فصل: باب ما يذكر في ترجمة الواحد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب ما يذكر في ترجمة الواحد

1 - في حديث زيد بن ثابت‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمره فتعلم كتاب اليهود وقال حتى كتبت للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كتبه وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

قال البخاري‏:‏ قال عمر بن الخطاب وعنده أمير المؤمنين علي وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ماذا تقول هذه فقال عبد الرحمن بن حاطب فقلت تخبرك بالذي صنع بها قال وقال أبو جمرة كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى كتبت للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كتبه‏)‏ يعني إليهم هذا الحديث من الأحاديث المعلقة في البخاري وقد وصله في تاريخه بلفظ‏:‏ ‏(‏إن زيد بن ثابت قال أتى بي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مقدمه المدينة فأعجب بي فقيل له هذا غلام من بني النجار قد قرأ مما أنزل اللّه عليك بضع عشرة سورة فاستقرأني فقرأت ‏{‏ق‏}‏ فقال لي‏:‏ تعلم كتاب يهود فإني ما آمن يهود على كتابي فتعلمه في نصف شهر حتى كتبت له إلى يهود وأقرأ له إذا كتبوا إليه‏)‏ وأخرجه أيضًا موصولًا أبو داود والترمذي وصححه وأخرجه أحمد وإسحاق وأخرجه أيضًا أبو يعلى بلفظ‏:‏ ‏(‏إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا علي وينقصوا فتعلم السريانية‏)‏ وظاهره أن اللغة السريانية كانت معروفة يومئذ وهي غير العبرانية فكأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمره أن يتعلم اللغتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ماذا تقول هذه‏)‏ أي المرأة التي وجدت حبلى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو جمرة‏)‏ بالجيم المفتوحة والميم الساكنة والراء المهملة‏.‏

ـ وفي الحديث ـ جواز ترجمة واحد قال ابن بطال‏:‏ أجاز الأكثر ترجمة واحد‏.‏ وقال محمد بن الحسن‏:‏ لا بد من رجلين أو رجل وامرأتين وقال الشافعي‏:‏ هو كالبينة وعن مالك روايتان ونقل الكرابيسي عن مالك والشافعي الاكتفاء بترجمان واحد‏.‏ وعن أبي حنيفة الاكتفاء بواحد وعن أبي يوسف باثنين وعن زفر لا يجوز أقل من اثنين، وقال الكرماني‏:‏ لا نزاع لأحد أنه يكفي ترجمان واحد عند الإخبار وأنه لا بد من اثنين عند الشهادة فيرجع الخلاف إلى أنها إخبار أو شهادة فلو سلم الشافعي أنها إخبار لم يشترط العدد ولو سلم الحنفي أنها شهادة لقال بالعدد‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ القياس يقتضي اشتراط العدد في الأحكام لأن كل شيء غاب عن الحاكم لا تقبل فيه إلا البينة الكاملة والواحد ليس بينة كاملة حتى يضم إليه كمال النصاب غير أن الحديث إذا صح سقط النظر‏.‏ وفي الاكتفاء بزيد بن ثابت وحده حجة ظاهرة لا يجوز خلافها انتهى‏.‏

وتعقبه الحافظ فقال‏:‏ يمكن أن يجاب بأنه ليس غير النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من الحكام في ذلك مثله لإمكان إطلاعه على ما غاب عنه بالوحي بخلاف غيره بل لا بد له من أكثر من واحد فمهما كان طريقه الإخبار يكتفى فيه بالواحد ومهما كان طريقه الشهادة لا بد فيه من استيفاء النصاب وقد نقل الكرابيسي أن الخلفاء الراشدين والملوك بعدهم لم يكن لهم إلا ترجمان واحد‏.‏

وقد نقل ابن التين من رواية ابن عبد الحكم لا يترجم إلا حر عدل وإذا أقر المترجم بشيء وجب أن يسمع ذلك منه شاهدان ويرفعان ذلك إلى الحاكم‏.‏

 باب الحكم بالشاهد واليمين

1 - عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى بيمين وشاهد‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه‏.‏

وفي رواية لأحمد إنما كان ذلك في الأموال‏.‏

2 - وعن جابر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى باليمين مع الشاهد‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه والترمذي ولأحمد من حديث عمارة بن حزم وحديث سعد بن عبادة مثله‏.‏

3 - وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن أمير المؤمنين علي‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق وقضى به أمير المؤمنين علي بالعراق‏)‏‏.‏

رواه أحمد والدارقطني وذكره الترمذي‏.‏

4 - وعن ربيعة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم باليمين مع الشاهد الواحد‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه والترمذي وأبو داود وزاد قال عبد العزيز الداروردي فذكرت ذلك لسهيل فقال‏:‏ أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أني حدثته إياه ولا أحفظه قال عبد العزيز‏:‏ وقد كان أصاب سهيلًا علة أذهبت بعض عقله ونسي بعض حديثه فكان سهيل بعد يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه‏.‏

5 - وعن سرق‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أجاز شهادة الرجل ويمين الطالب‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

حديث ابن عباس قال في التلخيص‏:‏ قال فيه الشافعي وهذا الحديث ثابت لا يرده أحد من أهل العلم لو لم يكن فيه غيره مع أن معه غيره مما يشده وقال النسائي‏:‏ إسناده جيد‏.‏ وقال البزار‏:‏ في الباب أحاديث حسان أصحها حديث ابن عباس وقال ابن عبد البر لا مطعن لأحد في إسناده‏.‏

وقال عباس الدوي في تاريخ يحيى بن معين ليس بمحفوظ‏.‏

وقال البيهقي‏:‏ أعله الطحاوي بأنه لا يعلم قيسًا يحدث عن عمرو بن دينار بشيء قال‏:‏ وليس ما لا يعلمه الطحاوي لا يعلمه غيره ثم روى بإسناد جيد حديثًا من طريق وهب بن جرير عن أبيه عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار حديث الذي وقصته ناقته وهو محرم ثم قال وليس من شرط قبول رواية الأخبار كثرة رواية الراوي عمن روى عنه ثم إذا روى الثقة عمن لا ينكر سماعه منه حديثًا واحدًا وجب قبوله وإن لم يكن يروى عنه غيره على أن قيسًا قد توبع عليه رواه عبد الرزاق عن محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار أخرجه أبو داود وتابع عبد الرزاق أبو حذيفة وقال الترمذي في العلل سألت محمدًا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال لم يسمعه عندي عمرو من ابن عباس‏.‏

قال الحاكم قد سمع عمرو من ابن عباس عدة أحاديث وسمع من جماعة من أصحابه فلا ينكر أن يكون سمع منه حديثًا وسمعه من بعض أصحابه عنه وأما رواية عصام البلخي وغيره ممن زاد بين عمرو وابن عباس طاوسًا فهم ضعفاء‏.‏

قال البيهقي‏:‏ ورواية الثقات لا تعلل برواية الضعفاء انتهى ما في التلخيص على الحديث‏.‏

