فصل: باب ما جاء في بداءتهم بالتحية وعيادتهم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب منع أهل الذمة من سكنى الحجاز

1- عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏اشتد برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وجعه يوم الخميس وأوصى عند موته بثلاث أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت الثالثة‏)‏‏.‏

متفق عليه والشك من سليمان الأحول‏.‏

2- وعن عمر‏:‏ ‏(‏أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلمًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه‏.‏

3- وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏آخر ما عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن قال‏:‏ لا يترك بجزيرة العرب دينان‏)‏‏.‏

4- وعن أبي عبيدة بن الجراح قال‏:‏ ‏(‏آخر ما تكلم به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب‏)‏‏.‏

رواهما أحمد‏.‏

5- وعن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن عمر أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز وذكر يهود خيبر إلى أن قال أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

حديث عائشة قد قدمنا أنه رواه أحمد في مسنده من طريق ابن إسحاق قال حدثني صالح بن كيسان عن الزهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة عنها‏.‏

وحديث أبي عبيدة أخرجه أيضًا البيهقي وهو في مسند مسدد وفي مسند الحميدي أيضًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من جزيرة العرب‏)‏ قال الأصمعي‏:‏ جزيرة العرب ما بين أقصى عدن أبين إلى ريف العراق طولًا ومن جدة وما والاها من أطراف الشام عرضًا وسميت جزيرة لإحاطة البحار بها يعني بحر الهند وبحر فارس والحبشة‏.‏ وأضيفت إلى العرب لأنها كانت بأيديهم قبل الإسلام وبها أوطانهم ومنازلهم‏.‏ قال في القاموس‏:‏ وجزيرة العرب ما أحاط بها بحر الهند وبحر الشام ثم دجلة والفرات أو ما بين عدن أبين إلى أطراف الشام طولًا ومن جدة إلى ريف العراق عرضًا انتهى‏.‏

وظاهر حديث ابن عباس أنه يجب إخراج كل مشرك من جزيرة العرب سواء كان يهوديًا أو نصرانيًا أو مجوسيًا ويؤيد هذا ما في حديث عائشة المذكور بلفظ‏:‏ ‏(‏لا يترك بجزيرة العرب دينان‏)‏ وكذلك حديث عمر وأبي عبيدة بن الجراح لتصريحهما بإخراج اليهود والنصارى وبهذا يعرف أن ما وقع في بعض ألفاظ الحديث من الاقتصار على الأمر بإخراج اليهود لا ينافي الأمر العام لما تقرر في الأصول أن التنصيص على بعض أفراد العام لا يكون مخصصًا للعام المصرح به في لفظ آخر وما نحن فيه من ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونسيت الثالثة‏)‏ قيل هي تجهيز أسامة وقيل يحتمل أنها قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لا تتخذوا قبري وثنًا‏)‏ وفي الموطأ ما يشير إلى ذلك‏.‏ وظاهر الحديث أنه يجب إخراج المشركين من كل مكان داخل في جزيرة العرب‏.‏ وحكى الحافظ في الفتح في كتاب الجهاد عن الجمهور أن الذي يمنع منه المشركون من جزيرة العرب هو الحجاز خاصة قال وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها مع أنها من جملة جزيرة العرب قال وعن الحنفية يجوز مطلقًا إلا المسجد‏.‏ وعن مالك يجوز دخولهم الحرم للتجارة‏.‏ وقال الشافعي لا يدخلون الحرم أصلًا إلا بإذن الإمام لمصلحة المسلمين انتهى‏.‏

قال ابن عبد البر في الاستذكار ما لفظه‏:‏ قال الشافعي جزيرة العرب التي أخرج عمر اليهود والنصارى منها مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها فأما اليمن فليس من جزيرة العرب انتهى‏.‏

قال في البحر‏:‏ مسألة ولا يجوز إقرارهم في الحجاز إذ أوصى صلى اللّه عليه وآله وسلم بثلاثة أشياء إخراجهم من جزيرة العرب الخبر ونحوه والمراد بجزيرة العرب في هذه الأخبار مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها ووج والطائف وما ينسب إليهما وسمى الحجاز حجازًا لحجزه بين نجد وتهامة ثم حكى كلام الأصمعي السابق ثم حكى عن أبي عبيدة أنه قال جزيرة العرب هي ما بين حفر أبي موسى وهو قريب من البصرة إلى أقصى اليمن طولًا وما بين يبرين إلى السماوة عرضًا ثم قال لنا ما روى أبو عبيدة أن آخر ما تكلم به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أخرجوا اليهود من جزيرة العرب‏.‏ الخبر وأجلى عمر أهل الذمة من الحجاز فلحق بعضهم بالشام وبعضهم بالكوفة وأجلى أبو بكر قومًا فلحقوا بخيبر فاقتضى أن المراد الحجاز لا غير انتهى‏.‏ ولا يخفى أنه لو كان حديث أبي عبيدة باللفظ الذي ذكره لم يدل على أن المراد بجزيرة العرب هو الحجاز فقط ولكنه باللفظ الذي ذكره المصنف فيكون دليلًا لتخصيص جزيرة العرب بالحجاز وفيه ما سيأتي‏.‏

