الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***
(وذا) مبتدأ والإشارة للوكيل المفوض إليه (له) خبر عن قوله (تقديم) مبتدأ وسوغ الابتداء به العمل ويحتمل أن يكون فاعلاً بمحذوف أي: وذا يجوز له تقديم (من) موصول مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله (يراه) صلة والرابط الضمير البارز ومفعوله الثاني محذوف وفاعله ضمير مستتر يعود على ذا (بمثله) يتعلق بتقديم وهو على حذف مضاف أي بمثل تقديمه، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر الأول (أو بعض) معطوف على بمثل ولم يعد الخافض لعدم لزومه على حد قوله: واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} (النساء: 1) وهو مذهب ابن مالك إذ قال: وليس عندي لازماً الخ. (ما) موصول (اقتضاه) صلته، والمعنى أن المفوض إليه له أن يقدم بمثل تقديمه أو ببعض ما اقتضاه تقديمه من فصوله من يراه أهلاً لذلك. والحاصل، أن له أن يوكل وكيلاً مفوضاً إليه أو مخصوصاً ببعض الأمور لأنه قائم مقام موكله فما جاز لموكله يجوز له، وهذا هو الذي استظهره ابن رشد وفي ضيح أنه المعروف من المذهب، وقال ابن ناجي في كتاب الشهادات من المدونة: والعمل عندنا أن المفوض إليه لا يوكل إلا بالتنصيص عليه، وكذا العمل عندنا أنه لا يحل عنه العصمة ولا يبيع عنه الربع للعرف وإلا فالأصل دخوله اه. ونحوه ذكره في إرخاء الستور منها. وأفهم قوله للعرف أن هذه الأمور إنما خرجت عندهم لأجل العرف وأن المدار في ذلك عليه، فإن جرى عرف بلد بمثل ذلك عملوا عليه وإلاَّ فلا. وحينئذ فقول (خ) وتخصص وتقيد بالعرف شامل للمفوض والمخصوص خلافاً لبعض شراحه لأن ما خرج عن العرف لم يقصد إليه، ولهذا خرج بيع دار السكنى وبيع العبد القائم بأموره كما مر وقد قال ابن عرفة ما نصه: والحاصل أن بين متعلق التوكيل خصوصاً أو عموماً لزم قصره عليه وإعماله فيه إلا ما خص ولو بعادة اه. فهو صريح في تخصيص التفويض بالعرف والله أعلم. (ومن) اسم شرط أو موصول (على مخصص) بفتح الصاد صفة لمحذوف يتعلق بقوله: (وكل) بالبناء للمفعول فعل الشرط أو صلة (لم يقدم) بكسر الدال المشددة جواب الشرط أو خبر عن الموصول (إلا) استثناء (أن) شرط (به) يتعلق بحكم آخر البيت وضميره للتقديم المفهوم من قوله لم يقدم (الجعل) بفتح الجيم فاعل بفعل محذوف يفسره ( حكم) وهو إما بمعنى الفاعل أي الجاعل أو على حذف مضاف أي ذو الجعل، والمراد به الموكل على كل تقدير، ومعناه أن من وكل على شيء مخصوص كبيع سلع مثلاً لم يجز له أن يقدم أي يوكل غيره على فعله إلا إذا حكم الجاعل له بالتقديم أي جعل له موكله ذلك بنص أو قرينة كأن يكثر ما وكل عليه بحيث لا يمكنه الاستقلال به وحده، فيوكل حينئذ من يعينه فقط، وإن لم ينص له عليه وكشريف قد وكِّل على بيع دواب مثلاً لا تليق به مباشرة بيعها وعلم الموكل بحاله أو كان مشهوراً عند الناس بأنه لا يلي ذلك بنفسه، فله أن يوكل في الحالتين ويحمل الموكل في الثانية على أنه علم بحاله ولا يصدق في أنه لم يعلم فإن لم يعلم الموكل ولا اشتهر الوكيل بذلك فليس له التوكيل، وهو ضامن حيث لم يعلم الوكيل الثاني بتعديه في توكيله وإلاَّ فالضمان عليه كما في (خ) وإلى هذا أشار بقوله عاطفاً على الممنوع وتوكيله إلا أن يليق به أو يكثر فلا ينعزل الثاني بعزل الأول الخ. تنبيهات: الأول: الوصي مثل المفوض ومقدم القاضي مثل المخصوص قاله أبو الحسن. قالوا للوصي أن يوصي بلا خلاف ويوكل والوكيل المخصوص ومقدم القاضي ليس لهما أن يوكلا بلا خلاف، ونقل (ح) عنه في باب الحجر أن المشهور في مقدم القاضي عدم التوكيل وهو معنى قول اللامية: بتوكيل ذي التقديم من عند حاكم *** بلا إذنه قولان بالمنع فاعملا وتأمل قوله: بالمنع فاعملا مع ما في نوازل الرهن من المعيار عن الإمام السنوسي أن الذي به العمل وانعقدت عليه الوثائق جواز توكيله ونحوه في المتيطية عن بعض الموثقين. الثاني: قال في المتيطية: وإذا وكلته وكالة على الخصام وجعلت له أن يوكل من يرى توكيله. قلت: وأذن له أن يوكل عنه من شاء بمثله أو بما شاء من فصوله وتكمل العقد. فإن قلت: وأذن له أن يوكل عنه من شاء ولم تزد بمثله أو بما شاء منه لم يكن للوكيل الثاني أن يخاصم عن الموكل الأول حتى يجعل له من الإقرار والإنكار مثل ما جعله للأول، وقال بعد ذلك: وإن وكلته وكالة مفوضة جامعة لفصوله وجعلت للوكيل أن يوكل من شاء بما شاء من فصوله فلا بد أن يقول الموثق: والتزم الموكل لوكيل وكيله مثل ما التزم لوكيله وإلا لم يكن للثاني أن يوكل غيره اه فانظره. الثالث: إذا جاز للوكيل أن يوكل بما قبضه الثاني من المال يلزمه دفعه لمن أراد قبضه منه من موكله أو رب المال لأنه يبرأ بالدفع لكل منهما، وإن باع كل منهما شيئاً واحداً فالعبرة بالأول كما قال (خ) وإن بعت وباع فالأول إلا لقبض الخ. ولو جاء رجل بكتاب فيه الأمر بأن يدفع لحامله من دينه كذا فاعترف المدين أنه خط رب الدين لم يقض عليه بالدفع، وكذا إذا صدقه في أنه أمره أن يدفع إليه بخلاف ما لو أتاه بوكالة فأقر له بصحتها وأبى من الدفع فإنه يقضي عليه، فإن أنكر الموكل الوكالة بعد ذلك غرم الحق ثانياً لأنه إنما قضى عليه بإقراره كما في البرزلي وما ذكره من أنه إذا أقر له بالوكالة يقضي عليه نحوه في الباب السبعين من التبصرة وذكره في الفصل السادس في حكم الوكالة منها أيضاً، وهو مخالف لما ذكره في الفصل الخامس من أن الخصم إذا صدق الوكيل لم يجبره الحاكم على الدفع على المشهور حتى يثبت عنده صحة الوكالة وهو الموافق لما في المدونة وتبصرة اللخمي كما في (ح) وفي البرزلي أيضاً: إذا قبض رجل دينك بغير إذنك وأخبرك القابض بذلك ورضيت لم ترجع على الغريم. (وما) مبتدأ موصول (من التوكيل) يتعلق بالاستقرار صلة (لاثنين) يتعلق بالتوكيل (فما) معطوف على اثنين (زاد) صلة ما ومتعلقه محذوف أي عليهما (من الممنوع) خبر المبتدأ (عند العلما) يتعلق بالاستقرار في الخبر وهذا في الخصومة قال المتيطي: ولا يجوز لرجل ولا لامرأة أن يوكل في الخصام أكثر من وكيل واحد يريد إلا برضا الخصم (خ): وواحد في حضومة الخ: وأما في غيرها من بيع أو شراء أو تقاضضٍونحو ذلك فجائز ولكل الاستبداد. (خ): ولأحد الوكلين الاستبداد إلا لشرط وإن بعت وباع فالأول إلا لقبض. (والنقص) مبتدأ (للإقرار) يتعلق به (والإنكار) معطوف عليه (من توكيل) يتعلق بالنقص أيضاً (الاختصام) مضاف