فصل: باب ما يثبت به الصوم والفطر من الشهود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب زكاة الفطر

عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين‏)‏‏.‏ رواه الجماعة ولأحمد والبخاري وأبو داود‏.‏ وكان ابن عمر يعطي التمر إلا عامًا واحدًا أعوز التمر فأعطى الشعير، وللبخاري‏:‏ وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين‏.‏

و‏(‏عن أبي سعيد قال‏:‏ كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب‏)‏‏.‏ أخرجاه، وفي رواية‏:‏ ‏(‏كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيب أو صاعًا من أقط فلم نزل كذلك حتى قدم علينا معاوية المدينة، فقال إني لأرى مدين من سمراء الشام يعدل صاعًا من تمر فأخذ الناس بذلك قال أبو سعيد فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه‏)‏، رواه الجماعة لكن البخاري لم يذكر فيه ‏(‏أبو سعيد فلا أزال‏)‏ إلخ، وابن ماجه لم يذكر لفظة ‏(‏أو في شيء منه‏)‏‏.‏ وللنسائي ‏(‏عن أبي سعيد قال‏:‏ فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعًا من طعام أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط‏)‏ وهو حجة في أن الأقط أصل، وللدارقطني عن ابن عيينة عن ابن عجلان ‏(‏عن عياض بن عبد الله بن أبي سعيد قال‏:‏ ما أخرجنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صاعًا من دقيق، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من سلت، أو صاعًا من زبيب، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من أقط‏)‏، فقال ابن المديني لسفيان يا أبا محمد إن أحدًا لا يذكر في هذا الدقيق، فقال بلى هو فيه‏.‏ رواه الدارقطني واحتج به أحمد على إجزاء الدقيق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرض‏)‏ فيه دليل على أن صدقة الفطر من الفرائض، وقد نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على ذلك ولكن الحنفية يقولون بالوجوب دون الفرضية على قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب قالوا إذ لا دليل قاطع تثبت به الفرضية‏.‏ قال الحافظ وفي نقل الإجماع نظر لأن إبراهيم بن علية وأبا بكر بن كسيان الأصم قالا إن وجوبها نسخ‏.‏ واستدل لهما بما روى النسائي وغيره عن قيس بن عبادة قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله‏.‏ قال وتعقب بأن في إسناده راويًا مجهولًا، وعلى تقدير الصحة فلا دليل فيه على النسخ لاحتمال الاكتفاء بالأمر الأول، لأن نزول فرض لا يوجب سقوط فرض آخر‏.‏ ونقل المالكية عن أشهب أنها سنة مؤكدة وهو قول بعض أهل الظاهر وابن اللبان من الشافعية قالوا ومعنى قوله‏:‏ في الحديث فرض أي قدر وهو أصله في اللغة كما قال ابن دقيق العيد لكن نقل في عرف الشرع إلى الوجوب فالحمل عليه أولى‏.‏ وقد ثبت أن قوله‏:‏ تعالى‏:‏ ‏{‏قد أفلح من تزكى‏}‏ نزلت في زكاة الفطر كما روى ذلك ابن خزيمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏زكاة الفطر‏)‏ أضيفت الزكاة إلى الفطر لكونها تجب بالفطر من رمضان كذا قال في الفتح‏.‏ وقال ابن قتيبة والمراد بصدقة الفطر صدقة النفوس مأخوذ من الفطرة التي هي أصل الخلقة‏.‏ قال الحافظ والأول أظهر‏.‏ ويؤيده قوله‏:‏ في بعض طرق الحديث زكاة الفطر في رمضان‏.‏ وقد استدل بقوله‏:‏ زكاة الفطر على أن وقت وجوبها غروب الشمس ليلة الفطر، لأنه وقت الفطر من رمضان وقيل وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم العيد لأن الليل ليس محلًا للصوم، وإنما يتبين الفطر الحقيقي بالأكل بعد طلوع الفجر والأول قول الثوري وأحمد وإسحاق والشافعي في الجديد وإحدى الروايتين عن مالك، والثاني قول أبي حنيفة والليث والشافعي في القديم والرواية الثانية عن مالك وبه قال الهادي والقاسم والناصر والمؤيد بالله، ويقويه قوله‏:‏ في حديث ابن عمر الآتي أمر بزكاة الفطر أن تؤدي قبل خروج الناس إلى الصلاة ولكنها لم تقيد القبلية بكونها في يوم الفطر‏.‏ قال ابن دقيق العيد الاستدلال بقول زكاة الفطر في الوقت ضعيف، لأن الإضافة إلى الفطر لا تدل على وقت الوجوب بل تقتضي إضافة هذا الزكاة إلى الفطر من رمضان، وأما وقت الوجوب فيطلب من أمر آخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير‏)‏ قال في الفتح انتصب صاعًا على التمييز أو أنه مفعول ثان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على العبد والحر‏)‏ ظاهره يدل على أن العبد يخرج عن نفسه ولم يقل به إلا أبو داود فقال يجب على السيد أن يمكن عبده من الاكتساب لها، ويدل على ما ذهب إليه الجمهور كون الوجوب على السيد حديث ‏(‏ليس على المرء في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر‏)‏ ولفظ مسلم ‏(‏ليس في العبد صدقة إلى صدقة الفطر‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الذكر والأنثى‏)‏ ظاهره وجوبها على المرء سواء كان لها زوج أم لا وبه قال الثوري وأبو حنيفة وابن المنذر‏.‏ وقال مالك والشافعي والليث وأحمد وإسحاق تجب على زوجها تبعًا للنفقة‏.‏ قال الحافظ وفيه نظر لأنهم قالوا إن أعسر وكانت الزوجة أمة وجبت فطرتها على السيد بخلاف النفقة فافترقا‏.‏ واتفقوا على أن المسلم لا يخرج عن زوجته الكافرة مع أن نفقتها تلزم وإنما احتج الشافعي بما رواه من طريق محمد بن الباقر مرسلًا أدوا صدقة الفطر عمن تمونون، وأخرجه البيهقي من هذا الوجه فزاد في إسناده ذكر علي وهو منقطع‏.‏ وأخرجه من حديث ابن عمر وإسناده ضعيف وأخرجه أيضًا عنه الدارقطني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والصغير والكبير‏)‏ وجوب فطرة الصغير في ماله والمخاطب بإخراجها وليه إن كان للصغير مال وإلا وجبت على من تلزمه نفقته وإلى هذا ذهب الجمهور‏.‏ وقال محمد بن الحسن هي على الأب مطلقًا فإن لم يكن له أب فلا شيء عليه‏.‏ وعن سعيد بن المسيب والحسن البصري لا تجب إلا على من صام‏.‏ واستدل لهما بحديث ابن عباس الآتي بلفظ ‏(‏صدقة الفطر طهرة للصائم‏)‏ قال في الفتح وأجيب بأن ذكر التطهير خرج مخرج الغالب كما أنها تجب على من لا يذنب كتحقق الصلاح أو من أسلم قبل غروب الشمس بلحظة قال فيه‏.‏ ونقل ابن المنذر الإجماع على أنها لا تجب على الجنين وكان أحمد يستحبه ولا يوجبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من المسلمين‏)‏ فيه دليل على اشتراط الإسلام في وجوب الفطرة فلا تجب على الكافر‏.‏ قال الحافظ وهو أمر متفق عليه وهل يخرجها عن غيره كمستولدته المسلمة نقل ابن المنذر فيه الإجماع على عدم الوجوب لكن فيه وجه للشافعية ورواية عن أحمد، وهل يخرجها المسلم عن عبده الكافر‏؟‏ قال الجمهور لا خلافًا لعطاء والنخعي والثوري والحنفية وإسحاق، واستدلوا بقوله‏:‏ صلى الله عليه وسلم ‏(‏ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر‏)‏ ‏.‏ وأجاب الجمهور بأنه يبني عموم قوله‏:‏ في عبده على خصوص قوله‏:‏ من المسلمين في حديث الباب، ولا يخفى أن قوله‏:‏ من المسلمين أعم من قوله‏:‏ في عبده من وجه وأخص من وجه فتخصيص أحدهما بالآخر تحكم، ولكنه اعتبار الإسلام ما عند مسلم بلفظ ‏(‏على كل نفس من المسلمين حر أو عبد‏)‏‏.‏ واحتج بعضهم على وجوب إخراجها عن العبد بأن ابن عمر راوي عنهم تطوعًا ولا مانع منه‏.‏ وظاهر الأحاديث عدم الفرق بين أهل البادية وغيرهم وإليه ذهب الجمهور‏.‏ وقال الزهري وربيعة والليث إن زكاة الفطر تختص بالحاضرة ولا تجب على أهل البادية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أعوز التمر‏)‏ بالمهملة والزاي أي احتاج يقال أعوزني الشيء إذا احتجت إليه فلم أقدر عليه‏.