فصل: باب ما يقول عند سماع الأذان والإقامة وبعد الأذان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


3 - وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏إنما كان الأذان على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة مرة غير أنه يقول قد قامت الصلاة وكنا إذا سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الشافعي وأبو عوانة والدارقطني وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وفي إسناده أبو جعفر المؤذن قال شعبة‏:‏ لا يحفظ لأبي جعفر غير هذا الحديث‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ اسمه محمد بن مسلم بن مهران‏.‏ وقال الحاكم‏:‏ اسمه عمير بن يزيد بن حبيب الخطمي‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ووهم الحاكم في ذلك‏.‏ ورواه أبو عوانة والدارقطني من حديث سعيد بن المغيرة عن عيسى بن يونس عن عبيد اللَّه عن نافع عن ابن عمر قال الحافظ‏:‏ وأظن سعيدًا وهم فيه وإنما رواه عيسى عن شعبة كما تقدم لكن سعيد وثقه أبو حاتم ورواه ابن ماجه من حديث سعد القرظ ـ هو صحابي مشهور بقي إلى ولاية الحجاج على الحجاز سنة أربع وسبعين وكان مؤذنًا بقباء اهـ من التقريب ببعض التصرف‏.‏ وقوله بعد وهما ضعيفان أي الحديثان لا الراويان‏:‏ تنبه ـ ‏.‏ مرفوعًا‏:‏ ‏(‏كان أذان بلال مثنى مثنى وإقامته مفردة‏)‏ وعن أبي رافع نحوه وهما ضعيفان وقد صرح اليعمري في شرح الترمذي أن حديث ابن عمر إسناده صحيح‏.‏

والحديث يدل على أن الأذان مثنى والإقامة مفردة إلا الإقامة‏.‏ وقد تقدم البحث عن ذلك‏.‏

4 - وعن أبي محذورة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم علمه هذا الأذان اللَّه أكبر اللَّه أكبر أشهد أن لا إله إلا اللَّه أشهد أن لا إله إلا اللَّه أشهد أن محمدًا رسول اللَّه أشهد أن محمدًا رسول اللَّه ثم يعود فيقول أشهد أن لا إله إلا اللَّه مرتين أشهد أن محمدًا رسول اللَّه مرتين حيَّ على الصلاة مرتين حيَّ على الفلاح مرتين اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلا اللَّه‏)‏‏.‏

رواه مسلم والنسائي‏.‏ وذكر التكبير في أوله أربعًا‏.‏ وللخمسة عن أبي محذورة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة‏)‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏

الرواية الأولى أخرجها أيضًا بتربيع التكبير في أوله الشافعي وأبو داود وابن ماجه وابن حبان وقال ابن القطان‏:‏ الصحيح في هذا تربيع التكبير وبه يصح كون الأذان تسع عشرة كلمة كما في الرواية الثانية مضمومًا إلى تربيع التكبير الترجيع‏.‏ قال الحافظ حاكيًا عن ابن القطان‏:‏ وقد وقع في بعض روايات مسلم بتربيع التكبير وهي التي ينبغي أن يعد في الصحيح انتهى‏.‏

وقد رواه أبو نعيم في المستخرج والبيهقي بتربيع التكبير وقال بعده‏:‏ أخرجه مسلم عن إسحاق وكذلك أخرجه أبو عوانة في مستخرجه من طريق ابن المديني عن معاذ‏.‏ والرواية الثانية أخرجها أيضًا الدارمي والدارقطني والحاكم في مستدركه والبيهقي وتكلم عليه بأوجه من التضعيف ردها ابن دقيق العيد في الإمام وصحح الحديث وأخرجه أيضًا الطبراني‏.‏

قوله ‏(‏تسع عشرة كلمة‏)‏ لأن التكبير في أوله مربع والترجيع في الشهادتين يصير كل واحدة منهما أربعة ألفاظ والحيعلتين أربع كلمات والتكبير كلمتان وكلمة التوحيد في آخره‏.‏

قوله ‏(‏سبع عشرة كلمة‏)‏ بتربيع التكبير في أول الإقامة وترك الترجيع وزيادة قد قامت الصلاة مرتين وباقي ألفاظها كالأذان فتكون الإقامة ذلك المقدار‏.‏

والحديث يدل على تربيع التكبير والترجيع وتربيع تكبير الإقامة وتثنية باقي ألفاظها وقد تقدم الكلام على جميع هذه الأطراف مستوفى وقد عرفت مما سلف أن حديث أبي محذورة راجح لأنه متأخر ومشتمل على الزيادة لا سيما مع كون النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم هو الذي لقنه إياه‏.‏

5 - وعن أبي محذورة قال‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول اللَّه علمني سنة الأذان فعلمه وقال‏:‏ فإن كان صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلا اللَّه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان والنسائي وصححه ابن خزيمة وفي إسناده محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة والحارث بن عبيد والأول غير معروف والثاني فيه مقال ولكنه قد روي من طريق أخرى وقد قدمنا الكلام على الحديث وعلى فقهه في شرح حديث عبد اللَّه بن زيد فليرجع إليه‏.‏

 باب رفع الصوت بالأذان

1 - عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ المؤذن يغفر له مد صوته ويشهد له كل رطب ويابس‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا الترمذي‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن خزيمة وابن حبان وفي إسناده أبو يحيى الراوي له عن أبي هريرة قال ابن القطان‏:‏ لا يعرف وادعى ابن حبان في الصحيح أن اسمه سمعان ورواه البيهقي من وجهين آخرين عن الأعمش قال تارة عن أبي صالح وتارة عن مجاهد عن أبي هريرة قال الدارقطني‏:‏ الأشبه أنه عن مجاهد مرسل‏.‏ وفي العلل لأبي حاتم سئل أبو زرعة عن حديث منصور فقال فيه عن عطاء رجل من أهل المدينة ووقفه‏.‏ ورواه أبو أسامة عن الحارث بن الحكم عن أبي هبيرة يحيى بن عباد عن شيخ من الأنصار فقال‏:‏ الصحيح حديث منصور‏.‏ ورواه أحمد والنسائي من حديث البراء بن عازب بلفظ‏:‏ ‏(‏المؤذن يغفر له مد صوته ويصدقه من يسمعه من رطب ويابس وله مثل أجر من صلى معه‏)‏ وصححه ابن السكن ورواه أحمد والبيهقي من حديث مجاهد عن ابن عمر وفي الباب عن أنس عند ابن عدي وعن أبي سعيد عند الدارقطني في العلل‏.‏ وعن جابر عند الخطيب في الموضح وغير ذلك‏.‏

والحديث يدل على استحباب مد الصوت في الأذان لكونه سببًا للمغفرة وشهادة الموجودات ولأنه أمر بالمجيء إلى الصلاة فكل ما كان أدعى لإسماع المأمومين بذلك كان أولى ولقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم لأبي محذورة‏:‏ ‏(‏ارجع فارفع صوتك‏)‏ وهذا أمر برفع الصوت قيل هو تمثيل بمعنى أنه لو كان بين المكان الذي يؤذن فيه والمكان الذي يبلغه صوت ذنوب تملأ تلك المسافة لغفرها اللَّه له‏.‏

2 - وعن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة‏:‏ ‏(‏أن أبا سعيد الخدري قال له‏:‏ إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا يشهد له يوم القيامة قال أبو سعيد‏:‏ سمعته من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الشافعي ومالك في الموطأ وغيرهما‏.‏

قوله ‏(‏تحب الغنم والبادية‏)‏ أي لأجل الغنم لأن فيها ما يحتاج في إصلاحها إليه من الرعي وهو في الغالب لا يكون إلا بالبادية‏.‏

قوله ‏(‏في غنمك أو باديتك‏)‏ يحتمل أن يكون أو شكًا من الراوي ويحتمل أن يكون للتنويع لأن الغنم قد لا تكون في البادية ولأنه قد يكون في البادية حيث لا غنم‏.‏

قوله ‏(‏فارفع صوتك‏)‏ فيه دليل لمن قال باستحباب الأذان للمنفرد وهو الراجح عند الشافعية‏.‏

قوله ‏(‏مدى صوت المؤذن‏)‏ أي غاية صوته‏.‏

قوله ‏(‏جن ولا إنس ولا شيء‏)‏ ظاهره يشمل الحيوانات والجمادات فهو من العام بعد الخاص‏.‏

