فصل: بَابُ الرِّدَّةِ وَالتَّعْزِيرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العقود الدرية في تنقيح الفتاوي الحامدية



.بَابُ الرِّدَّةِ وَالتَّعْزِيرِ:

(سُئِلَ) هَلْ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا بُدَّ مِنْ قَضَاءِ الْقَاضِي؟
(الْجَوَابُ): تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ قَالَ فِي التَّنْوِيرِ وَالْكَنْزِ وَارْتِدَادُ أَحَدِهِمَا فَسْخٌ فِي الْحَالِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الرِّدَّةِ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ عِصْمَةَ النِّكَاحِ وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِنَفْسِ الرِّدَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَرِدَّةُ الرَّجُلِ تُبْطِلُ عِصْمَةَ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْقَاتِلُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ أَوْ أَتْلَفَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى تَحْرُمُ امْرَأَتُهُ وَيُجَدِّدُ النِّكَاحَ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَيُعِيدُ الْحَجَّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْمَوْلُودُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ بِالْوَطْءِ بَعْدَ التَّكَلُّمِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَلَدُ زِنًا. اهـ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ بِلَفْظٍ تُرْكِيٍّ ديني أغزني سكديكم فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ بِلَفْظٍ تُرْكِيٍّ آدَم بوسوزي ديمه كاور وَلَوْ رَسَن.
فَقَالَ لِلرَّجُلِ عَقِبَ النَّهْيِ بِلَفْظٍ تُرْكِيٍّ بْن كاور مُسْلِمَانِ أَوْ لِمَام وَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ وَثَبَتَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ الْمُزَكَّاةِ تَلَفُّظُهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ فَمَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ وَهَلْ بَانَتْ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): قَالَ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى مَنْ شَتَمَ فَمَ الْمُؤْمِنِ يَكْفُرُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ فَمَ الْمُؤْمِنِ مَوْضِعُ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ وَفِيهِ أَيْضًا الرِّضَا بِكُفْرِ نَفْسِهِ كَفَرَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ.
وَفِي الْعِمَادِيَّةِ مُسْلِمٌ قَالَ أَنَا مُلْحِدٌ يَكْفُرُ لِأَنَّ الْمُلْحِدَ كَافِرٌ. اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ عِصْمَةَ النِّكَاحِ وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِنَفْسِ الرِّدَّةِ. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى تَحْرُمُ امْرَأَتُهُ وَيُجَدِّدُ النِّكَاحَ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَيُعِيدُ الْحَجَّ. اهـ.
وَفِيهَا وَارْتِدَادُ أَحَدِهِمَا فَسْخٌ فِي الْحَالِ. اهـ.
فَظَهَرَ بِمَا نَقَلْنَاهُ الْجَوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَفِي فَتَاوَى أَبِي السُّعُودِ مَا نَصُّهُ: سَمَاع لَفْظِيّه زَوْجه سي هِنْدك اغزنه ودينته شتم أيلسه شرعا زيده نه لَازِم أولور؟. اهـ.
الْجَوَابُ: تَعْزِيرٌ شَدِيدٌ وَتَجْدِيدُ إيمَانٍ لازمدر وهند بلدوكي كمسنه يه وارر.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ الْأَشْرَافِ بِزُونِك دينسز كاور فَمَاذَا يَلْزَمُهُ؟
(الْجَوَابُ): قَوْلُهُ بِزُونِك مَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ الْمُعَرَّسُ بِالسِّينِ وَتَقُولُهُ الْعَوَامُّ بِالصَّادِ وَفِيهِ التَّعْزِيرُ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ دينسز مَعْنَاهُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ دَيْنٌ يَتَدَيَّنُ بِهِ وَهُوَ مُرَادِفٌ لِزِنْدِيقٍ فَفِي الْفَتْحِ الزِّنْدِيقُ الَّذِي لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ وَفِيهِ التَّعْزِيرُ أَيْضًا كَمَا فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ كاور بِمَعْنَى كَافِرٍ قَالَ فِي التَّنْوِيرِ وَعُزِّرَ الشَّاتِمُ بِيَا كَافِرُ وَهَلْ يَكْفُرُ إنْ اعْتَقَدَ الْمُسْلِمَ كَافِرًا نَعَمْ وَإِلَّا لَا.
بِهِ يُفْتَى فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ هَذَا الْمُتَعَدِّي الْمَذْكُورَ التَّعْزِيرُ الشَّدِيدُ اللَّائِقُ بِحَالِهِ الرَّادِعُ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ إلَّا إذَا اعْتَقَدَ الْمُسْلِمَ كَافِرًا فَإِنَّهُ يَكْفُرُ وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ تَجْدِيدِ الْإِسْلَامِ وَالنِّكَاحِ.