‏ وفيه دليل على أن التمر أفضل ما يخرج في صدقة الفطر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بيوم أو يومين‏)‏ فيه دليل على جواز تعجيل الفطرة قبل يوم الفطر‏.‏ وقد جوزه الشافعي من أول رمضان وجوزه الهادي والقاسم وأبو حنيفة وأبو العباس وأبو طالب ولو إلى عامين عن البدن الموجود‏.‏ وقال الكرخي وأحمد بن حنبل لا تقدم على وقت وجوبها إلا ما يغتفر كيوم أو يومين‏.‏ وقال مالك والناصر والحسن بن زياد لا يجوز التعجيل مطلقًا كالصلاة قبل الوقت‏.‏ وأجاب عنهم في البحر بأن ردها إلى الزكاة أقرب‏.‏ وحكى الإمام يحيى إجماع السلف على جواز التعجيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صاعًا من طعام‏)‏ إلخ ظاهره المغايرة بين الطعام وبين ما ذكره بعده‏.‏ وقد حكى الخطابي أن المراد بالطعام هنا الحنطة وأنه اسم خاص له قال هو وغيره قد كانت لفظة الطعام تستعمل في الحنطة عند الإطلاق حتى إذا قيل اذهب إلى سوق الطعام فهم منه سوق القمح وإذا غلب العرف نزل اللفظ عليه لأنه لما غلب استعمال اللفظ فيه كان خطورة عند الإطلاق أغلب‏.‏ قال في الفتح وقد ورد ذلك ابن المنذر وقال ظن بعض أصاحبنا أن قوله‏:‏ في حديث أبي سعيد ‏(‏صاعًا من طعام‏)‏ حجة لمن قال صاع من حنطة وهذا غلط منه وذلك أن أبا سعيد أجمل الطعام ثم فسره ثم أورد حفص بن ميسرة عند البخاري وغيره ‏(‏أن أبا سعيد قال كنا نخرج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعًا من طعام قال أبو سعيد وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط‏)‏ وهي ظاهرة فيما قال، وأخرج الطحاوي نحوه من طريق أخرى وأخرج ابن خزيمة والحاكم في صحيحهما أن أبا سعيد قال لما ذكروا عنده صدقة رمضان لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاع تمر أو صاع حنطة أو صاع شعير أو صاع أقط، فقال له رجل من القوم أو مدين من قمح فقال لا تلك قمية معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها‏.‏ قال ابن خزيمة ذكر إلخ، إذ لو كان أبو سعيد أخبر أنهم كانوا يخرجون منها صاعًا، لما قال الرجل أو مدين من قمح‏.‏ وقد أشار أيضًا أبو داود إلى أن ذكر الحنطة فيه غير محفوظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى قدم معاوية‏)‏ زاد مسلم ‏(‏حاجًا أو معتمرًا أو كلم الناس على المنبر‏)‏ وزاد ابن خزيمة ‏(‏وهو يومئذ خليفة‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمراء الشام‏)‏ بفتح السين وإسكان الميم وبالمد هي القمح الشامي‏.‏ قال النووي تمسك بقول معاوية من قالوا بالمدين من الحنطة وفيه نظر لأنه فعل صحابي قد خالف فيه أبو سعيد وغيره ممن هو أطول صحبة منه‏,‏ وأعلم بحال النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صرح بأنه رأي رآه لا أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال ابن المنذر لا نعلم في القمح خبرًا ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه ولم يكن البر بالمدينة في ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه فلما كثر في زمن الصحابة رأوا أن نصف صاع منه يقوم مقام صاع من الشعير وهم الأئمة، فغير جائز أن يعدل عن قوله‏:‏م إلا إلى قول مثلهم، ثم أسند عن عثمان وعلي وأبي هريرة وجابر وابن عباس وابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر بأسانيد قال الحافظ صحيحه أنهم رأوا أن في زكاة الفطر نصف صاع من قمح اهـ‏.‏ وهذا مصير منه إلى اختيار ما ذهب إليه الحنفية لكن حديث أبي سعيد دال على أنه لم يوافق على ذلك، وكذلك ابن عمر فلا إجماع في المسألة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يذكر لفظة أو‏)‏ يعني لم يذكر حرف التخيير في شيء من طرق الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو صاعًا من أقط‏)‏ بفتح الهمزة وكسر القاف وهو لبن يابس غير منزوع الزبد‏.‏ وقال الأزهري يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك حتى ينصل‏.‏ وقد اختلف في إجزائه على قولين أحدهما أنه لا يجزئ لأنه مقتات وبه قال أبو حنيفة إلا أنه أجاز إخراجه بدلًا عن القيمة على قاعدته‏.‏ والقول الثاني أنه يجزئ وبه قال مالك وأحمد وهو الراجح لهذا الحديث الصحيح من غير معارض‏.‏ وروي عن أحمد أنه يجزئ مع عدم وجدان غيره‏.‏ وزعم الماوردي أنه يجزئ عن أهل البادية دون أهل الحاضرة فلا يجزئ عنهم بلا خلاف، وتعقبه النووي فقال قطع الجمهور بأن الخلاف في الجميع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا صاعًا من دقيق‏)‏ ذكر الدقيق ثابت في سنن أبي داود من حديث أبي سعيد أيضًا، ولكنه قال أبو داود إن ذكر الدقيق وهم من ابن عيينة وقد روى ذلك ابن خزيمة من حديث ابن عباس قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤدى زكاة رمضان صاعًا من طعام عن الصغير والكبير والحر والمملوك، من أدى سلتًا قبل منه وأحسبه قال من أدى دقيقًا قبل منه ومن أدى سويقًا قبل منه‏.‏ ورواه الدارقطني ولكن قال ابن أبي حاتم سألت أبي عن هذا الحديث فقال منكر لأن ابن سيرين لم يسمع من ابن عباس‏.‏ وقد استدل بذلك على جواز إخراج الدقيق كما يجوز إخراج السويق وبه قال أحمد وأبو القاسم الأنماطي إخراجه مما يكال وينتفع به الفقير وقد كفى فيه الفقير مؤنة الطحن‏.‏ وقال الشافعي ومالك إنه لا يجزئ إخراجه لحديث ابن عمر المتقدم ولأن منافعه قد نقصت والنص ورد في الحب وهو يصلح لما لا يصلح له الدقيق والسويق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من سلت‏)‏ بضم السين المهملة وسكون اللام بعدها مثناة فوقية نوع من الشعير وهو كالحنطة في ملاسته وكالشعير في برودته وطبعه‏.‏ والروايات المذكورة في الباب تدل على أن الواجب من هذه الأجناس المنصوصة في الفطرة صاع ولا خلاف في ذلك إلا في البر والزبيب‏.‏ وقد ذهب أبو سعيد وأبو العالية وأبو الشعثاء والحسن البصري وجابر بن زيد والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والهادي والقاسم والناصر والمؤيد بالله إلى أن البر والزبيب كذلك يجب من كل واحد منهما صاع وقال من تقدم ذكره من الصحابة في كلام ابن المنذر وزاد في البحر أبا بكر وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وزيد بن علي والإمام يحيى أن الواجب نصف صاع منهما‏.‏ والقول الأول أرجح لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر صاعًا من طعام والبر مما يطلق عليه اسم الطعام إن لم يكن معهودًا عندهم غالبه فيه كما تقدم وتفسيره بغير البر إنما هو لما تقدم من أنه لم يكن معهودًا عندهم فلا يجزئ دون الصاع منه‏.‏ ويمكن أن يقال إن البر على تسليم دخوله تحت لفظ الطعام مخصص بما أخرجه الحاكم من حديث ابن عباس مرفوعًا بلفظ ‏(‏صدقة الفطر مُدّان من قمح‏)‏ وأخرج نحوه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا أيضًا وأخرج نحوه الدارقطني من حديث عصمة بن مالك وفي إسناده الفضل ابن المختار وهو ضعيف‏.‏ وأخرج أبو داود والنسائي عن الحسن مرسلًا بلفظ ‏(‏فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الصدقة صاعًا من تمر أومن شعير أو نصف صاع من قمح‏)‏ وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن ثعلبة أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صغير بلفظ ‏(‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاع من بر أو قمح عن كل اثنين‏)‏ وأخرج سفيان الثوري في جامعه عن علي عليه السلام موقوفًا بلفظ نصف صاع بر وهذه تنتهض بمجموعها للتخصيص‏.‏ وحديث أبي سعيد الذي فيه التصريح بالحنطة قد تقدم ما فيه على أنه لم يذكر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك‏.‏

