فصل: كتاب القرض

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب النهي عن التسعير

1 - عن أنس قال غلا السعر على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول اللّه لو سعرت فقال ‏(‏إن اللّه هو القابض الباسط الرازع المسعر وأني لارجو ان القي اللّه عز وجل ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال‏)‏

رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي‏.‏

الحديث أخرجه أيضا الدارمي والبزار وأبو يعلى قال الحافظ وإسناده على شرط مسلم وصححه أيضا ابن حبان ـ وفي الباب ـ عن أبي هريرة عند أحمد وأبي داود قال ‏(‏جاء رجل فقال يا رسول اللّه سعر فقال بل ادعو اللّه ثم جاء آخر فقال يا رسول اللّه سعر فقال بل اللّه يخفض ويرفع‏)‏ قال الحافظ وإسناده حسن‏.‏ وعن أبي سعيد عند ابن ماجه والبزار والطبراني نحو حديث أنس ورجاله رجال الصحيح وحسنه الحافظ‏.‏ وعن علي عليه السلام عند البزار نحوه‏.‏ وعن ابن عباس عند الطبراني في الصغير‏.‏ وعن أبي جحيفة عنده في الكبير‏:‏ قوله ‏(‏لوسعرت‏)‏ التسعير هو أن يأمر السلطان أو نوابه أو كل من ولى من أمور المسلمين أمرا أهل السوق أن لا يبيعوا أمتعتهم الا بسعر كذا فيمنع من الزيادة عليه أو النقصان لمصلحة‏:‏ قوله ‏(‏المسعر‏)‏ فيه دليل على أن المسعر من أسماء اللّه تعالى وإنها لا تنحصر في التسعة والتسعين المعروفة‏.‏ وقد استدل بالحديث وما ورد في معناه على تحريم التسعير وأنه مظلمة‏.‏ ووجهه أن الناس مسلطون على اموالهم والتسعير حجر عليهم والإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولي من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن وإذا تقابل الأمران وجب تمكين الفريقين من الأجتهاد ولانفسهم وإلزام صاحب السلعة أن يبيع بما لا يرضي به مناف لقوله تعالى ‏{‏الا أن تكون تجارة عن تراض‏}‏ وإلى هذا ذهب جمهور العلماء وروى عن مالك أنه يجوز للإمام التسعير وأحاديث الباب ترد عليه‏.‏ وظاهر الأحاديث أنه لافرق بين حالة الغلاء وحالة الرخص ولا فرق بين المجلوب وغيره وإلى ذلك مال الجمهور‏.‏ وفي وجه للشافعية جواز التسعير في حالة الغلاء وهو مردود‏.‏ وظاهر الأحاديث عدم الفرق بين ما كان قوتا للآدمي ولغيره من الحيوانات وبين ما كان من غير ذلك من الادامات وسائر الأمتعة وجوز جماعة من متأخري أئمة الزيدية جواز التسعير فيما عدا قوت الآدمي والبهيمة كما حكى ذلك منهم صاحب الغيث‏.‏ وقال شارح الاثمار إن التسعير في غير القوتين لعله اتفاق والتخصيص يحتاج إلى دليل والمناسب الملغى لا ينتهض لتخصيص صرائح الأدلة بل لا يجوز العمل به على فرض عدم وجود دليل كما تقرر في الأصول‏.‏

 باب ما جاء في الأحتكار

1 - عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد اللّه العدوي أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏لا يحتكر الا خاطئ وكان سعيد يحتكر الزيت‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

2 - وعن معقل بن يسار قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على اللّه أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة‏)‏

3 - وعن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏من احتكر حكرة يريد أن يغري بها على المسلمين فهو خاطئ‏)‏

رواهما أحمد‏.‏

4 - وعن عمر قال سمعت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول ‏(‏من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه اللّه بالجذام والإفلاس‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

حديث معمر أخرجه أيضا الترمذي وغيره‏.‏ وحديث معقل أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط وفي إسناده زيد بن مرة أبو المعلى‏.‏ قال في مجمع الزائد ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله رجال الصحيح‏.‏ وحديث أبي هريرة خرجه أيضا الحاكم وزاد وقد برئت منه ذمة اللّه وفي إسناد حديث أبي هريرة أبو معشر وهو ضعيف وقد وثق‏.‏ وحديث عمر في إسناده الهيثم بن رافع قال أبو داود روى حديثا منكرا‏.‏ قال الذهبي هو الذي خرجه ابن ماجه يعني هذا وفي إسناده أيضا أبو يحيى المكي وهو مجهول ولبقية أحاديث الباب شواهد‏.‏ منها حديث ابن عمر عند ابن ماجه والحاكم وإسحاق بن راهوية والدارمي وأبي يعلى والعقيلي في الضعفاء بلفظ ‏(‏الجالب مرزوق والمحتكر ملعون‏)‏ وضعف الحافظ إسناده‏.‏ ومنها حديث آخر عند ابن عمر أيضا عند أحمد والحاكم وابن أبي شيبة والبزار وأبي يعلى بلفظ ‏(‏من أحتكر الطعام أربعين ليلة فقد بريء من اللّه وبرئ اللّه منه‏)‏ زاد الحاكم ‏(‏وأيما أهل عرصة اصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة اللّه‏)‏ وفي إسناده أصبغ بن زيد وكثير بن مرة والأول مختلف فيه والثاني قال ابن حزم إنه مجهول وقال غيره معروف ووثقه ابن سعد وروى عنه جماعة واحتج به النسائي‏.‏ قال الحافظ ووهم ابن الجوزي فأخرج هذا الحديث في الموضوعات وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه أنه منكر ولا شك أن أحاديث الباب تنتهض بمجموعها للاستدلال على عدم جواز الاحتكار لو فرض عدم ثبوت شيء منها في الصحيح فكيف وحديث معمر المذكور في صحيح مسلم والتصريح بأن المحتكر خاطئ كاف في إفادة عدم الجواز لأن الخاطئ المذنب العاصي وهو اسم فاعل من خطئ بكسر العين وهمز اللام خطأ بفتح العين وبكسر الفاء وسكون العين إذا أثم في فعله قال أبو عبيدة وقال سمعت الأزهري يقول خطئ إذا تعمد وأخطأ إذا لم يتعمد‏:‏ قوله ‏(‏بعظم‏)‏ بضم العين المهملة وسكون الظاء المعجمة أي بمكان عظيم من النار‏:‏ قوله ‏(‏حكرة‏)‏ بضم الحاء المهملة وسكون الكاف وهي حبس السلع عن البيع‏.‏ وظاهر أحاديث الباب أن الاحتكار محرم من غير فرق بين قوت الآدمي والدواب وبين غير والتصريح بلفظ ‏(‏الطعام‏)‏ في بعض الروايات لا يصلح لتقييد بقية الروايات المطلقة بل هو من التنصيص على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق وذلك لأن نفي الحكم عن غير الطعام إنما هو لمفهوم اللقب وهو غير معمول به عند الجمهور وما كان كذلك لا يصلح للتقييد على ما تقرر في الأصول وذهبت الشافعية إلى أن المحرم إنما هو احتكار الأقوات خاصة لا غيرها ولا مقدار الكفاية منها وغلى ذلك ذهبت الهادوية‏.‏