قال المهدي في الغيث ناقلًا عن الشفاء للأمير الحسين‏:‏ إنما قلنا بجواز تقريرهم في غير الحجاز لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لما قال أخرجوهم من جزيرة العرب ثم قال أخرجوهم من الحجاز عرفنا أن مقصوده بجزيرة العرب الحجاز فقط ولا مخصص للحجاز عن سائر البلاد إلا برعاية أن المصلحة في إخراجهم منه أقوى فوجب مراعاة المصلحة إذا كانت في تقريرهم أقوى منها في إخراجهم انتهى‏.‏

وقد أجيب عن هذا الاستدلال بأجوبة منها أن حمل جزيرة العرب على الحجاز وإن صح مجازًا من إطلاق اسم الكل على البعض فهو معارض بالقلب وهو أن يقال المراد بالحجاز جزيرة العرب إما لانحجازها بالأبحار كانحجازها بالحرار الخمس وإما مجاز من إطلاق اسم الجزء على الكل فترجيح أحد المجازين مفتقر إلى دليل ولا دليل إلا ما ادعاه من فهم أحد المجازين ومنها أن في خبر جزيرة العرب زيادة لم تغير حكم الخبر والزيادة كذلك مقبولة‏.‏ ومنها أن استنباط كون علة التقرير في غير الحجاز هي المصلحة فرع ثبوت الحكم أعني التقرير لما علم من أن المستنبطة إنما تؤخذ من حكم الأصل بعد ثبوته والدليل لم يدل إلا على نفي التقرير لا ثبوته لما تقدم في حديث المسلم والكافر لا تتراءى ناراهما‏.‏

وحديث لا يترك بجزيرة العرب دينان ونحوهما فهذا الاستنباط واقع في مقابلة النص المصرح فيه بأن العلة كراهة اجتماع دينين فلو فرضنا أنه لم يقع النص إلا على إخراجهم من الحجاز لكان المتعين إلحاق بقية جزيرة العرب به لهذه العلة فكيف والنص الصحيح مصرح بالإخراج من جزيرة العرب وأيضًا هذا الحديث الذي فيه الأمر بالإخراج من الحجاز فيه الأمر بإخراج أهل نجران كما وقع في حديث الباب وليس نجران من الحجاز فلو كان لفظ الحجاز مخصصًا للفظ جزيرة العرب على انفراده أو دالًا على أن المراد بجزيرة العرب الحجاز فقط لكان في ذلك إهمال لبعض الحديث وإعمال لبعض وأنه باطل وأيضًا غاية ما في حديث أبي عبيدة الذي صرح فيه بلفظ أهل الحجاز مفهومه معارض لمنطوق ما في حديث ابن عباس المصرح فيه بلفظ جزيرة العرب والمفهوم لا يقوى على معارضة المنطوق فكيف يرجح عليه ـ فإن قلت ـ فهل يخصص لفظ جزيرة العرب المنزل منزلة العام لما له من الإجزاء بلفظ الحجاز عند من جوز التخصيص بالمفهوم قلت هذا المفهوم من مفاهيم اللقب وهو غير معمول به عند المحققين من أئمة الأصول حتى قيل إنه لم يقل به إلا الدقاق وقد تقرر عند فحول أهل الأصول أن ما كان من هذا القبيل يجعل من قبيل التنصيص على بعض الأفراد لا من قبيل التخصيص إلا عند أبي ثور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أهل الحجاز‏)‏ قال في القاموس‏:‏ والحجاز مكة والمدينة والطائف ومخالفيها لأنها حجزت بين نجد وتهامة أو بين نجد والسراة أو لأنها احتجزت بالحرار الخمس حرة بني سليم وواقم وليلى وشوران والنار انتهى‏.‏

 باب ما جاء في بداءتهم بالتحية وعيادتهم

1- عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2- وعن أنس قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

وفي رواية لأحمد‏:‏ ‏(‏فقولوا عليكم‏)‏ بغير واو‏.‏

3- وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إن اليهود إذا سلم أحدهم إنما يقول السام عليكم فقل عليك‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

وفي رواية لأحمد ومسلم‏:‏ ‏(‏وعليك‏)‏ بالواو‏.‏

4- وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏دخل رهط من اليهود على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالوا السام عليك قالت عائشة‏:‏ ففهمتها فقلت عليكم السام واللعنة قالت‏:‏ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ مهلًا يا عائشة إن اللّه يحب الرفق في الأمر كله فقلت‏:‏ يا رسول اللّه ألم تسمع ما قالوا فقال‏:‏ قد قلت وعليكم‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏(‏عليكم‏)‏ أخرجاه‏.‏

5- وعن عقبة بن عامر قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إني راكب غدًا إلى يهود فلا تبدؤوهم بالسلام وإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تبدؤوا اليهود‏)‏ الخ فيه تحريم ابتداء اليهود والنصارى بالسلام وقد حكاه النووي عن عامة السلف وأكثر العلماء‏.‏

قال‏:‏ وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام روي ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة وابن محيريز وهو وجه لبعض أصحابنا حكاه الماوردي لكنه قال يقول السلام عليك ولا يقول عليكم بالجمع واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث الواردة في إفشاء السلام وهو من ترجيح العمل بالعام على الخاص‏.‏ وذلك مخالف لما تقرر عند جميع المحققين ولا شك أن هذا الحديث الوارد في النهي عن ابتداء اليهود والنصارى بالسلام أخص منها مطلقًا والمصير إلى بناء العام على الخاص واجب‏.‏