والحديث الأول يبين معنى الشيء المذكور هنا لأن الرطب واليابس لا يخرج عن الاتصاف بأحدهما شيء من الموجودات‏.‏

وفي رواية لابن خزيمة لا يسمع صوته شجر ولا مدر ولا حجر ولا جن ولا إنس وبهذا يظهر أن التخصيص بالملائكة كما قال القرطبي أو بالحيوان كما قال غيره غير ظاهر وغير ممتنع عقلًا ولا شرعًا أن يخلق اللَّه في الجمادات القدرة على السماع والشهادة ومثله قوله تعالى ‏{‏وإن من شيء إلا يسبح بحمده‏}‏ وفي صحيح مسلم‏:‏ ‏(‏إني لأعرف حجرًا كان يسلم عليَّ‏)‏ ومنه ما يثبت في البخاري وغيره من قول النار أكل بعضي بعضًا‏.‏

قال الزين ابن المنير‏:‏ والسر في هذه الشهادة مع أنها تقع عند عالم الغيب والشهادة أن أحكام الآخرة جرت على نعت أحكام الخلق في الدنيا من توجه الدعوى والجواب والشهادة‏.‏ وقيل المراد بهذه الشهادة إشهار المشهود له بالفضل وعلو الدرجة وكما أن اللَّه يفضح بالشهادة قومًا كذلك يكرم بالشهادة آخرين‏.‏

وفي الحديث استحباب رفع الصوت بالأذان وقد تقدم تعليل ذلك وفيه أن حب الغنم والبادية لا سيما عند نزول الفتنة من عمل السلف الصالح‏.‏

 باب المؤذن يجعل إصبعيه في أذنيه ويلوي عنقه عند الحيعلة ولا يستدبر

1 - عن أبي جحيفة قال‏:‏ ‏(‏أتيت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بمكة وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم قال‏:‏ فخرج بلال بوضوئه فمن ناضح ونائل قال‏:‏ فخرج النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه قال‏:‏ فتوضأ وأذن بلال فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يقول يمينًا وشمالًا حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح قال‏:‏ ثم ركزت له عنزة فتقدم فصلى الظهر ركعتين يمر بين يديه الحمار والكلب لا يمنع‏)‏ وفي رواية ‏(‏تمر من ورائه المرأة والحمار ثم صلى العصر ثم لم يزل يصلي حتى رجع إلى المدينة‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ ولأبي داود‏:‏ ‏(‏رأيت بلالًا خرج إلى الأبطح فأذن فلما بلغ حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح لوى عنقه يمينًا وشمالًا ولم يستدر‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏رأيت بلالًا يؤذن ويدور وأتتبع فاه ههنا وههنا وإصبعاه في أذنيه قال‏:‏ ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في قبة له حمراء أراها من أدم قال‏:‏ فخرج بلال بين يديه بالعنزة فركزها فصلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وعليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بريق ساقيه‏)‏ رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏

الحديث أخرجه النسائي بزيادة‏:‏ ‏(‏فجعل يقول في أذانه هكذا ينحرف يمينًا وشمالًا‏)‏ وابن ماجه بزيادة‏:‏ ‏(‏رأيته يدور في أذانه‏)‏ لكن في إسناده الحجاج بن أرطأة‏.‏ ورواه الحاكم بزيادة ألفاظ وقال‏:‏ قد أخرجاه إلا أنهما لم يذكرا فيه إدخال الإصبعين في الأذنين والاستدارة وهو صحيح على شرطهما‏.‏ ورواه ابن خزيمة بلفظ‏:‏ ‏(‏رأيت بلالًا يؤذن يتبع بفيه يميل رأسه يمينًا وشمالًا‏)‏ ورواه من طريق أخرى بزيادة‏:‏ ‏(‏ووضع الإصبعين في الأذنين‏)‏ وكذا رواه أبو عوانة في صحيحه وأبو نعيم في مستخرجه بزيادة‏:‏ ‏(‏رأى أبو جحيفة بلالًا يؤذن ويدور وإصبعاه في أذنيه‏)‏ وكذا رواه البزار‏.‏ وقال البيهقي‏:‏ الاستدارة لم ترد من طريق صحيحة لأن مدارها على سفيان الثوري وهو لم يسمعه من عون بن أبي جحيفة إنما سمعه عن رجل عنه والرجل يتوهم أنه الحجاج والحجاج غير محتج به‏.‏ قال‏:‏ ووهم عبد الرزاق في إدراجه وقد وردت الاستدارة من وجه آخر أخرجه أبو الشيخ في كتاب الأذان من طريق حماد وهشيم جميعًا عن عون الطبراني من طريق إدريس الأودي عنه وفي الأفراد للدارقطني عن بلال‏:‏ ‏(‏أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا أذنا وأقمنا أن لا نزيل أقدامنا عن مواضعها‏)‏ وإسناده ضعيف‏.‏

قوله ‏(‏فمن ناضح ونائل‏)‏ الناضح الآخذ من الماء لجسده تبركًا ببقية وضوئه صلى اللَّه عليه وآله وسلم والنائل الآخذ من ماء في جسد صاحبه لفراغ الماء لقصد التبرك‏.‏ وقيل أن بعضهم كان ينال ما لا يفضل منه شيء وبعضهم كان ينال منه ما ينضحه على غيره‏.‏ وفي رواية في الصحيح ورأيت بلالًا أخرج وضوءًا فرأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء فمن أصاب منه شيئًا تمسح به ومن لم يصب أخذ من بلل صاحبه وبهذه الرواية يتبين المراد من تلك العبارة والنضح الرش وقد تقدم الكلام عليه‏.‏

قوله ‏(‏ههنا وههنا‏)‏ ظرفا مكان والمراد بهما جهة اليمين والشمال كما فسره بذلك الراوي‏.‏

وللحديث فوائد وفيه أحكام سيأتي بسط الكلام عليها في مواضعها والمقصود منه ههنا الاستدلال على مشروعية التفات المؤذن يمينًا وشمالًا وجعل الإصبعين في الأذنين حال الأذان والالتفات المذكور ههنا مقيد بوقت الحيعلتين وقد بوب له ابن خزيمة فقال‏:‏ باب انحراف المؤذن عند قوله حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح بفمه لا ببدنه كله وإنما يمكن الانحراف بالفم بانحراف الرأس وقد اختلفت الروايات في الاستدارة ففي بعضه أنه كان يستدبر وفي بعضها ولم يستدر كما سلف ولكنها لم ترو الاستدارة إلا من طريق حجاج وإدريس الأودي وهما ضعيفان وقد رويت من طريق ثالثة وفيها ضعيف وهو محمد العرزمي‏.‏ وقد خالف هؤلاء الثلاثة من هو مثلهم أو أمثل وهو قيس بن الربيع فرواه عن عون قال في حديثه ولم يستدر أخرجه أبو داود كما تقدم قال الحافظ‏:‏ ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عنى بها استدارة الرأس ومن نفاها عنى استدارة الجسد كله ومشى ابن بطال ومن تبعه على ظاهره فاستدل به على جواز الاستدارة‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ فيه دليل على استدارة المؤذن للإسماع عند التلفظ بالحيعلتين واختلف هل يستدير ببدنه كله أو بوجهه فقط وقدماه قارتان واختلف أيضًا هل يستدير في الحيعلتين الأوليتين مرة وفي الثانيتين مرة أو يقول حيَّ على الصلاة عن يمينه ثم حيَّ على الصلاة عن شماله وكذا في الأخرى وقد رجح هذا الوجه بأنه يكون لكل جهة نصيب من كل كلمة قال‏:‏ والأول أقرب إلى لفظ الحديث انتهى كلامه بالمعنى‏.‏ وروي عن أحمد أنه لا يدور إلا إذا كان على منارة يقصد إسماع أهل الجهتين وبه قال أبو حنيفة وإسحاق‏.‏ وقال النخعي والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وهو رواية عن أحمد‏:‏ إنه يستحب الالتفات في الحيعلتين يمينًا وشمالًا ولا يدور ولا يستدير سواء كان على الأرض أو على منارة وقال مالك‏:‏ لا يدور ولا يلتفت إلا أن يريد إسماع الناس وقال ابن سيرين‏:‏ يكره الالتفات‏.‏

والحق استحباب الالتفات حال الأذان بدون تقييد وأما الدوران فقد عرفت اختلاف الأحاديث فيه وقد أمكن الجمع بما تقدم فلا يصار إلى الترجيح‏.‏