وحديث جابر أخرجه أيضًا البيهقي وهو من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال الترمذي‏:‏ رواه الثوري وغيره عن جعفر عن أبيه مرسلًا وهو أصح وقيل عن أبيه عن أمير المؤمنين علي انتهى‏.‏

وقد ذكر المصنف رحمه اللّه الطريقين كما ترى‏.‏

وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه وأبي زرعة‏:‏ هو مرسل وقال الدارقطني‏:‏ كان جعفر ربما أرسله وربما وصله وقال الشافعي والبيهقي‏:‏ عبد الوهاب وصله وهو ثقة قال البيهقي‏:‏ روى إبراهيم بن أبي هند عن جعفر عن أبيه عن جابر رفعه‏:‏ أتاني جبريل وأمرني أن أقضي باليمين مع الشاهد‏.‏ وإبراهيم ضعيف جدًا رواه ابن عدي وابن حبان في ترجمته وقد صحح حديث جابر أبو عوانة وابن خزيمة وحديث عمارة قال في مجمع الزوائد‏:‏ رجاله ثقات ولفظه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى باليمين والشاهد‏)‏‏.‏

وحديث سعد بن عبادة لفظه في مسند أحمد عن إسماعيل بن عمرو بن قيس بن سعد بن عبادة عن أبيه‏:‏ ‏(‏أنهم وجدوا في كتاب سعد بن عبادة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى باليمين والشاهد‏)‏ انتهى وإسماعيل بن عمرو قال الحافظ الحسيني شيخ محله الصدق وأبوه لم يذكر بشيء وسائر الإسناد رجاله رجال الصحيح وأخرجه البيهقي وأبو عوانة في صحيحه من حديثه بسند آخر‏.‏

وحديث أبي هريرة قال الحافظ في الفتح‏:‏ رجاله مدينون ثقات ولا يضره أن سهيل بن أبي صالح نسيه بعد أن حدث به ربيعة لأنه كان بعد ذلك يرويه عن ربيعة عن نفسه انتهى‏.‏ وأخرجه أيضًا الشافعي وروى ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه أنه صحيح ورواه البيهقي من حديث مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وقال الترمذي بعد إخراج الطريق الأولى حسن غريب‏.‏

قال ابن رسلان في شرح السنن‏:‏ إنه صحح حديث الشاهد واليمين الحافظان أبو زرعة وأبو حاتم من حديث أبي هريرة وزيد بن ثابت وحديث سرق في إسناده رجل مجهول وهو الراوي له عنه فإنه قال ابن ماجه حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون حدثنا جويرة بن أسماء حدثنا عبد اللّه بن يزيد مولى المنبعث عن رجل من أهل مصر عن سرق فذكره ورجال إسناده رجال الصحيح لولا الرجل المجهول وقد أخرجه أيضًا أحمد‏.‏

قال في التلخيص‏:‏ فائدة ذكر ابن الجوزي في التحقيق عدد من رواه فزاد على عشرين صحابيًا وأصح طرقه حديث ابن عباس ثم حديث أبي هريرة‏.‏

وأخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة مرفوعًا قال استشرت جبريل في القضاء باليمين والشاهد فأشار علي بالأموال لا نعد ذلك وإسناده ضعيف‏.‏ وفي الباب عن الزبيب بضم الزاي وفتح الموحدة وسكون المثناة وهو ابن ثعلبة فذكر قصة وفيها أنه قال له صلى اللّه عليه وآله وسلم هل لك بينة على أنكم أسلمتم قبل أن تؤخذوا في هذه الأيام قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ من بينتك قلت‏:‏ سمرة رجل من بني العنبر ورجل آخر سماه له فشهد الرجل وأبى سمرة أن يشهد فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ قد أبى أن يشهد لك فتحلف مع شاهدك الآخر قلت‏:‏ نعم فاستحلفني فحلفت باللّه لقد أسلمنا يوم كذا وكذا ثم ذكر تمام القصة وفيها أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عمل بالشاهد واليمين أخرجه أبو داود مطولًا‏.‏

قال الخطابي‏:‏ إسناده ليس بذاك‏.‏ وقال أبو عمر النمري‏:‏ إنه حديث حسن قال المنذري‏:‏ وقد روي القضاء بالشاهد واليمين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من رواية عمر بن الخطاب وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وسعد بن عبادة والمغيرة بن شعبة وجماعة من الصحابة انتهى فجملة عدد من ذكره المصنف رحمه اللّه سبعة وزينب وعمر بن الخطاب والمغيرة وزيد بن ثابت وعبد اللّه بن عمرو بن العاص وعبد اللّه بن عمر بن الخطاب وأبو سعيد الخدري وبلال بن الحارث ومسلمة بن قيس وعامر بن ربيعة وسهل بن سعد وتميم الداري وأم سلمة وأنس هؤلاء أحد وعشرون رجلًا من الصحابة وهو المشار إليهم بقول ابن الجوزي فزاد عددهم على عشرين‏.‏

وقد استدل بأحاديث الباب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فقالوا يجوز الحكم بشاهد ويمين المدعي وقد حكى ذلك صاحب البحر عن أمير المؤمنين علي وأبي بكر وعمر وعثمان وأبي وابن عباس وعمر بن عبد العزيز وشريح والشعبي وربيعة وفقهاء المدينة والناصر والهادوية ومالك والشافعي وحكي أيضًا عن زيد بن علي والزهري والنخعي وابن شبرمة والإمام يحيى وأبي حنيفة وأصحابه أنه لا يجوز الحكم بشاهد ويمين‏.‏

وقد حكى البخاري وقوع المراجعة في ذلك ما بين أبي الزناد وابن شبرمة فاحتج أبو الزناد على جواز القضاء بشاهد ويمين بالخبر الوارد في ذلك فأجاب عليه ابن شبرمة بقوله تعالى ‏{‏واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان‏}‏ قال الحافظ‏:‏ وإنما تتم له الحجة بذلك على أصل مختلف فيه بين الفريقين يعني الكوفيين والحجازيين وهو أن الخبر إذا ورد متضمنًا لزيادة على ما في القرآن هل يكون نسخًا والسنة لا تنسخ القرآن أو لا يكون نسخًا بل زيادة مستقلة بحكم مستقل إذا ثبت سنده وجب القول به والأول مذهب الكوفيين والثاني مذهب الحجازيين ومع قطع النظر عن ذلك لا تنهض حجة ابن شبرمة لأنها تصير معارضة للنص بالرأي وهو غير معتد به وقد أجاب عنه الإسماعيلي فقال‏:‏ الحجة إلى إذكار إحداهما الأخرى إنما هو فيما إذا شهدتا فإن لم تشهدا قامت مقامهما يمين الطالب ببيان السنة الثابتة واليمين ممن هي عليه لو انفردت لحلت محل البينة في الأداء والإبراء فلذلك حلت اليمين هنا محل المرأتين في الاستحقاق بها مضافة إلى الشاهد الواحد قال‏:‏ ولو لزم إسقاط القول بالشاهد واليمين لأنه ليس في القرآن للزم إسقاط الشاهد والمرأتين لأنهما ليستا في السنة لأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال شاهداك أو يمينه وحاصله أنه لا يلزم من التنصيص على الشيء نفيه عما عداه لكن مقتضى ما بحثه أنه لا يقضى باليمين مع الشاهد الواحد إلا عند فقد الشاهدين أو ما قام مقامهما من الشاهد والمرأتين وهو وجه للشافعية وصححه الحنابلة ويؤيده ما روى الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا قضى اللّه ورسوله في الحق بشاهدين فإن جاء بشاهدين أخذ حقه وإن جاء بشاهد واحد حلف مع شاهده وأجاب بعض الحنفية بأن الزيادة على القرآن نسخ وأخبار الآحاد لا تنسخ المتواتر ولا تقبل الزيادة من الأحاديث إلا إذا كان الخبر بها مشهورًا وأجيب بأن النسخ رفع الحكم ولا رفع هنا وأيضًا فالناسخ والمنسوخ لا بد أن يتواردا على محل واحد وهذا غير متحقق في الزيادة على النص‏.‏