(سُئِلَ) فِي ذِمِّيٍّ قَالَ إنْ دَخَلْت مَكَانَ كَذَا أَكُنْ مُسْلِمًا فَهَلْ إذَا دَخَلَ ذَلِكَ الْمَكَانَ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ إذْ لَا بُدَّ مِنْ التَّبَرِّي كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَلِأَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِسْلَامَ تَصْدِيقٌ بِالْجَنَانِ وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَكِلَاهُمَا مِمَّا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْكَافِرَ الَّذِي يُعَلِّقُ إسْلَامَهُ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ غَالِبًا فَلَا يَقْصِدُ تَحْصِيلَ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ فَكَيْفَ نَجْعَلُهُ مُسْلِمًا مَعَ تَبَاعُدِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ بِتَعْلِيقِهِ عَلَى مَا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ وَالْإِسْلَامُ عَمَلٌ بِخِلَافِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ تَرْكٌ فَلَا يَصِيرُ الْكَافِرُ مُسْلِمًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَأَفْتَى بِذَلِكَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالشَّيْخُ نُورُ الدِّينِ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ وَفِي الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ الْإِسْلَامَ عَمَلٌ بِخِلَافِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ تَرْكٌ وَنَظِيرُهُ الْإِقَامَةُ وَالصِّيَامُ فَلَا يَصِيرُ الْمُقِيمُ مُسَافِرًا وَلَا الصَّائِمُ مُفْطِرًا وَلَا الْكَافِرُ مُسْلِمًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَيَصِيرُ أَيْ الْمُسْلِمُ كَافِرًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ تَرْكٌ فَإِذَا عَلَّقَهُ الْمُسْلِمُ عَلَى فِعْلٍ وَفَعَلَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي فِعْلِهِ فَيَكُونُ قَاصِدًا الْكُفْرَ فَيَكْفُرُ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ صُورَةُ دَعْوَى يُعْلَمُ مَضْمُونُهَا مِنْ جَوَابِهَا بِقَوْلِهِ لَا يَثْبُتُ إسْلَامُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِمَا ذُكِرَ أَيْ بِمُجَرَّدِ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ لِعَدَمِ التَّبَرِّي وَهُوَ شَرْطٌ فِي كُلِّ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ كَمَا عَمَّمَ فِي ذَلِكَ فِي الدُّرَرِ وَفَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ وَالتُّمُرْتَاشِيِّ وَغَيْرِهِمَا كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَأَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إذَا تَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّأْ وَلَمْ يُتَابِعْ.
(سُئِلَ) فِي صَبِيٍّ عَاقِلٍ مُمَيِّزٍ مِنْ أَوْلَادِ الذِّمِّيِّينَ أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ فَهَلْ يَصِحُّ إسْلَامُهُ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ يَصِحُّ إسْلَامُهُ إذَا كَانَ عَاقِلًا الْإِسْلَامَ مُمَيِّزًا حَتَّى أَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ فِي ذِمِّيٍّ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ أَسْلَمَ وَهُوَ سَكْرَانُ بِصِحَّةِ إسْلَامِهِ كَالْبَالِغِ السَّكْرَانِ لَكِنْ إذَا زَالَ سُكْرُهُمَا إنْ عَادَ إلَى دِينِهِمَا يُجْبَرَانِ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ وَلَا يُقْتَلَانِ. اهـ.
وَاَلَّذِي يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ يَعْنِي صِفَةَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي {حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى} كَذَا فِي فَتَاوَى الْأَنْقِرْوِيِّ وَوَصَفَهُ الطَّرَسُوسِيُّ بِقَوْلِهِ الَّذِي يَعْقِلُ أَنَّ الْإِسْلَامَ سَبَبُ النَّجَاةِ وَيُمَيِّزُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَالْحُلْوَ مِنْ الْمُرِّ كَذَا فِي التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ لِلْعَلَائِيِّ وَقَدَّرَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَالسِّرَاجِيَّةِ بِسَبْعِ سِنِينَ وَيُؤَيِّدُهُ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَ الْإِسْلَامَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسِنُّهُ سَبْعٌ} وَكَانَ يَفْتَخِرُ بِهِ حَتَّى قَالَ سَبَقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ طُرًّا غُلَامًا مَا بَلَغْت أَوَانِ حِلْمِي وَسُقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ قَهْرًا بِصَارِمِ هِمَّتِي وَسِنَانِ عَزْمِي. اهـ.
وَإِذَا ادَّعَى أَبُوهُ النَّصْرَانِيُّ أَنَّ عُمُرَهُ خَمْسُ سِنِينَ وَادَّعَتْ أُمُّهُ الْمُسْلِمَةُ أَنَّ عُمْرَهُ سَبْعُ سِنِينَ فَالْقَوْلُ لِمَنْ أَجَابَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يُعْرَضُ عَلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَيَرْجِعُ إلَيْهِمْ فِيهِ.
(سُئِلَ) فِي النَّصْرَانِيِّ إذَا حَصَلَ لَهُ جُنُونٌ فِي عَقْلِهِ بِسَبَبِ عِشْقِهِ لَكِنَّهُ يَسْتَحْضِرُ الْجَوَابَ وَيَفْهَمُ الْخِطَابَ فَأَسْلَمَ وَمَدَحَ الْإِسْلَامَ وَذَمَّ الْكُفْرَ وَانْسَرَّ بِذَلِكَ فَهَلْ صَحَّ إسْلَامُهُ؟
(الْجَوَابُ): أَجَابَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ مُمَيِّزٌ فَيَصِحُّ إسْلَامُهُ وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ وَيُجْبَرُ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ.