وفي الحديث استحباب وضع الإصبعين في الأذنين وفي ذلك فائدتان ذكرهما العلماء‏:‏ الأولى أن ذلك أرفع لصوته قال الحافظ‏:‏ وفيه حديث ضعيف من طريق سعد القرظ عن بلال‏.‏ والثانية أنه علامة للمؤذن ليعرف من يراه على بعد أو من كان به صمم أنه يؤذن‏.‏ قال الترمذي‏:‏ استحب أهل العلم أن يدخل المؤذن إصبعيه في أذنيه في الأذان قال‏:‏ واستحبه الأوزاعي في الإقامة أيضًا ولم يرد في الأحاديث كما قال الحافظ تعيين الإصبع التي يستحب وضعها وجزم النووي بأنها المسبحة وإطلاق الإصبع مجاز عن الأنملة‏.‏

 باب الأذان في أول الوقت وتقديمه عليه في الفجر خاصة

1 - عن جابر بن سمرة قال‏:‏ ‏(‏كان بلال يؤذن إذا زالت الشمس لا يخرم ثم لا يقيم حتى يخرج إليه النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فإذا خرج أقام حين يراه‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

قوله ‏(‏لا يخرم‏)‏ أي لا يترك شيئًا من ألفاظه‏.‏ الحديث فيه المحافظة على الأذان عند دخول وقت الظهر بدون تقديم ولا تأخير وهكذا سائر الصلوات إلا الفجر لما سيأتي‏.‏ وفيه أيضًا أن المقيم لا يقيم إلا إذا أراد الإمام الصلاة وقد أخرج ابن عدي من حديث أبي هريرة مرفوعًا‏:‏ ‏(‏المؤذن أملك بالأذان والإمام أملك بالإقامة‏)‏ وضعفه ولعل تضعيفه له لأن في إسناده شريكًا القاضي وقد أخرج البيهقي نحوه عن علي رضي اللَّه عنه من قوله وقال‏:‏ ليس بمحفوظ ورواه أبو الشيخ من طريق أبي الجوزاء عن ابن عمه وفيه معارك وهو ضعيف‏.‏ ويعارض حديث الباب وما في معناه ما عند البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي بلفظ‏:‏ ‏(‏أنه قال صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني‏)‏ أي خرجت لأنه يدل على أن المقيم شرع في الإقامة قبل خروجه ويمكن الجمع بين الحديثين بأن بلالًا كان يراقب خروج النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيشرع في الإقامة عند أول رؤيته له قبل أن يراه غالب الناس ثم إذا رأوه قاموا ويشهد لهذا ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب ‏(‏أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن اللَّه أكبر يقومون الصلاة فلا يأتي النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مقامه حتى تعتدل الصفوف‏)‏‏.‏

وفي صحيح مسلم وسنن أبي داود ومستخرج أبي عوانة‏:‏ ‏(‏أنهم كانوا يعدلون الصفوف قبل خروجه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ وفي حديث أبي قتادة‏:‏ ‏(‏أنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فنهاهم عن ذلك‏)‏ لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم الانتظار‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه تعالى بعد ذكر حديث الباب‏:‏ وفيه أن الفريضة تغني عن تحية المسجد انتهى‏.‏

2 - وعن ابن مسعود‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو قال ينادي بليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا الترمذي‏.‏

قوله ‏(‏أحدكم‏)‏ في رواية للبخاري ‏(‏أحد منكم‏)‏ شك من الراوي وكلاهما يفيد العموم‏.‏

قوله ‏(‏من سحوره‏)‏ بفتح أوله اسم لما يؤكل في السحر‏.‏ ويجوز الضم وهو اسم الفعل‏.‏

قوله ‏(‏ليرجع‏)‏ بفتح الياء وكسر الجيم المخففة يستعمل هذا لازمًا ومتعديًا تقول رجع زيد ورجعت زيدًا ولا يقال في المتعدي بالتثقيل ومن رواه بالضم والتثقيل فقد أخطأ لأنه يصير من الترجيع وهو الترديد وليس مرادًا هنا وإنما معناه يرد القائم أي المتهجد إلى راحته ليقوم إلى صلاة الصبح نشيطًا أو يتسحر إن كان له حاجة إلى الصيام ويوقظ النائم ليتأهب للصلاة بالغسل والوضوء‏.‏

والحديث يدل على جواز الأذان قبل دخول الوقت في صلاة الفجر خاصة وقد ذهب إلى مشروعيته الجمهور مطلقًا وخالف في ذلك الثوري وأبو حنيفة ومحمد والهادي والقاسم والناصر وزيد بن علي قال الشافعي ومالك وأحمد وأصحابهم‏:‏ إنه يكتفى به للصلاة وقال ابن المنذر وطائفة من أهل الحديث والغزالي‏:‏ أنه لا يكتفى به‏.‏ وادعى بعضهم أنه لم يرد في شيء من الحديث ما يدل على الاكتفاء وتعقب بحديث الباب وأجيب بأنه مسكوت عنه وعلى التنزل فمحله ما إذا لم يرد نطق بخلافه وههنا قد ورد حديث ابن عمر وعائشة الآتي وهو يدل على عدم الاكتفاء نعم حديث زياد بن الحارث عند أبي داود يدل على الاكتفاء فإن فيه أنه أذن قبل الفجر بأمر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأنه استأذنه في الإقامة فمنعه إلى أن طلع الفجر فأمره فأقام لكن في إسناده ضعف كما قال الحافظ‏.‏ وأيضًا فهي واقعة عين وكانت في سفر ومن ثم قال القرطبي‏:‏ إنه مذهب واضح‏.‏ ويدل أيضًا على عدم الاكتفاء أن الأذان المذكور قد بين النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم الغرض به فقال‏:‏ ‏(‏ليرجع قائمكم‏)‏ الحديث فهو لهذه الأغراض المذكورة لا للإعلام بالوقت والأذان هو الإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة والأذان قبل الوقت ليس إعلامًا بالوقت وتعقب بأن الإعلام بالوقت أعم من أن يكون إعلامًا بأنه دخل أو قارب أن يدخل‏.‏

ـ واحتج المانعون ـ من الأذان قبل دخول الوقت بحجج منها قوله صلى اللَّه عليه وسلم لبلال ‏(‏لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر ومد يديه عرضًا‏)‏ أخرجه أبو داود وبما أخرجه أيضًا من حديث ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن بلالًا أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يرجع فينادي ألا أن العبد نام‏)‏ قالوا‏:‏ فوجب تأويل حديث الباب بما قال بعض الحنفية أن النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الأذان وإنما كان تذكيرًا كما يقع للناس اليوم ـ الرسول صلى اللَّه عليه وآله وسلم بين لنا كيفية الأذان في جميع الأوقات وبيانه إنما هو بيان للعمل المشروع الذي به يقبل‏.‏ والقياس ممنوع في العبادات اتفاقًا وتم التشريع وانقطع الوحي بموت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فكل ما خالف هديه وعمله صلى اللَّه عليه وآله وسلم الذي كان عليه فهو مردود بنص الكتاب والسنة وإجماع من سلف من الصحابة والتابعين واللَّه أعلم ـ‏.‏ وأجيب عن الاحتجاج بالحديثين المذكورين بأن الأول منهما لا ينتهض لمعارضة ما في الصحيحين لا سيما مع إشعار الحديث بالاعتياد‏.‏ وأما الثاني فلا حجة فيه لأنه قد صرح بأنه موقوف أكابر الأئمة كأحمد والبخاري والذهلي وأبي داود وأبي حاتم والدارقطني والأثرم والترمذي وجزموا بأن حمادًا أخطأ في رفعه وأن الصواب وقفه‏.‏

