فصل: باب ما يباح من الحيوان الإنسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب ضرب النساء بالدف لقدوم الغائب وما في معناه

1 - عن بريدة قال‏:‏ ‏(‏خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت يا رسول اللّه إني كنت نذرت إن ردك اللّه صالحًا أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى قال لها إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا فجعلت تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب ثم دخل عمر فألقت الدف تحت أستها ثم قعدت عليه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إن الشيطان ليخاف منك يا عمر إني كنت جالسًا وهي تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان والبيهقي وفي الباب عن عبد اللّه بن عمر وعند أبي داود‏.‏ وعن عائشة عند الفاكهاني في تاريخ مكة بسند صحيح وقد استدل المصنف بحديث الباب على جواز ما دل عليه الحديث عند القدوم من الغيبة والقائلون بالتحريم يخصون مثل ذلك من عموم الأدلة الدالة على المنع وأما المجوزون فيستدلون به على مطلق الجواز لما سلف وقد دلت الأدلة على أنه لا نذر في معصية اللّه فالإذن منه صلى اللّه عليه وآله وسلم لهذه المرأة بالضرب يدل على أن ما فعلته ليس بمعصية في مثل ذلك الموطن وفي بعض ألفاظ الحديث أنه قال لها أوفي بنذرك ومن جملة مواطن التخصيص للهو في العرسات وقد تقدمت الأحاديث في ذلك في كتاب الوليمة من كتاب النكاح‏.‏ ومن مواطن التخصيص أيضًا في الأعياد لما في الصحيحين من حديث عائشة قالت‏:‏ ‏(‏دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيانني بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر مزامير للشيطان في بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وذلك في يوم عيد فقال يا أبا بكر لكل قوم عيد وهذا عيدنا‏)‏ وروى المبرد والبيهقي في المعرفة عن عمر أنه إذا كان داخلًا في بيته ترنم بالبيت والبيتين‏.‏ ورواه المعافي النهرواني في كتاب الجليس والأنيس وابن منده في المعرفة في ترجمة أسلم الحادي‏.‏

وأخرج النسائي أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لعبد اللّه بن رواحة حرك بالقوم فاندفع يرتجز‏.‏

 كتاب الأطعمة والصيد والذبائح

 باب في أن الأصل في الأعيان والأشياء الإباحة إلى أن يرد منع أو إلزام

1 - عن سعد بن أبي وقاص‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرم على الناس فحرم من أجل مسألته‏)‏‏.‏

2 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم‏)‏‏.‏

متفق عليهما‏.‏

3 - وعن سلمان الفارسي قال‏:‏ ‏(‏سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن السمن والجبن والفراء فقال‏:‏ الحلال ما أحل اللّه في كتابه والحرام ما حرم اللّه في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا لكم‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه والترمذي‏.‏

4 - وعن علي عليه السلام قال‏:‏ ‏(‏لما نزلت ‏{‏وللّه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا‏}‏ قالوا‏:‏ يا رسول اللّه في كل عام فسكت فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه في كل عام قال‏:‏ لا ولو قلت نعم لوجبت فأنزل اللّه ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم‏}‏‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن‏.‏

حديث سلمان قيل إنه لم يوجد في سنن الترمذي ويدل على ذلك أنه روى صاحب جامع الأصول شطرًا منه من قوله الحلال ما أحل اللّه الخ ولم ينسبه إلى الترمذي بل بيض له ولكنه قد عزاه الحافظ في الفتح في باب ما يكره من كثرة السؤال إلى الترمذي كما فعله المصنف‏.‏ والحديث أورده الترمذي في كتاب اللباس وبوب له باب ما جاء في لباس الفراء وأخرجه أيضًا الحاكم في المستدرك وقد ساقه ابن ماجه بإسناد فيه سيف بن هارون البرجمي وهو ضعيف متروك‏.‏

وحديث علي أخرجه أيضًا الحاكم وهو منقطع كما قال الحافظ‏.‏ وصورة إسناده في الترمذي قال حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا منصور بن زاذان عن علي بن عبد الأعلى عن أبيه عن أبي البختري عن علي فذكره قال أبو عيسى الترمذي حديث علي حديث غريب واسم أبي البختري سعيد بن أبي عمران وهو سعيد بن فيروز انتهى‏.‏