وغاية ما فيه أن تسمية الزيادة كالتخصيص نسخا اصطلاح ولا يلزم منه نسخ الكتاب بالسنة لكن تخصيص الكتاب بالسنة جائز وكذلك الزيادة عليه كما في قوله تعالى ‏{‏وأحل لكم ما وراء ذلكم‏}‏ وأجمعوا على تحريم نكاح العمة مع بنت أخيها وسند الإجماع في ذلك السنة الثابتة وكذلك قطع رجل السارق في المرة الثانية ونحو ذلك وقد أخذ من رد الحكم بالشاهد واليمين لكونه زيادة على ما في القرآن ترك العمل بأحاديث كثيرة في أحكام كثيرة كلها زائدة على ما في القرآن كالوضوء بالنبيذ والوضوء من القهقهة ومن القيء واستبراء المسبية وترك قطع من سرق ما يسرع إليه الفساد وشهادة المرأة الواحدة في الولادة ولا قود إلا بالسيف ولا جمعة إلا في مصر جامع ولا تقطع الأيدي في الغزو ولا يرث الكافر المسلم ولا يؤكل الطافي من السمك ويحرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير ولا يقتل الوالد بالولد ولا يرث القاتل من القتيل وغير ذلك من الأمثلة التي تتضمن الزيادة على عموم الكتاب وأجابوا بأن الأحاديث الواردة في هذه المواضع المذكورة أحاديث شهيرة فوجب العمل بها لشهرتها فيقال لهم وأحاديث القضاء بالشاهد واليمين رواها عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نيف وعشرون نفسًا كما قدمنا وفيها ما هو صحيح كما سلف فأي شهرة تزيد على هذه الشهرة‏.‏

قال الشافعي‏:‏ القضاء بشاهد ويمين لا يخالف ظاهر القرآن لأنه لا يمنع أن يجوز أقل مما نص عليه يعني والمخالف لذلك لا يقول بالمفهوم أصلًا فضلًا عن مفهوم العدد‏.‏

قال ابن العربي‏:‏ أظرف ما وجدت لهم في رد الحكم بالشاهد واليمين أمران أحدهما أن المراد قضى بيمين المنكر مع شاهد الطالب والمراد أن الشاهد الواحد لا يكفي في ثبوت الحق فتجب اليمين على المدعى عليه فهذا المراد بقوله قضى بالشاهد واليمين‏.‏ وتعقبه ابن العربي بأنه جهل باللغة لأن المعية تقتضي أن تكون من شيئين في جهة واحدة لا في المتضادين ثانيهما حمله على صورة مخصوصة وهي أن رجلًا اشترى من آخر عبدًا مثلًا فادعى المشتري أن به عيبًا وأقام شاهدًا واحدًا فقال البائع بعته بالبراءة فيحلف المشتري أنه ما اشتراه بالبراءة ويرد العبد وتعقبه بنحو ما تقدم وبندور ذلك فلا يحمل الخبر على النادر وأقول جميع ما أورده المانعون من الحكم بشاهد ويمين غير نافق في سوق المناظرة عند من له أدنى إلمام بالمعارف العلمية وأقل نصيب من إنصاف فالحق أن أحاديث العمل بشاهد ويمين زيادة على ما دل عليه قوله تعالى ‏{‏واستشهدوا شهيدين‏}‏ الآية وعلى ما دل عليه قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏شاهداك أو يمينه‏)‏ غير منافية للأصل فقبولها متحتم وغاية ما يقال على فرض التعارض وإن كان فرضًا فاسدًا أن الآية والحديث المذكورين يدلان بمفهوم العدد على عدم قبول الشاهد واليمين والحكم بمجردهما وهذا المفهوم المردود عند أكثر أهل الأصول لا يعارض المنطوق وهو ما ورد في العمل بشاهد ويمين على أنه يقال العمل بشهادة المرأتين مع الرجل مخالف لمفهوم حديث‏:‏ ‏(‏شاهداك أو يمينه‏)‏‏.‏

ـ فإن قالوا ـ قدمنا على هذا المفهوم منطوق الآية الكريمة قلنا ونحن قدمنا على ذلك المفهوم منطوق أحاديث الباب هذا على فرض أن الخصم يعمل بمفهوم العدد فإن كان لا يعمل به أصلًا فالحجة عليه أوضح وأتم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن سرق‏)‏ بضم السين المهملة وتشديد الراء بعدها قاف وهو ابن أسد صحابي مصري لم يرو عنه إلا رجل واحد‏.‏

 باب ما جاء في امتناع الحاكم من الحكم بعلمه

1 - عن عائشة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقًا فلاحه رجل في صدقته فضربه أبو جهم فشجه فأتوا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالوا‏:‏ القود يا رسول اللّه فقال‏:‏ لكم كذا وكذا فلم يرضوا فقال‏:‏ لكم كذا وكذا فرضوا فقال‏:‏ إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم قالوا‏:‏ نعم فخطب فقال إن هؤلاء الذين أتوني يريدون القود فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا أفرضيتم قالوا‏:‏ لا فهم المهاجرون بهم فأمرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يكفوا عنهم فكفوا ثم دعاهم فزادهم فقال‏:‏ أفرضيتم قالوا‏:‏ نعم قال‏:‏ إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم قالوا‏:‏ نعم فخطب فقال‏:‏ أرضيتم فقالوا‏:‏ نعم‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا الترمذي‏.‏

2 - وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏أتى رجل بالجعرانة منصرفه من حنين وفي ثوب بلال فضة والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقبض منها يعطي الناس فقال‏:‏ يا محمد اعدل فقال‏:‏ ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل فقال عمر‏:‏ دعني يا رسول اللّه أقتل هذا المنافق فقال‏:‏ معاذ اللّه أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

قال أبو بكر الصديق‏:‏ لو رأيت رجلًا على حد من حدود اللّه ما أخذته ولا دعوت له أحدًا حتى يكون معي غيري‏.‏ حكاه أحمد‏.‏

حديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري قال المنذري‏:‏ ورواه يونس بن يزيد عن الزهري منقطعًا‏.‏ قال البيهقي‏:‏ ومعمر بن راشد حافظ قد أقام إسناده فقامت به الحجة‏.‏

وأثر أبي بكر قال الحافظ في الفتح‏:‏ رواه ابن شهاب عن زيد بن الصلت أن أبا بكر فذكره وصحح إسناده‏.‏

ـ وقد اختلف ـ أهل العلم في جواز القضاء من الحاكم بعلمه فروى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف مثل ما ذكره المصنف عن أبي بكر واستدل البخاري أيضًا على أنه لا يحكم الحاكم بعلمه بما قاله عمر لولا أن يقول الناس زاد عمر آية في كتاب اللّه لكتبت آية الرجم‏.‏

قال المهلب‏:‏ وأفصح بالعلة في ذلك بقوله لولا أن يقول الناس الخ فأشار إلى أن ذلك من قطع الذرائع لئلا يجد حكام السوء السبيل إلى أن يدعوا العلم لمن أحبوا له الحكم بشيء قال البخاري‏:‏ وقال أهل الحجاز‏:‏ الحاكم لا يقضي بعلمه سواء علم بذلك في ولايته أو قبلها‏.‏

قال الكرابيسي‏:‏ لا يقضي القاضي بما علم لوجود التهمة إذ لا يؤمن على التقي أن تتطرق إليه التهمة قال‏:‏ ويلزم من أجاز للقاضي أن يقضي بعلمه مطلقًا أنه لو عمد إلى رجل مستور لم يعهد منه فجور قط أن يرجمه ويدعي أنه رآه يزني أو يفرق بينه وبين زوجته ويزعم أنه سمعه يطلقها أو بينه وبين أمته ويزعم أنه سمعه يعتقها فإن هذا الباب لو فتح لوجد كل قاض السبيل إلى قتل عدوه وتفسيقه والتفريق بينه وبين من يحب ومن ثم قال الشافعي لولا قضاة السوء لقلت إن للحاكم أن يحكم بعلمه‏.‏

قال ابن التين‏:‏ ما ذكره البخاري عن عمر وعبد الرحمن هو قول مالك وأكثر أصحابه‏.‏ وقال بعض أصحابه‏:‏ يحكم بما علمه فيما أقر به أحد الخصمين عنده في مجلس الحكم‏.‏

وقال ابن القاسم وأشهب‏:‏ لا يقضي بما يقع عنده في مجلس الحكم إلا إذا شهد له عنده‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ مذهب مالك أن من حكم بعلمه نقض على المشهور إلا إن كان علمه حادثًا بعد الشروع بعد المحاكمة فقولان وأما ما أقر به عنده في مجلس الحكم فيحكم ما لم ينكر الخصم بعد إقراره وقبل الحكم عليه فإن ابن القاسم قال‏:‏ لا يحكم عليه حينئذ ويكون شاهدًا وقال ابن الماجشون‏:‏ يحكم بعلمه قال البخاري‏:‏ وقال بعض أهل العراق‏:‏ ما سمع أو رآه في مجلس القضاء قضى به وما كان في غيره لم يقض إلا بشاهدين يحضرهما إقراره قال في الفتح‏:‏ وهذا قول أبي حنيفة ومن تبعه ووافقهم مطرف وابن الماجشون وأصبغ وسحنون من المالكية‏.‏

قال ابن التين‏:‏ وجرى به العمل وروى عبد الرزاق نحوه من شريح‏.‏

قال البخاري‏:‏ وقال آخرون منهم يعني أهل العراق بل يقضي به لأنه مؤتمن قال في الفتح‏:‏ وهو قول أبي يوسف ومن تبعه ووافقهم الشافعي فيما بلغني عنه أنه قال‏:‏ إن كان القاضي عدلًا لا يحكم بعلمه في حد ولا قصاص إلا ما أقر به بين يديه ويحكم بعلمه في كل الحقوق مما علمه قبل أن يلي القضاء أو بعد ما ولي فقيد ذلك بكون القاضي عدلًا إشارة إلى أنه ربما ولي القضاء من ليس بعدل قال البخاري‏:‏ وقال بعضهم يعني أهل العراق يقضي بعلمه في الأموال ولا يقضي في غيرها‏.‏

قال في الفتح‏:‏ هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف فيما نقله الكرابيسي عنه وهي رواية لأحمد‏.‏ قال أبو حنيفة‏:‏ القياس أنه يحكم في ذلك بعلمه ولكن أدع القياس وأستحسن أن لا يقضي في ذلك بعلمه وحكي مثل ذلك في الفتح عن بعض المالكية فقالوا إنه يقضي بعلمه في كل شيء إلا في الحدود قال وهذا هو الراجح عند الشافعية وقال ابن العربي‏:‏ لا يقضي بعلمه والأصل فيه عندنا الإجماع على أنه لا يحكم بعلمه في الحدود قال ثم أحدث بعض الشافعية قولًا أنه يجوز فيها أيضًا حين رأوا أنها لازمة لهم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ كذا قال فجرى على عادته في التهويل والإقدام على نقل الإجماع مع شهرة الاختلاف وقد حكى في البحر القول بأن الحاكم يحكم بعلمه عن العترة والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وحكى المنع عن شريح والشعبي والأوزاعي ومالك وإسحاق وأحد قولي الشافعي والأقوال في المسألة فيها طول قد ذكر البخاري وشراح كتابه بعضًا منها في باب الشهادة تكون عند الحاكم وبعضًا في باب من رأى للقاضي أن يحكم بعلمه‏.‏ وذكر البخاري في البابين أحاديث يستدل بها على الجواز وعدمه وهي في غاية البعد عن الدلالة على المقصود وكذلك ما ذكره المصنف في هذا الباب فإن حديث عائشة ليس فيه إلا مجرد وقوع الإخبار منه صلى اللّه عليه وآله وسلم بما وقع به الرضا من الطالبين للقود وإن كان الاحتجاج بعدم القضاء منه صلى اللّه عليه وآله وسلم عليهم بما رضوا به المرة الأولى فلم يكن هناك مطالب له بالحكم عليهم‏.‏

وكذلك حديث جابر المذكور لا يدل على المطلوب بوجه وغاية ما فيه الامتناع عن القتل لمن كان في الظاهر من الصحابة لئلا يقول الناس تلك المقالة والأخبار للحاضرين بما يكون من أمر الخوارج وترك أخذهم بذلك لتلك العلة ومن جملة ما استدل به البخاري على الجواز حديث هند زوجة أبي سفيان لما أذن لها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها‏.‏ قال ابن بطال‏:‏ احتج من أجاز للقاضي أن يحكم بعلمه بهذا الحديث لأنه إنما قضى لها ولولدها بوجوب النفقة لعلمه بأنها زوجة أبي سفيان ولم يلتمس على ذلك بينة وتعقبه ابن المنير بأنه لا دليل فيه لأنه خرج مخرج الفتيا وكلام المفتي يتنزل على تقدير صحة كلام المستفتي اهـ‏.‏ فإن قيل إن محل الدليل إنما هو عمله بعلمه أنها زوجة أبي سفيان فكيف صح هذا التعقب فيجاب بأن الذي يحتاج إلى معرفة المحكوم له هو الحكم لا الإفتاء فإنه يصح للمجهول فإذا ثبت أن ذلك من قبيل الإفتاء بطلت دعوى أنه حكم بعلمه أنها زوجة وقد تعقب الحافظ كلام ابن المنير فقال‏:‏ وما ادعى نفيه بعيد فإنه لو لم يعلم صدقها لم يأمرها بالأخذ وإطلاعه على صدقها ممكن بالوحي دون من سواه فلا بد من سبق علم ويجاب عن هذا بأن الأمر لا يستلزم الحكم لأن المفتي يأمر المستفتي بما هو الحق لديه وليس ذلك من الحكم في شيء ومن جملة ما استدل به على المنع الحديث المتقدم عن أم سلمة ‏(‏فأقضي بنحو ما أسمع‏)‏ ولم يقل بما أعلم‏.‏