إليه (بالرد) يتعلق بقوله (قمن) بفتح القاف وكسر الميم أي حقيق خبر المبتدأ، ومعناه أن من وكل على الخصام ولم يجعل له موكله في الوثيقة الإقرار والإنكار فإن التوكيل قمن بالرد حقيق به لما على المطلوب من الضرر في ذلك إذ قرار الوكيل حينئذ لا يلزم الموكل (خ): وليس له الإقرار إن لم يفوض أو يجعل له ولخصمه اضطراره إليه، وهذا ظاهر إذا امتنع من الحضور مع وكيله أيضاً، أما إذا قال لا أفوض ولا أجعل له الإقرار لئلا يرشيه الخصم ولكن أحضر مع الوكيل في المجلس أو قريباً منه لأقر بما يدعيه خصمي أو أنكره فإنه يجاب إلى ذلك كما في البيان، واقتصر عليه في الشامل فليس المراد أنها ناقصة مطلقاً كما هو ظاهر النظم، ولا سيما وقد أفتى ابن الشقاق بأنه لا يلزم بأن يجعل له الإقرار مخافة أن يرتشي الوكيل. نقله ابن رحال قال: وقد شاهدنا من ذلك من ارتشاء الوكلاء ما يعلمه الله اه. ومحل كونها ناقصة أيضاً إذا كان الوكيل مالكاً أمره أما إن كان صبياً أو مولى عليه أو وصياً أو مقدم قاض وكل بإذنه أو نائب بيت المال فإن وكالة هؤلاء لا تكون ناقصة بنقص الإقرار منها بل إن جعلوا له الإقرار فأقر بشيء من معنى الخصومة فإنه لا يلزمهم إقراره كما في وكالات المعيار، وكذا الأب يوكل من يخاصم عن صغار ولده أو ناظر الأحباس يوكل من يخاصم عنها لأن أموال الأحباس كأموال الأيتام وإقرار الأب والوصي والناظر لا يجوز وهو في ذلك شاهد كما في البرزلي، وتقدم شيء من ذلك عند قوله: ومن أبى إقراراً أو إنكاراً الخ. نعم إن وكل الوصي ونحوه فيما تولاه من المعاملات لمحجوره فإقرار الوكيل حينئذ لازم للوصي ويكلف الوصي بأن يجعل لوكيله الإقرار حينئذ كما لابن رشد وغيره وفهم من قوله: الاختصام الخ. أنه إن كان مفوضاً إليه يلزم إقراره للموكل وإن لم يكن جعله له وظاهر النظم أنه لا بد من جعل الإقرار والإنكار أو الحضور، ولو كان الوكيل مولى عليه أو صبياً وهو كذلك على طريقة ابن رشد كما مرّ لأنه قال يلزمه من فعل الوكيل السفيه ما يلزمه من الوكيل الرشيد. تنبيه: إذا وكلته في خصومة على حق فجحده المطلوب وحلفه الوكيل فليس لك أن تحلف المطلوب ثانياً كما في المتيطية وابن عرفة ونقله (ح) عند قوله أو يعين بنص أو قرينة الخ. ويريد أن تحليف الوكيل لا يسقط بينة الموكل، وإنما يسقط إعادة اليمين لأن الوكيل قد لا يكون له علم ببينة الموكل، وقد قال (خ) فإن نفاها واستحلفه فلا بينة إلا لعذر كنسيان الخ. وانظر لو كان الوكيل عالماً بها وحلفه على إسقاطها هل لا قيام للموكل بها لأن قول الوكيل قول موكله ويدل له ما في معاوضات المعيار عن سيدي مصباح في امرأة أنكر وكيلها أن تكون عقدت لابنها هبة في أملاكها، فلما ثبتت الهبة أظهر وكيلها عقد استرعاء مقدم التاريخ أنها غير ملتزمة لتلك الهبة إن صدرت منها أن إنكار الوكيل لعقد الهبة مسقط للقيام بالاسترعاء اه. أوله القيام لأنه لم يوكله على إسقاطها ويدل له ما يأتي في البيت بعده عن المدونة أن من وكل على الأخذ بالشفعة فأقر بإسقاطها وهو الذي في البرزلي عن أخوين ادعى أحدهما أن أباهما باع منه بعض الأملاك بكالىء أمه وأثبت ذلك وقال أخوه: إن ذلك كان توليجاً فقال: وكيل مدعي البيع من أين كان لأم موكله مالاً وما كانت أمه إلا أمة ثم تزوجها أبوهما فقال ابن حارث: أما الوثيقة فعقدها تام لإفساد فيه بوجه وإقرار الأب لابنه جائز، وأما ما تكلم به الوكيل فإنه لا يلزم موكله إذ كان منه على وجه الغلط والسقط وبعد هذا كله فإنه لم يوكله على تكذيبه، وإنما وكله على تصديقه وعلى طلب ما ادعى به قبل صاحبه، وإنما يجوز إقراره عليه فيما يحدث من الوجوه في الخصومة غير الوجه الذي هو الأصل فإن قوله: ومن أين كان لها مال ساقط عن موكله للوجهين المذكورين. وقال ابن زرب: عقد الوثيقة صحيح غير أن الوكيل قد لبس مقالته وصير الأمر عندي مشكلاً لا يظهر فيه شيء أتقلد الجواب به اه باختصار. قلت: والظاهر في المسألة ما لابن حارث ومسألة المدونة شاهدة له، ويؤيده ما لابن الحاج فيمن وكل على الصلح والإقرار والإنكار فأقر المطلوب فثبت الحق فصالح الوكيل على ذلك بمثاقيل منجمة وأطلقه قال: لا يمضي الصلح ويجب على الوكيل غرم ما أقر به الغريم لتعديه بإطلاقه فتأمل ذلك. ولا سيما على ما يأتي في البيت بعده عن (ح) من أن من جعل لوكيله الإقرار إنما أراد الإقرار فيما هو من معنى الخصومة والله أعلم. وانظر ما مر عند قوله: ومنكر للخصم ما ادعاه الخ. (وحيث) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه (الإقرار) مبتدأ وجملة ( أتى) خبره والجملة من المبتدأ والخبر في محل جر بإضافة حيث (بمعزل) حال من فاعل أتى جر بالباء الزائدة (عن الخصام) يتعلق بمعزل (فهو) مبتدأ (غير) خبره ( معمل) بفتح الميم اسم مفعول مضاف إليه والجملة جواب حيث والمعنى أن من وكل على الخصام في حق وجعل له فيه الإقرار والإنكار فأقر بشيء أجنبي من تلك الخصومة كإقراره أن موكله وهب داره لزيد أو لفلان عليه مائة ونحو ذلك فإقراره بذلك غير معمول به على الأصح عند ابن سهل وغيره خلافاً لفقهاء طليطلة حيث قالوا: يلزمه إقراره وإن لم يكن من معنى الخصومة، واستدل ابن سهل على تصحيحه بقولها: ومن وكل على الأخذ بالشفعة فأقر أن موكله قد أسقطها فهو شاهد لا مقر انظر نصها في (ح) قال ابن عرفة مضعفاً لاستدلاله بمسألة الشفعة ما نصه: لا يلزم من لغو إقرار الوكيل على الشفعة لغو إقرار من جعل له الإقرار لعدم صدق الأخذ بالشفعة على إقراره بإسقاطها وصدق مطلق الإقرار على الإقرار بالهبة اه. قال (خ) عقبه ما قاله ابن عرفة من ضعف الاستدلال بمسألة الشفعة هو الظاهر، لكن يؤخذ ذلك من أن الوكالة تخصص وتفيد بالعرف لأن من وكل على الخصام وجعل لوكيله الإقرار والإنكار إنما أراد الإقرار فيما هو من معنى الخصومة التي وكل فيها اه. قلت: قد يرد تضعيف ابن عرفة للاستدلال بمسألة الشفعة بأن مطلق الإقرار الواقع أثر الخصومة إنما يرجع للوجوه الراجعة لها كالتفويض الواقع أثر المقيد على حسب ما مر عند قوله: وحيثما التفويض بالإطلاق الخ. ويدل له قول ابن حارث المار إنما يجوز إقراره فيما يحدث من الوجوه في الخصومة غير الوجه الذي هو الأصل الخ. إذ لا شك أن المقر بإسقاط الشفعة قد ذكر على أصل ما وكل فيه بالإبطال كما أنه في مسألة التنبيه المذكورة في البيت قبله قد ذكر على بينات أصل الحق الذي وكل على طلبه بالإسقاط