وفي الباب عن ابن عباس وأبي هريرة وقد تقدما في أول كتاب الحج ـ وفي الباب ـ أحاديث ساقها البخاري في باب ما يكره من كثرة السؤال وأخرج البزار وقال سنده صالح والحاكم وصححه من حديث أبي الدرداء رفعه بلفظ‏:‏ ‏(‏ما أحل اللّه في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من اللّه عافيته فإن اللّه لم يكن لينسى شيئًا وتلا ‏{‏وما كان ربك نسيًا‏}‏‏)‏ وأخرج الدارقطني من حديث أبي ثعلبة رفعه‏:‏ ‏(‏إن اللّه فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودًا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها‏)‏ وأخرج مسلم من حديث أنس وأصله في البخاري‏:‏ ‏(‏قال كنا نهينا أن نسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن شيء‏)‏ الحديث‏.‏ وفي البخاري من حديث ابن عمر فكره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم المسائل وعابها‏.‏

وأخرج أحمد عن أبي أمامة قال‏:‏ لما نزلت ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء‏}‏ الآية كنا قد اتقينا أن نسأله صلى اللّه عليه وآله وسلم الحديث‏.‏ والراجح في تفسير الآية أنها نزلت في النهي عن كثرة المسائل عما كان وعما لم يكن وقد أنكر ذلك جماعة من أهل العلم منهم القاضي أبو بكر ابن العربي فقال‏:‏ اعتقد قومًا من الغافلين منع السؤال عن النوازل إلى أن تقع تعلقًا بهذه الآية وليس كذلك لأنها مصرحة بأن المنهي عنه ما تقع المساءة في جوابه ومسائل النوازل ليست كذلك قال الحافظ وهو كما قال إلا أن ظاهرها اختصاص ذلك بزمان نزول الوحي ويؤيده حديث سعد المذكور في أول الباب لأنه قد أمن من وقوع التحريم لأجل المسألة ولكن ليس الظاهر ما قاله ابن العربي من الاختصاص لأن المساءة مجوزة في السؤال عن كل أمر لم يقع وأما ما ثبت في الأحاديث من وقوع المسائل من الصحابة فيحتمل أن ذلك قبل نزول الآية ويحتمل أن النهي في الآية لا يتناول ما يحتاج إليه مما تقرر حكمه كبيان ما أجمل أو نحوه ذلك مما وقعت عنه المسائل وقد وردت عن الصحابة آثار كثيرة في المنع من ذلك ساقها الدارمي في أوائل مسنده‏.‏ منها عن زيد بن ثابت أنه كان إذا سئل عن الشيء يقول هل كان هذا فإن قيل لا قال دعوه حتى يكون‏.‏

قال في الفتح‏:‏ والتحقيق في ذلك أن البحث عما لا يوجد فيه نص على قسمين أحدهما أن يبحث عن دخوله في دلالة النص على اختلاف وجوهها فهذا مطلوب لا مكروه بل ربما كان فرضًا على من تعين عليه من المجتهدين‏.‏ ثانيهما أن يدقق النظر في وجوه الفرق فيفرق بين متماثلين بفرق ليس له أثر في الشرع مع وجود وصف الجمع أو بالعكس بأن يجمع بين مفترقين لوصف طردي مثلًا فهذا الذي ذمه السلف وعليه ينطبق حديث ابن مسعود رفعه‏:‏ ‏(‏هلك المتنطعون‏)‏ أخرجه مسلم فرأوا أن فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته ومثله الإكثار من التفريع على مسألة لا أصل لها في الكتاب ولا السنة ولا الإجماع وهي نادرة الوقوع جدًا فيصرف فيها زمانًا كان صرفه في غيرها أولى ولا سيما إذا لزم من ذلك المقال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه وأشد من ذلك في كثرة السؤال البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها‏.‏

ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحس كالسؤال عن وقت الساعة وعن الروح وعن مدة هذه الأمة إلى أمثال ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل والكثير منه لم يثبت فيه شيء فيجب الإيمان به من غير بحث وأشد من ذلك ما يوقع كثرة البحث عنه في الشك والحيرة كما صح من حديث أبي هريرة رفعه عند البخاري وغيره‏:‏ ‏(‏لا يزال الناس يتساءلون هذا اللّه خلق الخلق فمن خلق اللّه‏)‏ قال الحافظ‏:‏ فمن سد باب المسائل حتى فاته كثير من الأحكام التي يكثر وقوعها فإنه يقل فهمه وعلمه ومن توسع في تفريع المسائل وتوليدها ولا سيما فيما يقل وقوعه أو يندر ولا سيما إن كان الحامل على ذلك المباهاة والمغالبة فإنه يذم فعله وهو عين الذي كرهه السلف ومن أمعن البحث عن معاني كتاب اللّه تعالى محافظًا على ما جاء في تفسيره عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وعن الصحابة الذين شاهدوا التنزيل وحصل من الأحكام ما يستفاد من منطوقه ومفهومه وعن معاني السنة وما دلت عليه كذلك مقتصرًا على ما يصلح للحجة فيها فإنه الذي يجمد وينفع وينتفع به وعلى ذلك يحمل عمل فقهاء الأمصار من التابعين فمن بعدهم حتى حدثت الطائفة الثانية فعارضتها الطائفة الأولى فكثر بينهم المراء والجدال وتولدت البغضاء وهم من أهل دين واحد والوسط هو المعتدل من كل شيء وإلى ذلك يشير قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم في الحديث المذكور في الباب‏:‏ ‏(‏فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم‏)‏ فإن الاختلاف يجر إلى عدم الانقياد وهذا كله من حيث تقسيم المشتغلين بالعلم وأما العمل بما ورد في الكتاب والسنة والتشاغل به فقد وقع الكلام في أيهما أولى يعني هل العلم أو العمل والإنصاف أن يقال كل ما زاد على ما هو في حق المكلف فرض عين فالناس فيه على قسمين من وجد من نفسه قوة على الفهم والتحرير فتشاغله ذلك أولى من إعراضه عنه وتشاغله بالعبادة لما فيه من النفع المتعدي ومن وجد من نفسه قصورًا فإقباله على العبادة أولى به لعسر اجتماع الأمرين فإن الأول لو ترك العلم لأوشك أن يضيع بعض الأحكام بإعراضه والثاني لو أقبل على العلم وترك العبادة فاته الأمران لعدم حصول الأول له وإعراضه عن الثاني انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن أعظم المسلمين‏)‏ الخ هذا لفظ مسلم ولفظ البخاري‏:‏ ‏(‏إن أعظم الناس جرمًا‏)‏ قال الطيبي‏:‏ فيه من المبالغة أنه جعله عظيمًا ثم فسره بقوله جرمًا ليدل على أنه نفسه جرم قال وقوله في المسلمين أي في حقهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فحرم‏)‏ بضم الحاء المهملة وتشديد الراء قال ابن بطال عن المهلب‏:‏ ظاهر الحديث يتمسك به القدرية في أن اللّه يفعل شيئًا من أجل شيء وليس كذلك بل هو على كل شيء قدير فهو فاعل السبب والمسبب ولكن الحديث محمول على التحذير مما ذكر فعظم جرم من فعل ذلك لكثرة الكارهين لفعله‏.‏ وقال غيره‏:‏ أهل السنة لا ينكرون إمكان التعليل وإنما ينكرون وجوبه فلا يمتنع أن يكون الشيء الفلاني تتعلق به الحرمة إن سئل عنه فقد سبق القضاء بذلك إلا أن السؤال علة للتحريم‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ قيل الجرم اللاحق به إلحاق المسلمين المضرة لسؤاله وهي منعهم التصرف فيما كان حلالًا قبل مسألته‏.‏ وقال القاضي عياض‏:‏ المراد بالجزم هنا الحدث على المسلمين لا الذي هو بمعنى الإثم المعاقب عليه لأن السؤال كان مباحًا ولهذا قال سلوني وتعقبه النووي فقال‏:‏ هذا الجواب ضعيف أو باطل والصواب الذي قاله الخطابي والتيمي وغيرهما أن المراد بالجرم الإثم والذنب وحملوه على من سأل تكلفًا وتعنتًا فيما لا حاجة له به إليه وسبب تخصيصه ثبوت الأمر بالسؤال عما يحتاج إليه لقوله تعالى ‏{‏فاسألوا أهل الذكر‏}‏ فمن سأل عن نازلة وقعت له لضرورته إليها فهو معذور فلا إثم عليه ولا عتب فكل من الأمر بالسؤال والزجر عنه مخصوص بجهة غير الأخرى قال ويؤخذ منه أن من عمل شيئًا أضر به غيره كان آثمًا‏.‏