وقال بعض أصحاب الشافعي‏:‏ يكره ابتداؤهم بالسلام ولا يحرم وهو مصير إلى معنى النهي المجازي بلا قرينة صارفة إليه‏.‏ وحكى القاضي عياض عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم به للضرورة والحاجة وهو قول علقمة والنخعي‏.‏

وروي عن الأوزاعي أنه قال‏:‏ إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها‏)‏ أي ألجؤهم إلى المكان الضيق منها وفيه دليل على أنه لا يجوز للمسلم أن يترك للذمي صدر الطريق وذلك نوع من إنزال الصغار بهم والإذلال لهم‏.‏

قال النووي‏:‏ وليكن التضييق بحيث لا يقع في وهدة ولا يصدمه جدار ونحوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقولوا وعليكم‏)‏ في الرواية الأخرى‏:‏ ‏(‏فقولوا عليكم‏)‏ وفي الرواية الثالثة‏:‏ ‏(‏فقل عليك‏)‏ فيه دليل على أنه يرد على أهل الكتاب إذا وقع منهم الابتداء بالسلام ويكون الرد بإثبات الواو وبدونها وبصيغة المفرد والجمع وكذا يرد عليهم لو قالوا السام بحذف اللام وهو عندهم الموت‏.‏

قال النووي في شرح مسلم‏:‏ اتفق العلماء على الرد على أهل الكتاب إذا سلموا لكن لا يقال لهم وعليكم السلام بل يقال عليكم أو وعليكم فقد جاءت الأحاديث بإثبات الواو وحذفها وأكثر الروايات بإثباتها‏.‏

قال‏:‏ وعلى هذا في معناه وجهان‏:‏ أحدهما أنه على ظاهره فقالوا عليكم الموت فقال وعليكم أيضًا أي نحن وأنتم فيه سواء كلنا نموت‏.‏ والثاني أن الواو هنا للاستئناف لا للعطف والتشريك وتقديره وعليكم ما تستحقونه من الذم‏.‏

وأما من حذف الواو فتقديره بل عليكم السام قال القاضي اختار بعض العلماء منهم ابن حبيب المالكي حذف الواو فتقديره بل عليكم السام‏.‏ وقال غيره بإثباتها‏.‏ قال‏:‏ وقال بعضهم يقول عليكم السلام بكسر السين أي الحجارة وهذا ضعيف‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ عامة المحدثين يروون هذا الحرف وعليكم بالواو وكان ابن عيينة يرويه بغير واو قال وهذا هو الصواب لأنه إذا حذف الواو صار كلامهم بعينه مردودًا عليهم خاصة وإذا ثبت الواو اقتضى الشركة معهم فيما قالوه‏.‏

قال النووي‏:‏ والصواب أن إثبات الواو جائز كما صحت به الروايات وأن الواو أجود ولا مفسدة فيه لأن السام الموت وهو علينا وعليهم فلا ضرر في المجيء بالواو‏.‏ وحكى النووي بعد أن حكى الإجماع المتقدم عن طائفة من العلماء أنه لا يرد على أهل الكتاب السلام‏.‏ قال‏:‏ ورواه ابن وهب وأشهب عن مالك‏.‏

وحكى الماوردي عن بعض أصحاب الشافعي أنه يجوز أن يقال في الرد عليهم وعليكم السلام ولكن لا يقول ورحمة اللّه‏.‏ قال النووي‏:‏ وهو ضعيف مخالف للأحاديث‏.‏ قال‏:‏ ويجوز الابتداء على جمع فيهم مسلمون وكفار أو مسلم وكافر ويقصد المسلمين للحديث الثابت في الصحيح أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم سلم على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن اللّه يحب الرفق في الأمر كله‏)‏ هذا من عظيم خلقه صلى اللّه عليه وآله وسلم وكمال حلمه وفيه حث على الرفق والصبر والحلم وملاطفة الناس ما لم تدع حاجة إلى المخاشنة وفي الحديث استحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين إذا لم يترتب عليهم مفسدة‏.‏ قال الشافعي‏:‏ الكيس العاقل هو الفطن المتغافل‏.‏

6- وعن أنس قال‏:‏ ‏(‏كان غلام يهودي يخدم رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فمرض فأتاه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له‏:‏ أسلم فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له أطع أبا القاسم فأسلم فخرج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو يقول الحمد للّه الذي أنقذه بي من النار‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري وأبو داود‏.‏

وفي رواية لأحمد‏:‏ ‏(‏أن غلامًا يهوديًا كان يضع للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وضوءه ويناوله نعليه فمرض‏)‏ فذكر الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان غلام يهودي‏)‏ زعم بعضهم أن اسمه عبد القدوس‏.‏

وفي الحديث دليل على جواز زيارة أهل الذمة إذا كان الزائر يرجو بذلك حصول مصلحة دينية كإسلام المريض‏.‏

قال المنذري‏:‏ قيل يعاد المشرك ليدعى إلى الإسلام إذا رجي إجابته ألا ترى أن اليهودي أسلم حين عرض عليه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الإسلام فأما إذا لم يطمع في الإسلام ولا يرجو إجابته فلا ينبغي عيادته‏.‏ وهكذا قال ابن بطال‏:‏ إنها إنما تشرع عيادة المشرك إذا رجي أن يجيب إلى الدخول في الإسلام فأما إذا لم يطمع في ذلك فلا‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف المقاصد فقد يقع بعيادته مصلحة أخرى قال الماوردي‏:‏ عيادة الذمي جائزة والقربة موقوفة على نوع حرمة تقترن بها من جوار أو قرابة‏.‏