وأما التأويل المذكور فقال الحافظ في الفتح‏:‏ إنه مردود لأن الذي يصنعه الناس اليوم محدث قطعًا وقد تضافرت الأحاديث على التعبير بلفظ الأذان قطعًا فحمله على معناه الشرعي مقدم ولأن الأذان الأول لو كان بألفاظ مخصوصة لما التبس على السامعين والحديث ليس فيه تعيين الوقت الذي كان بلال يؤذن فيه وقد اختلف من أي وقت يشرع في ذلك فقيل إنه يشرع وقت السحر ورجحه جماعة من أصحاب الشافعي‏.‏ وقيل إنه يشرع من النصف الأخير ورجحه النووي وتأول ما خالفه وقيل يشرع للسبع الأخير في الشتاء وفي الصيف لنصف السبع قاله الجويني‏.‏ وقيل وقته الليل جميعه ذكره صاحب العمدة وكأن مسنده إطلاق لفظ بليل‏.‏ وقيل بعد آخر اختيار العشاء وقد ورد ما يشعر بتعيين الوقت الذي كان بلال يؤذن فيه وهو ما رواه النسائي والطحاوي من حديث عائشة‏:‏ ‏(‏إنه لم يكن بين أذان بلال وابن أم مكتوم إلا أن يرقى هذا وينزل هذا‏)‏ وكانا يؤذنان في بيت مرتفع كما أخرجه أبو داود فهذه الرواية تقيد إطلاق سائر الروايات ويؤيد هذا ما أخرجه الطحاوي أن بلالًا وابن أم مكتوم كانا يقصدان وقتًا واحدًا فيخطئه بلال ويصيبه ابن أم مكتوم‏.‏ وقد اختلف في أذان بلال بليل هل كان في رمضان فقط أم في جميع الأوقات فادعى ابن القطان الأول قال الحافظ‏:‏ وفيه نظر‏.‏ والحكمة في اختصاص صلاة الفجر لهذا من بين الصلوات ما ورد من الترغيب في الصلاة لأول الوقت والصبح يأتي غالبًا عقيب النوم فناسب أن ينصب من يوقظ الناس قبل دخول وقتها ليتأهبوا ويدركوا فضيلة الوقت‏.‏

3 - وعن سمرة بن جندب قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا يعني معترضًا‏)‏‏.‏

رواه مسلم وأحمد والترمذي‏.‏ ولفظهما‏:‏ ‏(‏لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق‏)‏‏.‏

4 - وعن عائشة وابن عمر رضي اللَّه عنهما‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم‏)‏‏.‏

متفق عليه ولأحمد والبخاري ‏(‏فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر‏)‏ ولمسلم‏:‏ ‏(‏ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا‏)‏ صفة هذه الإشارة مبينة في صحيح مسلم في الصوم من حديث ابن مسعود بلفظ‏:‏ ‏(‏وليس أن يقول هكذا وهكذا وصوب يده ورفعها حتى يقول هكذا وفرج بين إصبعيه‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏ليس الذي يقول هكذا وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض ولكن الذي يقول هكذا وجمع أصابعه ووضع المسبحة على المسبحة ومد يديه‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏ليس الذي يقول هكذا ولكن يقول هكذا‏)‏ وفسرها جرير بأن المراد أن الفجر هو المعترض وليس بالمستطيل والمعترض هو الفجر الصادق ويقال له الثاني والمستطير بالراء وأما المستطيل باللام فهو الفجر الكاذب الذي يكون كذنب السرحان‏.‏ وفي البخاري من حديث ابن مسعود‏:‏ ‏(‏وليس أن يقول الفجر أو الصبح وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل حتى يقول هكذا‏)‏ وقال زهير بسبابتيه إحداهما فوق الأخرى ثم أمرهما على يمينه وشماله‏.‏

قوله ‏(‏حتى يؤذن ابن أم مكتوم‏)‏ في رواية للبخاري ‏(‏حتى ينادي‏)‏ وبتلك الزيادة أعني قوله فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر أوردها في الصيام‏.‏

قوله ‏(‏ولمسلم ولم يكن بينهما‏)‏ هذه الزيادة ذكرها مسلم في الصيام من حديث ابن عمر وذكرها البخاري في الصيام من كلام القاسم قال الحافظ في أبواب الأذان من الفتح‏:‏ ولا يقال إنه مرسل لأن القاسم تابعي فلم يدرك القصة المذكورة لأنه ثبت عند النسائي من رواية حفص بن غياث وعند الطحاوي من رواية يحيى بن القطان كلاهما عن عبيد اللَّه بن عمر عن القاسم عن عائشة بلفظ‏:‏ ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ قال العلماء معناه أن بلالًا كان يؤذن قبل الفجر ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه ثم يرقب الفجر فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر ابن أم مكتوم فيتأهب ابن أم مكتوم بالطهارة وغيرها ثم يرقىويشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر‏.‏

والحديث يدل على جواز اتخاذ مؤذنين في مسجد واحد وأما الزيادة فليس في الحديث تعرض لها ونقل عن بعض أصحاب الشافعي أنه يكره الزيادة على أربعة لأن عثمان اتخذ أربعة ولم تنقل الزيادة عن أحد من الخلفاء الراشدين وجوزه بعضهم من غير كراهة قالوا‏:‏ إذا جازت الزيادة لعثمان على ما كان في زمن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم جازت الزيادة لغيره‏.‏ قال أبو عمر ابن عبد البر‏:‏ وإذا جاز اتخاذ مؤذنين جاز أكثر من هذا العدد إلا أن يمنع من ذلك ما يجب التسليم له اهـ‏.‏

والمستحب أن يتعاقبوا واحدًا بعد واحد كما اقتضاه الحديث إن اتسع الوقت لذلك كصلاة الفجر فإن تنازعوا في البداءة أقرع بينهم‏.‏

وفي الحديث دليل على جواز أذان الأعمى قال ابن عبد البر‏:‏ وذلك عند أهل العلم إذا كان معه مؤذن آخر يهديه للأوقات وقد نقل عن ابن مسعود وابن الزبير كراهة أذان الأعمى‏.‏ وعن ابن عباس كراهة إقامته وللحديثين المذكورين ههنا فوائد وأحكام قد سبق بعضها في شرح حديث ابن مسعود‏.‏

 باب ما يقول عند سماع الأذان والإقامة وبعد الأذان

1 - عن أبي سعيد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

وفي الباب عن أبي رافع عند النسائي‏.‏ وعن أبي هريرة عند النسائي أيضًا‏.‏ وعن أم حبيبة عند الطحاوي وعن ابن عمر عند أبي داود والنسائي‏.‏ وعن عائشة عند أبي داود‏.‏ وعن معاذ عند أبي الشيخ‏.‏ وعن معاوية عند النسائي‏.‏

قوله ‏(‏إذا سمعتم‏)‏ ظاهره اختصاص الإجابة بمن سمع حتى لو رأى المؤذن على المنارة مثلًا في الوقت وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع أذانه لبعد أو صمم لا تشرع له المتابعة قاله النووي في شرح المهذب‏.‏

قوله ‏(‏فقولوا مثل ما يقول المؤذن‏)‏ ادعى ابن وضاح أن قوله المؤذن مدرج وأن الحديث انتهى عند قوله مثل ما يقول وتعقب بأن الإدراج لا يثبت بمجرد الدعوى وقد اتفقت الروايات في الصحيحين والموطأ على إثباتها ولم يصب صاحب العمدة في حذفها قاله الحافظ‏.‏

قوله ‏(‏مثل ما يقول‏)‏ قال الكرماني‏:‏ قال مثل ما يقول ولم يقل مثل ما قال ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة مثل كلمتها‏.‏ قال الحافظ‏:‏ والصريح في ذلك ما رواه النسائي من حديث أم حبيبة أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت‏.‏ وأصرح من ذلك حديث عمر بن الخطاب الآتي بعد هذا‏.‏

والحديث يدل على أنه يقول السامع مثل ما يقول المؤذن في جميع ألفاظ الأذان الحيعلتين وغيرهما وقد ذهب الجمهور إلى تخصيص الحيعلتين بحديث عمر الآتي فقالوا يقول مثل ما يقول فيما عدا الحيعلتين وأما في الحيعلتين فيقول لا حول ولا قوة إلا باللَّه‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح فيقول تارة كذا وتارة كذا وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول أن الخاص والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما قال‏:‏ فلم لا يقال يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة وهو وجه عند الحنابلة‏.‏ والظاهر من قوله في الحديث فقولوا التعبد بالقول وعدم كفاية إمرار المجاوبة على القلب‏.‏ والظاهر من قوله مثل ما يقول عدم اشتراط المساواة من جميع الوجوه‏.‏ قال اليعمري‏:‏ لاتفاقهم على أنه لا يلزم المجيب أن يرفع صوته ولا غير ذلك‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وفيه بحث لأن المماثلة وقعت في القول لا في صفته ولاحتياج المؤذن إلى الإعلام شرع له رفع الصوت بخلاف السامع فليس مقصوده إلا الذكر والسر والجهر مستويان في ذلك‏.‏