وأورد الكرماني على الحديث سؤالًا فقال‏:‏ السؤال ليس بجريمة ولئن كان فليس بكبيرة ولئن كان فليس بأكبر الكبائر وأجاب أن السؤال عن الشيء بحيث يصير سببًا لتحريم شيء مباح هو أعظم الجرم لأنه صار سببًا لتضييق الأمر على جميع المكلفين فالقتل مثلًا كبيرة ولكن مضرته راجعة إلى المقتول وحده أو إلى من هو منه بسبيل بخلاف صورة المسألة فضررها عام للجميع انتهى‏.‏

وقد روي ما يدل على أنه قد وقع في زمنه صلى اللّه عليه وآله وسلم من المسائل ما كان سببًا لتحريم الحلال أخرج البزار عن سعد بن أبي وقاص قال‏:‏ كان الناس يتساءلون عن الشيء من الأمر فيسألون النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو حلال فلا يزالون يسألونه عن الشيء حتى يحرم عليهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذروني‏)‏ في رواية البخاري دعوني ومعناهما واحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما تركتكم‏)‏ أي مدة تركي إياكم بغير أمر بشيء ولا نهي عن شيء قال ابن فرج‏:‏ معناه لا تكثروا من الاستفصال عن المواضع التي تكون مفيدة لوجه ما ظاهره ولو كان صالحة لغيره كما أن قوله حجوا وإن كان صالحًا للتكرار فينبغي أن يكتفى بما يصدق عليه اللفظ وهو المرة فإن الأصل عدم الزيادة ولا يكثر التعنت عن ذلك فإنه قد يفضي إلى مثل ما وقع لبني إسرائيل في البقرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واختلافهم‏)‏ يجوز فيه الرفع والجر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا نهيتكم‏)‏ هذا النهي عام في جميع المناهي ويستثنى من ذلك ما يكره المكلف على فعله وإليه ذهب الجمهور وخالف قوم فتمسكوا بالعموم فقالوا الإكراه على ارتكاب المعصية لا يبيحها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم‏)‏ أي اجعلوه قدر استطاعتكم قال النووي‏:‏ هذا من جوامع الكلم وقواعد الإسلام ويدخل فيه كثير من الأحكام كالصلاة لمن عجز عن ركن منها أو شرط فيأتي بالمقدور وكذا الوضوء وستر العورة وحفظ بعض الفاتحة وإخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل والإمساك في رمضان لمن أفطر بالعذر ثم قدر في أثناء النهار إلى غير ذلك من المسائل التي يطول شرحها واستدل به على أن من أمر بشيء فعجز عن بعضه ففعل المقدور أنه يسقط عنه ما عجز عنه وبذلك استدل المزني على أن ما وجب أداؤه لا يجب قضاؤه ومن ثم كان الصحيح أن القضاء بأمر جديد‏.‏

واستدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشارع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك وقيد في المأمورات بالاستطاعة وهذا منقول عن الإمام أحمد ـ فإن قيل ـ إن الاستطاعة معتبرة في النهي أيضًا إذ لا يكلف اللّه نفسًا إلا وسعها فجوابه أن الاستطاعة تطلق باعتبارين كذا قيل قال الحافظ‏:‏ والذي يظهر أن التقييد في الأمر بالاستطاعة لا يدل على المدعى من الاعتبار بل هو من جهة الكف إذ كل واحد قادر على الكف لولا داعية الشهوة مثلًا فلا يتصور عدم الاستطاعة من الكف بل كل مكلف قادر على الترك بخلاف الفعل فإن العجز عن تعاطيه محسوس فمن ثم قيد في الأمر بحسب الاستطاعة دون النهي‏.‏