قال ابن رسلان في شرح السنن ولا خلاف في أن ما يدخره الإنسان من قوت ولا يحتاجون إليه من سمن وعسل وغير ذلك جائز لا بأس به انتهى‏.‏ ويدل على ذلك ما ثبت أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يعطي كل واحدة من زوجاته مائة وسق من خيبر‏.‏ قال ابن رسلان في شرح السنن وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يدخر لأهله قوت سنتهم من تمر وغيره‏.‏ قال أبو داود قيل لسعيد يعنس ابن المسيب فإنك تحتكر قال ومعمر كان يحتكر وكذا في صحيح مسلم‏.‏ قال ابن عبد البر وآخرون إنما كانا يحتكران الزيت وحملا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة إليه وكذلك حمله الشافعي وأبو حنيفة وآخرون‏.‏ ويدل على اعتبار الحاجة وقصد إغلاء السعر على المسلمين قوله في حديث معقل ‏(‏من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم‏)‏ وقوله في حديث أبي هريرة ‏(‏يريد أن يغلي بها على المسلمين‏)‏ قال أبو داود سألت أحمد ما الحكرة قال ما فيه عيش الناس أي حياتهم وقوتهم وقال الأثرم سمعت أبا عبد اللّه يعني أحمد بن حنبل يسئل عن أي شيء الاحتكار فقال إذا كان من قوت الناس فهو الذي يكره وهذا قول ابن عمر‏.‏ وقال الأوزاعي المحتكر من يعترض السوق أي ينصب نفسه للتردد إلى الأسواق ليشتري منها الطعام الذي يحتاجون إليه ليحتكره قال السبكي الذي ينبغي أن يقال في ذلك أنه ان منع غيره من الشراء وحصل به ضيق حرم وإن كانت الأسعار رخيصة وكان القدر الذي يشتريه لا حاجة بالناس إليه فليس لمنعه من شرائه وادخاره إلى وقت حاجة الناس إليه معنى‏.‏ قال القاضي حسين والروياني وربما يكون هذا حسنه لأنه ينفع به الناس وقطع المحاملي في المقنع باستحبابه قال أصحاب الشافعي الأولى بيع الفاضل عن الكفاية قال السبكي أما إمساكه حالة استغناء أهل البلد عنه رغبة في أن يبيعه إليهم وقت حاجتهم إليه فينبغي أن لا يكره بل يستحب ـ والحاصل ـ إن العلة إذا كانت هي الإضرار بالمسلمين لم يحرم الاحتكار الا على وجه يضر بهم ويستوي في ذلك القوت وغيره لأنهم يتضررون بالجميع‏.‏ قال الغزالي في الأحياء ما ليس بقوت وولا معين عليه فلا يتعدى النهي إليه وإن كان مطعوما وما يعين على القوت كاللحم والفواكه وما يسد مسد شيء من القوت في بعض الأحوال وإن كان لا يمكن المداومة عليه فهو في محل النظر فمن العلماء من طرد التحريم في السمن والعسل ووالشيرج والجبن والزيت وما يجري مجراه‏.‏ وقال السبكي إذا كان في وقت قحط كان في إدخار العسل والسمن والشيرج وأمثالها إضرار فينبغي أن يقضي بتحريمه وإذا لم يكن إضرار فلا يخلوا احتكار الأقوات عن كراهة‏.‏ وقال القاضي حسين إذا كان الناس يحتاجون الثياب ونحوها لشدة البرد أو لستر العورة فيكره لمن عنده ذلك امساكه‏.‏ قال السبكي إن أراد كراهة تحريم فظاهر وان أراد كراهة تنزيه فبعيد‏.‏ وحكى أبو داود عن قتادة أنه قال ليس في التمر حكرة‏.‏ وحكى أيضا عن سفيان أنه سئل عن كبس القت فقال كانوا يكرهون الحكرة والكبس بفتح الكاف واسكان الموحدة والقت بفتح القاف وتشديد التاء الفوقية وهي اليابس من القضب‏.‏ قال الطيبي ان التقييد بالأربعين اليوم غير مراد به التحديد انتهى‏.‏ ولم أجد من ذهب إلى العمل بهذا العدد‏.‏

 باب النهي عن كسر سكة المسلمين إلا من بأس

1 - عن عبد اللّه بن عمرو المازني قال ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن تنكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏

الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وزاد ‏(‏نهى ان تكسر الدراهم فتجعل فضة وتكسر الدنانير فتجعل ذهبا‏)‏ وضعفه ابن حبان ولعل وجه الضعف كونه في إسناده محمد بن فضاء بفتح الفاء والضاد المعجمة الأزدي الحمصي البصري المعبر للرؤيا قال المنذري لا يحتج بحديثه‏:‏ قوله ‏(‏سكة‏)‏ بكسر السين المهملة أي الدراهم المضروبة على السكة الحديد المنقوشة التي تطبع عليها الدراهم والدنانير‏.‏ قوله ‏(‏الجائزة‏)‏ يعني النافقة في معاملتهم ‏:‏ قوله ‏(‏إلا من بأس‏)‏ كأن تكون زيوفا وفي معنى كسر الدراهم كسر الدنانير والفلوس التي عليها سكة الإمام لا سيما إذا كان التعامل بذلك جاريا بين المسلمين كثيرا ـ والحكمة ـ في النهي ما في الكسر من ضرر بإضاعة المال لما يحصل من النقصان في الدراهم ونحوها إذا كسرت وأبطلت المعاملة بها‏.‏ قال ابن رسلان لو ابطل السلطان المعاملة التي ضربها السلطان الذي قبله وأخرج غيرها جار كسر تلك الدراهم التي ابطلت وسبكها لإخراج الفضة التي فيها وقد يحصل في سبكها وكسرها ربح كثير لفاعله انتهى‏.‏ ولا يخفى أن الشارع لم يأذن في الكسر إلا إذا كان بها بأس ومجرد الإبدال لنفع البعض ربما أفضى إلى الضرر بالكثير من الناس فالجزم بالجواز من غير تقييد بانتفاء الضرر لا ينبغي‏.‏ لاقال أبو العباس بن سريج أنهم كانوا يقرضون أطراف الدراهم والدنانير بالمقرض ويخرجونهما عن السعر الذي يأخذونهما به ويجمعون من تلك القراضة شيئا كثيرا بالسبك كما هو معهود في المملكة الشامية وغيرها وهذه الفعلة هي التي نهى اللّه عنها قوم شعيب بقوله ‏{‏ولا تبخسوا الناس أشياءهم‏}‏ فقالوا انتهانا أن نفعل في اموالنا يعني الدراهم والدنانير ما نشاء من القرد ولم ينتهوا عن ذلك فأخذتهم الصيحة‏.‏

ـ فائدة ـ قال في البحر مسألة الإمام يحيى لو باع بنقد ثم حرم السلطان التعامل به قبل قبضه فوجهان يلزم ذلك النقد إذ عقد عليه‏.‏ الثاني يلزم قيمته إذا صار لكساده كالعرض انتهى‏.‏ قال في المنار وكذلك لو صار كذلك يعني النقد لعارض آخر وكثير ما وقع هذا في زمننا لفساد الضربة لإهمال الولاة النظر في المصالح والأظهر أن اللازم القيمة لما ذكره المصنف انتهى‏.‏

