فصل: باب مَا جَاءَ فِي عَيْشِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: جمع الوسائل في شرح الشمائل



.باب مَا جَاءَ فِي لِبَاسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

اللِّبَاسُ بِالْكَسْرِ مَا يُلْبَسُ. (أَخْبَرَنَا): وَفِي نُسْخَةٍ حَدَّثَنَا. (مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ): مَرَّ قَرِيبًا. (أَخْبَرَنَا): وَفِي نُسْخَةٍ أَنْبَأَنَا. (الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى): أَيْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ. (وَأَبُو تُمَيْلَةَ): بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ مُصَغَّرًا، يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ الْمَرْوَزِيُّ الْأَنْصَارِيُّ، مَوْلَاهُمْ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ. (وَيَزِيدُ بْنُ حُبَابٍ): بِضَمِّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ مُخَفَّفَةٍ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ. (عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ خَالِدٍ): أَيِ الْحَنَفِيِّ الْمَرْوَزِيِّ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ): سَبَقَ تَرْجَمَتَهُ فِي بَابِ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ. (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ): أَيْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. (قَالَتْ: كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ): بِالرَّفْعِ. (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أَيْ لِأَجْلِ لُبْسِهِ وَلُبْسِ غَيْرِهِ. (الْقَمِيصَ): بِالنَّصْبِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ، وَإِلَّا لَقَالَتْ: كَانَ الْقَمِيصُ أَحَبَّ الثِّيَابِ. قَالَ مِيرَكُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «الْقَمِيصُ» مَرْفُوعًا بِالِاسْمِيَّةِ و«أَحَبُّ» مَنْصُوبًا بِالْخَبَرِيَّةِ. وَنَقَلَ غَيْرُهُ مِنَ الشُّرَّاحِ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ، قَالَ الْحَنَفِيُّ: وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ تَعْيِينُ الْأَحَبِّ فَالْقَمِيصُ خَبَرُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بَيَانُ حَالِ الْقَمِيصِ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ اسْمُهُ. وَرَجَّحَهُ الْعِصَامُ بِأَنَّ «أَحَبَّ» وَصَفٌ فَهُوَ أَوْلَى بِكَوْنِهِ حُكْمًا. وَأَمَّا تَرْجِيحُهُ بِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِالْبَابِ لِأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ لِإِثْبَاتِ أَحْوَالِ اللِّبَاسِ فَجَعْلُ الْقَمِيصِ مَوْضُوعًا وَإِثْبَاتُ الْحَالِ لَهُ أَنْسَبُ مِنَ الْعَكْسِ، فَلَيْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ لَمْ تَذْكُرِ الْحَدِيثَ فِي الْبَابِ الْمُنْعَقِدِ لِلِّبَاسِ. ثُمَّ الثِّيَابُ عَلَى مَا فِي الْمُغْرِبِ جَمْعُ ثَوْبٍ، وَهُوَ مَا يَلْبَسُهُ النَّاسُ مِنَ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَالْخَزِّ وَالْقَزِّ وَأَمَّا السُّتُورُ فَلَيْسَتْ مِنَ الثِّيَابِ، انْتَهَى. وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يَسْتُرُ بِهِ الشَّخْصُ نَفْسَهَ مَخِيطًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَالْقَمِيصُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: ثَوْبٌ مَخِيطٌ بِكُمَّيْنِ غَيْرُ مُفَرَّجٍ يُلْبَسُ تَحْتَ الثِّيَابِ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْقَمِيصُ مَعْلُومٌ وَقَدْ يُؤَنَّثُ وَلَا يَكُونُ مِنَ الْقُطْنِ وَأَمَّا الصُّوفُ فَلَا، انْتَهَى. وَكَانَ حَصَرُهُ الْمَذْكُورُ لِلْغَالِبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَوْنَهُ مِنَ الْقُطْنِ مُرَادًا فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ الصُّوفَ يُؤْذِي الْبَدَنَ وَيَدِرُّ الْعَرَقَ وَرَائِحَتُهُ يُتَأَذَّى بِهَا. وَقَدْ أَخْرَجَ الدِّمْيَاطِيُّ: كَانَ قَمِيصُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُطْنًا، قَصِيرُ الطُّولِ وَالْكُمَّيْنِ. قِيلَ: وَوَجْهُ أَحَبِّيَةِ الْقَمِيصِ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَسْتَرُ لِلْأَعْضَاءِ مِنَ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ، وَلِأَنَّهُ أَقَلُّ مُؤْنَةً وَأَخَفُّ عَلَى الْبَدَنِ، وَلَابِسُهُ أَكْثَرُ تَوَاضُعًا.
(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ): بِضَمِّ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ جِيمٍ. (حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَمِيصَ): الْمَتْنُ وَاحِدٌ وَالْإِسْنَادُ مُتَعَدِّدٌ فَذِكْرُهُ لِلْحُكْمِ مُؤَكِّدٌ.
(حَدَّثَنَا زِيَادُ): بِكَسْرِ الزَّايِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتِيَّةِ. (بْنُ أَيُّوبَ الْبَغْدَادِيُّ): بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَدَالٌّ مُهْمَلَةٌ مُعْجَمَةٌ، هُوَ الْأَصَحُّ مِنَ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَمَّا مَا قَالَهُ الْعِصَامُ مِنَ الْأَشْهَرِ فِيهِ ذَالٌ مُعْجَمَةٌ ثُمَّ مُهْمَلَةٌ فَخِلَافُ مَا حَقَّقَهُ شُرَّاحُ الشَّاطِبِيَّةِ، وَقِيلَ: رِوَايَةُ الْكِتَابِ بِالْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي السُّنَّةِ الْعَامَّةِ. وَهُوَ أَبُو هَاشِمٍ، طُوسِيُّ الْأَصْلِ، مُلَقَّبٌ بِدَلَّوَيْهِ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. (حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أُمِّهِ): وَهِيَ لَمْ تُسَمَّ فَغَايَرَ هَذَا الْإِسْنَادُ الْإِسْنَادَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ مَعَ مُغَايَرَةِ بَعْضِ رِجَالِ الْإِسْنَادِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْحَنَفِيِّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وُجِدَ فِي الْأَخِيرِ «يَلْبَسُهُ» وَزِيدَ فِيهِ «عَنْ أُمِّهِ»، فَفِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ «عَنْ أُمِّهِ» مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فِي الْإِسْنَادِ الْأَخِيرِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي زِيَادَةِ يَلْبَسُهُ فِي مَتْنِهِ. (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ): قِيلَ اسْمُهَا هِنْدٌ. (قَالَتْ: كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَمِيصَ): اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ بِثَلَاثَةِ أَسَانِيدَ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ جُمْلَةُ «يَلْبَسُهُ قَبْلَ الْقَمِيصِ» وَهِيَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ عَنْ «أَحَبُّ الثِّيَابِ» وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ الثَّوْبِ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِمَا لِأَجْلِهِ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ، فِإنَّهُ كَانَ يُحِبُّهُ لِلُبْسِهِ لَا لِنَحْوِ إِهْدَائِهِ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ لُبْسًا، وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ مَا سَيَأْتِي أَنَّ «الْحِبَرَةِ كَانَتْ أَحَبُّ إِلَيْهِ» فَبِأَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الثِّيَابِ الْمَخِيطَةِ وَذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ): أَيْ أَبُو عِيسَى الْمُؤَلِّفُ: وَحُذِفَ لِظُهُورِهِ وَدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَفِي نُسْخَةٍ قَالَ أَبُو عِيسَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ النُّسَّاخِ. وَقَالَ الْحَنَفِيُّ وَلَمْ يُوجَدْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَفْظُ قَالَ قُلْتُ: وَهَذَا أَيْضًا مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ مَرَّةً يَنْقُصُونَ وَأُخْرَى يَزِيدُونَ، وَالْأَصْلُ الْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ. ثُمَّ الْمَقُولُ (هَكَذَا): أَيْ بِزِيَادَةِ عَنْ أُمِّهِ فِي السَّنَدِ فَالْإِشَارَةُ إِلَى السَّابِقِ أَوِ اللَّاحِقِ. (قَالَ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ): وَمَا أَحْسَنَ خُصُوصِيَّةَ زِيَادٍ بِالزِّيَادَةِ فِي الْإِسْنَادِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ: رَوَى عَنْ أَبِي تُمَيْلَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أُمِّهِ، وَرَوَى زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْهُ وَذَكَرَ عَنْ أُمِّهِ. (فِي حَدِيثِهِ): مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ قَالَ، قَالَ الْعِصَامُ: ذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا فِي الْإِسْنَادِ مِنْ قَوْلِهِ: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ): وَلَمْ يَكْتَفِ بِتَحْدِيثِهِ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ هَكَذَا إِلَى آخِرِهِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ زِيَادَةَ عَنْ أُمِّهِ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ لِمَعْرِفَتِهِ أَنَّهُ سَقَطَ عَنْ إِسْنَادِ زِيَادٍ، فَدَفَعَ نُقْصَانَ الْإِسْنَادِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ الْمَعْلُومَةِ لَهُ مِنْ تَحْقِيقِ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ، وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، بِطَرِيقِ عَطْفِ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ اسْمِ الْإِشَارَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ هَكَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَتْنِ الْحَدِيثِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ نُقِلَ بِالْمَعْنَى لَا بِخُصُوصِ لَفْظِ زِيَادٍ. وَقَوْلُهُ (وَهَكَذَا): إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. (رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ): قَالَ مِيرَكُ: أَيْ مِنْ مَشَايِخِي مِنْ أَهْلِ الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ. (عَنْ أَبِي تُمَيْلَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ): وَالْمَقْصُودُ تَقْوِيَةُ رِوَايَةِ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ الْحَنَفِيُّ: قَوْلُهُ: وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ إِلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا غَيْرُ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ رَوَوْا أَيْضًا عَنْ أَبِي تُمَيْلَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ زِيَادٍ عَنْهُ. وَقَالَ الْعِصَامُ: وَلَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ: هَكَذَا، فَقَالَ: عَنْ أَبِي تُمَيْلَةَ إِلَى آخِرِهِ؛ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مَا بَيْنَ أَبِي تُمَيْلَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ أَبَا تُمَيْلَةَ يُرَجِّحُ زِيَادَةَ عَنْ أُمِّهِ فَقَالَ: (وَأَبُو تُمَيْلَةَ هَذَا يَزِيدُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ): أَيْ فِي ذِكْرِهِ. (عَنْ أُمِّهِ وَهُوَ أَصَحُّ): يَعْنِي تَعَقَّبَ قَوْلَهُ عَنْ أُمِّهِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ أَصَحُّ، فَمَقُولُ يَزِيدَ قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَإِنَّمَا زَادَ قَوْلَهُ عَنْ أُمِّهِ تَعْيِينًا لِمَوْقِعِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَمَنْ لَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ وَجَعَلَ الْمَزِيدَ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ عَنْ أُمِّهِ رَأَى قَوْلَهُ وَأَبُو تُمَيْلَةَ يَزِيدُ إِلَى آخِرِهِ زِيَادَةً لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ تَأْكِيدُ مَا سَبَقَ، وَجَعَلَ قَوْلَهُ: وَهُوَ أَصَحُّ، قَوْلَ أَبِي عِيسَى دُونَ أَبِي تُمَيْلَةَ، فَقَدْ أَوْضَحْتُ لَكَ الْمَرَامَ، وَقَدْ كَانَ فِي غَايَةِ الْإِبْهَامِ، وَقَالَ الْحَنَفِيُّ: قَوْلُهُ وَأَبُو تُمَيْلَةَ إِلَخْ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ غَيْرِ أَبِي تُمَيْلَةَ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِثْلِ: الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى بِطَرِيقَيْهِ، وَزَيْدِ بْنِ حُبَابٍ، بِطَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ الرَّازِيِّ لَا يَزِيدُونَ عَنْ أُمِّهِ، وَبِالْجُمْلَةِ لَمْ يَزِدْ مِنْ بَيْنِ الرُّوَاةِ عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ إِلَّا أَبُو تُمَيْلَةَ، وَلَمْ يَزِدْ مِنْ بَيْنِ رُوَاةِ أَبِي تُمَيْلَةَ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، وَزَادَ غَيْرُهُ مِنْ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، انْتَهَى. وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا زِيَادَةُ أُمُّهِ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْقَاطِهَا، وَفِي شَرْحِ مِيرَكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي جَامِعِهِ أَيْ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ خَالِدٍ، تَفَرَّدَ بِهِ وَهُوَ مَرْوَزِيٌّ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي تُمَيْلَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَإِنَّمَا يُذْكَرُ فِيهِ أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أُمِّهِ. وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ- يَعْنِي الْبُخَارِيَّ- قَالَ: حَدِيثُ ابْنِ أَبِي بُرَيْدَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَصَحُّ. وَإِنَّمَا حُكِمَ بِكَوْنِهِ أَصَحَّ إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ سَمَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مُطْلَقًا أَوْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِخُصُوصِهِ، وَإِمَّا لِأَنَّ أَبَا تُمَيْلَةَ أَوْثَقُ وَأَحْفَظُ مِنْ رَفِيقَيْهِ وَهُمَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى وَزَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ قَدَّمَ أَبَا تُمَيْلَةَ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى، وَقَالَ: رَوَى الْفَضْلُ أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ صَدُوقٌ وَلَكِنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الْخَطَأِ. وَأَمَّا أَبُو تُمَيْلَةَ فَثِقَةٌ مُحْتَجٌّ بِهِ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ): بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ الْأُولَى، صَدُوقٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ فَقَطْ. (حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ): أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ. (حَدَّثَنِي أَبِي): أَيْ هِشَامٌ وَهُوَ ابْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ أَيْ هِشَامٌ... (عَنْ بُدَيْلٍ): بِضَمِّ مُوَحَّدَةٍ وَفَتْحِ دَالٍّ مُهْمَلَةٍ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ. (يَعْنِي ابْنَ صُلَيْبٍ): بِضَمِّ صَادٍ وَفَتْحِ لَامٍ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ، قَالَ الْعِصَامُ: فَسَّرَهُ رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ هُوَ ابْنُ مَيْسَرَةَ بِالْفَتْحِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَيُرَجِّحُ هَذَا فِي الشَّرْحِ، انْتَهَى. قَالَ مِيرَكُ: هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّمَائِلِ، وَفِي بَعْضِهَا بُدَيْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ، وَهُوَ الصَّوَابُ كَمَا حَقَّقَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ كَالْمِزِّيِّ وَالذَّهَبِيِّ وَالْعَسْقَلَانِيِّ. (الْعَقِيلِيَّ): بِالتَّصْغِيرِ مَنْصُوبًا. (عَنْ شَهْرِ): بِفَتْحِ مُعْجَمَةٍ وَسُكُونِ هَاءٍ. (بْنِ حَوْشَبٍ): بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ وَاوٍ وَفَتْحِ مُعْجَمَةٍ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ، صَدُوقٌ، كَثِيرُ الْإِرْسَالِ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَالْخَمْسَةُ فِي صِحَاحِهِمْ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ أَنَّ شَهْرًا تَرَكُوهُ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَثَّقَهُ كَثِيرُونَ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ حَتَّى قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَا أَحْسَنَ حَدِيثَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي جَامِعِهِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. (عَنْ أَسْمَاءَ): صَحَابِيَّةٌ لَهَا أَحَادِيثُ. (بِنْتُ يَزِيدَ): أَيِ الْأَنْصَارِيِّ. (قَالَتْ: كَانَ كُمُّ قَمِيصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، رُدْنُهُ وَاصِلَةٌ (إِلَى الرُّسْغِ): قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِالصَّادِّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالْمُصَنِّفِ، وَبِالسِّينِ عِنْدَ غَيْرِهِمَا، انْتَهَى. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي جَامِعِهِ، وَإِلَّا فَنُسَخُ الشَّمَائِلِ بِالسِّينِ بِلَا خِلَافٍ، قَالَ مِيرَكُ: وَهُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ وَالصَّادُ بَدَلَ السِّينِ لُغَةٌ فِيهِ، وَهُوَ مَفْصِلُ السَّاعِدِ وَالْكَفِّ وَيُسَمِّي الْكُوعُ، انْتَهَى. مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ، وَرَأَيْتُ بِخَطِّهِ فِي حَاشِيَةِ كِتَابِهِ، كَذَا وَقَعَ هُنَا بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَذَا وَقَعَ فِي الْمَصَابِيحِ قَالَ الشَّيْخُ التُّورِبِشْتِيُّ: هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالصَّادُ لُغَةٌ فِيهِ. وَوَقَعَ فِي الْمِشْكَاةِ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ. قَالَ: الطِّيبِيُّ هَكَذَا هُوَ فِي التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وَوَقَعَ فِي الْجَامِعِ بِالسِّينِ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ، وَفِي الْقَامُوسِ: الرُّسْغُ بِضَمٍّ وَبِضَمَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: بِالضَّمِّ الرُّسْغُ. قَالَ الْجَزَرِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ كُمُّ الْقَمِيصِ الرُّسْغَ، وَأَمَّا غَيْرُ الْقَمِيصِ فَقَالُوا السُّنَّةُ فِيهِ لَا يَتَجَاوَزُ رُءُوسَ الْأَصَابِعِ مِنْ جُبَّةٍ وَغَيْرِهَا، انْتَهَى. وَنُقِلَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَنَّ أَبَا الشَّيْخِ ابْنَ حِبَّانَ أَخْرَجَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَفْظِ: كَانَ يَدُ قَمِيصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْفَلَ مِنَ الرُّسْغِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ قَمِيصًا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ مُسْتَوَى الْكُمَّيْنِ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ الْوَفَاءِ نَقْلًا عَنِ ابْنِ حِبَّانَ فَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْخَبَرِ كَمَا ذَكَرَ فَفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُتَجَاوَزَ بِكُمِّ الْقَمِيصِ إِلَى رُءُوسِ الْأَصَابِعِ، وَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنِ حَدِيثِ الْبَابِ إِمَّا بِالْحَمْلِ عَلَى تَعَدُّدِ الْقَمِيصِ أَوْ بِحَمْلِ رِوَايَةِ الْكِتَابِ عَلَى التَّقْرِيبِ وَالتَّخْمِينِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْعِصَامُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْكُمِّ فَعَقِيبَ غَسْلِ الْكُمِّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَثَنٍّ فَيَكُونُ أَطْوَلَ وَإِذَا بَعُدَ عَنِ الْغَسْلِ وَوَقَعَ فِيهِ التَّثَنِّي كَانَ أَقْصَرَ، انْتَهَى. وَبُعْدُهُ لَا يُخْفِي.
(حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ): بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَمِيمٍ مُشَدَّدَةٍ. (الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ): بِالتَّصْغِيرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي بَابِ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ. (أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): بِالتَّصْغِيرِ، وَمَرَّ ذِكْرُهُ. (أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ): كَزُبَيْرٍ. (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُشَيْرٍ): بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ، مَرَّ مِرَارًا، وَفِي نُسْخَةِ قُتَيْبَةَ وَلَعَلَّهُ تَصْحِيفٌ. (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ): بِضَمِّ قَافٍ وَتَشْدِيدِ رَاءٍ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ. (عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ): بِسُكُونِ الْهَاءِ، أَيْ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعَشَرَةِ إِلَى الْأَرْبَعِينَ، وَفِي الْقَامُوسِ بِالسُّكُونِ وَيُحَرَّكُ: قَوْمُ الرَّجُلِ وَقَبِيلَتُهُ، أَوْ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ. وَفِي النِّهَايَةِ: وَقِيلَ إِلَى الْأَرْبَعِينَ. وَلَا يُنَافِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ جَاءَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُزَيْنَةَ وَهُمْ أَرْبَعُمِائَةِ رَاكِبٍ وَأَسْلَمُوا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَجِيئُهُمْ رَهْطًا رَهْطًا، أَوْ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مُطْلَقِ الْقَوْمِ كَمَا قَدَّمَهُ الْقَامُوسُ، وَفِي يَأْتِي بِمَعْنَى مَعَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ}. (مِنْ مُزَيْنَةَ): بِضَمِّ مِيمٍ وَفَتْحِ زَايٍ وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ، قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ مُضِرَ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ صِفَةٌ لِرَهْطٍ. (لِنُبَايِعُهُ): مُتَعَلِّقٌ بِأَتَيْتُ. (وَإِنَّ قَمِيصَهُ لَمُطْلَقٌ): أَيْ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِزِرٍّ، قَالَ مِيرَكُ: أَيْ غَيْرُ مَشْدُودِ الْأَزْرَارِ. الْعَسْقَلَانِيُّ: أَيْ غَيْرُ مَزْرُورٍ، انْتَهَى. وَالْجُمْلَةُ حَالٌ. (أَوْ قَالَ زِرُّ قَمِيصِهِ): بِالْإِضَافَةِ. (مُطْلَقٌ): بِلَا لَامٍ، أَيْ غَيْرُ مَرْبُوطٍ، قَالَ الْحَنَفِيُّ: الشَّكُّ مِنْ مُعَاوِيَةَ أَوْ مِمَّنْ دُونَهُ. وَتَعَقَّبَهُ الْعِصَامُ وَقَالَ: الشَّكُّ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَمَنْ قَالَ مِنْهُ أَوْ مِمَّنْ دُونَهُ فَقَدِ ارْتَابَ وَالصُّبْحُ يُسْفِرُ. وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجْرٍ وَرَدَّهُمَا مِيرَكُ بِقَوْلِهِ: الشَّكُّ مِنْ شَيْخِ التِّرْمِذِيِّ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يَشُكَّ، بَلْ قَالَ: إِنَّ قَمِيصَهُ لَمُطْلَقٌ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ وَالْحَسَنِ بْنِ مُوسَى جَمِيعًا عَنْ زُهَيْرٍ بِهَذَا اللَّفْظِ بِغَيْرِ شَكٍّ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ بِغَيْرِ شَكٍّ أَيْضًا، فَوَهِمَ مَنْ قَالَ الشَّكُّ مِنْ مُعَاوِيَةَ أَوْ مِمَّنْ دُونَهُ، زَادَ هُوَ وَابْنُ سَعْدٍ، قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ وَلَا أَبَاهِ إِلَّا مُطْلَقِي الْأَزْرَارِ فِي شِتَاءٍ وَلَا خَرِيفٍ وَلَا يَزِرَّانِ أَزْرَارَهُمَا. وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ: وَإِنَّهُ لَمُطْلَقُ الْأَزْرَارِ، بِغَيْرِ شَكٍّ أَيْضًا، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ: وَإِنَّهُ لَمُطْلَقُ الْأَزْرَارِ. قَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ: كَذَا وَقَعَ فِي أُصُولِنَا، وَرِوَايَاتِنَا الْإِزَارُ بِغَيْرِ رَاءٍ بَعْدَ زَايٍ، وَهُوَ جَمْعُ الْإِزَارِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الثَّوْبُ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ: أَوْ أَكْثَرِهَا الْأَزْرَارُ جَمْعُ زِرٍّ بِكَسْرِ الزَّايِ وَشَدِّ الرَّاءِ وَهُوَ خَزِيرَةُ الْجَيْبِ، وَبِهِ شَرَحَ شُرَّاحُهُ: وَجَيْبُ الْقَمِيصِ طَوْقُهُ الَّذِي يَخْرُجُ الرَّأْسُ مِنْهُ، وَعَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ يَجْعَلُوهُ وَاسِعًا وَلَا يَزِرُّونَهُ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْأَزْرَارَ لَا غَيْرَ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ، انْتَهَى. أَقُولُ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِهِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ: وَإِنَّ قَمِيصَهُ لَمُطْلَقٌ. وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى: فَرَأَيْتُهُ مُطْلَقَ الْقَمِيصِ. وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنْ يَكُونَ رِوَايَةُ الْأَزْرَارِ بِرَائَيْنِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ زِرٌّ وَعُرْوَةٌ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ جَيْبَ قَمِيصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَفْتُوحًا بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يُدْخِلَ فِيهِ الْيَدَ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْوَفَاءِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَا اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصًا لَهُ زِرٌّ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ تَبَعًا لِلْعِصَامِ: فِيهِ حِلُّ لُبْسِ الْقَمِيصِ، وَحِلُّ الزِّرِّ فِيهِ، وَحِلُّ إِطْلَاقِهِ وَأَنَّ طَوْقَهُ كَانَ مَفْتُوحًا بِالطُّولِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُتَّخَذُ لَهُ الْأَزْرَارُ عَادَةً، انْتَهَى. وَفِي الْأَخِيرِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعَادَاتَ مُخْتَلِفَةٌ، وَفِي الْأَوَّلِ أَيْضًا بَحْثٌ لِأَنَّ مُقْتَضَى كَوْنِهِ أَحَبَّ أَنْ يُسْتَحَبَّ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَهُمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ): أَيْ قُرَّةُ، وَفِي نُسْخَةٍ بِدُونِ قَالَ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْمِشْكَاةِ. (فَأَدْخَلْتُ يَدِي): بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ. (فِي جَيْبِ قَمِيصِهِ): الْجَيْبُ، بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ، مَا يُقْطَعُ مِنَ الثَّوْبِ لِيَخْرُجَ الرَّأْسُ أَوِ الْيَدُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، يُقَالُ: جَابَ الْقَمِيصَ يَجُوبُهُ وَيُجِيبُهُ أَيْ قَوَّرَ جَيْبَهُ وَجَيَّبَهُ، أَيْ جَعَلَ لَهُ جَيْبًا، وَأَصْلُ الْجَيْبِ الْقَطْعُ وَالْحَرْقُ، وَيُطْلَقُ الْجَيْبُ عَلَى مَا يُجْعَلُ فِي صَدْرِ الثَّوْبِ لِيُوضَعَ فِيهِ الشَّيْءُ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْجَيْبِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ طَوْقُهُ الَّذِي يُحِيطُ بِالْعُنُقِ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: جَيَبَ الثَّوْبَ أَيْ جَعَلَ فِيهِ ثُقْبًا يَخْرُجُ مِنْهُ الرَّأْسُ. قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: فَأَدْخَلْتُ يَدِي إِلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ جَيْبَ قَمِيصِهِ كَانَ فِي صَدْرِهِ، وَالْمَاضِي فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ رَآهُ مُطْلَقَ الْقَمِيصِ أَيْ غَيْرَ مَزْرُورٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَمَسِسْتُ): بِكَسْرِ السِّينِ الْأُولَى عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ، وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ الْفَتْحَ أَيْضًا كَمَا فِي نُسْخَةٍ، وَحُكِيَ كَخِلْتُ أَيْ لَمَسْتُ. (الْخَاتَمَ): بِفَتْحِ التَّاءِ وَيُكْسَرُ، أَيْ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ.
(حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ): بِتَصْغِيرِ الثَّانِي، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ): فِي الشَّرْحِ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ السَّدُوسَيُّ الْمُلَقَّبُ بِعَارِمٍ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَخْرَجَ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَرَوَى عَنْهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ. (أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ): مَرَّ ذِكْرُهُ. (عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ): بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْأُولَى، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ. (عَنِ الْحَسَنِ): أَيِ الْبَصْرِيِّ. (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ): أَيْ مِنْ بَيْتِهِ. (وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ): مِنَ الِاتِّكَاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ}، وَفِي نُسْخَةٍ: وَهُوَ مُتَّكِئٌ. مِنَ التَّوَكُّؤِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا}، وَكِلَاهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الِاعْتِمَادُ، وَأُسَامَةُ هَذَا صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ مَوْلَاهُ وَابْنُ مَوْلَاتِهِ أُمِّ أَيْمَنَ، وَحِبُّهُ وَابْنُ حِبِّهِ، أَمَّرَهُ فِي جَيْشٍ فِيهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ اتِّكَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ شَاكِيًا، فَخَرَجَ يَتَوَكَّأُ عَلَى أُسَامَةَ إِلَى آخِرِهِ. وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ يَكُونَ فِي مَرَضٍ آخَرَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ فَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ: أَنَّهُ خَرَجَ بَيْنَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَالْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ إِلَى الصَّلَاةِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ. وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا ثَبَتَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُتَغَطِّيًا بِهِ. قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: أَيْ مُتَوَشِّحًا مُرْتَدِيًا. وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (عَلَيْهِ): أَيْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (ثَوْبٌ): بِالتَّنْوِينِ. (قِطْرِيٌّ): مَنْسُوبٌ إِلَى الْقِطْرِ، بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الطَّاءِ بَعْدَهَا رَاءٌ، نَوْعٌ مِنَ الْبُرُدِ عَلَى مَا فِي التَّاجِ وَالْمُهَذَّبِ، وَقِيلَ: حُلَلٌ جِيَادٌ تُحْمَلُ مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِينِ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: ثِيَابٌ مِنْ غَلِيظِ الْقُطْنِ وَنَحْوِهِ. ثُمَّ الْجُمْلَةُ الْأُولَى حَالٌ مِنْ فَاعِلِ خَرَجَ بِالضَّمِيرِ وَالْوَاوِ مَعًا، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ حَالٌ أَيْضًا، لَكِنْ بِالضَّمِيرِ وَحْدَهُ نَحْوَ كَلَّمْتُهُ فُوهُ إِلَى فِي، وَضَعَّفَهُ بَعْضُ النُّحَاةِ، وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى الْحَدِيثِ، أَوْ بَنَوْا حُكْمَهُمْ عَلَى غَالِبِ الِاسْتِعْمَالِ. (قَدْ): لِلتَّحْقِيقِ. (تَوَشَّحَ): أَيْ تَغَشَّى. (بِهِ): وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ، وَالتَّوَشُّحُ فِي الْأَصْلِ لُبْسُ الْوِشَاحِ، وَيُقَالُ: تَوَشَّحَ بِثَوْبِهِ وَبِسَيْفِهِ إِذَا أَلْقَاهُ عَلَى عَاتِقِهِ كَالْوِشَاحِ، قَالَ مِيرَكُ: وَالْمُرَادُ هَاهُنَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْخَلَ الثَّوْبَ تَحْتَ يَدِهِ الْيُمْنَى وَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْمُحْرِمُ. (فَصَلَّى بِهِمْ): وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ضَمْرَةَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْقَوْمِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ قَاعِدًا. (قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: سَأَلَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ): بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَهُوَ الْمُجْمَعُ عَلَى جَلَالَتِهِ وَتَوْثِيقِهِ وَحِفْظِهِ وَتَقَدُّمِهِ فِي هَذَا الشَّأْنِ حَتَّى قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: السَّمَاعُ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ، وَتَشَرَّفَ بِأَنَّ غُسِّلَ عَلَى السَّرِيرِ الَّذِي غُسِّلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحُمِلَ عَلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذَكَرَهُ الْعِصَامُ. (عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَوَّلَ مَا جَلَسَ): أَيْ أَوَّلَ زَمَانِ جُلُوسِهِ، أَوْ زَمَانَ أَوَّلِ جُلُوسِهِ. (إِلَى): أَيْ مُتَوَجِّهًا أَوْ مَائِلًا، قَالَ الْعِصَامُ: وَكَأَنَّهُ سَأَلَهُ لِيَسْتَوْثِقَ سَمَاعَهُ عَنْهُ، انْتَهَى. لَكِنَّ آخِرَ الْحَدِيثِ يَأْبَى عَنْ هَذَا الْمَعْنَى كَمَا لَا يَخْفَى. (فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ): فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضٌ، حَيْثُ سَمِعَهُ أَبُو عِيسَى عَنْهُ بِلَفْظِ أَخْبَرَنَا وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ بِلَفْظِ حَدَّثَنَا. (فَقَالَ): أَيْ يَحْيَى. (لَوْ كَانَ): أَيِ التَّحْدِيثُ. (مِنْ كِتَابِكَ): أَيْ لَكَانَ خَيْرًا لِكَوْنِهِ أَوْثَقُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَوْ لِلتَّمَنِّي فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى جَوَابٍ. (فَقُمْتُ): أَيْ مِنَ الْمَجْلِسِ. (لِأُخْرِجَ كِتَابِي): أَيْ كِتَابَ رِوَايَتِي مِنْ بَيْتِي. (فَقَبَضَ) أَيْ يَحْيَى (عَلَيَّ): بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ. (ثَوْبِي): أَيْ فَأَمْسَكَهُ مَانِعًا لِي مِنَ الْقِيَامِ لِشِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى تَحْصِيلِ عِلْمِهِ، وَقِلَّةِ طُولِ أَمَلِهِ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِهِ بِحُدُوثِ أَجْلِهِ. (ثُمَّ قَالَ: أَمْلِهِ عَلَيَّ): بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ، أَمْرٌ مِنَ الْإِمْلَالِ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْإِمْلَاءِ. يُقَالُ: أَمْلَلْتُ الْكِتَابَ وَأَمْلَيْتُهُ إِذَا أَلْقَيْتَهُ عَلَى الْكَاتِبِ لِيَكْتُبَهُ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَيُقَالُ مَلَلْتُهُ أَيْضًا. فَمَعَ عَدَمِ مُنَاسَبَتِهِ لِلْمَرَامِ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِكُتُبِ اللُّغَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِسُكُونِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ مِنَ الْإِمْلَاءِ، أَيْ حَدِّثْنِي بِالْإِمْلَاءِ أَوَّلًا. (فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَلْقَاكَ): أَيْ ثَانِيًا لِمَانِعٍ مِنَ الْمَوَانِعِ، وَمِنْهُ مَوْتُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ تَلَاقِيهِمَا، وَلِذَا قِيلَ: الْوَقْتُ سَيْفٌ قَاطِعٌ وَبَرْقُ الْخَوْفِ لَامِعٌ. (قَالَ): أَيْ مُحَمَّدٌ. (فَأَمْلَيْتُهُ): أَيِ الْحَدِيثَ. (عَلَيْهِ): أَيْ عَلَى يَحْيَى، وَفِي نُسْخَةٍ: فَأَمْلَيْتُ عَلَيْهِ. بِدُونِ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ تَفَنُّنٌ فِي الْعِبَارَةِ، فَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ الْعِصَامُ مِنْ أَنَّهُ يُؤَيِّدُ كَوْنَ الْأَوَّلِ بِالتَّخْفِيفِ. (ثُمَّ أَخْرَجْتُ كِتَابِي فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ): أَيِ الْحَدِيثَ مِنْ أَصْلِي أَيْضًا، قَالَ الْعِصَامُ: وَفِي نَقْلِ رِوَايَةِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ الْبَحْثُ عَلَى لِبَاسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَزِيدُ تَوْثِيقِ هَذَا السَّنَدِ؛ إِذْ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَوْثِقُ بِهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَكَانَ وَاثِقًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَيْثُ وَافَقَتْ رِوَايَتُهُ قِرَاءَتَهُ مِنْ كِتَابِهِ، انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ الْبَحْثُ عَنْ لِبَاسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ بَحْثٌ. لِأَنَّ السُّؤَالَ إِنَّمَا وَقَعَ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ اللِّبَاسِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ.
(حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ): مَرَّ فِي بَابِ الشَّعْرِ. (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ): مَرَّ فِيهِ أَيْضًا. (عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ): كَرِجَالٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتِيَّةِ. (الْجُرَيْرِيِّ): مَنْسُوبٌ إِلَى جُرَيْرٍ مُصَغَّرًا بِجِيمٍ وَرَائَيْنِ أَحَدُ آبَائِهِ، كَانَ قَدِ اخْتَلَطَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ سِنِينَ وَلَمْ يَكُنِ اخْتِلَاطُهُ فَاحِشًا، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: هُوَ ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: مَنْ كَتَبَ عَنْهُ قَدِيمًا هُوَ صَالِحٌ حَسَنُ الْحَدِيثِ. (عَنْ أَبِي نَضْرَةَ): سَبَقَ فِي بَابِ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ. (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا): أَيْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا، وَأَصْلُهُ مَا فِي الْقَامُوسِ: صَيَّرَهُ جَدِيدًا. وَأَغْرَبَ مَنْ قَالَ: أَيْ طَلَبَ ثَوْبًا جَدِيدًا. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ طَلَبُ لُبْسِهِ أَوْ طَلَبُهُ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ خَدَمِهِ، وَعِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا لَبِسَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. (سَمَّاهُ): أَيِ الثَّوْبَ الْمُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ. (بِاسْمِهِ): أَيِ الْمُعَيَّنِ الْمُشَخَّصِ الْمَوْضُوعِ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ الثَّوْبُ (عِمَامَةً): بِكَسْرِ الْعَيْنِ. (أَوْ قَمِيصًا أَوْ رِدَاءً): أَيْ أَوْ غَيْرَهُمَا كَالْإِزَارِ وَالسِّرْوَالِ وَالْخُفِّ وَنَحْوِهَا، فَالْمَقْصُودُ التَّعْمِيمُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: رَزَقَنِي اللَّهُ هَذَا الْقَمِيصَ أَوْ كَسَانِي هَذِهِ الْعِمَامَةَ، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ. (ثُمَّ يَقُولُ): أَيْ بَعْدَ لُبْسِهِ وَتَسْمِيَتِهِ. (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا كَسَوْتَنِيهِ): وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْمُسَمَّى، قَالَ الْمُظْهِرُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ أَنْ يَقُولَ فِي ضِمْنِ كَلَامِهِ بَدَلًا عَنْ ضَمِيرِ «كَسَوْتَنِيهِ» اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا كَسَوْتَنِي هَذَا الْقَمِيصَ أَوِ الْعِمَامَةَ مَثَلًا. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِدَلَالَةِ الْعَطْفِ بِثُمَّ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ «كَمَا كَسَوْتَنِيهِ» مَرْفُوعُ الْمَحَلِّ بِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ أَسْأَلُكُ إِلَخْ وَهُوَ الْمُشَبَّهُ أَيْ مِثْلَمَا كَسَوْتَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ. (أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ): أَيْ أَنْ تُوصِلَ إِلَيَّ خَيْرَهُ. (وَخَيْرَ مَا صُنِعَ): أَيْ خُلِقَ. (لَهُ): مِنَ الشُّكْرِ بِالْجَوَارِحِ وَالْقَلْبِ وَالْحَمْدِ لِمُوَلِّيهِ بِاللِّسَانِ. (وَأَعُوذُ بِكَ): عَطْفٌ عَلَى أَسْأَلُكَ، أَيْ أَسْتَعِيذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ. (وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ): مِنَ الطُّغْيَانِ وَالْكُفْرَانِ، انْتَهَى كَلَامُ الطِّيبِيِّ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَالْكَافُ بِمَعْنَى عَلَى أَوْ لِلتَّعْلِيلِ أَوْ لِلتَّشْبِيهِ، أَيِ الْحَمْدُ عَلَى قَدْرِ إِنْعَامِهِ الْكِسْوَةَ وَبِطَبَقِهِ وَإِزَائِهِ، وَإِمَّا لِلْمُبَادَرَةِ كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ أَسْلِمْ كَمَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَمَا بِمَعْنَى إِذَا كَمَا نُقِلَ عَنِ الْغَزَالِيِّ، وَيُحْتَمَلُ تَعَلُّقُ قَوْلِهِ كَمَا بِقَوْلِهِ أَسْأَلُكَ، وَالْمَعْنَى: أَسْأَلُكَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى خَلْقِهِ مِنَ الْعِبَادَةِ بِهِ، وَصَرْفِهِ فِيمَا فِيهِ رِضَاكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِمَّا لَا تَرْضَى بِهِ مِنَ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَكَوْنِي أُعَاقَبُ بِهِ لِحُرْمَتِهِ. وَقَالَ مِيرَكُ: خَيْرُ الثَّوْبِ بَقَاؤُهُ وَنَقَاؤُهُ وَكَوْنُهُ مَلْبُوسًا لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ لَا لِلْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ، وَخَيْرُ مَا صُنِعَ لَهُ وَهُوَ الضَّرُورَاتُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا يُصْنَعُ اللِّبَاسُ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَالْمُرَادُ سُؤَالُ الْخَيْرِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ، وَأَنْ يَكُونَ مُبَلِّغًا إِلَى الْمَطْلُوبِ الَّذِي صُنِعَ لِأَجْلِهِ الثَّوْبُ مِنَ الْعَوْنِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ لِمُوَلِّيهِ، وَفِي الشَّرِّ عَكْسُ الْمَذْكُورَاتِ وَهُوَ كَوْنُهُ حَرَامًا وَبَخْسًا، أَوْ لَمْ يَبْقَ زَمَانًا طَوِيلًا، أَوْ يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَعَاصِي وَالشُّرُورِ. هَذَا وَقَدْ وَرَدَ فِيمَا يَدْعُو بِهِ مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا أَحَادِيثُ أُخَرُ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْمُؤَلِّفُ فِي جَامِعِهِ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الثَّوْبِ الَّذِي أَخْلَقَ فَتَصَدَّقَ بِهِ كَانَ فِي حِفْظِ اللَّهِ وَفِي كَنَفِ اللَّهِ وَفِي سِتْرِ اللَّهِ حَيًّا وَمَيِّتًا».
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْمُؤَلِّفُ فِي جَامِعِهِ وَحَسَّنَهُ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ «وَمَا تَأَخَّرَ».
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا اشْتَرَى عَبْدٌ ثَوْبًا بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَيْهِ إِلَّا لَمْ يَبْلُغْ رُكْبَتَيْهِ حَتَّى يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ»، قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ لَا أَعْلَمُ فِي إِسْنَادِهِ أَحَدًا ذُكِرَ بِجَرْحٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُونُسَ الْكُوفِيُّ، أَخْبَرَنَا): وَفِي نُسْخَةٍ حَدَّثَنَا. (الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيُّ): بِضَمِّ مِيمٍ فَفَتْحِ زَايٍ، مَنْسُوبٌ إِلَى قَبِيلَةِ مُزَيْنَةَ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ. (عَنِ الْجُرَيْرِيِّ): مَرَّ ذِكْرُهُ قَرِيبًا. (عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ): أَيْ فِي الْمَعْنَى، وَلَوْ قَالَ (مِثْلَهُ) يُرَادُ فِي اللَّفْظِ.
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ): بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ. (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهُ): وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ «يَلْبَسُهَا» بِضَمِيرِ التَّأْنِيثِ، وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِأَحَبَّ أَوِ الثِّيَابِ وَخَرَجَ بِهِ مَا يُفْرَشُ وَنَحْوُهُ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِلثِّيَابِ أَوْ لِأَحَبَّ وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ الْمُضَافِ. (الْحِبَرَةَ): وَهِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى مِثَالِ الْعِنَبَةِ، قَالَ مِيرَكُ: الرِّوَايَةُ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ رَفْعُ «الْحِبَرَةِ» عَلَى أَنَّهَا اسْمُ كَانَ و«أَحَبَّ» خَبَرُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْعَكْسِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحُوهُ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الشَّمَائِلِ، ثُمَّ «الْحِبَرَةَ» نَوْعٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ بِخُطُوطٍ حُمْرٍ، وَرُبَّمَا كَانَتْ بُرُزٌ. قِيلَ: هِيَ أَشْرَفُ الثِّيَابِ عِنْدَهُمْ تُصْنَعُ مِنَ الْقُطْنِ، فَلِذَا كَانَ أَحَبَّ، وَقِيلَ: لِكَوْنِهَا خَضْرَاءَ وَهِيَ مِنْ ثِيَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: سُمِّيَتْ حِبَرَةً لِأَنَّهَا تُحَبَّرُ أَيْ تَزَيُّنِ، وَالتَّحْبِيرُ التَّحْسِينُ، قِيلَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} وَقِيلَ: إِنَّمَا كَانَتْ هِيَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ زِينَةٍ، وَلِأَنَّهَا أَكْثَرُ احْتِمَالًا لِلْوَسَخِ، قَالَ الْجَزَرِيُّ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ لُبْسِ الْحِبَرَةِ، وَعَلَى جَوَازِ لُبْسِ الْمُخَطَّطِ، قَالَ مِيرَكُ: وَهُوَ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ، انْتَهَى. وَهُوَ مَحَلُّ بَحْثٍ، وَالْجُمَعُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ أَحَبَّ الثِّيَابِ عِنْدَهُ كَانَ الْقَمِيصَ؛ إِمَّا بِمَا اشْتُهِرَ فِي مِثْلِهِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحَبِّ كَمَا قِيلَ فِيمَا وَرَدَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ، وَإِمَّا بِأَنَّ التَّفْضِيلَ رَاجِعٌ إِلَى الصِّفَةِ فَالْقَمِيصُ أَحَبُّ الْأَنْوَاعِ بِاعْتِبَارِ الصُّنْعِ وَالْحِبَرَةُ أَحَبُّهَا بِاعْتِبَارِ اللَّوْنِ أَوِ الْجِنْسِ، فَتَأْمَّلْ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: الْأَحَبُّ الْمُطْلَقُ هُوَ أَنْ يَكُونَ حِبَرَةً وَجُعِلَ قَمِيصًا.
(حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ): أَيِ الثَّوْرِيُّ كَمَا فِي نُسْخَةٍ، وَقِيلَ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ. (عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ): حَدِيثُهُ فِي الصِّحَاحِ. (عَنْ أَبِيهِ): صَحَابِيٌّ، مَرَّ ذِكْرُهُ. (قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): قَالَ مِيرَكُ: وَهَذِهِ الرُّؤْيَةُ وَقَعَتْ لَهُ فِي بَطْحَاءِ مَكَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، وَلَفْظُهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ بِالْهَاجِرَةِ إِلَى آخِرِهِ. وَفِيهِ: وَخَرَجَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا. وَالْبَطْحَاءُ مَوْضِعٌ خَارِجَ مَكَّةَ، وَيُقَالُ لَهُ الْأَبْطَحُ، قَالَ: وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ بَلَلَ وَضَوْئِهِ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا مَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ صَاحِبِهِ. وَبَيَّنَ فِي رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ أَنَّ الْوَضُوءَ الَّذِي ابْتَدَرَهُ النَّاسُ كَانَ فَضْلَ الْمَاءِ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَذَا فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا، وَزَادَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَوْنٍ عَنْ أَبِيهِ: وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهِمَا وُجُوهَهُمْ، قَالَ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي فَإِذَا هِيَ أَبْرُدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ. قَالَ: وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَوْنٍ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ؛ لِقَوْلِهِ: ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، انْتَهَى. وَفِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى قَوْلِهِ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ): وَالْحُلَّةُ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ، كَذَا فِي الْمُهَذَّبِ، وَفِي الصِّحَاحِ: لَا يُسَمَّى حُلَّةً حَتَّى يَكُونَ ثَوْبَيْنِ، انْتَهَى. وَالْمُرَادُ بِالْحُلَّةِ الْحَمْرَاءِ بُرْدَانِ يَمَانِيَانِ مَنْسُوجَانِ بِخُطُوطٍ حُمْرٍ مَعَ سُودٍ كَسَائِرِ الْبُرُودِ الْيَمَنِيَّةِ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهَا مِنَ الْخُطُوطِ الْحُمْرِ، وَإِلَّا فَالْأَحْمَرُ الْبَحْتُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَمَكْرُوهٌ لُبْسُهُ لِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: مَرَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ حُلَّتَانِ حَمْرَاوَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ. وَحَمَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى مَا صُبِغَ بَعْدَ النُّسَجِ، وَأَمَّا مَا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ زِينَةُ الشَّيْطَانِ وَمُوجِبٌ لِلْخُيَلَاءِ وَالطُّغْيَانِ، وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ الْحُمْرَةَ مِنْ زِينَةِ الشَّيْطَانِ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَبِسَ الْأَحْمَرَ الْبَحْتَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ النَّهْيِ أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ مُحْيِي السُّنَّةِ عَدَمُ التَّنَافِي بِالتَّخْصِيصِ، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ، فَلَا يَصِحُّ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ، وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الْآتِي مَا يُظْهِرُ لَكَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ. (وَكَأَنِّي أَنْظُرُ): أَيِ الْآنِ. (إِلَى بَرِيقِ سَاقَيْهِ): أَيْ لَمَعَانِهِمَا، فَفِي الْقَامُوسِ: بَرَقَ الشَّيْءُ بَرْقًا وَبَرِيقًا وَبُرْقَانًا أَيْ لَمَعَ. وَالْحَنَفِيُّ وَهِمَ أَنَّهُ وَصْفٌ فَقَالَ: لَعَلَّهُ مِنْ قَبِيلِ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: أَيْ بَيَاضِهِمَا، وَبَرِيقٌ مُصْدَرٌ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِيهِ، وَفِيهِ أَنَّ الْبَيَاضَ لَوْنُ الْأَبْيَضِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، قَالَ مِيرَكُ: وَفِي رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ عَوْنٍ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ سَاقَيْهِ. وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَآخِرُهُ صَادٌ مُهْمَلَةٌ، الْبَرِيقُ، لَا مَصْدَرَ ثَمَّ فِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى اسْتِحْبَابِ تَقْصِيرِ الثِّيَابِ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِيمَا يَخُصُّهُ مِنَ الْبَابِ. (قَالَ سُفْيَانُ): وَالْمُطْلَقُ مِنْ هَذَا الِاسْمِ يُرَادُ بِهِ الثَّوْرِيُّ كَمَا إِذَا أُطْلِقَ الْحَسَنُ فَهُوَ الْبَصْرِيُّ وَإِذَا أُطْلِقَ عَبْدُ اللَّهِ فَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ. (أُرَاهَا): عَلَى صِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمَجْهُولِ الْمُتَكَلِّمِ وَحْدَهُ، يَعْنِي أَظُنُّ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ. (حِبَرَةً): وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ «نُرَاهُ» عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ الْمُتَكَلِّمِ مَعَ الْغَيْرِ، أَيْ نَظُنُّهُ، وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْحُلَّةِ ثَوْبًا، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَهَذَا الظَّنُّ لَا يُفِيدُ حُرْمَةَ الْأَحْمَرِ الْبَحْتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ مُسْتَنَدًا يَصْلُحُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ. فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ سَيَأْتِي صَرِيحًا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْآتِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالظَّنِّ الِاعْتِقَادَ، وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الِاسْتِنَادِ، نَعَمْ، يُؤَيِّدُهُ تَقْيِيدُهَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِالْحِبَرَةِ.
(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ): بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ الْأُولَى وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ وَالرَّاءِ، وَهُوَ مُنْصَرِفٌ كَجَعْفَرٍ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، وَضُبِطَ فِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى عَدَمِ الصَّرْفِ، وَلَعَلَّ عِلَّتَهُ الْأُخْرَى الْعُجْمَةُ. (أَخْبَرَنَا): وَفِي نُسْخَةٍ أَنْبَأَنَا. (عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ): مِنْ بَيَانِيَّةٌ. (أَحْسَنَ): تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ. (فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ): لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لَا لِلتَّقْيِيدِ. (مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): مُتَعَلِّقَةٌ بِأَحْسَنَ. (إِنْ كَانَتْ جُمَّتُهُ): بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، أَيْ شَعْرُ رَأْسِهِ وَإِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهَا اللَّامُ الْفَارِقَةُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ النَّافِيَةِ فِي قَوْلِهِ: (لَتَضْرِبُ): أَيْ لَتَصِلُ. (قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ): أَيْ بِاعْتِبَارِ جَانِبَيْهِ، قَالَ مِيرَكُ: وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِيهِ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بِمِنًى عَلَى بَعِيرِهِ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ أَحْمَرُ. وَسَنَدُهُ حَسَنٌ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ نَحْوَهُ، قَالَ: فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ جَوَازُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: الْجَوَازُ مُطْلَقًا لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ. الثَّانِي: الْمَنْعُ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرٍو قَالَ: رَأَى عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهُمَا». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: فَقُلْتُ: أَغْسِلُهُمَا؟، قَالَ: «بَلِ احْرِقْهُمَا». وَالْمُعَصْفَرُ هُوَ الَّذِي يُصْبَغُ بِالْعُصْفُرِ، وَغَالِبُ مَا يُصْبَغُ بِهِ يَكُونُ أَحْمَرَ؛ وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُفَدَّمِ، وَهُوَ بِالْفَاءِ وَشَدِّ الدَّالِ، وَهُوَ الْمُصَبَّغُ بِالْعُصْفُرِ. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ رَافِعِ بْنِ يَزِيدَ الثَّقَفِيِّ، رَفَعَهُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يُحِبُّ الْحُمْرَةَ فَإِيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ وَكُلَّ ثَوْبٍ ذِي شُهْرَةٍ». وَأَخْرَجُهُ ابْنُ مَنْدَهْ، وَأَدْخَلَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ بَيْنَ الْحَسَنِ وَرَافِعٍ رَجُلًا، فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَبَالَغَ الْجَوْرَبَانِيُّ فَقَالَ: إِنَّهُ بَاطِلٌ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ، وَحَسَّنَهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ قَالَتْ: كُنْتُ فِي بَيْتِ زَيْنَبَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَنَحْنُ نَصْبُغُ ثِيَابًا لَهَا بِمَغْرَةٍ إِذْ طَلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَى الْمَغْرَةَ رَجَعَ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ زَيْنَبُ غَسَلَتْ ثِيَابَهَا وَوَارَتْ كُلَّ حُمْرَةٍ، فَجَاءَ فَدَخَلَ. وَفِي سَنَدِهِ رَاوٍ ضَعِيفٍ. الثَّالِثُ: يُكْرَهُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْمُشَبَّعِ بِالْحُمْرَةِ دُونَ مَا كَانَ صَبْغُهُ خَفِيفًا، وَكَانَ الْحُجَّةَ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ. الرَّابِعُ: يُكْرَهُ لُبْسُ الْأَحْمَرِ مُطْلَقًا لِقَصْدِ الزِّينَةِ وَالشُّهْرَةِ، وَيَجُوزُ فِي الْبُيُوتِ وَوَقْتِ الْمِهْنَةِ. الْخَامِسُ: لَا يَجُوزُ لُبْسُ مَا كَانَ صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ وَجَنَحَ إِلَى ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ، وَاحْتُجَّ بِأَنَّ الْحُلَلَ الْوَاقِعَةَ فِي الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي لُبْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ لِإِحْدَى حُلَلِهِنَّ، وَكَذَا الْبُرْدُ الْأَحْمَرُ وَالْبُرُودُ الْحُمْرُ يُصْبَغُ غَزْلُهَا ثُمَّ يُنْسَجُ. السَّادِسُ: اخْتِصَاصُ النَّهْيِ بِمَا يُصْبَغُ بِالْعُصْفُرِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ، وَلَا يُمْنَعُ مَا صُبِغَ بِغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الصَّبْغِ، وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْمَغْرَةِ الْمُتَقَدِّمُ. السَّابِعُ: تَخْصِيصُ الْمَنْعِ بِالَّذِي يُصْبُغُ كُلُّهُ، وَأَمَّا مَا فِيهِ لَوْنٌ آخَرُ غَيْرُ الْأَحْمَرِ مِنْ بَيَاضٍ وَسَوَادٍ وَغَيْرِهِمَا فَلَا، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْحُلَّةِ الْحَمْرَاءِ، فَإِنَّ الْحُلَلَ غَالِبًا تَكُونُ ذَوَاتَ خُطُوطٍ حُمْرٍ وَغَيْرِهَا، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَلْبَسُ ثَوْبًا مُصَبَّغًا بِالْحُمْرَةِ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَتَّبِعُ السُّنَّةَ، وَهُوَ غَلَطٌ؛ فَإِنَّ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ لَا يُصْبَغُ أَحْمَرَ صِرْفًا، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ غَالِبَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ: الَّذِي أُرَاهُ جَوَازُ لُبْسِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ بِكُلِّ لَوْنٍ إِلَّا أَنِّي لَا أُحِبُّ لُبْسَ مَا كَانَ مُصَبَّغًا بِالْحُمْرَةِ وَلَا لُبْسَ الْأَحْمَرِ مُطْلَقًا، ظَاهِرًا فَوْقَ الثِّيَابِ؛ لِكَوْنِ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ زِيِّ أَهْلِ الْمُرُوءَةِ فِي زَمَانِنَا، فَإِنَّ مُرَاعَاةَ ذَوِي الزَّمَانِ مِنَ الْمُرُوءَةِ مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا. وَفِي مُخَالَفَةِ الزِّيِّ ضَرْبٌ مِنَ الشُّهْرَةِ، قُلْتُ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ فَلَا عِبْرَةَ بِالْمُرُوءَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْبِدْعَةِ. قَالَ مِيرَكُ: وَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُلَخَّصَ مِنْهُ قَوْلٌ ثَامِنٌ. وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ لُبْسِ الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ إِنْ كَانَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مِنْ لِبَاسِ الْكُفَّارِ، فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ، وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِيهَا إِنْ كَانَتْ مِنْ حَرِيرٍ غَيْرُ حَمْرَاءَ فَاسْتِعْمَالُهَا مَمْنُوعٌ لِأَجْلِ أَنَّهَا مِنَ الْحَرِيرِ وَاسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ لِلرَّجُلِ حَرَامٌ لَاسِيَّمَا إِنْ كَانَتْ مَعَ ذَلِكَ حَمْرَاءَ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ حَرِيرٍ فَالنَّهْيُ فِيهَا لِلزَّجْرِ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ، وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ لُبْسِ الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ زِيُّ النِّسَاءِ فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الزَّجْرِ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ النَّهْيُ عَنْهُ لَا لِذَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْلِ الشُّهْرَةِ أَوْ خَرْمِ الْمُرُوءَةِ فَيَمْتَنِعُ حَيْثُ يَقَعُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا فَيَقْوَى قَوْلُ مَنْ قَالَ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ لُبْسِهِ فِي الْمَحَافِلِ وَفِي الْبُيُوتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَبَاحَ الْمُعَصْفَرَ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ تَنْزِيهًا، وَحَمَلَ النَّهْيَ عَلَيْهِ، لَكِنْ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إِلَى أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ حُرْمَتُهُ كَالْمُزَعْفَرِ وَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِحَرْقِ الْمُعَصْفَرِ، وَأَمَّا مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصْبُغُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ ثِيَابَهُ حَتَّى عِمَامَتِهِ، فَيُعَارِضُهُ مَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُزَعْفَرِ، وَأَمَّا مَا رَوَى الدِّمْيَاطِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ بُرْدَهُ الْأَحْمَرَ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ، فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمُخَطَّطِ بِخُطُوطٍ حُمْرٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْبُرْدُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، أَنْبَأَنَا): وَفِي نُسْخَةٍ أَخْبَرَنَا. (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ): بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ. (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادٍ): بِكَسْرِ هَمْزَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ زِيَادَةُ. (وَهُوَ ابْنُ لَقِيطٍ): بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ. (عَنْ أَبِيهِ): أَيْ إِيَادٍ. (عَنْ أَبِي رِمْثَةَ): بِكَسْرِ الرَّاءِ فَسُكُونِ الْمِيمِ وَمُثَلَّثَةٍ. (قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ): قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْبُرْدُ نَوْعٌ مِنَ الثِّيَابِ مُخَطَّطٌ مَعْرُوفٌ. (أَخْضَرَانِ): أَيْ فِيهِمَا خُطُوطٌ خُضْرٌ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِخْرَاجٌ لِلَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ فَجَوَابُهُ أَنَّ دَلِيلَهُ قَوْلُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ فِي مَعْنَى الْبُرْدِ، فَتَأَمَّلْ وَتَدَبَّرْ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الثِّيَابُ الْخُضْرُ مِنْ لِبَاسِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَكَفَى بِذَلِكَ شَرَفًا. قُلْتُ: صَارَتْ ثِيَابَ الشُّرَفَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَفْضِيلُهَا عَلَى الْبِيضِ لِمَا يَأْتِي، قَالَ مِيرَكُ: وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا. وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي جَامِعِهِ: هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِيَادٍ. قُلْتُ: وَفِي الْمِشْكَاةِ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ مُضْطَبِعًا بِبُرْدٍ أَخْضَرَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ.
(حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ): بِالتَّصْغِيرِ. (قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنَا): وَفِي نُسْخَةٍ أَنْبَأَنَا. (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَّانٍ): بِتَشْدِيدِ السِّينِ مُنْصَرِفًا وَغَيْرِ مُنْصَرِفٍ. (الْعَنْبَرِيُّ عَنْ جَدَّتَيْهِ دُحَيْبَةَ): بِدَالٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ. (وَعُلَيْبَةَ): بِالتَّصْغِيرِ فِيهِمَا. (عَنْ قَيْلَةَ): بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ. (بِنْتِ مَخْرَمَةَ): بِسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَيْنَ فَتَحَاتٍ، قَالَ مِيرَكُ: هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ الشَّمَائِلِ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ عَنْ جَدَّتَيْهِ دُحَيْبَةَ وَصَفِيَّةَ، أَيْ بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ، بِنْتَيْ عُلَيْبَةَ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلَّفُ عَلَى الصَّوَابِ فِي جَامِعِهِ. وَعُلَيْبَةُ هُوَ ابْنُ حَرْمَلَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِيَاسٍ، فَعُلَيْبَةُ أَبُوهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنُ مَنْدَهْ وَابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ، وَهُمَا جَدَّتَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَّانَ، إِحْدَاهُمَا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالثَّانِيَةُ مِنْ طَرَفِ الْأُمِّ؛ لَمَّا وَقَعَ الزَّوَاجُ بَيْنَ ابْنِ الْخَالَةِ وَبِنْتِ الْخَالَةِ، وَهُمَا تَرْوِيَانِ عَنْ جَدَّةِ أَبِيهِمَا قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي جَامِعِهِ: وَقَيْلَةُ جَدَّةُ أَبِيهِمَا أُمِّ أُمِّهِ، وَكَانَتْ رَبَّتْهُمَا، وَكَانَتْ مِنَ الصَّحَابِيَّاتِ، انْتَهَى. وَبِهَذَا ظَهَرَ بُطْلَانُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّهُ اعْتَرَضَ، أَيْ فِي تَهْذِيبِ الْكَمَالِ بِأَنَّ صَوَابَ هَاتَيْنِ دُحَيْبَةُ وَصْفِيَّةُ بِنْتَا عُلَيْبَةَ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ دُحَيْبَةَ جَدَّتُهُ وَأَنَّ أُمَّهَا عُلَيْبَةَ جَدَّتُهُ، وَأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْهَا فَصَحَّ مَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَكَوْنُ دُحَيْبَةَ لَهَا أُخْتٌ اسْمُهَا صَفِيَّةَ لَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ بِوَجْهٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. (قَالَتْ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ أَسْمَالُ مُلَيَّتَيْنِ): بِالْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ مِنْ قَبِيلِ جَرْدِ قَطِيفَةٍ، وَالْأَسْمَالُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ سَمَلٍ بِتَحْرِيكِهِمَا، وَهُوَ الثَّوْبُ الْخَلَقُ، يُقَالُ: ثَوْبُ أَسْمَالٍ كَمَا يُقَالُ: رُمْحُ أَقْصَادٍ، وَبُرْمَةُ أَعْشَارٍ، وَالْقَصْدُ الرُّمْحُ وَهُوَ أَحَدُ مَا جَاءَ عَلَى بِنَاءِ الْجَمْعِ، وَبُرْمَةُ أَعْشَارٍ إِذَا انْكَسَرَتْ قِطَعًا، وَقَلْبُ أَعْشَارٍ جَاءَ عَلَى بِنَاءِ الْجَمْعِ أَيْضًا، وَيُقَالُ: ثَوْبُ أَخْلَاقٍ إِذَا كَانَتِ الْخُلُوقَةُ فِيهِ كُلِّهِ. وَالْمُلَيَّةُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ تَصْغِيرُ الْمُلَاءَةِ بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ، لَكِنْ بَعْدَ حَذْفِ الْأَلِفِ، وَهِيَ الْإِزَارُ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي الصِّحَاحِ هِيَ الرَّيْطَةُ أَيِ الْمِلْحَفَةُ، وَفِي الْقَامُوسِ هِيَ كُلُّ ثَوْبٍ لَمْ يُضَمَّ بَعْضُهُ لِبَعْضٍ بِخَيْطٍ بَلْ كُلُّهُ نَسْجٌ وَاحِدٌ. وَالْمُرَادُ بِالْأَسْمَالِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ لِيُطَابِقَ التَّثْنِيَةَ. (كَانَتَا بِزَعْفَرَانَ): أَيْ مَصْبُوغَتَيْنِ بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْحَنَفِيِّ: أَيْ مَخْلُوطَتَيْنِ فَفِيهِ تَسَامُحٌ لَا يَخْفَى. (وَقَدْ نَفَضَتْهُ): بِالْفَاءِ أَيِ الْأَسْمَالُ أَوْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمُلَيَّتَيْنِ لَوْنُ الزَّعْفَرَانِ وَلَمْ يَبْقَ أَثَرٌ مِنْهُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: نُفِضِتَا عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيِ الْمُلَيَّتَانِ أَوِ الْأَسْمَالُ وَالتَّثْنِيَةُ لِلْمَيْلِ إِلَى الْمَعْنَى، وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ لِلْمَعْلُومِ، قَالَ مِيرَكُ: كَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ فِعْلًا مَاضِيًا مَعْرُوفًا، وَكَذَا عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي جَامِعِهِ، وَالْفَاعِلُ الْمُلَيَّتَانِ أَيْ نُفِضَتِ الْمُلَّيْتَانِ لَوْنُ الزَّعْفَرَانِ الَّذِي صُبِغَتَا بِهِ، وَحَذْفُ الْمَفْعُولِ كَثِيرٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} أَيْ بَعْثَهُ اللَّهُ، وَالْأَصْلُ فِي النَّفْضِ التَّحْرِيكُ، فَإِسْنَادُ النَّفْضِ إِلَى الْمُلَيَّةِ مَجَازِيٌّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ نَفَضَ الثَّوْبُ نَفَضًا فَهُوَ نَافِضٌ أَيْ ذَهَبَ بَعْضُ لَوْنِهِ مِنَ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ، كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الصِّحَاحِ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى ارْتِكَابِ حَذْفِ الْمَفْعُولِ وَإِلَيْهِ يَوْمِئُ كَلَامُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَالْمِزِّيُّ فِي تَهْذِيبِ الْكَمَالِ، حَيْثُ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: أَيْ نَصَلَ لَوْنُ صَبْغِهَا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا الْأَثَرُ. وَقَالَ الْمِزِّيُّ: إِنَّمَا جُمِعَتِ الْأَسْمَالُ وَثُنِّيَتٍ الْمُلَاءَتَيْنِ لِأَنَّهَا أَرَادَتْ أَنَّهُمَا كَانَتَا قَدِ انْقَطَعَتَا حَتَّى صَارَتَا قِطَعًا وَنَفَضَتَا أَيْذَهَبَ لَوْنُهُ مِنْهُمَا إِلَّا الْيَسِيرَ بِطُولِ لُبْسِهِمَا وَاسْتِعْمَالِهِمَا، لَكِنْ يُؤَيِّدُ حَذْفَ الْمَفْعُولِ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَقَدْ نَفَضَتْهُ، انْتَهَى. وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ مِنْ إِيثَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَذَاذَةَ الْهَيْئَةِ وَرَثَاثَةَ اللُّبْسَةِ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ السَّلَفُ وَجُمْهُورُ الصُّوفِيَّةِ، وَأَمَّا مَا اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقَادَةِ النَّقْشَبَنْدِيَّةِ وَالسَّادَةِ الشَّاذِلِيَّةِ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ السَّنِيَّةِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَرَاكِبِ الْبَهِيَّةِ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ لَمَّا رَأَوْا أَهْلَ اللَّهْوِ يَتَفَاخَرُونَ بِالزِّينَةِ وَالْمَلَابِسِ أَظْهَرُوا لَهُمْ بِرَثَاثَةِ مَلَابِسِهِمْ حَقَارَةَ مَا حَقَّرَهُ الْحَقُّ مِمَّا عَظَّمَهُ الْغَافِلُونَ، وَالْآنَ قَدْ قَسَتِ الْقُلُوبُ وَنُسِيَ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَاتَّخَذَ الْغَافِلُونَ رَثَاثَةَ الْهَيْئَةِ حِيلَةً عَلَى جَلْبِ الدُّنْيَا وَوَسِيلَةً إِلَى حُبِّ أَهْلِهَا فَانْعَكَسَ الْأَمْرُ وَصَارَ مُخَالِفُهُمْ فِي ذَلِكَ لِلَّهِ مُتَّبِعًا لِرَسُولِهِ وَلِلسَّلَفِ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الْعَارِفُ بِاللَّهِ تَعَالَى أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذُلِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ لِذِي رَثَاثَةٍ أَنْكَرَ عَلَيْهِ جَمَالَ هَيْئَتِهِ: يَا هَذَا هَيْئَتِي هَذِهِ تَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَهَيْئَتُكَ هَذِهِ تَقُولُ أَعْطُونِي مِنْ دُنْيَاكُمْ شَيْئًا لِلَّهِ. وَأَمَّا النَّقْشَبَنْدِيَّةُ فَعُمْدَةُ غَرَضِهِمُ التَّسَتُّرُ بِحَالِهِمْ وَالتَّبَاعُدُ عَنِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ فِي أَفْعَالِهِمْ هَذِهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} وَلِهَذَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ أَيْضًا مِنَ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ وَأَكَلَ مِنَ اللَّذِيذَاتِ الطَّيِّبَةِ الطَّاهِرَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَارَ الْبَذَاذَةَ وَظُهُورَ الْفَاقَةِ فِي أَحْوَالِهِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى وَنَظَرًا إِلَى أَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ أَسْلَمَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ فَرِيقٍ، وَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» وَفِي رِوَايَةٍ: «نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ». وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا وَعَلَيْهِ أَطْمَارٌ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: ثَوْبٌ دُونٌ، فَقَالَ لَهُ: «هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ؟» فَقَالَ: نَعَمُ، فَقَالَ: «مِنْ أَيِ الْمَالِ؟» قَالَ: مِنْ كُلِّ مَا آتَى اللَّهُ مِنَ الْإِبِلِ وَالشِّيَاهِ، فَقَالَ: «فَكَثِّرْ نِعْمَتَهُ وَكَرَامَتَهُ عَلَيْكَ» أَيْ فَأَظْهِرْ أَثَرَ نِعْمَتِهِ بِالْحَمْدِ وَالشُّكْرِ بِلِسَانِ الْقَالِ وَالْحَالِ لِيَكُونَ سَبَبًا لِلْمَزِيدِ فِي الِاسْتِقْبَالِ وَالْمَآلِ، قَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}، وَفِي السُّنَنِ أَيْضًا: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ». أَيْ لِإِنْبَائِهِ عَنِ الْجَمَالِ الْبَاطِنِ وَهُوَ الشُّكْرُ عَلَى النِّعْمَةِ، وَهَاهُنَا مَزْلَقَةٌ لِقَوْمٍ وَمَصْعَدَةٌ لِآخَرِينَ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ؛ حَيْثُ لَا بُدَّ لِلسَّالِكِ فِيهِمَا مِنْ تَصْحِيحِ النِّيَّةِ وَإِخْلَاصِ تِلْكَ الطَّوِيَّةِ فَلَا يَلْبَسُ بِافْتِخَارٍ وَلَا يَتْرُكُ بُخْلًا وَاحْتِقَارًا، فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «الْبَذَاذَةُ مِنَ الْإِيمَانِ» وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَمَّلُ لِلْوُفُودِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا اعْتِبَارَ بِالْجَمَالِ الظَّاهِرِيِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ}، وَلَكِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الظَّاهِرَ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ وَالْمَدَارُ عَلَى طَهَارَةِ الْقُلُوبِ وَمَعْرِفَةِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ؛ وَلِذَا وَرَدَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ». وَلَا يُنَافِي لُبْسُهُ لِهَذَيْنَ مَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْمُزَعْفَرِ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيلٍ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لِمَا أَنَّهُ لَبِسَ بَعْدِ نَفْضِ الزَّعْفَرَانِ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ النَّهْيِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْقِصَّةِ الطَّوِيلَةِ أَنَّهَا كَانَتْ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ. (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ): وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَتَرْكُهَا لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهَا لِمَا هُوَ فِيهِ، وَهِيَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ، فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» وَعَلَيْهِ أَسْمَالُ مُلَيَّتَيْنِ قَدْ كَانَتَا بِزَعْفَرَانٍ فَنَفَضَتَا، وَبِيَدِهِ عَسِيبُ نَخْلَةِ، قَاعِدٌ الْقُرْفُصَاءَ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُ أَرْعَدْتُ مِنَ الْفَرَقِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ السَّكِينَةُ»، فَذَهَبَ عَنِّي مَا أَجِدُ مِنَ الرَّوْعِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَكَأَنَّهُ مَا اطَّلَعَ عَلَى الْقِصَّةِ بِطُولِهَا الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِتَرْكِهَا، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ حَيْثُ قَالَ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ أَبِي عُمَرَ الْجُوَيْنِيِّ، وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الْبُخَارِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَّانَ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَتْنِي جَدَّتَايَ صَفِيَّةٌ وَدُحَيْبَةُ بِنْتَا عُلَيْبَةَ أَنَّ قَيْلَةَ بِنْتَ مَخْرَمَةَ حَدَّثَتْهُمَا أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ حَبِيبِ بْنِ أَزْهَرَ أَخِي بَنِي خَبَّابٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ النِّسَاءَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ، فَانْتَزَعَ بَنَاتِهَا مِنْهَا أَيُّوبُ بْنُ أَزْهَرَ عَمُّهُنَّ، فَخَرَجَتْ تَبْتَغِي الصَّحَابَةَ، أَيِ الْمُصَاحَبَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، إِلَى آخَرِ الْحَدِيثِ. وَتَرَكْتُهُ لِأَنَّ النُّسْخَةَ كَانَتْ سَقِيمَةً وَمُصَحَّفَةً وَمُحَرَّفَةً جِدًّا بِحَيْثُ مَا كَانَ يُفْهَمُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مَعَ طُولِهِ، فَإِنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ وَرَقَتَيْنِ مَعَ شَرْحِ غَرِيبِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الِاخْتِصَارِ فِي أَرْبَعَةِ أَوْرَاقٍ.