قال ابن فرج في شرح الأربعين‏:‏ إن الأمر بالاجتناب على إطلاقه حتى يوجد ما يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة وشرب الخمر عند الإكراه والأصل في ذلك جواز التلفظ بكلمة الكفر إذا كان القلب مطمئنًا بالإيمان كما نطق به القرآن‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والتحقيق أن المكلف في كل ذلك ليس منهيًا في تلك الحال وقال الماوردي‏:‏ إن الكف عن المعاصي ترك وهو سهل وعمل الطاعة فعل وهو شاق فلذلك لم يبح ارتكاب المعصية ولو مع العذر لأنه ترك والترك لا يعجز المعذور عنه وادعى بعضهم أن قوله تعالى ‏{‏فاتقوا اللّه ما استطعتم‏}‏ يتناول امتثال المأمور واجتناب المنهي وقد قيد بالاستطاعة فاستويا فحينئذ تكون الحكمة في تقييد الحديث بالاستطاعة في جانب الأمر دون النهي أن العجز يكثر تصوره في الأمر بخلاف النهي فإن تصور العجز فيه محصور في الاضطرار وهو قوله تعالى ‏{‏إلا ما اضطررتم إليه‏}‏ وهو مضطر ولا يرد الإكراه لأنه مندرج في الاضطرار وزعم بعضهم أن قوله تعالى ‏{‏فاتقوا اللّه ما استطعتم‏}‏ نسخ بقوله تعالى ‏{‏اتقوا اللّه حق تقاته‏}‏ قال الحافظ‏:‏ والصحيح أنه لا نسخ بل المراد بحق تقاته امتثال أمره واجتناب نهيه مع القدرة لا مع العجز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الفراء‏)‏ بفتح الفاء مهموز حمار الوحش كذا في مختصر النهاية ولكن تبويب الترمذي الذي ذكرناه سابقًا يدل على أن الفراء بكسر الفاء جمع فرو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الحلال ما أحل اللّه في كتابه‏)‏ الخ المراد من هذه العبارة وأمثالها مما يدل على حصر التحليل والتحريم على الكتاب العزيز هو باعتبار اشتماله على جميع الأحكام ولو بطريق العموم أو الإشارة أو باعتبار الأغلب لحديث‏:‏ ‏(‏إني أوتيت القرآن ومثله معه‏)‏ وهو حديث صحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن علي‏)‏ الخ قد تقدم الكلام على ما اشتمل عليه حديث علي في أول كتاب الحج‏.‏

 باب ما يباح من الحيوان الإنسي

1 - عن جابر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل‏)‏‏.‏

متفق عليه وهو للنسائي وأبو داود‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏(‏أطعمنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر‏)‏ رواه الترمذي وصححه‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏(‏سافرنا يعني مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فكنا نأكل لحوم الخيل ونشرب ألبانها‏)‏ رواه الدارقطني‏.‏

2 - وعن أسماء بنت أبي بكر قالت‏:‏ ‏(‏ذبحنا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فرسًا ونحن بالمدينة فأكلناه‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

ولفظ أحمد‏:‏ ‏(‏ذبحنا فرسًا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأكلناه نحن وأهل بيته‏)‏‏.‏

وعن أبي موسى قال‏:‏ ‏(‏رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يأكل لحم دجاج‏)‏ متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية‏)‏ فيه دليل على تحريمها وسيأتي الكلام على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأذن في لحوم الخيل‏)‏ استدل به القائلون بحل أكلها قال الطحاوي ذهب أبو حنيفة إلى كراهة أكل الخيل وخالفه صاحباه وغيرهما واحتجوا بالأخبار المتواترة في حلها ولو كان ذلك مأخوذًا من طريق النظر لما كان بين الخيل والحمر الأهلية فرق ولكن الآثار إذا صحت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أولى أن نقول بها مما يوجبه النظر ولا سيما وقد أخبر جابر أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أباح لهم لحوم الخيل في الوقت الذي منعهم فيه من لحوم الحمر فدل ذلك على اختلاف حكمهما‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقد نقل الحل بعض التابعين عن الصحابة من غير استثناء أحد فأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح على شرط الشيخين عن عطاء أنه قال لابن جريج‏:‏ لم يزل سلفك يأكلونه قال ابن جريج‏:‏ قلت أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال نعم‏.‏