ويجاب بأن التنصيص على السماع لا ينفي كون غيره طريقًا للحكم على أنه يمكن أن يقال إن الاحتجاج بهذا الحديث للمجوزين أظهر فإن العلم أقوى من السماع لأنه يمكن بطلان ما سمعه الإنسان ولا يمكن بطلان ما يعلمه ففحوى الخطاب تقتضي جواز القضاء بالعلم ومن جملة ما استدل به المانعون حديث شاهداك أو يمينه وفي لفظ وليس لك إلا ذلك ويجاب بما تقدم من أن التنصيص على ما ذكر لا ينفي ما عداه‏.‏ وأما قوله‏:‏ ‏(‏وليس لك إلا ذلك‏)‏ فلم يقله النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقد علم بالمحق منهما من المبطل حتى يكون دليلًا على عدم حكم الحاكم بعلمه بل المراد أنه ليس للمدعي من المنكر إلا اليمين وإن كان فاجرًا حيث لم يكن للمدعي برهان‏.‏

والحق الذي لا ينبغي العدول عنه أن يقال إن كانت الأمور التي جعلها الشارع أسبابًا للحكم كالبينة واليمين ونحوهما أمورًا تعبدنا اللّه بها لا يسوغ لنا الحكم إلا بها وإن حصل لنا ما هو أقوى منها بيقين فالواجب علينا الوقوف عندها والتقيد بها وعدم العمل بغيرها في القضاء كائنًا ما كان وإن كانت أسبابًا يتوصل الحاكم بها إلى معرفة المحق من المبطل والمصيب من المخطئ غير مقصودة لذاتها بل لأمر آخر وهو حصول ما يحصل للحاكم بها من علم أو ظن وأنها أقل ما يحصل له ذلك في الواقع فكان الذكر لها لكونها طرائق لتحصيل ما هو المعتبر فلا شك ولا ريب أنه يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه لأن شهادة الشاهدين والشهود لا تبلغ إلى مرتبة العلم الحاصل عن المشاهدة أو ما يجري مجراها فإن الحاكم بعلمه غير الحاكم الذي يستند إلى شاهدين أو يمين‏.‏ ولهذا يقول المصطفى صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏فمن قضيت له بشيء من مال أخيه فلا يأخذه إنما أقطع له قطعة من نار‏)‏ فإذا جاز الحكم مع تجويز كون الحكم صوابًا وتجويز كونه خطأ فكيف لا يجوز مع القطع بأنه صواب لاستناده إلى العلم اليقين ولا يخفى رجحان هذا وقوته لأن الحاكم به قد حكم بالعدل والقسط والحق كما أمر اللّه تعالى‏.‏

ويؤيد هذا ما سيأتي في باب استحلاف المنكر حيث قال صلى اللّه عليه وآله وسلم للكندي ألك بينة فإن البينة في الأصل ما به يتبين الأمر ويتضح ولا يرد على هذا أنه يستلزم قبول شهادة الواحد والحكم بها لأنا نقول إذا كان القضاء بأحد الأسباب المشروعة فيجب التوقف فيه على ما ورد‏.‏

وقد قال تعالى ‏{‏وأشهدوا ذوي عدل منكم‏}‏ وقال صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏شاهداك‏)‏ وإنما النزاع إذا جاء بسبب آخر من غير جنسها هو أولى بالقبول منها كعلم الحاكم‏.‏ واستدل المستثني للحدود بما تقدم من قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لولا الأيمان لكان لي ولها شأن‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏لو كنت راجمًا أحدًا من غير بينة لرجمتها‏)‏ أخرجه مسلم وغيره من حديث ابن عباس في قصة الملاعنة‏.‏ وظاهره أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قد علم وقوع الزنا منها ولم يحكم بعلمه‏.‏

ومن ذلك قول أبي بكر وعبد الرحمن المتقدمان‏.‏ ويمكن أن يجاب عن الحديث بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما لم يعمل بعلمه لكونه قد حصل التلاعن وهو أحد الأسباب الشرعية الموجبة للحكم بعدم الرجم والنزاع إنما هو في الحكم بالعلم من دون أن يتقدم سبب شرعي ينافيه وقد تقدم في اللعان ما يزيد هذا وضوحًا‏.‏ ومن الأدلة الدالة على جواز الحكم بالعلم ما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم من حديث عطاء بن السائب عن أبي يحيى عن الأعرج عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏جاء رجلان يختصمان إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال للمدعي‏:‏ أقم البينة فلم يقمها فقال للآخر‏:‏ احلف فحلف باللّه الذي لا إله إلا هو ما له عنده شيء فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ قد فعلت ولكن غفر لك بإخلاص لا إله إلا اللّه‏)‏ وفي رواية للحاكم‏:‏ ‏(‏بل هو عندك ادفع إليه حقه ثم قال شهادتك أن لا إله إلا اللّه كفارة يمينك‏)‏ وفي رواية لأحمد‏:‏ ‏(‏فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ إنه كاذب إن له عنده حقه فأمره أن يعطيه وكفارة يمينه معرفة لا إله إلا اللّه‏)‏ وأعله ابن حزم بأبي يحيى وهو مصدع المعرقب كذا قال ابن عساكر وتعقبه المزي بأنه وهم بل اسمه زياد كذا اسمه عند أحمد والبخاري وأبي داود في هذا الحديث وأعله أبو حاتم برواية شعبة عن عطاء بن السائب عن البختري بن عبيد عن أبي الزبير مختصرًا‏:‏ ‏(‏أن رجلًا حلف باللّه وغفر له‏)‏ قال‏:‏ وشعبة أقدم سماعًا من غيره‏.‏

وفي الباب عن أنس من طريق الحارث بن عبيد عن ثابت وعن ابن عمر‏.‏

قال الحافظ‏:‏ أخرجهما البيهقي والحارث بن عبيد هو أبو قدامة‏.‏ فهذا الحديث فيه أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى بعلمه بعد وقوع السبب الشرعي وهو اليمين فبالأولى جواز القضاء بالعلم قبل وقوعه‏.‏

