فصل: أبواب الأواني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب النهي عن الانتفاع بجلد ما لا يؤكل لحمه

1- عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نهى عن جلود السباع‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وزاد ‏(‏أن يفترش‏)‏‏.‏

2- وعن معاوية بن أبي سفيان أنه قال لنفر من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أتعلمون أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نهى عن جلود النمور أن يركب عليها قالوا‏:‏ اللَّهم نعم‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏ ولأحمد ‏(‏أنشدكم اللَّه أنهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن ركوب صفف النمور قالوا‏:‏ نعم قال‏:‏ وأنا أشهد‏)‏‏.‏

3- وعن المقدام بن معدي كرب أنه قال لمعاوية‏:‏ ‏(‏أنشدك اللَّه هل تعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها قال‏:‏ نعم‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والنسائي‏.‏

4- وعن المقدام بن معدي كرب قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن الحرير والذهب ومياثر النمور‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي‏.‏

5- وعن أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

حديث أبي المليح قال الترمذي‏:‏ لا نعلم قال عن أبي المليح عن أبيه غير سعيد بن أبي عروبة وأخرجه عن أبي المليح عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسلًا قال‏:‏ وهذا أصح‏.‏ وحديث معاوية أخرجه أيضًا ابن ماجه‏.‏

وحديث المقدام الأول رواه أبو داود عن عمرو بن عثمان بن سعيد الحمصي حدثنا بقية عن بجير عن خالد قال‏:‏ وفد المقدام وذكر فيه قصة طويلة‏.‏ وبقية بن الوليد فيه مقال مشهور‏.‏ وحديثه الثاني إسناده صالح‏.‏

وحديث أبي هريرة في إسناده أبو العوام عمران القطان وثقه عفان بن مسلم واستشهد به البخاري وتكلم فيه غير واحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏النمور‏)‏ في رواية النمار وكلاهما جمع نمر بفتح النون وكسر الميم ويجوز التخفيف بكسر النون وسكون الميم وهو سبع أجرأ وأخبث من الأسد وهو منقط الجلد نقط سود وبيض وفيه شبه من الأسد إلا أنه أصغر منه ورائحة فمه طيبة بخلاف الأسد وبينه وبين الأسد عداوة وهو بعيد الوثبة فربما وثب أربعين ذراعًا‏.‏ وإنما نهى عن استعمال جلده لما فيه من الزينة والخيلاء ولأنه زي العجم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صفف‏)‏ بالصاد المهملة كصرد جمع صفة وهي ما يجعل على السرج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومياثر النمور‏)‏ المياثر جمع ميثرة والميثرة بكسر الميم وسكون التحتية وفتح المثلثة بعدها راء ثم هاء ولا همزة فيها وأصلها من الوثارة‏.‏

وقد روى البخاري عن بعض الرواة أنه فسرها بجلود السباع‏.‏ قال النووي هو تفسير باطل لما أطبق عليه أهل الحديث قال الحافظ‏:‏ ليس بباطل بل يمكن توجيهه وهو ما إذا كانت الميثرة وطاء وصنعت من جلد ثم حشيت والنهي حينئذ عنها إما لأنها من زي الكفار وإما لأنها لا تذكى غالبًا‏.‏ وقيل إن المياثر مراكب تتخذ من الحرير والديباج وسيأتي الكلام على الحرير في كتاب اللباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تصحب الملائكة رفقة‏)‏ الخ فيه أنه يكره اتخاذ جلود النمور واستصحابها في السفر وإدخالها البيوت لأن مفارقة الملائكة للرفقة التي فيها جلد نمر تدل على أنها لا تجامع جماعة أو منزلًا وجد فيه ذلك ولا يكون إلا لعدم جواز استعمالها كما ورد ‏(‏أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه تصاوير‏)‏ وجعل ذلك من أدلة تحريم التصاوير وجعلها في البيوت‏.‏

وهذا الحديث والذي قبله يدلان على قوة تفسير الميثرة بجلود السباع‏.‏

وأحاديث الباب استدل بها المصنف رحمه اللَّه على أن جلود السباع لا يجوز الانتفاع بها‏.‏