وظاهر الحديث إجابة المؤذن في جميع الحالات من غير فرق بين المصلي وغيره‏.‏ وقيل يؤخر المصلي الإجابة حتى يفرغ‏.‏ وقيل يجيب إلا في الحيعلتين‏.‏ قال الحافظ‏:‏ والمشهور في المذهب كراهة الإجابة في الصلاة بل يؤخرها حتى يفرغ وكذا حال الجماع والخلاء‏.‏ قيل والقول بكراهة الإجابة في الصلاة يحتاج إلى دليل ولا دليل ولا يخفى أن حديث إن في الصلاة لشغلًا دليل على الكراهة ويؤيده امتناع النبي صلى اللَّه عليه وسلم من إجابة السلام فيها وهو أهم من الإجابة للمؤذن‏.‏

وظاهر الحديث أنه يقول مثل ما يقول المؤذن من غير فرق بين الترجيع وغيره‏.‏ وفيه متمسك لمن قال بوجوب الإجابة لأن الأمر يقتضيه بحقيقته وقد حكى ذلك الطحاوي عن قوم من السلف وبه قالت الحنفية وأهل الظاهر وابن وهب‏.‏ وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب‏.‏ قال الحافظ‏:‏ واستدلوا بحديث أخرجه مسلم وغيره‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سمع مؤذنًا فلما كبر قال على الفطرة فلما تشهد قال خرج من النار‏)‏‏.‏ قالوا فلما قال صلى اللَّه عليه وسلم غير ما قال المؤذن علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب ورد بأنه ليس في الرواية أنه لم يقل مثل ما قال وباحتمال أنه وقع ذلك قبل الأمر بالإجابة واحتمال أن الرجل الذي سمعه النبي صلى اللَّه عليه وسلم يؤذن لم يقصد الأذان وأجيب عن هذا الأخير بأنه وقع في بعض طرق هذا الحديث أنه حضرته الصلاة وقد عرفت غير مرة أن فعله صلى اللَّه عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بنا وهذا منه‏.‏ والظاهر من الحديث التعبد بالقول مثل ما يقول المؤذن وسواء كان المؤذن واحدًا أو جماعة‏.‏ قال القاضي عياض‏:‏ وفيه خلاف بين السلف فمن رأى الاقتصار على الإجابة للأول احتج بأن الأمر لا يقتضي التكرار ويلزمه على ذلك أن يكتفي بإجابة المؤذن مرة واحدة في العمر‏.‏

2 - وعن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا قال المؤذن‏:‏ اللَّه أكبر اللَّه أكبر فقال أحدكم‏:‏ اللَّه أكبر اللَّه أكبر ثم قال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا اللَّه قال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا اللَّه ثم قال‏:‏ أشهد أن محمدًا رسول اللَّه قال‏:‏ أشهد أن محمدًا رسول اللَّه ثم قال‏:‏ حيَّ على الصلاة قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا باللَّه ثم قال‏:‏ حيَّ على الفلاح قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا باللَّه ثم قال‏:‏ اللَّه أكبر اللَّه أكبر قال‏:‏ اللَّه أكبر اللَّه أكبر ثم قال‏:‏ لا إله إلا اللَّه قال‏:‏ لا إله إلا اللَّه من قلبه دخل الجنة‏)‏‏.‏

رواه مسلم وأبو داود‏.‏

الحديث أخرج البخاري نحوه من حديث معاوية وقال‏:‏ هكذا سمعت نبيكم صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وقد وقع لنا هذا الحديث يعني حديث معاوية وذكر إسنادًا متصلًا بعيسى بن طلحة قال‏:‏ ‏(‏دخلنا على معاوية فنادى مناد بالصلاة فقال‏:‏ اللَّه أكبر اللَّه أكبر فقال معاوية‏:‏ اللَّه أكبر اللَّه أكبر فقال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا اللَّه فقال معاوية‏:‏ وأنا أشهد أن لا إله إلا اللَّه فقال‏:‏ أشهد أن محمدًا رسول اللَّه فقال معاوية‏:‏ وأنا أشهد أن محمدًا رسول اللَّه ولما قال‏:‏ حيَّ على الصلاة قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا باللَّه ثم قال‏:‏ هكذا سمعت نبيكم صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏لا حول ولا قوة‏)‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ قال أبو الهيثم‏:‏ الحول الحركة أي لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة اللَّه تعالى وكذا قال ثعلب وآخرون‏:‏ وقيل لا حول في دفع شر ولا قوة في تحصيل خير إلا باللَّه وقيل لا حول عن معصية اللَّه إلا بعصمته ولا قوة على طاعته إلا بمعونته وحكي هذا عن ابن مسعود وحكى الجوهري لغة غريبة ضعيفة أنه يقال لا حيل ولا قوة إلا باللَّه قال‏:‏ والحول والحيل بمعنى‏.‏ ويقال في التعبير عن قولهم لا حول ولا قوة إلا باللَّه الحوقلة هكذا قال الأزهري والأكثرون‏.‏ وقال الجوهري‏:‏ الحولقة فعلى الأول وهو المشهور الحاء والواو من الحول والقاف من القوة واللام من اسم اللَّه وعلى الثاني الحاء واللام من الحول والقاف من القوة والأول أولى لئلا يفصل بين الحروف ومثل الحوقلة الحيعلة في حيَّ على الصلاة وعلى الفلاح‏.‏ والبسملة في بسم اللَّه والحمدلة في الحمد للَّه‏.‏ والهيللة في لا إله إلا اللَّه والسبحلة في سبحان اللَّه انتهى كلامه‏.‏

قوله ‏(‏دخل الجنة‏)‏ قال القاضي عياض‏:‏ إنما كان كذلك لأن ذلك توحيد وثناء على اللَّه تعالى وانقياد لطاعته وتفويض إليه بقوله لا حول ولا قوة إلا باللَّه فمن حصل هذا فقد حاز حقيقة الإيمان وكمال الإسلام واستحق الجنة بفضل اللَّه وإنما أفرد صلى اللَّه عليه وسلم الشهادتين والحيعلتين في هذا الحديث مع أن كل نوع منها مثنى كما هو المشروع لقصد الاختصار‏.‏ قال النووي‏:‏ فاختصر صلى اللَّه عليه وآله وسلم من كل نوع شطرًا تنبيهًا على باقيه والحديث قد تقدم الجمع بينه وبين الحديث الذي قبله‏.‏

3 - وعن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أن بلالًا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ أقامها اللَّه وأدامها‏)‏ وقال في سائر الإقامة بنحو حديث عمر في سائر الأذان‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث في إسناده رجل مجهول وشهر بن حوشب تكلم فيه غير واحد ووثقه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وفيه دلالة على استحباب مجاوبة المقيم لقوله وقال في سائر الإقامة بنحو حديث عمر‏.‏ وفيه أيضًا أنه يستحب لسامع الإقامة أن يقول عند قول المقيم قد قامت الصلاة أقامها اللَّه وأدامها‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه تعالى‏:‏ وفيه دليل على أن السنة أن يكبر الإمام بعد الفراغ من الإقامة انتهى‏.‏ وفي ذلك خلاف لعله يأتي إن شاء اللَّه تعالى‏.‏

4 - وعن جابر ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من قال حين يسمع النداء اللَّهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وأبعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا مسلمًا‏.‏

وفي الباب عن عبد اللَّه بن مسعود عند الطحاوي وعن أنس عند ابن حبان في فوائد الأصبهانيين له وعن ابن عباس عند ابن حبان أيضًا في كتاب الأذان‏.‏ وعن أبي أمامة عند الضياء المقدسي ورواه الحاكم في المستدرك وفيه عفير بن معدان وقد تكلم فيه غير واحد وعن عبد اللَّه بن عمرو وسيأتي‏.‏

قوله ‏(‏رب هذه الدعوة التامة‏)‏ بفتح الدال والمراد بها دعوة التوحيد لقوله تعالى ‏{‏له دعوة الحق‏}‏ وقيل لدعوة التوحيد تامة لأنه لا يدخلها تغيير ولا تبديل بل هي باقية إلى يوم القيامة‏.‏ وقال ابن التين‏:‏ وصفت بالتامة لأن فيها أتم القول وهو لا إله إلا اللَّه‏.‏