(سُئِلَ) فِي الْمُرْتَدَّةِ إذَا مَاتَتْ أَيْنَ تُدْفَنُ؟
(الْجَوَابُ): إذَا ثَبَتَ ارْتِدَادُهَا بَعْدَ إسْلَامِهَا بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ ثُمَّ مَاتَتْ وَهِيَ كَذَلِكَ فَفِي سِيَرِ الْأَشْبَاهِ وَإِذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ لَمْ يُدْفَنْ فِي مَقَابِرِ أَهْلِ مِلَّةٍ وَإِنَّمَا يُلْقَى فِي حُفَيْرَةٍ كَالْكَلْبِ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ مُسْلِمٍ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَهَلْ يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ إسْلَامِهِ وَنِكَاحُهُ وَلَا يَقْضِي مِنْ الْعِبَادَاتِ إلَّا الْحَجَّ؟
(الْجَوَابُ): لَوْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى تَحْرُمُ امْرَأَتُهُ وَيُجَدِّدُ النِّكَاحَ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَهُوَ فَسْخٌ عَاجِلٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءٍ وَلَا يُنْقَصُ عَدَدُ الطَّلَقَاتُ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَيُعِيدُ الْحَجَّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْمَوْلُودُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ بِالْوَطْءِ بَعْدَ التَّكَلُّمِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَلَدُ زِنًا ثُمَّ إنْ أَتَى بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْعَادَةِ لَا يَجْزِيهِ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَمَّا قَالَهُ لِأَنَّ بِإِتْيَانِهَا عَلَى الْعَادَةِ لَا يَرْتَفِعُ الْكُفْرُ وَيُؤْمَرُ بِالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ يُجَدِّدُ النِّكَاحَ وَزَالَ عَنْهُ مُوجِبُ الْكُفْرِ وَالِارْتِدَادِ وَهُوَ الْقَتْلُ كَمَا فِي الثَّالِثِ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الرِّدَّةِ هَذَا إذَا كَانَ عَالِمًا أَنَّ مَا قَالَهُ كُفْرٌ.
وَأَمَّا الْجَاهِلُ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهَا كُفْرٌ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَكُونُ كُفْرًا وَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَصِيرُ كَافِرًا بِذَلِكَ وَمَنْ أَتَى بِلَفْظَةِ الْكُفْرِ وَهُوَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا كُفْرٌ إلَّا أَنَّهُ أَتَى بِهَا عَنْ اخْتِيَارٍ يَكْفُرُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِلْبَعْضِ وَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ كَلِمَةُ الْكُفْرِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَا يَكْفُرُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ عَوَانِي مُفْسِدٍ غَمَّازٍ يَسْعَى فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَيُوقِعُ الشَّرَّ بَيْنَ الْعِبَادِ وَيُغْرِي عَلَى أَخْذِ الْأَمْوَالِ بِالْبَاطِلِ وَذَبْحِ الْعِبَادِ وَيُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ وَلَا يَرْتَدِعُ عَنْ تِلْكَ الْأَفْعَالِ إلَّا بِالْقَتْلِ فَمَا حُكْمُهُ؟
(الْجَوَابُ): إذَا كَانَ كَذَلِكَ وَأَخْبَرَ جَمٌّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ يُقْتَلُ وَيُثَابُ قَاتِلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ شَرِّهِ عَنْ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ عَامِّيٍّ شَتَمَ رَجُلَيْنِ مِنْ عُلَمَاءِ دَيْنِ الْإِسْلَامِ وَآلِ بَيْتِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ السَّلَامِ وَحَقَّرَهُمَا وَاسْتَخَفَّ بِهِمَا وَبِالدِّينِ مَعَ كَوْنِهِ شِرِّيرًا سَاعِيًا بِالْفَسَادِ فَهَلْ إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ بِوَجْهِهِ الشَّرْعِيِّ يُقْتَلُ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَوْ صَغَّرَ الْفَقِيهَ أَوْ الْعَلَوِيَّ قَاصِدًا الِاسْتِخْفَافَ بِالدَّيْنِ كَفَرَ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ السَّاعِي فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ يُقْتَلُ بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ. اهـ.
وَقَالَ ابْنُ الضِّيَاءِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْكَنْزِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ نَظَرَ إنْسَانٌ إلَى عَالِمٍ نَظْرَةَ إهَانَةٍ أَوْ ذَكَرَهُ بِمَا يُوجِبُ الْإِهَانَةَ يَكْفُرُ كَمَا فِي عُمْدَةِ الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ {الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ} وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِهِمْ عَنْ رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ لَا يَجُوزُ لِلْجَاهِلِ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ وَإِنْ جَلَسَ فَوَاجِبٌ عَلَى السُّلْطَانِ أَوْ الْقَاضِي أَنْ يَمْنَعَهُ لِأَنَّ هَذَا اسْتِخْفَافٌ أَوْ إهَانَةٌ أَوْ حَقَارَةٌ وَلَوْ جَلَسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ أَعْلَى مِنْ الْعَالِمِ أَوْ الْمُتَعَلِّمِ فِي الْمَجْلِسِ لَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ طَلَقَتْ امْرَأَتُهُ وَلَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمِزَاحِ يُعَزَّرُ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْعَلَّامَةِ إبْرَاهِيمَ الْبِيرِيِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ وَالرِّدَّةِ.
(سُئِلَ) فِي ذِمِّيٍّ شَتَمَ ذِمِّيًّا مِثْلَهُ بِأَلْفَاظٍ قَبِيحَةٍ وَآذَاهُ بِذَلِكَ فَهَلْ يُؤَدَّبُ وَيُعَاقَبُ عَلَى ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ.