وقد اختلفت في حكمة النهي فقال البيهقي‏:‏ يحتمل أن النهي وقع لما يبقى عليها من الشعر لأن الدباغ لا يؤثر فيه وقال غيره‏:‏ يحتمل أن النهي عما لم يدبغ منها لأجل النجاسة أو أن النهي لأجل أنها مراكب أهل السرف والخيلاء‏.‏ وأما الاستدلال بأحاديث الباب على أن الدباغ لا يطهر جلود السباع بناء على أنها مخصصة للأحاديث القاضية بأن الدباغ مطهر على العموم فغير ظاهر لأن غاية ما فيها مجرد النهي عن الركوب عليها وافتراشها ولا ملازمة بين ذلك وبين النجاسة كما لا ملازمة بين النهي عن الذهب والحرير ونجاستهما فلا معارضة بل يحكم بالطهارة بالدباغ مع منع الركوب عليها ونحوه مع أنه يمكن أن يقال إن أحاديث هذا الباب أعم من أحاديث الباب الذي بعده من وجه لشمولها لما كان مدبوغًا من جلود السباع وما كان غير مدبوغ‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ وهذه النصوص تمنع استعمال جلد ما لا يؤكل لحمه في اليابسات وتمنع بعمومها طهارته بذكاة أو دباغ انتهى‏.‏

 باب ما جاء في تطهير الدباغ

1- عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏تصدق على مولاة لميمونة بشاة فماتت فمر بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال‏:‏ هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به فقالوا‏:‏ إنها ميتة فقال‏:‏ إنما حرم أكلها‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا ابن ماجه قال فيه ‏(‏من ميمونة‏)‏ جعله من مسندها وليس فيه للبخاري والنسائي ذكر الدباغ‏.‏ وفي لفظ لأحمد‏:‏ ‏(‏أن داجنًا لميمونة ماتت فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ألا انتفعتم بإهابها ألا دبغتموه فإنه ذكاته‏)‏ وهذا تنبيه على أن الدباغ إنما يعمل فيما تعمل فيه الذكاة‏.‏ وفي رواية لأحمد والدارقطني ‏(‏يطهرها الماء والقرظ‏)‏ رواه الدارقطني مع غيره وقال‏:‏ هذه أسانيد صحاح‏.‏

وفي الباب عن أم سلمة عند الطبراني في الأوسط والدارقطني وفي إسناده فرج بن فضالة وهو ضعيف‏.‏ وعن ميمونة عند مالك وأبي داود والنسائي وابن حبان والدارقطني بلفظ‏:‏ ‏(‏أنه مر برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رجال يجرون شاة لهم مثل الحمار فقال‏:‏ لو أخذتم إهابها فقالوا‏:‏ إنها ميتة فقال‏:‏ يطهرها الماء والقرظ‏)‏‏.‏ وصححه ابن السكن والحاكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخذتم إهابها‏)‏ الإهاب ككتاب الجلد أو ما لم يدبغ قاله في القاموس‏.‏ قال أبو داود في سننه‏:‏ قال النضر بن شميل‏:‏ إنما يسمى إهابًا ما لم يدبغ فإذا دبغ لا يقال له إهاب إنما يسمى شنًا وقربة وسيذكره المصنف فيما بعد‏.‏ وفي الصحاح‏:‏ والإهاب الجلد ما لم يدبغ وبقية الكلام على الإهاب تأتي في حديث عبد اللَّه بن عكيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن داجنًا‏)‏ الداجن المقيم في المكان ومنه الشاة إذا ألفت البيت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنه ذكاته‏)‏ أراد أن الدباغ في التطهير بمنزلة الذكاة في إحلال الشاة وهو تشبيه بليغ‏.‏ وأخرجه أبو داود والنسائي والبيهقي وابن حبان من حديث الجون بن قتادة عن سلمة بن المحبق بلفظ‏:‏ ‏(‏دباغ الأديم ذكاته‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وإسناده صحيح‏.‏ قال أحمد‏:‏ الجون لا أعرفه وبهذا أعله الأثرم قال الحافظ‏:‏ وقد عرفه غيره علي بن المديني وروى عنه يعني الجون الحسن وقتادة وصحح ابن سعد وابن حزم وغير واحد أن له صحبة وتعقب أبو بكر بن مفوز ذلك على ابن حزم‏.‏

وفي الباب أيضًا عن ابن عباس عند الدارقطني وابن شاهين من طريق فليح عن زيد بن أسلم عن أبي وعلة عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏دباغ كل إهاب طهوره‏)‏ وأصله في مسلم من حديث أبي الخير عن أبي وعلة بلفظ‏:‏ ‏(‏دباغه طهوره‏)‏ ورواه الدولابي في الكنى من حديث ابن عباس بلفظ‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول ذكاة كل مسك دباغه‏)‏ ورواه البزار والطبراني والبيهقي عنه قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في شاة ميمونة‏:‏ ‏(‏ألا استمتعتم بإهابها فإن دباغ الأديم طهوره‏)‏ وفي إسناده يعقوب بن عطاء ضعفه يحيى بن معين وأبو زرعة‏.‏ وأخرج أحمد وابن خزيمة والحاكم والبيهقي من حديثه أيضًا‏:‏ ‏(‏إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أراد أن يتوضأ من سقاء فقيل له إنه ميتة فقال‏:‏ دباغه يزيل خبثه أو نجسه أو رجسه‏)‏ وصححه الحاكم والبيهقي‏.‏ وعن عائشة عند النسائي وابن حبان والطبراني والدارقطني والبيهقي بلفظ‏:‏ ‏(‏دباغ جلود الميتة طهورها‏)‏‏.‏