 باب ما جاء في اختلاف المتبايعين

1 - عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فالقول ما يقول صاحب السلعة أو يترادان‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي وزاد فيه ابن ماجه ‏(‏والبيع قائم بعينه‏)‏ وكذلك أحمد في رواية ‏(‏والسلعة كما هي‏)‏ وللدارقطني عن أبي وائل عن عبد اللّه قال ‏(‏إذا اختلف البيعان والبيع مستهلك فالقول قول البائع‏)‏ ورفع الحديث إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ ولأحمد والنسائي عن أبي عبيدة ‏(‏وأتاه رجلان تبايعا سلعة فقال هذا أخذت بكذا وكذا قال هذا بعت بكذا وكذا فقال أبو عبيدة أتى عبد اللّه في مثل هذا فقال حضرت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في مثل هذا فأمر بالبائع بأن يستحلف ثم يخير المبتاع إن شاء أخذ وإن شاء ترك‏)‏‏.‏

الحديث روي عن عبد اللّه بن مسعود من طرق بألفاظ ذكر المصنف رحمه اللّه بعضها‏.‏ وقد أخرجه أيضا الشافعي من طريق سعيد بن سالم عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عمير عن أبي عبيدة عن أبيه عبد اللّه بن مسعود قد اختلف فيه على اسمعيل بن أميه ثم على ابن جريج‏.‏ لقد اختلف في صحة سماع أبي عبيدة من أبيه‏.‏ ورواه من طريق أبي عبيدة أحمد والنسائي والدارقطني وقد صححه الحاكم وابن السكن‏.‏ ورواه أيضا الشافعي من طريق سفيان بن عجلان عن عون بن عبد اللّه بن عتبة عن ابن مسعود وفيه ايضا انقطاع لأن عونا لم يدرك ابن مسعود‏.‏ ورواه الدارقطني من طريق القاسم بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن مسعود عن أبيه عن جده‏:‏ وفيه اسمعيل بن عياش عن موسى بن عقبة‏.‏ ورواه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث بن قيس عن أبيه عن جده عن ابن مسعود‏.‏ وأخرجه أيضا من طريق محمد بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن مسعود عن أبيه عن ابن مسعود ومحمد بن أبي ليلى لا يحتج به وعبد الرحمن لم يسمع من أبيه‏.‏ ورواه ابن ماجه والترمذي من طريق عون بن عبد اللّه ايضا عن ابن مسعود وقد سبق أنه منقطع‏.‏ قال البيهقي وأصح إسناد روي في هذا الباب رواية أبي العميس عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث بن قيس عن أبيه عن جده ورواه أيضا الدارقطني من طريق القاسم ابن عبد الرحمن‏:‏قال الحافظ ورجاله ثقات إلا أن عبد الرحمن اختلف في سماعه من أبيه‏.‏ ورواية التراد زواها أيضا مالك بلاغا والترمذي وابن ماجه بإسناد منقطع ورواه أيضا الطبراني بلفظ ‏(‏البيعان إذا اختلفا في البيع ترادا‏)‏ قال الحافظ رواته ثقات لكن اختلف في عبد الرحمن بن صالح يعني الراوي له عن فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال وما أظنه حفظه فقد حزم الشافعي أن طرق هذا الحديث عن ابن مسعود ليس فيها شيء موصول‏.‏ ورواه أيضا النسائي والبيهقي والحاكم من طريق عبد الرحمن بن قيس بالإسناد الذي رواه عنه أبو داود كما سلف وصححه من هذا الوجه الحاكم وحسنه البيهقي ورواه عبد اللّه بن أحمد في زيادات المسند من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن جده بلفظ ‏(‏إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما تحالفا‏)‏ ورواه من هذا الوجه الطبراني والدارمي وقد انفرد بقوله ‏(‏والسلعة قائمة‏)‏ محمد بن أبي ليلى ولا يحتج به كما عرفت لسوء حفظه‏.‏ قال الخطابي إن هذه اللفظة يعني والسلعة قائمة لا تصح من طريق النقل مع احتمال أن يكون ذكرها من التغليب لأن أكثر ما يعرض النزاع حال قيام السلعة كقوله تعالى ‏{‏في حجوركم‏}‏ولم يفرق أكثر الفقهاء في البيوع الفاسدة بين القائم والتالف انتهى‏.‏

وأبو وائل الراوي لقوله والبيع مستهلك كما في حديث الباب هو عبد اللّه بن بحير شيخ عبد الرزاق الصنعاني القاص وثقه ابن معين وقال ابن حبان يروى العجائب التي كأنها معمولة لا يحتج به وليس هذا المذكور عبد اللّه بن بحير ابن ريشان فإنه ثقة وعلى هذا فلا يقبل ما تفرد به أبو وائل المذكور‏.‏ وأما قوله فيه تحالفا فقال الحافظ لم يقع عند أحد منهم وإنما عندهم والقول قول البائع أو يتراد ان البيع انتهى‏.‏ قال ابن عبد البر أن هذا الحديث منقطع إلا أنه مشهور الأصل عند جماعة تلقوه بالقبول وبنوا عليه كثيرا من فروعه وأعله ابن حزم بالإنقطاع وتابعه عبد الحق وأعله هو وابن القطان بالجهالة في عبد الرحمن وأبيه وجده‏.‏ وقال الخطابي هذا حديث قد اصطلح الفقهاء على قبوله وذلك يدل على أن له أصلا وإن كان في إسناده مقال كما اصطلحوا على قبول لا وصية لوارث وإسناده فيه ما فيه انتهى‏.‏ قوله ‏(‏البيعان‏)‏ أي البائع والمشتري كما تقدم في الخيار ولم يذكر الأمر الذي فيه الاختلاف وحذف المتعلق مشعر بالتعميم في مثل هذا المقام على ما تقرر في علم المعاني فيعم الأختلاف في المبيع والثمن وفي كل أمر فرجع إليهما وفي سائر الشروط المعتبرة والتصريح بالأختلاف في الثمن في بعض الروايات كما وقع في الباب لا ينافي هذا العموم المستفاد من الحذف‏.‏ قوله ‏(‏صاحب السلعة‏)‏ هو البائع كما وقع التصريح به في سائر الروايات فلا وجه لما روى عن البعض إن رب السلعة في الحال هو المشتري‏.‏ وقد استدل بالحديث من قال إن القول‏:‏ قول البائع إذا وقع الأختلاف بينه وبين المشتري في أمر من الأمور المتعلقة بالعقد ولكن مع يمينه كما وقع في الرواية الآخرة وهذا إذا لم يقع التراضي على التراد فإن تراضيا على ذلك جاز بلا خلاف فلا يكون لهما خلاص عن النزاع إلا التفاسخ أو حلف البائع والظاهر عدم الفرق بين بقاء المبيع وتلفه لما عرفت من عدم انتهاض الرواية المصرح فيها باشتراط بقاء المبيع للاحتجاج والتراد مع التلف ممكن بأن يرجع كل واحد منهما بمثل المثلى وقيمة القيمي إذا تقرر لك ما يدل عليه هذا الحديث من كون القول قول البائع من غير فرق فاعلم أنه لم يذهب إلى العمل به في جميع صور الأختلاف أحد فيما أعلم بل اختلفوا في ذلك اختلافا طويلا على حسب ما هو مبسوط في الفروع ووقع الأتفاق في بعض الصور والأختلاف في بعض وسبب الاختلاف في ذلك ما سيأتي من قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه‏)‏ لأنه يدل بعمومه على ان اليمين على المدعى عليه والبينة على المدعي من غير فرق بين أن يكون أحدهما بائعا والآخر مشتريا أولا‏.‏

