وعن عبد اللّه بن عمرو قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ ما أبالي ما ركبت أو ما أتيت إذا أنا شربت ترياقًا أو تعلقت تميمة أو قلت الشعر من قبل نفسي‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وقال هذا كان للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم خاصة وقد رخص فيه قوم يعني الترياق‏.‏

4 - وعن أنس قال‏:‏ ‏(‏رخص رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في الرقية من العين والحمة والنملة‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه‏.‏ والنملة قروح تخرج في الجنب‏.‏

5 - وعن الشفا بنت عبد اللّه قالت‏:‏ ‏(‏دخل علي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأنا عند حفصة فقال لي ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتها الكتابة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏ وهو دليل على جواز تعليم النساء الكتابة‏.‏

6 - وعن عوف بن مالك قال‏:‏ ‏(‏كنا نرقى في الجاهلية فقلنا يا رسول اللّه كيف ترى في ذلك فقال‏:‏ اعرضوا على رقاكم لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك‏)‏‏.‏

رواه مسلم وأبو داود‏.‏

7 - وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الرقى فجاء آل عمرو بن حزم فقالوا يا رسول اللّه إنها كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب وإنك نهيت عن الرقى قال فعرضوها عليه فقال‏:‏ ما أرى بأسًا فمن استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏

8 - وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه لأنها أعظم بركة من يدي‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

حديث ابن مسعود أخرجه أيضًا الحاكم وصححه‏.‏ وصححه أيضًا ابن حبان وهو من رواية ابن أخي زينب امرأة ابن مسعود عنها عن ابن مسعود‏.‏ قال المنذري‏:‏ والراوي عن زينب مجهول‏.‏

وحديث عقبة بن عامر قال في مجمع الزوائد أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجالهم ثقات انتهى‏.‏

وحديث عبد اللّه بن عمرو في إسناده عبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي أفريقية قال البخاري‏:‏ في حديثه مناكير‏.‏ وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه نحو هذا‏.‏

وحديث الشفا سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح إلا إبراهيم بن مهدي البغدادي المصيصي وهو ثقة‏.‏ وقد أخرجه النسائي عن إبراهيم بن يعقوب عن علي بن المدني عن محمد بن بشر ثم بإسناد أبي داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الرقى‏)‏ بضم الراء وتخفيف القاف مع القصر جمع رقية كدمى جمع دمية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والتمائم‏)‏ جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يمنعون بها العين في زعمهم فأبطله الإسلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والتولة‏)‏ بكسر التاء المثناة فوق وبفتح الواو المخففة‏.‏ قال الخليل‏:‏ التولة بكسر التاء وضمها شبيه بالسحر‏.‏ وقد جاء تفسير التولة عن ابن مسعود كما أخرجه الحاكم وابن حبان وصححاه أنه دخل على امرأته وفي عنقها شيء معقود فجذبه فقطعه ثم قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ إن الرقى والتمائم والتولة شرك قالوا يا أبا عبد اللّه هذه التمائم والرقى عرفناها فما التولة قال‏:‏ شيء يصنعه النساء يتحببن إلى أزواجهن يعني من السحر‏.‏ قيل هي خيط يقرأ فيه السحر أو قرطاس يكتب فيه شيء منه يتحبب به النساء إلى قلوب الرجال أو الرجال إلى قلوب النساء فأما ما تحبب به المرأة إلى زوجها من كلام مباح كما يسمى الغنج وكما تلبسه للزينة أو تطعمه من عقار مباح أكله أو أجزاء حيوان مأكول مما يعتقد أنه سبب إلى محبة زوجها لما أودع اللّه تعالى فيه من الخصيصة بتقدير اللّه لا أنه يفعل ذلك بذاته‏.‏ قال ابن رسلان‏:‏ فالظاهر أن هذا جائز لا أعرف الآن ما يمنعه في الشرع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شرك‏)‏ جعل هذه الثلاثة من الشرك لاعتقادهم أن ذلك يؤثر بنفسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا أتم اللّه له‏)‏ فيه الدعاء على من اعتقد في التمائم وعلقها على نفسه بضد قصده وهو عدم التمام لما قصده من التعليق‏.‏ وكذلك قوله‏:‏ ‏(‏فلا ودع اللّه له‏)‏ فإنه دعاء على من فعل ذلك‏.‏ وودع ماضي يدع مثل وذر ماضي يذر‏.‏