قوله ‏(‏الوسيلة‏)‏ هي ما يتقرب به يقال توسلت أي تقربت وتطلق على المنزلة العلية وسيأتي تفسيرها في الحديث الذي بعد هذا‏.‏

قوله ‏(‏والفضيلة‏)‏ أي المرتبة الزائدة على سائر الخلائق ويحتمل أن تكون تفسيرًا للوسيلة‏.‏

قوله ‏(‏مقامًا محمودًا‏)‏ أي يحمد القائم فيه وهو يطلق على كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات ونصبه على الظرفية أي ابعثه يوم القيامة فأقمه مقامًا محمودًا أو ضمن ابعثه معنى أقمه أو على أنه مفعول به ومعنى ابعثه أعطه ويجوز أن يكون حالًا أي ابعثه ذا مقام محمود والتنكير للتفخيم والتعظيم كما قال الطيبي كأنه قال مقامًا أي مقام محمودًا بكل لسان‏.‏ وقد روي بالتعريف عند النسائي وابن حبان والطحاوي والطبراني والبيهقي وهذا يرد على ما أنكر ثبوته معرفًا كالنووي‏.‏

قوله ‏(‏الذي وعدته‏)‏ أراد بذلك قوله تعالى ‏{‏عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا‏}‏ وذلك لأن عسى في كلام اللَّه للوقوع‏.‏ قال الحافظ‏:‏ والموصول إما بدل أو عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف وليس صفة للنكرة وسيأتي تفسير حلت له الشفاعة في الحديث الذي بعد هذا‏.‏

5 - وعن عبد اللَّه بن عمرو‏:‏ ‏(‏أنه سمع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى اللَّه بها عليه عشرًا ثم سلوا اللَّه لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد اللَّه وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل اللَّه لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه‏.‏

قوله ‏(‏مثل ما يقول‏)‏ قد تقدم الكلام على ذلك‏.‏

قوله ‏(‏ثم صلوا عليَّ‏)‏ هذه زيادة ثابتة في الصحيح وقبولها متعين‏.‏

قوله ‏(‏ثم سلوا اللَّه‏)‏ الخ قد تقدم ذكر بعض الأقوال في تفسير الوسيلة والمتعين المصير إلى ما في هذا الحديث من تفسيرها‏.‏

قوله ‏(‏حلت عليه الشفاعة‏)‏ وفي الحديث الأول حلت له الشفاعة قال الحافظ‏:‏ واللام بمعنى على ومعنى حلت أي استحقت ووجبت أو نزلت عليه ولا يجوز أن تكون من الحل لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة‏.‏

قوله ‏(‏شفاعتي‏)‏ استشكل بعضهم جعل ذلك ثوابًا لقائل ذلك مع ما ثبت أن الشفاعة للمذنبين وأجيب بأن له صلى اللَّه عليه وسلم شفاعات أخر كإدخال الجنة بغير حساب وكرفع الدرجات فيعطي كل أحد ما يناسبه ونقل عياض عن بعض شيوخه أنه كان يرى اختصاص ذلك بمن قاله مخلصًا مستحضرًا إجلال النبي صلى اللَّه عليه وسلم لا من قصد بذلك مجرد الثواب ونحو ذلك‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وهو تحكم غير مرضي ولو كان لإخراج الغافل اللاهي لكان أشبه قال المهلب‏:‏ في الحديث الحض على الدعاء في أوقات الصلوات لأنه حال رجاء الإجابة‏.‏

6 - وعن أنس بن مالك قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والترمذي‏.‏

الحديث أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان والضياء في المختارة وحسنه الترمذي ورواه سليمان التيمي عن أنس بن مالك عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا نودي بالأذان فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء‏)‏ وروى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند الأذان تفتح أبواب السماء وعند الإقامة لا ترد دعوة‏)‏ وقد روي من حديث سهل بن سعد الساعدي رواه مالك عن ابن أبي حازم عن سهل بن سعد قال‏:‏ ساعتان تفتح لهما أبواب السماء وقل داع ترد عليه دعوته عند حضور النداء للصلاة والصف في سبيل اللَّه‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ هكذا هو موقوف على سهل بن سعد في الموطأ عند جماعة الرواة ومثله لا يقال من قبل الرأي ثم ساقه مرفوعًا من طريق أبي بشر الدولابي قال حدثنا أبو عمير أحمد بن عبد العزيز بن سويد البلوي حدثنا أيوب بن سويد قال حدثنا مالك عن سهل بن سعد قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فذكر نحو الحديث المتقدم‏.‏

الحديث يدل على قبول مطلق الدعاء بين الأذان والإقامة وهو مقيد بما لم يكن فيه إثم أو قطيعة رحم كما في الأحاديث الصحيحة وقد ورد تعيين أدعية تقال حال الأذان وبعده وهو بين الأذان والإقامة منها ما سلف في هذا الباب ومنها ما أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه وصححه اليعمري من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله رضيت باللَّه ربًا وبمحمد رسولًا وبالإسلام دينًا غفر له ذنبه‏)‏ ومنها ما أخرجه أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة من حديث عمرو بن العاص‏:‏ ‏(‏أن رجلًا قال‏:‏ يا رسول اللَّه إن المؤذنين يفضلوننا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قل كما يقول فإذا انتهيت فسل تعطه‏)‏ ومنها ما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أم سلمة قالت‏:‏ ‏(‏علمني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن أقول عند أذان المغرب اللَّهم إن هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي‏)‏ وقد عين ما يدعى به صلى اللَّه عليه وسلم لما قال‏:‏ ‏(‏الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد قالوا‏:‏ فما نقول رسول اللَّه قال‏:‏ سلوا اللَّه العفو والعافية في الدنيا والآخرة‏)‏ قال ابن القيم‏:‏ هو حديث صحيح وفي المقام أدعية غير هذه‏.‏

 باب من أذن فهو يقيم

1 - عن زياد بن الحارث الصدائي قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ يا أخا صداء أذن قال‏:‏ فأذنت وذلك حين أضاء الفجر قال‏:‏ فلما توضأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قام إلى الصلاة فأراد بلال أن يقيم فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقيم أخو صداء فإن من أذن فهو يقيم‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا النسائي ولفظه لأحمد‏.‏

الحديث في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي عن زياد بن نعيم الحضرمي عن زياد بن الحارث الصدائي قال الترمذي‏:‏ إنما نعرفه من حديث الأفريقي وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره وقال أحمد‏:‏ لا أكتب حديث الأفريقي قال‏:‏ ورأيت محمد بن إسماعيل يقوي أمره ويقول‏:‏ هو مقارب الحديث‏.‏ والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أن من أذن فهو يقيم اهـ‏.‏ قال في البدر المنير‏:‏ ضعفه لكثرة روايته للمنكرات مع علمه وزهده ورواية المنكرات كثيرًا ما تعتري الصالحين لقلة تفقدهم للرواة لذلك قيل لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث اهـ‏.‏ وكان سفيان الثوري يعظمه‏.‏ وقال ابن أبي داود‏:‏ إنما تكلم الناس فيه لأنه روى عن مسلم بن يسار فقيل‏:‏ أين رأيته فقال‏:‏ بأفريقية فقالوا‏:‏ ما دخل مسلم بن يسار أفريقية قط يعنون البصري ولم يعلموا أن مسلم بن يسار آخر يقال له أبو عثمان الطنبذي وعنه روى‏.‏

وفي الباب عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إنما يقيم من أذن‏)‏ أخرجه الطبراني والعقيلي في الضعفاء وأبو الشيخ في الأذان وفي إسناده سعيد بن راشد وهو ضعيف‏.‏ قال ابن أبي حاتم‏:‏ سألت أبي عن سعيد بن راشد هذا فقال‏:‏ ضعيف الحديث منكر الحديث وقال مرة‏:‏ متروك قال الحازمي في كتابه الناسخ والمنسوخ‏:‏ واتفق أهل العلم في الرجل يؤذن ويقيم غيره أن ذلك جائز واختلفوا في الأولوية فقال أكثرهم‏:‏ لا فرق والأمر متسع وممن رأى ذلك مالك وأكثر أهل الحجاز وأبو حنيفة وأكثر أهل الكوفة وأبو ثور‏.‏ وقال بعض العلماء‏:‏ من أذن فهو يقيم قال الشافعي‏:‏ وإذا أذن الرجل أحببت أن يتولى الإقامة وإلى أولوية المؤذن بالإقامة ذهب الهادوية واحتجوا بهذا الحديث واحتج القائلون بعدم الفرق بالحديث الذي سيأتي وسيأتي الكلام عليه والأخذ بحديث الصدائي أولى لأن حديث عبد اللَّه بن زيد الآتي كان أول ما شرع الأذان في السنة الأولى وحديث الصدائي بعده بلا شك قاله الحافظ اليعمري‏.‏ فإذا أذن واحد فقط فهو الذي يقيم وإذا أذن جماعة دفعة واتفقوا على من يقيم منهم فهو الذي يقيم وإن تشاحوا أقرع بينهم‏.‏ قال ابن سيد الناس اليعمري‏:‏ ويستحب أن لا يقيم في المسجد الواحد إلا واحد إلا إذا لم تحصل به الكفاية اهـ‏.‏