وحديث الباب يدل على أن القول قول البائع مع يمينه والبينة على المشتري من غير فرق بين أن يكون البائع مدعيا أو مدعى عليه فبين الحديثين عموم وخصوص من وجه فيتعارضان باعتبار مادة الأتفاق وهي حيث يكون البائع مدعيا فينبغي أن يرجع في الترجيح إلى الأمور الخارجية وحديث أن اليمين على المدعى عليه عزاه المصنف في كتاب الأقضية إلى أحمد ومسلم وهو أيضا في صحيح البخاري في الرهن وفي باب اليمين على المدعى عليه وفي تفسير آل عمران‏.‏ وأخرجه الطبراني بلفظ ‏(‏البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه‏)‏ وأخرجه الإسماعيلي بلفظ ‏(‏ولكن البينة على الطالب واليمين على المطلوب‏)‏ وأخرجه البيهقي بلفظ ‏(‏لو يعطى الناس بدعواهم لا دعى رجال أموال قوم ودماءهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر‏)‏ وهذه الألفاظ كلها في حديث ابن عباس ممن رام الترجيح بين الحديثين لم يصعب عليه ذلك بعد هذا البيان ومن أمكنة الجمع بوجه مقبول فهو المتعين‏.‏

 كتاب السلم

1 - عن ابن عباس قال قدم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال ‏(‏من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم‏)‏‏.‏

رواه الجماعة وهو حجة في السلم في منقطع الجنس حالة العقد‏.‏

قوله ـ كتاب السلم ـ هو بفتح السين المهملة واللام كالسلف‏.‏ وزنا ومعنى وحكى في الفتح عن الماوردي أن السلف لغة أهل العراق والسلم لغة أهل الحجاز وقيل السلف تقديم رأس المال والسلم تسليمه في المجلس فالسلف أعم‏.‏ قال في الفتح والسلم شرعا بيع موصوف في الذمة وزيد في الحد ببدل يعطى عاجلا وفيه نظر لأنه ليس داخلا في حقيقته‏.‏ قال واتفق العلماء على مشروعيته إلا ما حكى عن ابن المسيب واختلفوا في بعض شروطه واتفقوا على أنه يشترط له ما يشترط للبيع وعلى تسليم رأس المال في المجلس واختلفوا هل هو عقد غرر جوز للحاجة أم لا اه قوله ‏(‏يسلفون‏)‏ بضم أوله قوله ‏(‏السنة والسنتين‏)‏ في رواية للبخاري عامين أو ثلاثة ‏(‏والسنة‏)‏ بالنصب على الظرفية أو على المصدر وكذلك لفظ ‏(‏سنتين وعامين‏)‏ قوله ‏(‏في كيل معلوم‏)‏ احترز بالكيل عن السلم في الأعيان وبقوله معلوم عن المجهول من المكيل والموزون وقد كانوا في المدينة حين قدم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يسلمون في ثمار نخيل بأعيانها فنهاهم عن ذلك لما فيه من الغرر إذا قد تصاب تلك النخيل بعاهة فلا تثمر شيئا قال الحافظ واشتراط تعيين الكيل فيما يسلم فيه من المكيل متفق عليه من أجل اختلاف المكاييل الا أن يكون في البلد سوى كيل واحد فإنه ينصرف إليه عند الإطلاق‏:‏ قوله ‏(‏إلى اجل معلوم‏)‏ فيه دليل على اعتبار الأجل في السلم وإليه ذهب الجمهور وقالوا لا يجوز السلم حالا وقالت الشافعية يجوز قالوا لأنه إذا جاز مؤجلا مع الغرر فجوازه حالا أولى وليس ذكر الأجل في الحديث لأجل الأشتراط بل معناه إن كان لأجل فليكن معلوما وتعقب بالكتابة فإن التأجيل شرط فيها‏.‏ وأجيب بالفرق لأن الأجل في الكتابة شرع لعدم قدرة العبد غالبا واستدل الجمهور على اعتبار التأجيل بما أخرجه الشافعي والحاكم وصححه عن ابن عباس أنه قال أشهد أن السلف المضمون إلى أجل قد أحله اللّه في كتابه وأذن فيه ثم قرأ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه‏}‏ ويجاب بأن هذا يدل على جواز السلم إلى أجل ولا يدل على أنه لا يجوز إلا مؤجلا وبما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عباس أنه قال ‏(‏لاتسلف إلى العطاء ولا إلى الحصاد واضرب أجلا‏)‏ ويجاب بأن هذا ليس بحجة لأنه موقوف عليه‏.‏ وكذلك يجاب عن قول أبي سعيد الذي علقه البخاري ووصله عبد الرزاق بلفظ ‏(‏السلم بما يقوم به السعر ربا ولكن السلف في كيل معلوم إلى أجل‏)‏ وقد اختلف الجمهور في مقدار الأجل فقال أبو حنيفة لا فرق بين الأجل القريب والبعيد وقال أصحاب مالك لا بد من أجل تتغير فيه الأسواق واقله عندهم ثلاثة أيام وكذا عند الهادوية وعند ابن القاسم خمسة عشر يوما وأجاز مالك السلم إلى العطاء والحصاد ومقدم الحاج ووافقه أبو ثور واختار ابن خزيمة تأقيته إلى الميسرة واحتج بحديث عائشة إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏بعث إلى يهودي أبعث إلى ثوبين إلى الميسرة‏)‏ وأخرجه النسائي وطعن ابن المنذر في صحته وليس في ذلك دليل على المطلوب لأن التنصيص على نوع من أنواع الأجل لا ينفي غيره‏.‏ وقال المنصور باللّه أقله أربعون يوما وقال الناصر أقله ساعة والحق ما ذهبت إليه الشافعية من عدم اعتبار الأجل لعدم ورود دليل يدل عليه فلا يلزم التعبد بحكم بدون دليل‏.‏ وأما ما يقال من أنه يلزم مع عدم الأجل أن يكون بيعا للمعدوم ولم يرخص فيه إلا في السلم ولا فارق بينه وبين البيع إلا الأجل فيجاب عنه بأن الصيغة فارقة وذلك كاف ـ واعلم ـ أن للسلم شروطا غير ما اشتمل عليه الحديث مبسوطة في كتب الفقه ولا حاجة لنا في التعرض لما لا دليل عليه الا أنه وقع الإجماع على اشتراط معرفة صفة الشيء المسلم فيه على وجه يتميز بتلك المعرفة عن غيره‏.‏

2 - وعن عبد الرحمن بن أبزي وعبد اللّه بن أبي أوفى قالا ‏(‏كنا نصيب المغانم مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وكان يأتينا انباط من انباط الشام فنسلفهم في الحنطة والزيت إلى أجل مسمى قيل أكان لهم زرع أو لم يكن قالا ما كنا نسألهم عن ذلك‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏ وفي رواية ‏(‏كنا نسلف على عهد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأي بكر وعمر في الحنطة والشعير والزيت والتمر ومانراه عندهم‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا الترمذي‏.‏

3 - وعن أبي سعيد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وابن ماجه‏.‏