والتكذيب مع أن الموكل لا نظر له في ذلك، فلو صح الإقرار بالهبة الخارج عن الخصومة كما يقتضيه بحث ابن عرفة لصح الإسقاط الخارج عن الأخذ بالشفعة، ومفهوم قول الناظم بمعزل عن الخصام أنه إذا لم يكن بمعزل عنه لصح الإقرار ولزم وهو كذلك على المعروف إذ هو فائدة رد الوكالة الناقصة عن الإقرار والإنكار كما مرّ في البيت قبله. قال ابن عات عن الكافي الذي به العمل أنه إذا جعل له الإقرار لزمه ما أقر به عند القاضي، وزعم ابن خويز منداد أن تحصيل مذهب مالك أنه لا يلزمه إقراره إذا لم يكن مفوضاً إليه قال: واتفق الفقهاء فيمن قال ما أقر به فلان علي فهو لازم لي أنه لا يلزمه اه. ابن عرفة: فظاهر ابن عبد السلام أن قول ابن خويز منداد اتفق الفقهاء الخ. خلاف المعروف من المذهب والأظهر أنه ليس بخلاف لأن مسألة المذهب نص فيها على توكيله على الإقرار عليه، ومسألة ابن خويز منداد إنما صدر منه أن ما أقر به فلان فهو لازم له فصار ذلك كقوله ما شهد به فلان علي فهو حق وهذا لا يلزمه ما شهد به اه. قلت: وحاصل فرقه أن مسألة المذهب أذن له في الإقرار عنه بخلاف مسألة ابن خويز منداد فإنها محتملة للإذن وعدمه لأن ما في قوله: ما أقر به فلان الخ شرطية بدليل دخول الفاء في جوابها فصارت كقوله: ما شهد به فلان الخ. ويمكن أن يقرر الناظم بما يشمل مسألة ابن خويز منداد ومسألة الهبة ونحوها مما مر لأن الكل بمعزل عن الخصام والله أعلم. تنبيه: قوله في المدونة فهو شاهد أي يحلف معه المشتري ويستحق، ومحله إذا قال: إن موكله أسقطها بعد التوكيل والموكل حاضر في البلد فإن كان غائباً غيبة يتهم على الانتفاع بالمال أو أقر أنه أسقطها قبل توكيله فإن شهادته ساقطة للتهمة في الأولى ولإقراره بأنه إنما توكل في باطل في الثانية قاله ابن فرحون في فصل التوكيل، وفي الباب الثاني والعشرين من تبصرته م نصه: وفي الطرر إذا قال الوكيل: قبض موكلي المال أي الذي وكلني على قبضه فإن قال قبضه بعد الوكالة لزم الإقرار، وإن قال قبضه قبل الوكالة فلا عبرة بإقراره ولا شهادته لأنه إنما توكل في باطل وانفسخت وكالته. وانظره مع ما في (ح) عن أشهب ومع ما في أوائل وكالات المعيار في وكيل رب الحق يقر أن الضامن للمال إنما كان ضمانه له بجعل وتأمل قول اللامية: فما بعد توكيل فيلزمه وما *** قبيل وما نافى خصاماً نعم ولا (ومن) اسم موصول مبتدأ (على خصومة) صلته (معينه) بفتح الياء صفة لخصومة ( توكيله) فاعل بالمجرور ويجوز أن يكون توكيله مبتدأ خبره في المجرور قبله والجملة صلة من (فالطول) مبتدأ (لن يوهنه) بضم الياء وفتح الواو وكسر الهاء المشددة مضارع وهن المضعف وفاعله ضمير مستتر يعود على الطول وضميره البارز على التوكيل، والجملة خبر الطول وجملة الطول وخبره خبر من، ويجوز أن تكون من اسم شرط وتوكيله فاعل بفعل محذوف وجملة فالطول الخ جواب الشرط قاله اليزناسني، ومعناه أن من وكل على خصومة معينة كقبض إرث أو قبض دين أو على مخاصمة فلان فالطول فيما بين التوكيل والقيام به أو فيما بعد المناشبة وقبل التمام لا يضعف ذلك التوكيل ولا يبطله هذا ظاهره. البرزلي: إذا وكله على قضية معينة فلا تنقضي إلا بتمامها قاله بعض الموثقين اه. ونقله (ح) وظاهره كالناظم أنه لا يسأل الموكل هل هو باق على وكالته، وأما إن كان غائباً فالوكيل على وكالته وفهم منه أن المعينة إذا انقضت ليس له أن يخاصم في غيرها إلا بوكالة مستأنفة قال في اختصار المتيطية وإن كانت الوكالة مقيدة بخصومة فلان أو في شيء بعينه فلا بد من تجديد التوكيل لغير ذلك طال الأمر أم قصر اه. فعلم منه أنه لا يحتاج للتجديد في ذلك المعين، وإنما يحتاج للتجديد في غيره على ما يأتي تفصيله، وأشار إلى مفهوم معينة وهو إذا وكله على خصومة مبهمة فقال: (وإن) شرط (يكن) فعله واسمه ضمير الوكيل (قدم) بالبناء للمفعول نائبه ضمير الوكيل أيضاً (للمخاصمة) يتعلق بقدم والجملة خبر يكن (وتم) ما مضى يتم (ما) موصول فاعله (أراد) صلته وفاعله ضمير الوكيل والرابط بينه وبين الموصول محذوف (مع) بسكون العين لغة في مع يتعلق بأراد (من) مضاف إليه (خاصمه) صلة من وضميره المستتر هو الرابط والبارز للوكيل، ويجوز العكس والجملة من تم وما بعده معطوفة على قدم وكذا جملة قوله. (ورام) وفاعله ضمير الوكيل أيضاً (أن ينشىء) في تأويل مصدر مفعوله (أخرى) مفعول بقوله ينشىء على حذف الموصوف أي خصومة أخرى (فله) خبر عن قوله (ذاك) والإشارة للإنشاء والجملة جواب الشرط (إذا) ظرف خافض لشرطه منصوب بجوابه (أطلق من) موصول فاعل أطلق (وكله) صلة من والرابط الضمير المستتر والبارز للوكيل والجملة في محل جر بإضافة إذا (ولم يجز عليه نصف) فاعل بيجز (عام) مضاف إليه (من زمن) يتعلق بيجز ( التوكيل) مضاف إليه (للخصام) يتعلق بيجز أيضاً أي لم يجز من زمن التوكيل إلى وقت إرادة إنشاء الخصام نصف عام، ومعناه أنه إذا وكله على خصومة مبهمة أي لم يذكر فيها مخاصمة فلان أو في أمر كذ كما في النهاية، بل قال: وكلتك على المخاصمة عني من غير تعيين خصومة بعينها أو على مخاصمة خصمي كما في (ح) عن الذخيرة، ويظهر أنها على مخاصمة من كان كذلك فخاصم الوكيل بعض الناس وتمَّ خصامه ثم أراد أن ينشىء خصومة أخرى مع الأول أو مع غيره، فله ذلك بشرطين: أحدهما إذا أطلق الموكل في وكالته كما مرّ والثاني أن لا يجوز عليه نصف عام من الفراغ من الأولى لإنشاء الثانية ثم إن الصواب حذف الشرط الأول لأنه الموضوع فقوله: وإن يكن قدم للمخاصمة. أي: لمطلق المخاصمة لأنه قسيم قوله: ومن على خصومة معينة الخ. والصواب أيضاً أن يقول: من زمن الفراغ للخصام كما قررنا قال في المتيطية: وإذا وكله عن الخصام فخاصم عنه وانقضت تلك الخصومة، فإن كانت الوكالة مطلقة وأراد أن يخاصم عنه بقرب انقضاء الأولى بالأيام أو اتصل بعض ذلك ببعض وتطاول سنين لم يحتج إلى تجديد، وإن كان بين المطلبين الأشهر يعني ستة أشهر فعليه التجديد، وكذا إن لم يخاصم عنه في أول التوكيل أو قربه حتى مضت الأشهر فيستحب التجديد ثم قال: وإن كانت مقيدة بمخاصمة فلان إلى آخر ما مرّ عنه قبل هذه الأبيات ثم قال: ولو قيد الوكالة بالدوام والاستمرار دامت أبداً ما لم يعزله اه باختصار. وقد قال في المقصد المحمود: وإن كانت الوكالة مبهمة فللوكيل أن يخاصم عنه في قضية أخرى بحدثان انقضاء الأولى وليس له ذلك في قضية مفسرة بمطالبة فلان ولا في المبهمة إذا طال