وعن المغيرة بن شعبة عند الطبراني وعن زيد بن ثابت عند الطبراني أيضًا وعند الحاكم أبي أحمد في الكنى وفي تاريخ نيسابور‏.‏ وعن أبي أمامة عنده أيضًا وعن ابن عمر عنده أيضًا‏.‏ وعند ابن شاهين وعن بعض أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم عند البيهقي وأيضًا عن أنس عند ابن منده‏.‏ وعن جابر عنده أيضًا وعن ابن مسعود عنده أيضًا‏.‏

الحديث المذكور في الباب يدل على طهارة أديم الميتة بالدباغ نص في الشاة المعينة التي هي السبب أو نوعه على الخلاف وظاهر فيما عداه لأن قوله‏:‏ إنما حرم من الميتة أكلها بعد قوله‏:‏م إنها ميتة يعم كل ميتة والأحاديث المذكورة في هذا الباب تدل على عدم اختصاص هذا الحكم بنوع من أنواع الميتة‏.‏

وقد اختلف أرباب العلم في ذلك على أقوال سبعة ذكرها النووي في شرح مسلم وسنذكرها ههنا غير مقتصرين على المقدار الذي ذكره بل نضم إليه حجج الأقوال مع نسبة بعض المذاهب إلى جماعات من العلماء لم يذكرهم فنقول‏:‏

المذهب الأول‏:‏ إنه يطهر بالدباغ جميع جلود الميتة إلا الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما ويطهر بالدباغ ظاهر الجلد وباطنه ويجوز استعماله في الأشياء اليابسة والمائعة ولا فرق بين مأكول اللحم وغيره وإلى هذا ذهب الشافعي واستدل على استثناء الخنزير بقوله‏:‏ ‏(‏فإنه رجس‏)‏ وجعل الضمير عائدًا إلى المضاف إليه وقاس الكلب عليه بجامع النجاسة قال لأنه لا جلد له‏.‏ قال النووي‏:‏ وروي هذا المذهب عن علي بن أبي طالب وابن مسعود‏.‏

المذهب الثاني‏:‏ إنه لا يطهر شيء من الجلود بالدباغ قال النووي‏:‏ وروي هذا القول عن عمر بن الخطاب وابنه عبد اللَّه وعائشة وهو أشهر الروايتين عن أحمد وإحدى الروايتين عن مالك ونسبه في البحر إلى أكثر العترة واستدلوا بحديث عبد اللَّه بن عكيم الآتي بلفظ‏:‏ ‏(‏لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب‏)‏ وكان ذلك قبل موته صلى اللَّه عليه وسلم بشهر فكان ناسخًا لسائر الأحاديث وأجيب بأنه قد أعل بالاضطراب والإرسال كما سيأتي فلا ينتهض لنسخ الأحاديث الصحيحة وأيضًا التاريخ بشهر أو شهرين كما سيأتي معل لأنه من رواية خالد الحذاء وقد خالفه شعبة وهو أحفظ منه وشيخهما واحد ومع إعلال التاريخ يكون معارضًا للأحاديث الصحيحة وهي أرجح منه بكل حال فإنه قد روي في ذلك أعني تطهير الدباغ للأديم خمسة عشر حديثًا عن ابن عباس حديثان‏.‏ وعن أم سلمة ثلاثة‏.‏ وعن أنس حديثان‏.‏ وعن سلمة ابن المحبق وعائشة والمغيرة وأبي أمامة وابن مسعود وشيبان وثابت وجابر‏.‏ وأثران عن سودة وابن مسعود على أنه لا حاجة إلى الترجيح بهذا لأن حديث ابن عكيم عام وأحاديث التطهير خاصة فيبنى العام على الخاص أما على مذهب من يبني العام على الخاص مطلقًا كما هو قول المحققين من أئمة الأصول فظاهر وأما على مذهب من يجعل العام المتأخر ناسخًا فمع كونه مذهبًا مرجوحًا لا نسلم تأخر العام هنا لما ثبت في أصول الأحكام والتجريد من كتب أهل البيت أن عليًا قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ‏(‏لا تنتفع من الميتة بإهاب ولا عصب فلما كان من الغد خرجت فإذا نحن بسخلة مطروحة على الطريق فقال‏:‏ ما كان على أهل هذه لو انتفعوا بإهابها فقلت‏:‏ يا رسول اللَّه أين قولك بالأمس فقال‏:‏ ينتفع منها بالشيء‏)‏‏.‏ ولو سلمنا تأخر حديث ابن عكيم لكان ما أسلفنا عن النضر بن شميل من تفسير الإهاب بالجلد الذي لم يدبغ وما صرح به صاحب الصحاح ورواه صاحب القاموس كما قدمنا موجبًا لعدم التعارض إذ لا نزاع في نجاسة إهاب الميتة قبل دباغه‏.‏