(سُئِلَ) عَنْ يَهُودِيٍّ قَذَفَ يَهُودِيًّا بِالزِّنَا هَلْ يَلْزَمُهُ حَدُّ الْقَذْفِ؟
(الْجَوَابُ): لَا يَلْزَمُهُ حَدُّ الْقَذْفِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ التَّعْزِيرُ كَازَرُونِيٌّ عَنْ ابْنِ نُجَيْمٍ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ كَذَا وَإِنْ فَعَلَهُ يَكُنْ دِينُهُ لِلنَّصَارَى ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ فَهَلْ يَكْفُرُ أَوْ لَا وَهَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ يَمِينَيْنِ؟
(الْجَوَابُ): إنْ كَانَ الْحَالِفُ جَاهِلًا وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَكْفُرُ وَعَلَيْهِ تَجْدِيدُ الْإِسْلَامِ وَالنِّكَاحُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ يَمِينٌ فَقَطْ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِذَلِكَ وَفِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَفَّارَةُ يَمِينٍ آخَرَ وَهَذَا مَا تَحَرَّرَ بَعْدَ النَّظَرِ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا أَئِمَّةِ الْهُدَى رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ سُئِلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَقَالَ لَوْ شَفَعَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي خُلِقَ الْكَوْنُ لِأَجْلِهِ مَا أَقْبَلُ رَجَاءَهُ فَهَلْ يَكْفُرُ أَمْ لَا؟
(الْجَوَابُ): لَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ لِأَنَّ قَصْدَهُ التَّعْظِيمُ وَلِأَنَّهُ مُنْتَفٍ بِلَوْ، كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ نَاقِلًا عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَأَفْتَى بِذَلِكَ السُّبْكِيّ وَالرَّمْلِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فَاجْتَمَعَ الْمَذْهَبَانِ عَلَى عَدَمِ كُفْرِهِ وَأَظُنُّ أَنَّهَا إجْمَاعِيَّةٌ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَرَأَيْت فِي مَجْمُوعَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَبْدِ اللَّهِ أَفَنْدِي حَفِظَهُ اللَّهُ الْمَلِكُ السَّلَامُ حِينَ زَارَنِي فِي الْجُنَيْنَةِ وَقْتَ قُدُومِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى مُنَوِّرِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ السَّلَامِ سَنَةَ 1146 مَا صُورَتُهُ مَا قَوْلُكُمْ - دَامَ فَضْلُكُمْ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَنَفَعَ الْمُسْلِمِينَ بِعُلُومِكُمْ - فِي سَبَبِ وُجُوبِ مُقَاتَلَةِ الرَّوَافِضِ وَجَوَازِ قَتْلِهِمْ هُوَ الْبَغْيُ عَلَى السُّلْطَانِ أَوْ الْكُفْرِ، إذَا قُلْتُمْ بِالثَّانِي فَمَا سَبَبُ كُفْرِهِمْ وَإِذَا أَثْبَتُّمْ سَبَبَ كُفْرِهِمْ فَهَلْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ وَإِسْلَامُهُمْ كَالْمُرْتَدِّ أَوْ لَا تُقْبَلُ كَسَابِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِمْ.
وَإِذَا قُلْتُمْ بِالثَّانِي فَهَلْ يُقْتَلُونَ حَدًّا أَوْ كُفْرًا وَهَلْ يَجُوزُ تَرْكُهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ أَوْ بِالْأَمَانِ الْمُؤَقَّتِ أَوْ بِالْأَمَانِ الْمُؤَبَّدِ أَمْ لَا وَهَلْ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِهِمْ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اعْلَمْ أَسْعَدَك اللَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةَ وَالْبُغَاةَ الْفَجَرَةَ جَمَعُوا بَيْنَ أَصْنَافِ الْكُفْرِ وَالْبَغْيِ وَالْعِنَادِ وَأَنْوَاعِ الْفِسْقِ وَالزَّنْدَقَةِ وَالْإِلْحَادِ وَمَنْ تَوَقَّفَ فِي كُفْرِهِمْ وَإِلْحَادِهِمْ وَوُجُوبِ قِتَالِهِمْ وَجَوَازِ قَتْلِهِمْ فَهُوَ كَافِرٌ مِثْلُهُمْ وَسَبَبُ وُجُوبِ مُقَاتَلَتِهِمْ وَجَوَازِ قَتْلِهِمْ الْبَغْيُ وَالْكُفْرُ مَعًا أَمَّا الْبَغْيُ فَإِنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ خَلَّدَ اللَّهُ تَعَالَى مُلْكَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ} وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ إذَا دَعَاهُمْ الْإِمَامُ إلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ الْبَاغِينَ الْمَلْعُونِينَ عَلَى لِسَانِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ أَنْ لَا يَتَأَخَّرُوا عَنْهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعِينُوهُ وَيُقَاتِلُوهُمْ مَعَهُ وَأَمَّا الْكُفْرُ فَمِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّهُمْ يَسْتَخِفُّونَ بِالدِّينِ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِالشَّرْعِ الْمُبِينِ وَمِنْهَا أَنَّهُمْ يُهِينُونَ الْعِلْمَ وَالْعُلَمَاءَ مَعَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وَمِنْهَا أَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ الْمُحَرَّمَاتِ وَيَهْتِكُونَ الْحُرُمَاتِ وَمِنْهَا أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ خِلَافَةَ الشَّيْخَيْنِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُوقِعُوا فِي الدِّينِ الشَّيْنَ وَمِنْهَا أَنَّهُمْ يُطَوِّلُونَ أَلْسِنَتَهُمْ عَلَى عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا وَيَتَكَلَّمُونَ فِي حَقِّهَا مَا لَا يَلِيقُ بِشَأْنِهَا مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عِدَّةَ آيَاتٍ فِي بَرَاءَتِهَا وَنَزَاهَتِهَا فَهُمْ كَافِرُونَ بِتَكْذِيبِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَسَابُّونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضِمْنًا بِنِسْبَتِهِمْ إلَى أَهْلِ بَيْتِهِ هَذَا الْأَمْرَ الْعَظِيمَ وَمِنْهَا أَنَّهُمْ يَسُبُّونَ الشَّيْخَيْنِ سَوَّدَ اللَّهُ وُجُوهَهُمْ فِي الدَّارَيْنِ.