وعن ابن عمر ‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة‏)‏‏.‏ رواه الجماعة إلا ابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قبل خروج الناس إلى الصلاة‏)‏ قال ابن التين أي قبل خروج الناس إلى صلاة العيد وبعد صلاة الفجر‏.‏ قال ابن عيينة في تفسيره عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال يقدم الرجل زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته فإن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏قد أفلح من تزكى ‏.‏ وذكر اسم ربه فصلى‏}‏ ولابن خزيمة من طريق كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية فقال نزلت في زكاة الفطر وحمل الشافعي التقييد بقبل صلاة العيد على الاستحباب لصدق يوم على جميع النهار‏.‏ وقد رواه أبو معشر عن نافع ابن عمر بلفظ ‏(‏كان يأمرنا أن نخرجها قبل أن نصلي فإذا انصرف قسمه بينهم وقال أغنوهم عن الطلب‏)‏ أخرجه سعيد بن منصور ولكن أبو معشر ضعيف‏.‏ ووهم ابن العربي في عزوه هذه الزيادة لمسلم‏.‏

ـ وقد استدل ـ بالحديث على كراهة تأخيرها عن الصلاة وحمله ابن حزم على التحريم‏.‏

وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمةً للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات‏)‏‏.‏ رواه أبو داود وابن ماجه‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الدارقطني والحاكم وصححه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏طهرة‏)‏ أي تطهير لنفس من صام رمضان من اللغو وهو ما لا ينعقد عليه القلب من القول والرفث‏.‏ قال ابن الأثير الرفث هنا هو الفحش من الكلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وطعمة‏)‏ بضم الطاء وهو الطعام الذي يؤكل‏.‏ وفيه دليل على أن النظرة تصرف في المساكين دون غيرهم من مصارف الزكاة كما ذهب إليه الهادي والقاسم وأبو طالب‏.‏ وقال المنصور بالله هي كالزكاة فتصرف في مصارفها وقواه المهدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أداها قبل الصلاة‏)‏ أي قبل صلاة العيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهي زكاة مقبولة‏)‏ المراد بالزكاة صدقة الفطر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهي صدقة من الصدقات‏)‏ يعني التي يتصدق بها في سائر الأوقات وأمر القبول فيها موقوف على مشيئة الله تعالى والظاهر أن من أخرج الفطرة بعد صلاة العيد كان كمن لم يخرجها باعتبار اشتركهما في ترك هذه الصدقة الواجبة وقد ذهب الجمهور إلى أن إخراجها قبل صلاة العيد إنما هو مستحب فقط وجزموا بأنها تجزئ إلى آخر يوم الفطر والحديث يرد عليهم‏.‏ وأما تأخيرها عن يوم العيد فقال ابن رسلان، إنه حرام بالاتفاق لأنها زكاة فوجب أن يكون في تأخيرها إثم كما في إخراج الصلاة عن وقتها‏.‏ وحكي في البحر عن المنصور بالله أن وقتها إلى آخر اليوم الثالث من شهر شوال‏.‏

وعن إسحاق بن سليمان الرازي قال‏:‏ قلت لمالك بن أنس أبا عبد الله كم قدر صاع النبي صلى الله عليه وسلم قال خمسة أرطال وثلث بالعراقي أنا حزرته فقلت أبا عبد الله خالفت شيخ القوم‏.‏ قال من هو‏؟‏ قلت أبو حنيفة يقول ثمانية أرطال، فغضب غضبًا شديدًا ثم قال لجلسائنا، يا فلان هات صاع جدك، يا فلان هات صاع عمك، يا فلان هات صاع جدتك، قال إسحاق فاجتمعت آصع، فقال من يحفظون في هذا حدثني أبي عن أبيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال هذا حدثني أبي عن أخيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر حدثني أبي عن أمه أنها أدت بهذا الصاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال مالك أنا حزرت هذه فوجدتها خمسة أرطال وثلثًا‏.‏ رواه الدارقطني‏.‏