فالحق أن الدباغ مطهر ولم يعارض أحاديثه معارض من غير فرق بين ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل وهو مذهب الجمهور قال الحازمي‏:‏ وممن قال بذلك يعني جواز الانتفاع بجلود الميتة ابن مسعود وسعيد بن المسيب وعطاء ابن أبي رباح والحسن بن أبي الحسن والشعبي وسالم يعني بن عبد اللَّه وإبراهيم النخعي وقتادة والضحاك وسعيد بن جبير ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك والليث والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وابن المبارك والشافعي وأصحابه وإسحاق الحنظلي وهذا هو مذهب الظاهرية كما سيأتي‏.‏

المذهب الثالث‏:‏ إنه يطهر بالدباغ جلد مأكول اللحم ولا يطهر غيره‏.‏ قال النووي‏:‏ وهو مذهب الأوزاعي وابن المبارك وأبي ثور وإسحاق بن راهويه واحتجوا بما في الأحاديث من جعل الدباغ في الأهب كالذكاة وقد تقدم بعض ذلك ويأتي بعض‏.‏ قالوا‏:‏ والذكاة المشبه بها لا يحل بها غير المأكول فكذلك المشبه لا يطهر جلد غير المأكول وهذا إن سلم لا ينفي ما استفيد من الأحاديث العامة للمأكول وغيره وقد تقرر في الأصول أن العام لا يقصر على سببه فلا يصح تمسكهم بكون السبب شاة ميمونة‏.‏

المذهب الرابع‏:‏ يطهر جلود جميع الميتات إلا الخنزير قال النووي‏:‏ وهو مذهب أبي حنيفة واحتج بما تقدم في المذهب الأول‏.‏

المذهب الخامس‏:‏ يطهر الجميع إلا أنه يطهر ظاهره دون باطنه فلا ينتفع به في المائعات قال النووي‏:‏ وهو مذهب مالك المشهور في حكاية أصحابنا عنه انتهى‏.‏ وهو تفصيل لا دليل عليه‏.‏

المذهب السادس‏:‏ يطهر الجميع والكلب والخنزير ظاهرًا وباطنًا قال النووي‏:‏ وهو مذهب داود وأهل الظاهر وحكي عن أبي يوسف وهو الراجح كما تقدم لأن الأحاديث الواردة في هذا الباب لم يفرق فيها بين الكلب والخنزير وما عداهما‏.‏ واحتجاج الشافعي بالآية على إخراج الخنزير وقياس الكلب عليه لا يتم إلا بعد تسليم أن الضمير يعود إلى المضاف إليه دون المضاف وأنه محل نزاع ولا أقل من الاحتمال إن لم يكن رجوعه إلى المضاف راجحًا والمحتمل لا يكون حجة على الخصم‏.‏ وأيضًا لا يمتنع أن يقال رجسية الخنزير على تسليم شمولها لجميعه لحمًا وشعرًا وجلدًا وعظمًا مخصصة بأحاديث الدباغ‏.‏

المذهب السابع‏:‏ إنه ينتفع بجلود الميتة وإن لم تدبغ ويجوز استعمالها في المائعات واليابسات قال النووي‏:‏ وهو مذهب الزهري وهو وجه شاذ لبعض أصحابنا لا تعريج عليه ولا التفات إليه انتهى‏.‏ واستدل لذلك بحديث الشاة باعتبار الرواية التي لم يذكر فيها الدباغ ولعله لم يبلغ الزهري بقية الروايات وسائر الأحاديث وقد رده في البحر بمخالفة الإجماع‏.‏

2- وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول‏:‏ أيما إهاب دبغ فقد طهر‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي وقال‏:‏ قال إسحاق عن النضر بن شميل إنما يقال الإهاب لجلد ما يؤكل لحمه‏.‏

3- وعن ابن عباس عن سودة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم قالت‏:‏ ‏(‏ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها ثم ما زلنا ننتبذ فيه حتى صار شنًا‏)‏‏.‏

4- رواه أحمد والنسائي والبخاري وقال‏:‏ إن سودة مكان عن‏.‏

5- وعن عائشة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أمر أن ينتفع بجلود الميتة إذا دبغت‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا الترمذي‏.‏ وللنسائي‏:‏ ‏(‏سئل النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن جلود الميتة فقال‏:‏ دباغها ذكاتها‏)‏‏.‏ وللدارقطني عنها‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ طهور كل أديم دباغه‏)‏‏.‏ قال الدارقطني‏:‏ إسناده كلهم ثقات‏.‏