وقد بوب البخاري على هذا الحديث باب عيادة المشرك‏.‏

 باب قسمة خمس الغنيمة ومصرف الفيء

1- عن جبير بن مطعم قال‏:‏ ‏(‏مشيت أنا وعثمان إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقلنا أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا قال‏:‏ إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد قال جبير‏:‏ ولم يقسم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل شيئًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏لما قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سهم ذي القربى من خيبر بين بني هاشم وبني المطلب جئت أنا وعثمان بن عفان فقلنا يا رسول اللّه هؤلاء بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذي وضعك اللّه عز وجل منهم أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة قال‏:‏ إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد قال‏:‏ ثم شبك بين أصابعه‏)‏ رواه أحمد والنسائي وأبو داود والبرقاني وذكر أنه على شرط مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مشيت أنا وعثمان‏)‏ إنما اختص جبير وعثمان بذلك لأن عثمان من بني عبد شمس وجبير من بني نوفل وعبد شمس ونوفل وهاشم والمطلب هم بنو عبد مناف فهذا معنى قولهما ونحن وهم منك بمنزلة واحدة أي في الانتساب إلى عبد مناف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شيء واحد‏)‏ بالشين المعجمة المفتوحة والهمزة كذا للأكثر‏.‏ وقال عياض‏:‏ هكذا في البخاري بغير خلاف‏.‏ وفي رواية للكشميهني والمستملي بالمهملة المكسورة وتشديد التحتانية وكذا كان يرويه يحيى بن معين‏.‏

قال الخطابي‏:‏ هو أجود في المعنى‏.‏ وحكاه عياض رواية خارج الصحيح وقال الصواب رواية الكافة لقوله فيه ‏(‏وشبك بين أصابعه‏)‏ وهذا دليل على الاختلاط والامتزاج كالشيء الواحد لا على التمثيل والتنظير‏.‏ ووقع في رواية أبي زيد المروزي شيء أحد بغير واو وبهمز الألف فقيل هما بمعنى‏.‏

وقيل الأحد الذي ينفرد بشيء لا يشاركه فيه غيره والواحد أول العدد‏.‏ وقيل الأحد المنفرد بالمعنى والواحد المنفرد بالذات‏.‏ وقيل الأحد لنفي ما يذكر معه من العدد والواحد اسم لمفتاح العدد ومن جنسه‏.‏ وقيل لا يقال أحد إلا للّه تعالى حكى ذلك جميعه عياض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يقسم‏)‏ الخ هذا أورده البخاري في كتاب الخمس معلقًا ووصله في المعازي عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس بتمامه وزاد أبو داود بهذا الإسناد وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وكان عمر يعطيهم منه وعثمان بعده‏.‏ وهذه الزيادة مدرجة من كلام الزهري والسبب الذي لأجله أعطى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بني المطلب مع بني هاشم دون غيرهم ما تقدم لهم من المعاضدة لبني هاشم والمناصرة فمن ذلك أنه لما كتبت قريش الصحيفة بينهم وبين بني هاشم وحصروهم في الشعب دخل بنو المطلب مع بني هاشم ولم يدخل بنو نوفل وبنو عبد شمس كما ثبت ذلك في كتب الحديث والسير‏.‏

وفي هذا الحديث دليل للشافعي ومن وافقه أن سهم ذوي القربى لبني هاشم والمطلب خاصة دون بقية قرابة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من قريش‏.‏ وعن عمر بن عبد العزيز هم بنو هاشم خاصة وبه قال زيد بن أرقم وطائفة من الكوفيين وإليه ذهب جميع أهل البيت‏.‏ وهذا الحديث حجة لأهل القول الأول‏.‏

وقد قيل إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما أعطى بني المطلب لعلة الحاجة ورد بأنه لو كان الأمر كذلك لم يخص النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قومًا دون قوم وأيضًا الحديث مصرح بأنه إنما أعطاهم لكونهم هم وذرية هاشم شيء واحد وبمنزلة واحدة لكونهم لم يفارقوه في جاهلية ولا إسلام ـ والحاصل ـ أن الآية دلت على استحقاق قربى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهي متحققة في بني عبد شمس وبني نوفل‏.‏ واختلفت الشافعية في سبب إخراجهم فقيل العلة القرابة مع النصرة‏.‏ فلذلك دخل بنو هاشم وبنو المطلب ولم يدخل بنو عبد شمس وبنو نوفل لفقدان جزء العلة أو شرطها‏.‏ وقيل سبب الاستحقاق القرابة‏.‏ ووجد في بني عبد شمس ونوفل مانع لكونهم انحازوا عن بني هاشم وحاربوهم‏.‏ وقيل إن القربى عام خصصته السنة‏.‏

2- وعن علي رضي اللّه عنه قال‏:‏ ‏(‏اجتمعت أنا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقلت يا رسول اللّه إن رأيت أن توليني حقنا من هذا الخمس في كتاب اللّه تعالى فأقسمه في حياتك كيلا ينازعني أحد بعدك فأفعل قال ففعل ذلك فقسمته حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم ولانيه أبو بكر حتى كانت آخر سنة من سني عمر فإنه أتاه مال كثير‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