وقد حكي في البحر عن الإمام يحيى وأحد قولي المؤيد باللّه وأحد قولي الشافعي أنه يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في الحدود وغيرها واستدل لهم بأنه لم يفصل الدليل‏.‏ وحكى عن أبي حنيفة ومحمد أنه إن علم الحد قبل ولايته أو في غير بلد ولايته لم يحكم به إذ ذلك شبهة وإن علم به في بلد ولايته أو بعد ولايته حكم بعلمه‏.‏

 باب من لا يجوز الحكم بشهادته

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر على أخيه ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت والقانع الذي ينفق عليه أهل البيت‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏ وقال شهادة الخائن والخائنة إلى آخره ولم يذكر تفسير القانع‏.‏

ولأبي داود في رواية‏:‏ ‏(‏لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه‏)‏‏.‏

2 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وابن ماجه‏.‏

حديث عمرو بن شعيب أخرجه البيهقي وابن دقيق العيد قال في التلخيص‏:‏ وسنده قوي اهـ وقد ساقه أبو داود بإسنادين‏.‏ الإسناد الأول قال حدثنا حفص بن عمر حدثنا محمد بن راشد يعني المكحولي الدمشقي نزيل البصرة وثقه أحمد وابن معين حدثنا سليمان بن موسى يعني القرشي الأموي فقيه أهل الشام وكان أوثق أصحاب مكحول وأعلاهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهذا إسناد لا مطعن فيه‏.‏ ورواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لا يخرج بها الحديث عن الحسن والصلاحية للاحتجاج‏.‏ والسند الثاني قال حدثنا محمد بن خلف بن طارق الرازي حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد يعني الدمشقي الخزاعي وهو ثقة حدثنا سعيد بن عبد العزيز يعني ابن يحيى التنوخي الدمشقي روى له البخاري في الأدب وسائر الجماعة عن سليمان بن موسى المتقدم عن عمرو بن شعيب بالإسناد المتقدم وهذا كالإسناد الأول‏.‏

وفي الباب من حديث عائشة مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر لأخيه ولا ظنين ولا قرابة‏)‏ أخرجه الترمذي والدارقطني والبيهقي وفيه يزيد بن زياد الشامي وهو ضعيف‏.‏ قال الترمذي‏:‏ لا يعرف هذا من حديث الزهري إلا من هذا الوجه ولا يصح عندنا إسناده‏.‏

وقال أبو زرعة في العلل‏:‏ منكر وضعفه عبد الحق وابن حزم وابن الجوزي وفي الباب أيضًا من حديث عبد اللّه ابن عمر بن الخطاب نحوه أخرجه الدارقطني والبيهقي وفي إسناده عبد الأعلى وهو ضعيف وشيخه يحيى بن سعيد الفارسي وهو أيضًا ضعيف قال البيهقي‏:‏ لا يصح من هذا شيء عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وفي الباب أيضًا عن عمر‏:‏ ‏(‏لا تقبل شهادة ظنين ولا خصم‏)‏ أخرجه مالك في الموطأ موقوفًا وهو منقطع قال الإمام في النهاية‏:‏ واعتمد الشافعي خبرًا صحيحًا وهو أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا تقبل شهادة خصم على خصم قال الحافظ‏:‏ ليس له إسناد صحيح لكن له طرق يتقوى بعضها ببعض فروى أبو داود في المراسيل من حديث طلحة بن عبد اللّه بن عوف أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بعث مناديًا أنها لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ورواه أيضًا البيهقي من طريق الأعرج مرسلًا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا تجوز شهادة ذي الظنة والحنة يعني الذي بينك وبينه عداوة ورواه الحاكم من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة يرفعه مثله وفي إسناده نظر‏.‏

وحديث الباب عن أبي هريرة أخرجه البيهقي وقال هذا الحديث مما تفرد به محمد بن عمر وابن عطاء عن عطاء بن يسار وقال المنذري‏:‏ رجال إسناده احتج بهم مسلم في صحيحه اهـ وسياقه في سنن أبي داود قال حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني أخبرنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب ونافع بن يزيد يعني الكلاعي عن أبي الهاد يعني يزيد بن عبد اللّه بن الهاد الليثي عن محمد بن عمرو بن عطاء يعني القرشي العامري عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة‏)‏ صرح أبو عبيد بأن الخيانة تكون في حقوق اللّه كما تكون في حقوق الناس من دون اختصاص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا ذي غمر‏)‏ قال ابن رسلان‏:‏ بكسر الغين المعجمة وسكون الميم بعدها راء مهملة قال أبو داود‏:‏ الغمر الحنة والشحناء والحنة بكسر الحاء المهملة وتخفيف النون المفتوحة لغة في إحنة وهي الحقد قال الجوهري‏:‏ يقال في صدره على إحنة ولا يقال حنة والمواحنة المعاداة والصحيح أنها لغة كما ذكره أبو داود وجمعها حنات‏.‏

قال ابن الأثير‏:‏ وهي لغة قليلة في الإحنة وقال الهروي‏:‏ هي لغة رديئة والشحناء بالمد العداوة وهذا يدل على أن العداوة تمنع من قبول الشهادة لأنها تورث التهمة وتخالف الصداقة فإن في شهادة الصديق لصديقه بالزور نفع غيره بمضرة نفسه وبيع آخرته بدنيا غيره وشهادة العدو على عدوه يقصد بها نفع نفسه بالتشفي من عدوه فافترقا فإن قيل لم قبلتم شهادة المسلمين على الكفار مع العداوة قال ابن رسلان‏:‏ قلنا العداوة ههنا دينية والدين لا يقتضي شهادة الزور بخلاف العداوة الدنيوية قال‏:‏ وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد والجمهور وقال أبو حنيفة‏:‏ لا تمنع العداوة الشهادة لأنها لا تخل العدالة فلا تمنع الشهادة كالصداقة اهـ‏.‏ وإلى الأول ذهبت الهادوية وإلى الثاني ذهب المؤيد باللّه أيضًا والحق عدم قبول شهادة العدو على عدوه لقيام الدليل على ذلك والأدلة لا تعارض بمحض الآراء وليس للقائل بالقبول دليل مقبول قال في البحر‏:‏ مسألة العداوة لأجل الدين لا تمنع كالعدلي على القدري والعكس ولأجل الدنيا تمنع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت‏)‏ هو الخادم المنقطع إلى الخدمة فلا تقبل شهادته للتهمة بجلب النفع إلى نفسه وذلك كالأجير الخاص وقد ذهب إلى عدم قبول شهادته للمؤجر له الهادي والقاسم والناصر والشافعي قالوا لأن منافعه قد صارت مستغرقة فأشبه العبد وقد حكى في البحر الإجماع على عدم قبول شهادة العبد لسيده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا زان ولا زانية‏)‏ المانع من قبول شهادتهما الفسق الصريح‏.‏ وقد حكى في البحر الإجماع على أنها لا تصح الشهادة من فاسق لصريح قوله تعالى ‏{‏وأشهدوا ذوي عدل‏}‏ وقوله ‏{‏إن جاءكم فاسق‏}‏ اهـ واختلف في شهادة الولد لوالده والعكس فمنع من ذلك الحسن البصري والشعبي وزيد بن علي والمؤيد باللّه والإمام يحيى والثوري ومالك والشافعية والحنفية وعللوا بالتهمة فكان كالقانع‏.‏