2- وعن عبد اللَّه بن زيد‏:‏ ‏(‏أنه رأى الأذان قال‏:‏ فجئت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأخبرته فقال‏:‏ ألقه على بلال فألقيته فأراد أن يقيم فقلت‏:‏ يا رسول اللَّه أنا رأيت أريد أن أقيم قال‏:‏ فأقم أنت فأقام هو وأذن بلال‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث في إسناده محمد بن عمر الواقفي الأنصاري البصري وهو ضعيف ضعفه القطان وابن نمير ويحيى بن معين واختلف عليه فيه فقيل عن محمد بن عبد اللَّه وقيل عبد اللَّه بن محمد قال ابن عبد البر‏:‏ إسناده أحسن من حديث الأفريقي وقال البيهقي‏:‏ إن صحا لم يتخالفا لأن قصة الصدائي بعد‏.‏ وذكره ابن شاهين في الناسخ وله طريق أخرى أخرجها أبو الشيخ عن ابن عباس قال‏:‏ كان أول من أذن في الإسلام بلال وأول من أقام عبد اللَّه بن زيد‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وإسناده منقطع لأنه رواه الحكم عن مقسم عن ابن عباس وهذا من الأحاديث التي لم يسمعها الحكم من مقسم وأخرجه الحاكم وفيه أن الذي أقام عمر قال‏:‏ والمعروف أنه عبد اللَّه بن زيد‏.‏

والحديث استدل به من قال بعدم أولوية المؤذن بالإقامة وقد تقدم ذكرهم في الحديث الذي قبل هذا وقد عرفت تأخر حديث الصدائي وأرجحية الأخذ به على أنه لو لم يتأخر لكان هذا الحديث خاصًا بعبد اللَّه بن زيد والأولوية باعتبار غيره من الأمة والحكمة في التخصيص تلك المزية التي لا يشاركه فيها غيره أعني الرؤيا فإلحاق غيره به لا يجوز لوجهين الأول أنه يؤدي إلى إبطال فائدة النص أعني حديث من أذن فهو يقيم فيكون فاسد الاعتبار‏.‏ الثاني وجود الفارق وهو بمجرده مانع من الإلحاق‏.‏

 باب الفصل بين النداءين بجلسة

1 - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال‏:‏ حدثنا أصحابنا أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لقد أعجبني أن تكون صلاة المسلمين أو المؤمنين واحدة‏)‏ وذكر الحديث وفيه‏:‏ ‏(‏فجاء رجل من الأنصار فقال‏:‏ يا رسول اللَّه إني لما رجعت لما رأيت من اهتمامك رأيت رجلًا كأن عليه ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذن ثم قعد قعدة ثم قام فقال مثلها إلا أنه يقول قد قامت الصلاة‏)‏ وذكر الحديث‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الدارقطني من حديث الأعمش عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل به‏.‏ ورواه أبو الشيخ في كتاب الأذان من طريق يزيد ابن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد اللَّه بن زيد‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وهذا الحديث ظاهر الانقطاع‏.‏ قال المنذري‏:‏ إلا أن قوله في رواية أبي داود حدثنا أصحابنا إن أراد الصحابة فيكون مسندًا وإلا فهو مرسل‏.‏ وفي رواية ابن أبي شيبة وابن خزيمة والطحاوي والبيهقي حدثنا أصحاب محمد فتعين الاحتمال الأول ولهذا صححها ابن حزم وابن دقيق العيد‏.‏

وقد قدمنا في شرح حديث أنس أنه أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ما يجاب به عن دعوى الانقطاع وإعلال الحديث بها فارجع إليه‏.‏

والحديث استدل به على استحباب الفصل بين الأذان والإقامة لقوله‏:‏ ‏(‏فأذن ثم قعد قعدة‏)‏ وقد تقدم الكلام على ذلك في باب جواز الركعتين قبل المغرب من أبواب الأوقات والكلام على بقية فوائد الحديث قد مر في أول الأذان‏.‏

 باب النهي عن أخذ الأجرة على الأذان

1 - عن عثمان بن أبي العاص قال‏:‏ ‏(‏آخر ما عهد إليَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن اتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا‏)‏‏.‏

رواه الخمسة‏.‏

الحديث صححه الحاكم وقال ابن المنذر‏:‏ ثبت أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال لعثمان بن أبي العاص واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا‏.‏ وأخرج ابن حبان عن يحيى البكاء قال‏:‏ سمعت رجلًا قال لابن عمر‏:‏ إني لأحبك في اللَّه فقال له ابن عمر‏:‏ إني لأبغضك في اللَّه فقال‏:‏ سبحان اللَّه أحبك في اللَّه وتبغضني في اللَّه قال‏:‏ نعم إنك تسأل على أذانك أجرًا‏.‏ وروي عن ابن مسعود‏:‏ ‏(‏أنه قال أربع لا يؤخذ عليهن أجر الأذان وقراءة القرآن والمقاسم والقضاء‏)‏ ذكره ابن سيد الناس في شرح الترمذي‏.‏ وروى ابن أبي شيبة عن الضحاك أنه كره أن يأخذ المؤذن على أذانه جعلًا ويقول إن أعطي بغير مسألة فلا بأس‏.‏ وروي أيضًا عن معاوية بن قرة أنه قال‏:‏ كان يقال لا يؤذن لك إلا محتسب‏.‏ وقد ذهب إلى تحريم الأجر شرطًا ـ هو حال من الأجر أي وقد ذهب إلى تحريم الأجر إذا كان شرطًا فإذا لم يكن شرطًا فلا تحريم وسيأتي للشارح النص على ذلك آخر الشرح ـ‏.‏ على الأذان والإقامة الهادي والقاسم والناصر وأبو حنيفة وغيرهم‏.‏ وقال مالك‏:‏ لا بأس بأخذ الأجر على ذلك‏.‏ وقال الأوزاعي‏:‏ يجاعل عليه ولا يؤاجر‏.‏ وقال الشافعي في الأم‏:‏ أحب أن يكون المؤذنون متطوعين قال‏:‏ وليس للإمام أن يرزقهم وهو يجد من يؤذن متطوعًا ممن له أمانة إلا أن يرزقهم من ماله قال‏:‏ ولا أحسب أحدًا ببلد كثير الأهل يعوزه أن يجد مؤذنًا أمينًا يؤذن متطوعًا فإن لم يجده فلا بأس أن يرزق مؤذنًا ولا يرزقه إلا من خمس الخمس الفضل‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ الصحيح جواز أخذ الأجرة على الأذان والصلاة والقضاء وجميع الأعمال الدينية فإن الخليفة يأخذ أجرته على هذا كله وفي كل واحد منها يأخذ النائب أجرة كما يأخذ المستنيب والأصل في ذلك قوله صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة‏)‏ اهـ‏.‏ فقاس المؤذن على العامل وهو قياس في مصادمة النص وفتيا ابن عمر التي مرت لم يخالفها أحد من الصحابة كما صرح بذلك اليعمري وقد عقد ابن حبان ترجمة على الرخصة في ذلك وأخرج عن أبي محذورة أنه قال‏:‏ ‏(‏فألقى عليَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الأذان فأذنت ثم أعطاني حين قضيت التأذين صرة فيها شيء من فضة‏)‏ وأخرجه أيضًا النسائي قال اليعمري‏:‏ ولا دليل فيه لوجهين الأول أن قصة أبي محذورة أول ما أسلم لأنه أعطاه حين علمه الأذان وذلك قبل إسلام عثمان بن أبي العاص فحديث عثمان متأخر‏.‏ الثاني إنها واقعة يتطرق إليها الاحتمال وأقرب الاحتمالات فيها أن يكون من باب التأليف لحداثة عهده بالإسلام كما أعطى حينئذ غيره من المؤلفة قلوبهم ووقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال سلبها الاستدلال لما يبقى فيها من الإجمال انتهى‏.‏ وأنت خبير بأن هذا الحديث لا يرد على من قال إن الأجرة إنما تحرم إذا كانت مشروطة لا إذا أعطيها بغير مسألة والجمع بين الحديثين بمثل هذا حسن‏.‏