3- وعن علي رضي اللّه عنه قال‏:‏ ‏(‏ولاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خمس الخمس فوضعته مواضعه حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وحياة أبي بكر وحياة عمر‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وهو دليل على أن مصارف الخمس خمسة‏.‏

4- وعن يزيد بن هرمز‏:‏ ‏(‏أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن الخمس لمن هو فكتب إليه ابن عباس كتبت تسألني عن الخمس لمن هو فإنا نقول هو لنا فأبى علينا قومنا ذلك‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏أن نجدة الحروري حين خرج في فتنة ابن الزبير أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى لمن يراه فقال هو لنا لقربى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لهم قسمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لهم وقد كان عمر عرض علينا شيئًا منه رأيناه دون حقنا فرددناه إليه وأبينا أن نقبله وكان الذي عرض عليهم أن يعين ناكحهم وأن يقضي عن غارمهم وأن يعطي فقيرهم وأبى أن يزيدهم على ذلك‏)‏ رواه أحمد والنسائي‏.‏

5- وعن عمر بن الخطاب قال‏:‏ ‏(‏كانت أموال بني النضير مما أفاء اللّه على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب فكانت للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فكان ينفق على أهله نفقة سنته‏)‏‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏(‏يحبس لأهله وقت سنتهم ويجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل اللّه‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

حديث علي الأول في إسناده حسين بن ميمون الخندقي قال أبو حاتم الرازي‏:‏ ليس بقوي الحديث يكتب حديثه‏.‏ وقال علي بن المديني‏:‏ ليس بمعروف‏.‏ وذكر له البخاري في تاريخه هذا الحديث قال‏:‏ وهو حديث لا يتابع عليه‏.‏ وزاد أبو داود بعد قوله فإنه أتاه مال كثير ما لفظه‏:‏ فعزل حقنا ثم أرسل إلي فقلت‏:‏ بنا عنه العام غنى وبالمسلمين إليه حاجة فاردده عليهم ثم لم يدعني إليه أحد بعد عمر فلقيت العباس بعد ما خرجت من عند عمر فقال يا علي حرمتنا الغداة شيئًا لا يرد علينا أبدًا وكان رجلًا داهيًا‏.‏

وحديث علي الثاني في إسناده أبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان وقيل ابن عبد اللّه بن ماهان وثقه علي بن المديني وابن معين‏.‏ ونقل عنهما خلاف ذلك وتكلم فيه غير واحد‏.‏ قال في التقريب‏:‏ صدوق سيئ الحفظ خصوصًا عن مغيرة من كبار السابعة مات في إحدى وستين‏.‏ وتمام الحديث عند أبي داود فأتي بمال يعني عمر فدعاني فقلت خذه قال خذه فأنتم أحق به قلت قد استغنينا عنه فجعله في بيت المال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن يزيد بن هرمز‏)‏ بضم الهاء وسكون الراء وضم الميم وبعدها زاي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن نجدة‏)‏ بفتح النون وسكون الجيم بعدها دال مهملة وقد تقدم ذكره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكانت أموال بني النضير‏)‏ الخ‏.‏ قال في البخاري‏:‏ قال الزهري كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد هكذا ذكره معلقًا ووصله عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري أتم من هذا وهو في حديث عن عروة ثم كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر وكانت منازلهم ونخلهم بناحية المدينة فحاصرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال إلا الحلقة يعني السلاح فأنزل اللّه فيهم ‏{‏سبح للّه‏}‏ إلى قوله ‏{‏لأول الحشر‏}‏ وقاتلهم حتى صالحهم على الجلاء فأجلاهم إلى الشام وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا وكان اللّه كتب عليهم الجلاء ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي‏.‏ وحكى ابن التين عن الداودي أنه رجح ما قال ابن إسحاق من أن غزوة بني النضير كانت بعد بئر معونة مستدلًا بقوله تعالى ‏{‏وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم‏}‏ قال‏:‏ وذلك في قصة الأحزاب‏.‏

قال في الفتح‏:‏ وهو استدلال واه فإن الآية نزلت في شأن بني قريظة فإنهم هم الذين ظاهروهم وهم أي من الأحزاب وأما بنو النضير فلم يكن لهم في الأحزاب ذكر بل كان من أعظم الأسباب في جمع الأحزاب ما وقع من إجلائهم فإنه كان من رؤوسهم حيي بن أخطب وهو الذي حسن لبني قريظة الغدر وموافقة الأحزاب حتى كان من هلاكهم ما كان فكيف يصير السابق لاحقًا انتهى‏.‏

ـ والأحاديث ـ المذكورة في الباب فيها دليل على أن من مصارف الخمس قربى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وقد تقدم الخلاف في ذلك‏.‏

وروى أبو داود في حديث أن أبا بكر كان يقسم الخمس نحو قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وكان عمر يعطيهم أمنه وعثمان بعده وقد استدل من قال أن الإمام يقسم الخمس حيث شاء بما أخرجه أبو داود وغيره عن ضباعة بنت الزبير قالت‏:‏ أصاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سبيًا فذهبت أنا وأختي فاطمة نسأله فقال سبقتكما يتامى بدر‏.‏