وقال عمر بن الخطاب وشريح وعمر بن عبد العزيز والعترة وأبو ثور وابن المنذر والشافعي في قول له أنها تقبل لعموم قوله تعالى ‏{‏ذوي عدل‏}‏ وهكذا وقع الخلاف في شهادة أحد الزوجين للآخر لتلك العلة ولا ريب أن القرابة والزوجية مظنة للتهمة لأن الغالب فيهما المحاباة‏.‏ وحديث ولا ظنين المتقدم يمنع من قبول شهادة المتهم فمن كان معروفًا من القرابة ونحوهم بمتانة الدين البالغة إلى حد لا يؤثر معها محبة القرابة فقد زالت حينئذ مظنة التهمة ومن لم يكن كذلك فالواجب عدم القبول لشهادته لأنه مظنة للتهمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية‏)‏ البدوي هو الذي يسكن البادية في المضارب والخيام ولا يقيم في موضع خاص بل يرتحل من مكان إلى مكان وصاحب القرية هو الذي يسكن القرى وهي المصر الجامع‏.‏

قال في النهاية‏:‏ إنما كره شهادة البدوي لما فيه من الجفاء في الدين والجهالة بأحكام الشرع ولأنهم في الغالب لا يضبطون الشهادة على وجهها‏.‏

قال الخطابي‏:‏ يشبه أن يكون إنما كره شهادة أهل البدو لما فيهم من عدم العلم بإتيان الشهادة على وجهها ولا يقيمونها على حقها لقصور علمهم عما يغيرها عن وجهها وكذلك قال أحمد وذهب إلى العمل بالحديث جماعة من أصحاب أحمد وبه قال مالك وأبو عبيد وذهب الأكثر إلى القبول قال ابن رسلان‏:‏ وحملوا هذا الحديث على من لم تعرف عدالته من أهل البدو والغالب أنهم لا تعرف عدالتهم اهـ‏.‏ وهذا حمل مناسب لأن البدوي إذا كان معروف العدالة كان رد شهادته لعلة كونه بدويًا غير مناسب لقواعد الشريعة لأن المساكن لا تأثير لها في الرد والقبول لعدم صحة جعل ذلك مناطًا شرعيًا ولعدم انضباطه فالمناط هو العدالة الشرعية إن وجد للشرع اصطلاح في العدالة وإلا توجه الحمل على العدالة اللغوية فعند وجود العدالة يوجد القبول وعند عدمها يعدم ولم يذكر صلى اللّه عليه وآله وسلم المنع من شهادة البدوي إلا لكونه مظنة لعدم القيام بما تحتاج إليه العدالة وإلا فقد قبل صلى اللّه عليه وآله وسلم في الهلال شهادة بدوي‏.‏

 باب ما جاء في شهادة أهل الذمة بالوصية في السفر

1 - عن الشعبي‏:‏ ‏(‏أن رجلًا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا هذه ولم يجد أحدًا من المسلمين يشهده على وصيته فأشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة فأتيا الأشعري يعني أبا موسى فأخبراه وقدما بتركته ووصيته فقال الأشعري‏:‏ هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فأحلفهما بعد العصر ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا وإنها لوصية الرجل وتركته فأمضى شهادتهما‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والدارقطني بمعناه‏.‏

2 - وعن جبير بن نفير قال‏:‏ ‏(‏دخلت على عائشة فقالت‏:‏ هل تقرأ سورة المائدة قلت‏:‏ نعم قالت‏:‏ فإنها آخر سورة أنزلت فما وجدتم فيها من حلال فأحلوه وما وجدتم فيها من حرام فحرموه‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

3 - وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي ابن بداء فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم فلما قدموا بتركته فقدوا جامًا من فضة مخوصًا بذهب فأحلفهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم وجد الجام بمكة فقالوا ابتعناه من تميم وعدي بن بداء فقام رجلان من أوليائه فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما وأن الجام لصاحبهم قال وفيهم نزلت هذه الآية ‏{‏يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم‏}‏‏)‏‏.‏

رواه البخاري وأبو داود‏.‏

حديث أبي موسى سكت عنه أبو داود والمنذري قال الحافظ في الفتح‏:‏ إن رجال إسناده ثقات اهـ وسياقه عند أبي داود قال حدثنا زياد بن أيوب يعني الطوسي شيخ البخاري حدثنا هشيم أخبرنا زكريا يعني ابن أبي زائدة عن الشعبي‏.‏

وأثر عائشة رجاله في المسند رجال الصحيح وأخرجه أيضًا الحاكم قال في الفتح‏:‏ صح عن عائشة وابن عباس وعمرو بن شرحبيل وجمع من السلف أن سورة المائدة محكمة‏.‏

وحديث ابن عباس قال البخاري في صحيحه وقال لي علي بن المديني فذكره قال المنذري‏:‏ وهذه عادته فيما لم يكن على شرطه وقد تكلم علي بن المديني على هذا الحديث وقال لا أعرف ابن أبي القاسم وقال وهو حديث حسن اهـ وابن أبي القاسم هذا هو محمد بن أبي القاسم قال يحيى بن معين ثقة قد كتبت عنه وكذلك وثقه أبو حاتم وتوقف فيه البخاري وأخرج هذا الحديث الترمذي وقال حسن غريب‏.‏ وقد أشار في الفتح إلى مثل كلام المنذري فقال على قول البخاري وقال لي علي بن المديني وهذا مما يقوي مما قررته غير مرة أنه يعبر بقوله وقال لي في الأحاديث التي سمعها لكن حيث يكون في إسنادها عنده نظر أو حيث تكون موقوفة‏.‏