وَقَالَ السُّيُوطِيّ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ كَفَّرَ الصَّحَابَةَ أَوْ قَالَ إنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ كَفَرَ وَنَقَلُوا وَجْهَيْنِ عَنْ تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِيمَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ هَلْ يَفْسُقُ أَوْ يَكْفُرُ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي التَّكْفِيرُ وَبِهِ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ. اهـ.
وَثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ قَطْعًا عِنْدَ الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ هَذِهِ الْقَبَائِحَ مُجْتَمِعَةٌ فِي هَؤُلَاءِ الضَّالِّينَ الْمُضِلِّينَ فَمَنْ اتَّصَفَ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فَهُوَ كَافِرٌ يَجِبُ قَتْلُهُ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِسْلَامُهُ فِي إسْقَاطِ الْقَتْلِ سَوَاءٌ تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ وَلَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ كَسَائِرِ الْحُدُودِ وَلَيْسَ سَبُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالِارْتِدَادِ الْمَقْبُولِ فِيهِ التَّوْبَةُ لِأَنَّ الِارْتِدَادَ مَعْنًى يَنْفَرِدُ بِهِ الْمُرْتَدُّ لَا حَقَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ فَقُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ وَيَجِبُ قَتْلُهُ ثُمَّ إنْ ثَبَتَ عَلَى كُفْرِهِ وَلَمْ يَتُبْ وَلَمْ يُسْلِمْ يُقْتَلُ كُفْرًا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ تَابَ وَأَسْلَمَ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْقَتْلُ حَدًّا وَقِيلَ يُقْتَلُ كُفْرًا فِي الصُّورَتَيْنِ.
وَأَمَّا سَبُّ الشَّيْخَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فَإِنَّهُ كَسَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ لَعَنَهُمَا يَكْفُرُ وَيَجِبُ قَتْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِسْلَامُهُ أَيْ فِي إسْقَاطِ الْقَتْلِ وَقَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ عُلِمَ أَنَّ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ كَسَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُفِيدُ الْإِنْكَارُ مَعَ الْبَيِّنَةِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ لَعَنَهُمَا يَكْفُرُ وَيَجِبُ قَتْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِسْلَامُهُ فِي إسْقَاطِ الْقَتْلِ لِأَنَّا نَجْعَلُ إنْكَارَ الرِّدَّةِ تَوْبَةً إنْ كَانَتْ مَقْبُولَةً كَمَا لَا يَخْفَى وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ كُلُّ كَافِرٍ تَابَ فَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَّا الْكَافِرَ بِسَبِّ نَبِيٍّ أَوْ بِسَبِّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ بِالسِّحْرِ وَلَوْ امْرَأَةً وَبِالزَّنْدَقَةِ إذَا أُخِذَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ. اهـ.
فَيَجِبُ قَتْلُ هَؤُلَاءِ الْأَشْرَارِ الْكُفَّارِ تَابُوا أَوْ لَمْ يَتُوبُوا لِأَنَّهُمْ إنْ تَابُوا وَأَسْلَمُوا قُتِلُوا حَدًّا عَلَى الْمَشْهُورِ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الْقَتْلِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ بَقُوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ قُتِلُوا كُفْرًا وَأُجْرِيَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الْقَتْلِ أَحْكَامُ الْمُشْرِكِينَ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُمْ عَلَيْهِ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ وَلَا بِأَمَانٍ مُؤَقَّتٍ وَلَا بِأَمَانٍ مُؤَبَّدٍ نَصَّ عَلَيْهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ نِسَائِهِمْ لِأَنَّ اسْتِرْقَاقَ الْمُرْتَدَّةِ بَعْدَمَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ جَائِزٌ وَكُلُّ مَوْضِعٍ خَرَجَ عَنْ وِلَايَةِ الْإِمَامِ الْحَقِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَارِ الْحَرْبِ وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ ذَرَارِيِّهِمْ تَبَعًا لِأُمَّهَاتِهِمْ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الِاسْتِرْقَاقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
كَتَبَهُ أَحْقَرُ الْوَرَى نُوحٌ الْحَنَفِيُّ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ. اهـ.
مَا فِي الْمَجْمُوعَة الْمَذْكُورَةِ بِحُرُوفِهِ.