قوله ‏(‏أو ما أتيت‏)‏ بفتح الهمزة والتاء الأولى أي لا أكترث بشيء من أمر ديني ولا أهتم بما فعلته إن أنا فعلت هذه الثلاثة أو شيئًا منها وهذه مبالغة عظيمة وتهديد شديد في فعل شيء من هذه الثلاثة أي من فعل شيئًا منها فهو غير مكترث بما يفعله ولا يبالي به هل هو حرام أو حلال وهذا وإن أضافه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى نفسه فالمراد به إعلام غيره بالحكم‏.‏ وقد سئل عن تعليق التمائم فقال ذلك شرك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ترياقًا‏)‏ بالتاء أو الدال أو الطاء في أوله مكسورات أو مضمومات فهذه ست لغات أرجحهن بمثناة مكسورة رومي معرب‏.‏ والمراد به هنا ما كان مختلطًا بلحوم الأفاعي يطرح منها رأسها وأذنابها ويستعمل أوساطها في الترياق وهو محرم لأنه نجس وإن اتخذ الترياق من أشياء طاهرة فهو طاهر لا بأس بأكله وشربه ورخص مالك فيما فيه شيء من لحوم الأفاعي لأنه يرى إباحة لحوم الحيات وأما إذا كان الترياق نباتًا أو حجرًا فلا مانع منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو قلت الشعر من قبل نفسي‏)‏ أي من جهة نفسي فخرج به ما قاله لا عن نفسه بل حاكيًا له عن غيره كما في الصحيح‏:‏ ‏(‏خير كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد‏)‏ ويخرج منه أيضًا ما قاله لا على قصد الشعر فجاء موزونًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان للنبي خاصة‏)‏ يعني وأما في حق الأمة فالتمائم وإنشاء الشعر غير حرام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في الرقية من العين‏)‏ أي من إصابة العين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والحمة‏)‏ بضم الحاء المهملة وفتح الميم المخففة وأصلها حمو أو حمى بوزن صرد والهاء فيه عوض من الواو المحذوفة أو الياء مثل سمة من الوسم وهذا على تخفيف الميم أما من شدد فالأصل عنده حممة ثم أدغم كما في الحديث‏:‏ ‏(‏العالم مثل الحمة‏)‏ وهي عين ماء حار ببلاد الشام يستشفي بها المرضى وأنكر الأزهري تشديد الميم والمراد بالحمة السم من ذوات السموم وقد تسمى إبرة العقرب والزنبور ونحوهما حمة لأن السم يخرج منها فهو من المجاز والعلاقة المجاورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا تعلمين‏)‏ بضم أوله وتشديد اللام المكسورة هذه يعني حفصة رقية النملة بفتح النون وكسر الميم وهي قروح تخرج من الجنب أو الجنبين ورقية النملة كلام كانت نساء العرب تستعمله يعلم كل من سمعه أنه كلام لا يضر ولا ينفع‏.‏ ورقية النملة التي كانت تعرف بينهن أن يقال للعروس تحتفل وتختضب وتكتحل وكل شيء يفتعل غير أن لا تعصي الرجل فأراد صلى اللّه عليه وآله وسلم بهذا المقال تأنيب حفصة والتأديب لها تعريضًا لأنه ألقى إليها سرًا فأفشته على ما شهد به التنزيل في قوله تعالى ‏{‏وإذا أسر النبي إلى بعض‏}‏ الآية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كما علمتها الكتابة‏)‏ فيه دليل على جواز تعلم النساء الكتابة وأما حديث‏:‏ ‏(‏لا تعلموهن الكتابة ولا تسكنوهن الغرف وعلموهن سورة النور‏)‏ فالنهي عن تعليم الكتابة في هذا الحديث محمول على من يخشى من تعليمها الفساد‏.‏