الزمان نحو الستة أشهر، وأما إذا اتصل الخصام فله التكلم عنه، وإن طال الأمد فقوله: وأما إذا اتصل الخصام الخ هو عين قوله بحدثان انقضاء الأولى الخ. إلا أنه هناك فصل بالأيام كما مرّ عن المتيطي، وهنا لم يفصل بشيء، ويحتمل أن يكون مراده بالاتصال إنشاب الخصومة وابتداؤها في المبهمة مع بعض الناس ثم أمسك ستة أشهر وقام لإتمامها مع ذلك البعض، ولكني لم أقف الآن على نص صريح فيه إلا ما يفهم من قول المتيطية المتقدم، وكذلك إن لم يخاصم عنه في أول التوكيل الخ. وتأمله مع قول المجالس المكناسية الذي به العمل تجديد التوكيل بعد ستة أشهر. هذا إذا كانت فترة في خلل العمل، وأما إن اتصل خصامه فلا ينسخه الزمان اه. وقوله: وليس له ذلك في قضية مفسرة الخ. أي ليس له أن يحدث خصومة أخرى بعد الفراغ من الخصومة المعينة كما مرّ، ويفهم منه أن المعينة لا تبطل إلا بالفراغ منها، فهذا مع ما مر عن المتيطي والبرزلي هناك شاهد على قول الناظم؛ ومن على خصومة معينة الخ والله أعلم. والحاصل أنه إذا أسقط من الوثيقة الدوام والاستمرار ولم يتصل الخصام ولا كان بالحدثان ولم تكن الخصومة معينة، فلا بد من التجديد على ما في النظم والمتيطية وغيرهما وإن وجد واحد مما مر فلا تجديد ولا فرق بين المفوض إليه وغيره كما في القوانين، وأفتى ابن مرزوق بقول سحنون إنها لا تحتاج إلى التجديد مطلقاً. وظاهر نقل ابن عرفة والمتيطية وصاحب اللامية أن خلاف سحنون جار سواء كانت الخصومة معينة أم لا. اتصل الخصام أم لا. إلا أنه يسأل الموكل إن كان حاضراً أهو على وكالته. وظاهر نقل ابن سهل أن سحنوناً إنما قال بعدم التجديد في المعينة لأنه قال: وسئل سحنون عمن وكل على مخاصمة رجل فلم يقم الوكيل إلا بعد سنين الخ. ففرض السؤال في مخاصمة رجل، وظاهره أنه معين وعليه فقول سحنون ليس بمخالف للقول بالتجديد لاختلاف الموضوع وهو ظاهر النظم لأنه اقتصر في المعينة على عدم التجديد وفي غيرها على التجديد ولم يذكر في ذلك الخلاف الذي ذكروه، فلعله فهم أن المراد برجل في السؤال رجل معين كما هو الظاهر لا أن المراد به الجنس كما فهموه فجعلوه مقابلاً. تنبيه: تقدم عن النهاية أن المعينة هي التي قيدت بمخاصمة فلان أو كانت في شيء بعينه وأن المبهمة هي التي سقط منها ذلك، وذلك يقتضي أنه إذا قال: وكلته على قبض ديني أو إرثي ولم يعين ممن أنها من المعينة، وقولها في النكاح في توكيل الأب رجلاً على إنكاح ابنته ممن يراه من شاكلة لها وبما يرى من الصداق وأنه إن سقط منه دائمة مستمرة لم يعقد عليها بعد مضي ستة أشهر إلا بتوكيل ثان الخ. يقتضي أن ذلك ليس من المعينة وإلاَّ لم يحتج إلى التجديد فتأمله، ويقتضي أيضاً أن التجديد بعد مضي ستة أشهر لا يختص بوكالة الخصام بل كذلك الوكالة على النكاح والبيع ونحوهما وهو كذلك كما في القوانين وغيرها وهو ظاهر قول ناظم العمل: وبعد ستة من الشهور *** قد جددوا وكالة الأمور (وموت) مبتدأ (من) موصول مضاف إليه (وكّل) بفتح الكاف مشددة مبني للفاعل صلة (أو وكيل) معطوف على الموصول (يبطل) بضم الياء وكسر الطاء مضارع أبطل وفاعله ضمير يعود على المبتدأ والجملة خبره (ما) مفعوله (كان) صلة ما وهي تامة بمعنى وجد (من التوكيل) بيان لما ومعناه أن موت الموكل أو الوكيل يبطل التوكيل الذي وجد من الموكل وعزل الموكل للوكيل كموته إن أشهد به وأعلنه عند الحاكم، ولم يفرط في إعلامه فإن اختل واحد من الثلاثة لم ينفعه عزله على القول بانعزاله بعزله وإن لم يعلم به، وأما على القول بأنه لا ينعزل إلا إن علم فلا ينعزل قبله وإن أشهد وأعلنه وهو معنى قول (خ) وفي عزله بعزله ولم يعلم خلاف الخ. وظاهر النظم أنه يبطل بموت الوكيل ولو قال وارثه: أنا أقوم مقامه وكانت بأجرة وهو كذلك لأنها ليست بحق تورث ولأن الوكيل يستوفي منه المنفعة فتنفسخ الإجارة بموته، وظاهره أيضاً أن التوكيل يبطل بموت الموكل ولو كان الوكيل مفوضاً إليه وله وكيل آخر تحته أو وكيل خصومة فيبطل الجميع وهو كذلك لانتقال الحق للغير وهم الورثة فلا يمضي عليهم شيء من تصرفاته إلا أن يكون غير عالم بموته أو يشرف وكيل الخصومة على تمامها بحيث لو أراد عزله لم يكن له ذلك على ما يأتي في قوله: وما لمن حضر في الجدال الخ. قاله في المدونة وما قررناه به من أن محل البطلان بموت الموكل إن علم الوكيل وإلا فلا هو أحد التأويلين وهو الراجح (خ): وانعزل بموت موكله إن علم وإلا فتأويلان ومحلهما إذا كان من باع منه الوكيل أو ابتاع حاضراً ببلد موته وإلا اتفق التأويلان على عدم البطلان قاله الزرقاني. (وليس) فعل ناقص (من) موصول وهي واقعة على الوكيل الثاني (وكله) صلتها والرابط الضمير البارز (موكل) بفتح الكاف فاعل وكله، والمراد به الوكيل الأول ( بموت) يتعلق بينعزل آخر البيت (من) موصول مضاف إليه (وكله) صلته وجملة ( ينعزل) ومتعلقه خبر ليس ومعناه أن وكيل الوكيل لا ينعزل بموت الوكيل الأول ولا بعزله لأنه لما كان توكيله بإذن من رب المال إما بالصراحة أو بالتفويض على ما للناظم في قوله: وذا له تقديم من يراه الخ. على ما به العمل كما لابن ناجي أو بالعرف ككونه لا يليق به أو يكثر كما مرّ صار هذا الثاني وكيلاً له فلا ينعزل بموت الأول ولا بعزله بمثابة من وكل شخصين فلا ينعزل أحدهما بموت الآخر ولا بعزله. نعم للوكيل الأول عزل وكيله كما نص عليه غير واحد من شراح المتن. (والعزل) مبتدأ (للوكيل) يتعلق به (والموكّل) بفتح الكاف المشددة معطوف على المجرور (منه) يتعلق بالموكل (يحق) بفتح الياء وكسر الحاء بمعنى يجب خبر المبتدأ (بوفاة) يتعلق به (الأول) مضاف إليه، والمعنى أن الوكيل الأول والثاني وهو المراد بالموكل منه ينعزلان بموت الأول الذي هو رب المال، وهذا البيت مستغنى عنه بعموم قوله فيما مر: يبطل ما كان من التوكيل. وكما ينعزلان بموته ينعزلان أيضاً بفلسه لانتقال الحق للغرماء، فلا يلزمهم ما باع أو ابتاع إن علم على المشهور، وكذا ينعزلان بطول جنونه جداً بحيث يفتقر معه إلى نظر القاضي في ماله وكذا ينعزلان بردته ولو بعد أيام الاستنابة حيث لم يقتل لمانع كحمل ونحوه، وأما ردة الوكيل فلا توجب عزله وكذا الطلاق فإنه لا يوجب عزل الزوجة الوكيلة عن زوجها إلا أن يعلم أنه لا يرضى بتصرفها بعد انقطاع ما بينهما واستظهر ابن عرفة أن الزوج إذا كان وكيلاً لزوجته وجب انعزاله بطلاقها. (وما) نافية (لمن) موصولة واقعة على