(أَقُولُ) وَقَدْ أَكْثَرَ مَشَايِخُ الْإِسْلَامِ مِنْ عُلَمَاءِ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ لَا زَالَتْ مُؤَيَّدَةً بِالنُّصْرَةِ الْعَلِيَّةِ فِي الْإِفْتَاءِ فِي شَأْنِ الشِّيعَةِ الْمَذْكُورِينَ وَقَدْ أَشْبَعَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَأَلَّفُوا فِيهِ الرَّسَائِلَ وَمِمَّنْ أَفْتَى بِنَحْوِ ذَلِكَ فِيهِمْ الْمُحَقِّقُ الْمُفَسِّرُ أَبُو السُّعُودِ أَفَنْدِي الْعِمَادِيُّ وَنَقَلَ عِبَارَتَهُ الْعَلَّامَةُ الْكَوَاكِبِيُّ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مَنْظُومَتِهِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُسَمَّاةِ الْفَرَائِدُ السَّنِيَّةُ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا نَقَلَهُ عَنْ أَبِي السُّعُودِ بَعْدَ ذِكْرِ قَبَائِحِهِمْ عَلَى نَحْوِ مَا مَرَّ فَلِذَا أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأَعْصَارِ عَلَى إبَاحَةِ قَتْلِهِمْ وَأَنَّ مَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ كَانَ كَافِرًا فَعِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُمْ إذَا تَابُوا وَرَجَعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ نَجَوْا مِنْ الْقَتْلِ وَيُرْجَى لَهُمْ الْعَفْوُ كَسَائِرِ الْكُفَّارِ إذَا تَابُوا وَأَمَّا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَلَيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ الْعِظَامِ فَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ وَلَا يُعْتَبَرُ إسْلَامُهُمْ وَيَقْتُلُونَ حَدًّا إلَخْ فَقَدْ جَزَمَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِمْ عِنْدَ إمَامِنَا الْأَعْظَمِ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ يَنْبَغِي تَحْرِيرُهَا وَالِاعْتِنَاءُ بِهَا زِيَادَةً عَلَى غَيْرِهَا فَقَدْ وَقَعَ فِيهَا خَبْطٌ عَظِيمٌ وَكَانَ يَخْطِرُ لِي أَنْ أَجْمَعَ فِيهَا رِسَالَةً أَذْكُرُ فِيهَا مَا حَرَّرْته فِي حَاشِيَتِي عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ أَذْكُرَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا يُوَضِّحُ الْمَرَامَ إسْعَافًا لِأَهْلِ الْإِسْلَام مِنْ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ وَإِنْ اسْتَدْعَى بَعْضَ طُولٍ فِي الْكَلَامِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
اعْلَمْ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ مِنْ أَنَّ سَابَّ الشَّيْخَيْنِ فِي الدَّارَيْنِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ قَدْ عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْجَوْهَرَةِ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَقَدْ قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا لَا وُجُودَ لَهُ فِي أَصْلِ الْجَوْهَرَةِ وَإِنَّمَا وُجِدَ فِي هَامِشِ بَعْضِ النُّسَخِ فَأُلْحِقَ بِالْأَصْلِ مَعَ أَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ. اهـ.
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ النَّهْرِ.
(أَقُولُ) د عَلَى فَرْضِ ثُبُوتِ ذَلِكَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْجَوْهَرَةِ لَا وَجْهَ لَهُ يَظْهَرُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَبُولِ تَوْبَةِ مَنْ سَبَّ الْأَنْبِيَاءِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى بَلْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِيمَا أَعْلَمُ. اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ عَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ سَابِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ مَنْ ذَكَرَهَا عِنْدَنَا صَاحِبُ الْبَزَّازِيَّةِ وَتَبِعَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْكَمَالِ الْهُمَامُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَتَبِعَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ وَكَذَا ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ وَالْأَشْبَاهِ وَأَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةُ.
لَكِنَّ الْعَلَّامَةَ التُّمُرْتَاشِيَّ بَعْدَمَا عَزَا مَا فِي مَتْنِهِ إلَى الْبَزَّازِيِّ قَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى مِنَحِ الْغَفَّارِ لَكِنْ سَمِعْت مِنْ مَوْلَانَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَمِينِ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ الْعَالِ مُفْتِي الْحَنَفِيَّةِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَنَّ صَاحِبَ الْفَتْحِ تَبِعَ الْبَزَّازِيَّ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الْبَزَّازِيَّ تَبِعَ صَاحِبَ الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ فَإِنَّهُ عَزَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا نَقَلَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ. اهـ.
وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مَا صُورَتُهُ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَغَضَهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ رِدَّةً وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّينَ. اهـ.
وَفِي النُّتَفِ مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ مُرْتَدٌّ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ وَيُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُرْتَدِّ. اهـ.
فَقَوْلُهُ وَيُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُرْتَدِّ ظَاهِرٌ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَمِمَّنْ نَقَلَ أَنَّهَا رِدَّةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ. اهـ.
مَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ مُلَخَّصًا ثُمَّ اعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ الْبَزَّازِيَّ قَالَ إنَّهُ كَالزِّنْدِيقِ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ خِلَافٌ لِأَحَدِ لِأَنَّهُ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ كَسَائِرِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إلَى أَنْ قَالَ وَدَلَائِلُ الْمَسْأَلَةِ تُعْرَفُ فِي الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ عَلَى شَاتِمِ الرَّسُولِ. اهـ.