وفي الصحيح أن فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن فبلغها أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أتي بسبي فأتته تسأله خادمًا فذكر الحديث وفيه ألا أدلكما على خير مما سألتما فذكر الذكر عند النوم‏.‏ قال إسماعيل القاضي‏:‏ هذا الحديث يدل على أن للإمام أن يقسم الخمس حيث يرى لأن الأربعة الأخماس استحقاق للغانمين والذي يختص بالإمام هو الخمس وقد منع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ابنته وأعز الناس عليه من قرابته وصرفه إلى غيرهم وقال بنحو ذلك الطبري والطحاوي‏.‏ قال الحافظ‏:‏ في الاستدلال بذلك نظر لأنه يحتمل أن يكون ذلك من الفيء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مما أفاء اللّه على رسوله‏)‏ قد تقدم الكلام في مصرف الفيء‏.‏

6- وعن عوف بن مالك‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان إذا أتاه الفيء قسمه في يومه فأعطى الآهل حظين وأعطى العزب حظًا‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وذكره أحمد في رواية أبي طالب وقال حديث حسن‏.‏

7- وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ما أعطيكم ولا أمنعكم أنا قاسم أضع حيث أمرت‏)‏‏.‏

رواه البخاري ويحتج به من لم ير الفيء ملكًا له‏.‏

8- وعن زيد بن أسلم‏:‏ ‏(‏أن ابن عمر دخل على معاوية فقال حاجتك يا أبا عبد الرحمن فقال‏:‏ عطاء المحررين فإني رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أول ما جاءه شيء بدأ بالمحررين‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

حديث عوف بن مالك سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وزاد ابن المصنف فدعينا وكنت أُدعى قبل عمار فدعيت فأعطاني حظين وكان لي أهل ثم دعا بعدي عمار بن ياسر فأعطي حظًا واحدًا‏.‏

وحديث زيد بن أسلم سكت عنه أيضًا أبو داود والمنذري‏.‏ وفي إسناده هشام بن سعد وفيه مقال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأعطى الآهل‏)‏ أي من له أهل يعني زوجة‏.‏ وفيه دليل على أنه ينبغي أن يكون العطاء على مقدار أتباع الرجل الذي يلزم نفقتهم من النساء وغيرهن إذ غير الزوجة مثلها في الاحتياج إلى المؤنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أعطيكم‏)‏ الخ فيه دليل على التفويض وأن النفع لا تأثير فيه لأحد سوى اللّه جل جلاله‏.‏ والمراد بقوله أضع حيث أمرت إما الأمر الإلهامي أو الأمر الذي طريقه الوحي‏.‏ وقد استدل به من لم يجعل الفيء ملكًا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ وقد تقدم تفصيل ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عطاء المحررين‏)‏ جمع محرر وهو الذي صار حرًا بعد أن كان عبدًا وفي ذلك دليل على ثبوت نصيب لهم في الأموال التي تأتي إلى الأئمة وأما نصيبهم من الزكاة فقد تقدم الكلام فيه‏.‏

وقد أخرج أبو داود من حديث عائشة أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أتي بظبية فيها خرز فقسمها للحرة والأمة قالت عائشة كان أبي يقسم للحر والعبد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بدأ بالمحررين‏)‏ فيه استحباب البداءة بهم وتقديمهم عند القسمة على غيرهم‏.‏

9- وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لو قد جاءني مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا فلم يجيء حتى قبض النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكر مناديًا فنادى من كان له عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم دين أو عدة فليأتنا فأتيته فقلت‏:‏ إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لي كذا وكذا فحثى لي حثية وقال عدها فإذا هي خمسمائة فقال خذ مثليها‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

10- وعن عمر بن عبد العزيز‏:‏ ‏(‏أنه كتب أن من سأل عن مواضع الفيء فهو ما حكم فيه عمر بن الخطاب فرآه المؤمنون عدلًا موافقًا لقول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جعل اللّه الحق على لسان عمر وقلبه فرض الأعطية وعقد لأهل الأديان ذمة بما فرض اللّه عليهم من الجزية ولم يضرب فيها بخمس ولا مغنم‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

حديث عمر بن عبد العزيز فيه راو مجهول وأيضًا فيه انقطاع لأن عمر بن عبد العزيز لم يدرك عمر بن الخطاب والمرفوع منه مرسل‏.‏

وقد أخرج أبو داود من طريق أبي ذر رضي اللّه عنه قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ إن اللّه تعالى وضع الحق على لسان عمر يقول به‏)‏ أخرجه أيضًا ابن ماجه وفي إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال مشهور وقد تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مال البحرين‏)‏ هو من الجزية وقد قال ابن بطال‏:‏ يحتمل أن يكون من الخمس أو من الفيء وفي البخاري في باب الجزية أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها أي بجزية أهلها وكان الغالب أنهم إذ ذاك مجوس وقد ترجم النسائي على هذا الحديث باب أخذ الجزية من المجوس وذكر ابن سعد أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعد قسمة الغنائم بالجعرانة أرسل العلاء إلى المنذر بن ساوى عامل الفرس على البحرين يدعوه إلى الإسلام فأسلم وصالح مجوس تلك البلاد على الجزية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمر أبو بكر مناديًا ينادي‏)‏ قال الحافظ‏:‏ لم أقف على اسمه ويحتمل أن يكون بلالًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فحثى لي‏)‏ بالمهملة والمثلثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حثية‏)‏ الخ في رواية للبخاري فحثى لي ثلاثًا وفي رواية له وجعل سفيان يحثو بكفيه وهذا يقتضي أن الحثية ما يؤخذ باليدين جميعًا والذي قاله أهل اللغة أن الحثية ما تملأ الكف والحفنة ما تملأ الكفين ثم ذكر أبو عبيد الهروي أن الحثية والحفنة بمعنى والحثية من حثى يحثى ويجوز حثوة من حثا يحثو وهما لغتان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد جعل اللّه الحق على لسان عمر‏)‏ فيه منقبة ظاهرة لعمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يضرب فيها بخمس‏)‏ فيه دليل على عدم وجوب الخمس في الجزية وفي ذلك خلاف معروف في الفقه‏.‏