الحديث الأول قال الترمذي‏:‏ حسن صحيح ورواه الشافعي وابن حبان والدارقطني بإسناد على شرط الصحة وقال‏:‏ إنه حسن ورواه الخطيب في تلخيص المتشابه من حديث جابر‏.‏

والحديث الثالث أخرجه أيضًا ابن حبان والطبراني والبيهقي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لجلد ما يؤكل لحمه‏)‏ هذا يخالف ما قدمنا عن أبي داود أن النضر بن شميل فسر الإهاب بالجلد قبل أن يدبغ ولم يخصه بجلد المأكول ورواية أبي داود عنه أرجح لموافقتها ما ذكره أهل اللغة كصاحب الصحاح والقاموس والنهاية وغيرها‏.‏ والمبحث لغوي فيرجح ما وافق اللغة ولم نجد في شيء من كتب اللغة ما يدل على تخصيص الإهاب بإهاب مأكول اللحم كما رواه الترمذي عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مسكها‏)‏ بفتح الميم وإسكان السين المهملة هو الجلد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شنًا‏)‏ بفتح الشين المعجمة بعدها نون أي قربة خلقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دباغها ذكاتها‏)‏ استدل بهذا من قال إنه يطهر بالدبغ جلد ميتة المأكول فقط وقد تقدم الجواب عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏طهور كل أديم‏)‏ وكذا قوله‏:‏ ‏(‏أيما إهاب دبغ‏)‏ يشملان جلود ما لا يؤكل لحمه كالكلب والخنزير وغيرهما شمولًا ظاهرًا وقد تقدم البحث في ذلك‏.‏

 باب تحريم أكل جلد الميتة وإن دبغ

1- عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏ماتت شاة لسودة بنت زمعة فقالت‏:‏ يا رسول اللَّه ماتت فلانة تعني الشاة فقال‏:‏ فلولا أخذتم مسكها قالوا‏:‏ أنأخذ مسك شاة قد ماتت فقال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ إنما قال اللَّه تعالى ‏{‏قل لا أجد فيما أوحي إلي محرمًا على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزير‏}‏ وأنتم لا تطعمونه أن تدبغوه فتنتفعوا به فأرسلت إليهم فسلخت مسكها فدبغته فاتخذت منه قربة حتى تخرقت عندها‏)‏‏.‏

رواه أحمد بإسناد صحيح‏.‏

الحديث يدل على تحريم أكل جلود الميتة وأن الدباغ وإن أوجب طهارتها لا يحلل أكلها‏.‏

ومما يدل على تحريم الأكل أيضًا قوله‏:‏ صلى اللَّه عليه وسلم في حديث ابن عباس المتقدم ‏(‏إنما حرم من الميتة أكلها‏)‏ وهذا مما لا أعلم فيه خلافًا ويدل أيضًا على طهارة جلود الميتة بالدبغ وقد تقدم الكلام عليه‏.‏

 باب ما جاء في نسخ تطهير الدباغ

1- عن عبد اللَّه بن عكيم قال‏:‏ ‏(‏كتب إلينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل وفاته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب‏)‏‏.‏

رواه الخمسة ولم يذكر منهم المدة غير أحمد وأبي داود‏.‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏

وللدارقطني‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كتب إلى جهينة أني كنت رخصت لكم في جلود الميتة فإذا جاءكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب‏)‏‏.‏

وللبخاري في تاريخه عن عبد اللَّه بن عكيم قال‏:‏ حدثنا مشيخة لنا من جهينة ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كتب إليهم أن لا تنتفعوا من الميتة بشيء‏)‏‏.‏

وأخرجه أيضًا الشافعي والبيهقي وابن حبان وقال عبد اللَّه بن عكيم شهد كتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حيث قرئ عليهم في جهينة وسمع مشايخ جهينة يقولون ذلك‏.‏

وقال البيهقي والخطابي‏:‏ هذا الخبر مرسل‏.‏ وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه‏:‏ ليست لعبد اللَّه بن عكيم صحبة وإنما روايته كتابة وخالفه الحاكم فأثبت لعبد اللَّه صحبة‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وأغرب الماوردي فزعم أنه نقل عن علي بن المديني أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مات ولعبد اللَّه بن عكيم سنة‏.‏