وَقَدْ رَاجَعْت كِتَابَ الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ لِعُمْدَةِ الشَّافِعِيَّةِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ فَرَأَيْته ذَكَرَ مَا يَرُدُّ عَلَى الْبَزَّازِيِّ حَيْثُ ذَكَرَ السُّبْكِيّ أَوَّلًا عَنْ الشِّفَاءِ لِلْقَاضِي عِيَاضٍ الْمَالِكِيِّ أَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ مُوَافِقٌ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ فِي رِدَّتِهِ وَعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَأَنَّ بِمِثْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَكِنَّهُمْ قَالُوا هِيَ رِدَّةٌ ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيّ بَعْدَ ذَلِكَ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ وَلَمْ أَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ صَرَّحَ عَنْهُ بِذَلِكَ إلَى أَنْ قَالَ هَذَا مَا وَجَدْته لِلشَّافِعِيَّةِ وَلِلْحَنَفِيَّةِ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ كَلَامٌ قَرِيبٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَلَا يُوجَدُ لِلْحَنَفِيَّةِ غَيْرُ قَبُولِ التَّوْبَةِ وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَكَلَامُهُمْ قَرِيبٌ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ هَذَا تَحْرِيرُ الْمَنْقُولِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا الدَّلِيلُ فَمُعْتَمَدُنَا فِي قَبُولِ التَّوْبَةِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} وقَوْله تَعَالَى {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا} الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا} الْآيَةَ.
وَهَذِهِ الْآيَاتُ نَصٌّ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الْمُرْتَدِّ وَعُمُومُهَا يَدْخُلُ فِيهِ السَّابُّ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ وَالتَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا} وَلِأَنَّا لَا نَحْفَظُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَتَلَ أَحَدًا بَعْدَ إسْلَامِهِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ صَحِيحٌ لَكِنَّا عَلِمْنَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَشَفَقَتِهِ أَنَّهُ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ قَطُّ فَكَيْفَ يُنْتَقَمُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ. اهـ.
كَلَامُ السُّبْكِيّ مُلَخَّصًا وَتَمَامُ الْأَجْوِبَةِ مَبْسُوطٌ فِيهِ وَقَدْ أَطَالَ فِي ذَلِكَ إطَالَةً حَسَنَةً يَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهَا وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّقِيَّ السُّبْكِيّ وَالْقَاضِيَ عِيَاضًا ثِقَتَانِ ثَبْتَانِ عَدْلَانِ يَكْتَفِي بِشَهَادَتِهِمَا وَنَقْلِهِمَا عَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَذْهَبَهُمْ قَبُولُ التَّوْبَةِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ مَا سَمِعْته مِنْ النَّقْلِ عَنْ شَيْخِ الْمَذْهَبِ الْإِمَامِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ أَعْرَفُ بِالْمَذْهَبِ مِنْ الْبَزَّازِيِّ بِيَقِينٍ وَقَالَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي النُّتَفِ وَمُعِينِ الْحُكَّامِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَحَاوِي الزَّاهِدِيِّ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ حُكْمَهُ كَالْمُرْتَدِّ. اهـ.
وَلِلْعَلَّامَةِ النَّحْرِيرُ الشَّهِيرُ بِحُسَامٍ حَلَبِيٍّ مِنْ عُظَمَاءِ عُلَمَاءِ دَوْلَةِ السُّلْطَانِ سَلِيمْ خان بْنِ بايزيد خان الْعُثْمَانِيِّ رِسَالَةٌ لَطِيفَةٌ أَلَّفَهَا فِي الرَّدِّ عَلَى الْبَزَّازِيِّ وَقَالَ فِيهَا إنَّهُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي السَّيْفِ الْمَسْلُولِ وَذَكَرَ فِي الْحَاوِي مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْفُرُ وَلَا تَوْبَةَ لَهُ سِوَى تَجْدِيدِ الْإِيمَانِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا تَوْبَةَ لَهُ أَصْلًا فَيُقْتَلُ حَدًّا لَكِنْ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَعْدَ تَجْدِيدِ الْإِيمَانِ ثُمَّ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ تَتَبَّعْنَا كُتُبَ الْحَنَفِيَّةِ فَلَمْ نَجِدْ الْقَوْلَ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَتِهِ سِوَى مَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ وَقَدْ عَرَفْت بُطْلَانَهُ وَمَنْشَأَ غَلَطِهِ فِي أَوَّلِ الرِّسَالَةِ. اهـ.
وَقَدْ ذَكَرَ نُبْذَةً مِنْ هَذِهِ الرِّسَالَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ نُورِ الْعَيْنِ فِي إصْلَاحِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَمِنْهُ لَخَّصْت مَا نَقَلْته عَنْهَا ثُمَّ قَالَ فِيهِ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَخْطِئَةِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى نَقْلًا عَنْ كِتَابِ الْخَرَاجِ لِلْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْفُرُ فَإِنْ تَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ وَقَدْ أَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْفَهَّامَةُ أَبُو السُّعُودِ الْمُفْتِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةٌ فَقَدْ عُرِضَ عَلَى السُّلْطَانِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ الرَّحْمَنِ سُلَيْمَانْ خَانْ بْنِ سَلِيمْ خَانْ فِي أَمْرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَالرِّعَايَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُنْظَرَ إلَى حَالِ الشَّخْصِ التَّائِبِ عَنْ سَبِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ فُهِمَ مِنْهُ صِحَّةُ التَّوْبَةِ وَحُسْنُ الْإِسْلَامِ وَصَلَاحُ الْحَالِ يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَيَكْتَفِي بِالتَّعْزِيرِ وَالْحَبْسِ تَأْدِيبًا وَإِنْ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ الْخَيْرُ يُعْمَلُ بِمَذْهَبِ الْغَيْرِ فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى تَوْبَتِهِ وَإِسْلَامِهِ وَيُقْتَلُ حَدًّا فَأَمَرَ السُّلْطَانُ جَمِيعَ قُضَاةِ مَمَالِكِهِ أَنْ يَعْمَلُوا بَعْدَ الْيَوْمِ بِهَذَا الْجَمْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ وَالْقَمْعِ هَذَا خُلَاصَةُ ذَلِكَ الْجَوَابِ شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ يَوْمَ الْحِسَابِ. اهـ.