وأما من زعم أنه يعبر بها فيما أخذه في المذاكرة أو بالمناولة فليس عليه دليل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بدقوقا‏)‏ بفتح الدال المهملة وضم القاف وسكون الواو بعدها قاف مقصورة وقد مدها بعضهم وهي بلد بين بغداد وأربل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أهل الكتاب‏)‏ يعني نصرانيين كما بين ذلك البيهقي وبين أن الرجل من خثعم ولفظه عن الشعبي توفي رجل من خثعم فلم يشهد موته إلا رجلان نصرانيان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأحلفهما‏)‏ يقال في المتعدي أحلفته إحلافا وحلفته بالتشديد تحليفًا واستحلفته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعد العصر‏)‏ هذا يدل على جواز التغليظ بزمان من الأزمنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا بدلا‏)‏ بتشديد الدال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من بني سهم‏)‏ هو بديل بضم الموحدة وفتح الدال مصغرًا وقيل بريل بالراء المهملة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعدي بن بداء‏)‏ بفتح الموحدة وتشديد المهملة مع المد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقدوا جامًا‏)‏ بالجيم وتخفيف الميم أي إناء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مخوصًا‏)‏ بخاء معجمة وواو ثقيلة بعدها مهملة أي منقوشًا فيه صفة الخوص‏.‏ ووقع في رواية مخوضًا بالضاد المعجمة أي مموها والأول أشهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقام رجلان‏)‏ الخ وقع في رواية الكلبي فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم قال مقاتل بن سليمان هو المطلب بن أبي وداعة وهو سهمي ولكنه سمى الأول عبد اللّه بن عمرو بن العاص واستدل بهذا الحديث على جواز رد اليمين على المدعي فيحلف ويستحق واستدل به ابن سريج الشافعي على الحكم بالشاهد واليمين وتكلف في انتزاعه فقال قوله تعالى ‏{‏فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا‏}‏ لا يخلو إما أن يقرا أو يشهد عليهما شاهدان أو شاهد وامرأتان أو شاهد واحد قال‏:‏ وقد أجمعوا على أن الإقرار بعد الإنكار لا يوجب يمينًا على الطالب وكذلك مع الشاهدين ومع الشاهد والمرأتين فلم يبق إلا شاهد واحد فلذلك استحقه الطالبان بيمينيهما مع الشاهد الواحد وتعقبه الحافظ بأن القصة وردت من طرق متعددة في سبب النزول وليس في شيء منها أنه كان هناك من يشهد بل في رواية الكلبي فسألهم البينة فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوه أي عديا بما يعظم على أهل دينه واستدل بهذا الحديث على جواز شهادة الكفار بناء على أن المراد بالغير في الآية الكريمة الكفار‏.‏

والمعنى منكم أي من أهل دينكم أو آخران من غيركم أي من غير أهل دينكم وبذلك قال أبو حنيفة ومن تبعه وتعقب بأنه لا يقول بظاهرها فلا يجيز شهادة الكفار على المسلمين وإنما يجيز شهادة بعض الكفار على بعض وأجيب بأن الآية دلت بمنطوقها على قبول شهادة الكافر على المسلم وبإيمائها على قبول شهادة الكافر بطريق الأولى ثم دل الدليل على أن شهادة الكافر على المسلم غير مقبولة فبقيت شهادة الكافر على الكافر على حالها وهذا الجواب على التعقب في غير محله لأن التعقب هو باعتبار ما يقوله أبو حنيفة لا باعتبار استدلاله وخص جماعة القبول بأهل الكتاب وبالوصية وبفقد المسلم حينئذ ومنهم ابن عباس وأبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وشريح وابن سيرين والأوزاعي والثوري وأبو عبيد وأحمد وأخذوا بظاهر الآية‏.‏ وحديث الباب فإن سياقه مطابق لظاهر الآية وقيل المراد بالغير غير العشيرة والمعنى منكم أي من عشيرتكم أو آخران من غيركم أي من غير عشيرتكم وهو قول الحسن البصري واستدل له النحاس بأن لفظ آخر لا بد أن يشارك الذي قبله في الصفة حتى لا يسوغ أن يقول مررت برجل كريم ولئيم آخر فعلى هذا فقد وصف الاثنان بالعدالة فتعين أن يكون الآخران كذلك وتعقب بأن هذا وإن ساغ في الآية لكن الحديث دل على خلاف ذلك والصحابي إذا حكى سبب النزول كان ذلك في حكم الحديث المرفوع‏.‏ قال في الفتح‏:‏ اتفاقًا وأيضًا ففيما قال رد المختلف فيه بالمختلف فيه لأن اتصاف الكافر بالعدالة مختلف فيه وهو فرع قبول شهادته فمن قبلها وصفه بها ومن لا فلا‏.‏ واعترض أبو حيان على المثال الذي ذكره النحاس بأنه غير مطابق فلو قلت جاءني رجل مسلم وآخر كافر صح بخلاف ما لو قلت جاءني رجل مسلم وكافر آخر والآية من قبيل الأول لا الثاني لأن قوله آخران من جنس قوله اثنان لأن كلًا منهما صفة رجلان فكأنه قال فرجلان اثنان ورجلان آخران‏.‏ وذهب جماعة من الأئمة إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى ‏{‏ممن ترضون من الشهداء‏}‏ واحتجوا بالإجماع على رد شهادة الفاسق والكافر شر من الفاسق‏.‏ وأجاب الأولون أن النسخ لا يثبت بالاحتمال وأن الجمع بين الدليلين أولى من إلغاء أحدهما وبأن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن وأنها محكمة كما تقدم وأخرج الطبري عن ابن عباس بإسناد رجاله ثقات أن الآية نزلت فيمن مات مسافرًا وليس عنده أحد من المسلمين وأنكر أحمد على من قال أن هذه الآية منسوخة وقد صح عن أبي موسى الأشعري أنه عمل بذلك كما في حديث الباب وذهب الكرابيسي والطبري وآخرون إلى أن المراد بالشهادة في الآية اليمين قالوا وقد سمى اللّه اليمين شهادة في آية اللعان وأيدوا ذلك بالإجماع على أن الشاهد لا يلزمه أن يقول أشهد باللّه وأن الشاهد لا يمين عليه أنه شهد بالحق قالوا فالمراد بالشهادة اليمين لقوله ‏{‏فيقسمان باللّه‏}‏ أي يحلفان فإن عرف أنهما حلفا على الإثم رجعت اليمين على الأولياء وتعقب بأن اليمين لا يشترط فيها عدد ولا عدالة بخلاف الشهادة‏.‏ وقد اشترط في القصة فقوى حملها على أنها شهادة وأما اعتلال من اعتل في ردها بأن الآية تخالف القياس والأصول لما فيها من قبول شهادة الكافر وحبس الشاهد وتحليفه وشهادة المدعي لنفسه واستحقاقه بمجرد اليمين فقد أجاب من قال به بأنه حكم بنفسه مستغن عن نظيره وقد قبلت شهادة الكافر في بعض المواضع كما في الطب وليس المراد بالحبس السجن وإنما المراد الإمساك لليمين ليحلف بعد الصلاة وأما تحليف الشاهد فهو مخصوص بهذه السورة عند قيام الريبة وأما شهادة المدعي لنفسه واستحقاقه بمجرد اليمين فإن الآية تضمنت نقل الأيمان إليهم عند ظهور اللوث بخيانة الوصيين فيشرع لهما أن يحلفا ويستحقا كما يشرع لمدعي القسامة أن يحلف ويستحق فليس هو من شهادة المدعي لنفسه بل من باب الحكم له بيمينه القائمة مقام الشهادة لقوة جانبه وأي فرق بين ظهور اللوث في صحة الدعوى بالدم وظهوره في صحة الدعوى بالمال وحكى الطبري أن بعضهم قال المراد بقوله ‏{‏اثنان ذوا عدل منكم‏}‏ الوصيان قال والمراد بقوله ‏{‏شهادة بينكم‏}‏ معنى الحضور بما يوصيهما به الوصي ثم زيف ذلك وهذا الحكم يختص بالكافر الذمي وأما الكافر الذي ليس بذمي فقد حكى في البحر الإجماع على عدم قبول شهادته على المسلم مطلقًا‏.‏