11- وعن مالك بن أوس قال‏:‏ ‏(‏كان عمر يحلف على أيمان ثلاث واللّه ما أحد أحق بهذا المال من أحد وما أنا أحق به من أحد وواللّه ما من المسلمين أحد إلا وله في هذا المال نصيب إلا عبدًا مملوكًا ولكنا على منازلنا من كتاب اللّه وقسمنا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فالرجل وبلاؤه في الإسلام والرجل وقدمه في الإسلام والرجل وغناؤه في الإسلام والرجل وحاجته وواللّه لئن بقيت لهم لأوتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو يرعى مكانه‏)‏‏.‏

رواه أحمد في مسنده‏.‏

12- وعن عمر أنه قال يوم الجابية وهو يخطب الناس‏:‏ ‏(‏إن اللّه عز وجل جعلني خازنًا لهذا المال وقاسمًا له ثم قال بل اللّه قاسمه وأنا بادئ بأهل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم أشرفهم ففرض لأزواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عشرة آلاف إلا جويرية وصفية وميمونة فقالت عائشة‏:‏ إن رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يعدل بيننا فعدل بينهن عمر ثم قال‏:‏ إني بادئ بأصحابي المهاجرين الأولين فإنا أخرجنا من ديارنا ظلمًا وعدوانًا ثم أشرفهم ففرض لأصحاب بدر منهم خمسة آلاف ولمن كان شهد بدرًا من الأنصار أربعة آلاف وفرض لمن شهد أحدًا ثلاثة آلاف قال ومن أسرع في الهجرة أسرع به في العطاء ومن أبطأ في الهجرة بطئ به في العطاء فلا يلومن رجل إلا مناخ راحلته‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الأثر الأول أخرجه أيضًا البيهقي والأثر الآخر قال في مجمع الزوائد‏:‏ رجال أحمد ثقات والأثران فيهما أن عمر كان يفاضل في العطاء على حسب البلاء في الإسلام والقدم فيه والغناء والحاجة ويفضل من شهد بدرًا على غيره ممن لم يشهد وكذلك من شهد أحدًا ومن تقدم في الهجرة‏.‏

وقد أخرج الشافعي في الأم أن أبا بكر وعليًا ذهبا إلى التسوية بين الناس في القسمة وأن عمر كان يفضل‏.‏

وروى البزار والبيهقي من طريق أبي معشر عن زيد بن أسلم عن أبيه قال‏:‏ قدم على أبي بكر مال البحرين فقال من كان له على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عدة فليأت فذكر الحديث بطوله في تسويته بين الناس في القسمة وفي تفضيل عمر الناس على مراتبهم‏.‏

وروى البيهقي من وجه آخر من طريق عيسى ين عبد اللّه الهاشمي عن أبيه عن جده قال‏:‏ أتت عليًا امرأتان فذكر القصة وفيها‏:‏ إني نظرت في كتاب اللّه فلم أر فضلًا لولد إسماعيل على ولد إسحاق وروى البيهقي عن عثمان أيضًا أنه كان يفاضل بين الناس كما كان عمر يفاضل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما أنا أحق به من أحد‏)‏ فيه دليل على أن الإمام كسائر الناس لا فضل له على غيره في تقديم ولا توفير نصيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا عبدًا مملوكًا‏)‏ فيه دليل على أنه لا نصيب للعبد المملوك في المال المذكور ولكن حديث عائشة المتقدم قريبًا الذي أخرجه أبو داود عن عائشة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أتي بظبية فيها خرز فقسمها للحرة والأمة وقول عائشة أن أبا بكر كان يقسم للحر والعبد ولا شك أن أقوال الصحابة لا تعارض المرفوع فمنع العبيد اجتهاد من عمر والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد أعطى الأمة ولا فرق بينها وبين العبد ولهذا كان أبو بكر يعطي العبيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولكنا على منازلنا من كتاب اللّه تعالى وقسمنا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ فيه إشعار بأن التفضيل لم يقع من عمر بمجرد الاجتهاد وأنه فهم ذلك من الكتاب العزيز والسنة النبوية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وغناؤه‏)‏ بالغين المعجمة وهو في الأصل الكفاية فالمراد أن الرجل إذا كان له في القيام ببعض الأمور ما ليس لغيره كان مستحقًا للتفضيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لئن بقيت لأوتين الراعي‏)‏ فيه مبالغة حسنة لأن الراعي الساكن في جبل منقطع عن الحي في مكان بعيد إذا نال نصيبه فبالأولى أن يناله القريب من المتولي للقسمة ومن كان معروفًا من الناس ومخالطًا لهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم الجابية‏)‏ بالجيم وبعد الألف موحدة وهي موضع بدمشق على ما في القاموس وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنا أخرجنا من ديارنا‏)‏ هو تعليل للبداءة بالمهاجرين الأولين لأن في ذلك مشقة عظيمة ولهذا جعله اللّه قرينًا لقتل الأنفس وكذلك في بعد العهد بالأوطان مشقة زائدة على مشقة من كان قريب العهد والمهاجرون الأولون قد أصيبوا بالمشقتين فكانوا أقدم من غيرهم ولهذا قال في آخر الكلام ومن أسرع في الهجرة أسرع به في العطاء الخ والمراد بقوله فلا يلومن رجل إلا مناخ راحلته البيان لمن تأخر في العطاء بأنه أتى من قبل نفسه حيث تأخر عن المسارعة إلى الهجرة وأناخ راحلته ولم يهاجر عليها ولكنه كنى بالمناخ عن القعود عن السفر إلى الهجرة والمناخ بضم الميم كما في القاموس‏.‏