وأما ما نقل في ذلك عن ابن عباس من كراهتها فأخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق بسندين ضعيفين وسيأتي في الباب الذي بعد هذا عن ابن عباس أنه استدل لحل الحمر الأهلية بقوله تعالى ‏{‏قل لا أجد فيما أوحي إلي‏}‏ الآية وذلك يقوي أنه من القائلين بالحل وأخرج الدارقطني عنه بسند قوي قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأمر بلحوم الخيل‏)‏ قال في الفتح‏:‏ وصح القول بالكراهة عن الحكم بن عتيبة ومالك وبعض الحنفية وعن بعض المالكية والحنفية التحريم قال الفاكهاني‏:‏ المشهور عند المالكية الكراهة والصحيح عند المحققين منهم التحريم وقد صحح صاحب المحيط والهداية والذخيرة عن أبي حنيفة التحريم وإليه ذهبت العترة كما حكاه في البحر ولكنه حكى الحل عن زيد بن علي واستدل القائلون بالتحريم بما رواه الطحاوي وابن حزم من طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن لحوم الحمر والخيل والبغال‏)‏ قال الطحاوي‏:‏ أهل الحديث يضعفون عكرمة بن عمار قال الحافظ لا سيما في يحيى بن أبي كثير فإن عكرمة وإن كان مختلفًا في توثيقه قد أخرج له مسلم لكن إنما أخرج له من غير روايته عن يحيى بن أبي كثير وقال يحيى بن سعيد القطان‏:‏ أحاديثه عن يحيى بن أبي كثير ضعيفة وقال البخاري‏:‏ حديثه عن يحيى مضطرب وقال النسائي‏:‏ ليس به بأس إلا في يحيى وقال أحمد‏:‏ حديثه من غير إياس بن سلمة مضطرب‏.‏ وعلى تقدير صحة هذه الطريق فقد اختلف على عكرمة فيها فإن الحديث عند أحمد والترمذي من طريقه ليس فيه للخيل ذكر وعلى تقدير أن يكون الذي زاده حفظه فالروايات المتنوعة عن جابر المفصلة بين لحوم الخيل والحمر في الحكم أظهر اتصالًا وأتقن رجالًا وأكثر عددًا ومن أدلتهم ما رواه في السنن من حديث خالد بن الوليد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الخيل‏)‏‏.‏

وتعقب بأنه شاذ منكر لأن في سياقه أنه شهد خيبر وهو خطأ فإنه لم يسلم إلا بعدها على الصحيح وقد روى الحديث من طريق أخرى عن خالد وفيها مجهول ولا يقال أن جابرًا أيضًا لم يشهد خيبر كما أعل الحديث بذلك بعض الحنفية لأنا نقول ذلك ليس بعلة مع عدم التصريح بحضوره فغايته أن يكون من مراسيل الصحابة‏.‏

وأما الرواية الثانية عنه المذكورة في الباب أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أطعمهم لحوم الخيل وفي الأخرى أنهم سافروا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فليس في ذلك تصريح بأنه كان في خيبر فيمكن أن يكون في غيرها ولو فرضنا ثبوت حديث خالد وسلامته عن العلل لم ينتهض لمعارضة حديث جابر وأسماء المتفق عليهما مع أنه قد ضعف حديث خالد أحمد والبخاري وموسى بن هارون والدارقطني والخطابي وابن عبد البر وعبد الحق وآخرون‏.‏ ومن جملة ما استدل به القائلون بالتحريم قوله تعالى ‏{‏والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة‏}‏ وقد تمسك بها أكثر القائلين بالتحريم وقرروا ذلك بأن اللام للتعليل فدل على أنها لم تخلق لغير ذلك لأن العلة المنصوصة تفيد الحصر فإباحة أكلها تقتضي خلاف الظاهر من الآية وقرره أيضًا بأن العطف يشعر بالاشتراك في الحكم وبأن الآية سيقت مساق الامتنان فلو كان ينتفع بها في الأكل لكان الامتنان به أعظم وأجيب إجمالًا بأن الآية مكية اتفاقًا والإذن كان بعد الهجرة وأيضًا ليست نصًا في منع الأكل والحديث صريح في الحل وأجيب أيضًا تفصيلًا بأنا لو سلمنا أن اللام للعلة لم نسلم إفادته الحصر في الركوب والزينة فإنه ينتفع بالخيل في غيرهما وفي غير الأكل اتفاقًا ونظير ذلك حديث البقرة المذكور في الصحيحين حين خاطبت راكبها فقالت‏:‏ إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث فإنه مع كونه أصرح في الحصر لكونه بإنما مع اللام لا يستدل به على تحريم أكلها وإنما المراد الأغلب من المنافع وهو الركوب في الخيل والتزين بها والحرث في البقر وأيضًا يلزم المستدل بالآية أنه لا يجوز حمل الأثقال على الخيل والبغال والحمير ولا قائل به‏.‏ وأما الاستدلال بالعطف فغايته دلالة اقتران وهي من الضعف بمكان‏.‏ وأما الاستدلال بالامتنان فهو باعتبار غالب المنافع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذبحنا فرسًا‏)‏ لفظ البخاري نحرنا فرسًا وقد جمع بين الروايتين بحمل النحر على الذبح مجازًا وقد وقع ذلك مرتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يأكل لحم دجاج‏)‏ هو اسم جنس مثلث الدال ذكره المنذري وابن مالك وغيرهما ولم يحك النووي أن ذلك مثلث وقيل إن الضم ضعيف قال الجوهري‏:‏ دخلتها التاء للوحدة مثل الحمامة وقال إبراهيم الحربي‏:‏ إن الدجاجة بالكسر اسم للذكران دون الإناث والواحد منها ديك وبالفتح الإناث دون الذكران والواحدة دجاجة بالفتح أيضًا‏.‏ وفي القاموس والدجاجة معروف للذكر والأنثى وتثلث اهـ وقد تقدم نقله‏.‏