هذه القصة مشهورة أخرجها أيضًا البيهقي بإسناد جيد، وقد أخرج ابن خزيمة والحاكم من طريق عروة عن أسماء بنت أبي بكر أمه أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد الذي يقتات به أهل المدينة‏.‏ وللبخاري عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يعطى زكاة رمضان عند النبي صلى الله عليه وسلم بالمد الأول ولم يختلف أهل المدينة في الصاع وقدره من لدن الصحابة إلى يومنا هذا أنه كما قال أهل الحجاز خمسة أرطال وثلث بالعراقي‏.‏ وقال العراقيون من منهم أبو حنيفة أنه ثمانية أرطال وهو قول مردود تدفعه هذه القصة المسندة إلى صيعان الصحابة التي قررها النبي صلى الله عليه وسلم وقد رجع أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم صاحب أبي حنيفة بعد هذه الواقعة إلى قول مالك وترك قول أبي حنيفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنا حزرته‏)‏ بالحاء المهملة المفتوحة بعدها زاي مفتوحة ثم راء ساكنة أي قدرته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آصع‏)‏ جمع صاع قال في البحر والصاع أربعة أمداد إجماعًا‏.‏

‏[‏فائدة‏]‏ وقد اختلف في القدر الذي يعتبر ملكه لمن تلزمه فقال الهادي والقاسم وأحد قولي المؤيد بالله إنه يعتبر أن يملك قوت عشرة أيام فاضلًا عما استثنى للفقير وغير الفطرة لما أخرجه أبو داود في حديث ابن أبي صعير عن أبيه في رواية بزيادة غني أو فقير بعد حر أو عبد‏.‏ ويجاب عن هذا الدليل بأنه وإن أفاد عدم اعتبار الغنى الشرعي فلا يفيد اعتبار ملك قوت عشر‏.‏ وقال زيد بن علي وأبو حنيفة وأصحابه إنه يعتبر أن يكون المخرج غنيًا غنىً شرعيًا واستدل لهم في البحر بقوله‏:‏ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنما الصدقة ما كانت عن ظهر غنى‏)‏ وبالقياس على زكاة المال‏.‏ ويجاب بأن الحديث لا يفيد المطلوب لأنه بلفظ ‏(‏خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى‏)‏ كما أخرجه أبو داود معارض أيضًا بما أخرجه أبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة مرفوعًا ‏(‏أفضل الصدقة جهد المقل‏)‏ وما أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة مرفوعًا ‏(‏أفضل الصدقة سر إلى فقير وجهد من مقل‏)‏ وفسره في النهاية بقدر ما يحتمل حال قليل المال‏.‏ وما أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه واللفظ له والحاكم وقال على شرط مسلم من حديث أبي هريرة قال ‏(‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ سبق درهم مائة ألف درهم فقال رجل وكيف ذاك يا رسول الله قال رجل له مال كثير أخذ من عرضه مائة ألف درهم فتصدق بها ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدق فهذا تصدق بنصف ماله‏)‏ الحديث وأما الاستدلال بالقياس فغير صحيح لأنه قياس مع الفارق إذ وجوب الفطرة متعلق بالأبدان والزكاة والأموال، وقال مالك والشافعي وعطاء وأحمد بن حنبل وإسحاق والمؤيد بالله في أحد قوليه إنه يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكًا لقوت يوم وليلة لما تقدم من أنها طهرة للصائم‏.‏ ولا فرق بين الغني والفقير في ذلك‏.‏ ويؤيد ذلك ما تقدم من تفسيره صلى الله عليه وسلم من لا يحل له السؤال بمن يملك ما يغديه ويعشيه وهذا هو الحق لأن النصوص أطلقت ولم تخص غنيًا ولا فقيرًا ولا مجال للاجتهاد في تعيين المقدار الذي يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكًا له ولا سيما والعلة التي شرعت لها الفطرة موجودة في الغني والفقير وهي التطهر من اللغو والرفث واعتبار كونه واجدًا لقوت يوم وليلة أمر لا بد منه لأن المقصود من شرع الفطرة إغناء الفقراء في ذلك اليوم كما أخرجه البيهقي والدارقطني عن ابن عمر قال ‏(‏فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر وقال أغنوهم في هذا اليوم‏)‏ وفي رواية للبيهقي أغنوهم عن طواف هذا اليوم وأخرجه أيضًا ابن سعد في الطبقات من حديث عائشة وأبي سعيد فلو لم يعتبر في حق المخرج ذلك لكان ممن أمرنا بإغنائه في ذلك اليوم لا من المأمورين بإخراج الفطرة وإغناء غيره وبهذا يندفع ما اعترض به صاحب البحر عن أهل هذه المقالة من أنه يلزمهم إيجاب الفطرة على من لم يملك إلا دون قوت اليوم ولا قائل به‏.‏

 

كتاب الصيام

قال النووي في شرح مسلم والحافظ في الفتح الصيام في اللغة الإمساك‏.‏ وفي الشرع إمساك مخصوص في زمن مخصوص بشرائط انتهى‏.‏ وكان فرض صوم شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة‏.‏

 

باب ما يثبت به الصوم والفطر من الشهود

عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه‏)‏‏.‏ رواه أبو داود والدارقطني وقال تفرد به مروان بن محمد عن ابن وهب وهو ثقة ‏.‏

وعن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الهلال، يعني رمضان، فقال‏:‏ أتشهد أن لا إله إلا الله‏؟‏ قال نعم ، قال أتشهد أن محمدًا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدًا‏)‏‏.‏ رواه الخمسة إلا أحمد‏.‏ ورواه أبو داود أيضًا من حديث حماد بن سلمة عن سماك عن عكرمة مرسلًا بمعناه وقال‏:‏ ‏(‏فأمر بلالًا فنادى في الناس أن يقوموا وأن يصوموا‏)‏‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضًا الدارمي وابن حبان والحاكم وصححاه والبيهقي وصححه ابن حزم كلهم من طريق أبي بكر بن نافع عن نافع عنه‏.‏ والحديث الثاني أخرجه أيضًا ابن حبان والدارقطني والبيهقي والحاكم قال الترمذي روي مرسلًا وقال النسائي إنه أولى بالصواب وسماك بن حرب إذا تفرد بأصل لم يكن حجة‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن ابن عباس وابن عمر أيضًا عن الدارقطني والطبراني في الأوسط من طريق طاوس قال‏:‏ ‏(‏شهدت المدينة وبها ابن عمر وابن عباس فجاء رجل إلى واليها وشهد عنده على رؤية هلال شهر رمضان فسأل ابن عمر وابن عباس عن شهادته فأمراه أن يجيزه وقالا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة واحد على رؤية هلال رمضان وكان لا يجيز شهادة الإفطار إلا بشهادة رجلين‏)‏ قال الدارقطني تفرد به حفص بن عمر الأيلي وهو ضعيف‏.‏