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ الْفَضْلِ): بِتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَةِ. (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ): بِضَمِّ مُعْجَمَةٍ وَفَتْحِ مُثَلَّثَةٍ وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ. (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ): بِالتَّصْغِيرِ. (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَيْكُمْ): اسْمُ فِعْلٍ، أَيْ خُذُوا مَعْشَرَ الْأُمَّةِ. (بِالْبَيَاضِ): أَيِ الْبِيضِ. (مِنَ الثِّيَابِ): أَيْ عَلَيْكُمْ بِلُبْسِ ذِي الْبَيَاضِ أَوِ الْأَبْيَضِ الْمُبَالِغِ فِي الْبَيَاضِ، حَتَّى كَأَنَّهُ عَيْنُ الْبَيَاضِ، كَرَجُلٍ عَدْلٍ، وَيُرْشِدُ إِلَيْهِ بَيَانُهُ بِقَوْلِهِ: مِنَ الثِّيَابِ. (لِيَلْبَسَهَا): بِلَامِ الْأَمْرِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ. (أَحْيَاؤُكُمْ): أَيِ الْبَسُوهَا وَأَنْتُمْ أَحْيَاءٌ. (وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّهَا): أَيِ الْبِيضَ. (مِنْ خِيَارِ ثِيَابِكُمْ): وَفِي نُسْخَةٍ: «مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ»، وَسَيَأْتِي تَعْلِيلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي بِقَوْلِهِ: «فَإِنَّهَا أَطْيَبُ وَأَطْهَرُ»، قِيلَ إِنْ حُمِلَ «مِنْ خِيَارِ ثِيَابِكُمْ» عَلَى ظَاهِرِهِ، فَالْمَقْصُودُ بَيَانُ فَضْلِ الثِّيَابِ فِي حَدِّ ذَاتِهَا لَا تَرْجِيحُهَا عَلَى جَمِيعِ مَا عَدَاهَا مِنَ الثِّيَابِ، تَأَمَّلِ، انْتَهَى. وَهُوَ مَحَلُّ تَأْمُّلٍ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَقُلْ «خِيَارُ ثِيَابِكُمْ»؛ لِأَنَّ الْخَيْرِيَّةَ الْمُطْلَقَةَ لَا تَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْبَيَاضِ فَقَطْ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ الْحِلْيَةِ وَالطَّهُورِيَّةِ وَالْخُلُوصِ مِنَ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ وَسَائِرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّوْبِ، وَلَعَلَّ هَذَا الْمَعْنَى مُرَادُ الْقَائِلَ بِالتَّأَمُّلِ، أَوِ الْمُرَادُ مِنَ التَّبْعِيضِ أَنْ لَا يَلْزَمَ تَفْضِيلُهُ عَلَى الْأَخْضَرِ فَإِنَّهُ مِنْ لِبَاسِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنَ الْأَبْيَضِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَأَنْ يَكُونَا مُتَسَاوِيَيْنِ، وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: لَمْ يَقُلْ «خَيْرُ ثِيَابِكُمْ» لِئَلَّا يَلْزَمَ تَفْضِيلُهُ عَلَى الْأَصْفَرِ، فَغَلَطٌ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْفَرَ لَا فَضْلَ لَهُ الْبَتَّةَ بَلِ الْمُزَعْفَرُ وَالْمُعَصْفَرُ حَرَامٌ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ جَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْأَصْفَرَ كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ عِنْدَهُ، لَا دَلِيلَ فِيهِ لِمَا زَعَمَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا بِفَرْضِ صِحَّتِهِ يَكُونُ مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَصْفَرِ الْمَنْفُوضِ.
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ): قِيلَ اسْمُهُ قَيْسٌ، وَقِيلَ هِنْدُ بْنُ دِينَارٍ. (عَنْ مَيْمُونَ بْنِ أَبِي شَيْبٍ): بِالْمُعْجَمَةِ عَلَى زِنَةِ حَبِيبٍ. (عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ): بِضَمِّ الْجِيمِ وَالدَّالِ وَتُفْتَحُ. (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْبَسُوا الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ): أَيْ لَا دَنَسَ وَلَا وَسَخَ فِيهَا، قَالَ مِيرَكُ: لِأَنَّ الْأَبْيَضَ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ الصِّبْغُ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَنَجَّسُ بِالتَّلَطُّخِ وَمُلَاقَاتِهِ شَيْئًا نَجِسًا، إِذِ الثِّيَابُ الْكَثِيرَةُ إِذَا أُلْقِيَتْ فِي الصَّبْغِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ثَوْبٌ نَجِسٌ بَيْنَ الثِّيَابِ فَيَتَنَجَّسُ الصِّبْغُ، فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يُصْبَغَ الثَّوْبُ، وَلِأَنَّ الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ إِذَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَا يَظْهَرُ مِثْلَ ظُهُورِهَا إِذَا وَقَعَتْ فِي ثَوْبٍ أَبْيَضَ، فَإِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ أَظْهَرُ فِي الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ كَانَ هُوَ مِنْ غَيْرِهِ أَطْهَرَ. قَالَ الطِّيبِيُّ: لِأَنَّ الْبِيضَ أَكْثَرُ تَأَثُّرًا مِنَ الثِّيَابِ الْمُلَوَّنَةِ فَيَكُونُ أَكْثَرُ غَسْلًا فَيَكُونُ أَكْثَرَ طَهَارَةً. (وَأَطْيَبُ): مَأْخُوذٌ مِنَ الطِّيبِ أَوِ الطَّيِّبِ لِدَلَالَتِهِ غَالِبًا عَلَى التَّوَاضُعِ وَعَدَمِ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ، أَوْ لِكَوْنِهِ أَحْسَنَ لِبَقَائِهِ عَلَى اللَّوْنِ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}، وَتَرْكُ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ أَحْسَنُ إِلَّا إِذَا جَاءَ نَصٌّ بِاسْتِحْبَابِ تَغْيِيرِهِ كَخِضَابِ الْمَرْأَةِ يَدَهَا بِالْحِنَّاءِ، وَإِلَّا إِذَا كَانَ هُنَاكَ غَرَضٌ مُبَاحٌ أَوْ ضَرُورَةٌ كَمَا اخْتَارَ الْأَزْرَقَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ لِقِلَّةِ مُؤْنَةِ غَسِيلِهِ وَرِعَايَةِ حَالِهِ، وَقِيلَ: أَطْهَرُ لِأَنَّهَا تُغْسَلُ مِنْ غَيْرِ مَخَافَةٍ عَلَى ذَهَابِ لَوْنِهَا، وَأَطْيَبُ أَيْ أَلَذُّ لِأَنَّ لَذَّةَ الْمُؤْمِنِ فِي طَهَارَةِ ثَوْبِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِيهِ مِنَ الرَّكَاكَةِ مَا لَا يَخْفَى. فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الْجَفَاءِ مَعَ ظُهُورِ الْخَفَاءِ، وَقَدْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ كَرَامَةِ الْمُؤْمِنِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَقَاؤُهُ ثَوْبَهُ وَرِضَاهُ بِالْيَسِيرِ، انْتَهَى. وَمَعْنَاهُ بِالْيَسِيرِ مِنَ الثِّيَابِ أَوْ بِالْقَلِيلِ مِنَ الدُّنْيَا وَالْقَنَاعَةُ بِالْبَلَاغِ إِلَى الْعُقْبَى، وَلِأَبِي نُعَيْمٍ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رِجْلًا وَسِخَةً ثِيَابُهُ فَقَالَ: «أَمَا وَجَدَ هَذَا شَيْئًا يُنَقِّي بِهِ ثِيَابَهُ». وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى أَطْيَبَ أَنَّهُ كُلَّمَا يُغْسَلُ الْأَبْيَضُ يَكُونُ أَطْهَرَ، وَأَطْيَبُ بِمَعْنَى أَحْسَنَ وَأَلَذُّ، بِخِلَافِ الْمَصْبُوغِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَطْيَبَ أَحَلُّ، فَفِي النِّهَايَةِ أَكْثَرُ مَا يَرِدُ الطَّيِّبُ بِمَعْنَى الْحَلَالِ كَمَا أَنَّ الْخَبِيثَ بِمَعْنَى الْحَرَامِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ}، وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّهُ عَطْفُ أَحَدِ الْمُتَرَادِفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مُبَالَغَةً، فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْعَطْفَ مَتَى أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ فَتَقْدِيرُهُ عَلَى التَّأْكِيدِ مَمْنُوعٌ. (وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ): وَلَعَلَّ فِيهِ الْإِشَارَةَ الْخَفِيَّةَ إِلَى أَنَّ أَطْيَبِيَّةَ لُبْسِ الْبَيَاضِ فِي الدُّنْيَا إِنَّمَا يَكُونُ لِتَذَكُّرِ لُبْسِ أَهْلِ الْعُقْبَى وَإِيمَاءً إِلَى أَنَّ مَآلَهُ إِلَى الْخَلَاقَةِ وَالْبِلَى فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَكَلَّفَ وَيَتَحَمَّلَ فِي تَحْصِيلِهِ الْبَلَاءَ، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: «إِنَّ أَحْسَنَ مَا زُرْتُمُ اللَّهَ بِهِ فِي قُبُورِكُمْ وَمَسَاجِدِكُمُ الْبَيَاضُ». قَالَ مِيرَكُ: وَفِي إِسْنَادِهِ مَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ وَالْغِفَارِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَبَاقِي رِجَالِهِ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. فَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى اللَّهِ حَيًّا وَمَيِّتًا بِالْفِطْرَةِ الْأَصْلِيَّةِ الْمُشَبَّهَةِ بِالْبَيَاضِ، يَعْنِي التَّوْحِيدَ الْجِبِلِّيَّ بِحَيْثُ لَوْ خُلِّيَ وَطَبْعَهُ لَاخْتَارَهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ أَوْ نَقْلِيٍّ، وَإِنَّمَا يُغَيِّرُهُ الْعَوَارِضُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ: «فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ». بِالتَّقْلِيدِ الْمَحْضِ الْغَالِبِ عَلَى عَامَّةِ الْأُمَّةِ، (قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ)، وَفِيهِ إِشْعَارٌ إِلَى طَهَارَةِ بَاطِنِهِ مِنَ الْغِلِّ وَالْغِشِّ وَالْعَدَاوَةِ وَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ الْمُشَبَّهَةِ بِالنَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوِ الْحُكْمِيَّةُ؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الظَّاهِرَ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ وَأَنَّ لِنَظَافَةِ الظَّاهِرِ وَطَهَارَتِهِ وَتَزْيِينِهِ تَأْثِيرًا بَلِيغًا فِي أَمْرِ الْبَاطِنِ، وَفِي الْحَدِيثِ مَا يُؤَيِّدُ تَفْسِيرَ أَطْيَبَ بِأَحْسَنَ، وَفِي إِطْلَاقِ أَحْسَنَ إِشْعَارٌ بِزِيَادَةِ «مِنْ» فِي قَوْلِهِ «مِنْ خِيَارِ ثِيَابِكُمْ»، وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَيَاضَ أَفْضَلُ فِي الْكَفَنِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ بِصَدَدِ مُوَاجَهَةِ الْمَلَائِكَةِ، كَمَا أَنَّ لُبْسَهُ أَفْضَلُ لِمَنْ يَحْضُرُ الْمَحَافِلَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْجُمْعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ وَمُلَاقَاةِ الْعُلَمَاءِ وَالْكُبَرَاءِ، وَأَمَّا فِي الْعِيدِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَفْضَلُ فِيهِ مَا يَكُونُ أَرْفَعَ قِيمَةً نَظَرًا إِلَى إِظْهَارِ مَزِيدِ النِّعْمَةِ وَآثَارِ الزِّينَةِ وَمَزِيَّةِ الْمِنَّةِ، قَالَ مِيرَكُ: وَاعْلَمْ أَنَّ وَجْهَ دُخُولِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فِي بَابِ لِبَاسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْلُو عَنْ خَفَاءٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَبِسَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ، لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْ أَمْرِهِ بِلُبْسِ الْبَيَاضِ وَتَرْغِيبِهِ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُهُ أَيْضًا، وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الْمُخَرَّجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ حَيْثُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ.
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا): بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ. (بْنِ أَبِي زَائِدَةَ): اسْمُهُ خَالِدٌ، وَيُقَالُ هُبَيْرَةُ، بِالتَّصْغِيرِ. (أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ): قِيلَ: كَلِمَةُ ذَاتٍ مُقْحَمَةٌ، وَفَائِدَتُهَا دَفْعُ مَجَازِ الْمُشَارَفَةِ، وَقِيلَ: ذَاتُ الشَّيْءِ نَفْسُهُ وَحَقِيقَتُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ أَيْ خَرَجَ غَدَاةً أَيْ بُكْرَةً، فَإِنَّ الْعَرَبَ يَسْتَعْمِلُونَ ذَاتَ يَوْمٍ وَذَاتَ لَيْلَةٍ وَيُرِيدُونَ حَقِيقَةَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ نَفْسِهِ. (وَعَلَيْهِ مِرْطٌ): بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ، وَهُوَ كِسَاءٌ طَوِيلٌ وَاسِعٌ مِنْ خَزٍّ أَوْ صُوفٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ كَتَّانٍ يُؤْتَزَرُ بِهِ، وَلِذَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ شَعْرٍ): وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ «مَرْطٌ»، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَتْحِ عَلَى أَنَّهُ مَجْرُورٌ لِكَوْنِهِ صِفَةُ شَعْرٍ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ «خَرَجَ»، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اشْتَمَلَ اشْتِمَالَ الصَّمَّاءِ، خِلَافًا لَمَنْ وَهِمَ فِيهِ، انْتَهَى. لَكِنْ نَسَبَهُ مِيرَكُ إِلَى الْجَزَرِيِّ وَهُوَ إِمَامٌ فِي النَّقْلِ، وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتَزِرُ بِهِ وَيُلْقِي بَعْضَهُ عَلَى الْكَتِفَيْنِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ أَنَّ لِلْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ بَلْ نَقْلٌ مُسْتَقِلٌّ وَصَلَ إِلَيْهِ، وَرَوَى الشَّيْخَانِ: كَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِسَاءٌ مُلَبَّدٌ يَلْبَسُهُ، وَيَقُولُ: «إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ أَلْبَسُ كَمَا يَلْبَسُ الْعَبْدُ». قَالَ مِيرَكُ: اعْلَمْ أَنَّ مُسْلِمًا وَأَبَا دَاوُدَ أَخْرَجَا هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ: خَرَجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَجَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ. وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ مُرَجَّلٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ بِالْجِيمِ الْمُشَدَّدَةِ. وَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ وُجُوهٌ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قُيِّدَ بِهِ لِكَوْنِهِ لُبْسَ الرِّجَالِ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ فِيهِ صُوَرَ الرِّجَالِ، وَلَا يَصِحُّ، وَالثَّالِثُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: يَعْنِي عَلَيْهِ صُوَرُ الْمَرَاجِلِ أَيِ الْقُدُورِ، وَاحِدُهَا مِرْجَلٌ. وَضَبَطَهُ الْأَكْثَرُونَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهَكَذَا ضَبَطَهُ الْمُتْقِنُونَ، وَمَعْنَاهُ الْمُوَشَّى الْمَنْقُوشُ عَلَيْهِ صُوَرُ الرِّحَالِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ صُوَرُ الْحَيَوَانِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْوَشْيُ نَقْشُ الثَّوْبِ. وَكَذَا قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ، وَقَالَ الْجَزَرِيُّ: الْمُرَادُ اخْتِلَافُ الْأَلْوَانِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ؛ إِذِ الْأَرْحَلُ مِنَ الْخَيْلِ هُوَ الْأَبْيَضُ الظَّهْرِ وَمِنَ الْغَنَمِ الْأَسْوَدُ الظَّهْرِ فَكَأَنَّهُ كَانَ مُوَشًّى أَيْ مَنْقُوشًا، وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى مَا كَانَ يَلْبَسُهُ. أَقُولُ فَوَصْفُهَا بِالْأَسْوَدِ لِأَجْلِ أَنَّ السَّوَادَ فِيهِ أَغْلَبُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَتِهِمَا مِنَ الزِّيَادَةِ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخِلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).
(حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَاسْمُهُ): عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّبِيعِيِّ، وَفِي نُسْخَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَهِيَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ. (عَنْ أَبِيهِ): أَيْ أَبِي إِسْحَاقَ. (عَنِ الشَّعْبِيِّ): بِفَتْحِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ، وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ. (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ): أَيِ الْمُغِيرَةِ. (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ جُبَّةً): بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ، قِيلَ: هِيَ ثَوْبَانِ بَيْنَهُمَا قُطْنٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ صُوفٍ فَقَدْ تَكُونُ وَاحِدَةٌ غَيْرُ مَحْشُوَّةٍ، وَقَدْ قِيلَ: جُبَّةُ الْبُرْدِ جُنَّةُ الْبُرْدِ. (رُومِيَّةً): قَالَ مِيرَكُ: هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ، وَلِأَبِي دَاوُدَ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ مِنْ جِبَابِ الرُّومِ، لَكِنَ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا جُبَّةً شَامِيَّةً، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا، انْتَهَى. وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّامَ حِينَئِذٍ دَاخِلٌ تَحْتَ حُكْمِ قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ فَكَأَنَّهُمَا وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الْمِلْكِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نِسْبَةُ هَيْئَتِهَا الْمُعْتَادِ لُبْسِهَا إِلَى إِحْدَاهُمَا وَنِسْبَةُ خِيَاطَتِهَا إِلَى الْأُخْرَى. (ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ): وَهَذَا كَانَ فِي سَفَرٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِفْرٍ فَقَالَ: «أَمَعَكَ مَاءٌ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فِي سَوَادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ، فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ الْإِدَاوَةَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ مِنْ صُوفٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْهَا حَتَّى أَخْرَجَهُمَا مِنْ أَسْفَلِ الْجُبَّةِ. وَلَهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى: فَذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ فَكَانَا ضَيِّقَيْنِ، فَأَخْرَجَ مِنْ تَحْتِ بَدَنِهِ. بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ فَالْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا نُونٌ، أَيْ جُبَّتِهِ، كَمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى الْبَدَنُ بِفَتْحَتَيْنِ، دِرْعٌ قَصِيرَةٌ ضَيِّقَةُ الْكُمَّيْنِ. زَادَ مُسْلِمٌ: وَأَلْقَى الْجُبَّةَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَعَلَى خُفَّيْهِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ: كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَفِي الْمُوَطَّأِ وَمُسْنَدِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ زِيَادَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ حَتَّى وَجَدَ النَّاسُ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ فَصَلَّى بِهِمْ، فَأَدْرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُتِمُّ صِلَاتَهُ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ النَّاسَ. وَفِي أُخْرَى: قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَأَرَدْتُ تَأْخِيرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهُ». كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ، ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ الِانْتِفَاعُ بِثِيَابِ الْكُفْرِ حَتَّى يُتَحَقَّقُ نَجَاسَتُهَا؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ الْجُبَّةَ الرُّومِيَّةَ، وَلَمْ يَتَفَصَّلْ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى أَنَّ الصُّوفَ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْجُبَّةَ كَانَتْ شَامِيَّةً وَكَانَتِ الشَّامُ إِذَا ذَاكَ دَارُ كُفْرٍ، وَمِنْهَا جَوَازُ لُبْسِ الصُّوفِ. وَكَرِهَ مَالِكٌ لُبْسَهُ لِمَنْ يَجِدُ غَيْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الشُّهْرَةِ بِالزُّهْدِ؛ لِأَنَّ إِخْفَاءَ الْعَمَلِ أَوْلَى، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَلَمْ يَنْحَصِرِ التَّوَاضُعُ فِي لُبْسِهِ بَلْ فِي الْقُطْنِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ بِدُونِ ثَمَنِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قِيلَ فِيهِ: نَدْبُ اتِّخَاذِ ضَيِّقِ الْكَمِّ فِي السَّفَرِ لَا فِي الْحَضَرِ؛ لِأَنَّ أَكْمَامَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانَتْ وَاسِعَةً. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَإِنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَحَرَّاهَا لِلسَّفَرِ، وَإِلَّا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَبِسَهَا لِلدِّفَاءِ مِنَ الْبَرْدِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا نُقِلَ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنَ اتِّسَاعِ الْأَكْمَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَوَهُّمِ أَنَّ الْأَكْمَامَ جَمْعُ كُمٍّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ جُمَعُ كُمَّةٍ، وَهِيَ مَا يُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ كَالْقَلَنْسُوَةِ، فَكَأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ لَمْ يَسْمَعْ قَوْلَ الْأَئِمَّةِ: مِنَ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ اتِّسَاعُ الْكُمَّينِ، انْتَهَى. وَيُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى السِّعَةِ الْمُفْرِطَةِ، وَمَا نُقِلَ عَنِ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ بَلْ مُتَعَيَّنٌ، وَلِذَا قَالَ فِي النُّتَفِ مِنْ كُتِبِ أَئِمَّتِنَا: يُسْتَحَبُّ اتِّسَاعُ الْكُمِّ قَدْرَ شِبْرٍ.

.باب مَا جَاءَ فِي عَيْشِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا هَذَا الْبَابَ الصَّغِيرَ فِي عَيْشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ بَعْدَ بَابِ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَابٌ طَوِيلٌ فِي بَيَانِ عَيْشِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ هَاهُنَا ذَاكَ الْبَابُ الطَّوِيلُ فِي عَيْشِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَلَيْسَ فِي أُصُولِ مَشَايِخِنَا، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إِيرَادُ بَابِ الْعَيْشِ بَيْنَ بَابِ اللِّبَاسِ وَبَابِ الْخُفِّ غَيْرُ مُلَائِمٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ نَسْخِ الْكِتَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، كَتَبَهُ الْفَقِيرُ جَمَالُ الدِّينِ الْمُحَدِّثُ الْحُسَيْنِيُّ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، كَذَا وَجَدَتْهُ بِخَطِّ مِيرَكَ شَاهْ عَلَى هَامِشِ نُسْخَةٍ فَقَالَ الْحَنَفِيُّ: وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الطَّوِيلُ بَعْدَ الْقَصِيرِ، وَيَتَّجِهُ عَلَى كِلْتَا النُّسْخَتَيْنِ أَنَّ جَعْلَهُمَا بَابَيْنِ غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يَأْتِي هَذَا الْبَابُ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ بِزِيَادَاتٍ أُخَرَ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ حِكْمَةِ ذَلِكَ مَعَ الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَبْدَى لِذَلِكَ مَا لَا يُجْدِي، وَقَالَ: هُنَاكَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْبَابَ فِيمَا مَرَّ عَلَى مَا فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ، ثُمَّ أَعَادَهُ هَاهُنَا بِزِيَادَاتٍ أُخَرَ أَخْرَجَتْهُ عَنِ التَّكْرَارِ الْمَحْضِ، ثُمَّ أَطَالَ بِكَلَامٍ خَارِجٍ عَنِ الْمَرَامِ مَعَ التَّنْجِيحِ الزَّائِدِ فِي كُلِّ مَقَامٍ، وَالظَّاهِرُ فِي الْجَوَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، أَنَّ الْمُرَادَ بِأَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى ضِيقِ عَيْشِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مَعَ ضِيقِ عَيْشِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ بَابٍ، وَأَحَادِيثُ ذَاكَ الْبَابِ دَالَّةٌ عَلَى مَا جَاءَ فِي ضِيقِ عَيْشِهِ الْمَخْصُوصِ بِهِ وَبِأَهْلِ بَيْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ هَذَا الْبَابُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضِيقِ عَيْشِهِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ، وَذَاكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى آخِرِ أَمْرِهِ إِشَارَةً إِلَى اسْتِوَاءِ حَالَيْهِ فِي اخْتِيَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ اخْتِيَارِهِ تَعَالَى لَهُ الطَّرِيقَ الْمُخْتَارَ مِنَ الْفَقْرِ وَالصَّبْرِ وَالشُّكْرِ وَالرِّضَا فِي الدَّارِ الْغَدَّارِ؛ إِذْ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ وَهِيَ دَارُ الْقَرَارِ، وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَابَيْنِ مُخْتَلِفٌ فَلَا تَكْرَارَ فِي الْمَعْنَى، فَلَا يُنْظَرُ إِلَى الْمَبْنَى ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ مُشْتَمِلًا عَلَى تَوَسُّعِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ حَتَّى لَبِسَ مِثْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ ثَوْبَيْنِ مُمَشَّقَيْنِ مِنَ الْكَتَّانِ نَاسَبَ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهُ بَعْدَ بَابِ اللِّبَاسِ مُقَدَّمًا عَلَى بَابِ الْخُفِّ، هَذَا وَالْعَيْشُ: الْحَيَاةُ، وَمَا يَكُونُ بِهِ الْحَيَاةُ مِثْلُ الْمَعِيشَةِ وَفِي الْمَثَلِ: عَيْشٌ مَرَّةً وَجَيْشٌ مَرَّةً؛ مَثَلٌ فِي الرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ، كَذَا فِي تَاجِ الْأَسَامِي.