4 - وعن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏من اسلف شيئا وفا يشرط على صاحبه غير قضائه‏)‏‏.‏

وفي لفظ ‏(‏من أسلف في شيء فلا يأخذ إلا ما أسلف فيه أو رأس ماله‏)‏ رواهما الدارقطني دليل امتناع الرهن والضمين فيه والثاني بمنع الاقالة في البعض‏.‏

حديث أبي سعيد في إسناده عطية بن سعد العوفي قال المنذري لا يحتج بحديثه قوله ‏(‏بن أبزي‏)‏ بالموحدة الزاي على وزن علي وزن أعلى وهو الخزاعي أحد صغار الصحابة ولأبيه أبزي صحبة‏.‏ قوله ‏(‏انباط‏)‏ جمع نبيط وهم قوم معروفون كانوا ينزلون بالبطائح من العراقين قاله الجوهي وأصلهم قوم من العرب دخلوا في العجم واختلطت أنسابهم وفسدت السنتهم ويقال لهم النبط بفتحتين والنبيط بفتح أوله وكسر ثانيه وزيادة تحتانية وإنما سموا بذلك لمعرفتهم بانباط الماء أي استخراجه لكثرة معالجتهم الفلاحة وقيل هم نصارى الشام وهم عرب دخلوا في الروم ونزلوا بوادي الشام ويدل على هذا قوله من انباط الشام‏.‏ وقيل هم طائفتان طائفة اختلطت العجم ونزلوا البطائح وطائفة اختلطت بالروم ونزلوا الشام‏:‏ قوله فنسلفهم بضم النون واسكان السين المهملة وتخفيف اللام من الاسلاف وقد تشدد اللام مع فتح السين من التسليف‏:‏ قوله ‏(‏ما كنا نسألهم عن ذلك‏)‏ فيه دليل على أنه لا يشترط في المسلم فيه أن يكون عند المسلم إليه وذلك مستفاد من تقريره صلى اللّه عليه وآله وسلم لهم مع ترك الاستفصال‏.‏ قال ابن رسلان وأما المعدوم عند المسلم إليه وهو موجود عند غيره فلا خلاف في جوازه‏.‏ قوله ‏(‏ومانراه عندهم‏)‏ لفظ أبي داود الي قوم ما هو عندهم أي ليس عندهم أصل من الأصول الحنطة والشعير والتمر والزبيب‏.‏ وقد اختلف العلماء في جواز السلم فيما ليس بموجود في وقت السلم إذا امكن وجوده في وقت حلول الأجل فذهب إلى جوازه الجمهور قالوا ولا يضر انقطاعه قبل الحلول‏.‏ وقال أبوحنيفة لا يصح فيما ينقطع قبله بل لا بد أن يكون موجودا من العقد إلى المحل ووافقه الثوري والأوزاعي فلو أسلم في شيء فانقطع في محله لم ينفسخ عند الجمهور وفي وجه للشافعية ينفسخ‏.‏ واستدل أبو حنيفة ومن معه بما أخرجه أبو داود عن ابن عمر ‏(‏أن رجلا أسلف رجلا في نخل فلم يخرج تلك السنة شيئا فاختصما إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال بم نستحل ماله اردد عليه ماله ثم قال لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه‏)‏ وهذا نص في التمر وغيره قياس عليه ولو صح هذا الحديث لكان المصير إليه أولى لأنه صريح في الدلالة على المطلوب بخلاف حديث عبد الرحمن بن أبزي وعبد اللّه بن أبي أوفى فليس فيه الا مظنة التقرير منه صلى اللّه عليه وآله وسلم مع ملاحظة تنزيل ترك الاستفصال منزلة العموم ولكن حديث ابن عمر هذا في إسناده رجل مجهول فإن أبا داود رواه عن محمد بن كثير عن سفيان عن أبي إسحاق عن رجل نجراني عن ابن عمر ومثل هذا لا تقوم به حجة‏.‏ ـ قال القائلون ـ بالجواز ولو صح هذا الحديث لحمل على بيع الأعيان أو على السلم الحال عند من يقول به أو على ما قرب أجله قالوا ومما يدل على الجواز ماتقدم من أنهم كانوا يسلفون في الثمار السنتين والثلاث ومن المعلوم إن الثمار لا تبقى هذه المدة ولو اشترط الوجود لم يصح السلم في الرطب إلى هذه المدة وهذا أولى ما يتمسك به في الجواز‏.‏ قوله ـ فلا يصرفه إلى غيره ـ الظاهر أن الضمير راجع إلى المسلم فيه لا إلى ثمنه الذي هو رأس المال والمعنى أنه لا يحل جعل المسلم فيه ثمنا لشيء قبل قبضه ولا يجوز بيعه قبل القبض أي لا يصرفه إلى شيء غير عقد السلم‏.‏ وقيل الضمير راجع إلى رأس مال السلم‏.‏ وعلى ذلك حمله ابن رسلان في شرح السنن وغيره أي ليس له صرف رأس المال في عوض آخر كأن يجعله ثمنا لشيء آخر فلا يجوز له ذلك حتى يقبضه وإلى ذلك ذهب مالك وأبو حنيفة والهادي والمؤيد باللّه‏.‏ وقال الشافعي وزفر يجوز ذلك لأنه عوض من مستقر في الذمة فجاز كما لو كان قرضا ولانه مال عاد إليه بفسخ العقد على فرض تعذر المسلم فيه فجاز أخذ العوض عنه كالثمن في المبيع إذا فسخ العقد قوله ـ فلا يشرط على صاحبه غير قضائه ـ فيه دليل على أنه لا يجوز شيء من الشروط في عقد السلم غير القضاء واستدل به المصنف على امتناع الرهن وقد روى عن سعيد بن جبير أن الرهن في السلم هو الربا المضمون‏:‏ وقد روى نحو ذلك عن ابن عمر والأوزاعي والحسن وهو إحدى الروايتين عن أحمد ورخص فيه الباقون واستدلوا بما في الصحيح من حديث عائشة ـ أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اشترى طعاما من يهودي نسيئة ورهنه درعا من حديد ـ وقد ترحم عليه البخاري باب الرهن في السلم وترجم عليه أيضا في كتاب السلم باب الكفيل في السلم واعترض عليه الإسماعيلي بأنه ليس في الحديث ماترجم به ولعله أراد الحاق الكفيل بالرهن لأنه حق ثبت الرهن به فجاز أخذ الكفيل به والخلاف في الكفيل كالخلاف في الرهن‏:‏ قوله ـ فلا يأخذ إلا ما سلف فيه ـ الخ فيه دليل لمن قال أنه لا يجوز صرف رأس المال إلى شيء آخر وقد تقدم الخلاف في ذلك‏.‏

 كتاب القرض

 باب فضيلته

1 - عن ابن مسعود ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين الا كان كصدقتها مرة‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