ـ والحديثان ـ المذكوران في الباب يدلان على أنها تقبل شهاد الواحد في دخول رمضان وإلى ذلك ذهب ابن المبارك وأحمد بن حنبل والشافعي في أحد قوليه‏.‏ قال النووي وهو الأصح وبه قال المؤيد بالله وقال مالك والليث والأوزاعي والثوري والشافعي في أحد قوليه والهادوية أنه لا يقبل الواحد بل يعتبر اثنان واستدلوا بحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب الآتي وفيه ‏(‏فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا‏)‏ وبحديث أمير مكة الآتي وفيه فإن لم نره وشهد شاهدًا عدل وظاهرهما اعتبار شاهدين، وتأولوا الحديثين المتقدمين باحتمال أن يكون الواحد بالمفهوم‏.‏

ـ وحديثا الباب ـ يدلان على قبوله بالمنطوق ودلالة المنطوق أرجح‏.‏ وأما التأويل بالاحتمال المذكور فتعسف وتجويز لو صح اعتبار مثله لكان مفضيًا إلى طرح أكثر الشريعة‏.‏ وحكي في البحر عن الصادق وأبي حنيفة وأحد قولي المؤيد بالله أنه يقبل الواحد في الغيم لاحتمال خفاء الهلال عن غيره لا العترة جميعًا والفقهاء أنه لا يكفي الواحد في هلال شوال‏.‏ وحكي عن أبي ثور أنه يقبل‏.‏ قال النووي في شرح مسلم لا تجوز شهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء إلا أبا ثور فجوزه بعدل انتهى ـ واستدل ـ الجمهور بحديث ابن عمر وابن عباس المتقدم وهو مما لا تقوم به حجة لما تقدم من ضعف من تفرد به‏.‏ وأما حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وحديث أمير مكة الآتيان فهما واردان في شهادة دخول رمضان‏.‏ أما حديث أمير مكة فظاهر لقوله‏:‏ فيه ‏(‏نسكنا بشهادتهما‏)‏ وأما حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ففي بعض ألفاظ ‏(‏إلا أن يشهد شاهدا عدل‏)‏ وهو مستثنى من قوله‏:‏ فاكملوا عدة شعبان فالكلام في شهادة دخول رمضان‏.‏ وأما اللفظ الذي سيذكره المصنف أعني قوله‏:‏ فإن شهد مسلمان فصوموا وأفطروا فمع كون مفهوم الشرط قد وقع الخلاف في العمل به هو أيضًا معارض بما تقدم من قبوله صلى الله عليه وسلم الخبر الواحد في أول الشهر وبالقياس عليه في آخره لعدم الفارق فلا ينتهض مثل هذا المفهوم لإثبات هذا الحكم به وإذا لم يرد ما يدل على اعتبار الاثنين في شهادة الإفطار من الأدلة الصحيحة فالظاهرأنه يكفي فيه واحد قياسًا على الاكتفاء به في الصوم وأيضًاا التعبد بقبول خبر الواحد يدل على قبوله في كل موضع إلا ما ورد الدليل بتخصيصه بعدم التعبد فيه بخبر الواحد كالشهادة على الأموال ونحوها فالظاهر ما قاله أبو ثور‏.‏ ويمكن أن يقال أن مفهوم حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قد عورض في أول الشهر بما تقدم وأما في آخر الشهر فلا ينتهض ذلك القياس لمعارضته لا سيما مع تأيده بحديث ابن عمر وابن عباس المتقدم وهو وإن كان ضعيفًا فذلك غير مانع من صلاحيته للتأييد فيصلح ذلك المفهوم المعتض بذلك الحديث لتخصيص ما ورد من التعبد بأخبار الآحاد والمقام بعد محل نظر‏.‏ ومما يؤيد القول بقبول الواحد مطلقًا أن قبوله في أول رمضان يستلزم الإفطار عند كمال العدة استنادًا إلى قوله‏:‏ وأجيب عن ذلك بأنه يجوز الإفطار بقول الواحد ضمنًا لا صريحًا وفيه نظر‏.‏

وعن ربعي بن حراش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏اختلف الناس في آخر يوم من رمضان فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالله لأهل الهلال أمس عشيةً، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا‏)‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود، وزاد في رواية‏:‏ ‏(‏وأن يغدوا إلى مصلاهم‏)‏‏.‏

الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح وجهالة الصحابي غير قادحة وفي الباب عن عبيد الله أبي عمير بن أنس بن مالك عن عمومة ‏(‏أن ركبا جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم‏)‏‏.‏ أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه ابن المنذر وابن السكن وابن حزم ورواه ابن حبان في صحيحه عن أنس أن عمومة له وهو وهم كما قال أبو حاتم في العلل‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على قبول شهادة الأعراب وأنه يكتفي بظاهر الإسلام كما تقدم في حديث الأعرابي في أول باب ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أتشهد أن لا إله إلا الله‏؟‏ قال نعم قال‏:‏ أتشهد أن محمدًا رسول الله‏؟‏ قال نعم‏)‏‏.‏ الحديث‏.‏ وقد استدل بحديث الباب على اعتبار شهادة الاثنين في الإفطار وغير خاف أن مجرد قبول شهادة الاثنين واقعة لا يدل على عدم قبول الواحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأمر الناس أن يفطروا‏)‏ فيه رد على من زعم أن أمره صلى الله عليه وسلم بالإفطار خاص بالركب كما فعل الجلال في رسالة له وقد نبهنا على ذلك في الاعتراضات التي كتبناها عليها وسميناها إطلاع أرباب الكمال على ما في رسالة الجلال في الهلال من الاختلال‏.‏

وعن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب في يوم الذي شك فيه فقال ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءلتهم وأنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، وانسكوا لها، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين يومًا، فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا‏)‏‏.‏ روه أحمد ورواه النسائي ولم يقل فيه مسلمان‏)‏‏.‏

وعن أمير مكة الحارث بن حاطب قال‏:‏ ‏(‏عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية، فإن لم نره، وشهد شاهدًا عدل نسكنا بشهادتهما‏)‏‏.‏ رواه أبو داود والدارقطني وقال هذا إسناد متصل صحيح‏.‏