وفي الحديث قصة وهو أن رجلًا امتنع من أكل الدجاج وحلف على ذلك فأفتاه أبو موسى بأنه يكفر عن يمينه ويأكل وقص له الحديث‏.‏

 باب النهي عن الحمر الإنسية

1 - عن أبي ثعلبة الخشني قال‏:‏ ‏(‏حرم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لحوم الحمر الأهلية‏)‏‏.‏

متفق عليه وزاد أحمد ولحم كل ذي ناب من السباع‏.‏

2 - وعن البراء بن عازب قال‏:‏ ‏(‏نهانا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الإنسية نضيجًا ونيًا‏)‏‏.‏

3 - وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية‏)‏‏.‏

متفق عليهما‏.‏

4 - وعن ابن أبي أوفى قال‏:‏ ‏(‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن لحوم الحمر‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

5 - وعن زاهر الأسلمي وكان ممن شهد الشجرة قال‏:‏ ‏(‏إني لأوقد تحت القدور بلحوم الحمر إذ نادى مناد أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهاكم عن لحوم الحمر‏)‏‏.‏

6 - وعن عمرو بن دينار قال‏:‏ ‏(‏قلت لجابر بن زيد يزعمون أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن الحمر الأهلية قال‏:‏ قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة ولكن أبى ذلك البحر ابن عباس وقرأ ‏{‏قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرمًا‏}‏‏)‏‏.‏ رواهما البخاري‏.‏

7 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حرم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع والمجثمة والحمار الإنسي‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏

8 - وعن ابن أبي أوفى قال‏:‏ ‏(‏أصابتنا مجاعة ليالي خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها فلما غلت بها القدور نادى منادي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن أكفؤا القدور لا تأكلوا من لحوم الحمر شيئًا فقال ناس إنما نهى عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لأنها لم تخمس وقال آخرون نهى عنها البتة‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

وقد ثبت النهي من رواية علي وأنس وقد ذكرا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الأنسية‏)‏ قال في الفتح‏:‏ بكسر الهمزة وسكون النون منسوبة إلى الأنس ويقال فيه أنسية بفتحتين وزعم ابن الأثير أن في كلام أبي موسى المديني ما يقتضي أنها بالضم ثم السكون وقد صرح الجوهري أن الأنس بفتحتين ضد الوحشة ولم يقع في شيء من روايات الحديث بضم ثم سكون مع احتمال جوازه نعم زيف أبو موسى الرواية بكسر أوله ثم السكون فقال ابن الأثير‏:‏ إن أراد من جهة الرواية وإلا فهو ثابت في اللغة والمراد بالأنسية الأهلية كما وقع في سائر الروايات ويؤخذ من التقييد بها جواز أكل الحمر الوحشية ولعله يأتي البحث عنها إن شاء اللّه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذ نادى مناد‏)‏ وقع عند مسلم أن الذي ناد بذلك أبو طلحة ووقع عند مسلم أيضًا أن بلالًا نادى بذلك وعند النسائي أن المنادي بذلك عبد الرحمن بن عوف ولعل عبد الرحمن نادى أولًا بالنهي مطلقًا ثم نادى أبو طلحة وبلال بزيادة على ذلك وهو قوله فإنها رجس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقرأ قل لا أجد‏)‏ الآية هذا الاستدلال إنما يتم في الأشياء التي لم يرد النص بتحريمها وأما الحمر الأنسية فقد تواترت النصوص على ذلك والتنصيص على التحريم مقدم على عموم التحليل وعلى القياس وأيضًا الآية مكية وقد روي عن ابن عباس أنه قال‏:‏ إنما حرم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الحمر الأهلية مخافة قلة الظهر‏.‏ رواه ابن ماجه والطبراني وإسناده ضعيف وفي البخاري في المغازي أن ابن عباس تردد هل كان النهي لمعنى خاص أو للتأبيد وعن بعضهم إنما نهى عنها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لأنها كانت تأكل العذرة وفي حديث ابن أبي أوفى المذكور في الباب فقال ناس إنما نهى عنها لأنها لم تخمس‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقد أزال هذه الاحتمالات من كونها لم تخمس أو كانت جلالة أو غيرهما حديث أنس حيث جاء فيه فإنها رجس وكذلك الأمر بغسل الإناء في حديث سلمة اهـ‏.‏