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ): أَيِ السِّخْتِيَانَيُّ، نِسْبَةً إِلَى بَيْعِ السِّخْتِيَانِ أَيِ الْجُلُودِ أَوْ عَمَلِهَا. (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ): بِكَسْرِ السِّينِ بَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ وَبِفَتْحِ النُّونِ عَلَى ضَبْطٍ فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ، قَالَ الْعِصَامُ: الظَّاهِرُ أَنَّ سِيرِينَ كَغِسْلِينَ، وَأَنَّهُ مُصَرَّفٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْعَلَمِيَّةُ لَكِنْ قُيِّدَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ بِالْفَتْحَةِ، وَوَجْهُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ إِذِ الْعُجْمَةُ فِيهِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ، قُلْتُ بِوَجْهٍ بِمَا قَالَ الْجَعْبَرِيُّ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ النُّحَاةِ أَنَّ مُطْلِقَ الْمَزِيدَتَيْنِ كَغَلْبُونَ وَنَحْوِهِ عِلَّةٌ لِمَنْعِ الصَّرْفِ مَعَ أَنَّهُ مِنَ الْمَوَالِي لَا مِنَ الْعَرَبِ، فَلَا بِدَعَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْعُجْمَةُ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ سِيرِينَ أُمُّهُ فَيَكُونُ فِيهِ عِلَّتَانِ التَّأْنِيثُ وَالْعِلْمِيَّةُ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ هُوَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ، مَشْهُورٌ، إِمَامٌ فِي عِلْمِ التَّعْبِيرِ وَغَيْرِهِ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَهُوَ مِنْ مَوَالِي أَنَسٍ كَاتَبَهُ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا فَأَدَّاهَا وَعُتِقَ، وَكَانَ لَهُ أَوْلَادٌ سِتَّةٌ كُلُّهُمْ نُجَبَاءُ مُحَدِّثُونَ وَهُمْ: مُحَمَّدٌ وَمَعْبَدٌ وَأُنَيْسٌ وَيَحْيَى وَحَفْصَةُ وَكَرِيمَةُ، وَمِنْ نَوَادِرِ الْأَسَانِيدِ: رَوَى مُحَمَّدُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أُنَيْسٍ، حَيْثُ وَقَعَ فِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةُ أُخُوَّةٍ. (قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ): أَيْ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ أَوْ ثَوْبَانِ آخَرَانِ. (مُمَشَّقَانِ): بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ الْمُثَقَّلَةِ، أَيْ مَصْبُوغَانِ بِالْمِشْقِ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ، وَهُوَ الطِّينُ الْأَحْمَرُ، قَالَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ، وَقِيلَ هُوَ الْمِغْرَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ، قِيلَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَرَّ مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ، وَأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ فَلَا إِشْكَالَ، انْتَهَى. وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النَّهْيَ عَنِ الْحُمْرَةِ مُعَلَّلٌ بِأَنَّهُ مِنْ زِينَةِ الشَّيْطَانِ، وَالْمَصْبُوغُ بِالطِّينِ الْأَحْمَرِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ الشَّأْنُ. (مِنْ كَتَّانٍ): بِتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ، بَيَانٌ لَثَوْبَانِ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (فَتَمَخَّطَ): أَيِ اسْتَنْثَرَ وَطَهَّرَ أَنْفَهُ. (فِي أَحَدِهِمَا): وَمِنْهُ الْمُخَاطُ مَا يَسِيلُ مِنَ الْأَنْفِ. (فَقَالَ): أَيْ أَبُو هُرَيْرَةَ. (بَخْ بَخْ): بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِهَا مُنَوَّنَةً، وَفِي نُسْخَةٍ بِتَشْدِيدِهَا مُنَوَّنَةً، فِي النِّهَايَةِ: هِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ عِنْدَ الْفَرَحِ وَالرِّضَاءِ بِالشَّيْءِ وَتُكَرَّرُ لِلْمُبَالَغَةِ، وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّكُونِ فَإِنْ وُصِلَتْ خُفِضَتْ وَنُوِّنَتْ وَرُبَّمَا شُدِّدَتْ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَرُوِيَ بِالرَّفْعِ، وَإِذَا كُرِّرَتْ فَالِاخْتِيَارُ تَحْرِيكُ الْأَوَّلِ وَإِسْكَانُ الثَّانِي. يَعْنِي إِمَّا رُجُوعًا إِلَى الْأَصْلِ أَوْ مَرْعَاةً لِلْوَقْفِ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: مَعْنَاهُ تَفْخِيمُ الْأَمْرِ وَتَعْظِيمُهُ، وَسُكِّنَتِ الْخَاءُ كَسُكُونِ اللَّامِ فِي بَلْ وَهَلْ، مَنْ قَالَ «بَخٍّ» بِكَسْرِهِ مُنَوَّنًا فَقَدْ شَبَّهَهُ بِالْأَصْوَاتِ كَصَهٍ وَمَهٍ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: بَخْ بَخْ وَبِهْ وَبِهْ. قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ بَخْ بِإِسْكَانِ الْخَاءِ وَبِتَنْوِينِهَا مَكْسُورَةً، وَحَكَى الْقَاضِي الْكَسْرَ بِلَا تَنْوِينٍ، وَحَكَى: الْأَحْمَرُ التَّشْدِيدَ فِيهِ. وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: فِيهَا لُغَاتٌ: إِسْكَانُ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا تَنْوِينًا وَبِغَيْرِ تَنْوِينِ الْأُولَى وَتَسْكِينِ الثَّانِيَةِ، وَمَعْنَاهَا تَفْخِيمُ الْأَمْرِ وَالْإِعْجَابُ بِهِ وَالْمَدْحُ لَهُ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا التَّعَجُّبُ وَالِاسْتِغْرَابُ لِقَوْلِهِ: (يَتَمَخَّطُ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الْكَتَّانِ): قَالَ الْعِصَامُ: اسْتِئْنَافٌ أُجِيبَ بِهِ عَنْهُ السُّؤَالُ عَنْ جِهَةِ التَّعَجُّبِ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ مُقَدَّرَةٌ فِي الْكَلَامِ، وَالْعَجَبُ مِنَ ابْنِ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ بَخٍ لِلْإِنْكَارِ، وَفِي صِحَّتِهِ هُنَا نَظَرٌ، انْتَهَى. إِذْ صِحَّةُ الْإِنْكَارِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ ثُمَّ بَيَّنَ وَجْهَ التَّعَجُّبِ بِقَوْلِهِ: (لَقَدْ): وَاللَّامُ فِي جَوَابِ قَسَمٍ مُقَدَّرٍ أَيْ وَاللَّهِ لَقَدْ (رَأَيْتُنِي): وَإِنَّمَا اتَّصَلَ الضَّمِيرَانِ وَهُمَا لِوَاحِدٍ حَمْلًا لِرَأَى الْبَصْرِيَّةِ عَلَى الْقَلْبِيَّةِ فَإِنَّ كَوْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ ضَمِيرَيْنِ وَمُتَّصِلَيْنِ مِنْ خَصَائِصِ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ، أَيْ عَلِمْتُنِي لَا رَأَيْتُ نَفْسِيِّ، وَبِتَقْرِيرِنَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْقَسَمِيَّةَ بَيَانِيَّةٌ وَاسْتِئْنَافِيَّةٌ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ تَبَعًا لِلْعِصَامِ أَنَّ اللَّامَ لِلْقَسَمِ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ بِتَقْدِيرِ الْقِصَّةِ لِيَتَّحِدَ زَمَانُ الْحَالِ وَعَامِلُهُ. (وَإِنِّي): الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ مَفْعُولِ رَأَيْتُ. (لَأَخِرُّ): بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُفْرَدِ مِنْ حَدِّ ضَرَبَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْخُرُورِ أَيْ أَسْقُطُ عَلَى الْأَرْضِ كَهَيْئَةِ السَّاجِدِ. (فِيمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُجْرَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا): إِشَارَةً إِلَى مَوْضِعِ الْأَحْبَابِ الْأَصْحَابِ مِنْ غَيْرِ خَفَاءٍ وَاحْتِجَاجٍ. (مَغْشِيًّا عَلِيَّ): أَيْ مِنْ غَلَبَةِ الْجُوعِ، وَهُوَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ «أَخِرُّ» أَيْ مُسْتَوْلِيًا عَلَيَّ الْغِشِّيُ. (فَيَجِيءُ الْجَائِي): أَيِ الْوَاحِدُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ. (فَيَضَعُ رِجْلَهُ): أَيْ قَدَمَهُ. (عَلَى عُنُقِي): لِيَسْكُنَ اضْطِرَابِي وَقَلَقِي، أَخْبَرَ عَنِ الْأُمُورِ الْمَاضِيَةِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ، أَعْنِي: أَخِرُّ وَيَجِيءُ وَيَضَعُ؛ اسْتِحْضَارًا لِلصُّوَرِ الْوَاقِعَةِ. (يُرَى): بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ الْمَجْهُولِ، وَهُوَ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ أَوْ حَالٍ أَيْ يَظُنُّ الْجَائِي. (أَنَّ بِي جُنُونًا): أَيْ نَوْعًا مِنَ الْجُنُونِ وَهُوَ الصَّرَعُ. (وَمَا بِي جُنُونٌ): أَيْ وَالْحَالُ أَنْ لَيْسَ بِي مَرَضُ الْجُنُونِ. (وَمَا هُوَ): أَيْ مَا هُوَ بِي وَيَعْنِي مَا الَّذِي بِي. (إِلَّا الْجُوعُ): أَيْ أَثَرُهُ وَاسْتِيلَاؤُهُ عَلَيَّ، وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَيُغْشَى عَلَيَّ فِيمَا بَيْنَ بَيْتِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ مِنَ الْجُوعِ. وَلَا مُنَافَاةَ لِوُقُوعِ التَّعَدُّدِ، وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ عَنْهُ: فَلَقِيتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَوْمًا فَاسْتَقْرَأْتُهُ آيَةً، فَذَكَرَهَا، قَالَ: فَمَشَيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ فَخَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي. وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقٍ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْبِعَ بَطْنِي، وَكُنْتُ أُلْصِقُ بَطْنِي بِالْحَصَى مِنَ الْجُوعِ، وَإِنِّي كُنْتُ أَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الْآيَةَ وَهِيَ مَعِي كَيْ يَفْطَنَ بِي وَيُطْعِمَنِي. وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: وَكُنْتُ إِذَا سَأَلْتُ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمْ يُجِبْنِي حَتَّى يَذْهَبَ بِي إِلَى مَنْزِلِهِ، فَيَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: يَا أَسْمَاءُ أَطْعِمِينَا، فَإِذَا أَطْعَمَتْنَا أَجَابَنِي. قَالَ: وَكَانَ جَعْفَرُ يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ وَيَجْلِسُ إِلَيْهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ وَيُحَدِّثُونَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَنِّيهِ بِأَبِي الْمَسَاكِينِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ عَنْهُ قَالَ: أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَمْ أَطْعَمْ فَجِئْتُ أُرِيدُ الصُّفَّةَ، فَجَعَلْتُ أَسْقُطُ فَجَعَلَ الصِّبْيَانُ يَقُولُونَ جُنَّ أَبُو هُرَيْرَةَ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الصُّفَّةِ فَوَافَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِقَصْعَةِ ثَرِيدٍ فَدَعَا عَلَيْهَا أَهْلَ الصُّفَّةِ وَهُمْ يَأْكُلُونَ مِنْهَا، فَجَعَلْتُ أَتَطَاوَلُ كَيْ يَدْعُوَنِي حَتَّى قَامُوا وَلَيْسَ فِي الْقَصْعَةِ إِلَّا شَيْءٌ فِي نَوَاحِيهَا، فَجَمَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَارَتْ لُقْمَةً فَوَضَعَهَا عَلَى أَصَابِعِهِ فَقَالَ لِي: «كُلْ بَاسِمِ اللَّهِ»، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا زِلْتُ آكُلُ مِنْهَا حَتَّى شَبِعْتُ. وَوَجْهُ إِيرَادِ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ إِثْبَاتُ فَقْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحَقُّقُ عُسْرَتِهِ فِي أَيَّامِ عِشْرَتِهِ؛ إِذْ لَوْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ فِي أُمُورِ مَعِيشَتِهِ لَمْ تَكُنْ أَحْوَالُ أَهْلِ الصُّفَّةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَضْيَافَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِيرَانَهُ وَكَانَ اهْتِمَامُهُ بِحَالِهِمْ فِي أَقْصَى مَرَاتِبِ الْكَمَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْأَحْوَالِ.
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ): بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، نِسْبَةً إِلَى قَبِيلَةِ بَنِي ضُبَيْعَةَ كَجُهَيْنَةَ، كَذَا فِي الْأَنْسَابِ لِلسَّمْعَانِيِّ، فَمَا فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ نِسْبَةٌ إِلَى قَبِيلَةِ ضَبْعٍ كَأَنَّهُ سَهْوٌ، وَجَعْفَرٌ صَدُوقٌ زَاهِدٌ، لَكِنَّهُ يُنْسَبُ إِلَى التَّشْيِيعِ. (عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ): هُوَ تَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ، مِنْ عُلَمَاءِ الْبَصْرَةِ وَزُهَّادِهِمْ، فَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ، قَالَ مِيرَكُ: بَلْ مُعْضَلٌ؛ لِأَنَّ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ وَإِنْ كَانَ تَابِعِيًّا لَكِنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ؛ وَهُوَ تَابِعِيٌّ أَيْضًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: لَمْ يَشْبَعْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ إِلَخْ، هَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ وَأَصْحَابُ الْغَرِيبِ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْعَيْشِ الطَّوِيلِ. (قَالَ: مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزٍ): التَّنْوِينُ لِلتَّنْكِيرِ فَهُوَ شَامِلٌ لِعَيْشِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ. (قَطُّ): بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ، قَالَ مِيرَكُ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُهَا مُخَفَّفَةً وَيَبْنِيهَا عَلَى أَصْلِهَا، أَوْ يَضُمُّ آخِرَهَا، أَوْ يُتْبِعُ الضَّمَّةَ الضَّمَّةَ أَيْ أَبَدًا. (وَلَحْمٍ): أَيْ وَمِنْ لَحْمٍ، كَذَلِكَ قَالَ مِيرَكُ: الْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ وَفِيهِ بَحْثٌ، وَفِي نُسْخَةٍ «وَلَا لَحْمٍ» بِزِيَادَةِ لَا لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ. (إِلَّا عَلَى ضَفَفٍ): بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ الْأُولَى. قِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، وَقِيلَ مُتَّصِلٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُفَرَّغٌ، وَقَالَ مِيرَكُ: الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الدَّهْرِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ «قَطُّ»، انْتَهَى. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَبِعَ مِنْ خُبْزِ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ إِلَّا عَلَى ضَفَفٍ، وَكَذَا مَا شَبِعَ مِنْ لَحْمٍ أَصْلًا إِلَّا عَلَى ضَفَفٍ، فَفِي الْكَلَامِ فِي الْحَقِيقَةِ نَفْيَانِ وَاسْتِثْنَاءَانِ، وَقَدْ يُقَالُ: مَعْنَاهُ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ قَطُّ إِلَّا عَلَى ضَفَفٍ، لَكِنْ لَا يُلَائِمُهُ تَقْدِيمُ «قَطُّ» عَلَى قَوْلِهِ «وَلَا لَحْمٍ»، وَسَيَجِيءُ فِي الْبَابِ الطَّوِيلِ فِي عَيْشِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْتَمِعْ عِنْدَهُ غَذَاءٌ وَلَا عَشَاءٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ إِلَّا عَلَى ضَفَفٍ. وَهُوَ يُلَائِمُ الْمَعْنَى الْأَخِيرَ وَلَا يُنَافِي الْمَعْنَى الْأَوَّلَ فَالْكُلُّ مُحْتَمَلٌ، فَتَأَمَّلْ. (قَالَ مَالِكٌ): أَيِ ابْنُ دِينَارٍ. (سَأَلْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ): لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِاللُّغَاتِ الْغَرِيبَةِ. (مَا الضَّفَفُ؟ فَقَالَ): وَفِي نُسْخَةٍ «قَالَ». (أَنْ يُتَنَاوَلَ): بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهِ، أَيْ يُسْتَعْمَلُ الْأَكْلُ. (مَعَ النَّاسِ): فَمَعْنَى الْخَبَرِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ إِذَا أَكَلَ وَحْدَهُ، وَلَكِنْ شِبَعَ مِنْهُمَا إِذَا كَانَ يَأْكُلُ مَعَ النَّاسِ، وَهَذَا عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ، ثُمَّ قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ أَوْ مَعَ الْأَضْيَافِ أَوْ فِي الضِّيَافَاتِ وَالْوَلَائِمِ وَالْعَقَائِقِ، وَالْمُرَادُ بِالشِّبَعِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْلُهُ مِلْءَ ثُلْثَيْ بَطْنِهِ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْكُلْ مِلْءَ الْبَطْنِ قَطُّ، وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الضَّفَفُ الضِّيقُ وَالشِّدَّةُ، أَيْ لَمْ يَشْبَعْ مِنْهُمَا عَلَى حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا عَلَى حَالِ الضِّيقِ وَالشِّدَّةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الشِّبَعُ مِنْهُمَا عَلَى حَالِ التَّنَعُّمِ وَالرَّفَاهِيَةِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: فِي الْحَدِيثِ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ طَعَامٍ إِلَّا عَلَى ضَفَفٍ، وَرَوِيَ حَفَفٍ شَظَفٍ، الثَّلَاثَةُ فِي مَعْنَى ضِيقِ الْمَعِيشَةِ وَقِلَّتِهَا وَغِلْظَتِهَا، يُقَالُ: أَصَابَهَا حَفَفٌ وَحُفُوفٌ وَحَفَّتِ الْأَرْضُ إِذَا يَبِسَ نَبَاتُهَا، وَعَنِ الْأَصْمَعِيِّ: أَصَابَهُمْ مِنَ الْعَيْشِ ضَفَفٌ أَيْ شِدَّةٌ، وَفِي رَأْيِ فُلَانٍ ضَفَفٌ أَيْ ضَعْفٌ، وَمَا رُئِيَ عَلَى بَنِي فُلَانٍ حَفَفٌ وَلَا ضَفَفٌ أَيْ أَثَرُ عَوَزٍ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَشْبَعْ إِلَّا وَالْحَالُ خِلَافُ الْخِصْبِ وَالرَّخَاءُ عِنْدَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ اجْتِمَاعُ الْأَيْدِي وَكَثْرَةُ الْآكِلِينَ، أَيْ لَمْ يَأْكُلْ وَحْدَهُ وَلَكِنْ مَعَ النَّاسِ، وَقَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ: الضَّفَفُ كَثْرَةُ الْعِيَالِ، وَقَوْلُهُمْ لَا ضَفَفَ يَشْغَلُهُ وَلَا ثِقَلَ أَيْ لَا يَشْغَلُهُ عَنْ حَجِّهِ وَنُسُكِهِ عِيَالٌ وَلَا مَتَاعٌ، كَذَا وَجَدْتُّهُ بِخَطِّ مِيرَكَ شَاهْ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ بِعَيْنِهِ فِي شَرْحِهِ.