 باب فيمن عليه فوائت أن يؤذن ويقيم للأولى ويقيم لكل صلاة بعدها

1 - عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏عرسنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ليأخذ كل رجل برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان قال‏:‏ ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم صلى سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏ ورواه أبو داود ولم يذكر فيه سجدتي الفجر وقال فيه‏:‏ ‏(‏فأمر بلالًا فأذن وأقام وصلى‏)‏‏.‏

الأمر بالإقامة للمقضية ثابت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ‏:‏ ‏(‏وأمر بلالًا فأقام الصلاة‏)‏ الحديث بطوله في نومهم في الوادي وفيه من حديث أبي قتادة‏:‏ ‏(‏أن بلالًا أذن‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏عرسنا‏)‏ قد تقدم تفسيره في باب قضاء الفوائت‏.‏

قوله ‏(‏فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان‏)‏ قال النووي‏:‏ فيه دليل على اجتناب مواضع الشيطان وهو أظهر المعنيين في النهي عن الصلاة في الحمام‏.‏

قوله ‏(‏ثم صلى سجدتين‏)‏ يعني ركعتين وفيه دليل على استحباب قضاء النافلة الراتبة‏.‏

قوله ‏(‏فأذن وأقام‏)‏ استدل به على مشروعية الأذان والإقامة في الصلاة المقضية وقد ذهب إلى استحبابهما في القضاء الهادي والقاسم والناصر وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل وأبو ثور وقال مالك والأوزاعي ورواه المهدي في البحر قولًا للشافعي إنه لا يستحب الأذان واحتج لهم بأنه لم ينقل في قضائه الأربع وأجاب عن ذلك بأنه نقل في رواية ثم قال‏:‏ سلمنا فتركه خوف اللبس وسيأتي حديث قضاء الأربع بعد هذا الحديث مصرحًا فيه بالأذان والإقامة وإنما ترك الأذان في رواية أبي هريرة عند مسلم وغيره يوم نومهم في الوادي لما قال النووي في شرح مسلم ولفظه وأما ترك ذكر الأذان في حديث أبي هريرة وغيره فجوابه من وجهين‏:‏ أحدهما لا يلزم من ترك ذكره أنه لم يؤذن فلعله أذن وأهمله الراوي ولم يعلم به‏.‏ والثاني لعله ترك الأذان في هذه المرة لبيان جواز تركه وإشارة إلى أنه ليس بواجب متحتم لا سيما في السفر‏.‏ وقال أيضًا‏:‏ وفي المسألة خلاف والأصح عندنا إثبات الأذان لحديث أبي قتادة وغيره من الأحاديث الصحيحة‏.‏

وفي الحديث استحباب الجماعة في الفائتة وقد استشكل نومه صلى اللَّه عليه وسلم في الوادي لقوله‏:‏ ‏(‏إن عيني تنام ولا ينام قلبي‏)‏ قال النووي‏:‏ وجوابه من وجهين أصحهما وأشهرهما أنه لا منافاة بينهما لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما ولا يدرك طلوع الفجر وغيره مما يتعلق بالعين وإنما يدرك ذلك بالعين والعين نائمة وإن كان القلب يقظان والثاني إنه كان له حالان‏:‏ أحدهما ينام فيه القلب وصادف هذا الموضع‏.‏ والثاني لا ينام وهذا هو الغالب من أحواله وهذا التأويل ضعيف والصحيح المعتمد هو الأول اهـ‏.‏

2 - وعن أبي عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود عن أبيه‏:‏ ‏(‏أن المشركين شغلوا النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم الخندق عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء اللَّه فأمر بلالًا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي والترمذي وقال‏:‏ ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد اللَّه‏.‏

الحديث رجاله رجال الصحيح ولا علة له إلا عدم سماع أبي عبيدة من أبيه وهو الذي جزم به الحافظ أعني عدم سماعه منه‏.‏

وفي الباب عن أبي سعيد الخدري عند أحمد والنسائي وقد تقدم‏.‏ قال اليعمري‏:‏ وحديث أبي سعيد رواه الطحاوي عن المزني عن الشافعي حدثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه وهذا إسناد صحيح جليل انتهى‏.‏

وفي الباب أيضًا عن جابر عند البخاري ومسلم وقد تقدم وليس فيه ذكر الأذان والإقامة‏.‏

والحديث استدل به على مشروعية الأذان والإقامة في القضاء وقد تقدم الخلاف في ذلك‏.‏

وللحديث أحكام وفوائد قد تقدم ذكر بعضها في باب الترتيب في قضاء الفوائت‏.‏ وقد استشكل الجمع بينه وبين ما في الصحيحين من أن الصلاة التي شغل عنها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صلاة العصر فقط وقد قدمنا طرفًا من الكلام على ذلك في باب الصلاة الوسطى وطرفًا في باب الترتيب في قضاء الفوائت‏.‏

 أبواب ستر العورة‏‏

 باب وجوب سترها‏‏

1 - عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول اللَّه عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال‏:‏ احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت‏:‏ فإذا كان القوم بعضهم في بعض قال‏:‏ إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها قلت‏:‏ فإذا كان أحدنا خاليًا قال‏:‏ فاللَّه تبارك وتعالى أحق أن يستحيا منه‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا النسائي‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا النسائي في عشرة النساء عن عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد عن بهز فذكره لا كما قال المصنف وقد علقه البخاري وحسنه الترمذي وصححه الحاكم وأخرجه ابن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون حدثنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده بدون قوله فإذا كان القوم إلى قوله قلت فإذا كان أحدنا وزاد بعد قوله فاللَّه أحق أن يستحيا منه لفظ من الناس وقد عرف من السياق أنه وارد في كشف العورة بخلاف ما قال أبو عبد اللَّه البوني أن المراد بقوله أحق أن يستحيا منه أي فلا يعصى‏.‏

ومفهوم قوله إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك يدل على أنه يجوز لهما النظر إلى ذلك منه وقياسه أنه يجوز له النظر‏.‏ ويدل أيضًا على أنه لا يجوز النظر لغير من استثنى ومنه الرجل للرجل والمرأة للمرأة وكما دل مفهوم الاستثناء على ذلك فقد دل عليه منطوق قوله فإذا كان القوم بعضهم في بعض ويدل على أن التعري في الخلاء غير جائز مطلقًا‏.‏ وقد استدل البخاري على جوازه في الغسل بقصة موسى وأيوب‏.‏ ومما يدل على عدم الجواز مطلقًا حديث ابن عمر عند الترمذي بلفظ‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم‏)‏‏.‏

ويدل على ما أشعر به الحديث مفهومًا ومنطوقًا من عدم جواز نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم وأبي داود والترمذي بلفظ‏:‏ ‏(‏لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد‏)‏‏.‏

والحديث يدل على وجوب الستر للعورة كما ذكر المصنف لقوله ‏(‏احفظ عورتك‏)‏ وقوله ‏(‏فلا يرينها‏)‏ وقد ذهب قوم إلى عدم وجوب ستر العورة وتمسكوا بأن تعليق الأمر بالاستطاعة قرينة تصرف الأمر إلى معناه المجازي الذي هو الندب ورد بأن ستر العورة مستطاع لكل أحد فهو من الشروط التي يراد بها التهييج والإلهاب كما علم في علم البيان وتمسكوا أيضًا بما سيأتي من كشفه صلى اللَّه عليه وسلم لفخذه وسيأتي الجواب عليه‏.‏ والحق وجوب ستر العورة في جميع الأوقات إلا وقت قضاء الحاجة وإفضاء الرجل إلى أهله كما في حديث ابن عمر السابق وعند الغسل على الخلاف الذي مر في الغسل ومن جميع الأشخاص إلا في الزوجة والأمة كما في حديث الباب والطبيب والشاهد والحاكم على نزاع في ذلك‏.‏