13- وعن قيس بن أبي حازم قال‏:‏ ‏(‏كان عطاء البدريين خمسة آلاف خمسة آلاف وقال عمر‏:‏ لأفضلنهم على من بعدهم‏)‏‏.‏

14- وعن نافع مولى ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن عمر كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة فقيل له هو من المهاجرين فلم نقصته من أربعة آلاف قال‏:‏ إنما هاجر به أبوه يقول ليس هو كمن هاجر بنفسه‏)‏‏.‏

15- وعن أسلم مولى عمر قال‏:‏ ‏(‏خرجت مع عمر بن الخطاب إلى السوق فلحقت عمر امرأة شابة فقالت يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغارًا واللّه ما ينضجون كراعًا ولا لهم زرع ولا ضرع وخشيت أن تأكلهم الضبع وأنا ابنة خفاف بن إيماء الغفاري وقد شهد أبي الحديبية مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فوقف معها عمر ولم يمض وقال مرحبا بنسب قريب ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطًا في الدار فحمل عليه غرارتين ملأهما طعامًا وجعل بينهما نفقة وثيابًا ثم ناولها خطامه فقال‏:‏ اقتاديه فلن يفنى هذا حتى يأتيكم اللّه بخير فقال رجل‏:‏ يا أمير المؤمنين أكثرت لها فقال‏:‏ ثكلتك أمك فواللّه إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنًا زمانًا فافتتحاه فأصبحنا نستفيء سهمانهما فيه‏)‏‏.‏

أخرجهن البخاري‏.‏

16- وعن محمد ابن علي‏:‏ ‏(‏أن عمر لما دون الدواوين قال‏:‏ بمن ترون أبدأ قيل له ابدأ بالأقرب فالأقرب بك قال‏:‏ بل أبدأ بالأقرب فالأقرب برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه الشافعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأفضلنهم على من بعدهم‏)‏ فيه إشعار بمزية البدريين من الصحابة وأنه لا يلحق بهم من عداهم وإن هاجر ونصر لحديث‏:‏ ‏(‏إن اللّه اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏)‏ وقد تقدم هذا الحديث وشرحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنما هاجر به أبوه‏)‏ فيه دليل على أن الهجرة التي يستحق بها كمال أجر الدين والدنيا وهي التي تكون باختيار وقصد لا مجرد الانتقال من المكان إلى المكان فإن ذلك وإن كان هجرة في الصورة والحقيقة لكن كمال الأجور يتوقف على ما قدمنا ولهذا جعل عمر هجرة ابنه عبد اللّه كلا هجرة وقال إنما هاجر به أبوه مع أنه قد كان مميزًا وقت الهجرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما ينضجون‏)‏ بضم أوله ثم نون ثم ضاد معجمة ثم جيم أي لم يبلغوا إلى سن من يقدر على الطبخ ومع ذلك فليسوا بأهل أموال يستغنون بغلتها ولا أهل مواش يعيشون بما يحصل من ألبانها وأدهانها وأصوافها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الضبع‏)‏ بضم الباء وسكونها هي مؤنثة اسم لسبع كالذئب معروف ولكن ليس ذلك هو المراد هنا إنما المراد السنة المجدبة قال في القاموس‏:‏ والضبع كرجل السنة المجدبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خفاف‏)‏ بكسر الخاء المعجمة وفاءين خفيفتين بينهما ألف وإيماء بفتح الهمزة وكسرها والكسر أشهر وسكون الياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوقف معها عمر‏)‏ أي لم يجاوز المكان الذي سألته وهو فيه بل وقف حتى سمع منها ثم انصرف بعد ذلك لقضاء حاجتها‏.‏ والمراد بالنسب القريب الذي يعرفه السامع بلا سرد لكثير من الآباء وذلك إنما يكون في الأشراف المشاهير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجعل بينهما نفقة‏)‏ أي دراهم قال في القاموس‏:‏ النفقة ما تنفقه من الدراهم ونحوها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثكلتك أمك‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الثكل بالضم الموت والهلاك وفقدان الحبيب أو الولد ويحرك وقد ثكله كفرح فهو ثاكل وثكلان وهي ثاكل وثكلانة قليلة وثكول وأثكلت لزمها الثكل فهي مثكل من مثاكيل انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نستفيء‏)‏ قال في النهاية‏:‏ أي نأخذها لأنفسنا ونقتسمها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بل أبدأ بالأقرب فالأقرب برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ فيه مشروعية البداءة بقرابة الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم وتقديمهم على غيرهم‏.‏