الوكيل تتعلق بالاستقرار في الخبر عن المبتدأ بعدها (حضر) صلتها (للجدال) يتعلق بالصلة (ثلاث) نائب عن المفعول المطلق (مرات) مضاف إليه والأصل حضوراً ثلاث مرات فحذف المصدر وناب عنه عدده كقوله تعالى: {فاجلدوهم ثمانين جلدة} (النور: 4) أي جلداً ثمانين (من) زائدة (انعزال) مبتدأ خبره في المجرور المتقدم. (إلا) استثناء (لعذر) يتعلق بالاستقرار في الخبر المتقدم على أنه بدل من مقدر، والعامل في البدل هو العامل في المبدل منه أي: وما انعزال ثابت للحاضر للجدال لوجه من الوجوه إلا لعذر (مرض) مضاف إليه (أو لسفر) معطوف على مرض واللام زائدة، ويحتمل أن يعطف على لعذر فليست زائدة ومعناه أنه لا انعزال للوكيل الذي حضر للجدال أي قاعد خصمه ثلاث مرات ولو في يوم واحد سواء عزله الموكل أو عزل هو نفسه لتعلق حق الخصم بخصومته إلا لعذر من مرض ظاهر أو سفر، وعليه في السفر اليمين أنه ما استعمله ليوكل، وكذا عليه أن يحلف في المرض الخفي فإن نكل لم يجز له العزل، ولعل الوكيل إنما وجبت عليه اليمين ليسقط حق الخصم الذي يتعلق بعينه لا لينتفع الموكل إذ لا يحلف الإنسان لينتفع غيره، ومثل المرض ظهور تفريطه من قلة قيامه بأمر الخصام أو يظهر ميله للخصم أو مسامحته في الحق فله عزله حينئذ ويوكل غيره أو يخاصم بنفسه قاله اللخمي وغيره. وحكى بعضهم عليه الاتفاق ولو كانت الوكالة بأجرة فظهر غشه ونحو ذلك مما مرّ كان عيباً وله أن يفسخ الوكالة وقولهم: يحلف في المرض الخفي كما في (ز) يقتضي أنه يحلف في هذه الأمور وإن ادعاها ولم تظهر، وفي اختصار المتيطية ما يقتضي أنه لا بد من إثبات ذلك لأنه قال: فإن ظهر من الوكيل تفريط أو ميل مع خصمه أو غش ليبطل بذلك حق موكله أو مرض فللموكل عزله إذا ثبت ذلك اه. وكذا لا سبيل للعزل إذا تعلق للوكيل حق بالوكالة كأجرة ونحوها أو كان الحق لأجنبي، وقد ذكر في اللامية جملة من ذلك فانظرها إن شئت. (ومثله) خبر عن قوله (موكل) بكسر الكاف المشددة وسوغ الابتداء به وصفه بالجملة وهي قوله: (ذاك) مفعول بقوله: (حضر) والمعنى أن الموكل إذا جادل خصمه ثلاث مرات فليس له أن يتخلى عن الخصام إلا لعذر من مرض أو سفر، ومن ذلك أن يشتمه خصمه فيحلف أن لا يخاصمه بنفسه كما في التبصرة. قال ابن الفخار: فإن حلف أن لا يخاصمه دون عذر يوجب اليمين لم يكن له أن يوكل إلا برضا خصمه أو لعذر من سفر ونحوه. ومفهوم ثلاث مرات أنه إن جادله أقل منها ولم يتجه الحكم فله عزله وهو كذلك إن شهد به وأعلنه ولم يفرط في إعلامه بأن ترك إعلامه لبعده كما في (ح) وهذا على أحد قولين. تقدما عند قوله: وموت من وكل أو وكيل الخ. وقولي ولم يتجه الحكم الخ احترازاً مما إذا اتجه فلا عزل، ولو قال حينئذ: إن وكيله جهل ما يخاصم به وإن حجته غير ما احتج به عنه ولم يعلم بما خاصم به عنه أو كان غائباً لم يقبل منه ذلك ولا يكون عذراً في عزله ولا دفع الحكم عنه إلا لوجه يدل على صدقه في ذلك، وكذا لو خاصم الموكل بنفسه وزعم أنه غلط أو بقيت له حجة كما في البرزلي والشامل. (ومن) مبتدأ موصول (له) خبر عن قوله (موكل) بفتح الكاف المشددة والجملة صلة وجملة قوله: (عزله) حالية مقدرة معها قد (لخصمه) خبر مقدم (إن شاء) شرط جوابه محذوف للدلالة عليه (أن يوكله) في تأويل مصدر مبتدأ مؤخر والجملة خبر المبتدأ الأول والرابط الضمير في لخصمه، والمعنى أن من كان له وكيل في خصومة وقد عزله حيث يسوغ له عزله أو يرضي خصمه فإن لخصمه أن يوكل ذلك الوكيل في تلك الخصومة إن شاء أو في غيرها ولا حجة للأول في أنه اطلع عليه عوراته ووجوه خصوماته قاله في الاستغناء؛ واقتصر عليه ابن سلمون وابن فرحون في تبصرته، وله أي لابن فرحون في شرح ابن الحاجب ينبغي أن لا يمكن من توكيله لأنه صار كعدوه اه نقله (ح). (وكل) مبتدأ (من) موصول مضاف إليه واقع على الوكيل (على مبيع) يتعلق بقوله ( وكلا) بالبناء للمفعول، والجملة صلة (كان) فعل ناقص (له) خبرها واللام بمعنى على (القبض) اسمها (إذا) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه (ما) زائدة (أغفلا) بالبناء للمفعول ونائبه ضمير القبض، والجواب محذوف للدلالة عليه، ومعناه أن من وكل على بيع مبيع فباعه فإن عليه أن يقبض ثمنه إذا أغفل الموكل قبض الثمن أي سكت عنه لأنه كما عليه تسليم المبيع عليه قبض ثمنه، وإن وكل على الشراء فعليه قبض السلعة أيضاً فإن لم يفعل حتى تعذر القبض ضمن فيهما وهذا ما لم يبعه لأجل بنص من الموكل وإلاَّ فلا يقبضه إلا بتوكيل مستأنف (خ): وتخصص وتقيد بالعرف فلا يعده إلا على بيع فله طلب الثمن وقبضه أو اشتراه فله قبض المبيع ورد المعيب إن لم يعينه موكله الخ. ومفهوم أغفلا أنه إذا نص له على القبض أو على عمله فإن يعمل على ذلك فيقبضه في الأول دون الثاني فإن تعدى وقبضه في الثاني ضمن ولا ضمان على المشتري إن لم يعلم بالنهي، وكان العرف دفع الثمن للوكيل فيما يظهر، وظاهر النظم أن عليه القبض جرى عرف به أو بعدمه أو لا عرف أصلاً وهو كذلك في الطرفين دون الواسطة فإنه جرى بعدمه كبيع الدور والعقار فلا قبض عليه كما لأبي عمران. ولا يبرأ المشتري بالدفع إليه، ويدل عليه الاستثناء في كلام (خ)، إذ ما بعد الاستثناء هو ما إذا لم يكن عرف أصلاً، وكذا يدل عليه قول الشامل وله أي الوكيل قبض ثمن ما وكل في بيعه إلا لعادة أو بعدم قبضه ونحوه لابن فرحون في تبصرته، وما مر من أن وكيل الشراء عليه قبض السلعة محله إذا لم يصرح الوكيل للبائع بأن نقد الثمن على موكله، وإلاَّ فلا. لأنه حينئذ لا يجب عليه دفع الثمن فلا يجب عليه قبض المثمن كما في ابن عرفة. ومفهوم قوله على مبيع أن من وكل على النكاح ليس عليه قبض الصداق لأنه لا يسلم المبيع أي البضع ولا يبرأ الزوج بالدفع إليه وهو كذلك كما يأتي إن شاء الله. تنبيه: إذا سلم الوكيل السلعة المبيعة أو دفع الثمن في الشراء ولم يشهد، فأنكر البائع أو المشتري ضمن لتفريطه بعدم الإشهاد، وسواء كان مفوضاً إليه أم لا جرى عرف بترك الإشهاد أم لا، على المشهور. وتقدم شيء من ذلك عند قوله: وليس يمضي غير ما فيه نظر الخ. (وغائب) مبتدأ وسوغه العموم أو كونه صفة لمحذوف وجملة: (ينوب في القيام عنه أب وابن) خبره (وفي الخصام) معطوف على في القيام والمجرورات الثلاث تتعلق بينوب وأب وابن فاعل به، ومعناه أن الشخص الغائب إذا تسور عليه في عقاره أو أحدث عليه ضرر في ملكه أو أخذ شيء من ماله كدابة ونحوها فإنه يجوز لأبيه أو ابنه أن يقوم عنه فيثبت حقه بالبينة ويخاصم عنه فيأخذ النسخ ويعطيها بغير وكالة، فإن آل الأمر إلى عجز المطلوب أشهد القاضي بما ثبت عنده ولا ينزع الشيء من يده، وإن آل الأمر إلى عجز القائم فلا تنقطع حجة الغائب كما مرّ في باب القضاء. قال في المعين: وإذا قلنا بجواز المخاصمة عن الغائب فإلى أين تنتهي؟ قال بعض الموثقين: يسمع القاضي البينة ويشهد على ثبوتها عنده، ولا يخرج المدعى فيه من يد المطلوب إن ادعاه لنفسه ولا يقطع ما أحدث عليه من الضرر والعيب إذ لعل المطلوب إذا قدم لم يمنعه إلا أنه إذا أقر المطلوب بما في يده للغائب أخرجه من يده وأوقفه حيث يراه اه. ونحوه في المتيطية وغيرها، وظاهر النظم أنه لا فرق بين قرب الغيبة وبعدها وهو أحد قولين، وظاهره أيضاً أنه لا فرق بين الديون وغيرها، وهو كذلك كما في نوازل المديان ونوازل الشهادات من البرزلي وابن الحاج، ويبقى الدين بذمة الغريم إلا أن يخشى فقره أو سفره وظاهره أيضاً أن غير الأب والابن لا يمكن ولو كان قريب القرابة كالأخ ونحوه، وهو الذي في (ق) وأحد الأقوال الخمسة التي في (ح) وغيره عن ابن رشد عند قول (خ) وفي تمكين الدعوى لغائب بلا وكالة تردد الخ. والذي في نقل ضيح أنه على هذا القول يمكن الابن والأب وقريب القرابة، ولعل المراد بقريب القرابة الأخ كما صرح به في الكراس الرابع من معاوضات المعيار عن اليزناسني قائلاً الذي مضى به عمل الموثقين أنه لا يباح ذلك إلا للوالد أو الولدة أو الأخ من جميع الجهات ثم قال: وقد ذكر ابن رشد في ذلك خمسة أقوال يمكن الأب والابن يمكن كل قائم وإن أجنبياً قاله ابن القاسم، وسحنون يمكن الولي من إقامة البينة لا من الخصومة لا يمكن من واحد منهما يمكن كل قائم فيما يخشى فواته كالعبد والدابة والثوب لا فيما لا يفوت كالدين وغيره إلا الأب والابن قال: وما ذكرناه عن الموثقين هو الذي يجب به العمل إن شاء الله اه. وبأدنى تأمل تعلم أن القولين الأولين والخامس متفقة على تمكين الأب والابن وعلى هذه الفتوى عول ناظم العمل حيث قال: وفي عقار غائب يحتسب *** قيامه أخ أو ابن أو أب والظاهر أن المراد بالأب والابن في النظم الجنس فيشمل الجد وإن علا والابن وإن سفل. (وجائز) خبر مقدم (إثبات) مبتدأ (غير الأجنبي) مجروران بالإضافة (لمن) يتعلق بإثبات (يغيب) صلة من وهو بمعنى غاب فأوقع المضارع موقع الماضي (واختصامه) مبتدأ وجملة (أبي) مبني للمفعول بمعنى منع خبره ومعناه أن غير الأب والابن من باقي القرابة يمكن من إثبات حقوق الغائب عند القاضي خشية ضياعها بموت الشهود أو طرو فسق ولا يمكن من الخصومة بأخذ النسخ وإعطائها، وكأن الناظم رحمه الله ترجح عنده من تلك الأقوال الخمسة الأول والثالث فاقتصر في الابن والأب على القيام والخصام وفي غيرهما من باقي القرابة على القيام فقط ولم يذكر لذلك مقابلاً ووجه ترجيح الأول ظاهر مما مرّ ووجه ترجيح الثالث أنه لا مضرة على المطلوب ولا على الغائب في إثبات ذلك بل ذلك من حفظ مال الغير الذي يجب على الناس فكيف بالقريب، ولا سيما والقول الثاني يوافق هذا الثالث في تمكين القريب من القيام كما هو واضح، وإنما خالفه فيما زاد على ذلك فهو قوي من جهة العزو وكثرة القائل، وبهذا تعلم أن الناظم لم يخرج عن الأقوال الخمسة كما قيل ولا أنه جعل الثالث من تمام الأول بل هو تابع في ذلك لابن رشد كما يقتضيه سياق ابن سلمون. ونصه الصواب أن الأب والابن يمكنان من الإثبات والخصومة عن الغائب ومن عداهما من القرابة لا يمكن من شيء لا من الإثبات ولا من الخصومة، وظاهر الروايات أن الأجنبي لا يمكن من شيء والله أعلم. تنبيهات: الأول: الصبي كالغائب فيقوم عنه أخوه كالقول الأول وتجري فيه الأقوال الباقية وإذا قلنا بجواز القيام والخصام للابن والأب أو القيام فقط لغيرهما من القرابة أو القيام والخصام مطلقاً على القول به فقال ابن الحاج: ليس للقائم أن يوكل وإنما يتكلم بنفسه أو يترك قال: ويحتمل جواز ذلك عند العذر. الثاني: ذكر البرزلي في آخر الشهادات من ديوانه أن العمل على عدم التوكيل ولو من قريب القرابة وعليه فعمل تونس مخالف لعمل فاس. الثالث: محل الخلاف فيما لا حق فيه للمدعي ولا ضمان عليه فيه ولو وديعة فليس للمودع عنده أن يخاصم سارقها مثلاً، أما ما له فيه حق كالمستأجر والمستعير عارية لا يغاب عليها والمرتهن رهناً كذلك وللغرماء وزوجة الغائب وأقاربه الذين تلزمه نفقتهم أو عليه فيه ضمان كالمستعير عارية يغاب عليها والمرتهن رهناً كذلك، والغاصب إذا غصب منه شيء والحميل إذا أراد المدين السفر وخشي ضياع الحق ونحو ذلك فيمكن من الدعوى بلا وكالة اتفاقاً ويباع إن ثبت ملكه له في الدين والنفقة. فيما قبضه الوكيل من دين وثمن مبيع وادعى أنه دفع ذلك لموكله وأنكر الموكل ذلك، وحكى الناظم في ذلك أربعة أقوال أشار لأولها بقوله: (وإن) شرط (وكيل) فاعل بفعل محذوف يفسره (ادعى إقباض) مفعوله (من) مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله (وكله) صلة من (ما) مفعول ثان لإقباض وجملة ( حاز) صلة ما والرابط محذوف أي حازه (فهو) مبتدأ عائد على الوكيل (مؤتمن) خبره. والجملة جواب الشرط. (مع) بسكون العين ظرف متعلق بمؤتمن (طول مدة) مجروران بالإضافة (وإن) شرط ( يكن) فعله واسمه ضمير الشأن. (مضى. شهر) فعل وفاعل خبر يكن (يصدق) بالجزم جواب الشرط (مع) بالسكون أيضاً يتعلق بما قبله (يمين) مضاف إليه (تقتضى) بالبناء للمفعول صفة ليمين. (وإن يكن) شرط وفعله (بالفور) يتعلق بالاستقرار في خبر يكن (الإنكار) بنقل حركة الهمزة للام اسم يكن (له) خبرها (فالقول) مبتدأ (مع) بالسكون أيضاً ( حلف) بسكون اللام مضاف إليه والظرف يتعلق بالاستقرار في الخبر الذي هو (لمن وكله) والجملة جواب الشرط وهذا القول لمطرف. وحاصله إن ادعى الوكيل أنه دفع لموكله ما قبضه له، وقد طالت المدة فيما بين القبض والإدعاء كسنة ونحوها فهو مصدق بلا يمين، وإن قصرت المدة فيما بين القبض والادعاء كشهر ونحوه فهو مصدق أيضاً، لكن بيمين. وإن قصرت المدة عن الشهر فالقول للموكل مع يمينه وكان الطول الكثير منزل منزلة الشاهدين عنده في الدلالة على البراءة والمتوسط بمنزلة الشاهد الواحد والقليل كالعدم. (وقيل إن) بكسر الهمزة (القول) اسمها (للوكيل) خبرها (مع) ظرف يتعلق بالاستقرار في الخبر (اليمين) مضاف إليه (دون) يتعلق بالاستقرار أيضاً (ما) زائدة (تفصيل) مضاف إليه أي دون تفصيل بين الطول وعدمه ولا بين مفوض إليه وغيره، ولا بين أن يدعي الدفع إلى موكله في حياته أو بعد موته، ولا بين ما قبضه الوكيل ليدفعه لفلان أو ليشتري به سلعة فلم يدفع ولم يشتر، وادعى رد ذلك. وهذا القول هو المشهور ومذهب المدونة فكان على المصنف أن يصدر به (خ) وصدق في الرد كالمودع فلا يؤخر للإشهاد أي ليس للمودع ولا للوكيل أن يقول لا أدفع له حتى أشهد عليه إذ لا نفع لهما في ذلك لتصديقهما بيمين ونحوه لابن شاس وابن الحاجب، واعترض بأن لهما نفعاً في الإشهاد وهو سقوط اليمين وهو الذي تقتضيه أصول المذهب كما لابن عرفة، وعليه فإذا أخر الدفع للإشهاد فتلف لم يضمن بخلافه على ما لابن شاس فإنه يضمن انظر بعد هذا عند قوله: والزوج للزوجة كالموكل الخ. ومحل التصديق على هذا القول إنما هو فيما قبضاه بغير إشهاد أما ما قبضاه بإشهاد مقصود به التوثق فلا يصدقان في رده إلا ببينة كما في (ح) وجعله معنى التشبيه في قول (خ) كالمودع. وفي البرزلي ما يفعله الناس اليوم إذا أعطاه قراضاً أو بضاعة أو لفتح حانوت يأتون إلى العدول ويكتبون رسماً بذلك عند البينة المقصودة للتوثق اه. ونحوه في الخرشي عند قول (خ) في الشركة ولمقيم بينة الخ. وظاهر كلامهم أنه لا يشترط علم المشهود عليه بقصد التوثق ولا فهمه ذلك. انظر شرح الشامل في الوديعة. (وقيل إن أنكر) الموكل القبض (بعد حين) أي سنة (فهو) أي الوكيل (مصدق بلا يمين. وإن يمر الزمن القليل) بين قبضه وادعائه الدفع وذلك ما دون السنة (فمع يمين قوله) أي الوكيل (مقبول) وهذا قول ابن الماجشون وابن عبد الحكم، وقد فارق القول الأول في أنه يقبل قوله فيما دون السنة الصادق بالشهر واللحظة والظرف الأول يتعلق بقوله أنكر والجملة بعده جواب الشرط، والظرف الثاني يتعلق بقوله مقبول، والجملة جواب أيضاً ويمر مجزوم مدغم يجوز في رائه الفتح والكسر والضم، والثالث أفصح وأكثر كما قالوه في كل مدغم لقيه ساكن أو ضمير. (وقيل بل يختص ب) الوكيل (المفوض إليه ذا) فاعل يختص (الحكم) بالرفع صفة لاسم الإشارة أو عطف بيان أو بدل، والمراد بالحكم ما مرّ من التصديق بيمين مع القرب وبدونها مع البعد (لفرق) يتعلق بيختص ولامه للتعليل (مقتضى) صفة لفرق أي لفرق اقتضى التخصيص المذكور وهو شدة الوثوق بالمفوض إليه دون غيره. (و) هو (من له وكالة معينة) أي مخصوصة بشيء معين فإنه (يغرم) ما أنكره فيه موكله طال ما بين القبض والادعاء أم لا (إلا أن يقيم البينة) على ما دفع إليه، وهذا قول أصبغ فقوله: ومن له الخ من تمام القول الرابع وهي مبتدأ والجملة بعدها صلتها وجملة يغرم بفتح الياء والراء خبرها. تنبيهات: الأول: ما تقدم من أن المشهور من الأقوال تصديق الوكيل مطلقاً محله إذا لم يتعد وإلا فلا يصدق، وقد سئلت عن امرأة وكلت شقيقها على قبض دراهم من شخص فأخذ الوكيل عن الدراهم حريراً وادعى دفعه لموكلته فأجبت بأنه لا يصدق ولا تبرأ ذمة الغريم من الدراهم لأن من ثبت عداؤه فقد زالت أمانته، وإذا تعذر الرجوع على الغريم رجعت على الوكيل لأن غريم الغريم غريم، وفي كتاب الوديعة من ابن يونس فيمن بعث مع رجل مالاً يوصله لرجل آخر فقال: لم أجد الرجل ورددت المال للباعث أنه لا يصدق في رده لأنه متعد في الرد فإن الواجب عليه إذا لم يجده إيداعها له فإذا كان متعدياً في الرد وجب عليه الضمان فإذا صارت في ذمته لتعديه وجب أن لا يقبل قوله رددتها اه. ونقله أبو الحسن وغيره، وقال اللخمي: اختلف فيمن استقرض دراهم من رجل فأمر الرجل غريمه أن يدفعها إليه فأخذ المستقرض عنها عرضاً قال: والصواب أن ذلك بيع حادث ولا يرجع المقرض إلا بما أمره بدفعه إليه اه. الثاني: كما يصدق الوكيل في الرد كذلك يصدق في التلف، ولا فرق بين أن يدعي تلف الثمن أو المشتري بالفتح أو البيع سواء أسلفك الثمن الذي وقع به الشراء أم لا. ففي ابن يونس قال مالك فيمن أمر رجلاً يشتري له لؤلؤاً من مكة وينقد عنه فقدم، وزعم أنه ابتاعه له ونقد فيه ثم تلف اللؤلؤ فيحلف أنه قد ابتاع له ما أمره به ونقد عنه ويرجع بالثمن على الآمر لأنه أمينه قال بعض القرويين: والفرق بين هذه المسألة وبين الذي أمر غريمه أن يكتال الطعام في غرائره فيدعي ضياعه بعد الكيل أن مسألة الغرائر ادعى ضياع ما في ذمته فلا يبرأ حتى يثبت زواله من ذمته. وفي مسألة اللؤلؤ إنما ادعى ضياع ما صرف فيه الثمن الذي أسلفه وهو اللؤلؤ، ولو ادعى أنه أخرج الثمن فضاع قبل شرائه له لم يضمن إلا ببينة كمسألة الغرائر ولو كان السلم مما يجوز بيعه قبل قبضه فوكله على بيعه فقال: أنا بعته وضاع الثمن فههنا يصدق مع يمينه كمسألة اللؤلؤ، وقد قال ابن القاسم في المستخرجة: فيمن له على رجل دين أمره أن يشتري له به سلعة أو عبداً وهو في بلد آخر، فلما قدم قال اشتريته وهلكت السلعة أو أبق العبد فالمصيبة من الآمر اه. ابن يونس وقال في السلم الأول قال ابن القاسم: وإذا كان غائباً ببلد آخر لم يجز له أن يأمره بشراء سلعة بدينه الذي له عليه إلا أن يوكل وكيلاً في ذلك البلد يقبضها. قال: ولو ادعى المأمور أنه اشتراها وتلفت فإن كان الآمر أو وكيله معه في البلد فالقول للمأمور، وإن لم يكونا معه في البلد فإن أقام بينة على الشراء فقوله وإلا فهو ضامن له اه منه. فانظره مع ما في المستخرجة وقال قبل ذلك ومن له على رجل مال فقال له أسلمه لي في طعام لم يجز حتى يقبض منه ويبرأ من التهمة ثم يدفعه إليه لأنه يتهم أن يعطيه من عنده فيدخله فسخ الدين في الدين وهذا في السلم وما قبله في الشراء نقداً اه منه. وهذه المسائل تقع كثيراً فلذا نقلناها. الثالث: إذا وكلته على شراء سلعة معينة فاشتراها الوكيل لنفسه فلابن القاسم في الثمانية هي للموكل، وروى ابن نافع عن مالك هي للوكيل وبه قال ابن الماجشون. وعليه فيصدق أنه اشتراها لنفسه، وقيل لا يصدق إلا إن أشهد عند الشراء أنه يشتري لنفسه، وهذا بناء على أنه يجوز للوكيل على البيع ونحوه عزل نفسه ابن زرقون. وهو المشهور وانظر ابن عرفة أواخر الوكالة، فقد ذكر في ذلك أقوالاً سبعة، واقتصر (ز) و(خش) عند قول (خ) وهل تلزم أوان وقعت بأجرة الخ على أنها للوكيل، وانظر ما يأتي للناظم في آخر اختلاف المتبايعين. (والزوج) مبتدأ (للزوجة) يتعلق بالخبر الذي هو قوله (كالموكل) بفتح الكاف واللام بمعنى عن (فيما) يتعلق به أيضاً (من القبض) بيان للموصول، ومن زائدة لا تتعلق