الحديث في إسناده سليمان بن بشير وهو متروك قال الدارقطني والصواب أنه موقوف على ابن مسعود وفي الباب عن أنس عند ابن ماجه مرفوعا ‏(‏الصدقة بعشرة أمثالها والقرض بثمانية عشر‏)‏ وفي إسناده خالد بن يزيد بن عبد الرحمن الشامي قال النسائي ليس بثقة‏.‏ وعن أبي هريرة عند مسلم مرفوعا ‏(‏من نفس عن أخيه كربة من كرب الدينا نفس اللّه بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر اللّه عليه في الدنيا والآخرة واللّه في عون العبد ما كان في عون أخيه‏)‏ وفي فضيلة القرض أحاديث وعمومات الأدلة القرآنية والحديثية القاضية بفضل المعاونة وقضاء حاجة المسلم وتفريج كربته وسد فاقته شاملة له ولاخلاف بين المسلمين في مشروعيته‏.‏ قال ابن رسلان ولاخلاف في جواز سؤاله عند الحاجة ولانقص على طالبه ولو كان فيه شيء من ذلك لما استسلف النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال في البحر وموقعه أعظم من الصدقة إذ لا يفترض إلا محتاج اهـ‏.‏ ويدل على هذا حديث أنس المذكور وفي حديث الباب دليل على أن قرض الشيء مرتين يقوم مقام التصدق به مرة‏.‏

 باب استقراض الحيوان والقضاء من الجنس فيه وفي غيره

1 - عن أبي هريرة قال ‏(‏ما استقرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سنا فأعطى سنا خيرا من سنه وقال خياركم أحاسنكم قضاء‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏

2 - وعن أبي رافع قال ‏(‏استلف النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بكرا فجاءته إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره فقلت إني لم أجد في الأبل إلا جملا خيارا رباعيا فقال أعطه أياه فأن من خير الناس أحسنهم قضاء‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏

3 - وعن أبي سيعد قال ‏(‏جاء أعرابي إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يتقاضاه دينا كان عليه فأرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمر فنقضيك‏)‏‏.‏

مختصر لابن ماجه‏.‏

حديث أبي هريرة هو في الصحيحين بلفظ ‏(‏كان لرجل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حق فأغلظ له فهم به أصحابه فقال دعوه فإن لصاحب الحق مقالا فقال لهم اشتروا له سنا فأعطوه أياه فقالوا إنا لانجد إلا سنا هو خير سنه قال فاشتروه واعطوه أياه فإن من خيركم أو أخيركم أحسنكم قضاء‏)‏ وسيأتي ـ وفي الباب ـ عن العرباض بن سارية عند النسائي والبزار قال ‏(‏بعث النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بكرا وأتيته أتقاضاه فقلت أقضي ثمن بكري فقال لا أقضيك إلا نجيبة فدعاني فأحسن قضائي ثم جاء أعرابي فقال أقض بكرى فقضاه بعيرا‏)‏ وحديث أبي سعيد في إسناده عند ابن ماجه ابن أبي عبيده عن أبيه وهما ثقتان وبقية إسناده ثقات‏:‏ قوله ‏(‏أحاسنكم قضاء‏)‏ جمع أحسن‏.‏ ورواية الصحيحين ‏(‏أحسنكم‏)‏ كما سلف وهو الفصيح‏.‏ ووقع في رواية لأبي داود محاسنكم بالميم كمطلع ومطالع‏:‏ قوله ‏(‏بكرا‏)‏ بفتح الباء الموحدة وهو الفتى من الأبل‏.‏ قال الخطابي هو من الأبل بمنزلة الغلام من الذكور والقلوص بمنزلة الجارية من الإناث‏:‏ قوله ‏(‏رباعيا‏)‏ بفتح الراء وتخفيف الموحدة وهوالذي استكمل ست سنين ودخل في السابعة ـ وفي الحديثين ـ دليل على جواز الزيادة على مقدار القرض من المستقرض وسيأتي الكلام على ذلك‏.‏ قال الخطابي وفي حديث أبي رافع من الفقه جواز تقديم الصدقة قبل محلها وذلك لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لا تحل له الصدقة فلا يجوز أن يقضي من إبل الصدقة شيئا كان استسلفه لنفسه فدل على أنه استسلفه لأهل الصدقة من أرباب المال وهذا استدلال الشافعي ـ وقد اختلف ـ العلماء في جواز تقديم الصدقة عن محل وقتها فأجازه الأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وابن حنبل وابن راهويه‏.‏ وقال الشافعي يجوز أن يعجل الصدقة سنة واحدة وقال الشافعي لا يجوز أن يخرجها قبل حلول الحول وكرهه سفيان النوري وقد تقدم في الزكاة ذكر ما يدل على الجواز ـ وفي الحديثين ـ أيضا جواز قرض الحيوان وهو مذهب الجمهور ومنع ذلك الكوفيون والهادوية قالوا لأنه نوع من البيع مخصوص وقد نهى صلى اللّه عليه وآله وسلم عن بيع الحيوان كما سلف‏.‏ ويجاب بأن الاحاديث متعارضة في المنع من بيع الحيوان بالحيوان والجواز وعلى تسليم أن المنع هو الراجح فحديث أبي هريرة وأبي رافع والعرباض بن سارية مخصصة لعموم النهي ـ وأما الاستدلال ـ على المنع بأن الحيوان مما يعظم فيه التفاوت فممنوع وقد استثنى مالك والشافعي وجماعة من العلماء قرض الولائد فقالوا لا يجوز لأنه يؤدي إلى عارية الفرج وأجاز ذلك مطلقا داود والطبري والمزني ومحمد بن داود وبعض الخراسانيين وأجازه بعض المالكية بشرط أن يرد غيره ما استقرضه‏.‏ وأجازه بعض أصحاب الشافعي وبعض المالكية فيمن يحرم وطؤه على المستقرض وقد حكى إمام الحرمين عن السلف والغزالي عن الصحابة النهي عن قرض الولائد‏.‏ وقال ابن حزم ما نعلم في هذا أصلا من كتاب ولا رواية صحيحة ولا سقيمة ولا من قول صاحب ولا إجماع ولا قياس اه وحديث أبي سعيد المذكور فيه دليل على أنه يجوز لمن عليه دين أن يقضيه بدين آخر ولا خلاف في جواز ذلك فيما أعلم‏.‏

 باب جواز الزيادة عند الوفاء والنهي عنها قبله

1 - عن أبي هريرة قال ‏(‏كان لرجل على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سن من الإبل فجاء يتقاضاه فقال اعطوه فطلبوا سنه فلم يجدوا إلا سنا فوقها فقال أعطوه فقال أوفيتني أوفاك اللّه فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إن خيركم أحسنكم قضاء‏)‏‏.‏

2 - وعن جابر قال ‏(‏أتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وكان لي عليه دين فقضاني وزادني‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

3 - وعن أنس ‏(‏وسئل الرجل منا يقرض أخاه المال فيهدي إليه فقال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا أقرض أحدكم قرضا فاهدي إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله الا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

4 - وعن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏إذا أقرض فلا يأخذ هدية‏)‏‏.‏

رواه البخاري في تاريخه‏.‏

5 - وعن بن أبي موسى قال ‏(‏قدمت المدينة فلقيت عبد اللّه ابن سلام فقال لي إنك بأرض فيها الربا فاش فإذا كان لك على رجل حق فأهدي إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا‏)‏‏.‏