قوله‏:‏ لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شيء من الشرك المحرم وفيه دليل على جواز الرقى والتطيب بما لا ضرر فيه ولا منع من جهة الشرع وإن كان بغير أسماء اللّه وكلامه لكن إذا كان مفهومًا لأن ما لا يفهم لا يؤمن أن يكون فيه شيء من الشرك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل‏)‏ قد تمسك قوم بهذا العموم فأجازوا كل رقية جربت منفعتها ولو لم يعقل معناها لكن دل حديث عوف أنه يمنع ما كان من الرقى يؤدي إلى الشرك وما لا يعقل معناه لا يؤمن أن يؤدي إلى الشرك فيمنع احتياطًا وقال قوم لا تجوز الرقية إلا من العين والحمة كما في حديث عمران بن حصين لا رقية إلا من عين أو حمة وأجيب بأن معنى الحصر فيه أنهما أصل كل محتاج إلى الرقية فيلحق بالعين جواز رقية من به مس أو نحوه لاشتراك ذلك في كون كل واحد ينشأ عن أحوال شيطانية من أنسي أو جني ويلتحق بالسم كل ما عرض للبدن من قرح ونحوه من المواد السمية وقد وقع عند أبي داود في حديث أنس مثل حديث عمران وزاد أو دم وكذلك حديث أنس المذكور في الباب زاد فيه النملة‏.‏ وقال قوم‏:‏ المنهي عنه من الرقى ما يكون قبل وقوع البلاء والمأذون فيه ما كان بعد وقوعه ذكره ابن عبد البر والبيهقي وغيرهما وفيه نظر وكأنه مأخوذ من الخبر الذي قرنت فيه التمائم بالرقى كما في حديث ابن مسعود المذكور في الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نفث‏)‏ النفث نفخ لطيف بلا ريق وفيه استحباب النفث في الرقية‏.‏

قال النووي‏:‏ وقد أجمعوا على جوازه واستحبه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم‏.‏

قال القاضي‏:‏ وأنكر جماعة النفث في الرقى وأجازوا فيها النفخ بلا ريق قال وهذا هو المذهب قال وقد اختلف في النفث والتفل فقيل هما بمعنى ولا يكون إلا بريق وقال أبو عبيد‏:‏ يشترط في التفل ريق يسير ولا يكون في النفث وقيل عكسه قال وسئلت عائشة عن نفث النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في الرقية فقالت كما ينفث آكل الزبيب لا ريق معه ولا اعتبار بما يخرج عليه من بلة ولا يقصد ذلك وقد جاء في حديث الذي رقى بفاتحة الكتاب فجعل يجمع بزاقه ويتفل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالمعوذات‏)‏ قال ابن التين‏:‏ الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء اللّه تعالى هو الطب الروحاني إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن اللّه فلما عز هذا النوع فزع الناس إلى الطب الجسماني وتلك الرقى المنهي عنها التي يستعملها المعزم وغيره ممن ادعى تسخير الجن له يأتي بأمور مشبهة مركبة من حق وباطل يجمع إلى ذكر اللّه وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بمردتهم ويقال إن الحية لعداوتها للإنسان بالطبع تصادق الشياطين لكونهم أعداء بني آدم فإذا عزم على الحية بأسماء الشياطين أجابت وخرجت فلذلك كره من الرقى ما لم يكن بذكر اللّه وأسمائه خاصة وباللسان العربي الذي يعرف معناه ليكون بريئًا من شوب الشرك وعلى كراهة الرقى بغير كتاب اللّه علماء الأمة‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ الرقى ثلاثة أقسام أحدها ما كان يرقى به في الجاهلية ما لا يعقل معناه فيجب اجتنابه لئلا يكون فيه شرك أو يؤدي إلى الشرك‏.‏ الثاني ما كان بكلام اللّه أو بأسمائه فيجوز فإن كان مأثورًا فيستحب‏.‏ الثالث ما كان بأسماء غير اللّه من ملك أو صالح أو معظم من المخلوقات كالعرش قال فهذا ليس من الواجب اجتنابه ولا من المشروع الذي يتضمن الالتجاء إلى اللّه والتبرك بأسمائه فيكون تركه أولى إلا أن يتضمن تعظيم المرقى به فينبغي أن يجتنب كالحلف بغير اللّه قال الربيع‏:‏ سألت الشافعي عن الرقية فقال لا بأس أن ترقى بكتاب اللّه وبما تعرف من ذكر اللّه قلت‏:‏ أيرقي أهل الكتاب المسلمين قال نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب اللّه وبذكر اللّه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأمسحه بيد نفسه‏)‏ في رواية وأمسح بيده نفسه‏.‏