الحديث الأول ذكره الحافظ في التلخيص ولم يذكر فيه قدحًا وإسناده لا بأس به على اختلاف فيه‏.‏ والحديث الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح إلا الحسين بن الحرث الجدلي وهو صدوق وصححه الدارقطني كما ذكره المصنف والحرث بن حاطب المذكور له صحبة خرج مع أبيه مهاجرًا إلى أرض الحبشة وهو صغير وقيل ولد بأرض الحبشة هو وأخوه محمد بن حاطب واستعمل على مكة سنة ست وستين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وانسكوا لها‏)‏ هو أعم من قوله‏:‏ صوموا لرؤيته لأن النسك في اللغة العبادة وكل حق لله تعالى كذا في القاموس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتموا ثلاثين يومًا‏)‏ فيه الأمر بإتمام العدة وسيأتي الكلام على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مسلمان‏)‏ فيه دليل على أنها لا تقبل شهادة الكافر في الصيام والإفطار‏.‏ وقد استدل بالحديثين على اشتراط العدد في شهادة الصوم والإفطار وقد قدم الجواب عن ذلك الاستدلال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شاهدا عدل‏)‏ فيه دليل على اعتبار العدالة في شهادة الصوم وعارض ذلك من لم يشترط العدالة بحديث الأعرابي المتقدم فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يختبره بل اكتفى بمجرد تكلمه بالشهادتين‏.‏ وأجيب بأنه أسلم في ذلك الوقت والإسلام يجب ما قبله فهو عدل بمجرد تكلمه بكلمة الإسلام وإن لم ينضم إليها عمل في تلك الحال‏.‏

 باب ما جاء في يوم الغيم والشك

عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له‏)‏‏.‏ أخرجاه هما والنسائي وابن ماجه، في لفظ‏:‏ ‏(‏الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين‏)‏‏.‏ رواه البخاري، وفي لفظ‏:‏ ‏(‏أنه ذكر رمضان فضرب بيديه فقال الشهر هكذا وهكذا وهكذا، ثم عقد إبهامه في الثالثة، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين‏)‏‏.‏ رواه مسلم، وفي رواية أنه قال‏:‏ ‏(‏إنما الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأقدروا له‏)‏‏.‏ رواه مسلم وأحمد وزاد قال نافع‏:‏ ‏(‏وكان عبد الله إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يومًا يبعث من ينظر، فإن رأى فذاك، وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرًا، وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائمًا‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه‏)‏ أي الهلال هو عند الإسماعيلي بلفظ ‏(‏سمعت رسول الله يقول‏:‏ لهلال رمضان إذا رأيتموه فصوموا‏)‏ وكذا أخرجه عبد الرزاق‏.‏ وظاهره إيجاب الصوم حين الرؤية متى وجدت ليلًا أو نهارًا لكنه محمول على صوم اليوم المستقبل وهو ظاهر في النهي عن ابتداء صوم رمضان قبل رؤية الهلال فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها ولو وقع الاقتصار على هذه الجملة لكفى ذلك لمن تمسك به لكن اللفظ الذي رواه أكثر الرواة أوقع للمخالف شبهة وهو قوله‏:‏ فإن غم عليكم فاقدروا له فاحتمل أن يكون المراد التفرقة بين الصحو والغيم فيكون التعليق على الرؤية متعلقًا بالصحو وأما الغيم فله حكم آخر‏.‏ ويحتمل أن لا تفرقة ويكون الثاني مؤكدًا للأول وإلى الأول ذهب أكثر الحنابلة‏.‏ وإلى الثاني ذهب الجمهور فقالوا المراد بقوله‏:‏ فاقدروا له أي قدروا أول الشهر واحسبوا تمام الثلاثين ويرجح هذه الروايات المصرحة بإكمال العدة ثلاثين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاقدروا له‏)‏ قال أهل اللغة يقال قدرت الشيء أقدره وأقدره بكسر الدال وضمها المقدرة وأقدرته كلها بمعنى واحد وهي من التقدير كما قال الخطابي ومعناه عند الشافعية والحنفية وجمهور السلف والخلف فاقدروا له تمام الثلاثين يومًا لا كما قال أحمد بن حنبل وغيره إن معناه فذروه تحت السحاب فإنه يكفي في رد ذلك الروايات المصرحة بالثلاثين كما تقدم، ولا كما قال جماعة منهم ابن شريح ومطرف بن عبد الله وابن قتيبة أن معناه قدروه بحساب المنازل قال في الفتح قال ابن عبد البر لا يصح عن مطرف وأما ابن قتبية فليس هو ممن يعرج عليه في مثل هذا ولا كما نقله ابن العربي عن ابن شريح أن قوله‏:‏ فاقدروا له خطاب لمن خصه الله بهذا العلم‏.‏ وقوله‏:‏ فأكملوا العدة خطاب للعامة لأنه كما قال ابن العربي أيضًا يستلزم اختلاف وجوب رمضان فيجب على قوم بحساب الشمس والقمر وعلى آخرين بحساب العدد قال وهذا بعيد عن النبلاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الشهر تسع وعشرون‏)‏ ظاهره حصر الشهر في تسع وعشرين مع أنه لا ينحصر فيه بل قد يكون ثلاين والمعنى أن الشهر يكون تسعة وعشرين أو اللام للعهد والمراد شهر بعينه‏.‏ ويؤيد الأول ما وقع في روايته لأم سلمة من حديث الباب بلفظ ‏(‏الشهر يكون تسعة وعشرين‏)‏‏.‏ ويؤيد الثاني قول ابن مسعود صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعًا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين‏.‏ أخرجه أبو داود والترمذي ومثله عن عائشة عند أحمد بإسناد جيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا تصوموا حتى تروه‏)‏ ليس المراد تعليق الصوم بالرؤية في كل أحد بل المراد بذلك رؤية البعض إما واحد على رأي الجمهور أو اثنان على رأي غيرهم وقد تقدم الكلام على ذلك وقد تمسك بتعليق الصوم بالرؤية من ذهب إلى إلزام أهل البلد برؤية أهل بلد غيرها وسيأتي تحقيقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الشهر هكذا وهكذا‏)‏ إلخ قال النووي حاصله أن الاعتبار بالهلال لأن الشهر قد يكون تامًا ثلاثين وقد يكون ناقصًا تسعة وعشرين وقد لا يرى الهلال فيجب إكمال العدة ثلاثين قالوا وقد يقع النقص متواليًا في شهرين وثلاثة وأربعة ولا يقع أكثر من أربعة‏.‏ وفي هذا الحديث جواز اعتماد الإشارة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قتر‏)‏ بفتح القاف والتاء الفوقية وبعدها راء هو الغبرة على ما في القاموس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أصبح صائمًا‏)‏ فيه دليل على أن ابن عمر كان يقول بصوم الشك وسيأتي بسط الكلام في ذلك‏.‏

وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين‏)‏‏.‏ رواه البخاري ومسلم وقال‏:‏ ‏(‏فإن غبي عليكم فعدوا ثلاثين‏)‏‏.‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏صوموا لرؤيته فإن غمي عليكم فعدوا ثلاثين ‏(‏‏.‏ رواه أحمد، وفي لفظ‏:‏‏(‏إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يومًا‏)‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والنسائي‏.‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فعدوا ثلاثين، ثم أفطروا‏)‏‏.‏ رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صوموا لرؤيته‏)‏ اللام للتأقيت لا للتعليل وسيأتي الكلام على ذلك في باب ما جاء في استقبال رمضان باليوم واليومين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن غبي‏)‏ بفتح الغين المعجمة وكسر الباء الموحدة مخففة وهي بمعنى غم مأخوذ من الغباوة وهي عدم الفطنة استعار ذلك لخفاء الهلال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن غمي عليكم بضم‏)‏ الغين المعجمة وتشديد الميم وتخفيفها فهو مغموم بمعنى وهو بمعنى غم ونقل ابن العربي أنه روى عمي بالعين المهملة من العمى وهو بمعناه لأن ذهاب البصر عن المشاهدات أو البصيرة عن المعقولات‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على أنه يجب على من لم يشاهد الهلال ولا أخبره من شاهده أن يكمل عدة شعبان ثلاثين يومًا ثم يصوم ولا يجوز له أن يصوم يوم الثلاثين من شعبان خلافًا لمن قال بصوم يوم الشك وسيأتي ذكرهم ويكمل عدة رمضان ثلاثين يومًا ثم يفطر ولا خلاف في ذلك‏.‏

وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينه سحاب فكملوا العدة ثلاثين، ولا تستقبلوا الشهر استقبالًا‏)‏‏.‏ رواه أحمد والنسائي والترمذي بمعناه وصححه‏.‏ وفي لفظ للنسائي، ‏(‏فأكملوا العدة عدة شعبان‏)‏، رواه من حديث أبي يونس عن سماك عن عكرمة عنه‏.‏ وفي لفظ ‏(‏لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين إلا أن يكون شيئًا يصومه أحدكم ولا تصوموا حتى تروه ثم صوموا حتى تروه فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين ثم أفطروا‏)‏‏.‏ رواه أبو داود ‏.‏

وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظه من غيره يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه عد ثلاثين يومًا ثم صام‏)‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود والدارقطني، وقال إسناد حسن صحيح ‏.‏

وعن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة‏)‏‏.‏ رواه أبو داود والنسائي‏)‏‏.‏

‏(‏عن عمار بن ياسر قال‏:‏ من صام اليوم الذي يشك فيه، فقد عصى أبا القاسم محمدًا صلى الله عليه وسلم‏)‏‏.‏ رواه الخمسة إلا أحمد وصححه والترمذي وهو للبخاري تعليقًا ‏.‏

حديث ابن عباس أخرجه أيضًا ابن حبان وابن خزيمة والحاكم وهو من صحيح حديث سماك بن حرب لم يدلس فيه ولم يلقن أيضًا فإنه من رواية شعبة عنه وكان شعبة لا يأخذ عن شيوخه ما دلسوا فيه ولا ما لقنوا‏.‏ وحديث عائشة صححه أيضًا الحافظ‏.‏ وحديث حذيفة أخرجه أيضًا ابن حبان من طريق جابر عن منصور عن ربعي عن حذيفة‏.‏ وحديث عمار أخرجه أيضًا ابن حبان وابن خزيمة وصححاه والحاكم والدارقطني والبيهقي من حديث صلة ابن زفر قال كنا عند عمار فذكره وعلقه البخاري في صحيحه عن صلة وليس هو عند مسلم وقد وهم من عزاه إليه‏.‏ قال ابن عبد البر هذا مسند عندهم مرفوع لا يختلفون في ذلك‏.‏ وزعم أبو القاسم الجوهري أنه موقوف ورد عليه‏.‏ ورواه إسحاق بن راهويه عن وكيع عن سفيان عن سماك عن عكرمة‏.‏ ورواه الخطيب وزاد فيه ابن عباس‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن أبي هريرة عند ابن عدي في ترجمة علي القرشي وهو ضعيف‏.‏ وعنه أيضًا حديث آخر عند النسائي بلفظ ‏(‏لا تستقبلوا الشهر بصوم يوم أو يومين إلا أن يوافق ذلك صيامًا كان يصومه أحدكم‏)‏ وعنه أيضًا حديث آخر عند البزار بلفظ ‏(‏نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام ستة أيام أحدها اليوم الذي يشك فيه‏)‏ وفي إسناده عبد الله بن سعيد المقبري عن جده وهو ضعيف‏.‏ وأخرجه أيضًا الدارقطني وفي إسناده الواقدي‏.‏ وأخرجه أيضًا البيهقي وفي إسناده عباد وهو عبد الله بن سعيد المقبري وهو منكر الحديث كما قال أحمد بن حنبل‏.‏

ـ قد استدل ـ بهذه الأحاديث على المنع من صوم يوم الشك قال النووي وبه قال مالك والشافعي والجمهور‏.‏ وحكى الحافظ في الفتح عن مالك وأبي حنيفة أنه لا يجوز صومه عن فرض رمضان ويجوز عما سوى ذلك‏.‏ قال ابن الجوزي في التحقيق ولأحمد في هذا المسألة وهي إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو غيره ليلة الثلاثين من شعبان ثلاثة أقوال أحدها يجب صومه على أنه من رمضان‏.‏ وثانيها لا يجوز فرضًا ولا نفلًا مطلقًا بل قضاء وكفارة ونذرًا أو نفلًا يوافق عادة‏.‏ ثالثها المرجع إلى رأي الإمام في الصوم والفطر‏.‏ وذهب جماعة من الصحابة إلى صومه منهم علي وعائشة وعمر وابن عمر وأنس بن مالك وأسماء بنت أبي بكر وأبو هريرة ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم وجماعة من التابعين منهم مجاهد وطاوس وسالم بن عبد الله وميمون بن مهران ومطرف بن الشخير وبكر بن عبد الله المزني وأبو عثمان النهدي‏.‏ وقال جماعة من أهل البيت باستحبابه وقد ادعى المؤيد بالله أنه أجمع على استحباب صومه أهل البيت وهكذا قال الأمير الحسين في الشفاء والمهدي في البحر‏.‏ وقد أسند لابن القيم في الهدي الرواية عن الصحابة المتقدم ذكرهم القائلين بصومه وحكى القول بصومه عن جميع من ذكرنا منهم‏.‏ ومن التابعين وقال وهو مذهب إمام أهل الحديث والسنة أحمد بن حنبل‏.‏ واستدل المجوزون لصومه بأدلة‏.‏ منها ما أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه وأجيب عنه بأن مرادها أنه كان يصوم شعبان كله لما أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديثها ‏(‏قالت ما رأيته يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان‏)‏ وهو غير محل النزاع لأن ذلك جائز عند المانعين من صوم يوم الشك لما في الحديث الصحيح المتفق عليه من قوله‏:‏ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه‏)‏ وأيضًا قد تقرر في الأصول أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة ولا العام له ولهم لأنه يكون فعله مخصصًا له من العموم‏.‏ ومنها ما أخرجه الشافعي عن علي عليه السلام قال لأن أصوم يومًا من شعبان أحب إلي من أن أفطر يومًا من رمضان‏.‏ وأجيب بأن ذلك من رواية فاطمة بنت الحسين عن علي وهي لم تدركه فالرواية منقطعة ولو سلم الاتصال فليس ذلك بنافع لأن لفظ الرواية أن رجلًا شهد عند علي على رؤية الهلال فصام وأمر الناس أن يصوموا ثم قال لأن أصوم إلخ فالصوم لقيام شهادة واحدة عنده لا لكونه يوم شك‏.‏ وأيضًا الاحتجاج بذلك على فرض أنه عليه السلام استحب صوم يوم الشك من غير نظر إلى شهادة الشاهد إنما يكون حجة على من قال بأن قوله‏:‏ حجة على أنه قد روي عنه القول بكراهة صومه حكى ذلك عنه صاحب الهدي‏.‏ قال ابن عبد البر وممن روي عنه كراهة صوم يوم الشك عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعمار وابن مسعود وحذيفة وابن عباس وأبو هريرة وأنس بن مالك‏.‏