وقال صاحب الإمام‏:‏ تضعيف من ضعفه ليس من قبيل الرجال فإنهم كلهم ثقات وإنما ينبغي أن يحمل الضعف على الاضطراب كما نقل عن أحمد‏.‏ ومن الاضطراب فيه ما رواه ابن عدي والطبراني من حديث شبيب بن سعيد عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه ولفظه‏:‏ ‏(‏جاءنا كتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ونحن بأرض جهينة أني كنت رخصت لكم في إهاب الميتة وعصبها فلا تنتفعوا بإهاب ولا عصب‏)‏ قال الحافظ‏:‏ إسناده ثقات وتابعه فضالة بن المفضل عند الطبراني في الأوسط‏.‏ ورواه أبو داود من حديث خالد عن الحكم عن عبد الرحمن أنه انطلق هو وأناس معه إلى عبد اللَّه بن عكيم فدخلوا وقعدت على الباب فخرجوا إلي وأخبروني أن عبد اللَّه بن عكيم أخبرهم الحديث فهذا يدل على أن عبد الرحمن ما سمعه من ابن عكيم لكن إن وجد التصريح بسماعه منه حمل على أنه سمعه منه بعد ذلك‏.‏

وفي الباب عن ابن عمر رواه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ وفيه عدي بن الفضل وهو ضعيف‏.‏ وعن جابر رواه ابن وهب وفيه زمعة وهو ضعيف‏.‏ ورواه أبو بكر الشافعي في فوائده من طريق أخرى قال الشيخ الموفق‏:‏ إسناده حسن‏.‏ قال الحازمي في الناسخ والمنسوخ‏:‏ في إسناد حديث ابن عكيم اختلاف رواه الحكم مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن عكيم ورواه عنه القاسم ابن مخيمرة عن خالد عن الحكم وقال‏:‏ إنه لم يسمعه من ابن عكيم ولكن من أناس دخلوا عليه ثم خرجوا وأخبروه ولولا هذه العلل لكان أولى الحديثين أن يؤخذ به حديث ابن عكيم ثم قال‏:‏ وطريق الإنصاف فيه أن يقال إن حديث ابن عكيم ظاهر الدلالة في النسخ لو صح ولكنه كثير الاضطراب لا يقاوم حديث ميمونة في الصحة ثم قال‏:‏ فالمصير إلى حديث ابن عباس أولى لوجوه من الترجيح ويحمل حديث ابن عكيم على منع الانتفاع به قبل الدباغ وحينئذ يسمى إهابًا وبعد الدباغ يسمى جلد أو لا يسمى إهابًا هذا معروف عند أهل اللغة وليكون جمعًا بين الحكمين وهذا هو الطريق في نفي التضاد انتهى‏.‏

ومحصل الأجوبة على هذا الحديث الإرسال لعدم سماع عبد اللَّه بن عكيم من النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثم الانقطاع لعدم سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى من عبد اللَّه بن عكيم ثم الاضطراب في سنده فإنه تارة قال عن كتاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وتارة عن مشيخة من جهينة وتارة عمن قرأ الكتاب ثم الاضطراب في متنه فرواه الأكثر من غير تقييد ومنهم من رواه بتقييد شهر أو شهرين أو أربعين يومًا أو ثلاثة أيام ثم الترجيح بالمعارضة بأن أحاديث الدباغ أصح ثم القول بموجبه بأن الإهاب اسم للجلد قبل الدباغ لا بعده حمله على ذلك ابن عبد البر والبيهقي وغيرهما ثم الجمع بين هذا الحديث والأحاديث السابقة بأن هذا عام وتلك خاصة وقد سبق الكلام على ذلك في باب ما جاء في تطهير الدباغ مستكملًا‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ وأكثر أهل العلم على أن الدباغ يطهر في الجملة لصحة النصوص به وخبر ابن عكيم لا يقاربها في الصحة والقوة لينسخها قال الترمذي‏:‏ سمعت أحمد بن الحسن يقول‏:‏ كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لما ذكر فيه قبل وفاته بشهرين وكان يقول‏:‏ هذا آخر أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثم ترك أحمد هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده حيث روى بعضهم فقال عن عبد اللَّه بن عكيم عن أشياخ من جهينة اهـ‏.‏ قال الخلال لما رأى أبو عبد اللَّه تزلزل الرواية فيه توقف‏.‏

 باب نجاسة لحم الحيوان الذي لا يؤكل إذا ذبح

1- عن سلمة بن الأكوع قال‏:‏ ‏(‏لما أمسى اليوم الذي فتحت عليهم فيه خيبر أوقدوا نيرانًا كثيرة فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ما هذه النار على أي شيء توقدون قالوا‏:‏ على لحم قال‏:‏ على أي لحم قالوا‏:‏ على لحم الحمر الأنسية فقال‏:‏ أهريقوها واكسروها فقال رجل‏:‏ يا رسول اللَّه أو نهريقها ونغسلها فقال‏:‏ أو ذاك‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏فقال‏:‏ اغسلوا‏)‏‏.‏

2- وعن أنس ‏(‏قال‏:‏ أصبنا من لحم الحمر يعني يوم خيبر فنادى منادي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن اللَّه ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس أو نجس‏)‏‏.‏