رواه البخاري في صحيحه‏.‏

حديث أنس في إسناده يحيى بن أبي إسحاق الهنائي وهو مجهول وفي إسناده أيضا عتبة بن حميد الضبي وقد ضعفه أحمد والراوي عنه إسماعيل بن عياش وهو ضعيف قوله ‏(‏سن‏)‏ أي جمل هل سن معين وفي حديث أبي هريرة دليل على جواز المطالبة بالدين إذا حل أجله وفيه أيضا دليل على حسن خلق النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وتواضعه وانصافه‏.‏ وقد وقع في بعض ألفاظ الصحيح ‏(‏أن الرجل أغلظ على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فهم به أصحابه فقال دعوه فإن لصاحب الحق مقالا‏)‏ كما تقدم وفيه دليل على جواز قرض الحيوان وقد تقدم الخلاف في ذلك‏.‏ وفيه جواز رد ما هو أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد وبه قال الجمهور وعن المالكية إن كانت الزيادة بالعدد لم يجز وإن كانت بالوصف جازت وبرد عليهم حديث جابر المذكور في الباب فإنه صرح بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم زاده والظاهر أن الزيادة كانت في العدد وقد ثبت في رواية للبخاري إن الزيادة كانت قيراطا وأما إذا كانت الزيادة مشروطة في العقد فتحرم اتفاقا ولا يلزم من جواز الزيادة في القضاء على مقدار الدين جواز الهدية ونحوها قبل القضاء لأنها بمنزلة الرشولة فلا تحل كم يدل على ذلك حديثا أنس المذكوران في الباب وأثر عبد اللّه بن سلام ـ والحاصل ـ أن الهدية والعارية ونحوهما إذا كانت لأجل التنقيس في أجل الدين أو لأجل رشوة صاحب الدين أو لأجل أن يكون لصاحب الدين منفعة في مقابل دينه فذلك محرم لأنه نوع من الربا أو رشوة وإن كان ذلك لأجل عادة جارية بين المقرض والمستقرض قبل التداين فلا بأس وإن لم يكن ذلك لغرض أصلا فالظاهر المنع لإطلاق النهي عن ذلك وأما الزيادة على مقدار الدين عند القضاء بغير شرط ولا اضمار فالظاهر الجواز من غير فرق بين الزيادة في الصفة والمقدار والقليل والكثير لحديث أبي هريرة وأبي رافع والعرباض وجابر بل مستحب‏.‏ قال المحاملي وغيره من الشافعية يستحب للمستقرض أن يرد أجود مما أخذ للحديث الصحيح في ذلك يعين قوله ‏(‏إن خيركم أحسنكم قضاء‏)‏ ومما يدل على عدم حل القرض الذي يجر إلى المقرض نفعا ما أخرجه البيهقي في المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفا بلفظ ‏(‏كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا‏)‏ ورواه في السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبيّ بن كعب وعبد اللّه بن سلام وابن عباس موقوفا عليهم‏.‏ ورواه الحرث بن أبي أسامة من حديث علي عليه السلام بلفظ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن قرض جر منفعة‏)‏ وفي رواية ‏(‏كل قرض حر منفعة فهو ربا‏)‏ وفي إسناده سوار بن مصعب وهو متروك قال عمر بن زيد في المغنى لم يصح فيه شيء ووهم إمام الحرمين والغزالي فقالا أنه صح ولاخبرة لهما بهذا الفن وأما إذا قضى المقترض المقرض دون حقه وحللّه من البقية كان ذلك جائزا وقد استدل البخاري على جواز ذلك بحديث جابر في دين أبيه وفيه ‏(‏فسألهم أن يقبلوا ثمرة حائطي ويحللوا أبي‏)‏ وفي رواية للبخاري أيضا ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سأل له غريمه في ذلك‏)‏ قال ابن بطال لا يجوز أن يقضي دون الحق بغير محاللة ولو حللّه من جميع الدين جاز عند العلماء فكذلك إذا حللّه من بعضه اه قوله ‏(‏أوحمل قت‏)‏ بفتح القاف وتشديد التاء المثناة وهو الجاف من النبات المعروف بالفصفصة بكسر الفاءين وأهمال الصادين فما دام رطبا فهو الفصفصة فإذا جف فهو القت والفصفصة هي القضب المعروف وسمي بذلك لانه يجز ويقطع والقت كلمة فارسية عربت فإذا الفصفصة كبست وضم بعضها على بعض إلى أن تجف وتباع لعلف الدواب كما في بلاد مصر ونواحيها‏.‏

 كتاب الرهن

1 - عن أنس قال ‏(‏رهن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم درعا عند يهودي بالمدينة وأخذ منه شعيرا لأهله‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه‏.‏

2 - وعن عائشة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اشترى طعاما من يهودي إلى أجل ورهنه درعا من حديد‏)‏ وفي لفظ ‏(‏توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير‏)‏‏.‏

أخرجاهما‏.‏ولأحمد والنسائي وابن ماجه مثله من حديث ابن عباس وفيه من الفقه جواز الرهن في الحضر ومعاملة أهل الذمة‏.‏

حديث ابن عباس أخرجه ايضا الترمذي وصححه‏.‏ وقال صاحب الاقتراح هو على شرط البخاري‏:‏ قوله ‏(‏رهن‏)‏ الرهن بفتح أوله وسكون الهاء في اللغة الأحتباس من قولهم رهن الشيء إذا دام وثبت ومنه ‏{‏كل نفس بما كسبت رهينة‏}‏ وفي الشرع جعل مال وثيقة على دين ويطلق أيضا على العين المرهونة تسمية للمفعول به باسم المصدر‏.‏ وأما الرهن بضمتين فالجمع ويجمع أيضا على رهان بكسر الراء ككتب وكتاب وقرئ بهما‏.‏ قوله ‏(‏عند يهودي‏)‏ هو أبو الشحم كما بينه الشافعي والبيهقي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رهن درعا له عند أبي الشحم اليهودي رجل من بني ظفر في شعير‏)‏ اه وأبو الشحم بفتح المعجمة وسكون المهملة كنيته وظفر بفتح الظاء والفاء بطن من الأوس وكان حليفا لهم وضبطه بعض المتأخرين بهمزة ممدودة وموحدة مكسورة اسم فاعل من الأباء وكأنه التبس عليه بأبي اللحم الصحابي‏:‏ قوله ‏(‏بثلاثين صاعا من شعير‏)‏ في رواية الترمذي والنسائي من هذا الوجه بعشرين ولعله صلى اللّه عليه وآله وسلم رهنه أول الأمر في عشرين ثم استزاده عشرة فرواه الراوي تارة على ما كان الرهن عليه أولا وتارة على ما كان عليه آخرا‏.‏ وقال في الفتح لعله كان دون الثلاثين فجبر الكسر تارة والغى الجبر أخرى‏:‏ ووقع لابن حبان عن أنس أن قيمة الطعام كانت دينارا وزاد أحمد في رواية فما وجد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ما يفتكها به حتى مات ـ والأحاديث ـ المذكورة فيها دليل على مشروعية الرهن وهو مجمع على جوازه وفيها أيضا دليل على صحة الرهن في الحضر وهو قول الجمهور والتقييد بالسفر في الآية خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له لدلالة الأحاديث على مشروعيته في الحضر وأيضا السفر مظنة فقد الكاتب فلا يحتاج إلى الرهن غالبا الا فيه‏.‏ وخالف مجاهد والضحاك فقالا لا يشرع الا في السفر حيث لا يوجد الكاتب وبه قال داود وأهل الظاهر والأحاديث ترد عليهم وقال ابن حزم إن شرط المرتهن الرهن في الحضر لم يكن له ذلك وإن تبرع به الراهن جاز وحمل أحاديث الباب على ذلك وفيها أيضا دليل على جواز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم العين المتعامل فيها وجواز رهن السلاح عند أهل الذمة لا عند أهل الحرب بالأتفاق وجواز الشراء بالثمن المؤجل وقد تقدم تحقيق ذلك‏.‏ قال العلماء والحكمة في عدوله صلى اللّه عليه وآله وسلم عن معاملة سير الصحابة إلى معاملة اليهود إما بيان الجواز أو لانهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل عن حاجتهم أو خشي أنهم لا يأخذون منه ثمنا أو عوضا فلم يرد التضييق عليهم‏.‏