والحاصل أن الصحابة مختلفون في ذلك وليس قول بعضهم بحجة على أحد والحجة ما جاءنا عن الشارع وقد عرفته وقد استوفيت الكلام على هذه المسألة في الأبحاث التي كتبتها على رسالة الجلال وسيأتي الكلام على استقبال رمضان بيوم أو يومين في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى‏.‏

 باب الهلال إذا رآه أهل بلدة هل يلزم بقية البلاد الصوم

‏(‏عن كريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام، فقال‏:‏ فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس، ثم ذكر الهلال، فقال متى رأيتم الهلال‏؟‏ فقلت رأيناه ليلة الجمعة، فقال أنت رأيته‏؟‏ فقلت نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه‏؟‏ فقال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏‏.‏ رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واستهل علي رمضان‏)‏ هو بضم التاء من استهل قاله النووي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أفلا تكتفي‏)‏ شك أحد رواته هو بالخطاب لابن عباس أو بنون الجمع للمتكلم‏.‏ وقد تمسك بحديث كريب هذا من قال إنه لا يلزم أهل بلد رؤية أهل بلد غيرها‏.‏ وقد اختلفوا في ذلك على مذاهب ذكرها صاحب الفتح‏.‏ أحدها أنه يعتبر لأهل كل بلد رؤيتهم ولا يلزمهم رؤية غيرهم حكاه ابن المنذر عن عكرمة والقاسم بن محمد وسالم وإسحاق وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه وحكاه الماوردي وجها للشافعية‏.‏ وثانيها أنه لا يلزم أهل بلد رؤية غيرهم إلا أن يثبت ذلك عند الإمام الأعظم فيلزم الناس كلهم لأن البلاد في حقه كالبلد الواحد إذ حكمه نافذ في الجميع قاله ابن الماجشون‏.‏ وثالثها أنها إن تقاربت البلاد كان الحكم واحدًا وإن تابعدت فوجهان لا يجب عند الأكثر قاله بعض الشافعية‏.‏ واختار أبو الطيب وطائفة الوجوب وحكاه البغوي عن الشافعي وفي ضبط البعد أوجه أحدها اختلاف المطالع قطع به العراقيون والصيدلاني وصححه النووي في الروضة وشرح المهذب‏.‏ ثانيها مسافة القصر قطع به البغوي وصححه الرافعي والنووي‏.‏ ثالثها باختلاف الأقاليم حكاه في الفتح‏.‏ رابعها أنه يلزم أهل كل بلد لا يتصور خفاؤه عنهم بلا عارض دون غيرهم حكاه السرخسي‏.‏ خامسها مثل قول ابن الماجشون المتقدم‏.‏ سادسها أنه لا يلزم إذا اختلفت الجهتان ارتفاعًا وانحدارًا كأن يكون أحدهما سهلًا والآخر جبلًا أو كان كل بلد في إقليم حكاه المهدي في البحر عن الإمام يحيى والهادوية‏.‏ وحجة أهل هذه الأقوال حديث كريب هذا ووجه الاحتجاج به أي ابن عباس لم يعمل برؤية أهل الشام وقال في آخر الحديث هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على أنه قد حفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يلزم أهل بلد العمل برؤية أهل بلد آخر‏.‏

ـ واعلم ـ أن الحجة إنما هي في المرفوع من رواية ابن عباس لا في اجتهاده الذي فهم الناس والمشار إليه بقوله‏:‏ هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قوله‏:‏ فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين والأمر الكائن من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما بلفظ ‏(‏لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم العدة ثلاثين‏)‏ وهذا لا يختص بأهل ناحية على جهة الانفراد بل هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على عدم اللزوم لأنه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون فيلزم غيرهم ما لزمهم‏.‏ ولو سلم توجه الإشارة في كلام ابن عباس إلى عدم لزوم رؤية أهل بلد لأهل بلد آخر لكان عدم اللزوم مقيدًا بدليل العقل وهو أن يكون بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع وعدم عمل ابن عباس برؤية أهل الشام مع عدم البعد الذي يمكن معه الاختلاف عمل بالاجتهاد وليس بحجة‏.‏ ولو سلم عدم لزوم التقييد بالعقل فلا يشك عالم الأدلة قاضية بأن أهل الأقطار يعمل بعضهم بخبر بعض وشهادته في جميع الأحكام الشرعية والرؤية جملتها وسواء كان بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع أم لا فلا يقبل التخصيص إلا بدليل، ولو سلم صلاحية حديث كريب هذا للتخصيص فينبغي أن يقتصر فيه على محل النص، إن كان النص معلومًا أو على المفهوم منه إن لم يكن معلومًا لورده على خلاف القياس، ولم يأت ابن عباس بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بمعنى لفظه حتى ننظر في عمومه وخصوصه إنما جاءنا بصيغة مجملة أشار بها إلى قصة هي عدم عمل أهل المدينة برؤية أهل الشام على تسليم أن ذلك المراد ولم نفهم منه زيادة على ذلك حتى نجعله مخصصًا لذلك العموم فينبغي الاقتصار على المفهوم من ذلك الوارد على خلاف القياس وعدم الإلحاق به فلا يجب على أهل المدينة العمل برؤية أهل الشام دون غيرهم ويمكن أن يكون في ذلك حكمة لا نعقلها ولو نسلم صحة الإلحاق وتخصيص العموم به فغايته أن يكون في المحلات التي بينها من العبد ما بين المدينة والشام أو أكثر، وأما في أقل من ذلك فلا وهذا ظاهر فينبغي أن ينظر ما دليل من ذهب إلى اعتبار البريد أو الناحية أو البلد في المنع من العمل بالرؤية والذي ينبغي اعتماده هو ما ذهب إليه المالكية وجماعة من الزيدية واختاره المهدي منهم وحكاه القرطبي عن شيوخه أنه إذا رآه أهل بلد لزم أهل البالد كلها ولا يلتفت إلى ما قاله ابن عبد البر من أن هذا القول خلاف الإجماع قال لأنهم قد أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلدان كخراسان والأندلس وذلك لأن الإجماع لا يتم والمخالف مثل هؤلاء الجماعة‏.‏