متفق عليهما‏.‏

وأخرجاه أيضًا من حديث علي بلفظ‏:‏ ‏(‏نهي عام خيبر عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية‏)‏ وهو متفق عليه أيضًا من حديث جابر وابن عمر وابن عباس والبراء وأبي ثعلبة وعبد اللَّه بن أبي أوفى‏.‏

وأخرجه البخاري من حديث زاهر الأسلمي والترمذي عن أبي هريرة والعرباض بن سارية وأبو داود والنسائي عن خالد بن الوليد وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أبو داود والبيهقي من حديث المقدام بن معد يكرب‏.‏

ورواه الدارمي من طريق مجاهد عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية‏)‏‏.‏

وفي الصحيحين من رواية الشعبي ‏(‏لا أدري أنهي عنها من أجل أنها كانت حمولة الناس أو حرمت‏)‏‏.‏

وفي البخاري عن عمرو بن دينار قلت لجابر بن زيد‏:‏ يزعمون أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية قال‏:‏ قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو والغفاري عندنا بالبصرة ولكن أبى ذلك البحر يعني ابن عباس‏.‏

والحديثان استدل بهما على تحريم الحمر الأهلية وهو مذهب الجماهير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ ليست بحرام‏.‏ وعن مالك ثلاث روايات وسيأتي تفصيل ذلك وبسط الحجج في باب النهي عن الحمر الإنسية من كتاب الأطعمة إن شاء اللَّه تعالى‏.‏ وقد أوردهما المصنف هنا للاستدلال بهما على نجاسة لحم الحيوان الذي لا يؤكل لأن الأمر بكسر الآنية أولًا ثم الغسل ثانيًا ثم قوله‏:‏ فإنها رجس أو نجس ثالثًا يدل على النجاسة ولكنه نص في الحمر الإنسية وقياس في غيرها مما لا يؤكل بجامع عدم الأكل ولا يجب التسبيع إذ أطلق الغسل ولم يقيده بمثل ما قيده في ولوغ الكلب‏.‏ وقال أحمد في أشهر الروايتين عنه‏:‏ إنه يجب التسبيع ولا أدري ما دليله فإن كان القياس على لعاب الكلب فلا يخفى ما فيه وإن كان غيره فما هو‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏الإنسية‏)‏ بكسر الهمزة وفتحها مع سكون النون والإنسي الإنس من كل شيء‏.‏

 أبواب الأواني

 

باب ما جاء في آنية الذهب والفضة

1- عن حذيفة قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول‏:‏ لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة‏)‏‏.‏

متفق عليه وهو لبقية الجماعة إلا حكم الأكل منه خاصة‏.‏

قال ابن منده‏:‏ مجمع على صحته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في صحافها‏)‏ الصحاف جمع صحفة وهي دون القصعة‏.‏ قال الجوهري‏:‏ قال الكسائي أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة تليها تشبع العشرة ثم الصحفة تشبع الخمسة ثم المثكلة تشبع الرجلين والثلاثة‏.‏

والحديث يدل على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة أما الشرب فبالإجماع وأما الأكل فأجازه داود والحديث يرد عليه ولعله لم يبلغه‏.‏ قال النووي‏:‏ قال أصحابنا انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب وسائر الاستعمالات في إناء ذهب أو فضة إلا رواية عن داود في تحريم الشرب فقط ولعله لم يبلغه حديث تحريم الأكل وقول قديم للشافعي والعراقيين فقال بالكراهة دون التحريم وقد رجع عنه‏.‏ وتأوله أيضًا صاحب التقريب ولم يحمله على ظاهره فثبتت صحة دعوى الإجماع على ذلك وقد نقل الإجماع أيضًا ابن المنذر على تحريم الشرب في آنية الذهب والفضة إلا عن معاوية بن قرة وقد أجيب من جهة القائلين بالكراهة عن الحديث بأنه للتزهيد بدليل ‏(‏إنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة‏)‏ ورد بحديث ‏(‏فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم‏)‏ وهو وعيد شديد ولا يكون إلا على محرم ولا شك أن أحاديث الباب تدل على تحريم الأكل والشرب وأما سائر الاستعمالات فلا والقياس على الأكل والشرب قياس مع فارق فإن علة النهي عن الأكل والشرب هي التشبه بأهل الجنة حيث يطاف عليهم بآنية من فضة وذلك مناط معتبر للشارع كما ثبت عنه لما رأى رجلًا متختمًا بخاتم من ذهب فقال‏:‏ ‏(‏ما لي أرى عليك حلية أهل الجنة‏)‏ أخرجه الثلاثة من حديث بريدة وكذلك في الحرير وغيره وإلا لزم تحريم التحلي بالحلي والافتراش للحرير لأن ذلك استعمال وقد جوزه البعض من القائلين بتحريم الاستعمال‏.‏ وأما حكاية النووي للإجماع على تحريم الاستعمال فلا تتم مع مخالفة داود والشافعي وبعض أصحابه وقد اقتصر الإمام المهدي في البحر على نسبة ذلك إلى أكثر الأمة على أنه لا يخفى على المنصف ما في حجية الإجماع من النزاع والإشكالات التي لا مخلص عنها‏.‏