وَاَلَّذِي حَطَّ عَلَيْهِ كَلَامَ الشَّيْخِ عَلَاءِ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ عَلَى التَّنْوِيرِ هُوَ الْعَمَلُ بِهَذَا الْجَمْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ أَبُو السُّعُودِ وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ أَمْرَ الْمَرْحُومِ السُّلْطَانِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ وَالرِّضْوَانُ لِجَمِيعِ قُضَاةِ مَمَالِكِهِ لَا يَبْقَى إلَى الْيَوْمِ لِأَنَّهُمْ مَاتُوا وَانْقَرَضُوا فَلَا بُدَّ لِقُضَاةِ زَمَانِنَا مِنْ أَمْرٍ جَدِيدٍ لِكُلِّ قَاضٍ حَتَّى يَنْفُذَ حُكْمُهُ بِمَذْهَبِ الْغَيْرِ لِيَكُونَ نَائِبًا عَنْ السُّلْطَانِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ وَمَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ كُلَّ سُلْطَانٍ مِنْ سَلَاطِينِ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ وَفَّقَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يُؤْخَذُ عَلَيْهِ عَهْدُ السُّلْطَانِ الَّذِي قَبْلَهُ وَيُبَايِعُ عَلَيْهِ حِينَ تَوْلِيَتِهِ لَا يَكْفِي ذَلِكَ لِأَنَّ أَخْذَ الْعَهْدِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ قُضَاتُهُ مَأْمُورِينَ بِهِ بَلْ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ أَمْرٍ جَدِيدٍ حِينَ يُوَلِّيهِمْ فَإِذَا وَلَّى قَاضِيًا فِي زَمَانِنَا وَكَتَبَ لَهُ فِي مَنْشُورِهِ أَنْ يَحْكُمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ أَوْ الْحَنَابِلَةِ يَصِحُّ حُكْمُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ عَزَلَهُ وَنَصَبَ غَيْرَهُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَمْرٍ جَدِيدٍ لِلثَّانِي كَمَا لَوْ وَكَّلَ أَحَدٌ وَكِيلًا بِبَيْعٍ شَيْءٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ عَزَلَهُ وَوَكَّلَ غَيْرَهُ أَوْ وَكَّلَهُ نَفْسَهُ ثَانِيًا وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالثَّمَنِ تَكُونُ وَكَالَتُهُ مُطْلَقَةً حَتَّى يَأْتِيَ بِالتَّقْيِيدِ.
وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْقَاضِيَ وَكِيلٌ عَنْ السُّلْطَانِ فِي الْحُكْمِ وَنَائِبٌ عَنْهُ فَإِذَا خَصَّصَ قَضَاءَهُ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان أَوْ شَخْصٍ أَوْ حَادِثَةٍ أَوْ مَذْهَبٍ تَخَصَّصَ وَإِلَّا فَلَا وَالْقُضَاةُ فِي زَمَانِنَا يُؤْمَرُونَ بِالْحُكْمِ بِمَا صَحَّ مِنْ مَذْهَبِ سَيِّدِنَا أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرُوا فِي رَسْمِ الْمُفْتِي أَنَّ الْمُقَلِّدَ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ أَصْلًا فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ تَوْلِيَةِ قَاضٍ حَنْبَلِيٍّ أَوْ مَالِكِيٍّ لِيَحْكُمَ بِذَلِكَ فَيُنَفِّذُهُ الْحَنَفِيُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْمَقَامَ مِنْ مَدَاحِضِ الْأَقْدَامِ قَدْ وَقَعَ فِيهِ فُضَلَاءُ عِظَامٌ وَبَعْدَ ظُهُورِ النَّقْلِ الصَّرِيحِ عَنْ الْأَعْلَامِ كَيْفَ يَصِحُّ الْعُدُولُ عَنْهُ بِلَا سَنَدٍ تَامٍّ وَسَاحَتُهُ الشَّرِيفَةُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُبَرَّأَةٌ عَنْ الظُّنُونِ وَالْأَوْهَامِ لَا يُدَنِّسُهَا سَبُّ سَابٍّ مِنْ اللِّئَامِ فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَحْتَاطَ فِي خَلَاصِ نَفْسِهِ فِي سَاعَةِ الْقِيَامِ فَإِنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ مِنْ أَعْظَمِ الْآثَامِ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ قَتْلَهُ مَنْقُولٌ عَنْ الْإِمَامِ فَمَعَ نَقْلِ خِلَافِهِ يَجِبُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ وَالْإِحْجَامُ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ دَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ وَالتَّبَاعُدِ عَنْ قَتْلِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ السَّلَامِ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ وَجَدْتُمْ لِلْمُسْلِمِ مَخْرَجًا فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَأَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ} رَوَاهُ السُّيُوطِيّ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ فِخَامٍ وَالِانْتِصَارُ لِلرَّسُولِ مَقْبُولٌ فِيمَا بِهِ أَمَرَ لَا فِيمَا عَنْهُ نَهَى وَزَجَرَ فَهَذَا مَا تَحَرَّرَ مِمَّا تَقَرَّرَ فَاحْفَظْهُ وَالسَّلَامُ.