والحديثان متفق عليهما وقد تقدما في أول الكتاب في باب نجاسة لحم الحيوان الذي لا يؤكل إذا ذبح من كتاب الطهارة‏.‏ قال القرطبي‏:‏ ظاهره أن الضمير في إنها رجس عائد على الحمر لأنها المتحدث عنها المأمور بإكفائها من القدور وغسلها وهذا حكم النجس فيستفاد منه تحريم أكلها لعينها لا لمعنى خارج وقال ابن دقيق العيد‏:‏ الأمر بإكفاء القدور ظاهر أنه سبب تحريم لحم الحمر‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقد وردت علل أخر إن صح رفع شيء منها وجب المصير إليه لكن لا مانع أن يعلل الحكم بأكثر من علة‏.‏ وحديث أبي ثعلبة صريح في التحريم فلا معدل عنه وأما التعليل بخشية قلة الظهر فأجاب عنه الطحاوي بالمعارضة بالخيل فإن في حديث جابر النهي عن الحمر والإذن في الخيل مقرونان فلو كانت العلة لأجل الحمولة لكانت الخيل أولى بالمنع لقلتها عندهم وعزتها وشدة حاجتهم إليها قال النووي‏:‏ قال بتحريم الحمر الأهلية أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم ولم نجد عن أحد من الصحابة في ذلك خلافًا إلا عن ابن عباس وعند مالك ثلاث روايات ثالثها الكراهة‏.‏

وقد أخرج أبو داود عن غالب بن أبجر قال أصابتنا سنة فلم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر فأتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقلت إنك حرمت لحوم الحمر الأهلية وقد أصابتنا سنة قال أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل جوال القرية بفتح الجيم والواو وتشديد اللام جمع جالة مثل سوام جمع سامة بتشديد الميم وهوام جمع هامة يعني الجلالة وهي التي تأكل العذرة‏.‏

ـ والحديث ـ لا تقوم به حجة قال الحافظ‏:‏ إسناده ضعيف والمتن شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة فلا اعتماد عليه‏.‏ وقال المنذري‏:‏ اختلف في إسناده كثيرًا وقال البيهقي‏:‏ إسناده مضطرب قال ابن عبد البر‏:‏ روى عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تحريم الحمر الأهلية علي عليه السلام وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن عمرو وجابر والبراء وعبد اللّه بن أبي أوفى وأنس وزاهر الأسلمي بأسانيد صحاح وحسان‏.‏

وحديث غالب بن أبجر لا يعرج على مثله مع ما يعارضه ويحتمل أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم رخص لهم في مجاعتهم وبين علة تحريمها المطلق بكونها تأكل العذرات‏.‏

وأما الحديث الذي أخرجه الطبراني عن أم نصر المحاربية أن رجلًا سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الحمر الأهلية فقال أليس ترعى الكلأ وتأكل الشجر قال نعم قال فأصب من لحومها‏.‏

وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق رجل من بني مرة قال سألت فذكر نحوه فقال الحافظ في السندين مقال ولو ثبتا احتمل أن يكون قبل التحريم‏.‏

قال الطحاوي‏:‏ لولا تواتر الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بتحريم الحمر الأهلية لكان النظر يقتضي حلها لأن كل ما حرم من الأهلي أجمع على تحريمه إذا كان وحشيًا كالخنزير وقد أجمع على حل الوحشي فكان النظر يقتضي حل الحمار الأهلي‏.‏

قال في الفتح‏:‏ وما ادعاه من الإجماع مردود فإن كثيرًا من الحيوان الأهلي مختلف في نظيره من الحيوان الوحشي كالهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كل ذي ناب من السباع‏)‏ سيأتي الكلام فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المجثمة‏)‏ بضم الميم وفتح الجيم وتشديد المثلثة على صيغة اسم المفعول وهي كل حيوان ينصب ويقتل إلا أنها قد كثرت في الطير والأرنب وما يجثم في الأرض أي يلزمها والجثم في الأصل لزوم المكان أو الوقوع على الصدر أو التلبد بالأرض كما في القاموس فالتجثيم نوع من المثلة‏.‏