والحاصل أن الأصل الحل فلا تثبت الحرمة إلا بدليل يسلمه الخصم ولا دليل في المقام بهذه الصفة فالوقوف على ذلك الأصل المعتضد بالبراءة الأصلية هو وظيفة المنصف الذي لم يخبط بسوط هيبة الجمهور لا سيما وقد أيد هذا الأصل حديث ‏(‏ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبًا‏)‏ أخرجه أحمد وأبو داود ويشهد له ما سلف أن أم سلمة جاءت بجلجل من فضة فيه شعر من شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فخضخضت‏.‏ الحديث في البخاري وقد سبق‏.‏ وقد قيل إن العلة في التحريم الخيلاء أو كسر قلوب الفقراء ويرد عليه جواز استعمال الأواني من الجواهر النفيسة وغالبها أنفس وأكثر قيمة من الذهب والفضة ولم يمنعها إلا من شذ‏.‏ وقد نقل ابن الصباغ في الشامل الإجماع على الجواز وتبعه الرافعي ومن بعده‏.‏ وقيل العلة التشبه بالأعاجم وفي ذلك نظر لثبوت الوعيد لفاعله ومجرد التشبه لا يصل إلى ذلك وأما اتخاذ الأواني بدون استعمال فذهب الجمهور إلى منعه ورخصت فيه طائفة‏.‏

2- وعن أم سلمة رضي اللَّه عنها‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ ولمسلم‏:‏ ‏(‏إن الذي يأكل أو يشرب في إناء الذهب والفضة‏)‏‏.‏

3 - وعن عائشة رضي اللَّه عنها عن النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم قال في الذي يشرب في إناء فضة‏:‏ ‏(‏كأنما يجرجر في بطنه نارًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

حديث أم سلمة أخرجه أيضًا الطبراني وزاد إلا أن يتوب وقد تفرد علي بن مسهر بزيادة إناء الذهب الثابتة عند مسلم‏.‏

وحديث عائشة رواه أيضًا الدارقطني في العلل من طريق شعبة والثوري عن سعد بن إبراهيم عن نافع عن امرأة ابن عمر سماها الثوري صفية‏.‏

وأخرجه أيضًا أبو عوانة في صحيحه بلفظ‏:‏ ‏(‏الذي يشرب في الفضة إنما يجرجر في جوفه نارًا‏)‏‏.‏ وفيه اختلاف على نافع فقيل عنه عن ابن عمر أخرجه الطبراني في الصغير وأعله أبو زرعة وأبو حاتم‏.‏ وقيل عنه عن أبي هريرة ذكره الدارقطني في العلل أيضًا وخطأه من رواية عبد العزيز بن أبي روَّاد قال‏:‏ والصحيح فيه عن نافع عن زيد بن عبد اللَّه بن عمر كما تقدم يعني عن زيد بن عبد اللَّه بن عمر عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أم سلمة‏.‏ قال الحافظ‏:‏ فرجع الحديث إلى حديث أم سلمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يجرجر‏)‏ الجرجرة صب الماء في الحلق كالتجرجر والتجرجر أن تجرعه جرعًا متداركًا‏.‏ جرجر الشراب صوت وجرجره سقاه على تلك الصفة‏.‏ قاله في القاموس‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏نار جهنم‏)‏ يروى بالرفع وهو مجاز لأن النار لا تجرجر على الحقيقة ولكنه جعل الصوت جرع الإنسان للماء في هذه الأواني المخصوصة لوقوع النهي عنها واستحقاق العقاب عليها كجرجرة نار جهنم في بطنه على طريق المجاز‏.‏ والأكثر الذي عليه شراح الحديث وأهل الغريب واللغة النصب‏.‏ والمعنى كأنما تجرع نار جهنم‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وقوله‏:‏ يجرجر بضم التحتانية وفتح الجيم وسكون الراء وجيم مكسورة وهو صوت يردده البعير في حنجرته إذا هاج ثم حكى الخلاف في ضبط هذه اللفظة في كتاب الأشربة والحديث قد تقدم الكلام عليه‏.‏

وعن البراء بن عازب قال‏:‏ ‏(‏نهانا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن الشرب في الفضة فإنه من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة‏)‏‏.‏

مختصر من مسلم‏.‏

الحديث قد تقدم الكلام عليه‏.‏