بشيء، ويجوز أن تتعلق بيلي آخر البيت، ومن لتقوية العامل لضعفه بالتأخير (لما) يتعلق بالقبض (باعت) صلة ما الثانية (يلي) صلة ما الأولى والرابط محذوف فيهما، والتقدير والزوج كالوكيل عن زوجته فيما يليه من قبض ثمن ما باعته فيقضى له بقبضه ممن هو عليه وإن لم توكله عليه ويصدق في دفعه لها إن أنكرت على المشهور من الأقوال المتقدمة لأنه وكيل عنها بالعادة ولا مفهوم للقبض بل سائر التصرفات من البيع والشراء وغيرهما كذلك حيث كانت عادة البلد تصرف الأزواج لأزواجهم بذلك. ابن رشد: يحكم للزوج بحكم الوكيل فيما باع واشترى لامرأته وإن لم تثبت وكالته للعرف الجاري من تصرف الأزواج لأزواجهم في أمورهن اه. وقال ابن عرفة في حمل الزوج في بيعه وشرائه لزوجته على الوكالة وإن لم تثبت أو حتى تثبت دليلا سماع. ابن القاسم في كتاب المديان وسماع عبد الملك في كتاب الدعوى اه. وهذا صريح في أن الزوجة لا مقال لها في رد ما باعه زوجها أو اشتراه لها أو قبضه وتلف قبل دفعه لها للعرف المذكور فإن لم يكن عرفهم ذلك أو لا عرف أصلاً كما عندنا اليوم حسبما في (ت) أو كان بين الزوجين مشاورة كما لابن رحال فلها رد ذلك وتضمينه إن تلف المقبوض وهو الجاري على ما في نوازل الصلح والرهن من المعيار فيمن رهن أو باع مال زوجته، فأنكرت الإذن له أنها تحلف وترد ذلك، ثم إنه قد تقدم أن الوكالة تكون بالنص وبالعادة (خ) بما يدل عرفاً الخ، ولهذا أفتى أصبغ بن محمد كما في البرزلي و(ق) فيمن غار عليهم العدو وعادتهم من وجد حينئذ فرساً لجاره ركبها لما يروه من العجلة فركب رجل فرس جاره وخرج بها فاضطرته خيل العدو فنزل عنها وهرب فقام صاحبها عليه بأنه لا ضمان عليه لأن العادة كالوكالة قياساً على مسألة الأضاحي، البرزلي: يريد والأنكحة والأيمان. قلت: ومراده بالأضاحي ما أشار له (خ) في الأضحية بقوله وصح إنابة بلفظ أو بعادة كقريب الخ. وبالأنكحة ما أشار له أيضاً بقوله في النكاح، وإن أجازه مجبر في ابن وأخ وجد فوض له أموره ببينة جاز الخ. وبالأيمان ما أشار له أيضاً بقوله فيها وبر إن غاب بقضاء وكيل تقاض أو مفوض وهل ثم وكيل ضيعة أوان عدم الحاكم الخ. ولذلك أيضاً أفتى ابن عرفة وغيره بتصديق الأخ في دفعه لأخته ما قبضه لها من كراء رباعها سنين كما في ابن ناجي محتجين بأنه وكيل لها عادة، فلو قال الناظم بدل هذا البيت ما نصه: وصححت بالنص أو بالعاده *** فالزوج والشبه على الوكاله وقد مر ذلك إثر قوله: ومن على قبض صبياً قدما الخ. لأجاد لتكون فيه إشارة إلى أن صيغة الوكالة اللفظ أو ما يقوم مقامه كما مرّ أي فتصرف الزوج ونحوه من أخ أو ابن أو أب محمول على الوكالة مع العرف بذلك. ابن شاس: ولا بد مع الصيغة من القبول فإن وقع بالفور فواضح وإن تأخر ففي لغوه قولان. وعلى الثاني اقتصر ناظم العمل حيث قال: وليس يشترط للوكيل *** يوماً إذا وكل من قبول يريد: إنه لا يشترط القبول بالفور بل إذا قام بها داخل ستة أشهر كفاه ذلك على التفصيل المتقدم. (وموت زوج) مبتدأ ومضاف إليه (أو وكيل) معطوف عليه (إن عرض) شرط وفعله (من غير) يتعلق بمحذوف حال من فاعل عرض (دفع) مضاف إليه (ما) موصول مضاف إليه أيضاً من إضافة المصدر لمفعوله (بتحقيق) يتعلق بقوله (قبض) والجملة صلة والرابط محذوف أي قبضه، وأفرد الضمير لكون العطف بأو. (من ماله) يتعلق بقوله (يأخذ) والجملة جواب الشرط وارتفع الفعل لقول ابن مالك. وبعد ماض رفعك الجزا حسن. (ذاك) مفعول به والإشارة للمقبوض بالتحقيق (قائم) فاعل بيأخذ (بالفور) يتعلق بعرض أو بقائم على وجه التنازع، والجملة من الشرط والجواب خبر المبتدأ، ومعناه أن الوكيل بالعادة كالزوج ونحوه أو الوكيل بالنص إذا عرض موت أحدهما بفور ما قبضه بالتحقيق من أثمان المبيعات التي باعها أو الديون التي اقتضاها ونحو ذلك ولم تعلم براءته من ذلك، وهو معنى قوله من غير دفع ما بتحقيق الخ. فإن الزوجة والموكل يأخذان ذلك المقبوض من تركة الوكيل أو الزوج إن قاما حينئذ وادعيا عدم الدفع، وظاهره أنه لا فرق بين المقبوض إليه وغيره. ( والعكس) مبتدأ (لعكس) يتعلق بالخبر الذي هو (لازم) أي: والعكس الذي هو عدم الأخذ لازم للعكس وهو عروض الموت بعد طول كالشهر ونحوه، وإنما على من يظن به العلم من الورثة اليمين أنهم لا يعلمون بقاء شيء من ذلك بيد الوكيل. ابن عرفة: وإن مات يعني الوكيل بحدثان قبضه كان في ماله وبعده مما يمكن فيه القضاء والدفع فلا شيء عليه اه. وقال ابن أبي زمنين: إن مات الزوج والوكيل بحدثان ما جرى على أيديهما فذلك في أموالهما إذا عرف القبض وجهل الدفع والمرأة والوكيل يدعيان ذلك، وإن كان الموت بغير الحدثان فلا شيء في أموالهما اه. وبهذا أفتى ابن لب في رجل قبض ميراث زوجته في أبيها وتوفي، وأن الزوج إن مات بحدثان القبض فذلك لازم لتركته بعد يمين القضاء، وإن كان بعد الشهر ونحوه حمل على أنه قد دفع ما قبض هذا إن كان القبض بإذن الزوجة فإن كان تجاسر أو تحامل عليها فهو في ماله وتركته اه. بنقل (م) ببعض اختصار، وقوله إن كان القبض بإذن الزوجة الخ. يعني إن كان العرف أن الزوج لا يتصرف لزوجته وإلاَّ فهو وكيل بالعادة كما مرّ. وفهم من قوله قائم بالفور أن الزوجة والموكل حاضران بالبلد، وأما إن كانا غائبين وقبض الوكيل ومات في غيبتهما فذلك في ماله من غير تفصيل، وفي ابن سلمون ومن وكّل وكيلاً على النظر في غلاته وغاب ثم قدم وقد مات الوكيل حلف المكترون لحوانيته ودوره وكان القول قولهم ورجع هو به في مال الوكيل إلا أن يذكر لذلك سبباً قبل موته من سبب أو إنفاق يعرف وكذلك الوصي اه. قلت: ويقيد بما يأتي في باب الكراء من أن القول للمكتري في سالف المدة ما عدا شهرين من آخرها فإن القول فيهما قول المكري إنه لم يقبض كراءهما على ما به العمل بفاس قاله المكناسي وغيره، وكذا يقيد أيضاً بما في المعين من أن الوكيل أو الزوج إذا أقر عند سفرهما أو مرضهما أو دون ذلك ببقاء ذلك بأيديهما، ثم اختلفا بعد ذلك أو بعد الصحة أو القدوم لكلف الوكيل البينة على الدفع وإلاَّ حلف الآخر وغرم اه. وإذا كان يكلف البينة في الحياة فكذلك في الموت لأنه بإقراره صار كالدين في ذمته كما صرح به في المعين أثر ما مر عنه، ومفهوم قوله: وموت الخ. أن العزل ليس كذلك بل يصدق الوكيل إن ادعى الدفع قبل العزل على المشهور كما مرّ لا أن ادعاه بعده فلا يصدق إلا ببينة لأنه بعد العزل ليس أميناً له.
|