3 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏أنه كان يقول الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي‏.‏ وفي لفظ ‏(‏إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقته‏)‏ رواه أحمد‏.‏

الحديث له ألفاظ منا ما ذكره المصنف‏.‏ومنها بلفظ ‏(‏الرهن مركوب ومحلوب‏)‏ رواه الدارقطني والحاكم وصححه من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا‏.‏ قال الحاكم لم يخرجاه لأن سفيان وغيره وقفوه على الأعمش وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على الأعمش وغيره ورجح الموقوف وبه جزم الترمذي وقال ابن أبي حاتم قال أبي رفعة يعني أبا معاوية مرة ثم ترك الرفع بعد روجح البيهقي أيضا الوقف‏:‏ قوله ‏(‏الظهر‏)‏ أي ظهر الدابة‏.‏ قوله ‏(‏يركب‏)‏ بضم أوله على البناء للمجهول لجميع الرواة كما قال الحافظ وكذلك يشرب وهو خبر في معنى الأمر كقوله تعالى ‏{‏والولدات يرضعن‏}‏ وقد قيل إن فاعل الركوب والشرب لم يتعين فيكون الحديث مجملا وأجيب بأنه لا إجمال بل المراد المرتهن بقرينة إن انتفاع الراهن بالعين المرهونة لأجل كونه مالكا والمراد هنا الانتفاع في مقابلة النفقة وذلك يختص بالمرتهن كما وقع التصريح بذلك في الرواية الأخرى‏.‏ ويؤيده ما وقع عند حماد بن سلمة في جامعه بلفظ ‏(‏إذا أرتهن شاة شرب المرتهن من لبنها بقدر علفها فإن استفصل من اللبن بعد ثمن العلف فهو ربا‏)‏ ففيه دليل على أنه يجوز للمرتهن الأنتفاع بالرهن إذا قام بما يحتاج إليه ولو لم يأذن المالك وبه قال أحمد وإسحاق والليث والحسن وغيرهم وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء لا ينتفع المرتهن من الرهن بشيء بل الفوائد للراهن والمؤن عليه قالوا والحديث رد على خلاف القياس من وجهين أحدهما التجويز لغير المالك أن يركب ويشرب بغير أذنه‏.‏ والثاني تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة‏.‏ قال ابن عبد البر هذا الحديث عند جمهور الفقهاء ترده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها ويدل على نسخه حديث ابن عمر عند البخاري وغيره بلفظ ‏(‏لاتحلب ماشية امرئ بغير إذنه‏)‏ ويجاب عن دعوى مخالفة هذا الحديث الصحيح للأصول بأن السنة الصحيحة من جملة الأصول فلا ترد الا بمعارض أرجح منها بعد تعذر الجمع‏.‏ وعن حديث ابن عمر بأنه عام وحديث الباب خاص فيبنى العام على الخاص والنسخ لا يثبت إلا بدليل يقضي بتأخر الناسخ على وجه يتعذر معه الجمع لا بمجرد الاحتمال مع الإمكان‏.‏ وقال الأوزاعي والليث وأبو ثور أنه يتعين حمل الحديث على ما إذا امتنع الراهن من الأتفاق على المرهون فيباح حينئذ للمرتهن وأجود ما يحتج به للجمهور حديث أبي هريرة الآتي وستعرف الكلام عليه‏:‏ قوله ‏(‏الدر‏)‏ بفتح الدال المهملة وتشديد الراء مصدر بمعنى الدارة أي لبن الدابة ذات الضرع‏.‏ وقيل هو ههنا من إضافة الشيء إلى نفسه كقوله تعالى ‏{‏حب الحصيد‏}‏‏.‏

4 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه‏)‏‏.‏

رواه الشافعي والدارقطني وقال هذا إسناد حسن متصل‏.‏

الحديث أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وابن حبان في صحيحه وأخرجه أيضا ابن ماجه من طريق أخرى وصحح أبو داود والبزار والدارقطني وابن القطان إرساله عن سعيد بن المسيب بدون ذكر أبي هريرة‏.‏ قال في التلخيص وله طرق في الدارقطني والبيهقي كلها ضعيفة وقال في بلوغ المرام إن رجاله ثقات الا أن المحفوظ عند أبي داود وغيره إرساله اه وساقه ابن حزم من طريق قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا يحيى بن أبي طالب الأنطاكي وغيره من أهل الثقة حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي حدثنا شبابة عن روقاء عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏لا يغلق الرهن الرهن لمن رهنه له غنمه وعليه غرمه‏)‏ قال ابن حزم هذا إسناد حسن وتعقبه الحافظ بأن قوله نصر بن عاصم تصحيف وإنما هو عبد اللّه بن نصر الأصم الأنطاكي وله أحاديث منكرة‏.‏ وقد رواه الدارقطني عبد اللّه بن نصر المذكور وصحح هذه الطريق عبد الحق وصحح أيضا وصله ابن عبد البر وقال هذه اللفظة يعني له غنمه وعليه غرمه اختلف الرواة في رفعها ووقفها فرفعها ابن أبي ذئب ومعمر وغيرهما ووقفها غيرهم‏.‏ وقد روى ابن وهب هذا الحديث فجوده وبين إن هذه اللفظة من قول سعيد بن المسيب‏.‏ وقال أبو داود في المراسيل قوله ‏(‏له غنمه وعليه غرمه‏)‏ من كلام سعيد بن المسيب نقله عنه الزهري‏.‏ قوله ‏(‏لا يغلق الرهن‏)‏ يحتمل أن تكون لانافية ويحتمل أن تكون ناهية‏.‏ قال في القاموس غلق الرهن استحقه المرتهن وذلك إذا لم يفتكه في الوقت المشروط اه وقال الأزهري الغلق في الرهن ضد الفك فإذا فك الراهن الرهن فقد أطلقه من وثاقه عند مرتهنه‏.‏ وروى عبد الرزاق عن معمر أنه فسر غلاق الرهن بما إذا قال الرجل إن لم آتك بما لك فالرهن لك قال ثم بلغني عنه أنه قال إن هلك لم يذهب حق هذا إنما هلك من رب الرهن له غنمه وعليه غرمه‏.‏ وقد روى أن المرتهن في الجاهلية كان يتملك الرهن إذ لم يؤد الراهن إليه ما يستحقه في الوقت المضروب فأبطله الشارع‏:‏ قوله ‏(‏له غنمه وعليه غرمه‏)‏ فيه دليل لمذهب الجمهور المتقدم لأن الشارع قد جعل الغنم والغرم للراهن ولكنه قد اختلف في وصله وإرساله ورفعه ووقفه وذلك مما يوجب عدم انتهاضه لمعارضة ما في صحيح البخاري وغيره كما سلف‏.‏